قال تعالى في كتابه المنزل على عبده المرسل: بسم الله الرحمن الرحيم{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}صدق الله العلي العظيم(1).
عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال لفضيل: «تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إنَّ تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل! من ذكرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»(2)، وعن الإمام الرضا(عليه السلام) أنه قال: «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(3).
الشعائر مفهوماً:
الشعائر جمع شعيرة، أي العلامة، وشعائر الله أي العلائم التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه، وتعيد إلى الأذهان ذكريات مقدسة، فعندما نقوم بأي عمل يذكّرنا بالله(عزّ وجلّ) وفيه في النتيجة تعظيم لله تعالى-حيث سبحانه جعل الشعائر معظمة، وتعظيمها يستلزم تعظيمه(سبحانه وتعالى)- فإنّ ذلك العمل يعتبر من الأمور التي فيها تقوى للقلوب؛ لأنها من الشعائر التي جاء الحث عليها.
والشعائر الحسينية لا شك في كونها أحدى مصاديق (الشعائر) التي أمرنا الله تعالى بتعظيمها، وهذا ما أكدته الأحاديث الكثيرة الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام)، ومنها ما ذكرناه في بداية الموضوع.
الشعيرة الحسينية:
تحتوي هذه الشعيرة المقدسة على مظاهر عدة، وهذه المظاهر لها وقعها الخاص في التفاعل والتأثير في قلوب محبي أهل البيت(عليهم السلام)؛ بل وحتى غيرهم ممن ينظرون إلى واقعة كربلاء على أنها واقعة إنسانية وتاريخية مؤلمة قد حدثت لشخصية أجَلَّها التاريخ الإسلامي، وخصوصا أنها تنحدر من نسل رسول البشرية(صلّى الله عليه وآله) ومن صلب بطل الإسلام علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ولا شك ولا ريب أنّ تقدم وتغيّر الزمان له دور فاعل في تبدّل وتطور أسلوب أداء هذه المظاهر والطقوس المقدسة، فقبل ردح من الزمن مثلاً لم تكن هناك مواكب للعزاء تخرج في الشوارع والطرقات لتعبّر عن شجبها واستنكارها لتلك المجزرة التاريخية التي فعلها بنو أمية بابن رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، بل كان الناس يجتمعون في مجالس للعزاء يذكرون فيها محمد المصطفى(صلّى الله عليه وآله) وآل بيته(عليهم السلام) ويبكون ويلطمون، واليوم نجد هذا المظهر يتطور سريعاً، بل اليوم صار له تأثير كبير جداً؛ فالمواكب اليوم بمثابة مسيرات احتجاجية واسعة تصرخ في وجه التاريخ الأسود لبني أمية ومن سار على نهجهم، لتعرّف العالم بأنّ الدم الزاكي والطاهر الذي سفك في كربلاء لا زال حياً، وأنّ هذه الحشود التي تملأ الشوارع في جميع أرجاء الأرض هي وليدة تلك الدماء النجيعة، ولتقول لكل طواغيت الدنيا (هيهات منّا الذلة). ويمكن أن نذكر أهم وأبرز المظاهر التي يمارسها ويحييها أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، سواء كانت في الماضي أو في الحاضر والتي تتلخص في التالي:
المظهرالأول: المنبر الحسيني:
يعتبر المنبر الحسيني من أهم وأبرز الوسائل الإعلامية المؤثرة في إيصال رسالة وأهداف الحسين(عليه السلام) للأمة الإسلامية على نحو الخصوص، ولكافة المسلمين وغيرهم على نحو العموم، كما يعتبر من أقدم الوسائل وجوداً وأنفعها ميداناً.
وبما أنّ المنبر له الدور الكبير؛ بل له نصيب الأسد في الوعظ والإرشاد والـتأثير، كان ينبغي على أفراد المجتمع عدم التفريط فيه، وخصوصاً فئة الشباب الذين هم في أمس الحاجة لأنْ يتغذوا من رحيق بستان هذه الأزهار المحمدية الأصيلة، فما نشاهده في فئة الشباب خصوصاً في سن السادسة عشرة إلى الخامسة والعشرين لا يهتم عدد كبير منهم بحضور المجالس الحسينية في بعض المجتمعات، بل همهم الوحيد الموكب، كما نلاحظ العكس أيضاً في فئة الكبار والآباء لا يولون اهتماماً كبيراً للموكب، وهذه ظاهرة غير صحية وينبغي الالتفات إليها، فدور المنبر الحسيني ليس كما يتصور البعض بأنه مختص بذكر سيرة الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وما وقع عليهم من مصاب فحسب؛ بل دور المنبر الحسيني في الواقع أكبر من ذلك.
