بسم الله الرحمن الرحيم، وصلّى الله على خير خلقه الطاهر المطهّر النقيّ المصطفى محمّدٍ رحمته للعالمين، الّذي به يُسلك إلى الرضوان، وبه تقوم قائمة الأكوان، وعلى آله المصطفين الأخيار الذين اختصّهم الله بكرامته، واجتباهم من بريّته.
إنّ مما يقرع القلب ويدمي الفؤاد أن تتطاول أيدي العبث والجهل على شخصيّةٍ كشخصية رسول الرحمة محمدٍ(ص)، ولا شخصية كشخصيته، ولا يتصوّر في عاقلٍ ـ لو اطّلع على حقيقة تلك الشخصيّة العظيمةـ إلا أن يهوي على رجليه الشريفتين مقبّلاً لاثماً مستغفراً، فما أجرأهم على الله وعلى رسول الله! وما أكثر تقصيرنا عن الذبّ عن شخصه الكريم بأقلامنا ومقاولنا! وهو الّذي كان لنا في كلّ سكناته وحركاته، وشهيقه وزفيره، وجوده بنفسه واحتضاره بين يدي عليٍّ(ع)، أفلا نكون له فيما أوجب الله له علينا من حقٍّ؟!! في بيان فضائله وفضائل آله ومحاسن كلامهم، وهم الّذين لو عرف الناس محاسن كلامهم لاتّبعوهم.
وفي هذا السياق ارتأت «رسالة القلم» أن تجري حواراّ مع سماحة الأستاذ العلامة الشيخ جعفر الهادي ليتعرّف العالم على شيءٍ من بحر فضائله(ص)، فكان كالتالي:
■ السلام عليكم سماحة الشيخ ورحمة الله وبركاته.
● وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
■ بدايةً نودّ أن يتعرّف العالم على شخصيّة الرسول(ص)، فماذا تمثّل شخصيته ــ صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين ــ بالنسبة للمسلمين، وبالنسبة لأهل الأديان التوحيديّة الأخرى؟
● بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء وخاتم المرسلين، المصطفى أبي القاسم محمّدٍ وعلى أهل بيته الطاهرين الهداة المهديّين.
في شخصيّة الرسول الأكرم(ص) جوانب كثيرةٌ يطول المقام بذكرها وبيانها، حتّى والإشارة إليها، لكنّ أبرز جانبٍ في شخصيّة رسول الله(ص) هو الجانب الإنسانيّ والأخلاقيّ، فإنّ الرسول الأكرم(ص) كان إنساناً بكلّ معنى الكلمة، بمعنى أنّه كان يتحلّى بالصفات الإنسانيّة النبيلة، وكان يحبّ الإنسان ويريد هدايته وإرشاده، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في مواضع عديدةٍ، أشار إلى هذا بشكلٍ أو بآخر، ففي مكانٍ يقول الله للنبيّ(ص): {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}(1)، فمن هذه الآية يظهر أنّ النبيّ كان حريصاً على أن يهدي الناس وينقذهم من الضلالة، حتّى أنّه إذا رأى قومه لا يؤمنون به، ووجدهم يستمرّون في ضلالتهم، يحصل عنده حزنٌ وتألّمٌ، وقد نهاه القرآن عن ذلك إذ قال: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}(2).
فقد كان رسول الله(ص) لا يترك فرصةً مناسبةً للدعوة والتبليغ إلا ويقوم بهذه المهمّة بشتّى الأساليب الجذّابة، وكان إذا رأى في إنسانٍ كافرٍ، أو مشركٍ، أو يهوديٍّ، أو نصرانيٍّ أملاً في الهداية ـ ولو بنسبة واحدٍ في المائةـ يهشّ ويبشّ في وجهه، ويدعوه إلى الإسلام، وکان هذا خُلُقُه ودأبه دائماً.
كان هذا دأبه إذا أمّل في أحدٍ أن يهتدي ولو بنسبة واحدٍ في المائة، نعم كان يهشّ في وجهه ويبشّ عسى أن يهديه، كان عنده جاذبة، يحاول أن يجذب، وليس طاردة، أي أنه يطرد، على العكس من بعضنا حيث يطرد حتى المؤمن، ولذلك أشار القرآن إلى النبيّ ووصفه بأنّه ما كان يطرد أحداً، أو أنّ عليه ألا يطرد أحداً، فهذه الجاذبية والجاذبة وعدم وجود الدافعة والطاردة في حياة رسول الله(ص) جعلت منه شخصيّةً نادرةً، وفي هذا الجانب مجالٌ كبيرٌ للحديث ولذكر القصص والأمثلة، ولو أنّ الفضلاء وأهل العلم أعطوا هذا الجانب شيئاً من وقتهم وبحثوا في الأدلّة على هذا الجانب لتألّف من ذلك كتاب من 500 صفحة، وهو ضروريٌّ لنا هذا اليوم كمسلمين، وكأتباع رسول الله(ص)، حتّى ندعو الناس إلى الإسلام ونوفّق إذا سرنا على هذا النهج.
أنتم لو درستم القرآن بدقّةٍ لرأيتم عناد قومه في البداية وتحجّجهم وأذاهم لرسول الله وجفافهم وجفاهم، ولشاهدتم كيف عاملوا رسول الله هذا الإنسان الطاهر المحبّ لهدايتهم، الّذي كان أحياناً يضيق صدره ويتألمّ عندما يراهم مصرّين على الضلال، يقول الله تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}(3)، حتّى أنّه كان يحزن لأبي لهبٍ أنّه لماذا لا يهتدي؟ حتّى عن أبي لهبٍ كان لا يحبّ له أن يصير من أهل النار، ولهذا كان يصرّ ويلحّ على الهداية.
هذه الروحيّة إذا درسناها ووقفنا عليها واطّلعنا عليها جيّداً في ضوء الأمثلة والأدلّة الكثيرة وانتقلت مسحةٌ منها إلينا لاستطعنا أن نهدي كثيرين في هذا العصر.
هذا عن القسم الأول من السؤال، وأمّا القسم الثاني من السؤال ـ وهو ما يرتبط بالمسيحيّين ـ فنقول إن المسيحيّين في هذا اليوم ـ وبتحريكٍ من الصهاينة واليهود، وأيضاً من نفس المسيحيين هناك ـ قد اغتمّوا ـ ويغتمّون ـ لما يرون من نجاحاتٍ للمسلمين، خصوصاً في العصر الحاضر، فأنا أسمع أحياناً بعض الفضائيات وبعض الإذاعات العربيّة والأجنبيّة أنّ هناك إقبالاً عجيباً في أوروبا على الإسلام مثلاً.
وهذه النجاحات في الإسلام قد تحققت مع أنّ تبليغنا ضعيفٌ، وکذا إنفاقنا ليس بذلك الشكل الذي تقوم به الكنيسة؛ فإنّ خدماتنا، ومستشفياتنا، ومدارسنا، ليست كما يعملون، خصوصاً في المناطق الفقيرة في العالم، ومع ذلك نلاحظ أنّ المنطق الإسلاميّ، والفكر الإسلاميّ، والحقيقة الإسلاميّة الآن أصبحت بشكلٍ تجذب الآخرين من دون مبلّغ.
لقد کان القرآن الكريم في الغرب مُهْمَلاً في المكتبات ولا يُشترى، وکذا الكتب الإسلاميّة، ولکن بعد حادثة سبتمبر في أمريكا، أقبل الناس على الکتب الإسلاميّة وأخذوا يشترون حتى الكتب القديمة ليتعرّفوا على الإسلام، ولهذا حاول قادة الغرب الكفّار تحذير شعوبهم من الإسلام والمسلمين، بل حتّى كبار المتديّنين منهم كالبندكيت البابا الكاثوليكي، فقد دخل هذا الميدان بصراحةٍ وتجاسر على النبي الأکرم(ص)، وأخرجوا أخيراً فيلماً سيّئاً حول القرآن باسم الفتنة، كلّ هذا لتضعيف الإسلام والحطّ منه، ولكنّ الّذي حدث کان على العكس من ذلك، كما قال القرآن: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(4).
فهذا الشيء كيف يمكن أن نقارعه ونقابله؟ إنّ أنجع طريقةٍ هي أن نعرض الجانب الإنسانيّ والأخلاقيّ للنبيّ(ص) حتى يخجلون، ويرتدعون، نحن نحتاج إلى كتبٍ، إلى مؤلّفاتٍ، إلى مجلاّتٍ، إلى أفلامٍ، إلى أشرطةٍ.
أنا ذهبت إلى أمريكا وبقيت شهراً فيها، وكان عندنا في أيّام الكريسميس مؤتمراً قبل 20 سنة في أرلينكتون، في دلس في الولاية الجنوبية لأمريكا في تكساس، ثمّ سافرت إلى كاليفورنيا، وهي الولاية التي تقع غرباً، وذهبنا إلى لوس أنجلس ـ الّتي هي في ولاية كاليفورنياـ وألقينا محاضراتٍ في جالياتٍ مختلفةٍ، خليجيّةٍ، وعراقيّةٍ، ولبنانيّةٍ وغيرها، ولم نرَ مثل هذه الهجمة على الإسلام في ذلك الوقت، ولكنّنا نرى الآن هجمةً عجيبةً وصريحةً حتى من البابا على النبيّ الأكرم(ص).
أنا مررت بالكثير من مطارات أمريكا، كنت أتنقل للمحاضرات، فوجدت في المطارات مجلّةً مسيحيّةً اسمها:(THE TRUTH)، (الحقيقة)، وقد عُرِضَتْ بالمجّان، فأخذتُ نسخةً ورأيتُ مكتوباً عليها: يُطْبَعُ من هذه المجلة خمسة ملايين نسخة أسبوعيّاً، ولمّا رجعتُ إلى إيران ذهبت إلى بيوت أحد المراجع العظام (دام ظله) وقلتُ له: مولانا، مجلةٌ واحدةٌ مسيحيّةٌ تتحدّث حول المسيحيّة اسمها: (الحقيقة)، وهذه نسخةٌ منها، رأيتها توزّع مجّاناً في كلّ مطارٍ توجّهتُ إليه، وتطبع خمسة ملايين نسخة في كلّ أسبوعٍ، فسحب (جارورةً) من صندوقٍ کان أمامه يجعل فيه أوراقه والحقوق الشرعيّة، وأخرج نسخةً من هذه المجلّة، وقال: يبعثون إليّ منها كلّ أسبوعٍ أيضاً!!
قلت: مولانا، لا أستطيع أن أتکلّم بعد هذا، لنتحرّك قليلاً إذن!
نحن لو يُطبع عندنا كتابٌ عشر مرّاتٍ لا يصل نصف مليون، وتلك مجلّةٌ تُطبع خمسة ملايين نسخة كلّ أسبوعٍ!
نحن نحتاج في عرض الصورة الحقيقيّة لرسول الله(ص)، نحتاج إلى أنشطةٍ من هذا النوع، وفي هذا المستوى، وفي هذا الحجم والشعاع لكي نؤثّر ونقف أمام هذه الهجمة الواسعة.
■ ما هو جواب المسلمين حول إشكالات الأعداء العنيفة فيما يتّصل بالرسول(ص) من قبيل أنّه(ص) ــ وبحسب تعبيرهم ــ قام بمجزرةٍ في يهود بني قريضة، وأنّ تعاليم القرآن الجهاديّة تعاليم إرهابٍ وقسرٍ؟
● مع الأسف هؤلاء ينظرون إلى الأمور بعينٍ واحدةٍ ومغرضةٍ، هؤلاء لماذا لا ينظرون إلى المعاهدة التي عقدها رسول الله(ص) أوّل ما جاء إلى المدينة مع اليهود؟! إنّها أفضل ميثاقٍ لحقوق الإنسان، ميثاقٌ واقعيٌّ وحقيقيٌّ لحقوق الإنسان، وهو موجودٌ في سيرة ابن هشام، وهو مطبوعٌ بشكلٍ مستقلٍّ أيضاً، ولکن مع الأسف لا يبرزه المسلمون، وهذا أيضاً من تقصير المسلمين!!
هذا يجب أن يجعل في مسابقةٍ وتبيّن نقاطه، ويقوم الکتّاب والمفکّرون بتحليله ومقايسته مع ميثاق حقوق الإنسان.
ميثاق حقوق الإنسان صار له حوالي 50 سنة، ومع هذا أُخِذَتْ عليه إشكالاتٌ كثيرةٌ، وترى فيه نواقصاً، بينما ترى قبل 1400 سنة لمّا دخل النبيّ(ص) المدينة عقد ميثاقاً مع اليهود، سمّى فيه عشائرهم وقبائلهم، فمن البداية أراد النبيّ أن يتعايش معهم، ويحميهم من المشركين، ولكنّ هؤلاء مع أنّهم كانوا يشتركون مع الإسلام في كونهم يرجعون إلى إبراهيم الخليل(ع) ـ والإسلام هو نبيّاً وديناً ومسلكاً يرجع إلى إبراهيم الخليل(ع)ـ يخالفون النبيّ الأکرم(ص) ويعارضون دينه ويتآمرون عليه.
بينما كان المشركون على العكس من ذلك، خلاف الإبراهيميّة، وخلاف التوحيد، وخلاف الإسلام، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ}(5)، ولکنّ اليهود کانوا يتعاونون مع المشركين ويقولون لهم: أنتم أحبّ إلينا من محمّدٍ، ويتآمرون، وأكثر الحروب التي أثارها أهل مكّة ضدّ رسول الله(ص) کانت بتمويلٍ يهوديٍّ، منها ـ على سبيل المثال ـ معرکة الأحزاب (الخندق)، حيث کان المال من اليهود والرجال من المشركين، وکذا أكثر الحروب، فخانوا خيانةً وراء خيانةٍ.
القرآن ثلثه أو ربعه سجالٌ مع اليهود، سجالٌ وجدالٌ مع اليهود، بينما النصارى لم يكن عندهم هذا الأمر، اليهود من البداية كانوا فتنةً، حتّى بالنسبة لنبيهم موسى(ع)، كانوا أذيّةً وفتنةً وخيانةً وتحجّجاتٍ، تحجّجات بني إسرائيل معروفة، النبيّ كان إنسانيّاً معهم من البداية، أرجوكم أن تراجعوا سيرة ابن هشامٍ عند ماذا عقد النبي الأکرم معهم، اقرؤوه، وأرجوا أن تؤلّفوا أنتم شخصيّاً كتاباً حول هذا الميثاق وتقايسوه مع حقوق الإنسان، الآن يجب أن نبيّن هذا الميثاق، ونضعه على المواقع الإلكترونيّة، ونروّج تحت راية هذا الميثاق للنبيّ، ونقيم مجالس ومؤتمرات، أنتم تتحجّجون ببني قريضة، كأنّ النبيّ(ص) قتّالٌ وذبّاحٌ للناس!! والحال أنّ النبيّ محمّداً رحمةٌ للعالمين.
لماذا تنظرون بعينٍ واحدةٍ؟! لماذا تمسكون بالعصى من الوسط؟! انظروا کيف أنّ النبيّ من البداية تعامل معهم إلى أن أوصلوه إلى هذه النقطة، ومع ذلك كان رؤوفاً بهم! وإلى الآن كلّ ما يجري على الإسلام وضدّ الإسلام هو من جانب اليهود، لقد تعاقد النبيّ مع بني النضير، وبني قريضة، وبني قينقاع، على التعايش السلميّ، ولکنّ اليهود نقضوا العهد وتجاسروا عليه، وهم كشفوا عورة المسلمين، وهم تآمروا عليه، وهم أرادوا أن يطعنوا النبيّ من الخلف في قضيّة الخندق، والنبيّ اضطر إلى تأديبهم، ومع ذلك هو لم يقضِ فيهم بالقتل، بل فوّض الأمر إليهم، إذ قال: من يقضي فيكم؟ قالوا: نقبل فلاناً، فهم اختاروا أحد حلفائهم، وهو الّذي قضى فيهم، إذ قال: كلّهم لا بدّ أن يُقتلوا، إنّهم خبثاء، خونةٌ لا بدّ أن يذبحوا.
إنّ النبيّ لم يقض فيهم بذلك القضاء، ولكن دعنا نرى المقدّمة الّتي أوصلت المسلمين والنبيّ إلى هذه النتيجة، وهل أنّ هؤلاء ـ مع أنّ النبيّ(ص) لمّا رحمهم وسكت عنهم كثيراًـ تركوا أفاعيلهم؟ أم تآمروا وتواطؤا وباستمرار؟! حتّى أنّهم أدخلوا في أحاديث المسلمين الإسرائيليّات، ولعبوا بأشياء كثيرةٍ، واقترحوا قتل المسلمين، ونفّذوا في جهاز الحكم بعد النبيّ، فالنبيّ ماذا يفعل بهم؟ إنّ النبيّ كان رحيماً ورؤوفاً بهم، وهم جرّوا على أنفسهم ما وقع في بني قريضة، ولذلك هذا ظلمٌ أن نقول إنّ النبيّ كان خشناً معهم، عنيفاً معهم، غير رحيمٍ بهم.
■ ما هي الأسباب الّتي دعت الدنمارك إلى هذه الإساءة؟ ولماذا هذا الإصرار على ذلك؟
● الحقيقة إنّي أرى أصابع الصهيونيّة خلف هذا الأمر، الشيء الّذي قلّ ما يعرفه المسلمون الآن، إنّ اليهود والصهاينة نَفَذوا في كلّ أجهزة الحكم في العالم، حتّى في روسيا، أمّا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة فهذا شيءٌ معلومٌ، فالجميع يعلم أنّ وراء الجهاز الحاكم في أمريكا اللوبي الصهيونيّ، وهو عبارةٌ عن ثلاثمائة شرکة يسمى مجموعها اللوبي الصهيوني، وعندهم خطّةٌ أنّه لا بدّ أن ينفذوا في أجهزة الحكم، إمّا أن يكون الرئيس ـ أو تكون زوجته ـ من اليهود، ولكنّ هؤلاء جميعاً يعملون ويأتمرون بأوامر الصهيونيّة، فأنت لا تستبعد أن يكون في الجهاز الدنماركيّ الحكوميّ عناصر من اليهود، هؤلاء جميعاً الآن في حالة غضبٍ على المسلمين؛ لأنّ إسرائيل ما كانت تفكّر مطلقاً بحزب الله والثورة الإسلاميّة، ولمّا حدثت الثورة الإسلاميّة قال موشي ديّان: لقد حدث زلزالٌ، مع ذلك كانت إيران بعيدةً عنهم، والآن صارت إيران على مقربةٍ منهم.
