قال تعالى: { أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ}(1)
هناك نظريتان للرؤية الكونية:
الأولى: عالم الوجود حقيقة.
الثانية: عالم الوجود وهم وخيال وهي النظرية السوفسطائية.
أولاً نتكلم في النظرية الثانية جواباً فقط، لعدم الجدوى من ذكر استدلالهم، وبإبطالها يتضح لنا صحة النظرية الأولى.
الدليل على إبطال مذهبهم هو بأن تعاملهم يدل على وجود الحقيقة فإنهم إذا جاعوا أكلوا وإذا تعبوا ناموا وإذا مرضوا تداووا.... الخ، فهذا دليل على بطلان مُدّعاهم، وإن أبوا فإنهم مرضى وعجز عن شفائهم الدواء وآخر الدواء هو الكي " كما يقال " ليفيقوا من وهمهم....
وبهذا يتضح أن العالم له حقيقة، ولكن بعد اتضاح هذا المطلب، نواجه مشكلة أخرى، وهي الاختلاف في الإدراك.
هل إننا ندرك الحقيقة كما هي أم لا ؟؟؟ فهنا نظريتان:
نظرية اليقين.... ونظرية الشك...
نبدأ بنظرية الشك وبطلانها يؤدي إلى صحة نظرية اليقين.
* نظرية الشك:
هذه النظرية عبارة عن سفسطة ولكن بصورة جديدة، وإن زعم أصحابها أنها طريقة وسطى بين السفسطة والفلسفة "أصحاب نظرية اليقين" طرح أصحاب نظرية الشك شبهات على الإدراك وتوصلوا من خلالها بأن إدراك الحقيقة لا يمكن.
الشبهة الأولى: خطأ الحواس وهي بأن الحواس لا ترى ما هو الواقع، فمثلاً البصر يرى العصا في الماء مكسورة وفي الخارج مستقيمة، وحاسة اللمس اذا وضع أحدهم يده في ماء بارد واليد الأخرى في ماء ساخن ثم وضعهما في ماء دافئ فإن كل يد تعكس حرارة الماء غير ما تعكسه الأخرى وقس على ذلك بقية الحواس.
والجواب بوجهين:
الوجه الأول: وهو نفس الجواب الذي أجيب به على السوفسطائيين وهو تعامل بني البشر ومن ضمنه الشكاكين والسوفسطائيين، فإنهم يتعاملون تعامل من يعترف بوجود حقيقة كما أسلفنا سابقاً وهذا التعامل قد ولد بواسطة الحواس.
الوجه الثاني: هو اهتداؤهم إلى أن الحواس تخطئ فلابد لهذا الاهتداء من سبب، فإن كان العقل فهم ينكرونه وإن كان شئ آخر فلابد أن يبينونه وإن كان الحواس فيبطل مايقولونه.
الشبهة الثانية:
خطأ العقل:
ودليلهم على خطئه، أن الأدلة والبراهين العقلية لو كانت نافعة لنفعت عشاقها وأنقذتهم من الغرق في بحر الأوهام وجنبتهم الأغلاط، والجدال بينهم قائم على قدم وساق. إذن لا يطمئن الإنسان إلى ما يقف عليه عن طريق العقل.
الجواب أن ما ذكروه في حد ذاته استدلال عقلي يحتاج إلى مقدمات وينتهي إلى نتيجة.
* نظرية اليقين:
وهي أن كل ما يدركه الإنسان له واقع في الخارج، ومنهج هذه النظرية يعتمد على أصلين:
الأول: وهو أن وراء الذهن والذهنيات واقعيات خارجية.
الثاني: أن كل إنسان قادر بحسب ما جهز من أدوات المعرفة على إدراك هذه الواقعيات.
ولفلاسفة الإسلام دور كبير في تشييد هذا المنهج.
بعد إثبات وجود حقيقة لعالم الوجود وإمكان إدراك هذه الحقيقة. هل هناك حقيقة وراء حقيقة الوجود ؟؟؟ هنا نظريتان: نظرية تقول بوجودها والأخرى تنكرها.
نبدأ أولاً بالنظرية المنكرة: وهي تقول بأن هذا العالم مادّي ونظامه خواص لهذه المادة، فمثلاً يرون التفكير الذي هو مجرد عن المادة هو تفاعل للمادة. أما النظرية التي تقول بوجود حقيقة وراء حقيقة الوجود، هذه النظرية في الواقع تنقسم إلى نظريتين.
الأولى: نظرية تقول بأن وراء هذا العالم حقيقة واحدة ومُؤثّر واحد والأخرى ترى أكثر من مُؤثّر.
البرهان: ونكتفي بذكر واحد:
وهو برهان النظم: لو نظر أي إنسان إلى نظام هذا العالم لرآه منظم ومنسق فالشمس تشرق كل يوم وتغرب فيتشكل الليل والنهار والقمر ينزل منازله كل شهر وغيرها من النظم. هذا النظام هو نظام واحد ولا يصدر إلا من واحد، لأن المؤثر في هذا العالم إذا كان أكثر من واحد فلابد أن تغلب قدرة أحدهما على الآخر. وهذا النظام لا يعود إلى المادة كما زعم الماديون لأن المادة مجردة لا يمكن أن يصدر منها هذا النظام لاستلزام التناقض. فلو أن خاصية مادة الشمس أن تغرب فلابد أن تغرب دائما ً ولا تعود للشرق لأن خاصيتها هكذا.
تتمة:
إذا اعترفنا بوجود النظام التكويني في الكون واعترفنا بأن له منظم واحد، فلابد أن نعترف بوجود نظام تشريعي واحد يتمثل في النظام التشريعي للإسلام لأن لو كان هناك نظام تشريعي آخر فلابد أن يصدر هذا التشريع ممن له اطلاع على ما في أسرار الكون ليضع تشريعاً يناسب الإنسان ولا يلحق ضررا ً بالكون والكل يعلم بأن البشر يجهل الكثير من أسرار الكون. فكيف يضع البشر قانونا لبشر آخر مع عدم علمهم بأن هذا القانون ينفعهم أم لا ؟؟وحتى لو تنزلنا وقلنا أن البشر قادرون على وضع القوانين لتسيير الحياة، إلا أننا نرى هذه القوانين متضادة فالغرب لا يقرون بما يقوله الشرق وبالعكس، فلابد لهذا المنظم أن يضع قانون للتشريع وعلى كل إنسان التسليم به والانقياد إليه دون اعتراض....
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين...
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد
* الهوامش:
(1) سورة الغاشية: 17- 21.
0 التعليق
ارسال التعليق