دور المنبر الحسيني في الحقيقة هو دور المدرسة الجامعة لمناهج وأهداف وقيم الإمام الحسين(عليه السلام)، والإمام الحسين(عليه السلام) جاء ليقوم بدور الإمامة في الأمة؛ ودور الإمامة يحمل في طياته كل ما تحتاجه الأمة من توحيد وفقه وسلوك ووعظ وإرشاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وجهاد أكبر وجهاد أصغر وغير ذلك من الأمور التي تحيي الناس جميعاً، فالحسين يحمل ثقل الرسالة الموروثة من جده المصطفى(صلّى الله عليه وآله)، فإذا كان كذلك فمن الخطأ أن نحصر الحسين في زاوية الحزن والبكاء واللطم فقط!! بل الحسين(عليه السلام) لم يقدم دمه من أجل أن ننصب عليه مجالس العزاء المجردة عن الهدف الكبير والمنشود في حركته العظيمة، وهو بنفسه صرح بقوله: «لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...»، نعم العَبرة التي تحمل في تركيبتها العِبرة هي العَبرة الراجحة وهي التي يمكن أن تصبح من معطيات رسالة ونهضة الحسين(عليه السلام).
وقفة قصيرة: هنا يمكن لنا أن نقف عند المنبر هنيئة لنستدرك ما نعانيه من ضيق أفق في أكثر المجالس الحسينية المختصة بالنساء. يلاحظ على تلك المجالس في كثير من المناطق أنها تعتمد على الأسلوب القديم الذي يفتقر إلى أمرين أساسيين، وهما:
الأول: الروايات المنقحة والمحققة، حيث يعتمد كثير من النساء على بعض الروايات الضعيفة والتي ما أنزل الله بها من سلطان، وغيرها مما لا تنسجم مع الواقعة.
الثاني: الخطيب المتخصص، حيث تعتمد كثير من مجالسهنَّ على القراءة من كتب الروايات المذكورة ولايعتمدنَ الطريقة المتبعة في مجالس الرجال، إذ يحتجنَ إلى تخصص خطيبات في هذا المجال المهم، وهذا ما نصبوا له راجين بأن ينبري جمع من النساء ليتخصصنَ في هذا الشأن ويقمنَ بالدور الرسالي الأمثل لأهداف الحسين(عليه السلام).
المظهر الثاني: المواكب الحسينية:
لا يخفى على أحد منّا أن المواكب الحسينية -بالنسبة لنا كحسينيين- تمثّل الدور البارز والكبير من الناحية الإعلامية والرسالية، حيث أنّ صداها -كما هو ملاحظ- أخذ مداه الواسع في جميع أرجاء العالم، مما جعل رسالة الحسين(عليه السلام) تتوسع حتى على مستوى غير المسلمين فصاروا يتعرفون على هذا الإنسان المطَّهر(عليه السلام) من خلال الاستطلاع والبحث من المصادر الإسلامية، فها نحن نجد اليوم الكثير من أتباع الديانات الأخرى قد كتبوا مقالات في الحسين(عليه السلام)، وهذا ما يحركنا نحو شدة التمسك بهذه المنجزات العظيمة والتي لم نصل إليها إلا بشق الأنفس والتضحية بدمائنا، فالمواكب تعتبر من الوسائل الإعلامية المتقدمة جداً والتي يحسب لها حكّام الجور ألف حساب لما فيها من تأثير بالغ على الأرض ويسعون بكل جهدٍ لإركاسها.
ويمكننا أن نقسم المواكب الحسينية إلى عدة أقسام أهمها:
القسم الأول: مواكب اللطم على الصدور:
وهي في الواقع أكبر أقسام المواكب عدداً وجمعاً، وهي أكثر تأثيراً أيضاً في صفوف المعزين والحاضرين والمستمعين، حيث تتميّز بتنوع في ألحان الأداء من جهة، وتعدد الرواديد من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة أهمية ما يكتب في تلك القصائد من موضوعات مختلفة تشتمل على ذكر المصيبة من جانب، ومن جانب آخر تطرح بعض مستجدات الساحة المهمة والتي قد تشد الانتباه، سواء كانت سياسية أو عقائدية أو اجتماعية أو سلوكية أو غير ذلك.
وهذا النمط من المواكب العزائية أخذ يتسع في بعض دول العالم لشدة تأثيره كما قلنا مع أنه لا زالت بعض المواكب في بعض بلدان العالم لا تخرج في قصائدها عن حد المصيبة، وهذه قلة قليلة لربما لما تعيشه من ظروف صعبة مع حكوماتها المتشددة، ولكن الطابع العام هو كما ذكرنا.
وقفة أخرى: نقف هنا وقفة مهمة عند مواكب اللطم ونقول: إنّ هذه الظاهرة المقدسة من أهم المظاهر التي يجب أن نقف عندها لما لها إمّا الإيجاب وإمّا السلب من الناحية الشرعية ومن الناحية الرسالية، فنحن نستطيع أن نجعل هذه المواكب رسالة حسينية متقدمة ومؤثرة، ومن ناحية أخرى نستطيع أن نجعلها هواية ووسيلة إسائة للحسين(عليه السلام) وللإسلام، والكرة في ملعبنا نحن؛ فعندما ننطلق ونتحرك بموضوعية وتأنٍ فسوف نرفع من مستوى الموكب، وعندما ننطلق بنفس الهوى والهمجية فسوف نحط من مقام الموكب وصاحب الموكب.
القسم الثاني: الزنجيل:
الضرب بالزنجيل أو السلاسل على الظهور يمكن أن يمثل ظاهرة من مظاهر الحزن والأسى على سيد الشهداء(عليه السلام)؛ حيث أن التعبير عن الحزن يمكن أن تكون له عدة وسائل، وهذه هي إحدى الوسائل الشائعة استعمالا في بعض المجتمعات الموالية للحسين(عليه السلام)، ولكن ينبغي أن تبقى في دائرة المباح لا أن تدخل في دائرة الممارسات البعيدة كل البعد عن الهدف السامي المنشود؛ فعندما يكون الموكب حزيناً من جهة، ومن جهة أخرى عندما يخلو من بعض المستجدات الغير لائقة بمقام صاحب المقام(عليه السلام) من اختلاط أو ألحان أو حركاتٍ أو ما شابه ذلك فإنّه سيصبح رسالة قوية تصل لمن يستمع القول فيتبع أحسنه. أما مواكب الزنجيل التي تحتوي على سكاكين في المقدمة وعندما يضرب بها المعزي ظهره تتسبب إلى جرحه وسيلان دمه فهذه كما أعتقد لا تنسجم مع المصيبة بقدر ما تسيئ إلى صاحب المصيبة والمذهب معاً في عصرنا الراهن، فحذار حذار من أن تأخذنا العاطفة والعزة بالإثم من الإصرار على فعل هذه الظاهرة.
القسم الثالث: التطبير:
يعتبر التطبير من الممارسات الشائعة في بعض المناطق في يوم عاشوراء الحسين(عليه السلام) والأربعين، وهذه الممارسات ليست قديمة، بل ظهرت في العقود المتأخرة ولكنها تسببت بنشوب حرب خلافية ضروس بين العوام وبعض الخواص، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، وهذا ما زاد الطين بلة في الخلافات المجتمعية مما يؤسف ويحزن.
إنّ مثل هذه التجاذبات ينبغي أن تكون بعيدة كل البعد عن الساحة الحسينية، ولا أظن بأن الإصرار على مثل هذه الممارسات يجدي نفعاً؛ بل ليس من وراء هذه الاختلافات إلا الضرر على المذهب، خصوصاً في زماننا هذا الذي نرى فيه كثرة الهجمات الشرسة من قبل أعداء مذهب أهل البيت(عليه السلام) والتي تُنشر على المواقع الإلكترونية أو في الفضائيات أو في الصحف أو غيرها من وسائل إعلام مضلل ومغرض، ونحن في مثل هذه الظروف الصعبة يجب علينا بدلاً من الاختلاف أن نسعى الى الائتلاف الموحد لصفوفنا والمفوت الفرصة على أعدائنا أعداء الدين، وبغض النظر عن كل الآراء الفقهية في الجواز بالعنوان الأولي وعدمه بالعنوان الثانوي فإن وحدتنا وعدم التعصب أهم من كل ذلك؛ فليس هناك وجوب لضرب القامة، وليس هناك ضرورة للاختلاف بل العكس هو الصحيح، ويجب أن نتصدى لكل من يسعى الى شق الصفوف بين المؤمنين بدلاً من أن نصب الزيت على النار لتزداد اشتعالاً، ونحن على قناعة بأن مثل هذه الصراعات الداخلية ربما تكون عن تصور خاطئ مع حسن نية.
القسم الرابع: الفرق الموسيقية الإنشادية:
لا شك بأن الشعائر الحسينية لا تنحصر في اللطم على الصدور وإقامة مجالس العزاء، بل هناك ممارسات كثيرة قد تدخل تحت مسمى الشعائر، ومن الأمور التي وقع على أصل وجودها الخلاف الفقهي بين مراجعنا العظام من القدامى والمعاصرين هي الموسيقى، حيث يوجد خلاف فقهي في الموسيقى في حد ذاتها هل هي حلال أم حرام؟ ولا شك في أن الخلاف الفقهي في المواضيع ذات الطابع الاجتماعي تحتاج إلى تأني أكثر في التطبيق والعمل من المواضيع الشخصية؛ لأنَّ المواضيع العامة أهم من المواضيع التي تعني أشخاصاً؛ فالعامة قد تؤدي الى نزاع وقد لا تؤدي، بخلاف الخاصة فإنها ليست ذات نزاع، وعليه فإنني ومن وجهة نظري القاصرة أدعو إلى تجنب مثل هذه الممارسات التي تظهر في الشوارع وبشكل فرق وتحمل الموسيقى في ليالي وأيام عاشوراء الحسين(عليه السلام)؛ فإنها وإن افترضنا جوازها في الجملة إلا أنها ليست ذات ضرورة ولا رجحان عند غالب الناس، وليس من الصحيح أن نتمسك بكل أمر مباح -على القول بالإباحة بالعنوان الأولي- لنجعله من ضمن الشعائر الحسينية.
القسم الخامس: الرسم والتصاوير:
ليس من نافلة القول أن نقول بأن الرسم والتصوير لهما الدور الكبير في التعبير عن ألم الواقعة، بل أصبح من المهم جداً أن نهتم بهما لنوصل رسالة الحسين من أقصى الأرض إلى أقصاها ولنلهب الحنايا في نفوسنا بقضية الحسين(عليه السلام)، وهذا الأمر يتطلب الدعم المادي والمعنوي والموهبي من محبي الحسين بن علي(عليه السلام).
وقفة قصيرة: لقد اختلف الفقهاء في الرسم والتصوير التجسيمي، وهنا لا بد من توضيح المسألة باختصار حول الآراء الفقهية المختلفة وتتلخص في التالي: قال الفقهاء يحرم تصوير ذوات الأرواح، ويعنون من التصوير صنع مجسمات لكل مخلوق قابل أن تلج فيه الروح؛ كالإنسان أو بقية الحيوانات، ولكن الحرمة منصبة على المقدار الذي يكون قابلاً لبقاء الروح، أما الباقي فلا مانع منه؛ فلو صنعنا مجسماً لإنسان ليس فيه رأس أو رأس بلا جسد مثلاً فلا مانع منه، أما لو صنعنا مجسماً لإنسان مثلاً مقطوع اليدين أو الرجلين فإن ذلك ليس بجائز. أما الرسم بالقلم مثلاً لمخلوق من ذوي الأرواح فهذا وقع فيه الاختلاف بين المراجع العظام؛ فمنهم من أباحه ومنهم من حرمه.
القسم السادس: اليافتات والمعلقات(البنرات) والأعلام والمطويات والكتب:
قد يظن البعض بأن بذل الأموال الكثيرة وطباعة مثل هذه الأمور بكميات كبيرة ونشرها على الحيطان أو في الشوارع العامة أو تعليقها بين عمودين أو ما شابه ذلك يُعد إسرافاً. لا شك بأن هذه النظرة ضيقة الأفق وليست دقيقة، بل وليست واعية، وذلك لأن رسالة الحسين يجب أن تصل الى البعيد والقريب، وإلى العربي والأعجمي، وإلى المحب والمبغض، فكم تحمل من عبر ومواعظ وثقافة كربلائية؟ وكم ترهب الأعداء؟ وكم تثّبت لمحبي أهل البيت(عليه السلام) من وجود ومكانة لا تُداس؟ وكم تبعث في النفوس من أجواء عاشورائية وحسينية؟؛ فحينما ترفرف الأعلام السوداء والحمراء في الشوارع والطرقات وعلى كل المنازل فإنها حينئذ تُعبّر عن شيء كبير وهدف متين، فنحن نعيش في زمان يجب أن نثبت في وجودنا ونظهر من خلاله الحسينَ(عليه السلام) على أكمل وجه للعالم ليتنور العالم من مدرسة العطاء الحسيني الكبير.