إنهّم ما كانوا يفكّرون أصلاً في هذا، الآن انهارت إسرائيل، الغطرسة الإسرائيليّة ولّت، وإسرائيل منهارةٌ، فعلاً منهارةٌ، لذلك لا يتمكنون من الحركة أصلاً، فالآن يريدون أن ينتقموا من الإسلام، وإذا قبلنا بهذه المقولة: إن الصهاينة الآن متغلغلون في جميع أجهزة الحكم، في المنظّمات العالميّة، في هيئة الأمم، وفي كلّ مكانٍ، لذلك نرى الكلّ يتحامل على النبيّ الأكرم(ص)، وعلى القرآن الکريم، و على الإسلام، وهذا أمرٌ واضحٌ جدّاً، يدرکه من له شيءٌ قليلٌ من الفهم السياسيّ والاطّلاع على التاريخ.
لقد كان المشركون في صدر الإسلام أيضاً ينشدون ضدّ رسول الله قائلين:
مذمّمـاً قلينـا
ودينـه أبينـا
وكذا وكذا، فنفس النغمة الّتي كانت تخرج من حنجرة المشركين تُسْمَعُ الآن أيضاً من حناجر اليهود ومنْ لفَّ لفَّهم؛ لأنهّم كلّهم في حالة غضبٍ من انتصار الإسلام، وإنّ إسرائيل ما كانت تفكّر مطلقاً في الثورة الإسلاميّة ونجاحها، ثمّ في ظهور حزب الله، ثم في تعاطف قسمٍ کبيرٍ من الفلسطينيّين مع الثورة الإسلاميّة.
العالم كلّه الآن يتعاطف مع الإسلام ومع الثورة الإسلاميّة، وثبت أنّ أمريكا لا يمكنها أن تفعل شيئاً أمام هذا المدّ الإسلاميّ الجارف، فهم يموتون من الغيظ، {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ}(6)، و من غيظهم الآن يتجاسرون على رسول الله(ص)، نعم، نحن لا بدّ ألا نبرّر ونسكت، لا بدّ أن نعمل؛ لأنه ربما باستمرار هذا التجاسر يصلون إلى درجةٍ يتأثّر منها حتّى المسلمون، لا بدّ أن نعمل ونواجههم، طبعاً مع رعاية الاحترام للأنبياء(ع)، فنحن لا نستطيع أن نقابلهم بالمثل، لكن يمکننا أن نبيّن أغراضهم الفاسدة، ونکشف عن أهدافهم المريضة، ونواياهم الخبيثة من الإساءة إلى الأنبياء(ع)، ونبيّن شخصيّة الرسول الأكرم(ص)، ونعمل بشكلٍ واسعٍ لخدمة هذه الشخصيّة العظيمة، أقصد شخصيّة رسول الله(ص).
■ شيخنا، قبل فترةٍ كان هناك برنامج على بعض القنوات العربيّة يوضّح أنّ الدنمارك شاركت في ملاحقة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وقد احتكّت بهذه الجماعة، وبهذه الثقافة، ثقافة التكفير وقطع الرؤوس، ألا تعتقدون أنّ ذلك كان سبباً وعاملاً مهمّاً في الإساءة لشخصيّة الرسول الأكرم(ص) وللدين الإسلاميّ من قِبَلِ الغرب؟ حيث إنهم قرؤوا الإسلام من خلال هذا الصنف من الناس، ومن خلال هذه الثقافة الدخيلة على الدين.
● طبعاً، طبعاً، للأسف القاعدة وطالبان والجماعات الموجودة في العراق ـ الّذين اغترّوا بهم وتأثّروا بأفکارهم وأفعالهم کالقتل على الهويّة وعلى الطائفيّة وما شاكل ذلك ـ أساؤوا إلى الإسلام جداً، وإذا توجد إهاناتٌ للمسلمين في الغرب، فبعضنا هو السبب؛ فإنهّم يقولون لنا: إنّكم إذا كنتم لا ترحمون أنفسكم تريدوننا أن نرحمكم نحن؟! أنتم الذين لا تتعاطفون فيما بينكم، لا تحترمون أنفسكم، تريدوننا أن نحترمكم نحن أيّها الإرهابيون؟! لا بدّ أن نذلّكم، أن نأسركم، وقد يکون هذا هو معنى قوله تعالى: {فَتَذْهَبَ رِيحُکُمْ}.
تدرون أنّه في السجون الغربيّة كيف يهينون النساء المسلمات والمسلمين؟! إنّه من غير المستبعد أن يبكي الرسول الأكرم(ص) في عالم الملكوت لما وصل إليه المسلمون اليوم، إنّ الإمام علياً(ع) حزن وانزعج لمّا سمع أن جيش معاوية دخل إلى الأنبار ونزع أحدهم من امرأةٍ مسيحيّةٍ خلخالها وزينتها ولمس ساقها، أجل، إنّ الإمام علياً(ع) تأثّر لمّا سمع بذلك وقال: إنّ ذمّيّةً في حكومتي وتحت مظلّتي هكذا تهُان ويجري عليها ما يجري؟! فكيف إذا كانت مسلمةً؟! نحن نرى الآن نساء المسلمين، وأعراض المسلمين، ونواميس المسلمين، وشباب المسلمين، وأطفال المسلمين، في سجون الإنجليز، في سجون الأمريكيّين، في سجون الغرب، وفي سجون إسرائيل، ترتكب في حقّهم أسوأ الجنايات وأفضحها، مع الأسف.
من الّذي علّمهم هذا؟! ومن الّذي جعلهم يتجرّؤون؟! أليس تصرّفات هؤلاء الّذين ذبحوا ـ وباسم الإسلام ـ شيعة أهل البيت(ع) كالخراف، على الاسم، والانتماء إلى أهل البيت(ع)؟!
■ إلى أين سينتهي الأمر بين المسلمين وبين مهاجمي الرسول(ص) بنظركم الشريف؟
● المسلمون لا بدّ أن يقوموا ويقفوا وقفة رجلٍ واحدٍ، أَوَلا تدرون أنّ العالم هذا اليوم يتلخّص في الاقتصاد، كلّ الدول عندها مصانع تعمل ليل نهار وتنتج أغذيةً وألباناً وأجباناً وكذا وكذا، وكثيرٌ منها من الدنمارك، ومن هنا وهناك، وسوقهم الشرق، سوقهم بلاد الإسلام، فلو دخلت «سوبرماركت» في الكويت، أو في دبيّ، أو في الشارقة، وأنا كنت فيها قبل ثلاث سنوات، هل هناك بضاعةٌ إسلاميّة؟! هل هناك أكلةٌ إسلاميّةٌ، أكلةٌ من بلاد المسلمين؟! أنا لا أقول بعدم وجود ذلك بنسبة 100%، لكن 10% من البلاد الإسلاميّة، و90% من الغرب، ونحن في منطقةٍ كبيرةٍ رقعتها واسعةٌ، وسکّانها مليارد ونصف مسلماً يستهلكون الأجبان، الألبان، والزبدة، وكذا وكذا من مختلف الأطعمة والأشربة المستوردة من الغرب، وكلّ مصانعهم تدور على أكتافنا، وبمالنا، حتّى أموالنا توجد كاستثمارات هناك، لو نسحب استثماراتنا من بنوكهم، ونقول: لا نريد أجباناً، ولا نريد ألباناً، ألا نمتلك نحن أرضاً؟! ألا نمتلك تراباً؟! ألا نمتلك شمساً؟! كلّ منابع الطبيعة لدينا، لماذا لا نستثمر ذلك؟! لماذا يجب أن نعتمد عليکم؟! لوفعلنا هذا لانتهى کلّ شيءٍ.
أقول لكم شيئاً تتعجبون منه، قبل أسبوعين أنا كنت في بلدٍ في بيت أحد الإخوان، ففتح قناة الجزيرة، فرأيت شابّاً ملتحياً يجري اللقاءات الدينيّة مع بعض الشخصيات، رأيته يجرى لقاءً مع رئيس الغذاء والزراعة في هيئة الأمم ـ وهو شخصٌ أفريقيٌّ، ولكن يبدو أنّه صاحب شخصيّةٍ وثقافةٍ عاليةٍـ فقال له: أستاذ فلان، ما هي أخبارك؟
فقال الأفريقيّ بلغةٍ إنجليزيّةٍ: أخبار الغذاء سيّئةٌ جدّاً، غلاءٌ وتضخّمٌ، وأمريكا حبست قمحها وحبوبها لتولّد منها طاقةً كهربائيّةً بدل النفط، وهناك أزمةٌ في كل البلاد بما فيها الخليج.
فقال له: إذن المجتمعات مقبلةٌ على الجوع؟! قال: نعم. قال: ما هي النتيجة الّتي ستحدث؟ فقال الضيف الأفريقيّ ـ وهو مسيحيٌّ ـ : قال الإمام عليٌّ(ع): «ما دخل الفقر بلداً إلا قال الكفر خذني معك»، العالم مقبلٌ على الكفر، وعلى الفساد العقيديّ، وعلى الانفجار.
قال المقدّم: هذا قاله عليّ بن أبي طالب؟!
أنا أعجبني هذا الأفريقيّ أنّه أخذ هذه الكلمة من عند الإمام عليٍّ(ع)، وطبعاً الإمام عليٌّ(ع) له كلماتٌ كثيرةٌ بهذا النحو: «ما جاع فقيرٌ إلا بما مُتّع به غنيٌّ»، «ما رأيت غنى مفرطاً إلا ورأيت إلى جانبه حقّاً مضيّعاً».
وفي نفس الليلة قرّرت أن أجمع من هذه الكلمات بمقدار عشرين كلمةً وأعطيها لبعض الإخوة ليترجمها لکي أبعثها إلى هذا الشخص، وأنا كتبت اسمه، واسم عمله، هذا يفهم و شعوبنا العربية لا يفهمون، ومجتمعاتنا لا تفهم، لماذا هكذا؟! لنفتخر بأمير المؤمنين(ع)، بهذا الإمام، بهذا الحكيم والفيلسوف العربي، فلنأخذ كلامه، إنّ له 8000 كلمةً في کتاب (درر الكلم)، كلها في هذه المجالات.
كتب جورج جرداق خمسة مجلّدات: الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانيّة، الإمام عليّ وسقراط، الإمام عليّ والديمقراطيّة، الإمام عليّ والثورة الفرنسيّة، الإمام عليّ وعصره.
أين المسلمون؟! ما هي قضيّتنا؟! يا مفكرينا، يا إخواننا من أهل السنّة، أيّها الشخصيّات المصريّة، أيّتها الأقلام العربيّة، هذا قائدكم، هذا منكم، كلّ العالم يفتخر به، لماذا أنتم غافلون عنه؟!
فالسؤال: إلى أين سينتهي الوضع وماذا نفعل؟ نقول: المفتاح بيدنا، يجب ألا نستثمر أموالنا عندهم، ولا نشتري بضائعهم، وألا تكون أسواقنا سوقاً لهم، صدّقني غداً سيقبّلون أيادينا، ويتمسّحون بأحذيتنا، ويلتمسون منّا أن نشتري من عندهم، لكن حينما يسبّنا أحدهم ثم يستقبله الملوك والأمراء بالأحضان ويقبّلونه كما يقبّلون ابن عمّهم وابن عمّتهم، أمّا المسلم فيضربونه ويسجنونه، وأنّ التهديد دائماً يأتي من الجمهوريّة الإسلاميّة لا من اليهود، وأنّ التهديد على العروبة وعلى القوميّة وحتّى على الإسلام، والتهديد على الدين كله يأتي من إيران ـ فلا بدّ أن ننتظر المزيد.
انظروا كيف فقدت الكلمات معانيها، والمقاييس انقلبت، إذا كان الوضع يدوم على هذه الحالة، هؤلاء يسبّون ويشتمون ويعدّون أفلاماً، غداً يتجاسرون حتّى على زوجات النبي(ص)، هؤلاء لا حياء عندهم، أصلاً، أنا أسمع أنّ على شاشات الفضائيّات يبثّون الأعمال التي لا يعملها الحمير ـ أجلّكم الله ـ، هؤلاء لا مانع عندهم أن يتجاسروا غداً على نساء النبيّ(ص)، على السيّدة أمّ المؤمنين، وعلى أمّهات المؤمنين، فالغربيون إذا لم نعمل شيئاً، ولم تتحرّك لدينا الحميّة الإسلاميّة والغيرة الإسلاميّة، غداً يخُرجون فيلماً نجساً يسيء إلى نساء النبيّ(ص)، كما كان اليهود سابقاً، أحد اليهود ـ ولعلّه ابن المخيريق ـ كان يشبّب بنساء المسلمين، والتشبيب نوعٌ من الشعر يذكر محاسن المرأة كأنمّا كان معها، بخيالهم الواسع يصورون وكأنهّم باتوا معها ليلاً، فالنبيّ(ص) انزعج من هذا، فبعث اثنين ذبحوا ذلك الشخص على فراشه في عمليّةٍ فدائيّةٍ، وهذا الأمر جعلهم يمتنعون عن هذا الموقف الرديء، هذا واحدٌ، وهناك شخصٌ آخر، وهو كعب الأشرف، وقلعته موجودةٌ إلى الآن.
فالمسلمون إذا نسوا الحميّة والغيرة الدينيّة والإسلاميّة والعربيّة فعل عدوّهم كلّ شيءٍ، أمّا إذا قالوا كلمتهم: يا دنمارك، يا هولندا، نحن لا نريد شراء بضائعكم، فإنّ الموازين تتغيّر.
في هولندا الآن كذلك، أخرجوا فيلماً جديداً حول القرآن الكريم أسموه (الفتنة) يسيء إلى کتاب الله!! إذا قاطعناهم خطوةً خطوةً نرى کيف تحصل النتيجة.
الآن هناك تظاهرات من نفس الشارع في هولندا، من نفس الهولنديّين؛ لأنّ الناس الآن لديهم تجاراتٌ ومصالح اقتصاديّةٌ، وعندما يرون موقفاً من المسلمين ويحسّون بأنّ تجارتهم كسدت وتضرّرت فإنهّم سيضغطون على حكوماتهم، ولکن عندما نرى هذا يسبّ ويشتم وأنا أستقبله بالأحضان وأذهب وأشتري أجبانه وألبانه ولحومه.. فإنّه يتجرّأ أكثر.
■ هل ترون أنّ المؤلّفات المكتوبة حول شخصيّة الرسول(ص) بلغت حدّ الكفاية، أم أنّه لا زال هناك قصورٌ وتقصيرٌ في هذا المجال؟
● خمسة آلاف كتاب ألّف حول النبيّ حسب ما جاء في کتاب:(ما ألّف حول النبيّ وأهل بيته(ص)) للدكتور عبد الجبّار الرفاعيّ، وهو يقع في 14 مجلّداً، وأنا أقول لكم: النبيّ تسع حياته لعشرة آلاف كتاب؛ لأنّ جوانب كثيرةً في شخصيّة وسيرة النبيّ لا تزال غير مبحوثةٍ، وغير مطروقةٍ بالتحليل والاستنباط واستخراج الدروس والعبر منها، فنبيّنا الکريم كان عظيماً جداً.
الآن في مولد الرسول(ص) نحن نرقى المنبر فماذا نقول؟ نذكر ميلاده(ص)، أمّه وأباه، وبعض الإرهاصات الّتي وقعت قبل ميلاد النبيّ، ومع ميلاد النبيّ، هذه نقطةٌ في بحر شخصيّة النبيّ وقضاياه، أين بشائر الأنبياء بالنبيّ؟! هناك كتبٌ كبيرةٌ مكتوبةٌ حول بشائر الأنبياء، الإنجيل والتوراة، وخصوصاً بالسريانيّة والعبريّة اللغة الأصليّة، هناك بشائر حول النبيّ، أين هي؟! لماذا لا نتكلم عنها؟! لا بدّ أن تتعلّم جماعةٌ منّا اللغة العبريّة، وجماعةٌ تتعلّم اللغة السريانيّة، وأن يلقوا هذه النصوص الدينيّة في الاحتفالات، ويترجموها حتى يقوّوا إيمان المسلمين، النبيّ الأكرم(ص) اسمه (باراكليتوس) في الإنجيل باللغة السريانيّة، ترجم إلى (فارقليطا)، كان في إنجيل يوحنّا، والآن غير موجودٍ في هذا الإنجيل، الآن يوجد باسم المعزّي: (لا بدّ أن أذهب ليأتي المعزّي ويعلّمكم كلّ شيءٍ ويمكث معكم إلى الأبد)، إنّ هذا يحتاج إلى جهدٍ، يحتاج إلى أن نتعلّم، وللأسف نحن لا نتقن حتّى اللغة العربيّة!! ناهيك عن العبريّة والسريانيّة.
العلاّمة الشيخ جواد البلاغي(ره) الّذي أقاموا له مئويّة قبل بضعة أيّام، وأنا عندي عشرة كتب من تأليفاته، كان يتعلّم في كربلاء وفي النجف، كان يذهب إلى أطفال اليهود ليتعلم منهم الحروف العبريّة، فكان يعطيهم نصف قوته يوميّاً من أجل أن يتعلّم العبريّة، فوقف على التوراة والإنجيل بلغتهما الأصليّة ونقدهما، ولمّا انتشرت كتبه في العالم كتب له مجموعةٌ من علماء الغرب ـ بعد أن أشادوا بكتبه ـ قائلين: يا شيخ، اسمح لنا أن نقول لكم وفيكم شيئاً، نحن نعتبركم أيّها المسلمون جُناةً على البشريّ؛ لأنّ لديكم أكثر من شمعةٍ ولا تشعلونها، أين أنتم؟! لماذا لا تبيّنون كتبكم؟! حقائقكم؟! شخصيّاتكم؟! نحن نشكرك على كتابك (الرحلة المدرسية) و(المدرسة السيّارة)، نشكرك على كتابك (الهدى إلى دين المصطفى- مجلّدان)، نشكرك على كتابك (التوحيد والتثليث)، نشكرك على دراساتك هذه، فأنتم تجعلون هذه الشمعة خلف ستارٍ ونحن في ظلامٍ، لديكم أكثر من شمعةٍ ولا تشعلونها، والبشريّة في ظلامٍ دامسٍ.
فلا بدّ من تقسيم العمل، الطلبة البحارنة مثلاً عندهم ألفا رجل دينٍ أو أكثر، هؤلاء ليقسّموا إلى عشر لجان، كلّ لجنةٍ تقوم بعملٍ واحدٍ، لجنةٌ تتبحّر في كتب اليهود والنصارى وما فيها حول الرسول الأكرم(ص) والأئمّة(ع) والإمام المهديّ#، ويذهب عشرون منهم مثلاً لتعلّم اللغة العبريّة والسريانيّة، وفي المحاضرات والمنبر ليخرجوا قليلاً عن المألوف، ما المانع؟! طبعاً كلّ هذا لا بدّ أن يخرج بنحوٍ محبّبٍ ليأتي الشباب إلى هذه المجالس، المحاضرات المستمرّة، محاضرةٌ في النبيّ الأكرم(ص) في كتاب العهدين بنفس اللغة كما كان الشيخ جواد البلاغي في النجف الأشرف يفعل ذلك، لجنةٌ تكون في عملٍ آخر، ولجنةٌ ثالثةٌ، وهكذا، الآن هناك مليون عملٍ لرجال الدين، وبحثٍ وموضوعٍ، ولكنّ هذا طبعاً يحتاج إلى جهدٍ، يحتاج إلى تضحيةٍ، يحتاج إلى إنسانٍ يبحث.
انظر، نحن نحتاج إلى لجنةٍ للفضائيّات، الفضائيّات باستمرارٍ تسيء للإسلام، القناة الفلانيّة، والفلانيّة، والفلانيّة، باستمرارٍ تسيء للإسلام، كلّ هذه القنوات تسيء إلى الإسلام، إلى رجال الدين، إلى التشيّع، إلى الحضارة الإسلاميّة، بأشكالٍ مختلفةٍ، أو يأتي أناسٌ ليسوا أهلاً للبحث فيبحثون في أشياء بمنطقٍ غير سديدٍ، والآن ـ ولله الحمدـ الفضائيات الشيعيّة ازدادت، الأنوار، الفرات.. ولا يقول قائلٌ: هذه القناة تتبع فلاناً، لماذا؟! ما هذا الكلام؟! هل هذا يتّبع شمراً؟! أو يتّبع ابن سعدٍ؟! كلهم يتّبعون محمداً رسول الله(ص)، وأولاده الطاهرين(ع)، لنترك هذه الحزازيّات، ونعتبر الجميع لنا ونخدم، ونقدّم المحاضرات، ونقدّم المقالات، ليكن في المحاضرات والمقالات حداثةٌ وعصرنةٌ، ولكن مع الأصالة لكي نخدم مجتمعنا إن شاء الله.
■ شيخنا الجليل، بالنسبة لكتاب (سيد المرسلين)، لماذا اخترتم هذا الكتاب للشيخ السبحاني للترجمة من بين بقيّة الكتابات؟ وهل لكم كتاباتٌ مستقلّةٌ أخرى فيما يتّصل بالنبيّ الأكرم(ص)؟
● في الواقع إنّي كنت شغوفاً بحياة رسول الله(ص)، وأخلاق رسول الله(ص) منذ الشباب، وفي سنّ الثانية والعشرين أو الثالثة والعشرين ذهبت إلى بيروت، وعشت في بيروت حوالي أربع أو خمس سنواتٍ هناك، وألّفت كرّاسةً صغيرةً (محمّد الإنسان القائد الرسول)، وهو (بروشور) صغيرٌ، کان بداية عملي للنبيّ(ص)، فكنت شغوفاً بسيرة النبيّ حتى أتيت إلى إيران، ما رأيت تاريخاً بهذا الشكل، وهو مطبوعٌ باللغة الفارسية حوالي 30 مرةً، وهو ليس تاريخا نقليّاً، بل هو تاريخٌ تحليليٌّ مع الالتفات إلى معطيات العصر الحاضر، ومع اختصارٍ غير مضرٍّ، ولا إطالةٍ مملّةٍ، فبدأت بتدريسه، ثم نويت ترجمته، أضفت إليه بمقدار الثلث، وأخذت جائزةً عليه من رئيس الجمهوريّة، رئيس المجلس ووزير المعارف الحاليّ أعطاني جائزةً، واعتبرت ترجمتي من كتب العام للجمهوريّة الإسلاميّة قبل سنتين، و مع الأسف فيه نقصٌ في تحليل الجوانب العسكريّة مثلاً، وکذا الجوانب الإداريّة للنبيّ والجوانب السياسيّة، وغيرها.
هذا وعندي رسالةٌ صغيرةٌ تحت اسم (كان رسول الله)، أوردت فيه كلّ الروايات المصدّرة بـ(كان)، الّتي تبيّن الأخلاق التي كان رسول الله(ص) مداوماً عليها، وبمجرّد أن طُبِعَ ونزل في الإنترنت تُرْجٍمَ إلى ستّ لغاتٍ، الأرديّة، والفارسيّة، والجاويّة الأندنوسيّة الّتي يتكلّم بها حوالي 300- 400 مليون، والكرديّة، فتبيّن أنّ المجتمع متعطّشٌ إلى مثل هذا، وخصوصاً إذا كانت دراساتٍ (سندويشيةً)، يعني أنّا نريد أشكالاً مختلفةً، نريد متوسطةً، واسعةً، في مستوى الجامعة، وثائقيّةً، وأيضاً رسائل صغيرةً، نحتاج إلى كلّ ذلك، مثلاً الآن جاء الميلاد وانتهى، لم يكن لدينا في هذا الميلاد شيءٌ جديدٌ نعطيه للناس، نحتاج إلى كتابٍ في مائة صفحة يتناول أهمّ القضايا الّتي تذكر في الميلاد ليتعرّف الناس على شخصيّة النبيّ(ص)، في نفس الوقت تجعل منهجيّةً لرجال الدين ليسيروا على هذا النهج ويشرحوا هذه القضايا للناس، فيعرف المجتمع اسم النبيّ مثلاً، أنّه هل يوجد فيه اختلافٌ؟ فالقاديانيّة مثلاً ـ وقد ظهروا قبل 200 سنة في الهندـ ادّعوا أنّ نبيّ آخر الزمان هو (أحمد القاديانيّ) وليس نبيّنا، فنبيّنا (محمّد)، لم يكن يقال له: (أحمد)، وأما قول القرآن: {مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}(7) فهو من عندهم، والحال أنّ القرآن يأتي باسم (أحمد).
وفي الشعر العربيّ والإسلاميّ يوجد (أحمد)، وفي كثيرٍ من النصوص يوجد (أحمد)، (يا أحمد، يا أحمد)، في حديث المعراج، فأحمد ومحمود ومحمد كلّها كانت تستعمل في النبيّ(ص)، لكنّ هذا الشخص (أحمد القادياني) جاء وادّعى ديناً، وادّعى أنّه نزل عليه من عند الله، واسمه (البراهين الأحمديّة).
والبحث الآخر هو أخلاق النبيّ(ص)، وفلسفة زوجات النبيّ، وقد استفاد منه الغرب أن النبيّ شهوانيٌّ، أنّ عنده 14 زوجةً، وقد أساء الخبيث سلمان رشدي ـ ولديّ قطعةٌ من كتابه ـ إلى أزواج النبي(ص)، فهو يصوّر ـ وأستغفر الله ـ بيت النبيّ(ص) بأنّه بيت فواحش، هذا الرجل مرتدٌّ فطريٌّ؛ لأنّ أباه مسلمٌ، وقد أفتى الإمام الخميني(قده) بقتله، وللأسف اعترض البعض على هذه الفتوى، ولكن لو لا هذه الفتوى لكانوا يخرجون أفلاماً قبيحةً عن النبيّ(ص).
والقرآن الکريم أثيرت حوله إشكالات من قِبَلِ الغرب لا بدّ أن نجيب عنها، وکذا مسألة الوحي أثيرت حولها إشكالات، وهناك كتابٌ للشيخ المعرفة اسمه (شبهات حول القرآن الكريم)، بعضها لا بدّ أن يلخّص في 10 صفحات وتكون في ضمن هذا الكتاب، كتابٌ يتضمّن 10 مواضيع، كتابٌ من 150 صفحةً، يطبع وتوزع مليون نسخة منه في ذكرى ميلاد النبي(ص)، هكذا لا بدّ أن تحيى ذكرى الميلاد، لا أن نغفل والغرب يعملون بكلّ جدّيّةٍ في أعمالٍ أساسيّةٍ، ويتناولون مقدّساتنا بسوءٍ.
الشبهات كثيرةٌ، والآن نحن في عصر الشبهات، وقد أحصاها أحد الشخصيّات فوصلت إلى ألف شبهة، اليوم الماركسيّة وهي إلحادٌ وراؤها فلسفةٌ، الشيوعيّة وراؤها فلسفةٌ، وفلاسفة: (هيجل، لينين، ماركس)، الجنس، رأس المال، الكتاب، العقائد، الآن أكثر هذه الإيديولوجيّات وراؤها فلسفةٌ، وإن كانت واهيةً، إلا أن وراءها فلسفةٌ، لا يمكن أن تستخفّ بكل هذا الكمّ من الشبهات، انظر ماذا يوجد في هذه الكتب.
البوذيّة ثمانمائة شخص يوجد منهم في العالم، ولقد سافرتُ إلى ثلاثين دولة في العالم، وبعض الدول سافرت إليها اثنا عشر مرّةً، ماليزيا سافرت إليها اثنا عشر سفرة، كرواسيا، وذهبت إلى زاغرب ستّ مرّات، وتايلند ستّ مرّات، أذهب وأرقى المنبر وأحاضر في الجامعة، في هذه الدول جماعاتٌ هائلةٌ من البوذيّين والهندوس والسيخ، وأصحاب المسالك والمشارب، هؤلاء لهم فلسفاتٌ وعندهم منطقٌ، ولا يمكن أن نأخذ المسألة بهذا الاستخفاف، أليس من حقّ هؤلاء أن يتعرّفوا على نبيّ الإسلام؟! عدد مبلّغي المسيحيّة عبارةٌ عن عشرين مليون، بين قسٍّ وأسقفٍ وكاردينالٍ وكذا وكذا إلى البابا، ولديهم أربع إذاعاتٍ وعشر فضائيّاتٍ مسيحيّةٍ، وهي تبشّر باللغة العربيّة، ويعني هذا أنّنا نکون بعد خمسين سنة في خطرٍ فکريٍّ وعقائديٍّ؛ لأنهّم يعملون، ولكنّ المسلمين في غفلةٍ وصراعٍ داخليٍّ، ونريد بهذا الضعف أن ندفع هذه الهجمة.
■ ما هي أفضل الكتابات الّتي يمكن للشابّ المسلم أن يستفيد منها فيما يتعلّق بشخصيّة رسول الله(ص)؟ خصوصاً وأنّ الشباب قد قلّ إقبالهم على الكتاب، وصاروا يفضّلون رؤية البرامج المسجّلة وسماعها على القراءة.
● أولاً: هذا اليوم كما تفضّلتم، كلّ شيءٍ صار سريعاً، سفرةٌ سريعةٌ، رحلةٌ سريعةٌ، وجباتٌ سريعةٌ، وطبعاً فإنّ هذه الوجبات السريعة تخلق أمراضاً وتشنّجات أيضاً، ولكن ماذا نعمل؟ نحن في مجال الكتابة أيضاً لا بدّ أن نستفيد من هذه الوجبات السريعة، لا بدّ أن نكتب كتباً صغيرةً.
ثانياً: لا بدّ أن تكون فيها أشياءٌ جديدةٌ، وهذا الجديد كثيرٌ لدى الرسول(ص).
وثالثاً: لا بدّ من أن تکون بأدبٍ جميلٍ محبّبٍ.
نحن نفتقر ـ للأسف ـ إلى الأسلوب الأدبيّ، لا بدّ أن نعمل على خطّ الأدب الحديث، الشباب الآن لا يقرؤون كتبنا لأنّا نفتقر إلى الأسلوب الجميل، فإذا توفّرت هذه العناصر فإنّ الشباب سيقبلون على القراءة حتماً.
والحمد لله ربّ العالمين.
* الهوامش:
(1) سورة يوسف(ع)، الآية: 103.
(2) سورة آل عمران، الآية:20.
(3) سورة فاطر، الآية: 8.
(4) سورة الصف، الآية: 8.
(5) سورة آل عمران، الآية: 19.
(6) سورة آل عمران، الآية: 119.
(7) سورة الصف، الآية: 6.
0 التعليق
ارسال التعليق