الزبيريون وحرب الجمل «دراسة وتحليل» (القسم الأول)

الزبيريون وحرب الجمل «دراسة وتحليل» (القسم الأول)

مقدّمة

بيان الموضوع وأهميَّته:

يرتبط البحث بواحدة من أهمِّ المسائل الحسّاسة الدائرة في الفكر والتأريخ الإسلامي؛ ألا وهي مسألة الخلافة الإسلاميَّة، فالوقوف على الملابسات والأحداث الحائمة حولها ثمَّ الفصل فيها واتخاذ الموقف تجاهها؛ يمثل نقطة فارقة، وقرارا حاسماً في ما يرتبط بالتوجّه الدينيّ أو المذهبيّ.

حيث يعنى هذا البحث بتقديم دراسة موضوعيَّة بعيدة عن الأفكار والقناعات المسبقة، تبحث حرب الجمل وتُسلِّط الضوء على أبرز التحرّكات التي قام بها الزبيريون فيها، إذ على الرغم من الأدوار الكبيرة التي لعبها الزبيريون في تأريخ الخلافة الإسلاميَّة بشكل عام، وحرب الجمل بشكل خاص؛ إلّا أنَّ الأنظار التأريخيَّة لم تكن تتَّجه نحو إبراز هذه الأدوار والانعكاسات الخطيرة الناتجة عنها، والتي كان لها تأثير خاص في صياغة مستقبل الأمَّة، وتحديد مسارات الخلافة الإسلاميَّة، لم تكن تقل أهميَّة عن كثير من الأدوار المؤثِّرة التي لعبها بعض الخلفاء.

ولعلَّ عدم بروز الزبيريين على المشهد كغيرهم، ناتج عن طبيعة تكوين الشخصيَّة الزبيريَّة؛ إذ تعكف الشخصيَّة الزبيريَّة على لعب أدوار رئيسيَّة وفاعلة، إلّا أنَّها تحاول أن تتوارى بنفسها عن الصورة المواجهة للأحداث، يتجلَّى ذلك بوضوح عند ملاحظة تحركات طلحة مقارنة بتحركات الزبير، إذ يباشر الأوّل الأحداث بنفسه بصورة مكشوفة، في حين يحاول الأخير -رغم تأثيره في الأحداث- أن يقف في الصفوف الخلفية للمشهد.

وهذا ما حصل تحديدا في الأحداث المتَّصلة بمقتل عثمان، إذ شارك طلحة بنفسه في مقتل عثمان، في حين اكتفى الزبير بالتحريض على ذلك.

  لذا فإنَّنا سعينا من خلال هذا البحث للتالي:

1. فهم الأحداث المتقدّمة على حرب الجمل والممهدة لها، وربطها بالحرب لتتَّضح الصورة.

2. تعقّب أدوار الزبيريين السلبيِّ قبل الحرب وأثناءها وإبرازها.

3. فهم انحراف الزبير من خلال دراسة أسباب ذلك.

4. تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها الزبيريون في الحرب.

5. الوقوف على توبة الزبير والتحقيق في ذلك.

6. دراسة شعارات أصحاب الجمل، التي ساهم الزبيريون في الترويج لها.

الحدود الزمانيَّة والمكانيَّة للبحث:

 هذا البحث يتناول الفترة الزمنيّة الممتدَّة من نهاية خلافة عمر بن الخطاب، إلى آخر يوم من حرب الجمل، وذلك فيما يرتبط بعنوان البحث، وما تقتضيه المصلحة من التطرُّق إليه، أمَّا الحدود المكانيَّة للبحث؛ فتنحصر في ثلاث حواضر من الحواضر الإسلاميَّة وهي: المدينة المنوَّرة، مكَّة المكرَّمة، ومدينة البصرة.

الفصل الأول: فيه مباحث

المبحث الأول: الزبيريون في صفحات التأريخ

الزبيريون لفظ أُطلق وتُدول على ألسن الباحثين، وجرى استعماله في كتب التأريخ والسيرة، ونقصد به أولئك المنحدرين من نسل الزبير بن العوّام، السائرين على نهجه الذي اختطّه منذ أن صاغ ملامحه من أوّل موقف خالف فيه وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الذي قال فيه: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

إذن فما نقصده بـ "الزبيريون"، أو "الزبيري"، هو أيُّ شخص ينطبق عليه مجموع هذين الشرطين:

1. أن يكون منتمياً نسباً إلى الزبير بن العوّام.

2. أن يكون سائراً على النهج الذي اختطه الزبير، منذ خلافه مع أمير المؤمنين (عليه السلام). ولنا هنا ذكر ترجمة أبرز مصداقين لهذا الخط:

* الزبير بن العوّام: وهو الزبير بن العوّام أبو عبد الله القرشي الأسدي، وأمّه صفية بنت عبد المطلب عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(2)، وأبوه العوّام يكون أخا لخديجة (رضي الله عنها) زوج النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكان من أوائل من أسلموا، هاجر إلى الحبشة(3) ثمَّ إلى المدينة، شارك في كل حروب النبي (صلّى الله عليه وآله)(4)، وكان دائم الذبِّ عن النبي (صلّى الله عليه وآله) لذا فإنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن جيء له بسيف الزبير بعد مقتله قال: «سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-"(5).

* عبد الله بن الزبير: هو عبد الله بن الزبير بن العوام وأمّه أسماء بنت أبي بكر، يكنّى بأبي بكر، وهو أوّل مولود ولد في الإسلام من المهاجرين، وكانت عائشة تُحبّه حبّا شديدا وكانت تكنّى باسمه(6)، وقد وظّف هذا الحبّ في حرب الجمل حيث كان له دور كبير في استمرار عائشة مع النَّاكثين.

وكان أحد الرهط الخمسة الذين وقع اتّفاق أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص على إحضارهم التحكيم(7)، واستلم الخلافة بعد موت يزيد وابنه معاوية حيث استقرَّ له الحكم في كلِّ الولايات الإسلامية ما عدا ناحية من نواحي الأردن(8)، قتل ابن الزبير بعد أن حصره الحجّاج في الحرم.

المبحث الثاني: مفردات لها علاقة بالبحث

 * المفردة الأولى: الحرب

الحرب لغة: نقيض السِّلم، ورجلٌ مِحْرَب: شجاع. وفلانٌ حَرْبُ فلانٍ أي يُحاربُه. ودار الحرب: بلادُ المشركين الذين لا صُلْحَ بينهم وبين المسلمين(9).

الحرب اصطلاحا: يتداخل مفهوم الحرب مع مفهوم الجهاد بشكل كبير، على أنَّ الأخير يعتبر مصطلحا إسلاميَّا خاصا، ويُعرِّف رجال القانون الدولي الحرب: "بأنَّها صراع مسلح بين دولتين أو بين فريقين من الدول، ويكون الغرض منه الدفاع عن حقوق الدول المحاربة ومصالحها"(10).

وأمّا الجهاد فهو مصطلح مختص بالفقه الإسلامي، وقد عُرّف بأنَّه: "بذل النّفس وما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين أو الباغين أو في سبيل إعلاء كلمة الإسلام على وجه مخصوص"(11).

وقد بيَّن الفقهاء نوع الفئات التي يجب مجاهدتها وقتالها، وهي:

1. الكفّار من غير أهل الكتاب: وهؤلاء يخيرون بين الإسلام والقتال، "ويجب قتال هذا القسم حتى يسلم أو يقتل"(12).

2. أهل الكتاب: وهؤلاء لا يقاتلون ابتداء، ولا يحاربون إلّا بعد أن يخيَّروا بين ثلاث: الإسلام، أو الالتزام بشرائط الذمّة، أو الحرب(13).

3. البُغاة: وهم الخارجون على الإمام المعصوم (عليه السلام)، يقول الشهيد الثاني في شرح اللمعة الدمشقيَّة: "من خرج على المعصوم من الأئمّة (عليهم السلام) فهو باغٍ واحداً كان كابن ملجم (لعنه الله)، أو أكثر كأهل الجمل وصفّين يجب قتاله إذا ندب إليه الإمام حتّى يفيء أي يرجع إلى طاعة الإمام أو يُقتل، وقتاله كقتال الكفّار في وجوبه على الكفاية، ووجوب الثبات له، وباقي الأحكام"(14).

وهذا القسم الثالث من الأقسام التي بيَّن الفقهاء وجوب مجاهدتها؛ هو الذي يهمنا في البحث حيث تندرج تحته حرب الجمل.

* المفردة الثانية: الجمل

الجمل لغة: هو الذَّكر من الإبل(15)، قال الفرّاء: وهو زوج الناقة، وجمعه جمال وأجمال وجمالات(16)، ويكنّى عند العرب: بـ "أبو أيوب"، و"أبو صفوان"(17).

سبب تسمية الحرب بالجمل:

سمّيت الحرب بذلك؛ لأنَّ عائشة خرجت على أمير المؤمنين (عليه السلام) على جمل، حيث نُصِبَ فوقه هودج كانت فيه، وكان الجمل حينها مكان الراية في المعركة؛ إذ كل من أخذ خطام الجمل فكأنّما أخذ راية الجيش، يقول ابن منظور: "وأصل ذلك أن عائشة غزت علياً على جمل، فلما هُزم أصحابها ثبت منهم قوم يحمون الجمل الذي كانت عليه"(18).

وكان اسم الجمل الذي ركبته عائشة يوم الواقعة "عسكرا"، وكان أدْيَباً أزبّا، وهو الكثير شعر الوجه، وقد حذّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نسائه فقال: «أيتكن صاحبة الجمل الأديب تسير أو تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب»(19).