القسم السابع: التمثيل للواقعة الكربلائية:
يعتبر التمثيل في عصرنا الحاضر لغة متقدمة وحضارية ومتواكبة مع العصر، وذلك لما فيه من تقريب الصورة والمشهد التمثيلي من الصورة والمشهد الواقعي، ومن الطبيعي أنَّ المُشاهد لهذا التمثيل سيتأثر وسيتفاعل وسيقترب من تصوّر تلك الواقعة الأليمة والمفجعة، وربما يكون هذا المشاهِد من ديانة أخرى أو من مذهب آخر، وإذا كان كذلك فإنه سيتأثر حتماً -ولو من باب الإنسانية- مبدئياً، وربما سيكون وسيلة للتقصّي والبحث عن الحقيقة وعن المذهب الحق. إننا نرى من المهم جداً أن يُعطى هذا الفن دوره الواسع وأن يُعتنى به جيداً لكي يقدم للمشاهدين أفضل صورة معبّرة عن الواقع لتصبح تلك الصورة بمثابة الرسالة التفصيلية لمفاصل ومشاهد الفاجعة العظيمة التي بكتْ لهولها السماواتُ والأرض.
وقفة لا بد منها: لكي نستطيع أن نبلّغ رسالة كربلاء بأفضل وجه لا بد لنا من الالتزام بالنصوص والأحداث التاريخية المنقحة لكي نعتمد عليها في النقل والتمثيل من جهة، ومن جهة ثانية عدم الوقوع في المحاذير الشرعية التي قد تسيء وقد توجب الإثم لكونها غير شرعية وغير مؤدبة من حيث نشعر أو من حيث لا نشعر.اليوم -ومن خلال الفضائيات والنت وغيرها من وسائل البث- تجد كل الأنظار موجهة إليك، وهذا ما يدعوا إلى التأني أكثر في نقل الحقائق التاريخية والسيرة الحسينية وغيرها.
القسم الثامن: دور الفضائيات الموالية وبرامجها:
من النعم الكبيرة التي منَّ الله(سبحانه وتعالى) علينا اليوم وجود مجموعة من الفضائيات التي تنتمي إلى مذهب أهل البيت(عليه السلام)، ومثل هذه النعم (القنوات الفضائية) ينبغي استثمارها بشكل كبير؛ لأنها الأداة الإعلامية الأوسع في عصرنا الراهن والتي لا يكاد أن يخلو منها منزل في العالم، وإذا كانت كذلك فإنّ البرامج المقدمة للناس ينبغي أن تفي بالغرض وتكون من باب -كونوا دعاةًً لنا بغير ألسنتكم- أحياناً؛ فالتمثيل والمسلسلات والخطابة والعزاء واللطم والإنشاد وغير ذلك ينبغي أن تكون بمستوى المشاهد ومناسبة لكل المجتمعات لا أن تكون متقوقعة في زاوية ضيقة من البرامج القليلة النفع أو الركيكة، مما قد تعكس صورة سلبية عن الحقيقة والرسالة الحسينية، فليس الحسين(عليه السلام) هو اللطم أو الإنشاد أو ما شابه ذلك فحسب، بل التشيع عبارة عن أيديولوجية ورؤية كونية سماوية تعتمد في تشريعاتها على الكتاب والسنة المتمثلة في النبي وأهل بيته(عليهم السلام).
ومن هنا أوجه الدعوة إلى فضائياتنا المحترمة أن تعيد النظر في كثير من برامجها، سواء كانت تتعلق بالنهضة الحسينية أو بغيرها من برامجنا التي تعكس الصورة الواقعية عن مقام أهل البيت(عليهم السلام)، فإننا عندما نضع البرامج الموجهة والمناسبة مع المقام فسوف نجني ثمارها الطيبة، وسنجد الناس تدخل في دين الله أفواجاً مسبحين بحمد ربهم على هدايته لهم إلى طريق الرشاد، داعين الله أن يأخذ بأيدينا نحو الصلاح والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسير بسيرة النبي المصطفى وآله المستكملين الشرفا، والحمد لله رب العالمين.
* الهوامِش:
(1) الحج32.
(2) قرب الإسناد 36117.
(3) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 124948.
0 التعليق
ارسال التعليق