الخطابة الحسينية حوار مع سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ ملا حسن الديهي(1) (حفظه الله)

الخطابة الحسينية حوار مع سماحة الشيخ عبد الله بن الشيخ ملا حسن الديهي(1) (حفظه الله)

لا يخفى على أحد ضرورة الجانب الإعلامي التبليغي عند كل مذهب فكري، فهو يحتاج إلى المادة الرصينة القابلة للترويج وإلى الفن الذي به يحصل ذلك الترويج، وتختلف الأساليب في المجتمعات والعصور وتتفق في الأسلوب الأكبر المؤثر وهو أن يخاطب الفرد جماعة تقابله وهذا ما يحتاج إلى نظر وتأمل إذ لن يؤثر هذا المخاطِب في المخاطبين إلا إذا تحصّل على ملكة التأثير وحصول الملكة تحتاج إلى ممارسة واعية ومدروسة وإلا فلن يوفّق إلى ذلك.

وبما أن شهر المحرّم مُقبل على الأبواب، ارتأت المجلة ان تجرى حواراً مع أحد خطباء المنبر الحسيني وهو سماحة الدكتور الشيخ عبدالله الديهي، آملين في إثراء هذا العنوان بتسليط الضوء على بعض جوانبه المختلفة.

■ كيف نعدّ المحاضرة الخطابيّة؟

● بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

أشكر القائمين على هذه المجلّة الواعدة، والتي أرجو أن تكون رائدة، متمنيًّا للقائمين عليها دوام التوفيق.

قبل الجواب على سؤالكم أوّلاً: أورد على العنوان (المحاضرة الخطابيّة)، أنا أميل إلى تسميتها بـ(المجلس الحسيني) أو (المجالس الحسينيّة) اقتداءً بتسميتها من قبل الإمام الصادق (عليه السلام)، كما ورد أنّه (عليه السلام) قال لفضيل بن يسار: «أتجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم جُعلت فداك، قال (عليه السلام): إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، يا فضيل: رحم الله من أحيا أمرنا...»(2).

وثانيًا: أتعرّض إلى تعريف المجلس الحسيني، وتعريف التحضير للمجلس الحسيني.

1- تعريف المجلس الحسينيّ: هو المجلس الذي يشتمل على ما يلي:

أ- الديباجة، وتشمل: البسملة، والصلاة على محمد وآل محمد، وخصوص السلام على الحسين بن عليّ وأولاده وخصوصًا قائم الحجج (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)؛ لربط المستمع دائمًا بإمام زمانه. ويختم الديباجة بقوله: (يا ليتني أو يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزًا عظيمًا، يا غريب يا مظلوم كربلاء).

ب- قصيدة عربيّة في المناسبة -في النبي وآله-، وتتعرض إلى مصائبهم (عليهم السلام).

ج- الموضوع: يُفتتح موضوع البحث بآية، أو رواية، أو كلمة مأثورة، أو شعر، يبحثه بشكل كامل مفصل.

د- ويخرج متسلسلاً نحو مصيبة سيد الشهداء (عليه السلام)، أو صاحب الذكرى، مختتمًا المصيبة بأبيات (عربية أو تخميس) تليها أبيات نبطيّة (شعبيّة) بأطوار تتناسب مع البلد، أو المستمعين، أو المصيبة، ثمّ يختم -بصوت خافت- ببيت من الشعر في المناسبة، والدعاء وطلب الفاتحة للأموات والشهداء والعلماء والصالحين من الأمّة.

2- تعريف تحضير المجلس الحسينيّ:

هو تشخيص الموضوع المراد الحديث عنه ثمّ تنقيطه وبحثه حسب مصادره، والحديث عنه بكلّ جوانبه وما يحتاج من آيات وروايات وأحداث وأشعار وأمثال وقصص، وما يتعلق بالجوانب العلميّة، والعقائدية، والفقهية، والاقتصادية، والأخلاقية، والاجتماعية، حسب الموضوع والمناسبة.

3- كيفية تحضير المجلس الحسينيّ:

أوّلاً: من تعريف المجلس الحسيني يُمكن أن يُقال بأنّ أوّل شرط لنجاح المجلس الحسيني تشخيص موضوعه، فمن دونه سيكون (الخطيب الحسينيّ) ضائعًا.

ثانيًا: كما يُمكن أن يكون التفكير الجادّ الهادف في الموضوع وتسجيل أيّة نقطة يصل إليها التفكير من مقدمات التحضير، فقد ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): «فكّر ثم تكلّم تسلم من الزّلل)(3).

إنّ التركيز على تحديد الهدف من المجلس الحسيني هو البوصلة التي تهديك إليه، فإنّ من لم يُحدّد هدفًا، ولا يدري ماذا يريد أن يقول، وأيّة مواد يُبنى عليها مجلسه الحسيني، يكون فكره قلقًا، وذهنه مشتّتًا مضطربًا -أشبه بأعمى يتلمّس طريقه عند المشي، ولا يدري إلى أين يؤدي به المسير، وماذا سيواجه من مطبّات-، ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): «قدّر ثمّ اقطع، وفكّر ثمّ انطلق، وتبيّن ثمّ اعمل»(4).

ثالثًا: اِسأل عن أهمّ المواضيع المحتاج إليها، وأنت بنفسك تحقّق (وتحسّس) ذلك.

واسأل عن موضوعك (وخصوصًا) من المختصّين في كلّ جنبة من جنبات موضوعك كلٌّ في اختصاصه، ولا تتكلّم كمختصّ في الموضوع، بل اجعل ذلك مثريًا لموضوعك، فقد ورد عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «من شاور الرّجال شاركها في عقولها»(5)، ومن حكم الشيخ البهائي (قدِّس سرُّه): "غلبت كلّ ذي علوم، وغلبن كلّ ذي علم"، يعني: أنا مثقف وعندي اطلاعات عامة عن كافة العلوم، لكن لستُ متخصّصًا فيها، فإذا جاء مورد الاختصاص فارجع لذي الاختصاص، ولا عيب في ذلك، بل هي حسنة وتواضع منك.

رابعًا: حاول أن تجمع في كلّ مسألة من موضوعك (أو كلّ عنصر من عناصره) بين مصدرين أو ثلاثة وخصوصًا في المسائل المختلف فيها فقهيّة، أو تفسيريّة، أو اجتماعيّة، أو سياسيّة...إلخ، والتوسع في المصادر يجعل الموضوع أكثر ثراءً وفائدة.

خامسًا: ركّز على وحدة موضوعك -وركز على الهدف منه-، فإنّ الإكثار من (الشيء بالشيء يُذكر) الملاحظ على (جملة) من الخطباء المجالس الحسينية، يشطّ بهم عن وحدة الموضوع والهدف منه.

سادسًا: تنظيم المواد (المستخرجة) من المصادر وتسلسلها من حيث الأهميّة، وعدم التعقيد، والأولويّة، [وهذا] يجعل الموضوع متكاملاً وأكاديميًّا، ويسهّل على المستمعين -بشتّى أفهامهم ومداركهم- على الاستيعاب والفهم.

فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «أحسن الكلام ما زانه حسن النظام، وفهمه الخاصّ والعام»(6).

سابعًا: الاطّلاع الواسع والمخزون الفكريّ للخطيب الحسينيّ له الأثر في إعداد وتلقيح وتنظيم واتّضاح الموضوع مع مراعاة ظروف المجلس (من حيث المستمعين) فقد ورد عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم»(7). 

ثامنًا: تلخيص الموضوع تلخيصًا شافيًا وافيًا لتنفذ منه إلى المصيبة المرادة بعد التمهيد المناسب.

■ ما هي أهم عوامل نجاح الخطيب الحسيني؟

● يمكن إرجاع عوامل نجاح الخطيب الحسيني إلى:

أولاً: العوامل الذاتية، والصفات السلوكية:

١- التوكّل على الله وطلب التوفيق منه.

٢- الثقة بالنفس والنجاح.

٣- أن يكون محبًا ومندفعًا ذاتيًا ورساليًّا لخدمة الحسين (عليه السلام) وأهدافه من خلال الخطابة الحسينية.

٤- أن يكون مؤمنًا بالفكرة والأفكار التي تكوّن المواضيع التي يطرحها.

٥- أن يكون متّصفًا بالشجاعة، والابتعاد عن القلق والخوف.

٦- أن يكون دعاء الخطيب الحسيني الدائم: (ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقه قولي).

ولا ينسَ في هذا الضمن التأهيل والأهلية، والإتقان للمهارة، والتمرين عليها، ووجود الأشياء المثيرة فيها.

٧- الصبر، العمل الخطابي شاقّ للغاية يحتاج إلى تطوير دائم، واستمرارية في العطاء، يحتاج إلى تحمل وصبر [وهذه الصعوبة] تبدأ بترتيب المجلس الحسيني، وحفظ نصوصه وشواهده، ومواجهة الجمهور المختلف في مشاربه وأفكاره، وربما انتقاداتهم، مواجهة أصحاب المذاهب المنحرفة، محاربة الظالمين، والمنافقين، الجد والاجتهاد لمتواصل والسهر الدائم، وفي كل هذا يحتاج إلى القاعدة [القائلة] واصبر على ما يقولون.

8- الصدق في العمل السلوكي بأن يكون نموذجا صالحاً في سلوكه قبل كلامه، والأخلاقي أما الإخلاص فهو جوهر العمل، وهذا يضفي نوراً على نفس الخطيب، وليتّخذ من الآية الشريفة منطلقا {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}(8) -وهذا لا يتنافى مع قبول الهدية، والأجر المادي حتى لو كان متفقا عليه كما هو الرأي الشرعي- فإن ذلك يدعو إلى الاقتداء بما يقول، وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «من نصب نفسه للناس إماما، فليبدأ بتعليم نفسه وتأديبها قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه...»(9).

والاطلاع المستمر الواعي، يقول أمير المؤمنين: لايزال العالم عالما ما طلب العلم، فإن قال إني علمت فقد جهل.

كن محباً لحديثك (لموضوعك) وللخطابة تكن بارعاً.

عدم اليأس من النجاح فإن تعثرت في بعض التجارب فكرر عدّة مرات، ولا تتردد يقول أمير المؤمنين: إذا خفت من شيء فقع فيه.

ومن يتهيّب صعود الجبال يعيش أبد الدهر بين الحفر، والشجاعة ضرورية بشرط أن لا تصل إلى التهور.

ثانياً: العوامل العلميّة والفكريّة:

1- لا شكّ في أنّ لسعة اطّلاع الخطيبن ومقامه العلميّ -وخصوصًا الدراسة الحوزويّة والأكاديميّة- لها أثرها الكبير في نجاح الخطيب الحسينيّ. وهنا لا بدّ من أن نؤكّد على الجانب الأخلاقي، وهو أن يعرف الخطيب حدّه ومدى معلوماته، فلا يطرق من العلوم في خطابته ما لا يقدر على إفهامه للمستمعين -يقول أحد أساتذتي (وهو الشيخ العلامة الباقري (رحمه الله): اِقرأ ما تفهم، وأفهِمْ ما تقول)-، وقد ورد عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): «هلك امرؤ لم يعرف قدره، وتعدّى طوره»، وفي رواية «رحم الله امرءا عرف قدره ولم يتعدّ طوره».

كما على الخطيب أن يتواضع إذا سئل عن شيء أن يقول: (الله أعلم)، فإنّ قوله لا أعلم نصف العلم، سئل الشعبي عن شيء فقال: لا أعلم، فقالوا له: ألا تستحي أن تقول لا أعلم؟ فقال: كيف أستحي ممّا لم تستحِ منه الملائكة؛ إذ قالوا: {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا}(10).

فالخطيب حتّى لو قضى عمرًا في الخطابة لا ضير أن يقول عن شيء: لم أره في بطون الكتب، أو لا أتذكر أنّي لمحته، أو لا أدري ماذا يقول فيه العلماء، وهكذا.

فإن الخطيب يواجه ثلاثة أخطار: خطر الغرور العلميّ، وخطر الشهرة (المدح والثناء)، وغرور الشباب (إذا كان شابًّا).

2- وهنا أركّز على تقوية الجانب الأدبي واللغويّ (الدائم) عند الخطيب الحسيني، فإنّ الخطابة المراد منها إفهام المستمعين، وهذا يحتاج إلى أدب ولغة توصل المادة بأسلوب جميل ولغة سهلة إلى مستمعيها.

3- إنّ في التجارب علمًا مستأنفًا: التجربة الشخصيّة (المستمرّة) علم، والاستفادة من تجارب الآخرين (ضمّ علم إلى علم)، لكنّ (التقليد) و(الاعتماد) على الآخرين يشلّ من إبداع الخطيب (نعم الاقتباس مع الإشارة إليه تصريحًا (قال فلان العالم، أو في الكتاب الفلانيّ)، أو تلميحًا (أحد المعاصرين، أو جاء في بعض الكتب، إلخ...)، فهي أمانة علميّة أوّلاً، واستقلاليّة في الخطيب ثانيًا.

ثالثاً: عوامل ظاهريّة (أو سمّها صفات بدنيّة):

فإنّ للمظهر الخارجيّ للخطيب الحسينيّ وملاءمته مع المناسبة له أثر كبير في نجاحه وتأثيره، فمثلاً في أيّام المحرّم الحرام وخصوصًا في العشرة الأولى أن يكون مبرقعًا بالسواد) وفي غيره اللباس الجميل المهاب، والطهارة (الظاهريّة) الوضوء، مع الطهارة الباطنية (الإخلاص).

كما أنّ لجلسة الخطيب: أثرها لكن لا بشكل يثير الجمهور، والحركة يجب أن يُراعي فيها الخطيب الدقّة في حال التصوير (فإنّ لها الأثر الإيجابيّ أحيانًا، وربّما السلبيّ أخرى).

كما أنّ للسان الخطيب أثره البالغ فإنّ جمال الرجل فصاحة لسانه، وهو الناطق الرسميّ عن أفكاره ومعلوماته، فيراعي فيه الفصاحة والبلاغة والأدب والرفق والصدق، وابتعاده عن الفحش، والوضوح، والابتعاد عن المصطلحات المعقّدة، وإذا جاء بمصطلح فليعرّفه للمستمعين بما يتناسب مع أفهامهم (وليبتعد عن الأسلوب العلمي والبحث المعتمد في الحوزة وعند العلماء) كما أنّنا يجب ألا نبتعد عن اللغة الفصيحة، نعم اللغة الغريبة منها (شعبيًّا) للإيضاح لا بأس به، فإنّ من مقاصد المجلس الحسينيّ تحسين لغة المستمعين والارتفاع بها إلى اللغة العربيّة الفصيحة التي هي لغة القرآن والحديث.

فالجمال اللفظي ضرورة دون تكلّف، ومع الاستمراريّة في الخطابة سيكون مالكًا للكلام لا مملوكًا له، يقول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «ونحن أمراء الكلام، منّا تفرّعت فروعه وعلينا تهدّلت غضونه...»(11).

كما ينبغي أن يكون علم الخطيب زائدًا على نطقه، وعقله غالبًا على لسانه، وعليه أخيرًا أن يوازن بين حكمتين، الأولى: "خير الكلام ما لا يقلّ ولا يملّ"، والثانية: "خير الكلام ما قلّ ودلّ". (اختصار غير مخلّ، وإطناب غير مملّ).

رابعاً: العوامل الفنيّة:

1- أن يصنع لنفسه برنامجًا للتمرّن والاستعدادات المكتسبة.

2- الاستمرار في الفنّ الخطابي مع التجديد المستمر مع الحفاظ على الأصالة والمبدأية.

3- اختيار الموضوع المناسب، للوقت المناسب، وللجمهور المناسب.

4- المراجعة لموضوعاتها (فنيّاً وعلميّاً) والوقوف على نقائصها؛ لإخلالها والتثبيت والاستزادة من إيجابيّاتها.

5- الاستزادة من الحفظيّات نثراً وشعراً، كن حافظاً تكن خطيباً، لكن حفظ مع فهم (افهم ما تقرأ وتحفظ لتُفهم ما تقرأه على المستمعين)، وإذا حفظت شيئاً ففكّر فيه لتكون مبدعاً، فإنّ المبدع يزدحم حوله النّاس، وهذا لا يعني عدم الاستفادة من الآخرين (مع الاحتفاظ بالاستقلاليّة -كما سلف- فهي ضمّ وردة إلى حقل موضوعك، ولكلّ وردة عطر.

من الأمور التي واجهتني في أوّل مشواري في الخطابة أنّني في السنة الثانية لاستقلالي بالخطابة الحسينيّة قرأت في (المعامير) مع أستاذي العلامة الباقري -فهو أحد أساتذتي، وطبعًا أستاذي الرئيسي هو الوالد الملا حسن الديهي، والخطيب الشيخ أحمد الديهي (الأخ الأستاذ)-، قرأت معه في سنة واحدة في قرية واحدة فهبت ذلك فأتيته قائلاً له: أستاذي! يصيبني تهيّب من القراءة معك في بلدة واحدة، فقال بكلّ تواضع: يا بنيّ لكل وردة رائحة، وهذا أحد العوامل التي شجعتني على المضي قدُمًا في الخطابة الحسينية.

وهنا لا بد من التذكير بأنّ من فروع الحفظيات أنّها تكون عناصر للموضوع الذي يُراد التّهيؤ له، وهنا يجدر بنا أن ننوّه للتحضير المسبق -فإنّك كصاحب الدكان لا بدّ لك أن تهيّأ البضاعة وتنظمها قبل مجيء المشتري- عليك تحضير وتهيّأ للمواقف والحالات الطارئة بإعداد مواضيع وحفظيات مسبقة.

6- الفنيّة في المصيبة شعرًا ونثرًا:

أوّلاً: مراعاة الفنية في الشعر القريض والشعبي استقلالاً، أو تقليداً غير مضرّ (يعني لا يكون طبق الأصل)، مع مراعاة ترقيق الصوت بما يناسب الموقف والمصيبة كما أنّ لدرجات الصوت ارتفاعًا وانخفاضًا في مواقف معيّنة أثره في المستمع. 

ثانياً: المصيبة النثريّة

1- الانتقال للمصيبة من الموضوع يجب أن يكون هناك رابط بينهما، يُسمّى في القديم (الگريز) وهي كلمة فارسية تعني التليين و(كلمة لم أعرفها)، وهي بمعنى تهيأة الأمر للدخول في المصيبة.

وهو تقديم شيء يحوم حول المصيبة (لا تنزل للمصيبة نزولاً مفاجئًا، بل تدريجيّاً).

2- مراعاة الجانب الفنيّ في المصيبة (النثرية) كترقيق الصوت، والتدرّج في درجاته، والتأثر دون البكاء من الخطيب؛ لأنّه ربما يُفقد المصيبة تأثيرها، لكن لا بأس بالتباكي، أو البكاء غير الطويل البكاء اللحظويّ.

3- اختيار ما يناسب المصيبة النثرية من شعر في خلايا المصيبة أو في تهيأتها، ثمّ انخفاض الصوت ببيت أو أبيات ختاميّة.

خامسًا: العمل بالوصايا العامة، والوصايا الطبيّة، ووصايا تقوية الذاكرة.

أوّلاً: الوصايا العامة

1- لا يصحّ نقل كلّ ما قيل، لا بدّ أن يعرف الخطيب الحسيني ما يُقال وعمّن، وممّن، وما هو الغرض منه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

2- لا يغلب على حديث الخطيب الحسيني خلاف ما عليه الطائفة، إلا بالإشارة إلى قائله بما لا يثير الاختلاف في الناس، ويا حبّذا مراعاة الأمور المسلّمة عند الطائفة.

3- نقل الكلمة الباطلة (أو الفكرة الباطلة) مع تبيّنها لا يجوز شرعًا، نعم للردّ عليها من الخطيب القادر، وإلا سينطبق عليه المثل (يريد يكحّلها عماها)، فينبغي التّريّث والتثبّت في خصوص الفتاوى والعقائد.

ثانيًا: الوصايا الطبيّة

1- الامتناع عن التدخين (أو مكان يُدخّن فيه).

2- الامتناع عن الأطعمة والأشربة الحارة (حرارة طبيعية أو حرارة ناتجة عن الفلافل الحارة والبهارات الحارة).

3- اجتناب (المقليّات) ما أمكن خصوصًا قبل المجلس الحسيني.

4- الإقلال من المياه الغازية.

5- الامتناع عن شرب المياه المثلّجة.

6- الاعتدال في الأكل، لا جوع ولا تخمة.

7- عدم التّعرض للهواء خصوصًا بعد الانتهاء من المجلس الحسيني.

8- وصايا تتعلّق بصقل الحنجرة وتحسين الصوت، وهي كما يلي:

- تناول شاي (الزهور) مع (العسل) مخلوطة.

- تناول النّشا مع النبات.

- الغرغرة بماء دافئ مع ملح الطعام (قبل النوم، وفي الصباح).

- شرب الليمو (الناضجة) وخصوصًا قبل المجلس الحسيني.

- استعمال أدوية خاصة ينصح بها الطبيب لتحسين الصوت.

- التمرّن الدائم على درجات الصوت المرتفعة والمتوسطة والمنخفضة، في حال الانفراد، أو مع إخوانك الخطباء، فكم من خطيب بدأ بصوت غير حسن مع الاستمراريّة والتمرّن تحسّن صوته.

ثالثًا: وصايا لتقوية الذاكرة

1- الكون على وضوء ونظافة وطهارة.

2- الاستيقاظ بين الطلوعين، والحفظ فيه فإنّه وقت مبارك. اِقرأ قبل النوم، ثمّ راجع عند الطلوعين، فإنّ له أثرًا كبيرًا لتركيز الموضوع.

3- اِقرأ أدعية الحفظ، وأدم صلاة النافلة، خصوصًا صلاة الليل.

4- كن قارئًا للقرآن، فإنّه نور وشفاء.

5- تناول (21) حبّة من الزبيب؛ لاحتوائه على المواد الفسفورية المساعدة لتنشيط خلايا المخّ.

6- ابتعد عن الإكثار من المواد الدّهنيّة، وشرب الماء الكثير، والأكل مع التخمة، والأكل عن غير جوع، فإنّها وصايا الأنبياء والأولياء. 

7- اجعل موضوعك في عناصر مكتوبة في ورقة، وراجعها قبل المجلس الحسيني.

8- ناقش الموضوع مع إخوانك الخطباء والعلماء، ومع أقرب النّاس لك (كزوجتك إذا كانت مثقفة ومطلعة).

9- اجعل لك مفكرة خاصة تكتب فيها (بنات أفكار منبرك) سميّتها (من وحي المنبر الحسيني)، وهي الأفكار التي تطرأ على موضوعك وأنت على المنبر: من وحي المناسبة، أو من وحي الجماهير، أو من وحي المنبر نفسه.

10- اِحرص على الكتابة التقليدية وهي أفضل، والكتابة الالكترونية، فهذه وصية إمامك الصادق (عليه السلام): «اُكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا»(12).

■ كيف يقيّم الخطيب أداءه الحسينيّ؟

● يمكن أن يُنظر للتقييم من خلال أمرين: الموضوع، ثمّ المصيبة.[وأصبّ الحديث في] جهة الموضوع

1- توجّه الجمهور (حال الإلقاء) من خلال عيونهم وسحنات وجوههم، وأحيانًا (هزّ رؤوسهم علامة الرّضا حال إلقاء الموضوع).

2- بعد الإلقاء (الثناء العاجل، ومن بعده الثناء والمدح في المجالس العامة).

3- والمهم أن يقيّم الخطيب نفسه بنفسه (بحيادية) تامّة؛ لأنّه قد يخفى على الجمهور معايب موضوعه، المهم هو بنفسه يكتشف ما في موضوعه من نقائص فإنّ الإنسان على نفسه بصير. ثمّ لا ينسى أنّ «المؤمن مرآة المؤمن»(13)، فالمستمعون هم المرايا التي تنعكس من خلالها الإيجابيّات والسلبيات للخطيب الحسيني، من خلال: الكلمة المسموعة أو الكلمة المكتوبة فليأخذها بنظر الاعتبار حتّى لو كانت صادرة عن أيّة نيّة كانت، والأولى أن يُحسن الظنّ في مستمعيه وانتقاداتهم (فإنّها مدعاة للتطوير والتجديد)، فإنّ المؤمن يحتاج إلى ثلاث: توفيق من الله، ورادع من نفسه، وقبول ممّن ينصحه، كما في الرواية.

■ كيف يوفّق طالب العلم الحوزويّ بين (الدراسة) و(الخطابة الحسينية)؟

● أنا من دعاة التّخصّص، حتّى في الحوزة العلميّة ما ينقصنا هو وجود متخصّصين في الجوانب العقائديّة، والتاريخيّة، والتحقيقيّة، والفكريّة،...إلخ. الخطابة تخصص بعد إكمال مقدّماتها، وإتقان أسس الخطابة العامة، بعدها ينخرط فيها طالبها. 

■ مسألة التّصنع عند خطيب متمكّن هل هي ضرورة، أم بالإمكان التّعلم من دون ذلك؟

● الخطابة (فنّ)، و(الفنّ) يحتاج إلى تصنّع بمعنى التمرين والتدريب على (يد فنان) وهو الخطيب المتمكّن حتّى يُتقن مبادئها وأصولها وفصولها وآليّات صناعتها، كما يُتقن القرآن (التجويد) على يد معلّم في التجويد متمكن منه، بعد أن يُتقن الجوانب النظريّة للخطابة الحسينيّة فإنّه يحتاج إلى الجوانب الفنيّة -المستفادة من المختصّ الفنيّ- مع استعداده الشخصيّ، ولذا نجد في البعض ممّن تعلّم بنفسه (نجد فيه قصورًا) اختصاصيّة فهو كالطالب الحوزويّ الذي يدرس من خلال الأشرطة وما شاكلها، فإنّ لوجود الأستاذ المختصّص آثاره الرّوحيّة، والأخلاقيّة، والفنيّة، التي لا تخفى على المتأمّل.

■ متى يُفضّل أن يُشرع في الخطابة من حيث المرحلة العمرية؟

● هذا راجع لاستعدادات الشخص (الذاتيّة)، لكن يحبّذ أن يكون فارغًا من تحصيل مراحل فقهيّة، وأدبيّة، وتفسيريّة، وعقائديّة، وتاريخيّة معيّنة، لا أقل السطوح في الحوزة العلميّة، بالإضافة إلى دروس التفسير والدراية، مع الاستعانة بأهل الفضل في كلّ فنّ وعلم.

■ هل يُنصح لغير طالب العلم الحوزوي صعود المنبر الحسينيّ؟

● طالب العلم لا يجب ألا يخصّص بطالب العلم الحوزويّ، نعم أولئك الذين يريدون أن ينخرطوا في الخطابة الحسينية لا بدّ لهم من دراسات فقهيّة وعقائديّة وحديثيّة وتاريخيّة -من خلال دراسة على يد أستاذ كلٌّ في فنّه- وعلوم حديثة لكي يكونوا أهلاً -ولو نسبيًّا- لصعود المنبر الحسينيّ بعد أن يكون دافعهم للخطابة رساليًّا تربويّاً، لا مهنيًّا وارتزاقيًّا فقط، فإنّ الذي أضرّ بالمنبر الحسينيّ بشكل عام هم أولئك الذين اتّخذوه مهنة وارتزاقًا بعد أن ضاقت عليهم سُبل الرزق والنجاح، أو بعد قصورهم في الدراسات الأكاديميّة، وهذا كذلك ابتلت به الحوزات العلميّة كما تعرفون.

■ ما هو أكثر المواضيع رواجًا بالنسبة إلى المستمعين؟

● ملاحظة: اسأل عن أهمّ المواضيع التي يحتاج لها المجتمع، وأنت بنفسك تحسّس ذلك، ولكن بشكل عام:

1- المواضيع الحديثيّة المشبعة بالبحوث الأخلاقيّة والاجتماعيّة.

2- التاريخية التحقيقيّة التحليليّة.

3- العقائدية المقارنة (المبسطة).

4- الأحاديث التربوية والاجتماعيّة.

5- أحاديث الساعة (أدواء وعلاج).

على ألا تكون المواضيع المبحوثة مواضيع اختصاصيّة بحتة، بل يجمع في كل موضوع بين ما سبق من عناوين، بما يتلاءم وينسجم مع مقتضى الحال، وهدف المجلس الحسيني، ومستويات الجماهير الحاضرة.

6- الرجوع إلى المصادر المهمة في تحضير الموضوع للمجلس الحسيني:

أ- الرجوع إلى الرسائل العمليّة، كتحرير الوسيلة للسيّد الإمام (قدِّس سرُّه)، أو منهاج الصّالحين للإمام الخوئي (قدِّس سرُّه) والسيد السيستاني (دام ظله) مثلاً.

ب- والرجوع إلى الكتب المقارنة، كالفقه على المذاهب الأربعة للشيخ الجزيري، أو المذاهب الخمسة للشيخ محمد جواد مغنية.

ج- وكتب اللغة، كلسان العرب، ومقاييس اللغة، والمصباح المنير.

د- وكتب الدراية والحديث والرجال، كالكنى والألقاب للشيخ القمي، ومعجم رجال الحديث للسيّد الخوئي (قدِّس سرُّه).

هـ- وكتب الأدعية والزيارات، ككامل الزيارات، والإقبال لابن طاووس، ومفاتيح الجنان للشيخ القمي.

و- وكتب الاحتجاج كالاختصاص للشيخ المفيد، والاحتجاج للطبرسي، والمراجعات لشرف الدين، وكتب المستبصرين.

ز- وقصص الأنبياء، كالجزائري، والعاملي.

ح- والتفسير، كالميزان للطباطبائيّ، ومجمع البيان للطبرسي، والتفسير الكبير للرازي، وتفسير الثعلبي.

ط- وكتب العقائد، كالتوحيد للشيخ الصدوق، وبداية المعرفة ونهاية المعرفة، ومحاضرات في العقيدة للشيخ البهادلي، وفلسفتنا.

ي- وكتب الأخلاق، كجامع السعادات للنراقي، ومحاسبة النفس لابن طاووس، وأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) للسيد محمد مهدي الصدر، والجهاد الأكبر للإمام الخميني (قدِّس سرُّه)، وكتب الشيخ مظاهري.

ك- وكتب السيرة العامة، كسيرة ابن هشام، والسيرة الحلبيّة، وكتب محمد علي دخيل، وموسوعة السيّد الصدر (المهدويّة)، تاريخ الأئمة الاثني عشر لهشام معروف الحسني، كتب السيّد المقرّم عامّة ومقتل الحسين (عليه السلام) خصوصًا.

ل- وشروح نهج البلاغة، لابن ميثم البحراني، وابن أبي الحديد، وشيخ محمد جواد مغنية، وغيرهم.

م- وكتب السيرة الحسينية، كنفس المهموم للشيخ القمي، والخصائص الحسينية للتستري، والمجالس السنيّة للسيّد الأمين، مقتل المقرّم للمقرّم، والمقتل المأثور للفقيه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

*****

وختاماً نتقدّم بالشكر الجزيل إلى سماحة الشيخ على رحابة صدره وإجابته الوافية التي يرنو إليها الخطيب، آملين أن نقدّم بذلك شيئاً يسيراً لخدّام الإمام الحسين من الخطباء.

 

* الهوامش:

(1) سماحة الدكتور الشيخ عبدالله الديهي هو أحد كبار خطباء المنبر الحسيني في دول الخليج العربي، وأستاذ في الحوزة العلمية.

حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة بغداد، الماجستير في الشريعة والقانون من جامعة فردوسي في مشهد، وشهادة الدكتوراه في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر في القاهرة.

(2) الوسائل ج12 ب10 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر ح1.

(3) عيون الحكم والمواعظ ص359.

(4) نفس المصدر ص371.

(5) الوسائل ج12 باب21 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر ح6.

(6) عيون الحكم والمواعظ ص124.

(7) الكافي ج1 كتاب العقل والجهل ح15.

(8) سورة الشعراء: 180.

(9) ميزان الحكمة ج4 ص3327.

(10) سورة البقرة 32.

(11)  الأمالي للسيد المرتضى ج4 ص19

(12) الكافي ج1 ص52.

(13) تحف العقول وصيته (عليه السلام) لكميل بن زياد مختصرة ص173.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا