حينما عادت الحياة إلى جسد الأمّة الإسلاميّة ـ بعد انتهاء مرحلة الموت السريريّ ـ من خلال الانتصار التاريخيّ للشعب الإيرانيّ المسلم بقيادة الإمام الخميني(قده)، راهن المعسكران الغربيّ والشرقيّ على انطفاء وهج الحماس الثوريّ المنبعث من منطلقاته الدينيّة الّتي تستوعب كافّة المسلمين، بل كافّة الأحرار، في مدّة أشهرٍ قلائل، وإلاّ فسنواتٍ مثلها، وبعد أن خاب ظنّهم وبان فشلهم، تحرّكوا بأدوارٍ متعدّدةٍ في ظلّ هدفٍ موحّدٍ، ألا وهو القضاء على الإسلام المحمّديّ الأصيل؛ لضمان استقرار الغدّة السرطانيّة «الكيان الصهيونيّ الغاصب»، ومن تلك الأدوار:
ـ بدؤوا في إثارة الأقلّيّات المختلفة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، مستغلّين ما أسموه مرحلة الفوضى الّتي تمرّ بها الثورة.
ـ دعم المجموعات الإيرانيّة المعارضة، من قبيل فلول الشاه المقبور وبعض التنظيمات الّتي حملت السلاح لمحاربة الثورة كمنافقي خلقٍ.
ـ الحصار الاقتصاديّ والسياسيّ الّذي تتزعّمه أمريكا بمعيّة الدول الأوروبّيّة.
ـ الحرب العسكريّة المفروضة الّتي شنّها المقبور صدّام حسين.
وبعد أن تبيّن عدم جدوائيّة هذه الأمور، لجئوا إلى سلاح الفتنة الطائفيّة لمحاصرة المدّ الثوريّ الإسلاميّ، ومنع تأثيره ـ كما يزعمون ـ من الوصول للمناطق السنّيّة في البلاد الإسلاميّة، عبر تأطيره بإطارٍ شيعيٍّ.
حيث إنّ انتشار المدّ الثوريّ الإسلاميّ يشكّل خطراً على الوجود الصهيوأمريكيّ في المنطقة؛ باعتبار أنّ ركيزته الأساس هي الوحدة الإسلاميّة الباعثة للصحوة، ممّا يستدعي توجّه أنظار كافّة المسلمين إلى العدوّ المشترك الّذي اغتال الأمين العامّ لحزب الله، السيّد عباس الموسويّ، ودمّر الضاحية ـ وهي معقل حزب الله ـ في لبنان الجريح، كما اغتال مؤسّس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، ودمّر قطاع غزّة ـ وهو معقل حركة حماس ـ في فلسطين المغتصبة.
فقذائف إسرائيل ـ الأمريكيّة الصنع ـ لم تفرّق بين مسلمٍ سنّيٍّ ومسلم شيعيٍّ، فدم المسلم السنّيّ امتزج بدم أخيه المسلم الشيعيّ في بحر الشهادة والذود عن الإسلام العزيز والحفاظ على المقدّسات، وبهذا الدم سيتحقق النصر الآتي بإذن الله تعالى، وما يهوّن الخطب هو وجود رجالاتٍ من الطائفتين الكريمتين ـ السنّيّة والشيعيّةـ واجهوا هذه المؤامرة بوعيهم الإسلاميّ، وإخلاصهم وحرصهم على دين الله(عزّ وجل)، وإعلاء كلمة: «لا إله إلا الله، محمّدٌ رسول الله»، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
ـ الشيخ سليم البشريّ، وهو شيخ الأزهر في وقته، الّذي قال في رسالةٍ وجّهها للسيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ: «العمل بمذهبهم ـ أي مذهب الشيعة الاثني عشريّةـ يجزئ المكلّفين، ويبرئ ذممهم، كالعمل بأحد المذاهب الأربعة بلا ريبٍ»(1).
ـ الشيخ حسن البنا، رائد الحركة الإسلاميّة المعاصرة، وواحدٌ من الروّاد الّذين عاشوا فكرة التقريب بين الشيعة والسنّة، فكان من المساهمين في أعمال التقريب بين المذاهب.
ـ الشيخ عبد الحليم سليم، شيخ الأزهر، والمرجع الأعلى للإفتاء وقتها.
ـ الشيخ محمود شلتوت، وهو شيخ الأزهر في وقته، الّذي أفتى بفتواه المشهورة: «إنّ مذهب الجعفريّة ـ المعروف بمذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّةـ مذهبٌ يجوز التعبّد به شرعاً، كسائر مذاهب أهل السنّة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلّصوا من العصبيّة ـ بغير الحقّ ـ لمذاهب معيّنةٍ، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعةٍ لمذهبٍ، أو مقصورةً على مذهبٍ، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم، والعمل بما يقرّونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات»(2).
ـ الشيخ محمّد الفحّام، وهو شيخ الأزهر في وقته، وقد بعث برسالةٍ للشيخ حسن سعيد، ـ وهو من كبار علماء طهران ـ مسترجعاً ذكرياته في طهران عام 1970م، حيث ذكر فيها: «وقد أماجت هذه الزيارة في نفسي ذكرياتٍ جميلةً، ذكريات الأيام الّتي قضيتها في طهران سنة1970، فعرفت فيها طائفةً كبيرةً من طوائف العلماء الشيعة الإماميّة، وعرفت فيهم الوفاء والكرم الّذي لم أعهده من قبل، وما زيارتهم اليوم إلا مظهر وفائهم، جزاهم الله كلّ خيرٍ، وشكر لهم مسعاهم الجميل في التقريب بين المذاهب الإسلاميّة الّتي هي في الحقيقة والواقع شيءٌ واحدٌ في أصول العقيدة الإسلاميّة الّتي جمعت بينهم على صعيد الأخوّة الّتي جسّدها القرآن، حيث يقول: {إِنمَّاَ المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}»(3).
وغيرهم الكثير من العلماء، هذا على صعيد علماء الطائفة السنيّة الكريمة.
أمّا على صعيد علماء الطائفة الشيعيّة الكريمة، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر:
ـ السيّد عبد الحسين شرف الدين العامليّ، صاحب كتاب المراجعات، الّذي هو عبارةٌ عن مجموعةٍ من المناظرات العلميّة الراقية من حيث الشكل والمضمون، بين السيّد عبد الحسين شرف الدين وشيخ الأزهر الشيخ سليم البشريّ.
ـ آية الله العظمى السيّد حسين البروجرديّ، وهو المرجع الأعلى لحوزة قمّ المقدّسة العلميّة في وقته.
ـ الشيخ محمّد تقي القمّيّ، وهو مبعوث السيّد البروجرديّ للأزهر الشريف.
ـ السيّد نوّاب صفويّ، مؤسّس حركة «فدائيّي الإسلام»، وقد زار جامع الأزهر الشريف والتقى بشيوخه، وقد قال: «لنعملْ متّحدين للإسلام، ولننسَ كلّ ما عدا جهادنا في سبيل عزّ الإسلام، أما آن للمسلمين أن يفهموا ويدعوا الانقسام إلى شيعةٍ وسنّةٍ؟!».
ـ الإمام الخمينيّ، مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، الّذي تميّزت خطاباته بشعار الوحدة الإسلاميّة، ومقارعة الشيطان الأكبر والغدّة السرطانيّة، وقد قال في إحدى خطاباته عام 1384هـ: «الأيدي القذرة الّتي تبثّ الفرقة بين الشيعيّ والسنّيّ في العالم الإسلاميّ، لا هي من الشيعة ولا من السنّة، إنهّا أيدي الاستعمار الّتي تريد أن تستولي على البلاد الإسلاميّة من أيدينا، والدول الاستعماريّة ـ الدول الّتي تريد نهب ثرواتنا بوسائل مختلفةٍ وحيلٍ متعدّدةٍـ هي الّتي توجد الفرقة باسم التشيّع والتسنّن».
ومن جملة هؤلاء العلماء السائرين على هذا النهج القويم، سماحة العلاّمة الحجّة الشيخ عيسى أحمد قاسم(حفظه الله)، وهو شمسٌ في سماء البحرين، عُرِفَ بتقواه وكفاءته العلميّة، وحرصه على السلم الأهليّ وتفعيل الوحدة الإسلاميّة والوطنيّة، وفي هذا السياق أطلق المجلس الإسلاميّ العلمائيّ ـ الّذي يترأّسه سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم(حفظه الله)ـ شعار المجلس لعام 1428هـ تحت عنوان: (نحو وحدةٍ وطنيّةٍ وإسلاميّةٍ جامعةٍ).
وفيما يلي أستعرض قراءةً شاملةً لمفهوم الطائفيّة الّذي تناوله سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم(حفظه الله) في خطب الجمعة على مدى سنواتٍ عدّةٍ.
الطائفيّة البغيضة:
يرى سماحته في الطائفيّة بأنهّا استعداءٌ من طرفٍ لطرفٍ، واستباحة إضْرارٍ به، وشرخٌ اجتماعيٌّ، وتربية أجيالٍ على الكراهية، وأنّ لها لغتين، لغةٌ لفظيّةٌ، ولغةٌ عمليّةٌ، وكلٌّ منهما لغةٌ فعّالةٌ مفسدةٌ تهدم الصالح من البناء، ولا تتحدّد بحدودٍ، بل تنتشر كانتشار النار في الهشيم.
يقول سماحته: «للطائفيّة لغتان؛ لغةٌ لفظيّةٌ، ولغةٌ عمليّةٌ، وكلّ منهما لغةٌ فعّالةٌ مفسدةٌ، تهدم الصالح من البناء، وإذا كان لها أن تقيم شيئاً فإنمّا تقيم عمارةً خراباً، ولا أرى في الطائفيّة المجنونة إلا أنهّا تهدم كلّ خيرٍ، ولا تستطيع أن تقيم على الأرض صالحاً.
الطائفيّة استعداءٌ من طرفٍ لطرفٍ، واستباحة إضرارٍ به، وشرخٌ اجتماعيٌّ واسعٌ، وتربية أجيالٍ على الكراهية، وسلب حقوقٍ، وإسقاط قيمةٍ، ومشاعر بغضاءٍ بلا عقلٍ ولا إيمانٍ.
وطائفيّة الكلمة ـ أي الّتي تأتي عن كلمةٍ ـ لا تبقى طائفيّة كلمةٍ، وإنمّا تمتدّ إلى كلّ مساحات الحياة لتصبغها بلون الطائفيّة السوداء الكالحة.
وطائفيّة منطقةٍ لا تبقى طائفيّة منطقةٍ، إنمّا من شأنها أن تمتدّ إلى كلّ مناطق المسلمين، وإلى كلّ أقاليمهم لتنشر الخراب، لتنشر البغضاء، لتنشر سُنّة الاحتراب، فإذا حدثتْ طائفيّةٌ في العراق فعلينا أن نفكّر فيها هنا، إذا حدثتْ طائفيّةٌ في الكويت فعلينا أن نفكّر فيها هنا، إذا حدثتْ طائفيّةٌ هنا فعلى كلّ المسلمين أن يفكّروا فيها للتّخلّص منها.
وطائفيّة المساجد لا تبقى طائفيّة مساجد، وإنمّا تخترق كلّ الجدران، وكلّ الأبواب، ولو كانت الجدران محكمةً، ولو كانت الأبواب موصدةً لتدخل الجامعة، لتدخل الدائرة، لتدخل السوق، لتدخل كلّ قرارٍ، لتدخل أفكار الصبية، أفكار الصبايا، أفكار الشيوخ، أفكار كلّ الأعمار لتدمّر، لتفسد، لتحوّل الحياة عذاباً.
والطائفيّة منطلقاً هي إمّا سياسيّةٌ مربوطةٌ بسياسةٍ داخليّةٍ، أو سياسيّةٌ مربوطةٌ بسياسةٍ خارجيّةٍ، وكلاهما شرٌّ.
كلّ سياسةٍ تتّخذ من الطائفية مركباً لتثبيت قدمها هي سياسة شرٍّ قتّالةٍ لنفسها والآخرين، وقد يكون منطلق الطائفيّة هو الحقد العامّ على الإسلام من غير المسلمين، ومن أعداءٍ داخليّين في المجتمع الإسلاميّ، ويأتي منطلقٌ آخر خطيرٌ أيضاً، وهي العصبيّة العمياء بخلفيّةٍ من تربيةٍ جاهلةٍ لا تعرف الإسلام، ولا تقدّر الأمور، وتقوم في تنشئتها للجيل على الكراهية البغيضة للمسلمين، والاستخفاف بكلّ فهمٍ للإسلام غير الفهم الّذي تربّت عليه حتّى لو كان هذا الفهم سقيماً؛ فلا بدّ من بعد ذلك من تيّارٍ عامٍّ داخل المسلمين، تيّارٍ معتدلٍ يرفض الدعوات والمواقف الطائفيّة ويدينها بصورةٍ مبكّرةٍ، وبشكلٍ جدّيٍّ حازمٍ.
وحين تُثار الطائفيّة في أيّ بلدٍ يجب أن يهبّ ضدّها كلّ المسلمين؛ لأنهّا لن تحرق طائفةً منهم فحسب، وإنمّا ستكون محرقةً كلّ الطوائف والفئات»(4).
ويرى سماحته بأنّ نشر العداوة بين الطائفتين الكبيرتين المسلمتين هو هدمٌ لكيان المسلمين، وتمكينٌ للأعداء، وحذرٌ ـ في سياق كلامه ـ من صنّاع الطائفيّة، وقدّم دعوةً للنخبة ـ شيعةً وسنّةًـ وكلّ المهتمّين بشأن الإسلام، بأن يوحّدوا الصفّ في مواجهة دعوات التفريق والتخريب الّتي تستهدف صفوف المسلمين.
يقول سماحته: «نشْر العداوة بين الطائفتين المسلمتين الكبيرتين هدمٌ لكيان المسلمين، وتمكينٌ لأعداء الله منهم، لا يفعّل تأجيج هذه العداوة وإشعال نارها إلا غافلٌ أو مجرمٌ، وهناك صنّاعٌ للطائفيّة، أتحدّث عن بعضهم، على مستوى العناوين فقط:
1) شخصٌ جاهلٌ، أَسَرَتْهُ ـ هذا الشخص الجاهل، ومن يقابله قد يكون عالماً، وقد يكون مثقّفاً بالثقافة غير الفقهية، وقد يكون زعيماً سياسيّاً، وقد يكون غير ذلك ـ النظرة الخانقة، فهو ينظر للإسلام نظرةً خانقةً، مجزوءةً، ليست له النظرة الّتي يستطيع من خلالها أن يرى أين تكمن مصلحة المسلمين، وأين تكمن مصلحة الحقّ، إذا كان المذهب السنيّ هو الحقّ فهل تكمن مصلحة المذهب السنّيّ في أن يشنّ حرباً على التشيّع؟ وهو يلتقي معه في مساحةٍ كبرى من الإسلام؟ وإذا كان الحقّ كلّ الحقّ في التشيّع فهل من صالح التشيّع أن يشنّ حرباً على التسنّن في البلاد الإسلاميّة وغير الإسلاميّة والسنّة تلتقي مع الشيعة في كثيرٍ من القضايا؟ وهل أنّ الفكر الشيعيّ الصافي الأصيل، وما قدّمه الأئمة(ع) من دروسٍ نظريّةٍ وعمليّةٍ في هذا المجال، تبعث على شنّ حربٍ من هذا النوع؟ أو أنّ الأئمة(ع) يرفضون أن تخلق حالةٌ من العداوة، وأن تضرم نار العداوة بين المسلمين، وأنّه إذا كانت هناك دعوةٌ ـ ولتكن ـ فإنمّا هي دعوةٌ على منوال ما أوصى به الكتاب الكريم {ادْعُ إِلىَ سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ}، وعندنا: {جَادِلهْمْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
2) غزارة الحقد الّذي قد يغزو القلب والإنسانُ في سنيّه الأولى، جدّةٌ غافلةٌ، أبٌ غافلٌ، أمٌّ غافلةٌ، بدل أن توضّح حدود الحقّ وتميّز الحقّ عن غيره، وما ينبغي أن يكون عليه التعامل بين المسلمين من الخلق الرفيع، والتراحم والتعاون على الخير، ورفع حاجة المحتاج، وعوز المعوز، شيعيّاً كان أو سنيّاً، هذه الجدّة أو تلك الأمّ أو ذلك الأب يزرع الحقد على الشيعة والتشيّع، أو على السنّة والتسنّن، ليس مطلوباً منّا أبداً أن نزرع هذا الحقد في نفوس أبنائنا، مطلوبٌ جدّاً جدّاً أن نقدّم لهم الرؤية الدينيّة الصافية، والمدرسة الحقّ، وهي مدرسة أهل البيت(ع)، وعلينا مع ذلك أن نزرع في نفوسهم الخُلُق الإسلاميّ، وكيفيّة التعامل الصحيح مع المسلمين.
3) عالمٌ لا ورع له، أو أيّ شخصٍ، شخص لا ورع له يبحث عن جمهورٍ من طائفةٍ سنّيّةٍ أو شيعيّةٍ لأغراضٍ دنيويّةٍ.
4) شخصٌ يعمل على التفريق بين المسلمين بالوكالة عن عدوّهم، ويتقاضى أضخم الأجور على هذه العمالة.
5) حاكمٌ يعتمد في تثبيت حكمه ووضعه على إضعاف الأمّة بالفُرقة، ولقد كان دور الدولتين الأمويّة والعبّاسيّة في التفريق بين المسلمين واضحاً جدّاً حتّى أُبعد مذهب الإمام جعفر الصادق(ع)، وأُسْقِطَتْ صحّة التعبّد به وهو أصل المذاهب.
وهنا الدعوة تتوجّه للنّخبة ـ من الشيعة والسنّة، ولكلّ المهتمّين حقّاً وصدقاً بشأن الإسلام ـ بأن يوحّدوا الصفّ في مواجهة دعوات التفريق والتخريب الّتي تستهدف صفوف المسلمين»(5).
نظريّة الفوضى البنّاءة والدم الحرام:
لا يخفى ما للدم الحرام من حرمةٍ في الإسلام، وإن أحلّه فراعنة الأرض ومروّجو شريعة الغاب بستار الديمقراطيّة، فإباحة الدم الحرام من خلال خلْق فوضى في المجتمعات الإسلاميّة ـ من قِبَلِ ساسة الاستكبارـ عن طريق الحروب الطائفيّة غايته إيجاد حالة اليأس من الإسلام، والتشكيك في قدرته على تلبية حاجة الفرد والمجتمع، ومن ثَمَّ طرْح بديلٍ في المجتمعات الإسلاميّة، ألا وهو ديمقراطيّة الغرب بخلفيّتها الفكريّة، وبأخلاقيّاتها، وبأهدافها المادّيّة بعيداً عن قيم الدين.
يقول سماحته: «تحِلّه ـ أي الدم الحرام ـ دائماً مطامع المستكبرين، ويحِلّه الجهل بالإسلام، والبُعد عن الإسلام، أُحلّ الدم الحرام:
ـ سنّيّاً سنّيّاً: فهو حلالٌ على هذا المستوى في أفغانستان، وفي فلسطين، وفي تركيا، والجزائر، والصومال، والسودان.
ـ وأُحلّ سنّيّاً شيعيّاً: كما هو الوضع في العراق وفي باكستان.
ـ ويمكن أن يحلّ شيعيّاً شيعيّاً في معارك أخرى، وهو قد حصل في إيران، وفي لبنان، أقول وراء أن يحلّ الدم المسلم الحرام مطامع استكباريّة عالميّة من الخارج تُثير الفتن في داخل هذه الأمّة وتُغذِّيها تحت شعارٍ مُدمِّرٍ تبنّاه جناحٌ متطرّفٌ في أمريكا، وهو ما يُسمّى بالفوضى البنّاءة، والفوضى البنّاءة تعني أن يُعمل جدّاً ـ ومن خلال كلّ الوسائل ـ على خلْق فوضى في المجتمعات الإسلاميّة عن طريق الحروب الطائفيّة والقوميّة والعرقيّة وإلى آخره، وهذه الفوضى هي الّتي يمكن من بعد ذلك ـ ومن بعد أن يحصل يأسٌ من الإسلام، ومن حلٍّ من الداخل ـ أن تقود إلى ديموقراطيّة الغرب بخلفيّتها الفكريّة، وبأخلاقيّتها، وبأهدافها المادّيّة بعيداً عن قيم الدين، وعن انتماء هذه الأمّة إلى الهويّة الإسلاميّة، وبحيث تضمن تبعيَّة الأمَّة للمستكبر.
فيا شيعة وسنّة في الخليج وفي البحرين، احذروا؛ فإنّكم غير متروكين، فمصالح من الخارج، وربما تبعتها مصالح من الداخل، أو كانت معها في عرضٍ واحدٍ تتجّه إلى خلْقِ الفتنة الحارقة داخلكم، فابغضوا قلماً يثير الفتنة، حاربوا هذا القلم، وابغضوا وحاربوا أيّ لسانٍ يثير مسألة الطائفيّة البغيضة، لا تحتاج إلى نظرٍ ممعنٍ حتّى تعرف أنّ فتنةً سيّئةً قاتلةً مقصودةٌ لهذا المحيط الخليجيّ، ووقود هذه الفتنة مستضعفو الشيعة والسنّة، فيا إخوتي السنة والشيعة، احذروا أن تكونوا وقوداً لأطماع المستكبرين؛ مستكبري أمريكا، ومستكبري أوروبّا، وكلمةٌ للحكومة: قليلٌ من عدلٍ يقي كثيراً من شرٍّ، وفي العدل ـ لا الظلم ـ دوام المُلك، والفتنة لا تحمي ملكاً، وإنّما تُدمِّر أوطاناً، وتُهلك الحرث والنسل، والغَلَبة في فتن البيت الواحد هزيمةٌ، والفتنة من الطابع السياسيّ ـ وحيث لا تتعدّاه ـ خطيرةٌ مدمِّرةٌ، أمّا الفتنة السياسيّة أو غيرها إذا دخلها العنصر الدينيّ أو المذهبيّ فهي أكثر خطورةً وأشدّ تدميراً، ليرحم أصحاب الفتنة هذا البلد الصغير بكلّ فئاته وأبنائه، ومنهم هم نفسهم»(6).
وفي صدد حديثه عن الشحن الطائفيّ الموبوء بجراثيم الحقد والكراهية، الّذي تتعرّض له الساحة الإسلاميّة العامّة، والساحة المحلّيّة، يقول سماحته: «المنطقة مشتغلةٌ بالتحضير الميدانيّ العسكريّ، والسياسيّ، والنفسيّ، وعلى كلّ الأصعدة لحربٍ عدوانيّةٍ جديدةٍ بإرادةٍ وتخطيطٍ أمريكيّين، والفتنة الطائفيّة بين الإخوة من أبناء الأمّة الإسلاميّة الواحدة وقع الاختيار عند المخطِّط على أن تكون من بين الآليّات الفعّالة الأهمّ في هذه الحرب، ومعلومٌ أنّ تأثير الفعل يحتاج إلى قابلٍ، والمسلمون ـ حسب واقع علاقاتهم حتّى داخل المذهب الواحد والقوميّة الواحدة والقطر الواحدـ لا يملكون عصمةً أمام مؤامرات الفرقة والشتات والاقتتال، وذلك من بُعدٍ شاسعٍ ارتكبوه عن الإسلام، ونحن على يقينٍ بأنّ تأجيج الفتنة بين المسلمين، وإثارة الأحقاد والأراجيف المفسدة في صفوفهم، ممّا يغضب الله ورسوله(ص)، ويمكّن منهم أعداءهم والمتربّصين بهم الدوائر، والساحة العامّة الإسلاميّة، والساحة المحلّيّة في هذا البلد تتعرّض لشحنٍ طائفيٍّ فوق العادة، وضخٍّ مستمرٍّ لمشاعر الحقد والكراهية بين المسلم الشيعيّ والمسلم السنّيّ، ولكلماتٍ تستفزّ النفوس، وتدفع إلى المواجهات المجنونة الّتي حرّم الله تبارك وتعالى ورسولُه(ص).
وهي كلماتٌ تُحذّر دائماً طائفةً من المسلمين بأنّ حرب الطائفة الأخرى لها على الأبواب، وأنهّا مصمّمةٌ أن تسلبها كلّ المواقع والامتيازات إلى حدّ الإسقاط والإلغاء، وسحق المذهب الآخر، وكأنّ الطائفة الأولى صفرٌ على الشمال، ولا تملك أيّ إمكاناتٍ للدفاع عن نفسها، الله أعلم ماذا وراء كلّ هذه التهويلات والاختلاقات والتوهّمات من تصورٍ وتصديقٍ وتوقّعٍ، ونيّةٍ في نفوس أصحابها، وليست لنا وقفة مناقشةٍ حتّى موضوعيّةٍ مع هذه الممارسات، ولكن من الضروريّ أن نذكّر النفس وكلّ الإخوة من المسلمين شيعةً وسنّةً بوجوب الحذر من الانسياق وراء هذا التخويف للمسلم من مسلمٍ، وحرْق العلاقات الإسلاميّة بينهما لحساب الاطمئنان إلى الأجنبيّ الّذي ما فتأ يكيد بالإسلام والمسلمين، كما ندعو المستهدفين بهذه الحملات المنظّمة المستعرة إلى مقابلتها بالصبر أو التصبُّر وقايةً لشرٍّ مستطيرٍ يوقع المسلمين كلّهم في هول أعظم نكبةٍ، علينا أن نصرّ بأن يضع الشيعيّ يده في يد السنّيّ، وأن يضع السنّيّ يده في يد الشيعيّ، غير ملتفتين إلى كلّ الأصوات النشاز من هذا الطرف أو ذلك الطرف ممّن يُريد أن يُشعل الفتنة»(7).
الطائفيّة العباديّة والطائفيّة السياسيّة:
يرى سماحته أنّ الطائفيّة في منطلقها العباديّ واقعٌ لا مفرّ لنا من الاعتراف به، وهو موجودٌ في المذهب الواحد فضلاً عن المذاهب المتعدّدة، ولا معالجة جذريّة بالنسبة لهذا الواقع إلا بظهور الإمام المنتظر(عج)، بيْد أنّ الحوار العاقل والهادئ مسألةٌ دينيّةٌ حتميّةٌ للتعاطي مع هذا الواقع.
يقول سماحته: «هناك طائفيّةٌ عباديّةٌ في داخل الإسلام، المذهب السنّيّ والمذهب الشيعيّ يختلفان بدرجةٍ من الاختلاف في مسألة العبادات، كيفيّة العبادة، هناك اختلافٌ على قضيّة الإمامة، هذا الاختلاف من دون الاختلاف على الإمامة، وهنا الاختلاف الفقهيّ نجده في المذهب الواحد، ونجده عند الفقيه الواحد من فقهاء السنّة، من أئمّة السنّة الأربعة، يقول بالرأي ثم يصير إلى رأيٍ اجتهاديٍّ غيره؛ لأنّ المسألة عند مالك والشافعيّ وأبي حنيفة مثلاً، المسألة عندهم مسألة اجتهادٍ.
الشيء الّذي لا نرتقبه من الإمام المعصوم(ع) هو أن يتغيّر الرأي الواقعيّ عنده، الإمام(ع) عمليّة توصيل الحكم عنده ـ والتوفّر على الحكم ـ ليست قائمةً على الاجتهاد، المهم، هذا الاختلاف العباديّ الّذي يقسّمنا طائفتين من ناحيةٍ عباديّةٍ، لا مفرّ لنا من الاعتراف به، ولا معالجة سريعة ولا طويلة المدى بالنسبة إليه إلا يوم أن يظهر الإمام القائم (عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه)، ويتبيّن كلّ المسلمين واقع الأمر، هناك ربما خرج شيعيٌّ من تشيّعه عناداً، ودخل أفواجٌ من السنّة في التشيّع استسلاماً للحقّ، ستجدون أنصاراً للإمام القائم(ع) في روسيا من الشيوعيّين، وفي الصين، وفي أمريكا، وفي كلّ مكانٍ، وربما تجدون من يواجه الإمام القائم (عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه) من داخل المساجد، حين يكون دخوله المسجد للإضرار، للتجسّس على المؤمنين لعدوٍ كافرٍ خارجيٍّ مثلاً»(8).
وفي صدد التعاطي الإيجابيّ مع الطائفيّة العباديّة، يقول سماحته موضّحاً ذلك بموقف أمير المؤمنين(ع) في تعاطيه مع معاوية: «علينا أن نتعامل معها التعامل الّذي أوصى به الله، تبقى أخوّتنا الإسلاميّة إذا طمعت في أن يكون أخي السنّيّ شيعيّاً، فليكن ذلك من خلال الحوار الهادئ والطرح العلميّ البعيد عن أيّ تعصّبٍ وتشنّجٍ، وإذا طمع أخي السنّيّ في أن أكون سنّيّاً معه، فليسلك نفس السلوك، وهذا هو الطريق الحقّ في هذه المسألة».
ويقول سماحته: «أمير المؤمنين(ع) لم يشنّ حرباً على معاوية لأنّ من معه كان لا يحترم أمير المؤمنين(ع) ولا يأخذ الحكم من طريقه، يعني ليس لأنّ أهل الشام لم يأخذوا أحكام صلاتهم و صومهم عن طريق أمير المؤمنين(ع) حاربهم..
إنمّا حاربهم لأنّ معاوية من البغاة، خارجٌ على إمام زمانه، أمّا مسألة اختلاف المذهب وأنّ أي عالمٍ كان يذهب مذهباً غير مذهب أمير المؤمنين(ع) في الفقه كان يحاربه(ع) لم يعرف عنه ذلك، فلا حرب بين المسلمين سنّةً وشيعةً، ولا إضرار دنيويّ لهذا الاختلاف المذهبيّ العباديّ»(9).
أمّا البليّة كلّ البليّة، فيرى سماحته بأنهّا تكمن في الطائفيّة السياسيّة ذات النفس الإقصائيّ الّتي يهندس لها ـ عادةًـ مهندسو السلطة ومواقع النفوذ، يقول سماحته: «البليّة كلّ البليّة في الطائفيّة السياسيّة، والطائفيّة السياسيّة ماذا تعني؟! تعني محاولة إقصاء طرفٍ لطرفٍ، محاولة تقزيمه في أعماله من ناحيةٍ ماليّةٍ، من ناحيةٍ ثقافيّةٍ، من ناحيةٍ أمنيّةٍ، هنا تجري محاولةٌ دائمةٌ لإقصائه وطرده عن مواقع التأثير، عن مواقع النموّ، عن مواقع الرشد وما إلى ذلك، الطائفيّة السياسيّة تعني استعمال الموقع ضدّ طائفةٍ معيّنةٍ، تعني تسخير الطاقات والإمكانات في هذا البلد أو ذاك من أجل ملاحقة طائفةٍ معيّنةٍ في مستواها العلميّ والثقافيّ والاقتصاديّ وما إلى ذلك.
هذه الطائفيّة في العادة من أين تبدأ؟ هل تبدأ من القاعدة؟ من الشعب؟ أو تبدأ في العادة من السلطة؟ المعقول والّذي يسمح به الواقع العمليّ أنّ الضعيف لا يتحرّش بالقويّ، وأنّ الضعيف يحاول أن يمهّد الطريق للمصالحة مع القويّ حتّى تسلم له بعض مصالحه، والسلطة بما تملك من إمكاناتٍ، وفي تقديرٍ من التقديرات، وفي حالة السلم أقوى من الشعب، الشعب أقوى من السلطة حين تهبّ ريح الفتنة، وحين تشتدّ وتشتعل نارها، أمّا في حالات السلم فالسلطة أملك للأمر، والناس ـ كلّ الناس ـ ليسوا طلاّب فتنةٍ، وتتعبهم الفتنة، ويحبّون الراحة والاسترخاء، ويحبّون التفرغ لأعمالهم ولأفكارهم، ولنمّوهم الذاتيّ، ولمصالحهم الشخصيّة، في المتصوّر أنّ الحرب الطائفيّة وأنّ الفتنة الطائفيّة، وأنّ الطائفيّة السياسيّة إنمّا تبدأ من موقع السلطة، وربما استجابت لها الشعوب بسرعةٍ، وإن كان عن غفلةٍ منها»(10).
ويقول سماحته ـ متسائلاً وهو ينتقد دعاة الطائفيّة وأبواق الصحافةـ : «لماذا إلهاب الجوّ؟! ودقّ طبول الحرب، حرب الطائفيّة؟! أنا في نظري أنّ الصحافة تخطئ كلّ الخطأ ـ إذا أحسنت النيّة ـ حين تحاول إثارة غبار الطائفيّة، والطائفيّة بغيضةٌ ممِزّقةٌ، تعبّر عن مرضٍ داخليٍّ قاتلٍ فتّاكٍ، من أحبّ إثارة الفتنة الطائفيّة من موقعٍ شعبيٍّ أو من موقعٍ رسميٍّ فهو إنمّا يحاول أن يهدم البيت على غيره وعلى نفسه، الوطن بيت الجميع، وعلى الجميع أن يرعوا هذا البيت، وأن يحافظوا على بنائه، وبناؤه لا يستقيم مع الفرقة والشتات والتناحر.
الصحافة تخطئ حين تثير جوّاً ملهِباً تدّعي أنهّا تحاول أن تعالج به أمر الطائفيّة، وهذه الحملة تمثّل في نفس الوقت إثارة روح الطائفيّة والتشنّج وإلفات أنظار الناس إلى ما يمكن أن يكون منبع فتنةٍ كبرى»(11).
وفي إطار رفضه للطائفيّة شعاراً ودعوةً وممارسةً، يقول سماحته: «لا للطائفيّة شعاراً، دعوةً، ممارسةً، لا للطائفيّة الّتي تستبيح الآخر، تنقص حقّه، تحاول تقزيمه والإضرار به، تسترخص حقوقه، تستهدف تهميشه، ترتاح لمظلوميّته، تتأخّر عن نصرته عند ظلمٍ مسّه، لا لطائفيّةٍ تمزّق المجتمع، تفصم عرى الألفة والمحبّة والأخوّة بين أبنائه، تهدم الجسور، وتحفر الخنادق، وتقطِّع الصلات، وتوسِّع الشُّقّة، وتوهن الإسلام، وتُطمع فيه أعداءه، نعم للاعتراف بالحقوق والمشاركة العامّة في المطالبة بها حتّى إقرارها، وإذا كنّا شيعةً وسنّةً فإنّ الإسلام يرعى حقوق الجميع، وإنّ المواطنيّة الواحدة قاعدةٌ لحقوقٍ ثابتةٍ مشتركةٍ، وهنا ينبغي التنبيه على أمرين مهمين:
أولاً: ينبغي أن لا يتضايق الشيعة من وصول إخوانهم السنة لشيءٍ من حقوقهم، وإنصاف الحكومة لهم والتوسعة عليهم في الوظائف والخدمات والمشاريع الدينيّة والثقافيّة وغيرها مما يشارك في راحة الحياة وتقدّم المستوى، والصحيح هو أن يفرح المسلم لخير أخيه المسلم، فهنيئا للإخوة السنّة أن يُوسّع عليهم، أن ينالوا حقوقهم، أن يتقدّم مستواهم.
ثانياً: من حقّ الشيعة ـ بل من واجبهم ـ أن يطالبوا الحكومة بكامل حقوقهم من حيث إنهم مواطنون كاملو المواطنيّة، وأن يصروا على تطبيق العدل والإنصاف بعيداً عن شعارات الطائفيّة، ولا يليق بالإخوة السنّة أن يحملوا هذه المطالبة بالحقّ من الشيعة على الطائفيّة؛ فإن الحقّ أحقّ أن يتّبع، والإنصاف فيه خير الجميع، وسدٌّ لأبواب الشرّ، ولا يصحّ أن يسرّ أحداً ظلم أخوةٍ له في الدين والوطن، وأن يقف من ذلك موقف المتفرّج الّذي لا يعنيه من جرح أخيه شيءٌ، ولا يسيئه اختلال موازين الحقّ والعدل والإنصاف.
وملخّص القول إنه إذا أردنا أن نكون مسلمين كما يحبّ لنا الإسلام ويرضى، فعلى الشيعيّ أن يفرح لخير أخيه السنيّ، وأنّه قد نال شيئاً من حقوقه في ذمّة الحكومة، وعلى السنّيّ أن يفزع لشرّ أخيه الشيعيّ، ويهبّ معه للمطالبة بحقه الثابت في ذمّة الحكومة، على أنّ الأمر لا يعني المواجهة بين حكومةٍ وشعبٍ، ولا يتّجه إلى خلْق حالة توتّرٍ وصراعٍ، وإنمّا كلّ الأمر هو أن يؤخذ بالعدل، وتؤدّي الحكومة وظيفتها الواجبة، ويعطى لكلّ ذي حقٍّ حقّه في جوّ من المودّة والمحبّة والاطمئنان الّذي يعمّ الجميع»(12).
الجرح العراقيّ وشبح الطائفيّة:
ويحذّر سماحته من تجربة العراق الجريح، ويقول: «كاد العراق أن يحترق طائفيّاً، وقد حاول عقلاؤه ـ ولا زالوا ـ يحاولون جادِّين أن يتجاوزوا به كارثة هذا الخطر المميت، وفي البحرين من يتعمَّد الاقتراب بواقعنا من إثم الانشقاق والمواجهة، ونداؤنا: لا تغرقوا سفينتكم الواحدة، ومن يفعل لا بدّ أنّه سيغرق مع من سيغرقون، وليس بيد طرفٍ دائماً أن يثير العاصفة، ويتراجع بها إلى الحدّ الّذي يريد، وفي الوقت الّذي يريد، لا يضمن أحدٌ نجاته من محرقة الفتنة الطائفيّة المجنونة، وإن احتمى بقلعةٍ أو اعتصم بجبلٍ، وإذا أسّس هذا الجيل لطائفيّةٍ حاقدةٍ فإن انفجرت ـ أي هذه الطائفيّةـ أيّامه فستحرقه، وإن تأخّر انفجارها فسيحترق بنارها جيلٌ لاحقٌ ليلعن سابقه بعد أن يُفيق على هول الكارثة، وخيانة المؤسّسين للفتنة»(13).
ويقول سماحته أيضاً وهو يحذّر من استيراد الفتن من الخارج أو صناعتها في الداخل: «ربما بدأتْ بوادر طائفيّةٌ تطفح على السطح في العراق منذرةً بتفجّرٍ خطيرٍ، وهي أمنيةٌ سعى إليها المحتلّ الأجنبيّ والإرهابيّون في العراق على السواء، وطائفيّة الخطف والذبح واستباحة المال والعرض والدم كفرٌ عمليٌّ لا إيمانٌ ـ وقيد الكفر بكونه عملياً لمن يفهمه ـ وجاهليةٌ لا إسلامٌ، وهي تمثّل مصيراً أسود ينتظر الإنسان والأرض باليابس منها والأخضر، ويرجى للعراق ألا يسقط في محرقة الطائفيّة البغيضة بدرءٍ من الله، ثمّ بجهد الواعين المخلصين المشفقين على مصير الإسلام والمسلمين من أبنائه، والقوى الإسلاميّة الخيّرة من خارجه.
وعلى البحرين أن تشارك ـ حكومةً وشعباًـ ما استطاعتْ في إطفاء هذه الفتن وأمثالها وأشباهها في العراق وأيّ بلدٍ آخر من بلاد الجوار وغيرها من أقطار الأمّة المسلمة، وأن نحذّر جميعاً من استيراد مثل هذه الفتن القاضية من الخارج، أو التأسيس لها ابتداءً من الداخل، فإنهّا خيار المجانين، والأمّة إذا لم تنكر هذه الجرائم البشعة مجاهرةً بإنكارها، وإذا لم تقفْ في وجهها بكلّ الوسائل الممكنة، فهي أمّةٌ مضيّعةٌ لدينها، خائنةٌ لأمانتها، متعرّضةٌ لغضبٍ من الله وعذابٍ أليم».
ويختم سماحته الحديث عن الجرح العراقيّ النازف، ويقول: «فلنتّقِ الله في دماء المسلمين وحرمة أهل القبلة، فأيّ شهادةٍ سيؤدّيها نهر دجلة بين يدي العدل الحكيم وهو يفيض بدماء الأبرياء من أهل القبلة، وتتقاذف أمواجه جثث المؤمنين شيباً وشبّاناً، ونساءً وأطفالاً، وهي ممثّلٌ بها، ألا من عاقلٍ؟! ألا من غيورٍ؟! ألا من منكرٍ؟! إمّا إنكارٌ وإلا بلاءٌ وعذابٌ من الله يعمّ هذه الأمّة»(14).
أسس الاتّحاد:
يرى سماحة الشيخ بأنّ الأمّة الواحدة لا بدّ لها من أسسٍ ترتكز عليها، وهذه الأسس في واقعها هي العمود الفقريّ لذلك الجسد الواحد، وقد تحدّث سماحته عن ثلاثةٍ من الأسس لاتحاد الأمّة، وهي تتفاوت من حيث التأثير:
1) الالتقاء الفكريّ.
2) القيم المعنويّة.
3) تشابك المصالح.
يقول سماحته: «للاتحّاد أسسٌ، الاتحّاد يقوم على الالتقاء الفكريّ أو التقارب الفكريّ، فما من أمّةٍ يمكن أن تنشأ وأن تتوحّد إلاّ وهي ترتكز إلى مرتكزٍ فكريٍّ واحدٍ تلتفّ حوله بفهمٍ واحدٍ، أو بفهمٍ متقاربٍ، ومن دون ذلك لا يمكن أن تقوم قائمةٌ لأمّةٍ، ولا يمكن أن يتحقّق اتحّادٌ»، ويقول أيضاً: «بالنسبة للاتحّاد في إطار الإسلام، حين يكون عندنا فهمٌ متكاملٌ للإسلام، لتعاليم الإسلام، لأخلاقيّات الإسلام، لمفاهيم الإسلام، لوصايا الإسلام، لأحكام الإسلام، كلّما كان اتحّادٌ في الفهم أو تقاربٍ في الفهم، لمجموع أحكام الإسلام، أخلاقيّات الإسلام، مفاهيم الإسلام، كلّما توحّدت الأمّة وانتظمتْ في مجموعةٍ كبرى متناسقةٍ ومنظومةٍ كبرى متناغمةٍ، كلّ جهودها تتلاقى من أجل إنجاح أمرها في الدنيا وفوزها في الآخرة»، وأيضاً: «لا بدّ من قيمٍ معنويّةٍ، الحياة لا يمكن أن تستمرّ حتّى دنيويّاً بغير قيمٍ معنويّةٍ، أقدّم مثالاً بسيطاً: الله(عزّ وجل) أوجب الصدق وحرّم الكذب، هذه قيمةٌ من قيم الدين، وهذا حكمٌ من أحكام الله(عزّ وجل)، استبدلوا هاتين القضيّتين بقضيّتين معاكستين، لو أُحِلَّتْ حرمة الصدق محلّ وجوب الصدق، ووجوب الكذب محلّ حرمة الكذب، ماذا سيكون؟ الأب يكذّب ابنه، والمربّي يكذّب تلميذه، الأمّ تكذّب ابنها، كلٌّ يواجه الآخر بالكذب، الطبيب، الحاكم، المحكوم، مراكز السفر، مراكز التموين، الكلّ يتعامل بالكذب، ولأعطي مدّة عشرة أيام أو أقلّ من هذا للتعامل بالكذب في العالم، فليتبنّى العالم خُلُق الكذب لعشرة أيامٍ فقط، في كلّ مؤسّساته، وفي كلّ بيوته، وفي كلّ مرافق وجوده، كيف ستكون الحياة؟! تأمّلوا قليلاً، ستجدونها تنتهي أو تقارب الانتهاء، الطيّار حين يكذّبك، أنت حين تكذّب الطيّار، بائع السمن حين يكذّبك، بائع الدواء حين يكذّبك، انظروا ماذا سيكون؟! فلا بدّ من قيمٍ، أيضاً تشابك المصالح يعدّ عاملاً من عوامل الاتحّاد وبناء الأمّة الواحدة، ولكنّه لا يكون بقوة عامل الالتفاف الفكريّ حول المحور الواحد، وعامل القيم المعنويّة وإن كان له دورٌ كبيرٌ جدّاً، تشابك المصالح يدفع للاتحّاد، ولمحاولة القضاء على الفتن وسدّ بؤرها»(15).
هل أنت طائفيٌّ؟
نرى سماحته يتجاهر بتشيّعه وانتمائه لمذهب أهل البيت(ع)، موضّحاً بأنّ ذلك الانتماء إنمّا هو عن نظرٍ وبرهانٍ، ترشّحت عنه قناعةٌ تامّةٌ وإيمانٌ أكيدٌ، ونراه أيضاً يدافع عن معتقدات الشيعة، ويبيّن رؤاها التوحيديّة الخالصة المستندة إلى الكتاب والسنّة، والمعتمدة على البراهين الساطعة والأدلّة القاطعة.
يقول سماحته: «تسألني هل أنت مذهبيٌّ؟ أقول لك: نعم، أنا مؤمنٌ بمذهبٍ معيّنٍ من المذاهب الإسلاميّة لا غبار عليه في رأيي، وهو المذهب المتلقّى عن أهل البيت(ع)، وانتمائي له عن نظرٍ وبرهانٍ ترشّحت عنه قناعةٌ تامّةٌ وإيمانٌ أكيدٌ، وفي الوقت نفسه لا أكفّر أحداً من إخواني المسلمين، ولا أكنّ لهم حقداً، ولا أستحلّ أن أمكر بهم لهذا المذهب أو ذاك، وتسألني: هل أنت طائفيٌّ؟ أقول لك: إذا كان ذلك بمعنى أنيّ أُحبّ لطائفتي الاستقامة والخير والتقدّم، وأحبُّ منها ولها العدل ـ وهو الشيء الّذي أُحبّه لكلّ المسلمين، بل ولكلّ إنسانٍ ـ فأنا ـ بهذا المعنىـ طائفيٌّ، وهو معنىً لا يُؤاخَذُ عليه أحدٌ أبداً، وهو من أكبر معاني الانفتاح الإنسانيّ الكريم، وإذا كان معنى الطائفيّة أن أحبّ لطائفتي الهدى ولغيرها الضلال، ولها الاستقامة وله الانحراف، ولها الخير وله الشرّ، وأن يسودها العدل وأن يُعامل الغير بالظلم، فهذه طائفيّةٌ أمجّها، وأكرهها، والسبب واضحٌ؛ ذلك لأنّ ديني ومذهبي يُكرّهُها لي ولكلّ منتسبيه، فهي طائفيّةٌ ينبذها القرآن الكريم، وسنّة المعصومين(ع)، وسيرتهم الوضّاءة الشريفة.
نعم، أبغض الكفر والفسق والظلم والعدوان أين كان، ومن أيٍّ كان، وأؤمن بمواجهته بما يُستطاع، ومن منطلق حبّ الخير للإنسان كلّ إنسانٍ؛ إذ لا خير في الكفر، والخير كلّه في الإيمان والهدى والاستقامة والالتزام»(16).
ويقول أيضاً وهو يدافع عن مذهب التشيع لأهل البيت(ع): «المسلمون كلّهم موحّدون، ومنهم أتباع أهل البيت(ع)، وتوحيد هؤلاء الأتباع ـ وهم الشيعة الاثنا عشريّةـ نقيٌّ خالصٌ لا شوب فيه؛ ففي هذه المدرسة لا اثنينيّة، ولا تعدّد على مستوى الذّات الإلهيّة المتعالية، ولا تعدّد في الصفات خارجاً، ولا بين الذّات والصفات كذلك، ولا مثليّة ولا تشبيه، ولا تجسيم ولا تعطيل، ولا جبر ولا تفويض، وإنمّا هو أمرٌ بين أمرين، والجبر مستلزمٌ للظلم، والتفويض مستلزمٌ للعزل، ولا محدوديّة من مكانٍ أو زمانٍ أو غيرهما.
وكما تقول هذه المدرسة بتوحيد الذّات والصفات، تقول بالتوحيد في الفاعليّة والخلق والتدبير والرزق، والتوحيد في التشريع، والتوحيد في العبادة والطاعة، وأن لا عبادة لغير الله، ولا طاعة لأحدٍ إلا بإذنه ومن أجله، وإجمالاً، ليس من حيثيّةٍ من حيثيّات التوحيد الصادق الدقيق إلا وتُلزم به عقيدة هذه المدرسة الّتي تعتمد كتاب الله وسنّة المعصومين(ع) هادياً ودليلاً، ولا تخرج على فطرة الروح والعقل ومسارهما القويم، وتقرّر هذه المدرسة شرط العصمة في الرسول(ص) وتشخّصه فيه كما في سائر الرسل، تقرّره وتشخّصه في الإمام من بعده بأدلّة قاطعةٍ ساطعةٍ، وتؤمن تمام الإيمان كسائر المسلمين باليوم الآخر وثوابته العقيديّة المشتركة.
وهل في هذا الإسلام من غبشٍ أو كدرٍ حتى يتبرّأ منه من يُفهم من كلامه بأنّ الشيعة على ملّةٍ وقيمٍ ـ والملّة الدين ـ وهو على ملّةٍ وقيمٍ أخرى؟! وأيّ قيمةٍ من قيم الإسلام وأخلاقه الكريمة لا تحتضنها مدرسة التشيّع الحقّ وتُصرّ عليها؟! وهل يستبيح الشيعة من مسلمٍ دماً أو عرضاً أو مالاً؟! أو يخرجون على خُلُقٍ من خُلُق القرآن العظيم والسنّة المطهّرة؟! وليُعلم بأنّ مريدي الفتنة لن يبلغوا مأربهم إن شاء الله، وسيقابلهم هذا الشعب شيعةً وسنّةً بوعيٍ توحيديٍّ وحدويٍّ يبطل سحرهم، وإنّنا لنطالب النيابة العامّة بتقديم المخرج للشيعة من الإسلام حسب المستظهر من لغة الصحافة المنسوبة إليه إلى المحاكمة لما في ذلك من تحريضٍ على الفتنة الطائفيّة والعنف والإضرار بالمواطنين الشيعة من أكثر من جانبٍ، ولما فيه من تقويضٍ للوحدة الوطنيّة وزرع روح الكراهية والعداوة الضارية بين المواطنين»(17).
فعلى الرغم من طائفيّته الإيجابيّة الّتي هي بمعنى أنّه يحبّ لطائفته الاستقامة والخير والتقدم، ويحبّ منها ولها العدل، وهو الشيء الّذي يحبّه لكلّ المسلمين، بل ولكلّ إنسانٍ، يقول سماحته: «أنا واحدٌ من هذا الشعب، ومن الطائفة الشيعيّة الّذي يؤمن بالمذهب الشيعيّ كلّ الإيمان ـ إن شاء الله ـ، وفي نفس الوقت أُعادي الشيعيّ الّذي يحاول أن يثير فتنةً طائفيّةً، وأواجه الشيعيّ الّذي يحاول أن يثير فتنةً طائفيّةً، وأواجه الصحافة الّتي تحاول أن تثير فتنةً طائفيّةً، وأواجه السلطة ما استطعتُ إذا حاولتْ أن تثير الفتنة الطائفيّة، فلنبقَ أخوةً مسلمين متحابّين، فليضعْ كلٌّ منّا يده في يد الآخر من أجل بناء وطنٍ واحدٍ متماسكٍ يعمر بالمحبّة والموّدة، ويسير على هدى الله، وفي طريق الله، وعلى أساسٍ من العدل، وإنّ لي وصيّةً واضحةً للحكومة في البحرين وغير البحرين، بأن تأخذ بالعدل وتتمسّك به، وتأخذ بالمساواة وتتمسّك بها، من أجل إقامة بناءٍ وحدويٍّ متينٍ سميكٍ قويٍّ فولاذيٍّ يقف أمام كلّ الأعاصير»(18).
ويقول سماحته أيضاً: «ومن ناحيةٍ سياسيّةٍ، ومن منطلقٍ مذهبيٍّ، أجدني مع حكومةٍ سنّيّةٍ في سيرتها المنصفة للشيعة والسنّة على السواء، ولستُ مع حكومةٍ شيعيّةٍ في سيرتها المجحفة بحقّ أهل السنّة، إذا وجدتُ الأولى فسأكون معها في سيرتها العادلة، وإذا وجدتُ الثانية فسأكون ضدّها في سيرتها الباغية، ومن ناحية المرشّحين أنا مع مرشّحٍ سنيٍّ يقف مع حقوق الشعب على مرشّحٍ شيعيٍّ يقف ضدّها، هذا صدقٌ، وأنا مستعدٌّ أن أُبرهن عليه في أيّ امتحانٍ في مورده، وأنا أستقي ذلك من وحيٍ مذهبيٍّ»(19).
ويختم سماحته باستنكار الجرائم الطائفيّة، والمطالبة بإنكارها من أيّ مذهبٍ إذا كان مرتكبها من أبنائه قبل أهل المذهب الآخر، وأوصى باحترام الآخر، وبأن تكون الكلمات محسوبةً، والطرح معتدلاً، والمشاعر منضبطةً.
يقول سماحته: «والصحيح أن تُدان هذه الجرائم النكراء من أهل أيّ مذهبٍ إذا كان مرتكبها من أبنائه قبل أهل المذهب الآخر، إذا كان مرتكب جريمةٍ من هذا النوع شيعيّاً فعلى الشيعة أن يكونوا هم المبادرين لإدانة هذا الجرم حتّى لا يُحمل ردّ الفعل على الطائفيّة، وإذا كان المجرم سنّيّاً كان على الإخوة السنّة أن يكونوا هم المبادرين في الإنكار، وأن يقفوا في وجه الجرم وقفةً حقيقيّةً جادّةً؛ لأنّ رد الفعل الشيعيّ ربما حُمل على الطائفيّة، ومن أراد الاحتراس لبلده من فتنة الطائفيّة أو غيرها فلتكن كلماته محسوبةً، وطرحه معتدلاً، ومشاعره منضبطةً، آخذاً على نفسه احترام الآخر قبل اشتعال نار الفتنة، فربّ كلمةٍ أشعلت ناراً لا تنطفئ إلا بعد أكوامٍ من الكوارث المهولة، وربّ خبرٍ كاذبٍ مغرضٍ ودعايةٍ سيّئةٍ في هذا الباب أشعلتْ نار حربٍ ببلدٍ فأحرقته»(20).
والحمد لله أوّلاً وآخراً.
* الهوامش:
(1) السنة والشيعة ضجة مفتعلة، فتحي الشقاقي، ص71، ملحق رقم 1.
(2) المصدر السابق، ص72، ملحق، رقم 2.
(3) المصدر السابق، ص73، ملحق رقم 3.
(4) خطبة الجمعة (150)، 26 صفر 1425هـ، الموافق 16 أبريل 2004م.
(5) خطبةالجمعة (67)، بتاريخ 1جمادى الأولى 1423 هـ، الموافق 12 يوليو2002م.
(6) خطبة الجمعة (246)، 12 جمادى الأولى 1427هـ، 9 يونيو 2006م.
(7) خطبة الجمعة (274)، 12 صفر1428هـ، 2مارس2007م.
(8) خطبة الجمعة (17)، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1422هـ، الموافق 27-7-2001 م.
(9) خطبة الجمعة (17)، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1422هـ، الموافق 27-7-2001 م.
(10) خطبة الجمعة (17)، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1422هـ، الموافق 27-7-2001 م.
(11) خطبة الجمعة (17)، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1422هـ، الموافق 27-7-2001 م.
(12) خطبة الجمعة (201)، 18 ربيع الثاني 1426هـ، 27 مايو 2005م.
(13) خطبة الجمعة (194)، 28 صفر 1426هـ، 8 أبريل 2005م.
(14) خطبة الجمعة (196)، 13 ربيع الأول 1426هـ، 22 أبريل 2005م.
(15) خطبة الجمعة (17)، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1422هـ، الموافق 27-7-2001 م.
(16) خطبة الجمعة رقم (260)، 2 ذي القعدة 1427هـ، 24 نوفمبر2006م.
(17) خطبة الجمعة (70)، 22جمادى الأولى 1423هـ، الموافق 3-8-2002م.
(18) خطبة الجمعة (17)، بتاريخ 7 جمادى الأولى 1422هـ، الموافق 27-7-2001 م.
(19) خطبة الجمعة رقم (260)، 2 ذي القعدة 1427هـ، 24 نوفمبر2006م.
(20) خطبة الجمعة (196)، 13 ربيع الأول 1426هـ، 22 أبريل 2005م.
0 التعليق
ارسال التعليق