المبحث الثاني: أسباب ودوافع انحراف الزبير
لم يكن الزبير شخصية عادية عابرة في مسار تكوين الدولة الإسلامية، بل كان له الحضور المؤثر في بناء كيان الإسلام وتشييده؛ حيث شارك في كلِّ الحروب التي خاضها الرسول (صلَّى الله عليه وآله) مع المشركين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا جيء له بسيف الزبير بعد مقتله: «سيف لطالما جلى الكرب عن وجه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)»(1)، وكانت له مواقف مشهودة كثيرة؛ إلا أنَّه شهد انحرافاً مفاجئاً عن الخطِّ العلوي، واتَّجه ناحية أخرى، ولِما تستحقه هذه الظاهرة من الاهتمام والتفسير، كان لابدَّ من دراسة الأسباب والدوافع التي أخذت الزبير من الضفَّة العلويَّة إلى الضفَّة الأخرى، فكانت كالتالي:
السبب الأول: يعتبر كثير من الباحثين، أنَّ البذرة التي زرعها عمر بن الخطاب، بترشيحه ستة نفر من الصحابة؛ لتكون الخلافة فيهم شورى، هي بمثابة القشَّة التي قصمت ظهر البعير، وجرَّت الويلات والخلافات على الأمَّة، لِما أدخلته في نفس غير واحد من الصحابة من الطمع في المنصب والخلافة، لذا فإنَّ الشورى قد فتحت عند الزبير بن العوّام أفقاً جديداً، فالزبير لم يعرف عنه يوماً أنَّه كان رجل سياسة وتدبير، وإنَّما عرف واشتهر بالحرب والقتال، إلا أنَّ إدخال عمر له ضمن الستة، وقوله له ضمن من خاطبهم: "إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم"(2) قد ولَّد عنده حبّ الرئاسة والتطلُّع للمنصب.
السبب الثاني: العلاقة الوثيقة التي كانت بين طلحة والزبير، والتي كان لها التأثير العميق في صياغة التوجهات الجديدة التي انتهجها الزبير، فرغم ما نقل عن شجاعة الزبير وبطولته، إلا أنَّه لم يكن يمتلك تلك الشخصية القيادية المستقلة، وإنَّما كان تأثير الصحبة والخلّة واضحاً في رسم توجهاته وقراراته، ولذا كان في غير واحد من المواقف تابعاً لطلحة مُرجِعاً الأمر إليه، ومن باب الاستشهاد نورد خبره مع أبي الأسود الدؤلي، وقد أرسله عثمان بن حنيف إلى القوم؛ ليستعلم له علمهم، يقول ابن أبي الحديد: "فأتى الزبير، فقال: يا أبا عبد الله، عهد الناس بك، وأنت يوم بويع أبو بكر آخذٌ بقائم سيفك، تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب؛ وأين هذا المقام من ذاك! فذكر له دم عثمان، قال: أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا! فلمّا أعيته الحجة، قال: انطلق لطلحة فاسمع ما يقول"(3).
السبب الثالث: السياسات الجديدة التي اتَّبعها أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ توليه الخلافة، وبالخصوص في ما يتَّصل بالشأن الماليِّ والإداريّ، والتي لم تكن تتناسب مع المصالح المالية الهائلة التي كانت تُدَرُّ على الزبير سابقاً، إذ على الرغم من عدم تولِّي الزبير أيّ منصب أو ولاية في عهد الخلفاء السابقين، إلا أنَّ هذا هو السبب نفسه الذي دفع الزبير وكذا طلحة للقيام على عثمان، ممَّا أدَّى إلى قتله، فصحيح أنَّ عثمان أغدق عليهما الأموال، إلا أنَّ سياسته كانت تنحو باتّجاه تولية الأقارب فحسب، ولذلك فلم ينلهما أيّ حظوة من الولايات، من هنا كان الزبير يأمل أن يوليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد خلافته أحد المصرين، ولمّا لم يكن ذلك؛ ثارت ثائرته حتى قال: "هذا جزاؤنا من عليّ! قمنا له في أمر عثمان حتّى قُتِل، فلمّا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا مَنْ كنّا فوقه.!!"(4).
السبب الرابع: الدور الكبير والمؤثر، الذي لعبه ابنه عبد الله في تحديد خياراته وقراراته في غير واحد من المواقف، ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قولته المشهورة: "ما زال الزبير رجلاً منّا أهل البيت حتَّى نشأ ابنه المشئُوم عبد الله"(5)، وهناك شواهد عدة على ذلك نكتفي بذكر واحد منها وهو: أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أوصى ابن عبَّاس أن يكلِّم الزبير وابنه ليس بحاضر، وذلك عندما أنفذه ليكلم الزبير ليفيء لطاعته، يقول المفيد في كتابه الجمل: "قال-أي ابن عباس-: وقد كان أمير المؤمنين أوصاني أن ألقى الزبير وان أكلّمه -إن قدرت- وابنه ليس بحاضر! فجئت مرّتين أجده عنده، ثم جئت ثالثة فلم أجده عنده فدخلت عليه (وأعلمته بذلك) فأمر مولاه سرجس أن يجلس على الباب يحبس عنا الناس، ثم جعلت أكلّمه وأُلاينه، فيلين مرة ويشتد مرة أخرى، وسمع سرجس ذلك فأنفذ إلى ابنه عبد الله عند طلحة فأسرع حتى دخل علينا"(6)
السبب الخامس: الرسالة التي وجهها معاوية بن أبي سفيان إلى الزبير، وذلك بعد مقتل عثمان، "بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان: سلام عليك، أمّا بعد، فإني قد بايعت لك أهل الشام، فأجالوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنّه لا شيء بعد هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجدّ والتشمير، أظفركما الله، وخذل مناؤكما"(7). من خلال هذه الرسالة يتَّضح الدور الكبير الذي لعبه معاوية في انحراف الزبير، وفي ذلك عدَّة ملاحظات:
أوّلاً: مخاطبة معاوية الزبير بـ"أمير المؤمنين" في الوقت الذي يذكر فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) مجرَّدا من أي لقب، فيقول "ابن أبي طالب".
ثانياً: أنَّ معاوية هو الذي اختار للزبير والنَّاكثين البصرة منطلقاً لحركتهم في القيام على أمير المؤمنين (عليه السلام) ومحاربته.
ثالثاً: الدور الخبيث لمعاوية في توجيه الزبير والنَّاكثين، برفع شعار الطلب بدمّ عثمان، متاجرة به في سبيل الحصول على الإمرة. وعن هذه الرسالة يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له بذي قار: "ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فكتماه عنّي، وخرجا يوهمان الطَّغَام أنّهما يطلبان بدم عثمان"(8).
السبب السادس: اشتمال شخصية الزبير على بعض الصفات والمقومات الأخلاقية السلبية، التي ساهمت في انحرافه وعدم بقائه على الخطِّ العلوي.
أوّلاً:- الاستعلاء: يتضح ذلك من خلال الوقوف على موقف له في حرب الجمل، حيث أنَّه التقى بأمير المؤمنين (عليه السلام) ولمّا سأله: ما جاء بك؟ قال: "أنت ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا"(9)، وهنا لا يمكن بحال حمل كلامه على اعتقاده بذلك، كيف وهو من وقف بسيفه يوم الدار وقال "لا أغمده حتى يبايع عليا"(10)وقال: "لا أحد أولى بهذا الأمر من علي!!"(11)، ولكنَّ الغرور والاستعلاء جرّاء اتباع هواه أغوياه وحملاه إلى ما لا يحمد عقباه.
ثانياً:- الحسد: وهذه الصفة من أبرز الصفات الباعثة على تحريك الزبير والنَّاكثين للقيام على أمير المؤمنين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام)لمّا بلغه خبر مسيرهم إلى البصرة: «وإنَّما طلبوا هذه الدنيا حسداً لمن أفاءها الله عليه»(12).
ثالثاً:- الحرص وحب الدنيا: وهما صفتان عرف بهما الزبير من خلال طبيعته وسيرته، أمّا الحرص فقد كانت سمة ملازمة له، ولذلك فإنَّ الخليفة الثاني ذمه في حرصه، وذلك حين جمع أصحاب الشورى فقال: "ولعلها لو أفضت إليك ظَلْتَ يومك تلاطم بالبطحاء على مدٍّ من شعير"(13).
وأمَّا حبّ الدنيا، فنستكشفها من مواقف عديدة، فما احتجاجه على أمير المؤمنين (عليه السلام) في شأن تقسيم الفيء، وتركاضه وراء المال الحرام، ونهبه مال بيت البصرة، حتَّى احتوش المال كله، وقال: "نحن أحقُّ بها من أهل البصرة، وقرأ الآية: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}(14)"(15) إلا دليل بيِّن على مدى لهثه وراء المال، وسعيه نحو التملُّك مهما كان الطريق، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يشير إلى النَّاكثين وغيرهم: «كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(16)؛ بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها»(17).
رابعاً:- ضعف الإيمان: على الرغم من كثرة النقولات التي تشير إلى جانب التضحية والجهاد في شخصية الزبير، وتفانيه في الدفاع عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) والإسلام، إلا أنَّ شيئاً من تلك النقولات، لم تذكر لنا شيئاً عن جانب إيمانه وعبادته، ولعلَّ ذلك يُعدُّ مؤشراً على عدم تمرس الزبير في هذا الجانب، فإنَّ التحول المفاجئ في سيرة الرجل، يُستكشف منه تزلزل إيمانه وعدم استقراره، وقد أشار الإمام الباقر (عليه السلام) إلى ذلك حيث قال في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}(18): «... المستقر ما استقر من الإيمان في قلبه فلا يُنزع منه أبداً، والمستودع الذي يستودع الإيمان زماناً ثمّ يُسلبه، وقد كان الزبير منهم»(19). وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وهو يُسأل عن قول الله عزَّ وجلَّ: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}، قال: «.... وقد يكون مستودع الإيمان ثمَّ ينزع منه، ولقد مشى الزبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) حتى مشى بالسيف وهو يقول: لا نبايع إلا علياً»(20).
المبحث الثالث: توبة الزبير في الميزان
والتحقيق في ذلك له نتائج مهمَّة تترتَّب على إثبات التوبة أو عدمها، فإثبات التوبة يسهم في تبييض صفحة الزبير الحافلة بالأخطاء، ويعطي نموذجاً بارزاً في حسن الخاتمة ممّا يساهم في دفع المذنبين نحو التوبة والرجوع إلى الله، وعلى الصعيد الآخر فإنَّ إثبات عدم التوبة ينتج عنه ثمار كبيرة، من أهمِّها سقوط نظرية عدالة الصحابة، وما ينتج عن ذلك من سقوط منظومة كاملة بنيت عليها، وهناك تبريرات ساقها البعض لتبرير ما ارتكبه الزبير، وما هو المتفق عليه أنَّ بغي الزبير وخروجه على أمير المؤمنين (عليه السلام) كان خطئاً كبيراً، وذنباً لا ينجيه منه ناج؛ إلا توبة نصوح.
ما يمكن أن يُساق كأدلَّة لإثبات توبة الزبير:
سنحاول أن نورد أقوى الأدلَّة التي يمكن أن يسوقها القائلون بتوبة الزبير، ثمَّ سنناقشها بما تيسر. وإلا فإننَّا لم نقف على أدلَّة مصاغة بشكل علميٍّ يمكن مناقشتها، وإنَّما هناك دعاوى متفرقة ومطلقة جزافاً.
الدليل الأوّل: ما نقله المؤرخون من أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، لمّا جاءه عمرو بن جرموز(21) برأس الزبير قال: «بشّر قاتل ابن صفية بالنار»(22)، فمع ضمِّ البشارة إلى قتل الزبير، يدلُّ على أنَّه استحقَّ النَّار لقتل الزبير، فلو لم يكن الزبير تائباً لما استحقَّ ابن جرموز النَّار بقتله، وهذا يدلُّ على رجوع الزبير وتوبته.
وينقض على هذا الدليل بنقوض:
النقض الأوّل: أنَّ سبب استحقاق ابن جرموز النار قد يكون راجعاً إلى طريقة قتله للزبير، إذ يؤكّد المؤرخون أنَّه قد غدر بالزبير وقتله بعد أن أعطاه الأمان، والقتل غيلة ومكراً، معصية كبيرة قد تدخل مقترفها النَّار.
النقض الثاني: بحسب الروايات فإن هدف ابن جرموز لم يكن وجه الله، وإنَّما كان تأميلاً لجائزة كان يتوقعها من أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول ابن كثير: "ولمّا قتله عمرو ابن جرموز فاحتزَّ رأسه وذهب به إلى علي ورأى أنَّ ذلك يحصل له به حظوة عنده فاستأذنه فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار"(23).
النقض الثالث: أنَّ ابن جرموز بحسب ما ينقله المؤرخون، كان من ضمن الخوارج في النهروان، فلعلَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد بالبشارة، أنْ يُعلمه أنَّ ما فعله لا يساوي شيئاً في قبال ما ستكون عليه عاقبته من وقوفه مع الخوارج(24).
النقض الرابع: مع التنزّل بتماميّة الدليل من حيث المضمون، فإنَّه من أخبار الآحاد، فهو ظني، والثابت باليقين أنَّ الزبير نكث البيعة ثم بغى على الإمام (عليه السلام).
الدليل الثاني: ما ينقله المؤرخون من أنَّ الزبير لمّا تواقف مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في المعركة، وذكّره بقول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «لتقاتلنه وأنت له ظالم»، استرجع الزبير ورجع، ورجوعه دالٌّ على أوبته وتوبته، فلو لم يكن قد تاب ما كان ليرجع. وينقض على هذا الدليل:
النقض الأوّل: صحيحٌ أنَّ الزبير قد رجع بعد تذكير أمير المؤمنين (عليه السلام) له بقول رسول (صلَّى الله عليه وآله)، بل أنَّه حلف أنَّه لن يقاتل الإمام (عليه السلام) بعد ذلك؛ إلا أنه لم يفِ بما وعد وحنث يمينه، ورجع إلى القتال مرَّة أخرى، وذلك بعد أن رماه ابنه عبد الله بالجبن، ولمّا تعذَّر لابنه بأنَّه حلف للإمام (عليه السلام) أن لا يرجع، قال له ابنه: هذا غلامك مكحول أعتقه وكفّر عن يمينك!! وقد عمل الزبير بنصيحة ابنه واعتق غلامه ثمَّ رجع إلى المعركة.
النقض الثاني: لو سلّمنا أنَّ الزبير لم يرجع، بل انطلق مباشرة إلى وادي السباع حيث مقتله، إلا أنَّ هذا المقدار لا ينفع، إذ التوبة تقتضي في أقلِّ صورها أن ينفصل عن حزب النَّاكثين، وينضمَّ إلى حزب أمير المؤمنين (عليه السلام)، لا أن يفرَّ بنفسه حيث شاء.
النقض الثالث: مع التّنزّل بأنَّ مجرَّد الرجوع عن الحرب كافٍ في حصول التوبة، إلا أنَّ بغيه على الإمام (عليه السلام) وقتاله له، لم يكن إلا واحدة من مساوئ كثيرة، لم ينقل التأريخ لنا أنَّ الزبير قد تاب ورجع عنها، مثلاً معصيته بنكث البيعة لم يتب منها، إذ مقتضى التوبة في ذلك اعترافه بالنكث ثمَّ معاودة البيعة، ومن المسلَّم أنَّ «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(25)، والأشنع من ذلك أن يعرف المرء إمام زمانه ويموت من غير بيعة له في عنقه.
الدليل الثالث: ما أظهره الزبير من التأسّف والتفجّع لحاله، بعد أن علم أنَّ عمَّار بن ياسر في صفِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث قال: "يا جدع أنفاه أو يا قطع ظهراه"(26)، وإظهار التأسّف من الزبير دليل واضح على توبته.
وينقض على هذا الدليل:
النقض الأوّل: لم يكن خافياً على الزبير وجود عمَّار مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، كيف لا وهو لمّا قيل له إنَّ عمَّاراً قد ترك علياً، قال: "كلا وربِّ الكعبة؛ إنَّ عمَّاراً لا يفارقه أبداً"(27)، وذلك لما يعرفه من صلابة إيمان عمَّار، ولم يكن خافياً على الزبير كذلك إخبار النبي (صلَّى الله عليه وآله) بأنَّ من تقتل عمَّاراً هي الفئة الباغية، وهذا ما يجعل من تأسّف الزبير بعد سماعه بقاء عمَّار في صفِّ أمير المؤمنين بحسب هذا النقل أمراً مستغرباً، ممّا يجعل المرء أكثر حرصاً في التأمل في مضمون هذا النقل.
النقض الثاني:أنَّ ما تسالم عليه العلماء من شروطٍ في أمرِ تحقّقِّ التوبة، هو أن يقلع المذنب عن ذنبه أوّلا، ثمَّ يندم ويعزم على أن لا يعود، ثم يكفّر عن كلِّ حقٍّ سلبه بأن يُرجعه إلى صاحبه، ومع التسليم بما نقل من تأسّفٍ صدر من الزبير؛ فإنَّ ذلك لا يحقّقُّ إلا شرطاً واحداً من شروط التوبة، وهو الندم على الذنب، مع ملاحظة أنَّ ما قام به الزبير لا يرتبط بحقِّ شخص واحدٍ أو شخصين، رغم شناعة ذلك؛ وإنَّما يرتبط بمصير جميع المسلمين وكلّ الأمَّة، ومقتضى التوبة في ذلك في أقلِّ صورها، أن يُرجِعَ الزبيرُ من جيَّشهم لقتال أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو يحاول إرجاعهم، إلا أنَّ الزبير لم يكتفِ بعدم فعل ذلك، بل أكَّد على ابنه بأن يبقى مع حزبه، يقول ابن قتيبة: "ثم قال لابنه عبد الله: عليك بحزبك(28)، أمَّا أنا فراجع إلى بيتي"(29).
الأدلَّة المثبتة لعدم توبة الزبير:
بعد بطلان أقوى الأدلَّة المثبتة لتوبة الزبير، يكفي ذلك كدليل على عدم توبته، وقد سقنا خلال نقاشنا للأدلَّة المزبورة بعض مايثبت عدم توبة الزبير، إلا أنَّه لا بأس بإيراد المزيد من الأدلَّة على ذلك لما يستحقه التحقيق من أهميّة.
الدليل الأوّل: وهو عبارة عن استعراض كلمات لأمير المؤمنين (عليه السلام)، تدلّ على سوء عاقبة الزبير وعدم توبته.
النصّ الأوّل: ما رواه الواقدي من أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد فراغه من قسمة المال قام خطيباً فقال: «...قتل طلحة والزبير، وهزمت عائشة... ولقد جاءوا مبطلين وأدبروا ظالمين...وإنَّنا لعلى الحقِّ، وإنَّهم لعلى الباطل»(30).فإنَّ وصفهم بأنَّهم كانوا على باطل، وأنهم أدبروا بل وقتلوا وهم ظالمون؛ دليلٌ على عدم توبتهم، فلو تاب الزبير لمّا صحَّ أن يصفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنَّه أدبر وهو ظالم.
النصّ الثاني: ما ورد في كتاب أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة، «بسم الله الرحمن الرحيم، من عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة... وقُتل طلحة والزبير على نكثهما وشقاقهما...»(31)،فإخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) أهل الكوفة بأنَّ الزبير قد قتل على نكثه وشقاقه، دليل واضح على عدم توبته.
النصّ الثالث: ما رواه الشعبي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: «ألا إنَّ أئمَّة الكفر في الإسلام خمسة: طلحة والزبير ومعاوية..»(32)، فعدّ أمير المؤمنين (عليه السلام) الزبير واحدا من خمسة هم أئمَّة الكفر في الإسلام؛ أجلى دليل على عدم توبته.
النصّ الرابع: ما ورد في الخبر، أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا جيء له بسيف الزبير، وذلك بعد مقتله قال: «سيف لطالما جلا الكرب عن وجه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، لكنه الحين ومصارع السوء»(33)، وقوله: «لقد كان لك برسول الله (صلَّى الله عليه وآله) صحبة وقرابة، ولكنَّ الشيطان دخل منخريك فأوردك هذا المورد»(34).فلو كان الزبير تائباً لما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّ مصرعه مصرع سوء، وقوله أنَّ الشيطان قد دخل منخريه وأورده هذا المورد يقصد بذلك سوء عاقبته.
الدليل الثاني: وهو عبارة عن آيات قرآنية كريمة، طبّقها الأئمَّة (عليهم السلام) على الزبير، تدل على عدم توبته.
الآية الأولى: قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}(35)، وقد طبّقها الإمام الباقر (عليه السلام) على الزبير حيث قال (عليه السلام): «المستقرّ ما استقرَّ الإيمان في قلبه فلا ينزع منه أبداً، والمُستودع الذي يُستودع الإيمان زماناً ثمّ يسلبه، وقد كان الزبير منهم»(36).
الآية الثانية: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}(37)، وقد طبّقها الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً على طلحة والزبير، قال (عليه السلام): «نزلت هذه الآية في طلحة والزبير، والجمل جملهم»(38)، فعدم دخولهم الجنة دليل ناصع على بقائهم على ضلالهم إلى حين موتهم.
الآية الثالثة: قال تعالى: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}(39)، وقد طبّقها أمير المؤمنين (عليه السلام) على طلحة والزبير، عن الصادق (عليه السلام): «دخل عليَّ أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير، فقلت لهم: كانا من أئمّة الكفر، إنّ علياً (عليه السلام) يوم البصرة لمّا صفَّ الخيل، قال لأصحابه:...لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم... ثمّ ثنى إلى أصحابه، فقال: إنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}»(40). وقد يقال أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) طبّق هذه الآية قبل بدء القتال، والمدّعى أنَّ توبة مثل الزبير كانت بعد أن رجع من المعركة، ويجاب بأنَّ تأكيد الإمام الصادق (عليه السلام) على أنَّهما من أئمّة الكفر، يرفع التوهم باقتصار التطبيق على فترة ما قبل الحرب فقط.
الفصل الرابع: حرب الجمل في ميزان التحليل
المبحث الأوّل: دم عثمان وموقعه في الحرب
كما أشرنا سابقاً، فإنَّ أوّل من دعا النَّاكثين لرفع شعار الطلب بدم عثمان هو معاوية بن أبي سفيان، من هنا فإنَّ النَّاكثين بدأوا حملتهم المسعورة ضدَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بادِّعاء مسؤوليته عن دم عثمان، أو التستر على قاتليه، ولم يكن خافيا على المتابع للتأريخ؛ بأنَّ أصحاب الجمل هم أنفسهم المشاركون في دم عثمان، ثمَّ هب أنَّ أيديهم لم تغل في دمه، ولكنَّ السؤال: ما الذي دفعهم للطلب بدم عثمان، فهل هم أولياء الدم؟ فما أبعد عائشة وطلحة نسبا من عثمان، فأين عبد مناف من تيم!!، وهب أنَّهم أولياء دم الخليفة، فهل يُطلب الدم بنكث البيعة، وتسيير الجيوش؟! ثم ما شأن من أُمرت بأن تقرَّ في بيتها أن تخرج مع الرجال متقدّمة صفوفهم، تسعى لأمر لم تُكلَّف به!! ألم يكن هذا خلاف وصية رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لمَّا حذَّر نساءه، فقال: «أيتكن صاحبة الجمل الأريب(41)، تنبحها كلاب الحوأب؟ يقتل من يمينها ويسارها قتلى كثير وتنجو بعد ما كادت تقتل»(42)؟
ولكي يُزاح الستار عن التضليل الكبير بشأن اتِّهام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشكل مباشر أو غير مباشر بدم عثمان، كان لابدَّ من تتبّع الأدلَّة؛ للوقوف على حقيقة طلب أصحاب الجمل بدم عثمان، وكيفيَّة توظيفهم ذلك في سبيل الوصول إلى مطامعهم وأهدافهم، ولكي لا تكون الدعوى فارغة من غير دليل، حاولنا أن نسوق العديد من الأدلَّة لنثبت هذه الحقيقة.
الأدلَّة المثبتة لبطلان ادِّعاء أصحاب الجمل الطلب بدم عثمان:
وهنا نريد أن نثبت حقيقة أنَّ أصحاب الجمل لم يخرجوا للطلب بدم عثمان، وإنَّما كانت لهم غايات أخر، لم يكن لتحقيقها طريق إلا دم عثمان والمطالبة به.
الدليل الأوّل: أنَّ طلحة والزبير، لم يُظهرا الطلب بدم عثمان، إلّا بعد أن أيسا من الحصول على بعض الامتيازات في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كتوليتهما المصرين، وحرمانهما من التفضيل والأثرة، ولم نجد من المصادر التأريخية المعتبرة، ما يشير إلى مطالبة القوم بدم عثمان، إلا بعد أربعة أشهر من مقتله، فأين كان دم عثمان خلال كل هذه المدَّة؟ ولِمَ لم ينبسا ببنة شفة للمطالبة بدمه؟ فهل استجدَّ جديد، حتى يكون سفك دم عثمان حراماً، بعد أن كان حلالاً طوال هذه الفترة؟!!
الدليل الثاني: أنَّ المطالبة بدم عثمان، لا بدَّ أن يكون في المكان الذي يتواجد فيه القتلة وهو المدينة، بينما نجد أنَّهم لم يستقر لهم رأي في منطلق الحركة إلّا بعد مشاورات طويلة، ولم يكن الطلب بدم عثمان معيارا لاختياراتهم، بل كانت لهم اعتبارات أخرى في اختيار المكان، أشرنا لها سابقاً (في القسم الأول) عند الحديث عن سبب اختيارهم البصرة، وتتأكد هذه الحقيقة من خلال قول حكيم بن جبلة لابن الزبير: "أما تخافون الله بم تستحلون سفك الدماء؟ قال-ابن الزبير-: بدم عثمان بن عفان، قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان!! أما تخافون مقت الله، فقال عبد الله: لا نخليكم حتى يخلع علياً!!"(43)، فالهدف إنَّما هو خلع علي (عليه السلام).
الدليل الثالث: ما أظهرته عائشة من استبشار، بعد سماعها خبر هلاك عثمان، وظنِّها بصيرورة الأمر لطلحة، حتى قالت: "بعداً لنعثل وسحقاً! أبعده الله، قتله ذنبه، وأقاده الله بعمله! إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يابن عمّ؛ لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع له"(44)، حيث لا يمكن تفسير كل هذا الاستبشار إلا في إطار الرضا بقتل عثمان، إلا أنَّ هذا الأمرسريعاً ما تبدَّل وتغيَّرلما بلغها مبايعة الناس لعلي (عليه السلام) وإجماعهم على توليه الخلافة، فأظهرت التفجُّع على عثمان والطلب بدمه!!وقالت: "قتل والله عثمان مظلوماً والله لأطلبن بدمه"(45)، وحينئذ لا نحتاج لمزيد من التأمُّل؛ لنعرف لم طالبت أمُّ المؤمنين بدم عثمان؟!!
الدليل الرابع: أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، ما كان يرفض النظر في أمر قتلة عثمان، واتِّخاذ الموقف الشرعي الصحيح في ذلك، لكنَّه لم يرَ المصلحة حينها في المبادرة لهذا الأمر، حيث يقول (عليه السلام): «يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون....فاصبروا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مُسْمَحَةً. فاهدءوا عنِّي وانظروا ماذا يأتيكم به أمري...»(46).
الدليل الخامس: وهو عبارة عن مؤيِّد، وهو اعتراف معاوية حيث قال له ابن الزبير: لقد سرتُ تحت لواء أبي إلى علي بن أبي طالب، وهو من تعلمه، فقال معاوية: لا جرم قتلكم والله بشماله. فقال: أما إن ذلك كان في نصرة عثمان، ثم لم يجز بها. فقال له معاوية: إنما كان لبغض علي لا لنصرة عثمان(47).
المبحث الثاني: تورّط أصحاب الجمل بدم عثمان
من خلال تتبّع الأدلَّة والنصوص، وصلنا لهذه الحقيقة؛ وهي مسؤولية أصحاب الجمل -وبالخصوص طلحة والزبير وعائشة- عن سفك دم عثمان.
الأدلَّة المُثبتة لتورُّط أصحاب الجمل بدم عثمان:
الدليل الأوّل: وهو عبارة عن استعراض خطب وكلمات لأمير المؤمنين (عليه السلام)، يُحمِّل فيها مسؤوليَّة دم عثمان لأصحاب الجمل.
النصّ الأول: ما ورد من كتاب له (عليه السلام) إلى أهل الكوفة، عند مسيره من المدينة إلى البصرة: «..أما بعد؛ فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه. إن الناس قد طعنوا عليه، فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه، وأقل عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف، وأرفق حدائهما فيه العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب، فأتيح له قوم قتلوه..»(48).
وكان (عليه السلام) في مقام دفع مسؤوليته عن دم عثمان، وبيان مدى شدَّة مقاومة طلحة والزبير ومعارضتهم لعثمان، وذلك حين قال: «أهون سيرهما فيه الوجيف»، أي أنَّ من شدَّة ما هما فيه عليه، فإنَّ السير السريع أبطأ ما يسيرانه في أمره.
النصّ الثاني: ما ذكره المسعودي من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) التقى بالزبير في يوم الجمل، فقال له: ويحك يا زبير! ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان، قال: قتل الله أولانا بدم عثمان(49). وكذا كان مع طلحة، قال علي: يا أبا محمد، ما الذي أخرجك؟ قال: الطلب بدم عثمان، قال علي: قتل الله أولانا بدم عثمان(50). وهنا ينأى (عليه السلام) بنفسه بشكل واضح عن دم عثمان، ويعتبر مسؤولية ذلك في عنق طلحة والزبير.
النصّ الثالث: ما ورد في نهج البلاغة حيث يقول (عليه السلام): «...وإنهم ليطلبون حقا هم تركوه، ودما هم سفكوه، فإن كنت شريكهم فيه؛ فإنَّ لهم لنصيبهم منه، وإن كانوا ولوه دوني؛ فما التبعة إلا عندهم. وإنَّ أعظم حجتهم لعلى أنفسهم..»(51).
وهنا يوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) الاتهام المباشر لأصحاب الجمل بمسؤوليَّتهم عن دم عثمان، وفي قوله: «وإنَّ أعظم حجتهم لعلى أنفسهم»، يتنزّل الإمام (عليه السلام) عند محاجَّته لهم، بجعل احتمال أن يكون شريكاً معهم، إلا أنَّ في ذلك نصيب لهم بالشراكة في إهراق دم عثمان.
النصّ الرابع: ما ذكره الطبري والمسعودي، وهذا نصه: قال ابن عباس: قدمت من مكة بعد مقتل عثمان بخمس ليال، فجئت علياً أدخل عليه،....فقال: أين لقيت طلحة والزبير؟ قلت: بالنواصف،....فقال علي: أما إنهم ليس لهم بد أن يخرجوا يقولون نطلب بدم عثمان، والله يعلم أنهم قتلة عثمان(52).
وهنا يُقسم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالله، بأنَّ قتلة عثمان هم ذات من يطلبون دمه، وكذا ورد أنَّ الإمام (عليه السلام) قال للزبير: «أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته»(53)، وفي كلام آخر له (عليه السلام)يوجّهه إلى طلحة بن عبيد الله ويقول: «والله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفاً من أن يطالب بدمه، لأنه مظنته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلتبس الأمر، ويقع الشك»(54)، وما ورد من النصوص من هذا القبيل كثير.
الدليل الثاني: وهو عبارة عن شهادات إثبات، تثبت تورُّط أصحاب الجمل بدم عثمان.
الشهادة الأولى: شهادة محمّد بن طلحة(55)، وقد أقبل عليه غلام من جهينة، فقال له: "أخبرني عن قتلة عثمان، فقال: نعم، دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة، وثلث على صاحب الجمل الأحمر-يعني طلحة-، وثلث على علي ابن أبي طالب، وضحك الغلام وقال: ألا أراني على ضلال، ولحق بعلي وقال في ذلك شعراً:
فثلث على تلك في خدرهــا
وثلث على راكب الأحمر
وثلث على ابن أبي طالـــب
ونـــحــــــن بــــدويــــــة قــــرقـــــر
فقلت صدقت على الأولــين
وأخطأت في الثالث الأزهر"(56)
الشهادة الثانية: سعد بن أبي وقاص، وقد كتب لعمرو بن العاص كتاباً، لمّا سأله عن قتل عثمان ومن قتله، وهذا نصّه، "إنّك سألتني منْ قتل عثمان، وإنّي أخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة، وصقله طلحة، وسمّه ابن أبي طالب، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه، ولكن عثمان غيّر وتغيّر وأحسن وأساء.."(57).
الشهادة الثالثة: أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة (رضي الله عنها)، لمّا أرادت عائشة أن تستميلها لتذهب معها البصرة، بادعاء الإصلاح والطلب بدم عثمان، قالت لها: "يا بنت أبي بكر أما كنت تحرضين الناس على قتله وتقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر"(58).
الشهادة الرابعة: حسان بن ثابت وهو عثماني الهوى، وقد قال شعراً فيمن تخلف عن عثمان:
خذلته الأنصار إذ حضر المـــوت وكانت ولاية الأنصـــار
من عذيري من الزبير ومن طلــحة إذ جـاء له مـقـدار(59)
الشهادة الخامسة: مروان بن الحكم، وقد رمى طلحة بسهم فقتله، فقال: "والله ما أطلب ثأري بعثمان بعد اليوم أبداً...."، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال: "لقد كفيتك أحد قتلة أبيك"(60).
الشهادة السادسة: سعيد بن العاص، فقد قال لمروان بن الحكم: "هؤلاء قتلة عثمان معك إنّ هذين الرجلين قتلا عثمان: طلحة والزبير، وهما يريدان الأمر لأنفسهما، فلمّا غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالحوبة"(61).
وهناك شهادات أخرى كثيرة يطول المقام بذكرها(62).
الدليل الثالث: وهو عبارة عن استعراض مواقف وكلمات لأصحاب الجمل تثبت تورطهم بدم عثمان.
الموقف الأوّل: استبعاد طلحة والزبير المدينة منطلقاً لحركتهم يؤكِّد تورُّطهم بدم عثمان، فالمطالبة بدم عثمان في مثل المدينة المنورة، يعتبر أمراً مفضوحاً؛ لوضوح الصورة عند أهل المدينة ومعرفتهم بتفاصيل من شارك وساهم في سفك دم عثمان، وقد احتجَّ عليهما أمير المؤمنين (عليه السلام) بأهل المدينة، بجعلهم حكماً بينه وبينهما، يقول (عليه السلام): «وقد زعمتما أني قتلت عثمان، فبيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة، ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل»(63).
الموقف الثاني: منع طلحة الماءَ عن عثمان لمّا كان محاصراً في بيته، في محاولة واضحة لقتله ضمآناً، ففيما رواه البلاذري: "كان الزبير وطلحة قد استوليا على الأمر، ومنع طلحة عثمان من أن يدخل عليه الماء العذب، فأرسل عليّ إلى طلحة وهو في أرض له على ميل من المدينة: أن دع هذا الرجل فليشرب من مائه ومن بئره يعني بئر رومة، ولا تقتلوه من العطش، فأبى"(64).
الموقف الثالث: موقف طلحة من دفن عثمان بعد مقتله، حيث منع النَّاس من دفنه ثلاثة أيام، ولمّا أراد حكيم بن حزام وجبير بن مطعم دفنه؛ أقعد لهم في الطريق ناساً بالحجارة، فرموهم بها وصاحوا: نعثل نعثل، ثم أمر أن يدفن في مقابر اليهود(65). وجوّ هذا الخبر يشعر بعداء منقطع النظير، يكنّه طلحة لعثمان، وإذا كان فعل طلحة هكذا بعد مقتل عثمان، فإنَّنا لا نحتاج بعدها لمزيد اطلاع وتفحّص؛ لنعرف دوره المتَّصل في الأحداث التي سبقت مقتله. يقول ابن أبي الحديد: "روى النَّاس الَّذين صنّفوا في واقعة الدّار، أنَّ طلحة كان يوم قتل عثمان مقنَّعاً بثوب، قد استتر به عن أعين النَّاس، يرمي الدَّار بالسهام. ورووا أيضاً أنَّه لمّا امتنع على الذين حصروه الدخولَ من باب الدَّار، حملهم طلحة إلى دارٍ لبعض الأنصار، فأصعدهم إلى سطحها، وتسوّروا منها على عثمان داره فقتلوه"(66).
الموقف الرابع: اعتراف صريح من طلحة والزبير، بدورهما في سفك دم عثمان، وذلك عندما أيسا من تولية أمير المؤمنين (عليه السلام) إيّاهما أيّ من المصرين، حيث عاتبا أمير المؤمنين (عليه السلام) وأرسلا له محمد بن طلحة، وقالا له قل له: "لقد فال فيك رأينا، وخاب ظننا. أصلحنا لك الأمر، ووطّدنا لك الإمرة، وأجلبنا على عثمان حتى قتل، فلمّا طلبك النّاس لأمرهم، أسرعنا إليك.."(67).
الدليل الرابع: ما ورد من كلمات عن طلحة والزبير وعائشة، في التَّأليب على عثمان، والدَّعوة إلى قتله:
أ- طلحة: رغم اتّفاق أكثر المؤرخين، على أنَّ طلحة كان أشدَّ النَّاس على عثمان، إلا أنَّ ما ورد على لسانه في التَّأليب عليه ليس كثيراً، ولعلَّ ذلك راجع إلى مباشرة طلحة الأحداث بنفسه، ومساهمته العملية فيها، ولذلك فإنَّ الحديث تركَّز في الأخبار على أفعاله أكثر من أقواله، يقول ابن أبي الحديد: "وكان طلحة من أشدِّ النَّاس تحريضاً عليه، وكان الزبير دونه في ذلك"(68)، و روي أنَّ عثمان قال: "ويلي على ابن الحضرمية-يعني طلحة- أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً؛ وهو يروم دمي يحرّض على نفسي؛ اللهم لا تمتعه به، ولقِّه عواقب بغيه"(69)، وقال: "اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله، فإنه حمل عليّ هؤلاء وألّبهم، والله إنّي لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يسفك دمه، إنّه انتهك منّي ما لا يحلّ له"(70).
ب- الزبير: روي أنَّ الزبير كان يقول: "اقتلوه فقد بدّل دينكم. فقالوا له: إنَّ ابنك يحامي عنه بالباب، فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بُدِئ بابني؛ إنَّ عثمان لجيفة على الصراط غداً"(71).
ج- عائشة: قولها لمروان بن الحكم: "أما والله لوددت أنّه مقطع في غرارة من غرائري، واني أطيق حمله، فأطرحه في البحر"(72)، وقولها: "اقتلوا نعثلاً فقد كفر"(73)، وقولها: لابن عباس: "إيّاك أن تردَّ النَّاس عن هذا الطاغية"(74).
المبحث الثالث: تقييم شعارات أصحاب الجمل
رفع أصحاب الجمل أثناء حركتهم المضادَّة لأمير المؤمنين (عليه السلام) شعارات ثلاثة، ادَّعوا أنَّها كانت سبباً لحركتهم وخروجهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتمثَّل الشعار الأوّل في (الطلب بدم عثمان)، وقد تناولناه في المبحثين السابقين دراسة وتحليلاً، وأمّا الشعار الثاني والثالث، فتمثَّلا في: (إرجاع الأمر شورى)، و(الإصلاح بين الأمَّة)، ومن خلال هذا المبحث سنحاول تقييم هذين الشعارين تباعاً.
المطلب الأوّل: شعار (إرجاع الأمر شورى)
ما فتئ أصحاب الجمل عند سؤالهم عن سبب خروجهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ إلا ورفعوا عقيرتهم بالطلب بإرجاع الأمر شورى، فما حقيقة هذا الشعار المزعوم؟ وهل كانوا صادقين في المطالبة به، والكلام في ذلك ضمن نقاط:
أولاً: أنَّ الشورى في الحكم ليس هي المبدأ والطريقة الصحيحة التي أقرّها الإسلام في اختيار الحاكم، وإنَّما كانت بدعة ابتدعها الخليفة الثاني، وأمَّا ما أقرَّه الإسلام من طريقة في اختيار الحاكم، فهي عبر التعيين، وهذا لم يكن خافياً على طلحة والزبير، حيث كانا من رواة حديث الغدير(75)، وكانا ممّن سمع حديث التهنئة، حيث بايعا أمير المؤمنين (عليه السلام) يومذاك(76)، وأمَّا الزبير فكان حاضرا في المسجد لمّا قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال من ولاه، وعاد من عاداه»(77)، وأمَّا طلحة فقد احتجَّ عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» وأقرَّ بذلك(78).
وحينئذ فالمطالبة بإرجاع الأمر شورى، يعتبر مخالفة صريحة لما أقرَّه الإسلام من طريقة في اختيار الحاكم، وتكريسا للانحراف الذي أسّسه الخليفة الثاني.
ثانياً: أنَّه مع التنزّل والقبول بمبدأ الشورى، فإنَّ الشورى قد حصلت بعد هلاك عمر واجتماع الستة، وقد كان الاختيار بعد عثمان يصبُّ في مصلحة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن هنا فلا وجه للمطالبة بإرجاع الأمر شورى وقد حصلت، وهذا ما تنبّه له عبد الله بن عمر، لمّا أراد طلحة استمالته، فقال له: "إنَّ علياً يرى إنفاذ بيعته وإنَّ معاوية لا يبايع له، فنحن نرى أن نرّدها شورى!! فأجابه عبد الله بن عمر: أمَّا الشورى؛ فقد كانت والله فقُدِّم وأخِّرتما، ولن يردّها إلا أولئك الذين حكموا بها وفيها! فاكفياني أنفسكما !!"(79).
ثالثاً: على الرغم من عدم صحة الشورى كمبدأ في اختيار الحاكم، إلا أنَّ المطالبة بها كطريقة في اختيار الحاكم، تصحُّ فيما لو كانت المطالبة بها ابتداء قبل حصول البيعة، وأمَّا بعد الإقرار بالبيعة وامضائها فإنَّ المطالبة بإرجاع الأمر شورى يعدُّ تراجعاً عن البيعة ونكثاً لها، ولذلك فقد احتجَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على طلحة بحصول البيعة لمّا قال له: يا هذا كنا في الشورى ستة، مات منا واحد وقتل آخر، فنحن اليوم أربعة كلنا لك كاره، فقال له علي (عليه السلام): ليس ذاك عليّ؛ قد كنا في الشورى والأمر في يد غيرنا، وهو اليوم في يدي، أرأيت لو أردتُ بعدما بايعت عثمان أن أرد هذا الأمر شورى أكان ذلك لي؟ قال: لا، قال: ولِمَ؟ قال: لأنك بايعت طائعاً، فقال علي (عليه السلام): وكيف ذلك والأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون لأن فرغتم وبايعتم واحدا منكم وإلا ضربنا أعناقكم أجمعين، فهل قال لك ولأصحابك أحد شيئا من هذا وقت ما بايعتماني وحجتي في الاستكراه في البيعة أوضح من حجتك، وقد بايعتني أنت وأصحابك غير مكرهين(80).
المطلب الثاني: شعار (الإصلاح بين الأمَّة)
وهذا الشعار هو المبرّر الأبرز الذي تمترست خلفه عائشة عند محاجتها أو سؤالها عن سبب خروجها، وهي مأمورة أن تقرَّ في بيتها، ففي كلِّ مرة تُسأل عن ذلك تـدعي أنَّ السبب هو الإصلاح بين الأمة، وتقييم هذه الدعوى ضمن نقاط:
أوّلاً: إنَّ دعوى الإصلاح عندما يُراد تفعيلها على أرض الواقع، فإنَّها تكتنف في داخلها ثلاثة عناصر وهي: طرفا النزاع، والطرف الثالث المُصلح، وهذا لا ينطبق على حالة أصحاب الجمل؛ إذ إنَّ أحد طرفي النزاع -وهم أصحاب الجمل- قد نصّبوا أنفسهم كطرفٍ ثالثٍ مصلح.
ثانياً: إنَّنا عندما نتفحص دعوى الإصلاح التي أطلقها أصحاب الجمل وحملتها عائشة؛ نجد أنَّها دعوى فارغة المضمون مردودٌ على صاحبها، وذلك من خلال وقوفنا على الاحتمالات المتصورة للفساد الذي يُراد إصلاحه:
الاحتمال الأوّل: ضياع دم عثمان، وردّه بأنَّ دم عثمان قد حُفظ منذ أن أمَّنه أمير المؤمنين (عليه السلام)، عندما وعد بالنظر فيه، على أنَّه يكفينا لدحض هذا الاحتمال، ما ذكرناه من أدلَّة تثبت تورُّط أصحاب الجمل أنفسهم بهذا الدم.
الاحتمال الثاني: صيرورة الخلافة إلى من لا أهلية له، وردُّ هذا الاحتمال لا يحتاج لمزيد مؤنة، إذ لم يكن خافياً على أصحاب الجمل منْ هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي ما فتئ غير واحد منهم وهو يسمع قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فيه: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(81) وغير ذلك الكثير ممَّا يشير إلى تنصيبه خليفة(82)، وأمَّا عائشة فقد أقرَّت عند أمِّ سلمة (رضي الله عنها)أنَّها سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول لعلي (عليه السلام): «أنت خليفتي في حياتي وبعد موتي من عصاك عصاني»(83).
الاحتمال الثالث: الفساد الحاصل في الدولة الجديدة، أمَّا هذا الاحتمال فردُّه أنَّ دولة الإمام (عليه السلام) لم تزل فتيَّة لم يتجاوز عمرها الأربعة أشهر، فمن الطبيعيِّ أن لا يتم إصلاح كل ما هو فاسد بشكل دفعي، باعتبار حجم الأضرار الكبيرة التي خلَّفتها السياسات العثمانية في جسد الدولة، فمن المستبعد ادّعاء أصحاب الجمل استناد طلب الإصلاح إلى ذلك، ولو كان ادّعاؤهم مستندا إلى ذلك؛ لكانت حجَّتهم عليهم، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فما بال طلحة والزبير، وليسا من هذا الأمر بسبيل، لم يصبرا عليّ حولا ولا شهرا حتى وثبا ومرقا»(84).
ثالثاً: كي تكون دعوى الإصلاح ذات مصداقية، لا بدَّ أن يتحلَّى مطلقها بسيرة ناصعة بعيدة عن الإجرام والقتل، وما ارتكبه أصحاب الجمل من إفساد وجرائم، قبل وقوع الحرب وأثناءها، لا يتناسب مع دعواهم، فهل من يريد الإصلاح يقتل الصالحين ويعبث في خلق الله، ويسرق بيت مال المسلمين؟!
رابعاً: أنَّ سيرة أصحاب الجمل وتحركاتهم، بغضِّ النّظر عن فضائع القتل والسلب التي ارتكبوها، تكذّب ادّعاءهم طلب الإصلاح؛ حيث لم يتركوا أيَّ طريق شقَّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو عبَّده أصحابه، يؤدي إلى الصلح والاتّفاق إلا وسدّوه، وما نكثهم العهد الذي أبرموه مع عثمان بن حنيف، عندما اتّفق معهم على الهدنة، إلى حين مجيء الإمام (عليه السلام) إلى البصرة، إلا واحد من مواقفَ كثيرةٍ تؤكّد ذلك وتؤيّده.
خامساً: وفي الأخير لنا أن نسأل عائشة، عن ما هو الجديد الذي تغيَّر، حتى أرادت أن تصلح بين الأمَّة؟ أليست هي من رفضت طلب مروان عندما أراد أن يصلح بين النَّاس وعثمان إبّان تلك الأزمة(85)؟! أليست هي نفسها من نهت ابن عباس أن يصلح بين النَّاس وبين عثمان؟! ثم هل أوكل لها النبي (صلَّى الله عليه وآله) أن تجيّش الجيوش بادّعاء الإصلاح؟! يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالة أرسلها إلى عائشة: «...ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين، فخبّريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس؟»(86).
المبحث الرابع: جرائم أصحاب الجمل
ارتكب أصحاب الجمل والزبيريون بوجه الخصوص، قبل وقوع الحرب وأثناءها، جرائم يندى لشناعتها الجبين، وتدمع لفظاعتها العيون، وما يتعجب منه المرء عند الوقوف على مرتكبيها أنَّهم كانوا أصحابا لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، حيث يؤمّل من صحبتهم أن يسيروا على هديه، وأن يقتفوا أثره، ولكنَّ الهوى وسوء العاقبة، جرَّهم نحو ما يغضب الجبَّار ويسخطه، حتى «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكا...فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزيَّن لهم الخطل»(87)، ومن باب التوثيق نقف على بعض تلك الجرائم.
الجريمة الأولى: الزبير يأمر بأسر والي البصرة عثمان بن حنيف(88)، ثم يُضرَب وينتف حاجباه وأشفار عينيه، وكلّ شعرة في رأسه ووجهه، كل ذلك بعد نكث عهد الصلح الذي كتبوه مع ابن حنيف، بخصوص هدنة مداها قدوم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة، إلا أنَّهم بيّتوا النيَّة بالغدر وفعلوا به ما فعلوا، كما ينقله أبو مخنف(89)، ثمّ أمرت عائشة بقتله، فرفضوا خيفة أن يأخذ أخوه -سهل بن حنيف والي المدينة- ثأره ويقتل أبناءهم وأهليهم في المدينة، فتركوه(90).
الجريمة الثانية: الزبير وابنه عبد الله، ومن معهم من أصحاب الجمل، يهجمون غيلة على بيت مال البصرة لسرقته، ويقتلون العبد الصالح أبا سلمة الزُطّي، وسبعين رجلاً، وقيل أربعمائة(91)، من الخزّان والموكّلين ببيت المال وهم السيابجة(92)، يقول أبو مخنف: "وأرسلت عائشة أن أقتل السبابجة، فإنّه قد بلغني الذي صنعوا بك. فذبحهم والله الزبير كما يذبح الغنم، ولي ذلك منهم عبد الله ابنه، وهم سبعون رجلا، وبقيت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال. قالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين؛ فسار إليهم الزبير في جيشٍ ليلاً، فأوقع بهم؛ وأخذ منهم خمسين أسيراً، فقتلهم صبرا"(93).
الجريمة الثالثة: الزبير وأصحاب الجمل بعد قتلهم السيابجة خزان بيت المال؛ يسرقون بيت مال البصرة، ويأخذون كل ما فيه من الأموال، يقول أبو مخنف: "ثم دخلا بيت المال بالبصرة، فلما رأوْا ما فيه من الأموال، قال الزبير: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}، فنحن أحقّ بها من أهل البصرة، فأخذا المال كلّه"(94).
الجريمة الرابعة: أصحاب الجمل يقتلون حُكيم بن جبلة، وثلاثمائة رجل من عبد القيس، في حرب الجمل الصغرى، يقول المسعودي في مروج الذهب: "وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي، وكان من سادات عبد القيس وزهَّاد ربيعة ونسَّاكها"(95)، "وقتل مع حكيم إخوة ثلاثة، وقتل أصحابه كلُّهم، وهم ثلاثمائة من عبد القيس، والقليل منهم من بكر بن وائل"(96)
الجريمة الخامسة: قتلهم مسلم المجاشعي من عبد القيس بأمر عائشة، بعد قطع يديه، وذلك بعد أن عرض عليهم المصحف بأمر من الإمام (عليه السلام)؛ يقول ابن شهر آشوب: "...ثم أخذ المصحف-أي الإمام (عليه السلام)- وطلب من يقرأ عليهم {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فقال مسلم المجاشعي: ها أنا ذا، فخوفه بقطع يمينه وشماله وقتله، فقال: لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله، فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعت يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى فقطعت، فأخذه بأسنانه فقتل. فقالت أمه:
يـا رب إن مسلمـاً أتاهـم
بمحكم التنزيل إذ دعـاهم
يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فـزمّلوه زمّلت لحــاهـم"(97)
المبحث الخامس: مفرزات حرب الجمل
تمخضت عن حرب الجمل من خلال الأدوار التي لعبها أصحاب الجمل -والزبيريون على وجه الخصوص- نتائج خطيرة وإفرازات جديدة، ألقت بظلالها على مستقبل الأمَّة؛ إذ كانت الجمل أوّل حرب داخلية بين المسلمين، وتعتبر اللبنة الأولى التي وضعها أصحابها في طريق بناء الخلافات والصراعات الممزقة لجسد الأمَّة، إذ لم تُلقِ الجمل بعدُ أوزارها إلا وأعقبتها صفين وثلّثتها النهروان، ولم تكن تلكم الحروب إلا بداية للطريق الذي شقّه الأمويون، وأكمله العباسيون، في تعميق الانحراف عن خط الخلافة الحقّة، وليس ترفاً من القول إذا ما قلنا أنّ ما أسّسّت له الجمل من خلافات، لا يزال يُلقي بظلاله إلى يومنا هذا، من هنا لا بدَّ من الوقوف على تلك النتائج والانحرافات؛ لنستفيد من هذه التجربة:
أوّلاً: تلبيس الحق بالباطل وخداع من لا بصيرة له، فوجود مثل عائشة وما تمثله الهالة التي تتبع شخصيتها من كونها أمّاً للمؤمنين، يجعل لها تأثيراً ساحراً على النفوس، بالإضافة إلى أن وجود طلحة والزبير، قد أوجد حالة من الإرباك لدى الكثير من المسلمين، في عدم القدرة على تمييز الحق من الباطل، ولبيان هذا التلبيس نورد بعض الشواهد والأمثلة التي تدلّل على ذلك:
المثال الأوّل: طارق بن شهاب أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتار في اختيار جبهة الحق، بسبب وجود عائشة والزبير في صفِّ النَّاكثين، يقول ابن أبي الحديد: "خرج طارق بن شهاب الأحمسيّ يستقبل علياً (عليه السلام)، وقد صار بالربَّذة طالبا عائشة وأصحابها، وكان طارق من صحابة علي (عليه السلام) وشيعته، قال:... فقلت في نفسي: إنها الحرب! أفأقاتل أمَّ المؤمنين، وحواريّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)! إنّ هذا لعظيم، ثم قلت: أأدع عليّاً، وهو أوّل المؤمنين إيماناً بالله وابن عمّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ووصيه! هذا أعظم"(98).
المثال الثاني: أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول قولته المشهوره: «اعرف الحق تعرف أهله»، وذلك بعدما اشتبه على أحدهم عدم امكان اجتماع طلحة والزبير وعائشة على الباطل، يقول اليعقوبي في تأريخه: "وقال له الحارث بن حوط الرانيّ: أظنّ طلحة والزّبير وعائشة اجتمعوا على باطل. فقال: يا حارث! إنّه ملبوس عليك، وإن الحقّ والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه"(99).
المثال الثالث: بعض أصحاب الجمل يعتبرون عائشة محلَّ صلاتهم وصومهم ويستميتون في قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك، يقول المعتزلي في شرح نهج البلاغة: "فخرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه، نبيل، عليه جبّة وشْى يحضّ الناس على الحرب، ويقول:
يا معشر الأزد عليكم أمّكم
فإنّـها صـلاتكم وصــومكم
والحرمة العظمى التي تعمّكم
فأحضروها جدّكم وحزمكم
يقول ابو مخنف: لم يقل أحد من رجّاز البصرة قولا كان أحبّ إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ، استقتل الناس عند قوله، وثبتوا حول الجمل"(100).
المثال الرابع: أحدهم يلتبس عليه الأمر فيسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما نقاتل أهل لا إله إلا الله، عن الأصبغ بن نباتة قال: "كنت واقفاً مع أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل فجاء رجل حتى وقف بين يديه فقال: يا أمير المؤمنين كبّر القوم وكبّرنا، وهلّل القوم وهلّلنا، وصلّى القوم وصلّينا فعلى ما نقاتلهم، فقال أمير المؤمنين: على ما أنزل الله في كتابه.... فقرأ {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا"(101).
المثال الخامس: رجل من أهل البصرة يأتي زين العابدين (عليه السلام) ويستنكف قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) أهل الجمل، يقول الطبرسي في كتاب الاحتجاج: "جاء رجل من أهل البصرة إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فقال: يا علي بن الحسين إن جدك علي بن أبي طالب قتل المؤمنين. فهملت عين علي بن الحسين دموعاً حتى امتلأت كفه منها ثم ضرب بها على الحصى، ثم قال: يا أخا أهل البصرة لا والله ما قتل علي مؤمناً ولا قتل مسلماً وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام فلما وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه.."(102).
ثانياً: الدور التأسيسي الكبير لكثير من الانحرافات الدخيلة والطارئة على المجتمع الإسلامي، حيث قام النَّاكثون بممارسات خطيرة وأفعال شنيعة، لم تكن متعارفة على مستوى المجتمع الإسلامي، فكانت حرب الجمل منطلقاً لكثير من الانحرافات التي جاءت من بعدها، وللتوثيق نذكر بعضها:
1- أنها أوّل حرب داخلية وقعت بين المسلمين، فهي باكورة الحروب الداخلية المريرة التي عصفت بالأمَّة.
2- أوّل شهادة زور في الإسلام أقيمت في حرب الجمل، وذلك عندما نبحت عائشةَ كلابُ الحوأب، فلفّق لها طلحة والزبير خمسين شاهداً، يشهدون لها أنَّهم تجاوزوا ماء الحوأب(103).
3- أوّل غدرٍ في الإسلام، كان عندما غدر أصحاب الجمل بعثمان بن حنيف وهجموا عليه، بعد اتفاق الصلح الذي ابرموه معه، يقول أبو مخنف: "فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف أوّل غدر كان في الإسلام"(104).
4- أوّل من قُتل ظلماً وصبراً في الإسلام، وهم السيابجة على أيدي أصحاب الجمل، يقول المسعودي، "فقتل منهم-أي السيابجة- سبعون رجلاً غير من جرح، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبراً من بعد الأسر، وهؤلاء أول من قتل ظلماً في الإسلام وصبراً"(105).
ثالثاً: تعطيل بناء الدولة الإسلامية، وتأخير الإصلاحات العلوية التي كان يزمع الإمام (عليه السلام) القيام بها على أكثر من صعيد، من خلال إشغاله بالردِّ على الاعتراضات، ومعالجة الاشكالات التي كان يبثها طلحة والزبير، منذ أول أيَّام استلامه الخلافة، بداية بالاحتجاج على قسمته للفيء، مروراً بالاعتراض على عدم توليته لهما إحدى الولايات، استمراراً بحرب الجمل، ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قولته: «لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيَّرت أشياء»(106).
رابعاً: اشعال فتيل الفتنة بين المسلمين، من خلال التأسيس للحروب الداخلية بينهم، حيث بقت بصمات الجمل واضحة على الكثير من الحروب التي أعقبتها، لما أضفته من صبغة شرعية كاذبة، تشرعن الاقتتال بين طرفين من المسلمين، فما صفين والنهروان إلا بداية لما أشعلته الجمل من حروب طاحنة، فلولا الجمل لما كان موقف معاوية قوياً في منابذته أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذا الحال في ما يرتبط بالنهروان، ولم يفت معاوية توظيف قيام طلحة والزبير في احتجاجاته ومحاولاته لاستمالة بعض الشخصيات، فقد كتب لسعد بن أبي وقّاص محاولا جرَّه لصفه في صفين: "إنَّ أحقَّ النَّاس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش... وقد نصره طلحة والزبير، وهما شريكاك في الأمر ونظيراك في الإسلام، وخفّت لذلك أمّ المؤمنين، ولا تكرهنّ ما رضوا، ولا تردّنّ ما قبلوا"(107)، وهذا هو أبو جعفر المنصور، يرفع عقيرته محتجَّا على (محمد ذو النفس الزكية) بقتال طلحة والزبير أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمن عدَّة مكاتبات جرت بينهما(108).
خامساً: التأسيس للقيام على الإمام المفترض الطاعة، وهذا التأسيس من أكثر النتائج التي أفرزتها حرب الجمل خطورة، من خلال إبعاد المجتمع عن التمسك بهدي الخليفة الحق، وايجاد بدائل ليست لها الأهلية للقيام بوظائف الإمامة الحقّة، وهذا ما يؤدي إلى تقهقر الأمَّة وتخلُّفها، وتراجع المسلمين وضلاهم.
سادساً: حصول شرخ كبير على المستوى الاجتماعي في المجتمع الإسلامي، من خلال التفكّك الذي أصاب العلاقات الاجتماعية بين المصر والمصر، والقبيلة والأخرى، بل حتَّى بين القبيلة نفسها، وذلك من خلال التجاذبات التي حصلت بين كل تلك المكونات في شأن الانضمام إلى أيِّ المعسكرين، ومن أمثلة هذا الشقاق ما حصل من انقسام في قبيلة مضر، فبعضٌ كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعضٌ كان مع أصحاب الجمل، وكذا كان حال قبيلتي ربيعة واليمن وغيرهما، ففي ما رواه الطبري يقول: "وتزاحف الناس فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة(109)، وربيعة البصرة ربيعة الكوفة، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة..."(110).
ولِما أحدثه هذا الشقاق خرج رجل يدعى الحارث فقال: "يال [هكذا] مضر علام يقتل بعضكم بعضاً..."(111).
سابعاً: هتك طلحة والزبير حرمة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في أهله، وذلك «لمّا رضيا لها ما رغبا لنسائهما عنه وعرَّضاها لما لا يحلّ لهما ولا يصلح»(112)، وقد عدَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الأمر بالحدث الأعظم الذي ارتكبه طلحة والزبير، وذلك لمّا قال: «أخرجتم أمّكم عائشة، وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحدث منكم، أرضاً هذا لرسول الله أن تهتكوا ستراً ضربه عليها، وتخرجوها منه؟»(113).
وفي ذلك قال السعدي شعراً:
صنتم حلائلكم وقُدتُم أمكــم
هـذا لعمـرك قلَّـة الإنصــاف
أُمرت بجرِّ ذيولهـا فـي بـيتهــا
فهوت تشقُّ البيد بالإيـجاف
غـرضاً يُقـاتل دونها أبنـاؤهــا
بالنَّـبـل والخطـِّيِّ والأسيـاف
هُتكت بطلحة والزُّبير ستورهـا
هذا المُخَبَّرُ عنهـم والكافـــي(114)
ثامناً: فقدان الأمَّة الكثير من الطاقات المتنوعة التي كانت تمثل مخزوناً بشرياً مهماً، كان من الممكن أن يساهم في تطوير المجتمع الإسلامي و بناء الدولة، ومن باب التمثيل فقد قُتل من بني عدي يومئذ فقط، سبعون شيخاً كلهم قد قرأ القرآن(115).
وقد بلغت الخسائر البشرية الآلاف من كلا الصفّين، ناهيك عن الإعاقات البشرية التي لم يُر لها مثيل كما كانت في حرب الجمل، يقول ابن كثير: "وقتل-يوم الجمل- خلق كثير، وجم غفير، ولم تُر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الواقعة"(116)، وهذه الألوف البشريَّة كانت من الممكن أن تمثَّل دعامة بشريَّة يمكن أن توجّه للدفاع عن بيضة الإسلام، إلا أنَّ ما ارتكبه أصحاب الجمل قد أجبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخوض في مثل هذه الحرب.
الخاتمــــة
نتائج البحث:
أوّلا: تورّط الزبير بدم عثمان وذلك من خلال ما قام به من أدوار أدّت إلى قتله، في حين دافع ابنه عبد الله عن عثمان واستمات في الذبِّ عنه.
ثانياً: نكث الزبير وابنه بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك بعد أن عرفا أن لا نصيب لهما في دولته.
ثالثاً: اعتبار عبد الله بن الزبير أحد أهمِّ الشخصيات المؤثِّرة في مسار الحرب في ابتداءها واستمرارها، إذ لم يكن دوره يقل عن دور أبيه وطلحة وعائشة، بل كان عبد الله نفسه سبباً في بقاء عائشة واستمرارها مع الناكثين، وانحراف الزبير عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
رابعاً: سوء عاقبة الزبير وخسارته تأريخه الذي سطّره منذ إسلامه إلى ما قبل انحرافه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث محت حربُ الجمل كل ذلك التأريخ الحافل، وبقيت صورته السلبيّة التي رسمها في حرب الجمل وما سبقها من أحداث.
خامساً: ضعف شخصية الزبير وعدم امتلاكه الشخصية المستقلّة، إذ كان خاضعاً لتأثيرات الخلّة والبنوّة، واتضاح كونه رجل حرب لا سياسة، مغواراً في القتال ضعيفاً في الإيمان.
سادساً: كشف الستار عن الوجه الحقيقي للزبيريين، حيث كان لهم تأثير كبير في صياغة توجهات المجتمع الإسلامي من خلال اتصافهم بعناوين برّاقة كصحبة النبي (صلَّى الله عليه وآله) ومثيلاتها من العناوين، وخطورة هذا اللون من الشخصيات يكمن في تجلببه بزيِّ الدين وقناع الإسلام، وما يعطي هذا المفرز أهميَّة بالغة اعتبار هذه الشخصيات في نظر الكثير من المسلمين على أنَّها من الصفِّ الأوّل من شخصيات المجتمع الإسلامي، فسقوطها من خلال الانحرافات التي أوقعتها في الأمَّة قد فتح آفاقا جديدة، أعطت الأمَّة بصيرة متجدّدة، من أهمها الحذر عن أخذ إسلامها من مثل هذه الشخصيات، وعدم السقوط في فخِّ العناوين المزيفة، والفصل بين ما هو حق وما هو باطل تحت قاعدة: (اعرف الحقَّ تعرف أهله).
سابعاً: سقوط نظرية عدالة الصحابة، وانهدام المنظومة التي شيَّدها أصحاب هذه النظرية بكلّ المستويات الأخلاقيَّة والتشريعيَّة والفكريَّة وغيرها، فما ارتكبه الزبيريون في حرب الجمل لا يمكن الاهتداء به تحت أيّ عنوان ولو كان تحت قاعدة (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، فأيّ هديٍ هذا الذي يكون على وفق ما اقترفته أيدي هؤلاء الصحابة؟!، وأيّ عاقبة ترتجى تلك التي كان هُداها مستمدّا من الضلال الذي أسّس له هؤلاء؟!، وأيّ إسلام هذا الذي يستقي منهجه من عدّة صحابة عاثت في الأمَّة ما عاثت من فساد وإضلال.
* الهوامش:
(1) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص868، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص506.
(2) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، 750.
(3) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج6، ص110.
(4) المصدر السابق ج7، ص21.
(5) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج20، ص42، وقد نقلت هذه العبارة بألفاظ مختلفة والظاهر أن ذلك راجع إلى تكرار الإمام (عليه السلام) للعبارة في أكثر من موقف، وليس الاختلاف راجع إلى الاختلاف في النقولات، لذا فتارة يكون المخاطب الزبير نفسه كما جاء "قد كنّا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك"، الطبري3: 858، وتارة يكون الخطاب عاما كما جاءت العبارة في المتن، وقد نقلت العبارة كذلك عن الإمام الصادق(ع): «ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه فنفاه عن رأيه»، انظر بحار الأنوار للمجلسي، ج8، ص47، وكذلك عن ابن عباس وكان مخاطبا الزبير: "والله ما عددناك إلا من بني هاشم في برّك لأخوالك ومحبّتك لهم، حتى أدرك ابنك هذا فقطّع الأرحام!" انظر موسوعة التأريخ الإسلامي للغروي، ج4، ص583.
(6) الغروي، محمد، موسوعة التأريخ الإسلامي، ج4، ص584.
(7) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1،ص115.
(8) المصدر السابق ص149.
(9) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص858، ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص1945.
(10) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج8، ص102.
(11) المصدر السابق ج10، ص156.
(12) تاريخ الطبري، ج3، ص852، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج9، ص139، وهناك خطبة طويلة أوردها الطبرسي في كتابه الاحتجاج، يتكلم فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حسد الناكثين له، وكذلك حسد الأقوام لكل نبي أنزل لهم. انظر بحار الأنوار للمجلسي، ج8، ص42.
(13) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص94.
(14) الفتح: 20.
(15) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص151.
(16) القصص: 83.
(17) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص101.
(18) الأنعام: 98.
(19) البحراني، السيد هاشم، تفسير البرهان، ج3، ص74.
(20) المصدر السابق.
(21) وقيل غُمير بن جرموز، انظر الطبقات الكبرى لابن سعد، ج2، ص119.
(22) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1952.
(23) المصدر السابق.
(24)راجع المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص141.
(25) الكليني، محمد، أصول الكافي، ج1، ص439.
(26) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص859.
(27) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج2، ص80.
(28) وفي بعض النسخ عليك بحربك.
(29) الدّينوري، عبد الله، الإمامة والسياسة، ج1، ص93.
(30) الري شهري، محمد، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ج3، ص256.
(31) الغروي، محمد، موسوعة التأريخ الاسلامي، ج4، ص626.
(32) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، 140.
(33) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص506، المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص117، ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج2، ص119.
(34) الغروي، محمد، موسوعة التأريخ الإسلامي، ج4، ص620.
(35) الأنعام: 98.
(36) البحراني، السيد هاشم، تفسير البرهان، ج3، ص74.
(37) الأعراف: 40.
(38) القمي، علي، تفسير القمي، ص180.
(39) التوبة: 12.
(40) البحراني، السيد هاشم، تفسير البرهان، ج3، ص374.
(41) وعلى رواية الأديب، والأديب الأزب، هو الكثير شعر الوجه، انظر حياة الحيوان الكبرى للدميري، ج1، ص191.
(42) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص176.
(43) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص844.
(44) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج6، ص105-106.
(45) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص838.
(46) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص137.
(47) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج8، ص2316، المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج20، 54.
(48) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج14، ص3.
(49) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص505.
(50) المصدر السابق ص507.
(51) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص146.
(52) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص831، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص500.
(53) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص858.
(54) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج10، ص3.
(55) من العجيب أن يقف ابن طلحة في صف أصحاب الجمل رغم اعترافه بمشاركة أبيه وعائشة في سفك دم عثمان، فعلى أي أمر خرج معهم إذن، أليس خروجهم كان للطلب بدم عثمان؟!! وقد صدق أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا قال: «هذا رجل قتله بره بأبيه وطاعته له»، وكان ذلك عندما وقف عند جسده بعد مقتله.
(56) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص840-841.
(57) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص124.
(58) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج8، ص72.
(59) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص494.
(60) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص185، المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص19، وقد ذكر صاحب الغدير عدّة مصادر ذكرت خبر قتل مروان طلحة، انظر موسوعة الغدير، ج9، ص146.
(61) المصدر السابق ج9، ص335.
(62) راجع الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص838، وص842، والأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص153-154، والمعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص149.
(63) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج17، ص64.
(64) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص140.
(65) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج10، ص4.
(66) المصدر السابق ج9، ص19.
(67) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج11، ص8.
(68) المصدر السابق ج9، ص18.
(69) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص18-19.
(70) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص135.
(71) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص19.
(72) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص176.
(73) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص838.
(74) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص127.
(75)موسوعة الغدير، ج1، ص77،110، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص34.
(76) حديث التهنئة أخرجه الإمام الطبري محمد بن جعفر في كتاب الولاية حديثاً بإسناده عن زيد ابن أرقم، وفي آخر الحديث: "فقال: معاشر الناس قولوا: أعطيناك على ذلك عهدا عن أنفسنا، وميثاقا بألسنتنا، وصفقةً بأيدينا، نؤدِّيه إلى أولادنا وأهلينا، لا نبغي بذلك بدلا، وأنت شهيد علينا، وكفى بالله شهيدا.
قولوا ما قلت لكم، وسلِّموا على علي بأمرة المؤمنين، وقولوا: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ}، فإن الله يعلم كلّ صوت وخائنة كل نفس {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}. قولوا ما يرضي الله عنكم فـ {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ}.
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أوّل من صافق النبي (صلَّى الله عليه وآله) وعليّاً (عليه السلام): أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار.."، انظر موسوعة الغدير للأميني، ج1،ص508.
(77) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج1، ص401.
(78) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص507.
(79) الغروي، محمد، موسوعة التاريخ الإسلامي، ج4، ص504.
(80)بحار الأنوار، ج8، ص94، الدينوري، الإمامة والسياسة، ج1، ص95.
(81) الكليني، محمد، أصول الكافي، ج1،ص350، شرح نهج البلاغة، ج3، ص97.
(82) راجع مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج3، ص58-72.
(83) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص72.
(84) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص148.
(85) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص175-176.
(86) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص179.
(87) الخطبة السابعة من نهج البلاغة، المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص114.
(88) والي البصرة لأمير المؤمنين (عليه السلام).
(89) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص150، الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص842، اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص181، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص502، ابن شر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص177.
(90) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص842، المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص151، ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص177.
(91) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص،151.
(92) "كانت البصرة فرج الهند-كما كان العرب يسمونها- وكان فيها بحّارة من الهند والسند ومنهم الزُطّ، وكانوا سمراً أو سوداً، ولذا كان الفرس يسمّونهم (سياه بجكان = الغلمان السود) فسمّاهم العرب: السيابجة -وفي كثير من الكتب بالباء: سبابجة- فلما جاوروا المسلمين وعرفوا الإسلام استبصر قوم منهم وتعبّدوا، قال المفيد: حتى أكل السجود جباههم، فأتمنهم عثمان بن حنيف على بيت المال وارد الإمارة"، انظر موسوعة التأريخ الاسلامي للغروي، ج4، ص541-542.
(93) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص،151، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص502، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص177.
(94) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص151.
(95) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص503.
(96) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص151.
(97) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص182، الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص859، الغروي، محمد، موسوعة التأريخ الاسلامي، ج4، ص595-596.
(98) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص113.
(99) اليعوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص210.
(100) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص126.
(101) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص88.
(102) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص126.
(103) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص502.
(104) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص151.
(105) مروج الذهب، ج2، ص502-503، شرح نهج البلاغة، ج9، ص151.
(106) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج19، ص59.
(107) تاريخ اليقوبي، ج2، ص187، الدّينوري، عبد الله، الإمامة والسياسة، ج1، ص120.
(108) الطبري، محمّد، تاريخ الطبري، ج4، ص1583.
(109) المقصود بيمن البصرة أنصار أصحاب الجمل من قبيلة يمن، وبيمن الكوفة أنصار الإمام (عليه السلام) من قبيلة يمن.
(110) الطبري، محمّد، تاريخ الطبري، ج3، ص860.
(111) الطبري، محمّد، تاريخ الطبري، ج3، ص866.
(112) من كلام للإمام (عليه السلام) يصف فيه حال طلحة والزبير، تاريخ الطبري، ج3، ص851.
(113) الدينوري، عبد الله، الإمامة والسياسة، ج1، ص95.
(114) الري شهري، محمّد، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ج3، ص201.
(115) الطبري، محمّد، تاريخ الطبري، ج3، ص869.
(116) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1946.
0 التعليق
ارسال التعليق