الفصل الثاني: حرب الجمل، الظروف والنتائج

المبحث الأوّل: الأحداث والظروف التي سبقت الحرب

لتكون القضية عندنا حاضرة واضحة المعالم، لا بدَّ لنا من الرجوع إلى جذر الواقعة وتفحصه، لنطّلع على الأساس حتى نفهم بدقة ووعي ترتب الأحداث وتسلسلها.

1- الخليفة الثاني والوصية السياسية:

 لم يرغب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أن يفارق الحياة دون أن يرسم الخارطة السياسية والمسار الذي لا بد -بنظره- من مسير الخلافة عليه، ودون أن يحدِّد المصير الذي تؤول إليه الأمور، بحسب المقاسات والتفاصيل التي يراها بل ويرغب بها!!

ولهذا أوصى قبل موته أن يكون الأمر بعده شورى في ستة نفرٍ سمَّاهم، وهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عثمان بن عفان، الزبير بن العوّام، طلحة بن عبيد الله، سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف.

ولم يكن اختيار هذا الخليط من الشخصيات اعتباطيا وإنما كان بدراسة وموازنة دقيقة تضمن عدم صيرورة الخلافة إلى من لا يرغب عمر من وصولها إليه!!

 فإعطاء عمر ابنَ عوف -الذي هو صهر عثمان- المحورية في الفصل عند الاختلاف المتوقع جداً في مضمار الوصول إلى الخلافة؛ يعطي عثمان ميزة إضافية لكسب الصراع، خصوصا وأنَّ سعدا وهو ضمن الستة يكون ابن عمٍ لعبد الرحمن!!

وهذا ما تنبّه له أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث له مع العباس حين قال: «قرن بي عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها عبد الرحمن عثمانَ، أو يوليها عثمانُ عبد الرحمن فلو كان الآخران معي لم ينفعاني..»(20).

 ومن هذه الشورى المزعومة فإنَّ عمر بن الخطاب قد فتح بابا واسعا في نفوس بعض أصحاب الشورى في التطلُّع للخلافة والطمع في الرئاسة، كيف لا وهو يخاطبهم بالقول: "إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم"(21)، فمثل ابن أبي وقاص والزبير بن العوّام لم تظهر منهما قبل الشورى أيّ بوادر تنبأ عن طموحهما في الخلافة، ولم تكن لطلحة الأهلية لتسنّم منصب حسّاس كمنصب الخلافة خصوصاً في ظل وجود مثل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن هنا غُرست البذرة في الأرضيّة الصالحة للفرقة التي مهّدها ابن الخطاب لنشوب الصراعات واشتعال الفتن!!

2- خلافة عثمان وتقريب الأمويين

لم يخب توقُّع ابن الخطاب في شأن عثمان؛ ففي حديث له مع ابن عباس عمَّن يتولَّى الخلافة بعده قال: "إن ولي حمل ابن أبي معيط وبني أميّة على رقاب الناس، وأعطاهم مال الله، ولئن ولي ليفعلنَّ والله، ولئن فعل لتسيرنَّ العرب إليه حتَّى تقتله في بيته"(22) يقصد بذلك عثمان.

وفعلا فإنَّ ابن عفان قد ابتدع سياسات جديدة لم يعهدها النظام الإسلامي، ولم يكن أولها تقريب بني أمية من الحكم وليس آخرها إغداقهم بالعطايا والهدايا والأموال!!

 ومن هنا كان لا بدَّ أن نلقي نظرة مجملة على السياسات التي سار عليها عثمان لنرى حجم الأحداث والتغيير الذي أصاب بنية النظام الإسلامي في عهده.

أوّلاً: السياسة الإدارية

 لم تعتمد السياسة العثمانيَّة السياسة الصحيحة التي يعتمدها الإسلام في توزيع المناصب السياسيَّة والإداريَّة القائمة على أساس الكفاءة والتديُّن كما كان الأمر جارياً على العهد النبويِّ، وإنَّما اتخذت طريقا آخر واعتمدت سياسة جديدة دخيلة على الحكم الإسلامي، تقوم على مبدأ تقريب الأقارب، وتوليتهم المناصب الإداريَّة والسياسيَّة المهمّة في الدولة.

ولم يقتصر الأمر في اختيار من يشغل مثل هذه المناصب الحسَّاسة على عدم الكفاءة والأهلية؛ بل كان في هؤلاء من الصفات الظاهرة في الفسق والفجور والخبث والنفاق ما كان، يتَّضح ذلك جليا عند الوقوف على بعض ولاة العهد العثماني:

1. مروان بن الحكم (زوج ابنة عثمان وابن عمِّه):

يعتبر مروان بن الحكم ابن طريد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الساعد السياسي الأوّل والأهمّ لابن عفان، ولم يألوا ابن عفان جهدا في خلافة أبي بكر وعمر لإرجاع الحَكم وابنه إلى المدينة بعدما غرّبهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبعدهم إلى الطائف، إلّا أنَّ مساعيه وجهوده كلّها قد بائت بالفشل، وظلَّ متوجِّسا يتحيَّن الفرصة لحين تسلّمه الخلافة فأرجعهما في نفس يوم ولايته!! روى السبط عن الشعبي قال: "لمّا ولي عثمان ردّ عمه الحكم بن أبي العاص في يوم ولايته وقرّبه وأدناه وأعطاه مالاً عظيماً فكان أوّل ما أنكره عليه المسلمون..."(23).

2. عبد الله بن سعد بن أبي سرح(ابن خالته وأخوه من الرضاعة):

 ولَّاه عثمانُ على مصر(24)، مع أنه يذكر أنَّه ارتدَّ عن الإسلام وكان من ضمن نفرٍ أهدر النبي (صلّى الله عليه وآله) دمهم عند فتح مكَّة ولو وجدوا تحت أستار الكعبة لشدَّة أذيَّتهم له، إلّا أنَّه فرَّ إلى عثمان فغيَّبه حتَّى اطمأنَّ أهل مكة فأتى به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يستأمنه(25).

3. معاوية بن أبي سفيان(ابن عم عثمان(26)):

كان معاوية واليا على الشام في فترة خلافة ابن الخطاب، وبعدما تولَّى عثمان الخلافة أقرَّ ولايته على الشام، ومعاوية وأبوه ممَّن لعنهم النبي (صلّى الله عليه وآله) في غير موضع، منها حينما رآى أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد -أخو معاوية- يسوق به قال: «لعن الله القائد والراكب والسائق»(27).

4. عبد الله بن عامر بن كريز(ابن خال عثمان):

 ولَّاه عثمان البصرة، وكان ذلك بعدما عزل عنها أبا موسى الأشعري، ولمّا عزل الأشعريَّ كتب إليه: "ولكنّي أردت أن أصل قرابة عبد الله بن عامر وقد أمرته أن يعطيك ثلاثين ألف درهم!!"(28).

5. الوليد بن عقبة بن أبي معيط(أخو عثمان لأمه):

 تولَّى الوليدُ الكوفة بعد أن عُزِل ابنُ أبي وقاص(29)، وكان الوليد فاجرا فاسقا شرّابا للخمر، يقول المسعودي: "كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أول الليل إلى الصباح، فلما آذنه المؤذنون بالصلاة خرج متفضلاَ في غلائله، فتقدم إلى المحراب في صلاة الصبح، فصلى بهم أربعاً، وقال: أتريدون أن أزيدكم؟!!"(30).

ولمّا كثرت الشكاوى عليه عزله عن الكوفة وبعد تعزيره بعث به على صدقات كلب وبلقين!!(31).

ثانياً: السياسة الماليَّة

اتَّجهت السياسة العثمانيَّة في الجانب المالي، بالاعتماد على أساسات مختلفة عن تلك المتداولة في أيَّام الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولم تقتصر على نسق السياسة العمرية في عدم المساواة واعتماد سياسة التفضيل فحسب؛ بل اتَّجهت لمنحى آخر أكثر انحرافا عن السنَّة النبويَّة العادلة القائمة على القسط والإنصاف، فسنَّتْ بدعة جديدة تحت عنوان العطايا والهبات للأقرباء والمقربون.

كل ذلك كان من بيت مال المسلمين، ولم يكن التبرير الشرعي عائقا لهذه الأحدوثات الدخيلة على النظام المالي الإسلامي، بل كان الردُّ جاهزا على لسان خليفة المسلمين حينما سُئل عن تصرفاته المالية وإنفاقاته من بيت المال، مجافاة له عن سيرة من كان قبله، فأجاب: "إنَّ عمر كان يمنع أهله وذوي قرابته ابتغاء وجه الله، وأنا أعطي أهلي وقرابتي ابتغاء وجه الله!!"(32)

 وفي عهد عثمان بدأت الطبقيَّة وظهور حالة الفقراء والأغنياء ومن ملامحها امتلاك الأراضي الشاسعة، وبناء القصور الفارهة، والدُّور الواسعة، يقول المسعودي في مروج الذهب: "وفي أيَّام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضِّياع والدُّور: منهم الزبير بن العوام، بنى داره بالبصرة،... تنزلها التجار وأرباب الأموال وأصحاب الجهاز من البحريين وغيرهم، وابتنى دورا بمصر والكوفة والإسكندرية"(33).

ثالثاً: السياسة التشريعيَّة

 شاع في عهد عثمان استعمال الرأي في استنباط الأحكام الشرعيَّة تعميقا واستكمالا لمدرسة الرأي التي أسّسها الخليفة الأوّل، وبنا أركانها عمر بن الخطَّاب، ولم تقتصر هذه المدرسة على إعمال الرأي وإدراجه ترتيبا في مصاف منابع التشريع، بل أسّست لمفهوم مبتدع آخر، وهو الرأي في قبال النص، وكان لعثمان في هذا الشأن هَنَات وهَنَات، ولنا هنا عرض بعض الشواهد من العهد العثماني:

1. عثمان يتم الصلاة في السفر، ففيما نقله الطبري عن الواقدي بالإسناد عن ابن عباس قال: "إنَّ أوّل ما تكلم النَّاس في عثمان ظاهرا أنَّه صلَّى بالنَّاس بمنى في ولايته ركعتين حتَّى إذا كانت السنة السادسة أتمَّها فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبي -صلّى الله عليه وسلم-،...حتى جاءه علي فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد ولقد عهدت نبيك -صلّى الله عليه وسلم- يصلي ركعتين، ثم أبا بكر، ثم عمر وأنت صدرا من ولايتك فما أدري ما ترجع فقال: رأي رأيته!!"(34).

2. عثمان يَنهى عن متعة الحج، أخرج الشيخان عن سعيد بن المسيب قال: "اجتمع عليّ وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن المتعة، فقال له عليّ "ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تنهى عنه؟" قال: دعنا منك، قال: "إنّي لا أستطيع أن أدعك". فلمّا رأى ذلك عليّ أهلّ بهما-أي العمرةوالحجة- جميعاً"(35).

 3. عثمان يأخذ الزكاة من الخيل، أخرج البلاذري في الأنساب من طريق الزهري: "أنَّ عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة، فأنكر ذلك من فعله وقالوا: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق»"(36)(37).

 هذه نبذ بسيطة من بعض السياسات الحاصلة في عهد عثمان بن عفان، التي كانت بمثابة الشرارة الشاعلة للحوادث المتعاقبة على الخليفة، نتيجةً للأرضيَّة الخصبة التي مهدتها هذه التصرفات الرعناء، البعيدة عن الدين والعقل والحكمة.

3- مواقف الصحابة ونقمة الأمصار:

هذه السياسات الخاطئة التي اقترفها الخليفة كانت ممنهجة مدروسة، يتبعها إصرار كبير منقطع النظير من الخليفة.

هذا على الرغم من كل النصائح والتوجيهات التي ما فتأ الصحابة يوجهونها إليه، لكنَّ تشبثه برأيه وحُبّ قرابته، كانا يمنعانه من الإصغاء والتفكُّر، ويدفعانه إلى التعنُّت والتصلُّب، وهذا ما أدَّى إلى تقلُّص المتعاطفين معه، وزيادة النَّفر الناقمين عليه.

 من هنا تشكَّلت المعارضة العلنيَّة من الصحابة، وبدأت بالتأليب عليه، وإظهار النفرة منه، كيف لا وهذه أمُّ المؤمنين عائشة تقول في حقه: "اقتلوا نعثلا فقد كفر"(38)، وتقول: "هذا جلباب رسول الله لم يُبْلَ، وقد أبلى عثمان سنته!"(39)، وتقول أيضاً: "أما والله لوددت أنَّه مقطَّع في غرارة من غرائري، وأني أطيق حمله، فأطرحه في البحر"(40).

 وهذا الزبير بن العوّام يقول: "اقتلوه فقد بدّل دينكم"(41)، ويقول: "إنَّ عثمان لجيفة على الصراط غدا"(42).

وهذا عبد الرحمن بن عوف يقول: "إذا شئت فخذ سيفك -مخاطبا عليا-وآخذ سيفي، إنَّه قد خالف ما أعطاني"(43)، ويقول: "عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه"(44)، ولم يُعرف أحد من الصحابة ألَّب على عثمان أشدّ من طلحة بن عبيد الله(45)، يقول ابن أبي الحديد: "وكان طلحة من أشدِّ الناس تحريضا عليه"(46)، حتى أنَّه منع من أن يدخل عليه الماء، حتى غضب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأُدخلت عليه روايا الماء(47).

 بعدها بدأت رسل الأمصار تترى إلى عثمان، تسأله التوبة وترك بطانة السوء، والرجوع إلى السنّة، وإلَّا العزل أو القتل، فكان أوّل الواصلين على مشارف المدينة ثوّار مصر، فلمَّا أحسَّ عثمان بجديَّتهم وحزم موقفهم، التجأ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، يسأله الوقوف معه وردّ الثوّار إلى حيث جاءوا، ولم يكن الأمر كذلك؛ إلَّا بعد أخذ الضمانات والمواثيق منه، فخرج يخطب في الناس: "اللهم إنّي أوّل تائب تاب إليك"(48)، "أنا أوّل من اتَّعظ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردني الحق عبداً لأستن بسنة العبد ولأذلنَّ ذلّ العبد.."(49)، إلّا أنَّ هذه التوبة لم تدمْ طويلا، وكانت بطانة السوء الأموية، وعلى رأسها ساعده السياسي مروان، سببا رئيسا في عدوله عن توبته، ونقضه المواثيق التي أخذها على نفسه.

 من هنا رجع ثوّار الأمصار، حاملين في نفوسهم نقمة على الخليفة لا يردها راد، ولا يدفعها دافع، فإمَّا العزل أو القتل!!

4- مقتل عثمان وتنصيب الأمير (عليه السلام):

بعد رجوع الثوَّار بدأ الحصار على بيت عثمان، واستمرَّ تسعا وأربعين يوما(50)، وعلى الرغم من الجهود السلميَّة الحثيثة التي بُذلت خلال هذه الفترة لثني الخليفة عن موقفه، وتنازله عن منصب الخلافة، إلّا أنَّه أبى الرضوخ والتسليم لطلبات الثوّار، فلم يكن حينها بُدّاً منهم إلَّا اقتحام داره وقتله(51).

ولم تكن تلك الأحداث والسياسات الخاطئة التي اقترفها الخليفة، إلّا بمثابة الهزَّة التي أيقظت الأمَّة من سباتها، وألفتتها للوحل الذي غاصت فيه، والضلال الذي تاهت في غياهبه، منذ أن لم تمتثل لوصية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في خليفته!!.

فلم يكن الطموح بعد كل ذلك بأقل من أن يقود الأمَّة شخص هو أقرب ما يكون لشخصية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يكن أحد قادر على تلبية ذلك الطلب العزيز، إلّا علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، ولذلك اشرئبَّت نحوه الأعناق، واتَّجهت صوبه القلوب، ويصف أمير المؤمنين (عليه السلام) يومَ بيعته بالقول: "فما راعني إلّا والنَّاس إليَّ كعُرْفِ الضبع، ينثالون عليَّ من كل جانب، حتى لقد وُطئ الحسنان، وشُقَّ عِطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم"(52).

فلمّا جاءه الناس وفيهم طلحة والزبير يطلبون بيعته أبى إلّا أنَّ تكون البيعة في المسجد، يقول ابن الأثير: لمّا قُتل عثمان، اجتمع أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير، فأتوا عليّاً، فقالوا له: "إنّه لا بدَّ للنّاس من إمام! قال: «لا حاجة لي في أمركم؛ فمن اخترتم رضيت به»، فقالوا: ما نختار غيرك. وتردَّدوا إليه مراراً، وقالوا له في آخر ذلك: إنّا لا نعلم أحداً أحقَّ به منك؛ لا أقدم سابقة، ولا أقرب قرابة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فقال: «لا تفعلوا، فإني أكون وزيراً خيراً من أن أكون أميراً»، فقالوا: والله ما نحن بفاعلين حتّى نبايعك. قال: «ففي المسجد؛ فإنَّ بيعتي لا تكون خفيّة، ولا تكون إلا في المسجد»"(53).

ولم يكن إصرار الأمير (عليه السلام) على أن لا تتمَّ البيعة إلّا في المسجد إلا فراسة منه وبعد نظر، واستشرافا لمستقبل الأمَّة، يقول (عليه السلام): "فبايعتموني على شين منِّي لأمركم، وفراسة تصدقني ما في قلوب كثير منكم!!"(54).

5- الأمير (عليه السلام) وسياسات جديدة:

كان أكثر أجهزة الدولة الإسلامية تضررا في عهد عثمان بن عفان، هما: الجهاز المالي، والجهاز الإداري، ولحجم الضرر العميق الذي خلَّفته السياسة العثمانية في جسد هذين الجهازين، لم يكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) متسعا كبيرا من الوقت للعمل على إصلاحهما والنهوض بهما، فما كان منه إلّا المسارعة لشقِّ سياسة جديدة، تضمن عدم تغلغل الفساد وتسلسل المفسدين، ممَّا يُرجع الوضع كما كان، ولذلك حدد مبادئ سياسته الجديدة في أوائل أيَّام تسلُّمه زمام الخلافة:

أوّلاً: السياسة الماليَّة

 أمَّا سياسته الماليَّة؛ فكانت كما كان الأمر على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، خاضعة لمبدأ المساواة والعدل، ونبذ التفضيل والأثرة، فلا فضل في فيء لعربي على عجمي، ولا لأهل سابقة على أهل لاحقة، فكل المسلمين في ذلك سواء، يقول (عليه السلام) في خطبة له في ثاني أيَّام خلافته: «أيّما رجلٍ استجاب لله وللرسول، فصدّق ملَّتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا؛ فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده؛ فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسَّم بينكم بالسويّة، لا فضل فيه لأحد على أحد؛ وللمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء.. وإذا كان غدا إن شاء الله فاغدوا علينا؛ فإن عندنا مالاً نقسِّمه فيكم. ولا يتخلّفن أحدٌ منكم؛ عربيّ ولا عجميّ، كان من أهل العطاء أو لم يكن؛ إلا حضر؛ إذا كان مسلماً حرّا»(55).

 فلمّا كان من الغد، غدا وغدا النَّاس لقبض المال؛ فقال لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع: ابدأ بالمهاجرين فنادهم، وأعطِ كلَّ رجل ممَّن حضر ثلاثة دنانير، ثمَّ ثنِّ بالأنصار، فافعل معهم مثل ذلك؛ ومن يحضر من الناس كلّهم؛ الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك. فقال سهل بن حنيف: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي بالأمس؛ وقد أعتقته اليوم؛ فقال: «نعطه كما نعطيك»، فأعطَى كلّ واحد منهما ثلاثة دنانير؛ ولم يفضّل أحداً على أحد؛ وتخلّف عن هذا القَسْم يومئذ طلحة والزبير(56) فيمن تخلف، وكان تخلُّفهم بسبب الأسوة التي أقرَّها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعدم الأثرة على الأعاجم وغيرهم!!

 فلمّا علم أمير المؤمنين (عليه السلام) بأمرهم، خطب في المسجد وقال: «...فأمّا هذا الفيء فليس لأحدٍ على أحد فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرضَ فيتولَّ كيف شاء، فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه»(57).

ويبدو أنَّ كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن ليقنع نهم طلحة والزبير، كيف لا وقد ربيا ولمدَّة اثنتي وعشرين سنة(58)، مشبعين بالتفضيل والأثرة، وحُبِّ المال وكثرة العطاء، قد ألفت نفوسهم ذلك، وتثاقلت عن قبول القليل وقسمة العدل والميزان، ولذلك عاوداه ليحتجَّا بقولٍ هو في قبال كتاب الله وسنة رسوله (صلّى الله عليه وآله)!!

فجاءا إلى أمير المؤمنين وقالا: "ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال: «فما كان يعطيكما رسول الله (صلّى الله عليه وآله)» فسكتا، قال: «أليس كان رسول الله يقسم بالسوية بين المسلمين؟» قالا: نعم، قال: «فسنة رسول الله أولى باتباع عندكم أم سنة عمر؟» قالا: سنة رسول الله، يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة، قال: «سابقتكما أقرب أم سابقتي؟» قالا: سابقتك، قال: «فقرابتكما أم قرابتي؟» قالا: قرابتك، قال: «فعناؤكما أعظم أم عنائي»، قالا: عناؤك، قال: «فوالله ما أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة»، وأومى بيده إلى الأجير"(59).

 ولم يكتفِ أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك، بل ردَّ كلَّ قطيعة أقطعها عثمان لقرابته أو غيرهم إلى بيت المال، وكلَّ مال أعطاه لأحدٍ من غير وجه، يقول (عليه السلام): «ألا إنَّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلَّ مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإنَّ الحقَّ القديم لا يُبطل شئ»(60).

ثانياً: السياسة الإداريَّة

 وأمّا سياسته الإداريَّة في خصوص شأن الولاة، فكانت على النقيض من سياسة سلفه عثمان، فاعتمدت على مبدأ الكفاءة والإيمان، والأمانة والاستقامة، وصلاح السيرة وحسن السمعة، مستمدة ذلك كله من قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}(61).

ولذلك فإنَّ أوّل ما كان من إصلاحاته، عزل الفاسدين من ولاة عثمان، وتنصيب ولاة جدد، فعزل والي البصرة عبد الله بن كريز، واستبدله بعثمان بن حنيف الأنصاري، ووّلى مكّة قثم بن العبّاس، مكان عبد الله بن عمرو الحضرمي، ووّلى عبيد الله بن العبّاس اليمن، مكان يعلى بن منية التميمي، ورأى أن يستبدل محمد بن أبي بكر -وكان ربيب بيته- بقيس بن سعد بن عبادة على ولاية مصر، وكلّمه الأشتر النخعي في أبي موسى الأشعري على ولاية الكوفة فأقرّه، وكان أهل الكوفة قد رضوا عنه(62).

وأشار المغيرة بن شعبة على أمير المؤمنين (عليه السلام)، أن يقرَّ معاوية على الشام فرفض، عن جبلة بن سحيم عن أبيه أنَّه قال: "لمّا بويع علي (عليه السلام) جاء إليه المغيرة بن شعبة فقال: إن معاوية (من) (63) قد علمت، وقد ولاه الشام من كان قبلك، فوله أنت كيما تتسق(64) عرى الإسلام ثم اعزله إن بدا لك. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه؟» قال: لا. قال (عليه السلام): «لا يسألني الله عن توليته على رجلين ليلة سوداء أبداً {وما كنت متخذ المضلين عضداً}»"(65).

ومن هذا الخبر تتضح بجلاء سياسةُ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) الجديدةُ والصارمةُ في عدم المواربة في أمر الدين، والمداهنة في شؤون المسلمين.

 وكان لطلحة والزبير طموح أن يوليهما أمير المؤمنين (عليه السلام) المصرين(66)، إلّا أنَّه رفض، يقول ابن أبي الحديد: "جاء الزبير وطلحة إلى عليّ (عليه السلام) بعد البيعة بأيام، فقالا له: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كنّا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلّها، وقد علمت رأي عثمان في بني أمية، وقد ولّاك الله الخلافة من بعده، فولِّنا بعض أعمالك، فقال لهما: ارضيا بقسم الله لكما، حتى أرى رأيي، واعلما أنّي لا أشرك من أمانتي إلّا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي، ومن قد عرفت دخيلته، فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس!!"(67).

6- نكث البيعة وبداية القصة:

 وما كان اليأس الذي دخل في خلدهما بعدم توليتهما ما أمّلاه من إمرة المصرين؛ إلّا ممّا عرفا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من صلابة في الدين، وأمانة في ما يرتبط بأمور المسلمين، وقد عايشوه وألفوا منه الصراحة والصدق وعدم المراوغة والمداهنة، وعلما من سيرته أنَّ الكتاب منهجه، وأنَّ ما سيقرره لا محالة لا يعدو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما فيه نجاتهم ونجاح الأمة.

فتيقنا عندها أن لا طريق للوصول للمُرادِ من قنطرة دولته، فأوعز لهما شيطانهما لومه ومعاتبته: فقال الزبير: "هذا جزاؤنا من عليّ! قمنا له في أمر عثمان حتّى قُتِل، فلمّا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا مَنْ كنّا فوقه.!! وقال طلحة: ما اللوم إلّا علينا، كنّا معه أهل الشورى ثلاثة، فكرهه أحدنا -يعني سعدا- وبايعناه، فأعطيناه ما في أيدينا، ومَنَعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا نرجو غداً ما أخطأنا اليوم.!!"(68).

 ولعلمهما بما تحمله عائشة في قلبها على أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ وأنَّها لن تدَّخر جهدا ولن ترد لهما طلبا يصب في ساحة خلافه ومناكفته؛ أرسلا لها كتاب حمّلاه ابن أختها عبد الله بن الزبير: "أن خذِّلي النّاس عن بيعة عليّ، وأظهري الطلب بدم عثمان!!"(69).

بعدها جاءا إليه (عليه السلام)؛ ليأذن لهما في الخروج إلى مكة، بقصد الالتحاق بعائشة ومن فرّ إلى مكة من عمّال عثمان(70)، متمترسين عن ذلك بغطاء السّير للعمرة، "فقال لهما (عليه السلام): «ما العمرة تريدان»؛ فحلفا له بالله أنّهما ما يريدان غير العمرة، فقال لهما: ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة (71)، فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث البيعة يريدان، وما رأيهما غير العمرة. قال لهما: «فأعيدا البيعة لي ثانية»، فأعاداها بأشدِّ ما يكون من الأيمان والمواثيق. فأذن لهما، فلما خرجا من عنده، قال لمن كان حاضرا: والله لا ترونها إلا فتنة يقتتلان فيها"(72).

 ولم يَطِلْ استشراف أمير المؤمنين (عليه السلام) لما ستؤول له الأمور كثيرا، فما فتئا إذ خرجا من مكة، فما إن لقيا أحدا إلّا وقالا له: "ليس لعلي في أعناقنا بيعة!!"(73).

 من هنا بدأت القصّة، وتتابعت الأحداث، فرتَّب طلحة والزبير وعائشة ومن معهم صفوفهم، وتوجَّهوا إلى البصرة، رافعين شعارات الطلب بدم عثمان، وإرجاع الأمر شورى، وإصلاح بين الأمة!!، ليفتح جرح غائر في كيان الأمَّة، سببه الطمع والمال، لتُأخذَ الأمَّة إلى مرحلة جديدة؛ عنوانها شرعنة الحروب الداخلية الطاحنة بين المسلمين، والتأسيس للقيام على إمام الزمان المفترض الطاعة.

المبحث الثاني: آثار ونتائج الحرب:

المطلب الأوّل: تأريخ الحرب:

اتَّفق المؤرخون على سنة وقوع الحرب، وأنَّها وقعت في سنة ست وثلاثين من الهجرة، إلّا أنَّهم اختلفوا في شهرها، فذكر بعضهم كاليعقوبي والمسعودي، أنَّها وقعت في جمادى الأولى(74)، بينما ذكر الطبري وابن كثير، أنَّها وقعت في جمادى الآخرة(78) من السنة ذاتها، وكانت مدة الحرب يوم واحد(76).

المطلب الثاني: موقع الحرب:

 وقعت حرب الجمل تحديدا في منطقة تسمَّى الخريبةإحدى ضواحي البصرة(77)، وقيل الزابوقة(78).

ولم يكن اختيار البصرة مركزا للحركة من قبل الناكثين اختيارا اعتباطيا، بل كان خيارا مدروسا؛ إذ طرحوا بعد اجتماعهم في مكة عدَّة خيارات منها المدينة المنورة، ومنها الشام، ومنها البصرة التي وقع الاختيار عليها.

ولعلَّ معاوية هو أوّل من أقدح في ذهن النَّاكثين هذا الخيار، عبر الرسالة التي بعثها إلى الزبير، حيث قال فيها: "فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنّه لا شيء بعد هذين المصرين"(79)، وكان هذا الخيار المرجَّح لدى النَّاكثين، وذلك لاعتبارات عدَّة:

أوّلاً: الموقع الفذُّ الذي تتمتَّع به البصرة، بالإضافة إلى كونها قاعدة عسكرية(80)؛ يعطيها بُعداً استراتيجياً، وذلك لاعتبارين:

1. بُعد البصرة النسبيّ عن المدينة المنوَّرة، مما يعني فسح المجال أمام النَّاكثين لترتيب الصفوف، والعمل على استجلاب الأنصار، وجمع أكبر عدد من الموالين، وذلك لصعوبة التنقُّل وبدائية المواصلات آنذاك؛ ممَّا يعني تأخُّر وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) وصعوبة تعقّبه لهم.

2. قُرب البصرة النسبيّ من الشام، ممَّا يعني توسيع دائرة الخيارات الطارئة للنَّاكثين عند الهزيمة، وهذا يسمح لهم الالتحاق السريع بمعاوية في الشام الذي لن يرفض أي وجودٍ للصحابة يمكن أن يصبَّ في تقوية موقفه، وتحقيق طموحاته.

ثانياً: الوجود البشريُّ الكبير الذي تتمتع به الكوفة والبصرة، مقارنة بالحجاز، بالإضافة إلى وجود الكثير من الأنصار لوجوه الناكثين فيهما، فإنَّ للزبير بالبصرة شيعة، ولطلحة بالكوفة كذلك(81)، ولعبد الله بن عامر في البصرة رجال، ولذلك فإنَّ ابن عامر لمّا نهاهم عن الشام قال لهم: "لكن هذه البصرة لي بها صنائع وعدد"(82).

ثالثاً: صفات أهل البصرة وطبيعتهم، حيث كانوا يعرفون بالغدر ونقض العهد، والنفاق وسوء الخلق، لذا فإنَّ العمل على استقطاب هذا اللون من الناس واستمالتهم، لن يكون صعبا على النَّاكثين، خصوصا مع وجود بعض المؤثرات التي يمكن خداع من لا بصيرة له بها، فوجود مثل شخصية عائشة "أمّ المؤمنين" في صفِّهم، والهالة التي يستتبعها مثل هذا الوجود، يجعل من تلبيس الحق بالباطل سهلا على البسطاء.

ولذلك فإنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ذمَّ أهل البصرة لذلك، ففي خطبة له بعد الحرب، يقول: «كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق... والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه»(83).

المطلب الثالث: عدد المشاركين في الحرب:

 ذكر المؤرخون أنَّ مجموع من شارك في يوم الجمل خمسون ألفا، عشرون ألفا منهم من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وثلاثون ألفا من أصحاب الجمل(84)، يذكر المجلسي في بحار الأنوار: "كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) عشرون ألف رجل منهم البدريون ثمانون رجلا وممن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل. وكانت عائشة في ثلاثين ألف أو يزيدون منها المكيون ست مائة رجل»(85).

المطلب الرابع: الوجوه المشاركة في الحرب:

 شارك في حرب الجمل الكثير من صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وخصوصا في صفِّ علي (عليه السلام)، والكثير من كبار الوجوه والشخصيات المنتشرة في الأصقاع الإسلامية، ولنا هنا بذكر بعض تلك الوجوه:

الوجوه المشاركة في جيش الإمام (عليه السلام): 1- أبو أيوب الأنصاري. 2- عمّار بن ياسر. 3- خزيمة بن ثابت الأنصاري(ذو الشهادتين). 4- عبد الله بن عباس. 5- محمد بن أبي بكر. 6- مالك الأشتر.7- زيد بن صوحان. 8- صعصعة بن صوحان.9- حجر بن عديّ.10- عديّ بن حاتم.11- عثمان بن حنيف.

وكان على رأسهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وولديه الحسنين (عليهما السلام)، وابنه محمد المعروف بابن الحنفية وعدة من بني هاشم(86).

الوجوه المشاركة في جيش أصحاب الجمل:1-الزبير.2- طلحة.3- عائشة.4- عبد الله بن الزبير.5- مروان بن الحكم.6- يعلى بن منية.7- كعب بن سور. 8- عبد الله بن عامر.9- محمد بن طلحة.

المطلب الخامس: الخسائر البشرية:

 خلَّفت حرب الجمل خسائر بشرية كبرى من القتلى والجرحى، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: "وقتل-يوم الجمل- خلق كثير، وجم غفير، ولم تُر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الواقعة"(87).

 وقد ذكر كثير من المؤرخين على أنَّ قتلى جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغ خمسة آلاف رجل(88)، بينما ذكر غيرهم خلاف ذلك، يقول الكلبي: قُتل من أصحاب عليّ ألف راجل وسبعون فارساً"(89).

 هذا وقد تضاربت كلمات المؤرخين كثيرا، في شأن عدد قتلى جيش الجمل، فذكر بعضهم أنَّ عدد قتلاهم بلغ: خمسة آلاف(90)، وقال آخر: تسعة آلاف إلا تسعين(91)، أو عشرة آلاف(92)، وقال ثالث: ثلاثة عشر ألاف(93).

 وقد استقرب أحد المحققين، أنَّ يكون عددهم عشرة آلاف، لِما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عندما بلغه خروج عائشة قوله: «وقد-والله- علمت أنها الراكبة الجمل؛ لا تحل عقدة، ولا تسير عقبة، ولا تنزل إلا إلى معصية، حتّى تورد نفسها ومن معها مورداً يقتل ثلثهم، ويهرب ثلثهم، ويرجع ثلثهم»(94)، يقول: "وبما أنَّ عدد أصحاب الجمل كان ثلاثين ألفاً، فيجب أن يكون عدد قتلاهم عشرة آلاف"(959).

 وكان أبرز من قُتل من طرف أصحاب الجمل، طلحة، وقد أصيب بسهم من طرف جيش النَّاكثين، يقول البلاذري أنَّ مروان بن الحكم قال حينها: "والله ما أطلب ثأري بعثمان بعد اليوم أبداً، فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته، والتفت إلى أبان بن عثمان وقال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك!!"(96)، وكذا قتل ابنه محمد بن طلحة، فمرَّ عليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان بين القتلى، فقال: «هذا رجل قتله بره بأبيه وطاعته له»(97).

 وقُتل كذلك الزبير بن العوّام بوادي السباع، بعدما انصرف من المعركة، فلمّا مرَّ الزبير بالأحنف بن قيس، قال الأحنف: "ما أصنع بالزبير وقد جمع بين فئتين عظيمتين من الناس، يقتل بعضهم بعضاً وهو مار إلى منزله سالما؟!"(98)، فاتبعه عمرو بن جرموز التميمي فقتله(99).

 بينما كان أبرز من قُتل من طرف جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) زيد بن صوحان العبدي، وأخوه سيحان بن صوحان، قتلهما ابن اليثربي(100).

الفصل الثالث: الزبيريون ودورهم في حرب الجمل

المبحث الأوّل: الدور السلبي للزبيريين

تمثَّل الدور السلبي الذي مارسه الزبيريون في حرب الجمل على مرحلتين، فكانت المرحلة الأولى قبل الحرب، وأمّا المرحلة الثانية فكانت أثناء الحرب وبعدها، من هنا سنسلط الضوء في هذا المبحث على دور الزبيريين خلال هاتين المرحلتين:

المرحلة الأولى: دور الزبيريين قبل الحرب:

المطلب الأوّل: بيعة الزبير بين الطوع والإكراه:

لم يتخذ طلحة والزبير قرار نكث البيعة، وادّعاء كونها أُخذت كرها بشكل اعتباطي، بل كان القرار مدروسا بشكل متقن، يمكن معه الديمومة والاستمرار في إخفاء الحقيقة والتستر عليها؛ بتلبيس الباطل بالحق على من يضعف عقله على استيعاب حقيقة الأمور وخفاياها، وزمان الإعلان عن ذلك كان بعد أن أيسا من الحصول على ما أملّاه من الملك في دولة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعند خروجهما من المدينة وفي طريقهما إلى مكَّة، لم يلقيا أحدا إلّا وقالا له: ليس لعلي في أعناقنا بيعة، وإنَّما بايعناه مكرَهين.

 هذا وقد عمَّق بعض المؤرخين، كالزبير بن بكّار(101) وغيره(102) هذه الفرية العظيمة، باختلاق بعض الروايات، وادّعاء عدم وقوع البيعة من أصل، أو ادّعاء الإكراه في البيعة، أمَّا الإدّعاء الأوّل فردُّه بردِّ الثاني، ولذلك سنورد بعض الأدلَّة التي تدحض ما قيل بشأن الإكراه في البيعة، وتثبت كون البيعة أُخذت عن طوع، وبذلك يسقط كلا الإدّعائين.

الأدلَّة المثبتة لكون البيعة أُخذت طوعاً:

الدليل الأوّل: وهو عبارة عن استعراض بعض خطب وكلمات لأمير المؤمنين، تثبت أخذ البيعة عن طوع.

النص الأول: ما ورد من كلمات له (عليه السلام)، تشير إلى أنَّ طلحة والزبير هما أوّل من بايع، يقول (عليه السلام): «والله إنَّ طلحة والزبير لأول من بايعني، وأول من غدر»(103)، وقوله لطلحة: «وأنت أول من بايعني ثم نكثت»(104).

وليس من المعقول أن يكون المكره على الشيء أوّل المبادرين له، فالمكره في مثل هذه الموارد وبحسب العادة إنَّما يكون متأخراً عن الركب، فيكره على المسير معه واللحاق به، ولذلك وصفهما أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم بايعاه بقوله (عليه السلام): «فأقبلتم إليَّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها، تقولون البيعة البيعة! قبضت كفِّي فبسطتموها، ونازعتكم يدي فجاذبتموها»(105)، فهل هذا الإقبال والإصرار الشديد على أخذ البيعة منه (عليه السلام) بعد إدباره عنها يصدر من مكره؟!!

النص الثاني: من كتاب لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة، عند مسيره إلى البصرة، يقول فيه (عليه السلام): «...وبايعني الناس غير مستكرهين، ولا مجبرين، بل طائعين مخيَّرين»(106). ومن عموم كلمة "النَّاس" نستفيد دخول طلحة والزبير ضمن من بايع طائعا غير مكره، وقد وردت كلمات صريحة ينصُّ فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنَّ طلحة والزبير بايعا طائعين غير مكرهين، يقول (عليه السلام): «..بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين»(107).

النصّ الثالث: من كتاب لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى طلحة والزبير، يحتجُّ فيه عليهما بشأن البيعة، يقول فيه (عليه السلام): «...فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا وتوبا إلى الله من قريب، وإن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية..»(108).

الدليل الثاني: وهو عبارة عن نصوصٍ تكشف وضوح طواعية البيعة عند المعاصرين للبيعة.

الشاهد الأول: معاوية بن أبي سفيان، في كتاب له إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيه: «... ولعمري ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ولا حجتك عليَّ كحجتك على طلحة والزبير لأن أهل البصرة قد كانوا بايعوك ولم يبايعك أهل الشام، وإن طلحة والزبير بايعاك ولم أبايعك»(109).

 هنا إقرار واضح من معاوية بأصل حصول البيعة من طلحة والزبير، وأمَّا استكشاف عدم الإكراه في البيعة، فهو عن طريق الإطّلاع على جوِّ هذا الكتاب؛ إذ أنَّه جاء ردّا على كتاب أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى معاوية، يحتجُّ فيه ببيعة طلحة والزبير بقصد إلزامه ببيعة القوم، فمعاوية إذن في مقام المحاجّة والإلزام، وقد اكتفى عند الجواب على ذلك بأنَّه وأهل الشام لم يبايعوه، فلو كان معاوية يعتقد بمسألة الإكراه لاحتجَّ بها، إذ أنَّ الجواب حينئذ يكون أقوى وأمضى.

الشاهد الثاني: الأحنف بن قيس، وقد لقي طلحة والزبير في المدينة، حيث سألهما من يبايع عند مقتل عثمان، قالا له: بايع علياً، وهذا يدل على أنَّهما كانا يرتضيانه ويقرَّان له بالبيعة، إذ من غير المعقول أن يأمران الأحنف بشيء بمحض إرادتهما وهما كارهان له، ولذلك لمَّا سمع الأحنف خلافهما على علي (عليه السلام) احتجَّ عليهما بدعوتهما له ببيعة علي (عليه السلام)، فأين هذا من ذاك، فأقرّا بذلك، إلّا أنَّهما برَّرا قيامهما بأنَّ علياً (عليه السلام) قد بدَّل وغيَّر(110).

الشاهد الثالث: قيس بن سعد، وقد قام خطيباً في الكوفة للدَّعوة إلى الانضمّام لصفِّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: "... فكيف في الحجَّة على طلحة والزبير؟ وقد بايعاه طوعاً ثم خلعا حسداً وبغياً»(111).

الدليل الثالث: ضعف الروايات النافية لأصل حصول البيعة، أو الدالَّة على وقوعها مع الإكراه، ومع التنزّل والتسليم بصحتها، فإنَّها لا ترقى لمعارضة الروايات المثبتة لحصول البيعة عن طوع؛ وذلك لكثرتها إلى الحدِّ الذي يمكن أن نطمئن ببلوغها حدَّ التواتر، يقول ابن أبي الحديد: "اختلف الناس في بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالذي عليه أكثر الناس وجمهور أرباب السِّير أنّ طلحة والزبير بايعاه طائعين غير مكرهين، ثم تغيّرت عزائمهما، وفسدت نيّاتهما، وغدرا به"(112).

ويكفي في نفي وقوع الإكراه في البيعة ورد كل الروايات الموضوعة في ذلك القول بأن سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في من لم يبايع، تُكذّب أن يقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) بيعة أحد مكرها، فقد أبى البيعة عدَّة ممّن كان حاضرا في المدينة، كحسان بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم(113).

ولم يجبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أحداً منهم على البيعة، يقول ابن أبي الحديد: "فأمر بإحضار عبد الله بن عمر، فقال له: بايع، قال: لا أبايع حتى يبايع جميع النَّاس... فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين إنَّ هذا قد أمِنَ سوطك وسيفك، فدعني أضرب عنقه، فقال: لست أريد ذلك منه على كُرْه، خلُّوا سبيله"(114).

 ولذلك فإنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) احتجَّ على طلحة بذلك، لمّا قال له: بايعتك والسيف في عنقي. فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام): ألم تعلم أني ما أكرهت أحداً على البيعة، ولو كنت مكرهاً أحداً، لأكرهت سعداً وابن عمر ومحمد بن مسلمة، أبوا البيعة، واعتزلوا، فتركتهم(115).

الدليل الرابع: ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد -صلّى الله عليه وسلم-، وبمجيء ناقته، تفضلاً من الله، وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله، فقال: يا هذان، إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، أمرنا بقتال ثلاثة مع علي، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم أهل الجمل طلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم -يعني معاوية وعمرو- وأما المارقون فهم أهل الطرقات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله لا أدري أين هم، ولكن لا بد من قتالهم...(116).

 فإنَّه بعد ثبوت أنَّ مقصود النبي (صلّى الله عليه وآله) بالنَّاكثين أصحاب الجمل، باعتبار نكثهم بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومقصوده بالقاسطين أهل صفين، ومقصوده بالمارقين الخوارج(117)، نقول: أنَّ لفظة النكث تستبطن في مكنونها سبق استحكام البيعة والعهد، وإلّا فإنَّ مجرَّد نقض البيعة بعد أخذها عن كره، لا يصدق معه القول بالنَّكث؛ إذ أنَّ بيعة المكره ساقطة لا اعتبار لها.

ومن هنا أمكننا القول، أنَّ بيعة مثل طلحة والزبير لو لم تكن عن طوع، لما صحَّ وصم النبي (صلّى الله عليه وآله) لهما ولأصحاب الجمل بالنَّاكثين، وبعد ثبوت الحديث وثبوت أنَّ المقصود بالنَّاكثين هم أصحاب الجمل، فلا محيص من القول بأنَّ البيعة قد أُخذت عن طوع ثم نكثت.

 وكيفما كان فإنَّ مثل الزبير مؤاخذ على كلا الاحتمالين، فإن كان قد بايع طائعاً؛ فذنبه نكثه البيعة وقيامه على إمام زمانه، وإن لم يكن قد بايع أصلاً، أو كان بايع مكرهاً أو كارهاً؛ فقد خالف وصية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو ممّن شهد الغدير وروى حديثه.

المطلب الثاني: دور ابن الزبير قبل الحرب

رغم عدم ظهور عبد الله بن الزبير كلاعب أساسيٍّ في حرب الجمل، كما اشتهر أبوه وطلحة وعائشة، إلّا أنَّ الدور المحوري الذي لعبه، لم يكن يقل أهمية عن الأدوار التي لعبها الثلاثة، فابن الزبير كانت له بصماته الواضحة والمؤثرة في مسار الحركة وديمومتها، وفي أكثر من مفصل من المفاصل الخطيرة التي مرَّت بها حرب الجمل، لذا سنحاول في هذا المطلب أن نسلّط الضوء على بعض الأدوار التي قام بها ابن الزبير قبل الحرب.

أوّلاً: دوره في فتنة عثمان:

كان رأي ابن الزبير مختلفا عن أبيه في عثمان، لذا فإنَّ موقفه كان منسجما مع رأيه، حيث كان عثماني الهوى، وضلَّ كذلك إلى حين خلافته ومماته، وكان من القلائل الذين صمدوا يوم الدار، مستميتين في الدفاع عن عثمان والذبِّ عنه، حتى جرح حينها عدَّة جراحات(118)، ولعلَّ هذه الاستماتة في الدفاع، وإظهار النصرة، يفسرها طموح ابن الزبير وشغفه بتقلّد الخلافة، ولذلك فإنَّه ادَّعى حينها أنَّ عثمان عهد إليه بالخلافة!!(119) وقد أصرَّ على ذلك مدَّة من الزمن، منازعا أباه وطلحة في ذلك بادّعاء وصية عثمان فيه(120).

ثانياً: دوره مع عائشة:

كان أكبر دور لعبه ابن الزبير في حرب الجمل، هو التأثير على عائشة، من خلال صياغة مواقفها وآراءها، عبر عدَّة محطات مفصلية مرَّت بها حرب الجمل، وذلك باعتبار القرب النسبي الذي كان يربطه بها كونه ابن أختها، مستغلا الحبَّ المنقطع النظير، الذي كانت تكنّه عائشة له؛ حيث لم تكن تهوى أحد بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر، كما تحبّ وتهوى ابن الزبير(121)، حتَّى كُنّيت بأمِّ عبد الله لشديد تعلقها به(122) وقربه منها، وقد حذَّرها أمير المؤمنين (عليه السلام) من أثر حبها لابن الزبير، الذي ينعكس على أعمالها التي تجرُّها إلى النَّار، عندما بعث إليها زيد ابن صوحان، وعبد الله بن عباس مذكّرا ومحتجّا، فقال، قولا لها: "... توبي إليه فإنه يقبل التوبة عن عباده، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحبُّ عبد الله بن الزبير على الأعمال التي تسعى بك إلى النار"(123)، وتمثّل دوره في التأثير عليها في محطتين مهمتين، ضَمِنَ من خلالهما أصحاب الجمل استمرار عائشة المسير معهم في الحرب.

المحطَّة الأولى: وكانت في مكَّة قبل الانطلاق إلى البصرة، حيث كان ابن الزبير الصلة الرابطة بين عائشة وأصحاب الجمل، وكان رسولا لطلحة والزبير في شأن دعوة عائشة للقيام معهما، بادعاء الطلب بدم عثمان، وإرجاع الأمر شورى، والإصلاح في أمَّة محمد (صلّى الله عليه وآله)، وقد أتقن ابن الزبير دوره في استمالة أمِّ المؤمنين، عبر تلاعبه بمشاعرها، بادعاء أنَّ القوم استتابوا عثمان، فلمّا تاب قتلوه صائماً في شهرٍ حرام!!(124)، وقد أرادت عائشة أن تضمَّ أمّ سلمة (رضي الله عنها) في صفها إلّا أنَّها أبت ذلك ورفضت، بل وحذَّرت عائشة من عواقب الخروج على أمير المؤمنين، (عليه السلام) وذكَّرتها بمواقف عدَّة، كان من ضمنها قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أيتكن صاحبة الجمل الأريب، تنبحها كلاب الحوأب؟ يقتل من يمينها ويسارها قتلى كثير، وتنجو بعد ما كادت تقتل»(125)، وقد لانت عائشة وأذعنت، لِما سمعته من عظيم نصح أمِّ سلمة (رضي الله عنها)، حتَّى خرج رسولها فنادى في الناس، من أراد أن يخرج فليخرج، فإنَّ أمَّ المؤمنين غير خارجة، فدخل عليها عبد الله بن الزبير، فنفث في أذنها وقلبها في الذروة، فخرج رسولها ينادي، من أراد أن يسير فليسر، فإنَّ أمَّ المؤمنين خارجة!!(126).

المحطَّة الثانية: وكانت في طريقهم إلى البصرة، فلمَّا سمعت عائشة نباح كلاب، سألتهم: أيّ ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، فقالت: {إنَّا لله وإنا إليه راجعون}، إني لهيهْ، قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول وعنده نساؤه: «ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب»، فأرادت الرجوع فثناها عبد الله بن الزبير وقال: كذب من قال إنَّ هذا الحوأب، ثم قال: النجا النجا، هذا جيش علي بن أبي طالب قد أقبل، فاكملت المسير واتّجهت معهم نحو البصرة(127)، ويذكر أنَّه بالإضافة لما قام به ابن الزبير، فقد لفّق أبوه وطلحة خمسين أعرابياً جعلا لهم جعلاً؛ ليحلفوا لعائشة أنَّ هذا الماء ليس الحوأب!! (128).

 ولم يكن خافيا على مثل عبد الله بن عمر، الدور الضاغط الذي لعبه ابن الزبير في التأثير على عائشة، وصياغة مواقفها في الجمل، فقد سألته عائشة ذات مرة معاتبة له: "يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري، فأجابها قائلا: رأيت رجلاً قد غلب عليك، ورأيتك لا تخالفينه-يعني بذلك عبد الله بن الزبير-"(129).

وقد حمَّل مالك الأشتر عبد الله بن الزبير، مسؤولية مسير عائشة إلى البصرة لمّا قال: "إنَّ ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج"(130).

ولسنا عند سوق هذه الشهادات، بصدد تبرأة ساحة عائشة من ذنبها الذي اقترفته، بقدر ما نريد توضيح مدى الدور الذي كان منوطا بابن الزبير في حرب الجمل، وأمَّا ما قامت به عائشة من ذنب، فهو ذنب لا يمحوه ماء البحر، كيف لا وقد خالفت ما أمرت به من صون حجابها بأن تقرَّ في بيتها، كيف لا وهي لم تذعن لتحذير رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، عندما حذّرها أن تكون هي من تنبحها كلاب الحوأب، وقد بالغ أمير المؤمنين (عليه السلام) في نصحها، وإقامة الحجَّة عليها، حتَّى ترعوي، إلّا أنَّها أبت إلّا المسير في غيِّها وضلالها، متَّبعة هواها في المسير مع ابن الزبير.

ثالثاً: الدَّور القيادي لابن الزبير:

 يتجلَّى الدور القيادي لابن الزبير لمَّا أمَّ أصحاب الجمل في الصلاة، وذلك بعد أن اختلف طلحة والزبير، وابناهما عبد الله ومحمد في أمر الصلاة، فكلٌّ من طلحة والزبير قد كان يتنافسان من أجل إمامة الصلاة، ولم يكن هدف هذا الصراع كما هو واضح لمجرد إمامة الصلاة، وإنَّما كانت هناك أبعاد أخرى كان يعيها هؤلاء في أنَّ إمامة الصلاة قد تعني إمامة المسلمين والتسليم بالإمرة، وهذا ما دفع عائشة إلى المسارعة بالتدخل لفضِّ النزاع، وحينها أمرت ابن الزبير أن يتقدم لإمامة الصلاة، يقول ابن الأثير في الكامل: "أذّن مروان، ثمَّ جاء حتَّى وقف على طلحة والزبير فقال: على أيّكما أسلِّم بالإمرة وأوذّن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله، يعني أباه الزبير. وقال محمد بن طلحة: على أبي محمد، يعني أباه طلحة. فأرسلت عائشة إلى مروان وقالت له: أتريد أن تفرّق أمرَنا! ليصلِّ بالناس ابن أختي، تعني عبد الله بن الزبير...فكان معاذ بن عبيد يقول: والله لو ظفرنا لاقتتلنا، ما كان الزبير يترك طلحة والأمر، ولا كان طلحة يترك الزبير والأمر(131)، وهنا يتضح أنَّ ابن الزبير لم يكن شخصية ثانويَّة في صفوف أصحاب الجمل، وإنَّما كان له دور كبير في تذليل العقبات التي كانت تواجه جماعته، وليس بدعا أن نضع ابن الزبير في صفِّ عائشة وطلحة والزبير ضمن الشخصيات الرئيسة المؤثرة في مسار حرب الجمل.

المرحلة الثانية: دور الزبيريين أثناء الحرب:

المطلب الأوّل: دور الزبير بعد أوبته

رغم انسحاب الزبير من الحرب، ومعرفته بأنَّه وأصحابه على خطأ واشتباه، إلّا أنَّه أوصى ابنه في الاستمرار مع حزبه من أصحاب الجمل، يقول ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: "ثم قال لابنه عبد الله: عليك بحزبك(132)، أمَّا أنا فراجع إلى بيتي"(133)، وهذا يعني أنَّ رجوع الزبير لم يكن توبة ورجوعاً كاملاً عن الخطأ، فإصراره على لعب دور في استمرار الحرب وبقاءها، رغم تذكير أمير المؤمنين (عليه السلام) إياه بقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لا يمكن فهمه إلّا في إطار مواصلة الحرب والشقاق، مع فرق عدم المباشرة.

المطلب الثاني: دور ابن الزبير أثناء الحرب

 تمثَّل دور ابن الزبير في أثناء الحرب بمواصلة القتال إلى آخر رمق المعركة، وكذلك قيادة أصحاب الجمل بعد رجوع أبيه ومقتل طلحة، بالإضافة إلى المساهمة في إرجاع أبيه إلى القتال، وذلك بعد أن نوى الانسحاب من المعركة عندما ذكّره أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديثٍ له مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إلّا أنَّ ابن الزبير أبى إلّا أن يتيه بأبيه في الضلال، فأمره بالتكفير بعتق أحد عبيده، وذلك لأنَّ الزبير حلف لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن لا يرجع لحربه، ففيما رواه الطبري عن قتادة قال: فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح فقيل لعلي هذا الزبير، قال: «أما إنَّه أحرى الرجلين إن ذكّر بالله أن يذكره...» فلمّا اختلفت أعناق دوابهم قال علي: «يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه، فقلتَ: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: صه إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم!»(134)) فقال: اللهم نعم، ولو ذكرت مسيري هذا والله لا أقاتلك أبداً.

 ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا! قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم أذهب فقال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين حتى حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب! أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد قال: إني قد حلفت ألا أقاتله وأحفظه ما قال له: فقال: كفر عن يمينك وقاتله فدعا بغلام له، يقال له مكحول(135)، فأعتقه.

فقال عبد الرحمن بن سليمان التيمي:

لم أرَ كاليوم أخا إخوان

                        أعجب من مكفر الأيمان         

 

                           بالعتق في معصية الـرحمـن(136)

 

(يأتي القسم الثاني والأخير في العدد القادم إن شاء الله تعالى)

 

* الهوامش:

(1) البحث هو اختصار رسالة تخرج للكاتب لمرحلة البكلريوس في جامعة أهل البيت (عليهم السلام)، وللتي نال فيها درجة امتياز.

(2) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1951.

(3) ابن هشام، السيرة النبوية، ج1، ص182، ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج2، ص111.

(4) المصدر السابق ص111.

(5) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص868.

(6) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج20، ص45.

(7) المصدر السابق ص46-47-48.

(8) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص255.

(9) الفراهيدي، الخليل، كتاب العين، ج3، ص213-214.

(10) الزّحيلي، وهبة، آثار الحرب، ص48.

(11) الظالمي، محمد، من الفقه السياسي في الإسلام، ص15.

(12) العاملي، زين الدين، شرح اللمعة الدمشقية، ج2، ص15.

(13) العاملي، زين الدين، شرح اللمعة الدمشقية، ج2، ص16.

(14) العاملي، زين الدين، شرح اللمعة الدمشقية، ج2، ص31.

(15) ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، ج2، ص361.

(16) الدّميري، كمال الدين، حياة الحيوان الكبرى، ج1، ص190.

(17) المصدر السابق ص192.

(18) ابن منظور، جمال الدين، لسان العرب، ج2، ص262.

(19) الدّميري، كمال الدين، حياة الحيوان الكبرى، ج1، ص191.

(20) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، ص751.

(21) المصدر السابق ص750.

(22) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص158.

(23) الغروي، محمد، موسوعة التأريخ الإسلامي، ج4، ص325.

(24) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، ص759.

(25) الغروي، محمد، موسوعة التأريخ الإسلامي، ج2، ص218-219-241-242، ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1874.

(26) يلتقي مع عثمان في الجدِّ الرابع.

(27) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج6، ص2158.

(28) ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، ج3، ص298.

(29) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، ص759.

(30) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص487.

(31) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص165.

(32) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج3، ص17.

(33) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص485.

(34) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، ص764.

(35) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج8، ص188.

(36) المصدر السابق ص222.

(37) للإستزادة في هذا الحقل انظر موسوعة الغدير، ج8، ص143إلى334.

(38) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص838.

(39) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص175.

(40) المصدر السابق ص176.

(41) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص19.

(42) المصدر السابق.

(43) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص297.

(44) الري شهري، محمد، موسوعة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ج2، ص200.

(45) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص175، الأميني، موسوعة الغدير، ج9، ص298.

(46) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص19.

(47) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج9، ص140.

(48) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، ص799.

(49) المصدر السابق.

(50) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص493.

(51) المصدر السابق ص484.

(52) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص101.

(53) ابن الأثير، علي، الكامل في التأريخ، ج2، ص554، الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص825-826، المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص4.

(54) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص148.

(55) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج7، ص18.

(56) المصدر السابق.

(57) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج7، ص20.

(58) مجموع سِني خلافة عمر وعثمان.

(59) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص128، وله خطبة في نهج البلاغة يجيب عليهما فيها لمّا استعتباه في شأن الأسوة في المال وعدم المشورة.انظر شرح نهج البلاغة للمعتزلي، ج11، ص4.

(60) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص132.

(61) الكهف:51.

(62) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص176إلى179.

(63) يقتضيها السياق.

(64) في المصدر "تنسق".

(65) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب،ج3، ص226، ومثله مع اختلاف في مروج الذهب للمسعودي، ج2، ص512.

(66) ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص1935، تاريخ الطبري، ج3، ص826، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج11، ص5، وأُشير عليه كذلك توليتهما اليمن والبحرين، أو الكوفة والشام.

(67) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص115.

(68) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج7، ص21.

(69) المصدر السابق ج6، ص106.

(70) كعبد الله بن عامر والي البصرة، ويعلى بن منية والي اليمن.

(71) وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج2، ص296: "«والله ما تريدان العمرة وإنما تريدان البصرة»، وفي رواية: «إنما تريدان الفتنة»"،وفي بحار الأنوار للمجلسي، ج8، ص43: «والله ما تريدان العمرة وما تريدان إلا نكثا لبيعتكما وإلا فرقة لأمتكم».

(72) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص115.

(73) المصدر السابق ص116.

(74) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص182، المسعودي، علي، مروج الذهب للمسعودي، ج2، ص498.

(75) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص857-860-868، ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1943، ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص181

(76) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص864، المسعودي، علي، مروج الذهب للمسعودي، ج2، ص498، بينما حدّد اليعقوبي أكثر فذكر أن مدة الحرب كانت أربع ساعات من النهار، انظر تاريخ اليعقوبي، ج2، ص183.

(77) اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص182،الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص854-871، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص509، المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص79، ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص190.

(78) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص856.

(79) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص115.

(80) الري شهري، محمّد، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ج3، ص66.

(81) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص835.

(82) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص502.

(83) المعتزلي، شرح النهج، ج1، ص123، المسعودي، مروج الذهب، ج2، ص509.

(84)تاريخ الطبري، ج3، ص856-857، ابن كثير، البداية والنهاية7، ج7، ص1944.

(85) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص79.

(86) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص504.

(87) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1946.

(88) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص869، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص511، ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1948، وفي موسوعة الإمام علي بن أبي طالب للري شهري عن العقد الفريد والكامل في التأريخ، ج3: ص72.

(89) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص190.

(90) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1948، الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص869.

(91) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص190، المجلسي، بحار الأنوار، ج8، ص79.

(92) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص869.

(93) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص511.

(94) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج1، ص116.

(95) الري شهري، محمد، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ج3، ص73.

(96) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص185.

(97) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص507.

(98) المصدر السابق ص506.

(99) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص868، اليعقوبي، أحمد، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص183، ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج7، ص1951، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص506، ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص185.

(100) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص866.

(101) ليس غريبا على الزبير ابن بكّار الدفاع عن أجداده، إذ أنَّ نسبه يرجع إلى الزبير.

(102) انظر تاريخ الطبري للطبري، ج3، ص826، شرح نهج البلاغة للمعتزلي، ج4، ص4.

(103) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص855.

(104) المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص507.

(105) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج9، ص20.

(106) المصدر السابق ج14، ص3.

(107) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج17، ص149.

(108)نفس المصدر ص64.

(109) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج8، ص287.

(110) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص853-854.

(111) الأميني، عبد الحسين، موسوعة الغدير، ج2، ص126.

(112) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج4، ص4.

(113) المجلسي، بحار الأنوار، ج8، ص4، المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج4، ص5.

(114) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج4، ص5.

(115) الدّينوري، عبد الله، الإمامة والسياسة، ج1، ص95.

(116) الخطيب البغدادي، أحمد، تاريخ بغداد، ج11، ص128.

(117) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص126.

(118) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج2، ص808.

(119) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج10، ص116.

(120) المصدر السابق ج2، ص79.

(121) ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج8، ص2315.

(122) المصدر السابق ج5، ص1415.

(123) الري شهري، محمد، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب، ج3، ص195.

(124) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص73.

(125) ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص176.

(126) المجلسي، محمد، بحار الأنوار، ج8، ص70.

(127)تاريخ الطبري، ج3، ص837، 842، ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص1937.

(128) المسعودي، مروج الذهب، ج2، ص502،شرح نهج البلاغة، ج9، ص145-146.

(129) المعتزلي، عز الدين، شرح نهج البلاغة، ج20، ص44.

(130) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص862.

(131) ابن الأثير، علي، الكامل في التأريخ، ج2، ص572، الطبري، محمد، ج3، ص836.

(132) وفي بعض النسخ عليك بحربك.

(133) الدّينوري، عبد الله، الإمامة والسياسة، ج1، ص93.

(134) قال النبي (صلّى الله عليه وآله) هذه العبارة للزبير: «لتقاتلنه وأنت له ظالم»، في مكانين مختلفين على الأقل، فمرة قالها عند مرورهما في بني غنم كما هو في المتن، وأخرى قالها في سقيفة بني ساعدة وقد سأله النبي (صلّى الله عليه وآله): «أتحبه يا زبير؟» فقال: وما يمنعني؟ قال: «فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟». انظر البداية والنهاية لابن كثير، ج7، ص1945.

(135) وقيل سرجس، انظر تاريخ الطبري للطبري، ج3، ص858، وكذا البداية والنهاية لابن كثير، ج7، ص1945.

(136) الطبري، محمد، تاريخ الطبري، ج3، ص855-858، المسعودي، علي، مروج الذهب، ج2، ص505-506، ابن كثير، عماد الدين، البداية والنهاية، ج6، ص1635-1636،1945،ابن شهر آشوب، محمد، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص181.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا