السحر.. حقيقته وشرعيته

السحر.. حقيقته وشرعيته

■ هل ذُكر السحر في القرآن الكريم؟

* نعم، ذُكر السحر في الآيات القرآنية الشريفة، منها: قوله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}(1)

ومنها قوله تعالى:

{قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ، قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ، وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}(2)

ومنها قوله تعالى:

{فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ، قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ، قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ، فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ، فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}(3)

ومنها قوله تعالى:

{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}(4)

■ ما هي حقيقة السحر؟ أي: ما معنى السحر؟

* يمكن القول بالنسبة لمعنى السحر: إنه نوع من الأعمال الخارقة للعادة، أي: إن أساس السحر هو: التأثير في الخيال في الطرف الثاني لكي يزعم شيئاً معيناً غير الحقيقة.

فإذن نفهم من معنى السحر أنه: يؤثر في وجود الإنسان وهو أحياناً نوع من المهارة والخفة في الحركة وإيهام للأنظار، كما أنه أحياناً ذو طابع نفسي خيالي.

وبتعبير آخر لتوضيح حقيقة السحر، نقول باختصار: إن السحر في الأصل يعني كل عمل وكل شيء يكون مأخذه خفياً، إلا أنه يقال في التعبير المألوف للأعمال الخارقة للعادة التي تؤدى باستعمال الوسائل المختلفة، فتسمى سحراً أيضاً.

فأحياناً يتخذ جانب الحيلة والمكر وخداع النظر والشعوذة، وأحياناً يستفاد من عوامل التلقين والإحياء.

وأحياناً يستفاد من خواص الأجسام والمواد الفيزيائية والكيميائية المجهولة.

وكل هذه الأمور جمعت واندرجت في ذلك المفهوم اللغوي الجامع.

إننا نواجه على طول التاريخ قصصاً كثيرةً حول السحر والسحرة، وفي عصرنا الحاضر فإن الذين يقومون بهذه الأعمال ليسوا بالقليلين، إلا أن كثيراً من خواص الأجسام والموجودات التي كانت خافيةً على الناس فيما مضى قد اتضحت في زماننا الحاضر، بل كتبوا كتباً في مجال آثار الموجودات المختلفة العجيبة، فكشف كثيراً من سحر الساحرين وسلبته من أيديهم.

فمثلاً إننا نعرف في علم الكيمياء الحديثة أجساماً كثيرةً وزنها أخف من الهواء، وإذا ما وضعت داخل جسم فإن من الممكن أن يتحرك ذلك الجسم، ولا يتعجب من ذلك أحد، فحتى الكثير من وسائل لعب الأطفال اليوم ربما كانت تبدو سحراً في الماضي!

اليوم يعرضون في السيرك فعاليات تشبه سحر السحرة الماضين بالاستفادة من كيفية الإضاءة وتوليد النور، والمرايا، وخواص الأجسام الفيزيائية والكيميائية، ويحدثون مشاهد غريبة وعجيبة بحيث يفتح المتفرجون أفواههم أحياناً من التعجب.

طبعاً، إن أعمال المرتاضين الخارقة للعادة لها قصة أخرى عجيبة جداً.

وعلى كل حال، فإنه لا مجال لإنكار وجود السحر، أو اعتباره خرافةً، سواء في الأزمنة الماضية أو هذه الأيام.

والملاحظة التي تستحق الانتباه، هي أن السحر ممنوع في الإسلام، ويعد من الذنوب الكبيرة، لأنه في كثير من الأحيان سبب لضلال الناس وتحريف الحقائق وتزلزل عقائد السذج، ومن الطبيعي أن لهذا الحكم الإسلامي ـ ككثير من الأحكام الأخرى ـ موارد استثناء، ومن جملتها تعلم السحر لإبطال ادعاء المدعين للنبوة، أو لإزالة أثره ممن رأوا الضرر والأذى. وقد تحدثنا حول هذه المسألة في ذيل الآيتين الكريمتين (102-103) من سورة البقرة فيما سبق.

■ ما هو معنى السحر في اللغة؟

* للسحر معنيان في اللغة:

الأول: الخداع والشعوذة والحركة الماهرة.

الثاني: كل ما لطف ودقّ.

■ ماذا يستنتج للمتتبع من دراسة أكثر من خمسين موضعاً من مواضع ذكر كلمة (سحر) في القرآن الكريم؟

* يستنتج من ذلك: أن السحر ينقسم في رأي القرآن الكريم على قسمين أو أكثر:

1- استخدام الخداع والشعبذة وخفة اليد، وليس له حقيقة كما جاء في قوله تعالى: { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.(5)

وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}(6)، ويستفاد من هذه الآيات أن السحر ليس له حقيقة موضوعية حتى يمكنه التأثير في الأشياء، بل هو خفة حركة اليد ونوع من خداع البصر فيظهر ما هو خلاف الواقع.

أو بتعبير أجلى: إن هذا السحر الخيالي قد يكون عن طريق بعض أنواع الشعوذة لخداع الناس، فيحدثنا التاريخ أن بعض ألوان السحر كانت تُمارس عن طريق الاستفادة من خواص المواد الكيميائية والفيزيائية غير المعروفة لكل الناس في سبيل إقناع الآخرين بغير الحقيقة، مثل ما فعله سحرة فرعون حيث وضعوا الزئبق في أجسام لينة تشبه العصي كالحبال ثم ألقوها، فكانت تتحرك بتأثير حرارة الشمس أو أية حرارة أخرى، وتوحي للمشاهد أنها حيّة، وهذا اللون من السحر ليس بقليل في عصرنا الراهن.

2- يستفاد من آيات أخرى أن السحر أثراً واقعياً، كقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، وقوله تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}.(7)

3- إن السحر قد يكون عن طريق غسيل الدماغ الذي يستخدمه العلم الحديث، أو عن طريق الدعايات الباطلة.

■ هل إن للسحر تأثيراً نفسياً فقط، أم يتعدى ذلك إلى الجسم أيضاً؟

* طبعاً لم تشر الآيات القرآنية الشريفة لذلك، ويعتقد بعض الناس أن هذا التأثير نفسي لا غير(8). ويقول صاحب الجواهر(ره) حول تأثير السحر: (بل إن تأثيره أمر وجداني شايع بين الخلق قديماً وحديثاً)(9).

ويقول العلامة المجلسي(ره): (الذي ظهر لنا مما مضى من الآيات والأخبار والآثار، أنّ للسحر تأثيراً ما في بعض الأشخاص والأبدان كإحداث حب أو بغض أو همّ أو فرح، وأما تأثيره في إحياء شخص أو قلب حقيقة إلى أخرى كجعل الإنسان بهيمة، فلا ريب في نفيهما وأنهما من المعجزات)(10).

■ متى ظهر السحر بين الناس؟ أي: هل للسحر تأريخ؟

* من المواضيع التي تذكر في مسألة السحر، هو تاريخ ظهور السحر بين الناس، رغم أن القرآن لم يكن بصدد بيان ذلك، إلا أنه يكفينا أن جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، ولكن بداياته وتطوراته التاريخية غير جلية لنا، بل يلفها الغموض ولا يمكن تشخيص أول من استعمل السحر.

إلا أنه يمكننا الاستفادة ـ كما يرى البعض ـ من الآية 102 من سورة البقرة أن السحر كان موجوداً على عهد النبي سليمان(ع)، ويستفاد من آيات أخرى أن السحر كان رائجاً رواجاً كثيراً على عهد النبي موسى(ع)، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ، فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ}(11).

بل يستفاد من القرآن الكريم أن السحر كان موجوداً في زمن جميع الأنبياء من دون استثناء، {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}(12).

■ ما هو رأي فقهاء الإسلام في ممارسة السحر؟

* أجمع فقهاء الإسلام على حرمة تعلم السحر وممارسته، ولقارئي الكريم بعض الأقوال:

أولاً: ذكر الإمام الخميني(قده): (عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسب به حرام، والمراد به ما يعمل به من كتابة أو تكلّم أو ذخنه أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله فيؤثر في إحضاره أو إنامته أو إغمائه أو تحبيبه أو تبغيضه)(13).

ثانياً: ذكر صاحب الجواهر(قده): (ومنه ـ أيّ المحرمات لنفسها ـ تعلم شيء من السحر للعمل وتعلميه كذلك وعمله، بلا خلاف أجده فيه ـ في الجملة ـ بين المسلمين فضلاً عن غيرهم، بل هو من الضروريات التي يدخل منكرها في سبيل الكافرين، والكتاب والسنة قد تطابقا على حرمته وأنه من عمل المفسدين الذين لا يفلحون...)(14).

ثالثاً: ذكر الشهيد الثاني(قده): (السحر هو كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام وغرائم ونحوها يحدث بسببها ضرر على الغير،... ومنه استخدام الملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب،... فتعلم ذلك وشباهه وعمله وتعليمه كله حرام والتكسب به سحت)(15).

رابعاً: قال الإمام الخامنئي (دامت بركاته):(يحرم تعليم وتعلّم السحر، إلا إذا كان لغرض عقلائي مشروع وكان بالطرق المحللة شرعاً).

خامساً: (تحضير الأرواح والملائكة والجن ـ على فرض صدقه وصحته ـ يختلف حكمه باختلاف الموارد والوسائل والأغراض)(16).

سادساً: (لا مانع من تعليم وتعلّم التنويم المغناطيسي إذا كان لغرض عقلائي، كما لا مانع من استخدامه إذا كان برضى من يُراد تنويمه ولم يكن فيه ضرر معتنى به وكان بالطرق المحللة شرعاً)(17).

■ هل يجوز تعلم السحر لإبطال ودفع سحر السحرة؟

* طبعاً قلنا ـ كما تقدم ـ إن الفقهاء قد أجمعوا على حرمة تعلم السحر وممارسته، ولكن هل يجوز دفع السحر بالسحر، وكذا تعلّمه لذلك؟

يقول الفقهاء: من أجل دفع كيد سحر السحرة ودفع إغواء الناس يجوز تعلم السحر لإبطال سحر السحرة، بل يرتفع الجواز أحياناً إلى حد الوجوب الكفائي لإحباط كيد الكائدين والحيلولة دون نزول الأذى بالناس من قبل المحتالين.

وعلى كل حال، يدل على جوازه ما ورد في قصة هاروت وماروت في القرآن الكريم، كما في الآية الكريمة الأولى في السؤال الأول، وهي الآية (101) من سورة البقرة.

■ ما هو التوضيح التفسيري للآية الأولى في جواب السؤال الأول من البحث ـ كما يرى المفسرون ـ؟

* بعد مرحلة القوة جاءت مرحلة الضعف في أمة بني إسرائيل، وبعدها كانت العنصرية، ومن ثم تأتي مرحلة الخرافة المتمثلة في السحر والشعوذة.

حيث إن الأمة العنصرية تنغلق على ذاتها {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، وتبتعد عن توجيهات الله، وعن سنن التاريخ، وتجارب الناس، وتستكبر على الحق، وليس أمامها بعدئذ إلا الهبوط إلى حضيض السحر والشعوذة.

فيتناول القرآن الكريم هذه المرحلة بإيجاز حيث يقول تعالى في الآية التي سبقت الآية مورد بحثنا { وَلَمَّآ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}(18). فيبدأ سبحانه وتعالى بالحديث عن ترك بني إسرائيل للكتاب بعد أن كان أحبار اليهود يبشرون الناس قبل البعثة النبوية بالرسول الموعود ويذكرون لهم علاماته وصفاته، فلمّا بعث نبي الإسلام أعرضوا عما جاء في كتابهم، وكأنهم لم يروا ولم يقرؤوا ما ذكرته التوراة في هذا المجال.

هذه هي النتيجة الطبيعية للأفراد الغارقين في ذاتياتهم، هولاء ـ حتى في دعوتهم إلى حقيقة من الحقائق ـ لا يتجردون عن ذاتياتهم، فإن وصلوا إلى تلك الحقيقة ووجدوها لا تنسجم مع أهوائهم، أعرضوا عنها ونبذوها وراء ظهورهم.

من هنا، فمن لا يمتلك تفسيراً صحيحاً للحياة ورؤية علمية إلى أهدافها، يضطر بالنتيجة إلى البحث عن تفسيرات غيبية ورؤى باطلة فيتشبث حينئذٍ بالسحر.

وحيث يتحدث عن السحر ينفي القرآن الكريم قصةً مختلفةً من بني إسرائيل تزعم أن السحر من الله تعالى، وينهي الحديث ببيان أن التمسك بالكتاب أفضل لهم من التشبث بالسحر.

وفي هذه الآية المباركة أبحاثٌ تفيدنا وهي:

1- وصف القرآن الكريم هنا بكونه (مصدقاً) بما أن حقيقة القرآن واحدة مع حقيقة النبي(ص)؛ لذا أطلقت على النبي(ص).

2- لما نبذ بنو إسرائيل كتاب الله وراء ظهورهم في الدنيا، ولما كان يوم القيامة يوم تنسجم الأعمال، لذا فإنهم يُعطَون كتابهم وراء ظهورهم {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا}(19). وإنهم سينبذون في الحطمة {كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}(20).

3- إن العلم لا يكفي وحده في سلوك الصراط المستقيم، فعلماء بني إسرائيل لم يكن لديهم قلة في العلم، بل لديهم علمٌ ومعرفةٌ بما يجري حولهم، فرغم معرفتهم بالرسول(ص) لكنهم لم يؤمنوا به.

4- إن العلم الذي لا يُعمل به يشبه الجهل، لذا قيل للعلماء الذين لا يعملون بعلمهم وأخفوا ما عندهم من الحقائق: (كأنهم لا يعلمون).

5- إن سوء العاقبة خطر على مستقبل الإنسان، فالذين كانوا بالأمس مبلّغين ينتظرون النبي الذي سيبعث، فلما ظهر الإسلام، أصبحوا من أعدائه ومخالفيه(21).

6- إن حفظ ظاهر الكتاب وعدم العمل به ورعاية مضمونه وإيكال أمره إلى الجهل نبذٌ لكتاب الله، رُوِيَ عن الإمام الباقر(ع): (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحَرَّفوا حدوده...،وكان من نبذهم الكتاب أن ولّوه الذين لا يعلمون)(22).

■ وعوداً على بدء نسأل هذا السؤال: ما هو التفسير التوضيحي للآية الشريفة (102) التي ذُكرت في السؤال الأول من سورة البقرة؟

* يفهم من الأحاديث أن مجموعة من الناس مارست السحر في عصر النبي سليمان(ع) فأمر سليمان بجمع كل أوراقهم وكتاباتهم، واحتفظ بها في مكان خاص، ولعل الهدف من أمر سليمان(ع) بالاحتفاظ بها يعود إلى إمكان الاستفادة منها في إبطال سحر السحرة.

بعد وفاة سليمان عمدت جماعة إلى إخراج هذه الكتابات، وبدؤوا بنشر السحر وتعليمه، واستغلت فئة هذه الفرصة فأذاعت أن سليمان لم يكن نبياً أصلاً، بل كان يسيطر على ملكه ويأتي بالأمور الخارقة للعادة عن طريق السحر.

وبتعبير أجلى: يلوح من الآية أن اليهود كانوا يتناولون بينهم السحر وينسبونه إلى سليمان، زعماً منهم أن سليمان(ع) إنما ملك الملك وسخر الجن والإنس والوحش والطير وأتى بغرائب الأمور وخوارقها بالسحر الذي هو بعض ما في أيديهم، وينسبون بعضه الآخر إلى الملكين ببابل هاروت وماروت، فرد عليهم القرآن بأن سليمان(ع) لم يكن يعمل بالسحر، كيف والسحر كفرٌ بالله وتصرفٌ في الكون على خلاف ما وضع الله العادة عليه وأظهر على خيال الموجودات الحية وحواسها! ولم يكفر سليمان(ع) وهو نبي معصوم، وهو قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}.

فسليمان(ع) أعلى شأناً وأقدس مقاماً من أن يُنسب إليه السحر والكفر، وقد استعظم الله قدره في مواضع من كلامه في عدة من السور المكية النازلة قبل هذه السورة، كسورة الأنعام والأنبياء والنمل وسورة ص، وفيها أنه كان عبداً صالحاً ونبياً مرسلاً آتاه الله العلم والحكمة ووهب له من الملك مالا ينبغي لأحدٍ من بعده، فلم يكن بساحر، بل هو من القصص الخرافية والأساطير التي وضعتها الشياطين وتلوها وقرؤوها على أوليائهم من الإنس وكفروا بإضلالهم الناس بتعليم السحر.

فجاءت مجموعة من بني إسرائيل سارت مع هذه الموجة وبسبب هذا النبذ الذي ذكرته الآية السابقة وجد فراغ في حياتهم الثقافية فالتفتوا ولجؤوا إلى السحر والشعوذة والأفكار الغيبية الباطلة، فلم يجدوها إلا عند الشياطين بعد تركهم للتوراة.

عندما ظهر النبي الخاتم(ص) وجاءت آيات القرآن مؤيدةً لنبوة سليمان، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمّد؟ يقول: سليمان نبي وهو ساحر!

وجاءت الآية ترد على مزاعم هؤلاء وتنفي هذه التهمة الكبرى عن سليمان(ع)(23).

فقوله تعالى: (واتبعوا) الضمير هنا قد يعود إلى المعاصرين للنبي(ص)، أي: اتبعت اليهود الذين جاؤوا بعد عهد سليمان من باب: يتوارث الخلف عن السلف، أو قد يعود الضمير إلى أولئك اليهود المعاصرين لسليمان، أو لكلا الفريقين.

(ما تتلوا) أي، أن الشياطين كانت تكذب على ملك سليمان. والمقصود بكلمة (الشياطين) قد يكون الطغاة من البشر أو من الجن أو من كليهما.

والمحصل من هذا نقول في توضيح الآية بلباس ثانٍ: قوله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} من السحر، ذلك أن سليمان كان نبياً من بني إسرائيل وملكاً، وكانت الشياطين تخدمه، وقد خلفت وراءها مجموعة من الأفكار الباطلة.

هؤلاء تركوا الكتاب المنزل من الله الذي كان هو الحق مصدقاً لما بين أيديهم وما خلفهم ثم ذهبوا أو اتبعوا أفكار الشياطين، هذه نهاية العنصرية، إنها لا تفرق بين أفكار شياطين الملك إن كانت من نفس العنصر وبين الأفكار الصحيحة التي يأتي بها نبي مرسل من الله.

والمشكلة أنهم قالوا: ما دامت هذه الأفكار من بنات فكر الشياطين الذين كانوا حول سليمان، ومادام سليمان نبي الله، فإذاً هذه الأفكار هي من الله سبحانه، ولكن الله نفى بشدة هذه المعادلة الباطلة.

ثم تؤكد الآية على نفي الكفر عن سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} أي: والحال أن سليمان(ع) لم يلجأ إلى السحر حتى يكفر، ولم يحقق أهدافه عن طريق الشعوذة، {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ويضلونهم، فهؤلاء اليهود لم يستغلوا ما تعلموه من سحر الشياطين فحسب، بل أساؤوا الاستفادة أيضاً من تعليمات هاروت وما روت، {وَمَا أَنْزَلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ} أي: وما أنزل السحر ـ الذي هو الكفر لأنه يربط الحياة بقوى غيبية غير الله سبحانه وتعالى ـ أبداً كما تدعي هذه الطائفة العنصرية، على الملكين ببابل هاروت وماروت، واللذان كانا ملكين إلهيّين جاءا إلى الناس في وقت راج السحر بينهم وابتلوا بالسحرة والمشعوذين، وكان هدفهما تعليم الناس سبل إبطال السحر، وكما أن إحباط مفعول القنبلة يحتاج إلى فهم لطريقة فعل القنبلة، كذلك كانت عملية إحباط السحر تتطلب تعليم الناس أصول السحر، ولكنهما كانا يقرنان هذا التعليم بالتحذير من السقوط في الفتنة بعد تعليم السحر، (وما يعلّمان) روي أنه شاع السحر في أرض بابل وأدى إلى إحراج الناس وإزعاجهم، فبعث الله ملكين بصورة البشر، وأمرهما أن يعلما الناس أصول السحر كمقدمة لتعليمهم طريقة إبطال مفعول السحر، فاستغلت مجموعة هذه الأصول فانخرطت في زمرة الساحرين، وأصبحت مصدر أذى للناس، مع أنهما كانا إذا أرادا تعليم أحد لا يعلمان من أحدٍ حتى يحذراه من الإيذاء به وقالا له: إنما نحن فتنة لك وامتحان تمتحن بنا بما نعلمك، فلا تكفر بالله باستعماله، لهذا يقول تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} أي: هل من المعقول أن يبعث الله ملكين بصورة البشر يخدعان الناس؟!

(فلا تكفر) إذ أن نسبة السحر إلى الله هو كفر بذاته، والسحر لا يمكن أن يكون من قبل الله لأنه يخالف مسيرة رسالته ويتناقض معها تناقضاً كلياً، إذ أن رسالات الله دعوة إلى الترابط والانتفاع في الحياة، بينما هؤلاء يتعلمون من السحر ما يضر ولا ينفع، كما هو حال اليهود الذين سقطوا في فخ الفتنة، وتوغلوا في انحرافهم، فزعموا أن قدرة سليمان لم تكن من النبوة، بل من السحر والسحرة، وهذا هو دأب المنحرفين دائماً، يحاولون تبرير انحرافاتهم باتهام العظماء بالانحراف.

هؤلاء القوم لم ينجحوا في هذا الاختبار الإلهي، فأخذوا العلم من الملكين واستغلوه في طريق الإفساد لا الإصلاح، لكن قدرة الله فوق قدرتهم وفوق قدرة ما تعلموه.

{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}

ولكن هذه التفرقة ليست حتمية، إذ أن السحر لا يؤثر تأثيراً أكيداً في الحياة بل الله وسننه، وإرادة الإنسان هي التي تؤثر في الحياة، فقيل مثلاً: أي: يوجدون به حباً وبغضاً بينهما، وقيل إنهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك، فيفرق بينهما اختلاف الملة والنحلة، وقيل إنهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيؤول إلى الفرقة.

{وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} أي أنهم لا يضرون أي أحد بالسحر إلا عبر قوانين الله، فالله ورسالته أجدر بالاتباع، وعموماً، السحر يضر ولا ينفع، بينما رسالات الله تنفع ولا تضر.

{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}، أي: لقد تهافتوا على اقتناء هذا المتاع الدنيوي وهم عالمون بعقولهم أن من استبدل السحر بكتاب الله وبدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ماله في الآخرة من نصيب، لهذا قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}، أي أن أيّ نصيب لا يملكه الساحر في الآخرة لطبيعة أعماله المنافية للدين في الدنيا.

بل إن رسالات السماء هي التي تنفع الإنسان في الآخرة، بينما السحر لا ينفع هنالك شيئاً.

{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}، أي: لقد باعوا شخصيتهم الإنسانية بهذا الشيء التافه والمتاع الرخيص، لو كانوا يعلمون بعلمهم، فإن العلم إذا لم يهد حامله إلى مستقيم الصراط كان ضلالاً وجهلاً لا علماً(24).

■ هل في الآية رقم (102) من سورة البقرة فوائد وأبحاث نستفيدها مختصراً؟

* نعم، حيث نستفيد منها ما يلي:

1- أظهر السحرة سليمان(ع) ساحراً لكي يبرّروا عملهم.

2- إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن الأنبياء أمام تهم الآخرين، {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}.

3- ليس العلم مفيداً دائماً، فربما يكون مضراً أحياناً {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ}.

4- ينبغي للمعلم أن يشير إلى أعماله السلبية أثناء التعليم {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ}.

5- من الممكن أن تكون الملائكة معلمةً للإنسان {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ}.

6- إن من يسعى وراء السحر والتفرقة فإنما باع شخصيته بشيء تافه {لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}.

7- إن ذلك دليلٌ على أنه في زمان الحاكم الرباني أيضاً لا يصلح جميع الناس، بل يبقى هناك منحرفون في المجتمع {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}.

8- لا منافاة بين الحكومة والنبوة؛ لأن بعض الأنبياء كانوا حكاماً إلى جانب تبليغ وبيان الرسالة السماوية والأحكام الإلهية {مُلْكِ سُلَيْمَانَ}(25).

9- عَبَّر القرآن الكريم عن السحر بأنه أسوأ من الخمر والقمار؛ لأنه عَبَّرَ عن الخمر والميسر بأنّ فيهما نفع وإثم ولكن الإثم أكبر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}(26). ولم يقل عن السحر إنه لا نفع فيه بل قال إنه يضر ولا ينفع {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ}(27). حيث ـ كما قلنا ـ إن السحر يضر ولا ينفع، بينما رسالات الله تنفع ولا تضر.

■ ما هي قصة هاروت وماروت؟

* كما تقدم ـ لقارئي الكريم ـ أن أشرنا إشارةً بسيطةً وقصيرةً لقصة هاروت وماروت فلإيضاحها نورد ما يلي:

كثر الحديث بين أصحاب القصص والأساطير عن هذين الملكين، واختلطت الخرافة بالحقيقة بشأنهما، حتى ما عاد بالإمكان استخلاص الحقائق مما كتب بشأن هذه الحادثة التاريخية، ويظهر أن أصح ما قيل بهذا الشأن وأقربه إلى الموازين العقلية والتاريخية والأحاديث الشريفة هو ما يلي:

شاع السحر في أرض بابل وأدى إلى إحراج الناس وإزعاجهم، فبعث الله ملكين بصورة البشر، وأمرهما أن يعلما الناس طريقة إحباط مفعول السحر ليتخلصوا من شر السحرة. كان الملكان مضطرين لتعليم الناس صور السحر باعتبارها مقدمةً لتعليم طريقة إحباط السحر، واستغلت مجموعة هذه الأصول، فانخرطت في زمرة الساحرين، وأصبحت مصدر أذى للناس. الملكان حذرا الناس ـ حين التعليم ـ من الوقوع في الفتنة، ومن السقوط في حضيض الكفر بعد التعلم، لكن هذا التحذير لم يؤثر في مجموعة منهم(28).

وهذا الذي ذكرناه ينسجم مع العقل والمنطق، وتؤيده أحاديث أئمة آل البيت(ع)، منها ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا(ع)، وقد أورده في أحد طرقه عن الإمام الرضا(ع)، وفي طريق آخر عن الإمام الحسن العسكري(ع)(29).

أمّا ما تتحدث عنه بعض كتب التاريخ بهذا الشأن فمشوب بالخرافات والأساطير، وبعيد كل البعد عمّا ذكره القرآن، من ذاك مثلاً أن الملكين أرسلا إلى الأرض ليثبت لهما سهولة سقوطهما في الذنب إن كانا مكان البشر، فنزلا وارتكبا أنواع الآثام والذنوب والكبائر والنص القرآني بعيد عن هذه الأساطير ومنزه منها(30).

■ هنا سؤال قد يحاكي ذهن قارئي الكريم، وهو حول الرابطة التي تجمع بين الملك والإنسان، أي: كيف يمكن للملك أن يكون معلماً للإنسان؟

* طبعاً الآيات الكريمة المذكورة تصرح بأن هاروت وماروت علما الناس السحر، وهذا تمّ طبعاً من أجل إحباط سحر السحرة في ذلك المجتمع، فهل يمكن للملك أن يكون معلماً للإنسان؟

الحقيقة كما في الأحاديث الواردة بشأن الملكين تجيب على هذا السؤال، وتقول إن الله بعثهما على شكل البشر ـ كما تقدم ـ، وهذه الحقيقة يمكن فهمها من الآية التاسعة لسورة الأنعام أيضاً، حيث يقول تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً}(31). أي: لو بعث الله ملكاً لجعله يشبه الناس حتى في ملابسه حتى يستطيع أن يتفاهم معهم ويهديهم.

■ لا يخفى لدى قارئي الكريم أن مادة الفقة الإسلامي توضح للإنسان المسلم طريق العمل، وتبين له واجباته ومسؤولياته وما يحرم عليه وما يباح له بشكل قانوني محدد؛ لذا ـ إضافةً لما تقدم في جوابي السؤال السابع والثامن من بحثنا المتواضع حول حرمة السحر ـ نسأل هذا السؤال: ما هي أدلة فقهاء الأمة الإسلامية في حرمة السحر من خلال آيات القرآن الكريم؟

* يقول الفقهاء: إن حرمة السحر على سبيل الإجمال مسلّمةٌ ومعلومةٌ لدى المحققين، وقد اتفقت عليه كلمات علماء الإسلام، بل قد يقال إنها من ضروريات الدين، وليس ببعيد، ويدل على حرمتها آيات من كتاب الله عزّ وجلّ: منها قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ، ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ، فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ، قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}(32).

ويقول المفسرون في تفسير هذه الآيات الشريفة ـ حتى توصلوا للحكم بحرمة السحر ـ ما يلي:

ومضت رسالات الله على ذات السنّة، حيث ـ بعد الانتهاء من قصة نوح(ع) ـ بعث الله ـ كما تشير الآية الأولى ـ الأنبياء الكرام الذين جاؤوا بعد نوح وقبل موسى(ع) بالبينات لهداية الناس كإبراهيم وهود وصالح ولوط ويوسف(ع) فقالت: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ} فقد كانوا مسلحين كنوح بسلاح المنطق والإعجاز والبرامج البناءة، إلا أن الذين سلكوا طريق العناد وكذبوا الأنبياء السابقين، كذبوا هؤلاء الأنبياء أيضاً ولم يؤمنوا بهم {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} أي: أنهم رفضوا الإيمان كما رفضه الأسبقون، وذلك لتمرسهم بالاعتداء والظلم، وكان ذلك نتيجةً للعصيان والتمرد وعداء الحق الذي أوصد تلك القلوب {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ}.

فحينما استمرت سلسلة الرسالات حتى جاء دور موسى(ع) حيث بعثه الله تعالى وهارون إلى فرعون ومَلَئِه بآيات الله، استكبر فرعون وكبار المفسدين ممن حوله، ورفضوا الهداية ومارسوا عملياً الجرائم بحق المستضعفين، واتهموا موسى(ع) بأنه ساحر، كما اتهمو رسالته الحقة بأنها سحر واضح، وتميّز موسى(ع) غضباً كيف يقولون للحق إنه سحر بينما الساحر لا يفلح ولا ينتصر؟ ولكنهم كانوا لا يسلمون أمام دعوة أي نبي ومصلح، واستمروا في الثبات على موقفهم، ولم تكن تؤثر فيهم دعوة الأنبياء المتكررة أدنى أثر، بل اتخذوا موقفاً عدائياً بالرغم من دحض باطلهم.

وهكذا تكررت سيرة نوح عند موسى وهارون باختلاف بعض التفاصيل، ولكن بذات المحتوى.

فماذا يمثل خط الرسالة؟

طبعاً ـ كما يعلم قارئي الكريم ـ إن رسالات الله تشكل خطاً مستمراً عبر العصور، كما أن الجاهلية التي تقف أمام الرسالات تشكل خطاً ثابتاً في جوهره، وعلينا البحث عن خط الرسالات الذي يجسد اليوم واقع الرسالات السابقة بجوهرها فننتمي إليه.

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ}، فكما الرسالات خط ومنهج، كذلك الجاهلية خط ومنهج مستمر معها، فإن قوم نوح(ع) كذّبوا رسالته، وكذّب قوم إبراهيم(ع) برسالته، وقد تسأل عزيزي: لماذا؟

نقول: لاشتراكهم جميعاً في دوافع التكذيب، ومنها الاعتداء الذي هو تجاوز الحقوق، والإسراف في النعم، والذي جاءت رسالات الله من أجل إنقاذ البشر منه، وكما جاء في آية قرآنية أخرى حيث قال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(33).

فإقامة القسط والعدالة في الأرض وفق القيم الإلهية أحد أهم وأبرز الأهداف التي تنزلت من أجلها رسالات الله، وسعى إليها الأنبياء والرسل، كما أن منع الإسراف في الشهوات وتوجيه الغرائز، وبالتالي مقاومة ما يسمى بالظلم الذاتي هدف آخر للرسالات، كما ينبغي أن يسعى إليها كل مؤمن بل كل إنسان، ولا يجوز أن ينتظر رسولاً يبعثه الله ليتحملها.

وإذا رفع راية العدالة شخص أو تجمّع فإن على سائر الناس أن ينصروه إن وثقوا منه ومن أهدافه، ولا يدعوه وحده في مواجهة الظالمين، وطبيعي في هذه الحالة أن يقف المعتدون الظالمون للناس أمام الرسالة، ذلك لأن الظلم ظلمان، فظلم في القلب، وظلم في السلوك السيء ينعكس سلبياً على النفس، ويحجب عنها نور العقل. {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}

فالمعتدون تنغلق قلوبهم عن الاهتداء، وهذه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى، وكمثل على هذه الحقيقة يستشهد به القرآن الكريم ليعطينا رؤيةً واضحةً تجاه ما يمكن أن يكرر يومياً في حياة الناس هو النموذج البارز في قصة موسى وهارون(ع) الذين بعثهما الله برسالاته إلى فرعون الطاغوت ومَلَئِه، أي كبار معاونيه المفسدين في الأرض، ولكن بسبب ممارستهم الجريمة والظلم والاعتداء، وبسبب انعكاس سلوكهم الفاسد على فكرهم، وعدم امتلاكهم لروح التواضع، فإنهم لم يلتفتوا إلى الحقائق الواضحة في دعوة موسى(ع) واستكبروا عن قبول الرسالة،{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ}، ولكن يا ترى كيف استكبروا؟ وهل اعترفوا بالحقيقة وهي أن ظلمهم للناس هو سبب استكبارهم وضلالتهم؟

كلا.. بل برروا رفضهم للرسالة بتبريرات باطلة، مما يمكن أن يتكرر في كل عصر وزمان. {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} إنهم رفضوا التسليم للحق الذي هو من عند الله خالقهم، والذي كان واضحاً لا ريب فيه، ونسبوا الحق إلى السحر حينما أحسوا بجاذبية دعوة موسى(ع) الخارقة من جهة، ومعجزاته الباهرة من جهة أخرى، وتزايد نفوذه بصورة محيرة من جهة ثالثة، دفعت الفراعنة إلى التفكير في حل لهذه المسألة، فلم يجدوا وسيلةً أفضل من رميه بالسحر، فأعلنوا أنه ساحر وأن عمله سحر ليس إلا، والناس البسطاء لا يميزون بين السحر والرسالة، إذ كلاهما خارق لعاداتهم ولا يعرف الناس مغزاهما، لذلك تلبس الأمر على الناس، وهكذا أضلوا الناس، وكذلك يمكن أن يتكرر الأمر مع الناس في كل عصر، فالطاغوت ومَلَؤُهُ حين يخالفون الحق لا يعترفون بالدوافع الحقيقية لمخالفتهم من استكبارهم، وتمرسهم بالجريمة والظلم، بل يتهمون الحق ببعض التهم التي تضلل الناس البسطاء وتفتنهم، وتلبّس الحق بالباطل، وتشبه الرسالة بالسحر، والثورة بالفوضى، والإصلاح بتعكير صفو الأمن والمطالبة بالحرية والمساواة بالتمرد على القيم و...وهكذا.

فعلى المجتمع الإسلامي أن يتسلح بالوعي الكافي للتمييز بين الأقوال التي ينطق بها أصحاب الرسالة أو أنصار الطاغوت، ولا يرفضوا الرسالة بالتأثر بالشبهات التي تثيرها أجهزة الطغاة ضدها، وهذا من عبر القصص القرآنية حول الرسل.

فماذا كان الرد الرسالي؟

طبعاً كما كانت شبهة الطغاة حول الرسالة متناسبة مع بساطة الجماهير، فإن رد هذه الشبهة من طرف الرسل كان بلغة مفهومة لدى الجماهير الساذجة أيضاً مما كشف زيف الشبهة لهم.

{قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا}، فلقد نفى موسى أن يكون كلامه سحراً، وأوضح أنه حق، والحق واضح المعالم بعيداً عمن ينطق به، فإذا جاءكم الحق ـ سواء عن طريقي أو بطريق آخر ـ لابد لكم أن تقبلوه وتطيعوه، وربما تشير الآية إلى أن الحق هذا كان مقبولاً عندهم إذا بقي بعيداً عنهم، فكل الناس حق الطغاة منهم يتفوهون بالحق ويعتقدون به، بل يطالبون الآخرين بتحقيقه، فمن الذي لا ينطق بالعدالة ولا يطالب بالتقدم والتطوير؟

ولكن إذا جاءه الحق وعارض مصالحه رفضه ونسبه إلى السحر، بينما الحق نفسه لما كان عنده غير كان مقبولاً ولا يسمى بالسحر، أو ليس هذا الدليل البسيط والمفهوم عند الناس كافياً لدحض شبهتهم؟

ولم يكتف موسى بهذا الدليل بل تابع مضيفاً:{وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} مؤكداً أنه يرفض مهنة السحر، بينما السحرة يفتخرون بها، وهذا وحده كافٍ للدلالة على أنه غير ساحر، ثم إن الساحر لا يبلغ أهدافه لأنه لا يتبع الحق، بل يجري وراء مصالحه وتراه في صف الظالمين والطغاة، ولا يتسم سلوكه الشخصي بالقيم الإنسانية، بل تجده عادةً متوغلاً في الرذائل المنبوذة عند الناس، وبالتالي تجد الساحر بسبب مواقفه السياسية وسلوكه الشخصي مكروهاً عند الناس، ولا يقدر على تحقيق أهدافه من إمامة الناس وقيادة المجتمع، بينما الرسول يدعو إلى فطرة الحق، ويقف إلى جانب المستضعفين، ويطبّق تعاليم السماء في توجيه الناس إلى الخير، وسلوكه الشخصي سلوك مثالي، مما يجعله قريباً إلى تحقيق أهدافه منتصراً سعيداً، وهذا واضحٌ للناس جميعاً، فالناس أنّى كانوا رأوا أو سمعوا المصلحين وفي طليعتهم الرسل، وعرفوا السحرة آنئذٍ يمكنهم أن يعرفوا الفرق بين هذين الطرازين من الناس، بأدنى توجيه وتذكرة. ويستفيد الفقهاء من قوله تعالى: {أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} كما تقدم، حرمة السحر.

هذا ويدل على حرمة السحر كذلك قوله تعالى:

{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}(34).

ولتوضيح هذه الآية الشريفة نحتاج لتوضيح ما سبقها من أربعة آيات كريمة وما يليها من آيات كريمة، وهذا ما نوكله إلى أجوبة الأسئلة القادمة إن شاء الله تعالى.

وخلاصة المراد من الآية الشريفة أن ما قام به السحرة من جلب الحبال والعصي وخلقوا أجواءً صاخبةً توحي بأنها تسعى، فسحروا أعين الناس، ولكن هذا العمل لا يعدو أن يكون مجموعة من الخطط الماكرة الباطلة، التي لا تلبث أن تنتهي بوهج الحقيقة، كما الظلام ينهزم أمام النور، وباستطاعة الإنسان المتصل بالله أن يتجاوز تأثيرات السحر الوهمية، فما قام به السحرة لم يكن ذلك إلا ضرباً من السحر.

أما الحقيقة كل الحقيقة فإنها كانت تتمثل في عصا موسى(ع)، فقد ابتلعت ذلك السحر مرةً واحدةً، وآمن السحرة بموسى وخروا لربه وربّهم ساجدين.

وهكذا فالسحر لا يؤثر فيمن يؤمن بالله حقاً، وقد قال عنه تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ} كما أشرنا لتوضيح هذه الآية سابقاً، وإضافةً لذلك، إن ذات الساحر لا يفلح، لأن عمله هذا يكرس فيه الانحراف عن خط الفطرة والحياة في الدنيا، من هنا حرم الفقهاء التعامل بالسحر لما يخلف من أضرار للجميع، ويسبب العذاب في الآخرة. هذا ودل على حرمة السحر كذلك قوله تعالى فيما ورد في قصة هاروت وماروت وأهل بابل:

{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}، وقد تقدم ضمن جواب السؤال رقم (10)، فإن ظاهره(35)كون السحر نوعاً من الكفر.

■ وما هو دليل الفقهاء على حرمة السحر من خلال السنة الشريفة؟

* إن ما دل على حرمة السحر من السنة روايات كثيرة أوردها صاحب الوسائل في الباب 25و26 من أبواب ما يكتسب به، والباب 1و3 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات، منها ما يلي:

1- عن الإمام جعفر بن محمد(ع) عن أبيه(ع) قال رسول الله(ص): (ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأنّ الشرك أعظم من السحر؛ لأن السحر والشرك مقرونان)(36).

2- قد ذكرنا فيما تقدم في جواب السؤال الخامس أن الفقهاء قد أجمعوا على حرمة تعلم السحر وممارسته ولكن كما ذكرناه يجوز تعلم السحر لإبطال سحر السحرة، فهذا جائزٌ، بل يرتفع إلى حد الوجوب الكفائي أحياناً؛ لإحباط كيد الكائدين والحيلولة دون نزول الأذى بالناس من قبل المحتالين، والدليل على ذلك، ما ورد عن الإمام جعفر الصادق(ع): (كان عيسى بن شقفى ساحراً يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر، فقال له: جُعلت فداك أنا رجلٌ كانت صناعتي السحر وكنتُ آخذ عليه الأجر وكان معاشي، وقد حججت منه، ومنّ الله عليّ بلقائك وقد تبت إلى الله عزوجل، فهل لي في شيء من ذلك مخرج؟ فقال له أبو عبد الله(ع): حلّ ولا تعقد)(37).

فدل هذا الحديث الشريف على حرمة السحر فيما يعقد، أما إذا كان من أجل فتح وحل عقد السحر لا إشكال فيه، كما تقدم.

3- ومثل هذا الحديث ما رواه الصدوق: (إن توبة الساحر أن يحل ولا يعقد)(38).

4- ما روي عن الإمام الرضا(ع) في حديث قال: (وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم، وما علّما أحداً من ذلك شيئاً حتى قالا: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فكفر قومٌ باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه، وجعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء وزوجه، قال الله تعالى: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}، يعني بعلمه)(39).

5- عن أبي عبد الله(ع) عن آبائه(ع) عن علي(ع) في حديث: (نحن أهل بيتٍ عصمنا الله من أن نكون فتانين أو كذّابين أو ساحرين أو زنائين، فمن كان فيه شيء من هذه الخصال، فليس منّا ولا نحن منه)(40).

■ ما حكم من عمل بالسحر؟

* قال الإمام الخميني(قده): (من عمل بالسحر يُقتل إن كان مسلماً، ويؤدّب إن كان كافراً، ويثبت ذلك بالإقرار، والأحوط الإقرار مرتين، وبالبينة، ولو تعلم السحر لإبطال مدعي النبوة فلا بأس به، بل ربما يجب)(41).

يقول الفقهاء: يدل على وجوب قتل من عمل بالسحر فيما لو كان مسلماً، وتأديبه إن كان كافراً، روايات عدة، وقد تقدم بعضها:

منها: أن علياً(ع) قال: (من تعلم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربّه، وحدُّه أن يُقتل إلا أن يتوب)(42).

ومنها ما عن أبي عبد الله(ع) قال: (الساحر يضرب بالسيف ضربةً واحدةً على رأسه)(43).

ومنها ما رواه زيد بن علي عن أبيه عن آبائه قال: سُئل رسول الله(ص) عن الساحر فقال:(إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه)(44).

هذا وقد ذكرنا فيما تقدم ـ في جواب السؤال السابع ـ رأي السيد الإمام الخميني(قده) بالنسبة لعمل السحر.

 

 * الهوامش:

(1) سورة البقرة، الآية 102.

(2) سورة الأعراف، الآية من 116 إلى 120.

(3) سورة يونس(ع)، الآيات من 76 إلى 81.

(4) سورة القلم، الآيتان 51 و52.

(5) سورة طه(ص)، الآية 66.

(6) سورة الأعراف الآية 116.

(7) سورة البقرة، من الآية 102.

(8) نقلاً من تفسير الأمثل ج1، ص231 بتصرف.

(9) جواهر الكلام ج42 ص33.

(10) بحار الأنوار ج63 ص39.

(11) سورة يونس(ع)، الآية 52.

(12) سورة الذاريات، الآية 52.

(13) تحرير الوسيلة للإمام الخميني(قده) ج1 ص498.

(14) جواهر الكلام ج22 ص75.

(15) بحار الأنوار ج63 ص31 نقلاً من كتاب نخبة التفاسير ص321.

(16) الإمام الخميني(قده)، حرام مطلقاً ـ كما تقدم ـ.

(17) منتخب الأحكام المطابقة لفتاوى آية الله العظمى السيد الخامنئي (دامت بركاته) تنظيم الشيخ حسن محمد فياض العاملي ص182.

(18) سورة البقرة، الآية 101.

(19) سورة الانشقاق، الآيتان 10-11.

(20) سورة الهمزة، الآية4.

(21) نقلاً من تفسير نخبة التفاسير حول الآية الشريفة.

(22) نور الثقلين ج1 ص206.

(23) مجمع البيان في تفسير الآية مع قليل من الاختلاف.

(24) استفدنا هذا التفسير من تفاسير متعددة حول الآية الشريفة.

(25) نقلاً من تفسير نور بالفارسية ج1 ص214-216.

(26) سورة البقرة، الآية 219.

(27) نقلاً بتصرف من تفسير نخبة التفاسير.

(28) مجمع البيان في تفسير الآية المذكورة.

(29) وسائل الشيعة ج12 ص106-107.

(30) بتصرف من تفسير الأمثل ج1 ص228.

(31) سورة الأنعام، الآية 9.

(32) سورة يونس(ع)، الآيات من 74 إلى الآية 77.

(33) سورة الحديد، الآية 25.

(34) سورة طه(ص)، الآية 69.

(35) كما عند سماحة آية الله العظمى الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشرازي (دام ظله) في كتابه أنوار الفقاهة ضمن أبحاثه القيمة في المكاسب المحرمة.

(36) وسائل الشيعة ج12 ص106، الباب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث رقم 2.

(37) وسائل الشيعة ج12، ص105، الباب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث رقم 1، بتصرف بسيط.

(38) المصدر السابق ص106 الحديث رقم 3.

(39) المصدر السابق ج12 ص107 الحديث رقم 5.

(40) المصدر السابق ص108.

(41) تحرير الوسيلة للسيد الإمام الخميني(قده) ضمن كتاب الحدود.

(42) وسائل الشيعة ج12 ص107 الباب 25 حديث رقم 7.

(43) المصدر السابق ج18 ص576، الباب 1، من أبواب بقية الحدود، حديث رقم 3.

(44) المصدر السابق، الباب 3 من أبواب بقية الحدود ج1.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا