الحق والباطل

الحق والباطل

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين،{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}

مقدمة:

قال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَو مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ}(1)

تعتبر مسألة الحق والباطل من المسائل التي تمثل الخطين الرئيسيين لجبهتين، على مرِّ التاريخ وفي كل مكان، جبهة نحو الكمال وعلى الصواب، وجبهة في أسفل سافلين، ويبين هذه المسألة الحساسة المصيرية الباري عز وجل في قوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}(2). وتمثل مسألة التمييز الحقيقي الدقيق بين الحق والباطل سواءً على المستوى النظري أو التطبيقي، مسألة من أصعب المسائل المصيرية التي تحدد حياة وقيمة ومصير كل فرد، لذا كان العلماء الأتقياء هم أول من يميز ذلك، ويكون بذلك هادياً وحجة على الناس ومصداقاً للحق، قال تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُو الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(3)، وتبدأ هذه المسألة من الأمور الواضحة، إلى الأمور المعقدة الدقيقة التي تحتاج للدقة والجهد الكبيرين، ولا يدرك خطورة هذه المسألة إلا الباحث الحقيقي عن الواقع والكمال الحقيقي، الذي فيه الصلاح والعزة، ومن لا يشعر بذلك فهو مريض النفس والعقل، لذا نرى أكثر الناس عناءً للوصول إلى الحق والواقع هم العلماء، فكل حياتهم لطلب الحق والسير وفقه، لذلك هم أرفع الناس عند الله، قال تعالى : {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(4) لأن قيمة الإنسان بما يملك من الحق والحقيقة، ولذلك يتميز علماء الدين الأبرار بالجدية المتميزة في التحصيل من بدايات حياتهم وحتى النهاية، وليس ذلك إلا نتاج عشق الحق والحقيقة، والحذر من الباطل، والوقوع في الخطأ والشبهات، ولابد أن يكون طالب العلم طالباً بهذه الذهنية وهذا الهدف، وفي هذا البحث المتواضع نريد أن نطل إطلالةً سريعةً على حقيقة الحق والباطل وبعض الأمور المرتبطة بهذين المفهومين، ومنه التوفيق.

الحق والباطل:

إن التحليل الدقيق النظري لمفهومي الحق والباطل من المسائل المهمة جداً فيما يرتبط بالفهم الديني، فكل فكر يعرف الحق والباطل بما يراه وما يحمل من فكر وثقافة، ونحن نريد أن نفهم الحق والباطل من منظار القرآن والروايات المعصومة والعقل، إذ القرآن هو الحق قال تعالى {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(5). والروايات تمثل كلام من هم مدار الحق فقد ورد عن النبي (ص) (علي مع الحق والقرآن والحق والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(6). وبامتلاكنا بوضوح لهذين المفهومين، نستطيع تطبيقهما بعد ذلك على مصاديقهما الخارجية، فبدون المعرفة النظرية الدقيقة، يتعسر التمييز الصائب في الخارج، لذا نقف وقفةً قصيرةً لبيان هذين المفهومين من الجهة النظرية.

مفهوما الحق والباطل:

نبدأ في بيان هذه النقطة بكلام للعلامة الجليل صاحب تفسير الميزان في تفسير الآية التي صدرنا بها البحث حيث يقول: (وقال الراغب: الباطل نقيض الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِل} وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال يقال: بطل بطولاً وبطلاً وبطلاناً وأبطله غيره قال عز وجل: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} ) انتهى موضع الحاجة.

فبطلان الشيء أن يقدر لشيء نوع من الوجود ثم إذا طبق على الخارج لم يثبت على ما قدر، ولم يطابقه الخارج، والحق بخلافه، فالحق والباطل يتصف بهما أولاً الاعتقاد ثم غيره بعناية ما، فالقول نحو السماء فوقنا والأرض تحتنا يكون حقاً لمطابقة الواقع إياه إذا فحص عنه وطبق عليه، ولو قلنا السماء تحتنا والأرض فوقنا كان باطلاً لعدم ثباته في الواقع على ما قدر له من الثبات، والفعل يكون حقاً إذا وقع على ما قدر له من الغاية أو الأمر كالأكل للشبع والسعي للرزق وشرب الدواء للصحة مثلاً إذا أثر أثره وبلغ غرضه، ويكون باطلاً إذا لم يقع على ما قدر له من الغاية أو الأمر والشيء الموجود في الخارج حق من جهة أنه موجود كما اعتقد، كوجود الحق تعالى، والشيء غير الموجود وقد اعتقد له الوجود باطل، وكذا لو كان موجوداً لكن قدر له من خواص الوجود ما ليس له كتقدير البقاء والاستقلال للموجود الممكن فالموجود الممكن باطل من جهة عدم الاستقلال أو البقاء المقدر له وإن كان حقاً من جهة أصل الوجود قال:(ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل)(7).  تطرق السيد في هذا المقطع النوراني لعدة نقاط في ما يرتبط بحقيقة الحق والباطل، الجهة الأولى، الحق والباطل فيما يرتبط بالاعتقاد، والثانية في يرتبط بالأعمال فعندنا عمل باطل وعمل حق، والثالثة أن الحق يساوي الوجود والباطل بخلافه، ونحن نتعرض لهذه النقاط الثلاث بشيء من التحليل والبسط مع ضرب الأمثلة.

كل موجود حق من جهة كونه موجود هذه هي النقطة الأخيرة التي تعرض لها السيد في هذا المقطع، ولكن نذكرها كأول نقطة لكونها ممهدة للنقطتين التاليتين، وهذا المعنى الذي يطرحه السيد من أجمل المعارف الإلهية التي تنبع من التوحيد الأفعالي، إذ أننا نعتقد أن كل وجود فهو منه سبحانه،إذ لا مفيض للوجود إلا الواجب، ولذا نرى أن كل وجود من هذه الجهة (أي كونه) موجود فهو حق، قال تعالى: {وَهُو الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ}(8). وإذا أضفنا لهذه الآية قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُو خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}(9) نفهم بشكل جيد أن كل ما في الوجود حق لا باطل فيه لأنه صادر من الحق المحض من كل الجهات وهو الله سبحانه وتعالى {فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ}(10) والحق المطلق لا يصدر عنه إلا الحق إذ {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوأ َهْدَى سَبِيلاً}(11).

من هنا يكون كل الوجود حق وجميل من جهة كونه موجود، ولم يخلق الله شيئا باطلاً، لذا يقول السيد (والشيء الموجود في الخارج حق من جهة أنه موجود كما اعتقد) فالموجود حق من جهتين، من جهة وجوده إذ كل وجود حق، والثانية إذا اعتقد أنه كما هو من الوجود فهذا الاعتقاد حق به حق أيضاً، والموجود الذي اعتقدنا أنه له بعض الخواص التي في الواقع ليست موجودة فيه، كاعتقادنا أن الشمس واجب الوجود، فهذا الاعتقاد باطل وكون الشمس واجبة في الخارج باطل لأنه عدم ولا واجب إلا الله سبحانه وتعالى. إذن تلخص في هذه النقطة أن الحق مساوٍ للوجود، وتارة يكون الحديث عن أصل الوجود وتارة عن خواص الوجود التي هي نحو من الوجود أيضاً، والاعتقاد المتعلق بما له حقيقة فهو حق، والاعتقاد الذي ليس له واقع فهو باطل، بمعنى أنه باطل من جهة حيثية الاعتقاد به لا في أصل وجوده، فمثلاً فكرة أن هناك خالق للخير وخالق للشر فكرة باطلة بمعنى لا واقع تطابقه، ولكنها حق بمعنى أنها موجودة ولها معتنقين مصدقين بها. يقول صاحب تفسير الأمثل: (وذلك لأن الحق هو الحقيقة والحقيقة هو الوجود وكل وجود ناشئ من وجوده لذلك فكل باطل عدم والعدم غريب عن ذاته)(12).

الحق والباطل الاعتقادي:

بعد بيان النقطة الأولى تتضح جيداً هذه المسألة، وهي أن المعيار في كون الشيء حقاً هو كونه مطابق لصقع الواقع، لا أن المعيار هو ما يراه الإنسان أو ما يستحسنه أو غير ذلك من أمور، وعليه فكل عقيدة لا بد أن تخضع لهذا المعيار لنرى أنها حق أولاً، فالفكرة التي يُرى لها أنها هي الصواب، وعند التحقيق يتبين أنها غير صائبة بل خاطئة، يعني عند التحقيق تبين خلاف ما كان قد اعتقد لها هي باطل، أمَّا الفكرة الموجودة التي يُرى لها نوع من الخاصية، وعند البحث نرى انطباقها في الواقع عن طريق الدليل فهذه فكرة حَقَّةٌ، ولذلك يعبر عن جميع المعتقدات الإلهية أنها حق.

يقول صاحب مواهب الرحمن في تفسير الآية التي صدَّرنا بها البحث: الحق يأتي لمعان متعددة منها الإيجاد والحكمة التامة ومطابقة الواقع وغير ذلك وقد ورد في القرآن الكريم بالنسبة إلى جميع المعارف من المبدأ والمعاد، وصفات الباري عزَّ وجلَّ وأفعاله وتشريعاته المقدسة، وعن جمع من أعاظم الفلاسفة أن الحق يقال للمطابق للمخبر عنه وللموجود الحاصل بالفعل والموجود الذي لا سبيل للبطلان إليه أبداً فهو تعالى حق من حيث صفاته وأفعاله وجميع شؤونه، وقد خصص بعض أكابرهم في شرح هذه المادة صفحات من كتابه الكريم كلها تنطبق على المعارف الربوبية وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في ما يقرب من أربعمائة مورد، فسبحان الذي يكون هو أصل الحق ومنبعه ومرجعه، ولا حق غيره وما سواه باطل، وقد عدَّ الحق من أسماء الله الحسنى، وينبعث شعاعه إلى جميع تشريعاته المقدسة،، ولا يخلو الحق عن الحقيقة بخلاف الباطل ففي الحديث عن الأئمة الهداة (ع): (على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نور)(13).

إذن معيارنا هو الواقع، فعندما يُدعى لفكرة أنها صائبة وكمال للإنسان، فقد قدر لها خاصية معينة، فإن طابقت الواقع فهي حق وإلا فلا. ولذا نرى بوضوح تغير كثير من المعتقدات غير السماوية باستمرار، فهي دائماً في حالة تحول وتبدل، وليس ذلك إلا لأنها ليست واقعا بل هي أفكار استحسنها اللاهثون وراء الدنيا لمصالحهم، أما المعتقدات السماوية فهي ثابتة على طول التاريخ بكل مبادئها، لكونها مطابقة للواقع ولا سبيل للبطلان إليها، من هنا نفهم قيمة معتقداتنا الربانية التي نعتنقها وما الخاصية التي تميزها عن غيرها.

الحق والباطل في الأفعال:

النقطة الثالثة التي تعرض لها السيد (ره) هي المعيار في كون الفعل باطل أو حق، فقال: (والفعل يكون حقّاً إذا وقع على ما قدر له من الغاية والأمر) وغاية كل فعل بحسبه، فغاية الصلاة أحياناً تكون إسقاط الواجب، فإذا صليت من دون وضوء، فصلاتك باطلة بمعنى أنها لم تحقق الهدف منها وهو إسقاط الواجب، وهكذا كل فعل، ولاستيعاب هذه المسألة بشكل أكبر نذكر مسألة مهمة تطرق لها الشهيد مطهري (ره) وهي أنه هل يوجد فعل باطل مطلق؟ أم أن كل فعل باطل فهو باطل نسبي؟ يقول الشهيد في كتابه المعاد:(ومن هنا يقال: ليس في العالم أي فعل باطل، فجميع الأعمال التي نصفها باللغو والباطل في هذه الدنيا، هي لغو وباطل نسبي، وهذه حقيقة، لقد اعتاد بعض الأشخاص أن يعبث بالمسبحة، وعندما تسأله عن فائدة ذلك يجيبك لا شيء،وهذا صحيح ولكن الذي يفعله ليس خالياً من فائدة تماماً، فلو نظرنا إلى العمل على أساس المنطق وسألنا صاحبه: إنك إنسان عاقل ومنطقي، فهل فكرت بأثر هذه الممارسة؟ لأجاب بالنفي فهو إذن عبثي، بيد أن هذا الفعل الذي لا يسوغ على أساس العقل والمنطق هو تعبير عن عادة يستشعر الإنسان الراحة بممارستها، فهي ليست عبثاً من جهة تلك القوة التي تتأمن راحتها بهذا العمل، بل اللغو بنظر تلك القوة هو أن لا يكون وجود الفعل في مثل هذا الموقع)(14).

وبضم كلام الشهيد مع كلام السيد نفهم أن العمل الباطل هو الذي لم يقع كما أريد له، فهو من هذه الجهة باطل، ولكن من جهة أخرى لا يكون كذلك، فالذي يأكل للشبع لكن لم تتحقق هذه الغاية، فهو عمل باطل من هذه الجهة، ولكن من جهة أخرى يكون حقاً، فمثلاً من جهة تلبية إرادة في النفس يرتاح لتحقيقها الإنسان يكون حقاً لأنه أدى الغرض.

كل ما خلا الله باطل، ماذا تعني هذه العبارة؟

وبعد البيان المار كيف نفسر أن كل ما سوى الله باطل؟ المقصود من هذه العبارة أن الحق المحض المطلق من كل جهة هو الله فحسب، وكل وجود مهما بلغ كماله فهو محدود وناقص ويشوبه العدم فيكون باطلاً من هذه الجهة، يقول السيد السبزواري: ولا حق غيره وما سواه باطل، ويقول في موضع آخر: الحق يشمل إرادته تعالى التكوينية والتشريعية فهو تعالى حق ولا حق إلا منه، وقد استعمل الحق في القرآن الكريم بوجوه من الاستعمالات، فتارةً ينسب الحق إلى ذاته الأقدس، وهو تعالى حق في ذاته وبذاته، قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ}(15). وأخرى ينسبه إلى صفاته العليا، قال تعالى: {هُنَالِكَ الوَلايَةُ للهِ الحَقّ}(16). وثالثةً، إلى أفعاله المقدسة، قال تعالى: {وَاللهُ يَقُولُ الحَقَّ}(17). ورابعةً إلى نفس القرآن الكريم، قال تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُو الحَقُّ}(18). وخامسةً على نبينا الأعظم (ص) ودينه، قال تعالى: {أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ}(19). وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ}(20). والحق إذا أطلق لا يمكن الإحاطة بجميع جوانبه ونواحيه، ولا بد من الخضوع لديه والتسليم له، وهذا هو معنى الحق المطلق، الذي قال عنه بعض فلاسفة الغرب المحدثين:(إذا قيل الله يعني الحق الواقع من كل جهة).

وللعلماء في هذا الموضوع تعبيرات مختلفة نظماً ونثراً والمتفق بينهم كما صرح به المعلم الأول -وهو صريح الكتب السماوية والأحاديث الواردة في السنة الشريفة- (إن الحق لا بد أن يصدر منه تعالى فهو حق بذات وفي ذاته ولاحق إلا منه عز وجل وهذا مما لا مرية فيه)(21).

إذن الحق المطلق واحد وهو الله سبحانه، وهو حق بذاته وكل حق قائم به، وكل حق سواه محدود فيكون باطلاً من هذه الجهة، وهذا معنى راق جداً لعله يتعسر على كثير منا. الفكر الأصيل والحق هو الإسلام، بعد ما مر من بيان، نفهم أن الفكر الأصيل الوحيد والحق هو الفكر الإسلامي، لأن ما سواه ليس ناشئاً من الحق، أما الإسلام فهو من الحق تعالى فهو حق أيضاً، ووصلنا بواسطة الحق، إذ لا يصدر من الحق المطلق إلا الحق، فالإسلام هو الفكر الوحيد الحق الموصل للكمال وما سواه فهو باطل وزخرف، والحق هو طريق السعادة، روي عن أمير المؤمنين(ع)  (الحق طريق الجنة والباطل طريق النار وعلى كل طريق داع)(22). ولأنه حق ومن الحق فلابد أن يؤخذ من الحق، ومن طريق الحق ومن داعي الحق. و من قادة الحق، لذا حدد لنا الله سبحانه وتعالى، مصادر أخذ هذا الحق، وهي القرآن عن طريق جبرئيل (ع) والنبي (ص) وأهل البيت (ع)، روي عن النبي (ص) (علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(23). وهذا المعنى ثابت لجميع الأئمة (ع)، فكل قيادة لم تكن محددة من قبل الحق فهي قيادة باطلة، لذا نحن نرى أن القيادة التي نستقي منها أفكارنا هم الأئمة الهداة المعصومون (ع)، فهم الحق ومنهم الحق يقول الإمام الهادي (ع)في الزيارة الجامعة (والحق معكم وفيكم ومنكم وإليكم وأنتم أهله ومعدنه)(24).

وأن القيادة بعدهم للفقهاء المراجع العظام، فهم القيادة الحق لأنهم مُعَيَّنون من قِبَلِهم سلام الله عليهم، فكل قيادة غير هؤلاء فهي قيادة باطلة وتؤدي إلى الضلال.

وعي الحق والباطل بعد المعرفة النظرية لمفهومي الحق والباطل.

تأتي المسألة الصعبة جداً،وهي تشخيص الحق من الباطل في الواقع الخارجي وهذا ما يحتاج لما يسمى بالوعي، والوعي هو(هو البصيرة والمعرفة التي تمكنه من تشخيص العقبات ودورها في سقوط الإنسان وهلاكه)(25)، أو كما عبر عنها الشهيد الصدر(قده): (الوعي عبارة عن الفهم الفعال، الإيجابي المحقق للإسلام في نفس الأمة الذي يتأصل ويستأصل جذور المفاهيم الجاهلية السابقة استئصالاً كاملاً، ويحول تمام مرافق الإنسان من مرافق الفكر الجاهلي)(26). ومن هنا تأتي مسألة مهمة وهي كيف نتحصل على هذا الوعي؟ جعلنا الله من أهل الحق إنه الحق المبين. والحمد لله رب العالمين.

 

 * الهوامش:

(1)سورة الرعد، الآية 17

(2)سورة محمد(ص) الآية 3.

(3)سورة سبأ، الآية 6.

(4)سورة المجادلة، الآية 11.

(5)سورة فصلت، الآية 42.

(6)ميزان الحكمة ج1 صفحة 138.

(7)الميزان ج 11 صفحة 367.

(8)سورة الأنعام، الآية 73.

(9)سورة الأنعام، الآية 102.

(10)سورة يونس(ع)، الآية 32.

(11)سورة الإسراء، الآية 84.

(12)الأمثل ج2 صفحة 389.

(13)مواهب الرحمن ج2 صفحة 119.

(14)المعاد للشهيد مطهري(قده) ص 101.

(15)سورة يونس(ع)، الآية 32.

(16)سورة الكهف، الآية 44.

(17)سورة الأحزاب، الآية 2.

(18)سورة فاطر، الآية 31.

(19)سورة الفتح، الآية 28.

(20)سورة فاطر، الآية 24.

(21)مواهب الرحمن ج2 صفحة 145.

(22)نهج السعادة ج3 /291

(23)ميزان الحكمة ج1 /137

(24)الزيارة الجامعة الكبيرة.

(25)سنة التعميم في القرآن الآصفي صفحة 246.

(26)أهل البيت(ع) تنوع أدوار ووحدة هدف صفحة 248.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا