الملخص
(تعرَّض الكاتب لكلماتِ القائد الفقيه سماحة آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم “حفظه الله” حول الجهاد والشَّهادة وجعلها في أربع محاور، مبتدئاً بمنطلق الجهاد والشَّهادة، والأهم فيه وجه الله تعالى، ثمَّ تعرَّض في المحور الثَّاني لمكانة الشَّهيد وكرامة الشَّهادة والشُّهداء، ثمَّ في المحور الثَّالث بيَّن ما يرتبط بتحفيز الأمَّة على الشَّهادة، وفي المحور الأخير ذكر آثار الشَّهادة على الأمَّة وعلى نفسية وروحية الشُّهداء).
المقدمة
يعتبرُ مفهوم الجهاد من المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي نشأت مع نشوء الإسلام خصوصاً بعد الهجرة النَّبوية الشَّريفة وتعرُّض الدَّولة الإسلامية للحروب من قبل المشركين والمعادين، ومن لوازم هذا المفهوم هو مفهوم الشَّهادة؛ حيث إنَّ المجاهد يضع نفسَه على كتفِه متوقعاً الموتَ في سوح الجهاد والكِفاح..
وينبغي لهذا المفهوم أن يترسَّخ في أذهانِ الأمَّة بشكلِه الصَّحيح ليؤدِّي دورَه الذي من أجلِه حثَّ عليه الشَّارع المقدَّس، وهذا ما يتطلَّب فهماً عميقاً للدِّين وأهدافِه العُليا، وفي هذه المقالة نحاول بيانَ ذلك من خلال كلمات سماحة آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله وهو صاحب التَّجربة الجهادية العريقة في شتَّى الميادين، وذو الفكر النَّاصع النَّيِّر والفهم المتميِّز كما أثبته الواقع العملي الملموس في شخصيته المباركة.
وسيكون الحديث في عدِّة محاور:
المحور الأول: منطلق الجهاد والشَّهادة
من المهم لكلِّ من ينشدُ طريقَ الجِهادِ والشَّهادة أن يكون منطلقُه صحيحاً نظيفاً واضحاً وإلا كان عمله {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ}(إبراهيم:18)، وفي هذا الصدَّد يؤكِّد الشَّيخ القائد في تعريفه للشَّهادة على أنَّها في سبيل الله..
1ـ قصد وجه الله سبحانه
يقول حفظه الله: "ما هي الشَّهادة؟ قتلٌ في سبيل الله، قصدُ الشَّهيد في اختيار الطَّريق إليه وجهُ الله خالصًا، أمَّا الأغراض الجهادية والدِّفاعية الأُخرى فإنَّما قصدُها من أجل رضاه تبارك وتعالى..". فنرى هنا تأكيده على قصد وجه الله تعالى حتى في الدِّفاع والأغراض الأخرى السَّابقة للشَّهادة.
ويقسِّم سماحته أهداف الشَّهادة إلى هدفٍ أساس ومحوري وهو مرضاة الله سبحانه، وأمَّا بقية الأهداف فكلُّها في طولِ هذا الهدف، يقول: "ما هو مقوِّم الشَّهادة؟ كلُّ الآيات تتحدَّث عن القتل في سبيل الله، فالشَّهادة ليست قتلاً فحسب وأيِّ قتلٍ؟ وإنَّما هي قتل في سبيل الله، وكيف يكون السَّبيل سبيل الله؟ يكون ذلك بأن يكون الهدفُ إلهياً، دفع ظلم، طرد كفر، تصحيح وضع عالمي، أن يكون الهدف هو شيء ممَّا توافق وتدعو إليه الشَّريعة من أهداف، وهو هدف طولي، والهدف الأوَّل والأصل والمحرِّك بالذَّات هو طلب مرضاة الله) لهذه النَّفس المضحية، وقضية عزَّة الدِّين، وعزَّة المؤمنين، ورفع حالة الفساد والظُّلم والكفر، هذا الهدف هو طولي وثانوي ويأتي بالدَّرجة الأُولى ولأنَّه واقعٌ في طريق مرضاته)"([1]).
ويؤكِّد في كلام آخر أنَّ كون الجهاد لله صعب جدا، بل هو أصعب من نفس الجهاد، "{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وهذا أصعب من مطلق الجهاد، جهادٌ يكون لله أصعبُ بكثيرٍ من أن يكون مطلقاً، ويحتاج إلى معاناةٍ نفسيةٍ وجهادٍ نفسي ضخمٍ، أحتاجُ إلى جهاد ضخم لأنْ يكون جهادي في الخارج بالكلمة، بالسيف، بالمال جهاداً في سبيل الله، وليس جهاداً من أيِّ منطلقٍ آخر"([2]).
2ـ الشَّريعة هي التي تحدِّد خطوات الشَّهيد
يقول: "وهو قتلٌ تحكُمُ كلَّ خطوة على طريقه عند الشَّهيد شريعةُ الله وتنطلق من رؤيته"، فلا توجد فوضى في اختيار الأساليب والخطوات العملية في مواجهة الباطل، فضلا عن الأهداف، بل كلُّ شيءٍ محكوم للشَّرع والذي يمثله في زماننا الفقهاء والعلماء.
ويفصِّل حفظه الله في مورد آخر في هذه النقطة الخطيرة فيقول:
"وحين نحبُّ الشَّهادة حباً أعمى لا يقوم على بصيرة، حباً مفصولاً عن وعي الدِّين، وعن قيمة الدُّنيا وقيمة الآخرة، وعن حرمة الدَّم ومتى يسترخص الدَّم، ومتى يُتمسك بقيمةِ الدم؟ متى يرخص الدَّم ومتى لا يرخص؟ ومتى يجوز سفح الدَّم الكثير ومتى لا يجوز سفح قطرة دم؟ فما لم نمتلك فقه الشَّهادة، وقيمة الشَّهادة، وشروط الشَّهادة، وما لم نتعرَّف الرَّاية التي تصدقُ في ظلِّها الشَّهادة، فما لم نتوفَّر على كلِّ ذلك ستكون الشَّهادة مذبحاً من مذابحِ الأمم، وباعث فوضى في داخل الشُّعوب والأمم.
بعنوان الشَّهادة يقتل أبرياء وأطفال، يحرق من يحرق، وينحر من ينحر، وتقوم تفجيرات في أسواق ومساجد وكلُّه بعنوان الشَّهادة!! لا يكفي أن نقدِّس شعارَ الشَّهادة، وأن نرفع شعارَ الشَّهادة، وأن نمكِّن لشعار الشَّهادة، لعنوان عائم غامض ضبابي، ومن غير خلفيّة فكريّة واضحة، وبصيرة ورؤية دينيّة جليّة، وتعرَّف دقيق على قيمة وشروط الشَّهادة والرَّاية التي تكون في ظلِّها الشَّهادة، من غير ذلك ستكون الشَّهادة عامل تدمير وتحطيم، وستسيء للإسلام كثيراً([3]).
ويقول في مورد ثالث:
"قرار الشهادة وقرار الدفاع وقرار المجاهدة، مرة يكون وطنياً، ومرة فئوياً، ومرة طائفياً، ومرة يكون دينياً، وأقوى قرار على الصمود والمواصلة وعلى الثبات وعدم التراجع هو قرار جهاد وتضحية وشهادة كان منطلقه الأمر الإلهي والقضية الدينية.
ثم أن أقدس قرار، وأكبر قرار توفراً على العقلانية والحكمة، وعلى مراعاة حرمة الدماء، وعلى التدقيق في المصالح والمفاسد هو قرار الدين في الشهادة، يمكن أن يدفعني المنطلق الطائفي الى تضحية غير مدروسة، الى تضحية انفعالية، الى تضحية أشبه بالانتحار غير الواعي، أما قرار الدين فلا يأتي فيه مثل هذا الأمر"([4]).
3ـ الخلفية الفكرية للشَّهيد
يعني ما هي العقيدة التي ينطلق منها الشَّهيد، فكيفَ تتحقَّقُ النِّية الخَالصة بكونِها في سبيلِ اللهِ ولأجلِ مرضاتِه سبحانَه؟
يقول القائد: "وماذا عن الخلفية الفكريَّة والرُّوحيَّة للشَّهادة؟ تنطلقُ إرادة الشَّهيد من رؤيةٍ كونيةٍ واضحةٍ، ترجع القوَّة للهِ وحده، وصحوةٍ روحيةٍ منفتحةٍ على جلالِه وجمالِه، وانشدادٍ إليه واطمئنانٍ بوعده وعشقٍ لملاقاته"([5]).
ونلاحظ هنا الرَّبط بين الجانب الفكري العقدي وبين الجانب الرُّوحي، فلا يمكنُ لمنْ يسلكُ طريقَ الشَّهادة إلا الانشداد إلى الله سبحانَه عن عشقٍ.. والشَّيخ هنا إنما يوصف واقع الشَّهيد؛ أي أنَّ السائر على طريق الشَّهادة لا يكون إلا هكذا..
4ـ في سبيل الله ولا سبيل سواه
قد يختلط الأمر على البعض فلا يعرف سبيل الله ما هو، ولماذا يجاهد ويبذل دمه وماله وجهده، هنا يقول الشَّيخ القائد في بيان قوله تعالى "{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(الصف:11): "ليس في سبيل الوطن إلا أن يكون الجهاد من أجل حماية الوطن واقعاً على طريق الله وفي سبيل الله". وهذا التَّنبيه مهمٌ جداً لكوننا نسمعُ شعاراتٍ قد يفهم منها أنَّ الوَطنَ بما هو وطن يستحقُّ التَّضحية، والصَّحيح أنَّ الوطن الذي يكون الدفاع عنه واقعا في طريق الله وسبيله هو الذي يستحق التضحية دون سواه.
ثمَّ يذكر موارد أخرى قد يحصل فيها الخلط والاشتباه فيقول: "تجاهدون ليس لعزتكم، وإنَّما لعزَّة الدِّين وعزتكم من عزة الدين، تجاهدون لا لأنكم شجعان وأصحاب جرأة، درّبتكم عليها التَّدريبات العسكرية، وإنما تجاهدون؟ لأنَّ السبيل سبيل الله، وأن عليكم أن تجاهدوا في سبيل الله، تجاهدون مخلصين لله، ومن أجل الله)، هذا هو المطلوب"([6]).
ويقول في مورد آخر محذِّراً من اختلاط الأمر حتَّى بالنِّسبة لقصد النَّصر الذي يكون هدفاً أولياً للمجاهدين: "حذار من جهاد تشوبه عبادة الذات: فالجِهاد ليس للنَّصر، [بل] لرضا الله، صحيحٌ علينا أن نخطِّط للنَّصر؛ لأنَّ الجهاد الذي أمرنا به هو جهاد يخطِّط للنَّصر، ولنصر دين الله، وليس لنصر أنفسنا، ليس لنظهر، ليس لنغذي شعورنا بالغلبة، نحن عندنا جوعة، جوعة الشُّعور بالنَّصر، جوعة الشُّعور بالغلبة، بالقهر، بالعزِّة، بالتفوُّق. مرَّة يكون الجهادُ جهاداً لهذه الأمور، وهذا الجهاد فيه عبادة للذَّات، ومرَّة يكون الجِهاد جهاداً لله)، هو المأمور به. والموعود به، الجنة والنصر القريب، هو أن يكون الجهاد جهاداً في سبيل الله وليس كردة فعل نفسية"([7]).
وحتى الأمَّة مطالبة بحمل تلك الأهداف الطَّاهرة: "إنًّ من حقِّ دم الشَّهادة على المجتمعات ألّا ينقلبَ على أهدافهِ المرضيةِ لله سبحانه المنقلبون، وألّا يكونَ الحضورُ بعد الشُّهداء والنصر لا للرسالةِ، وإنّما للذوات"([8]).
هل الهدف هي الجنَّة مطلقا؟
ويترقَّى الشَّيخ في بيان أعلى درجات القصدِ والتقرُّب الإلهي والنِّية الخالصة حينما يتحدَّث عن الجنَّة كجزاء للمجاهدين، فهل الجنة غاية بشكل مطلق أو هناك ما هو أعظم من الجنَّة؟
يقول سماحته وهو يشرح قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ}(التوبة:111): "ثلاث وثائق للبيع يوقِّع اللهُ عليها) و!؛ يعني يجعلها سنداً لهذا العبد، ولا حجَّة لأحدٍ على اللهِ!، على أنَّ اللهَ لا يحتاج إلى وثائق، {ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم} (التوبة – 111)، ليس النَّصر الدنيوي هو الفوز العظيم، وليس بناء القصور، وليس فرض الإرادة، الفوزُ العظيمُ هو هذا:
أن ندخل في بيعةٍ مع الله، لا ننظر إلا ما أعطى من ثمن؛ جنته الكريمة، والأعظم في الجنَّة رضوانه، وجنَّةٌ بلا رضوان الله يعيش فيها الإنسان الأبد تنعكس على الإنسان بالملل وإنْ جملت، وما يجعلها خاليةً من الملل، وما يجعلها جديدةً دائماً، وما يجعلها حلوةً دائماً هو ذلك الشُّعور الكبيرُ عنْد العبد المؤمن من أنَّه موصولٌ برحمة الله، وأنَّه تحت رعاية الله، وتحت مظلَّة عناية الله، وأنَّه يرى تكريم الله له، ويرى تقدير الله له، وهذا يكفي لأنْ تبقى الحياة لذيذة دائماً ويبقى الأبد متدفقاً دائماً بالمسَّرات والحبور"([9]).
5ـ الأهداف الحقيقة للشَّهادة
بعد بيان الغاية والهدف الأساس من طريق الجهاد والاستشهاد، هناك بيان منه لأهداف الشَّهادة ملخصة في كلمات قليلة ولكنها كثيرة المعاني، يقول سماحته: "ولو سألنا: لِمَ الشَّهادة؟ جاء الجوابُ:
1ـ أنَّ الشَّهادة لتخضرَّ شجرةُ الدِّين التي يبَّسها الظُّلم والزَّيف والانحراف.
2ـ الشَّهادة لانبعاث الأمَّة الصَّالحة، لتولد الأمَّة من جديد.
3ـ لاستقامة الحياة.
4ـ لهدى الإنسان، لحريتهِ، كرامتهِ، مجدهِ، عُلاه.
5ـ لتحيا شعوبٌ وأممٌ بعد موت.
6ـ ومن أجل أنْ ينتفض الضمير وينطق الحقّ ويخرس الشيطان.
7ـ من أجلِ أنْ يسقط ظلم ويقوم عدل وتجتث جذور البغي والجور، وتَطهرُ الأرض وتفيق إنسانيةُ الإنسان"([10]).
المحور الثاني: مكانة الشَّهيد وكرامة الشَّهادة
"الشَّهادة سموُّ روحٍ، وعيُ عقلٍ، طهرُ قلبٍ، سموُّ إرادةٍ، شوقٌ حيٌّ طاهرٌ عارمٌ إلى الله، رؤيةٌ كونيةٌ ممتدةٌ منفتحةٌ تكسر كلَّ الحواجز وتخترقها وتعبر كلَّ الحدود"([11]).
بعد أن ينظرَ المؤمنُ إلى هذه الأهداف المقدَّسة والغايات النَّبيلة للشَّهادة والجهاد ويؤمن بها، وتمتزجُ بقلبِه وروحِه ومشاعرِه، يكونُ حينئذٍ مستعداً للتَّضحية وللبذلِ والعَطاء بنفسٍ مطمئنةٍ راضيةٍ مسرورةٍ، فتطهر روحُه وتكون محبوبةً عند خالقِها.
1ـ شهادة الشَّهيد
وهنا يتحدَّث القائد عن مكانة الشَّهيد وهو يبيِّن معنى الشَّهادة والشَّهيد.
يقول سماحته: "الشَّهيد إمَّا أن يكون بمعنى عظيمُ الشَّهادة ومقبول الشَّهادة وأمين الشَّهادة، وإمَّا أن يكون بمعنى -كما يذهب إليه صاحب المصباح- "مشهود"، وهو مشهود بشدَّة وعناية والتفات كبير، وإذا كان مشهوداً فهو مشهودٌ من الملائكة في غسله أو في نقله إلى الجنَّة، وإذا كان بمعنى المبالغة من فاعل بمعنى شديد الشَّهادة، فذلك لأنَّ الشَّهيد وصلَ من درجة الأمانة والنـزاهة والمقبولية عند الله) أن شهادته معتمدة، وأنَّه يشهد على جماعته وأمتِّه، ويشهد على الأوضاع، ويشهد بما هو عدل في النَّاس وبما هو ظلم، وهذا يعني منـزلة عظمى، وروحاً قد طهرت وحلقت في سماء المجد، فالمقام مقامٌ رفيعٌ من حقِّه أن يغبط عليه صاحبه"([12]).
2ـ الشَّهيد والرُّجوع إلى الحياة الدُّنيوية
عند تعرُّضه للرِّواية التي تتحدَّث عن تمنِّي رجوعُ الشَّهيد يبيِّن سماحة القائد السبب الحقيقي وراء هذا التمني، وفيه بيان لعظمة الشَّهيد ومكانته عند الله سبحانه، يقول:
"تمنِّي الرُّجوع إلى الدُّنيا، هناك نوعٌ واحدٌ فقط من النَّاس وهو نوع الشَّهيد، عن رسول اللهe:
>ما من أحد يدخل الجنَّة يحبُّ أن يرجعَ إلى الدُّنيا وأن له ما عليه على الأرض من شيء غير الشَّهيد<([13])، كلُّ أصحاب الجنَّة لو عُرِضَ عليهم أن يعودوا إلى الدُّنيا وأن لهم كلُّ ما في الدُّنيا فلا يحبُّون العودة إلى الدُّنيا، تسقطُ قيمة الدُّنيا بكلِّ قصورها وحقولها وجمالها وتتلاشى وتذوب في النَّفس ولا تساوي شيئا، لكن الشَّهيد يكون له شوق للعودة للدنيا، لم؟ هل لأنَّ الدنيا كبيرة في نظره وقد استشهد وهو هازئ بها؟ وهو مستعلٍ عليها وقد سقطت في نفسه حينما رأى الآخرة؟ ليس هذا هو الوجه الصحيح لتمنيه، فلماذا يتمنى العودة إلى الدنيا؟ >ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما عليه على الأرض من شيء غير الشَّهيد، فإنَّه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة<، من كرامة الشَّهادة، فالشَّهادة أعطته كرامة خاصة، أعطته منزلة مقنعة، جاءت بنتيجة فوق ما يتصور، فحق له أن يعشق ما به تلك الكرامة وأن يتكرر ما به تلك الكرامة، وأن يتكرر ما به ذلك الفوز العظيم عند الله سبحانه وتعالى"([14]).
3ـ الشَّهيد له رصيد روحي وفكري أهلته للشَّهادة
الموت مرٌّ وصعبٌ، وفيه فراقُ للأحبة والملذات والشهوات وكل ما في الدنيا مما هو مورد تعلق الإنسان، ولهذا نرى عامَّة النَّاس تفرُّ من الموت وتخافه وتستوحش منه، وربما لا تطيق ذكره، وقد يكون ظاهر الإنسان عاشقاً للشَّهادة ولكنَّه عند الامتحان يتبيَّن أنَّه بعيدٌ كلَّ البُعد عنها، فقد أشار سماحة القائد إلى ما ذكرتُه الآياتِ بشأنِ بني إسرائيل فإنَّهم "كانوا يتمنون القتال ويتمنون خوض المعركة، ولكن الآية تقول: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً}([15])، فلا بدَّ أن يكون هناك رصيد عقلي، ورصيد نفسي، ورصيد روحي ضخمٌ يسهل طريق الشَّهادة لَيَصِلَ أصحاب الإيمان القمَّة، إلى حالةِ عشقٍ صادقةٍ، وليس على مستوى الكلمة في قضيَّة الشَّهادة. فكان أهلُ كربلاء من أنصار الإمام الحُسين× يتهافتون على الموت تهافتَ الفَراش، والظَّاهر أنَّ صدقَ إيمانِهم -حتى بلا أمرٍ غيبي زائد- يكشفُ لهم عن مواقعهم في الجنَّة"([16]).
فالشُّهداء أصحابُ نفوسٍ "أحبَّت الله وعشقته، وآمنت بقيمة دينه وصدق وعده، وأدركتْ بُعدَ الآية الكريمة {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}"([17]).
المحور الثالث: التحفيز والإعداد لثقافة الشَّهادة
الشَّهادة مشروعٌ ضمن المشروع الإلهي لإقامة العدالة ونشر الحق على طريق توحيد الله تعالى، ولهذا فهو ليس مشروعاً شخصياً يختاره الإنسان بمفرده، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع في الإعداد لثقافة الجهادة، يقول سماحة القائد في هذا الشَّأن:
"الشَّهادة مطلبٌ عظيم، وشروطُها ثقيلةٌ، وقضيةُ سيلان الدَّم، وخسارة الجسد دمَه ليس هو أكبر ما في الشَّهادة، بل هو أقل ما فيها، الشَّهادة سموُّ روحٍ، وعيُ عقلٍ، طهرُ قلبٍ، سموُّ إرادةٍ، شوقٌ حيٌّ طاهرٌ عارمٌ إلى الله، رؤيةٌ كونيةٌ ممتدةٌ منفتحةٌ تكسر كلَّ الحواجز وتخترقها وتعبر كلَّ الحدود، فمسؤوليتنا أن نربِّيَ أنفسَنا، وأنْ نربِّيَ أبناءَنا وبناتِنا على حبِّ الشَّهادة، لِدوا وأنجبوا شهداء، وإنجابُ الشُّهداء يحتاجُ إلى عملٍ تربويٍ جاهد، يحتاج إلى إمدادٍ علمي، ونضج عقائدي، وطهارة نفس، وسمو قلب، ورشد"([18]).
فهنا يتحدَّث القائدُ في الإعداد إلى مشروع الشَّهادة منْذُ الوِلادة بل قبلَها، وتعبيرُه في غايةِ الرَّوعة حينما يقول: "لِدوا وأنجبوا شهداء". وفي كلمة أخرى يقول أيضاً: "علينا أن ننجبَ أجيالاً متوالية ممَّن تُغنِّي بحبِّ الشَّهادة وتذوبُ فيها، وتعي قيمةَ الشَّهادة، وتحمل فقهَ الشَّهادة، وتميِّز بين الرَّاية التي تصدق في ظلِّها الشَّهادة، والرَّاية التي لا تصدق في ظلِّها الشَّهادة"([19]).
وفي لقائه مع أهالي الشُّهداء اعتبر أن إعداد الشُّهداء إحدى واجبات الأمة تجاه الشُّهداء: "وتربية الأجيال التي تحمل رايتهم، وتعطي كما أعطوا، وتضحّي كما ضحّوا.."([20]).
وهذا يعني أنَّ ترك هذا الطريق وعدم الإعداد له هو تضييع لجهود الشُّهداء، وخذلان لهم.
خطوات إعداد الشُّهداء:
ثمَّ يبيَّن سماحته الخطوات التي من خلالها يمكن أن نربِّيَ جيلاً على ثقافةِ الشَّهادة:
1ـ الامتناع عن حبِّ الدُّينا
كلُّنا نعرف أنَّ حبَّ الدنيا لا يجتمع مع حبِّ اللهِ ولقائِه، ولكن ما هو المطلوب فعلاً حتَّى يصدقَ علينا أنَّنا ممَّن لا يحبُّ الدُّنيا.. هنا يقول القائد:
"حبُّ الشَّهادة لا يتمُّ مع حبِّ الدُّنيا، علينا أن نصحِّح حبَّنا للدُّنيا، بحيث نعطي حبَّنا للدُّنيا صورتَه الصَّحيحة، فنلعش ونحبَّ البقاء في الدُّنيا، والتَّمتُّع فيها وإعمارها، ولكنْ كلُّ ذلك يجب أن يكون في ضوء الهدف، ومن أجل أن تسموَ الروح، وأن يكون كلُّ ذلك في خدمة الروح وخدمة الهدف من أجل الوصول إلى الله)"([21]).
النَّاشئة والأولاد حينما يرون آباءهم وأمهاتهم يزهدون في الدُّنيا فسوف يزهدون معهم، وحينما يرونهم حريصون عليها فهم سيحرصون عليها أيضاً.
2ـ التَّعاطي الصَّحيح مع الدُّنيا
وهذا يعني أنَّ المؤمنَ في علاقتِه بالدُّنيا عليه أن يحذرَ من طبيعة هذه العِلاقة، فلا تكونُ إلا وفق الهدف وفي طوله، وأن تكون الغاية أمام عينيه لا يغفل عنها.
ولكي لا يفهم الكلام خطأً في المطلوب منَّا تجاه العلاقة بالدَّنيا حيث لنا حوائج دنيوية يبين سماحته هذه النقطة فيقول:
"مطلوب منَّا أن تنمو الدُّنيا على يدنا، أن نزرع الدُّنيا ونبنيها، أن تشمخَ الدُّنيا ببنائنا، وأن تكون دنيانا أعرض من دنيا الآخرين، وأقوى من دنيا الآخرين، وأسعد من دنيا الآخرين، ولكن من دون أن نخسر أنفسنا، من دون أن نكون عبيداً للدُّنيا، يجب أن نكون الأحرار الذين تتعاظم الدنيا على أيديهم ومن أجلهم وتحت أمرتهم، فيكونوا حكَّام الدُّنيا لا من تحكمهم الدُّنيا بجبروتِها"([22]).
3ـ عدم حبِّ الشَّهادة يعني الانهزام والمذلَّة
ولأجل غرس حبِّ الشَّهادة في القلوب والنفوس يحاول القائد أن يدخل إلى تلك النفوس عن طريق آخر ليعزز فيها حبَّ الشَّهادة، وهو العزة والكرامة، وذلك من خلال بيان أنَّ الامتناع عن طريق الشَّهادة يعني الانهزام أمام الآخرين، يقول: "حبُّ الشَّهادة لا بدَّ منه، وإلا فإنَّ الشَّعب أو الأمَّة التي لا تعشق الشَّهادة، ولا يسهل عليها ركوب طريق الشَّهادة، ولا تعرف المِراسَ الذي تتطلبهُ ميادينُ الشَّهادة، أمَّة لا بدَّ أن تكون مهزومةً أمامَ الأمم الأخرى، يكون شعب لا بدَّ أن يخسر نفسه وحريته وكرامته وحياته، فلا بدَّ من حب الشَّهادة"([23]).
إذن، حبُّ الشَّهادة أمرٌ ضروري في الحياة العزيزة الكريمة، فحتى لو غضضنا النَّظر عن الثواب وما يلازم من كرامة الشَّهادة فإنَّها تبقى ضرورية.
ويفصل في كلمة أخرى عن مسألة العزة والكرامة فيقول:
"ما من أمَّة تطلب عزتَّها إلا وعليها أن تبذل من دمِها، والأمَّة التي تبخل بالدَّم إنِّما تتخلَّى عن عزتِّها وكرامتها واستقلاليتها وتقبل بالذلِّ والهوان، فالنَّاس لا يرحمون، في الأرض كفر، وفي الأرض نفاق، وفي الأرض أهل تسافل ومطامع دنيوية وعدوانية شرسة، فالأمَّة التي تمتنع أن تضحِّيَ، وأن تبذل، وأن تعطي من دمِها فلتستعد لموقع الذلِّ والهوان والتبعيَّة الخسيسة.
الأمَّة تسلب حقوقها، وتستباح أرضها، وتمتلك عليها ثروتها، ويذل أبنائها، إذا أرادت أن تستعيد الحقَّ المسلوب فالثَّمن هو الدمُّ المسفوح، وحيث لا تعطي هذا الدمَّ تبقى حقوقها مضيعة مسلوبة، ويبقى موقعها موقع الذلِّ والخزي والهوان. والأمَّة الإسلامية لن تعود إلى موقعها ولن تتحرَّر وتتوفَّر على استقلاليتها وإرادة التصرُّف الحرّ في ذاتها وثرواتها وتربية أبنائها إلا بأن تتعلَّم العطاء والشَّهادة وتحصل حالة عشق واعٍ لقضية الشَّهادة"([24]).
4ـ بذل النفس فيها ربح لوجودي:
حتى تتعزَّز ثقافةُ الشَّهادة في النَّفس هناك حاجة إلى إلفات المؤمنين إلى حقيقة ولكنَّها غائبة ومغفولٌ عنها رُغْمَ وضوحِها، يقول القائد في كلمات تلامس الروح والعقل: "على أنَّي في هذا الجِهاد لا أخسرُ نفسِي، لا أخسرُ وجودي، [بل] أنا أربحُ وجودي من خلال هذا الجِهاد، أنا أتنازل عن حياةٍ عابرةٍ على مستوى متدَّنٍ لأنتقلَ إلى حياةٍ خالدةٍ غزيرةٍ، وكبيرةٍ وممتدةٍ ووافرةِ الهَناء"([25]).
ويشرح ذلك في كلمة أخرى عن حقيقة تلك الحياة التي سأنتقل إليها عن طريق الجهاد والشَّهادة: "والموت في الإسلام لا يعني نهاية الحياة، ولا يعني الفناء، يعني نشأة في طول نشأة، حياة بعد حياة، عالماً جديداً بعد عالم، كما كنت ابن بطن أمِّك، كما كنتَ في الإطار الضيِّق من عالم الرَّحم، ثمَّ انتقلت إلى نشأةٍ أفسح مجالاً، وأكبر امتداداً، وأوسع أفقاً، أنت كذلك هنا في رحمٍ ضيِّقٍ من الحياة ستنتقل إلى فضاءٍ أكبر وأوسع، فالرُّوح محبوسةٌ من حدود البدن ومؤثِّر عليها من المادة، ولكن هناك الرُّوح طليقة، وأفق اطِّلاعك أوسع، وأنت هناك تشرف من أفق أعلى وأرفع، فالموت ليس نهاية الحياة، وإنما هو بداية حياة أكبر وأوسع. وعلينا أن نستعد لتلك الحياة، وشروط تلك الحياة وأوضاعها ولذائذها وآلامها غير ما نحن عليه الآن، وكما كان هناك تغير واسع بين حياة الرحم، وبين الحياة على الأرض في وجودنا، سنشاهد عالماً جديداً حين ننتقل من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة([26]).
ويقول في كلمة ثالثة مقارناً بين هذه الحياة والحياة الأخرى "أعظم ما خافه إنسان على نفسه أنْ يخسر الحياة، أو أنْ يكون في ضنك من العيش، أنْ يبقى للبؤس، للحَزَن، للخوف، أنْ يَلُّفه العدم النهائي، أنْ تذهب حياته وكلُّ جهده إلى سراب إلى لا شيء، والشُّهداء أحياءٌ عند ربهم يرزقون، حياتهم حافلة بالفرح والاستبشار، والأمن والرغد والرِّضا، أجرهم محفوظ ومستقبلهم مؤمَّن مضمون، وهو مستقبل أبدي بلا نهاية"([27]).
5ـ الإيمان العنصر الأهم
يجمع كل ما مرَّ عنصر الإيمان بالله تعالى حيث هو الدافع وهو المولد للوعي، وهو الذي يضمن به الإنسان سعادته، وسلامة طريقه، وأنَّ كل ما سيقدمه لا يكون سدى وبلا قيمة، هنا يقول الشَّيخ القائد:
"الإيمان يؤسس لشجاعة، ولجرأة، لإقدام، لعدم حسابٍ للموت الذي لابد له من هجمة على الإنسان. النصوص الدينية تقول لك: لا تخسر قضيتك، ولا تخسر مستواك، وإيمانك، وعزتك، ولا تخسر إنسانيتك، ولا تخسر مستقبلك لخوف الموت.
عقدة خوف الموت اطرحها عنك وتخلَّص منها، حين تعلم أنَّك لابد أن تموت، ولا فرار من الموت، وأن يومك لا مؤجل له أو معجل، وحين تعلم أنه لابد من نهاية، وأن الناس كل الناس لا يملكون بكل ما أوتوا من قوة وحيلة أن يمدوا في أجلك لحظة، أو يتقطعوا منه لحظة فإنك هنا وأمام هذا القدر المحتوم لابد أن تنطلق في هذه الحياة بقوة، إذا كنت قد علمت أنك لن تستطيع بتوقفك أن تمد في عمرك، وأن تقدمك إلى ساحات الجهاد لن يبتر من عمرك شيئاً. إنَّ قضية الإيمان لتؤسس للشجاعة والجرأة الإقدام"([28]).
ما هي أرضيّة الشَّهادة؟
يعدِّد سماحة الشَّيخ المقومات التي إذا توفَّرت حصلت الشَّهادة الحقيقية والمرجوَّة:
"للشَّهادة أرضية واضحة إذا حصلت هذه الأرضية، حصلت الشَّهادة:
1ـ صحوة عقل.. الشَّهادة ليس لها وارد في لحظات غيبوبة العقل وسباته.
2ـ يقظة ضمير.. والضمير الميت لا يتجه للشَّهادة.
3ـ سُموِّ روح.. الروح الهابطة بعيدة كلَّ البعد عن أفق الشَّهادة.
4ـ طمأنينة قلب.. لله ولرحمته، إذعان من القلب لنعمه.. لواجب الطاعة له.
5ـ إرادة خير قويّة.. صلبة، لا ترتدُّ ولا تنتكس.
6ـ إيمان راسخ.. رؤية مستقبلية واضحة تكاد ترى الآخرة رأي عين، وأن منقلب الشَّهيد إلى الله وواسع رحمته، وكريم فيوضاته.
7ـ ثقةٌ بالغة بالله.
8ـ إكبارٌ للآخرة، واستصغار لدنيا الذلِّ والهوان والتردّي والانحراف والمتعة الخسيسة وشهوات الحيوان.
لا أرضية للشَّهادة في الانفعال الغالب للإرادة، في الفوران العاطفي المُذْهِب للعقل"([29]).
موانع الشَّوق إلى الشَّهادة
من الأسئلة المهمَّة التي تخطر على بالنا هذا السُّؤال: مع كلِّ هذا المقام للشَّهادة ما لنا لا نشتاق لها الشوق الحقيقي، ونسعى ونهيئ المقدمات؟
ما مرَّ من بيان التعلُّق بالدُّنيا والنَّظرة إلى الحياة، وعدم إدراك حقيقة الحياة الآخرة لعلَّه يجيبُ عن هذا السُّؤال، وللتوضيح أكثر ننقل بعض كلمات القائد حول ذلك.
1ـ تلوُّث الذَّات والنَّقص في النَّفس
يقول القائد في بعض كلماته عند لقائه ببعض عوائل الشُّهداء، فيقول:
"إنَّ كلَّ مصيبتِنا في تلوُّث ذواتِنا؟ وأنَّ نقصَ الشُّعور بالسَّعادة في أيِّ نفسٍ وراءَه نقصٌ في النَّفس، ولو طهُرت النَّفس من كلِّ أدرانها وأقذارها لما شاب شعورُها بالسَّعادة شوقٌ.
إنَّ غفرانَ اللهِ يعني تطهير الذَّات وغسلها من كلِّ أقذارها، وإذا ما غسلت ذات إنسان من كلِّ الأقذار كانت تلك اللحظة التي تشعر فيها، وبالمعنوية التَّامة، وبالسَّعادة التَّامة، بالخلوِّ من أيِّ مكدِّر من المكدِّرات، كيف لا وهي إذا خلت من الأكدار صارت ترى اللهَ، تنشدُّ إليه، وهل تشعر نفسٌ بالخوف وقد أنشدَّت لله في رضا عنها، وهل تشعر بالفقر أو تشعر بما يهددها، هنا لا شعور بنقصٍ في ظلِّ الانشداد والارتباط بالله وفي ظلِّ الشُّعور بمرضاته).
عن الإمام الصادقg: >من قُتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته<([30])، وعن رسول اللهe: >الشَّهادة تكفّر كلَّ شيء إلا الدَيْن<، فإذا كُفّرت الذنوب وغسلت الذَّات من أقذارها تمَّت مواقعة السَّعادة"([31]).
2ـ النظرة الخاطئة إلى الدُّنيا
يقول: "منّا من يستمسك بهذه الحياة لأنَّه لا يرى حياة بعدها بجمالها؛ لأنَّه لا يرى جمالاً وراء جمالها، بامتدادها، لأنَّه لا يؤمن بامتداد في طولها، يراها كلَّ شيء في وجوده، ويرى أن لا وجود له إلا بها، وهو هنا لا بدَّ أنْ يستمسك بها، ولا بدَّ أن يتهالك عليها، ولا بدَّ أن يضحي بكلِّ شيءٍ لأجلِها، منَّا مَن ينهزم في هذه الحياة بمغرياتها، بلذاذئها، بمظاهرها، يخسر إرادته، يخسر إحساسه بقيمة نفسه، ويخسر شعوره بانتمائه لربِّه، يخسر كلَّ جمالٍ في كيانه نزولاً عند رغبته في هذه الحياة؛ فيقبل أن يذل، ويقبل أن يهان، ويقبل أن ينسحق من أجل يوم من أيام هذه الحياة"([32]).
فالنَّظرة الخاطئة إلى الدُّنيا وما يلازم ذلك من عدم معرفة أنَّ الآخرةَ حياتُها أوسع وأرحب وأسعد وأجمل يؤدِّي إلى قبول الذلِّ والهوان، وهذا يعني ترك الجهاد وطريقِه، وهذا ما يمكن أن نفسِّر به ما نراه من الأمم والشُّعوب والشَّخصيات المختلفة في قبولها للذلِّ والانهزام والمهانة مهما كانت التَّعليلات والتَّبريرات لذلك الخنوع والخضوع للظُّلم والجور.
ويكمل القائد خلال حديثه عن أنماط النَّاس في تعاملهم مع الحياة ونظرتهم إليها، مبيناً الفئة ذات النَّظرة الدقيقة والصحيحة للحياة، وتحتاج هذه الكلمات إلى تمكن أكثر من قبل المؤمن، وأنقل كلامه رغم طوله، يقول:
"ومنّا من يقيم لهذه الحياة وزناً عالياً، لا لأنَّها أنفاس تذهب وتجيء، ولا لأنَّها أوقات على الأرض يتمتَّع فيها بمأكل أو مشرب، ولا لأنَّ زينة الحياة تغريه، وإنِّما لأنَّه يرى كلَّ لحظةٍ من الحياةِ ذاتَ قيمةٍ عاليةٍ في صناعة وجودٍ جديدٍ قافزٍ في وجودِه، يرى في كلِّ لحظة فرصة بأنْ يتقدَّم من خلالِها في مستواه، وأن يقرب شيئاً ما من خالقه، أن يعظم شعورُه بذاتِه في ظلِّ شعوره بقيمة إيمانه، يرى في كلِّ لحظة من لحظات الحياة فرصة لنمو وزكاة وعلو وسمو في ذاتِه، وهو يرى أنَّ قيمة الحياة من قيمة ما يمثل أمام ناظريه من هدف الوصول إلى رضوان الله، وإلى جنَّة فيها يقظة الرُّوح، وفيها سموُّ الرُّوح، وحياة الرُّوح، وفيها الصَّفاء والنَّقاء والخلوُّ الكامل من الشَّوائب، لذلك والحياة عزيزة عليه يسهل عليه أن يضحِّي بالحياة، الحياة عزيزة عليه لأنَّها مجال صناعة ذاتِه، ولأنَّها فرصة التقدُّم بمستواه، ولأنَّ مستقبله من صناعة نفسه في هذه الحياة، وتسهل عليه هذه الحياة بكلِّ ما لها من قيمة عالية إذا كان إنهاؤه لحياته مختاراً، متقدِّماً للسُّيوف والرِّماح، فاتحاً صدره للرصاص إذا كان ذلك مقدمة لنيل الهدف الأكبر الأعظم، الذي منه تسمتد منه الحياة قيمتها، ألا وهو رضوان الله، ألا وهو جنَّة الخلد التي هي عنوان مرضاة الله"([33]).
3ـ اعتقاد النَّجاة من الموت من خلال الفرار
رغم إيماننا بالله سبحانه وأنَّه تعالى هو الذي يقدر الآجال والأعمار للنَّاس إلا أنَّ مسألة الاعتقاد بأنَّ الفرار من الجهاد والحرب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصدي للظَّلمة من الأمور المنجية من الموت هذه المسألة مسيطرة على نفوسنا، وقد أشار إليها القائد مستشهدا برواية عن الأميرg، يقول سماحته:
"وقد تفرُّ النَّفس من الشَّهادة مخطئة بتصوِّر أنَّ فرارها من ساحات الشَّهادة أياماً تبقيها في هذه الحياة، يأتي الحديث عن أمير المؤمنينg ليعالج جنبة الضَّعف النَّفسية في مثل هذه النَّفس: >إنَّ الفارَّ لغيرُ مزيدٍ في عمره ولا محجور بينه وبين يومه<([34])، فهنا تأكيد على أنَّ الفِرار من ساحات وميادين الشَّهادة لن يضيف للعمر ولا لحظة واحدة على الإطلاق، فلماذا الفِرار؟ فهناك يوم ينتظرنا في ساحات الجهاد أو على الفراش ولنختر، هناك نفوسٌ هامت في الشَّهادة وعشقتها كلَّ العشق حتى صارت غاية مطلوبة لها تفتِّش عنها في كلِّ المسالك والدروب([35]).
ولهذا يؤثَرُ عن الأميرg قوله: >لضربةٌ بالسِّيف أهونُ من موتٍ على فراش<([36])، فما دامَ الموتُ قادماً لا محالة وأنَّ الجهاد لا يقدِّم ولا يؤخِّر أجلاً، فلماذا نختار موتة الفراش؟!
فالمهم للإنسان أن يفكر بشكل جدي أن يكون موته في طريقة الشَّهادة ويدعو صادقا للتوفيق بها، يقول القائد: "هناك لحظة سهُل علينا أو صعب، ساغ لنا أم لم يسغ، حَلت أو مَرَّت في المذاق لابدَّ أن نواجهها، لحظة الرَّحيل من هذه الأرض، والمسألة ليست مسألة أن نرحل وإنما كيف نرحل؟ وإلى أين نرحل؟ وبأيّ خاتمة يكون رحيلنا من هذه الحياة"([37]).
4ـ الخوف من الموت والاعتقاد بأنَّه فناء
تقدَّم ما يرتبط بهذه النُّقطة، ونؤكِّد عليها هنا، وهي أنَّ المؤمن وإن كان يعتقد بأنَّ هناك حياة بعد الموت، ولكن قد يغلب على الوهم والنَّفس -مقابل العقل- أنَّ الموت نوعٌ من الفناء، وهذا ربما ما نعيشه عمليا خلال تعاملنا مع الموت، نحتاج إلى تنبيه وتذكير، خصوصاً ونحن نتحدَّث عن الشَّهادة التي هي أرقى أنواع الموت، ولهذا يؤكِّد سماحة القائد على هذه المسألة في كلماته المختلفة، يقول في بعضها:
"الشَّهيد حيٌّ غير ميِّت وكلُّ خوفِنا من الموت، القرآن الكريم يطمئن الشَّهيد بأنَّه ليس بميت، حيٌّ بحياة سعيدة، يشعر فيها بالشعور الكريم الآمن، ويرزق رزقاً حسناً من الله سبحانه وتعالى، وهي بداية حياة سعيدة كريمة ومن هنا فليعشقها العاشقون.
قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}([38])، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}([39]). فالبِرُّ هو الخير، وقيمة الإنسان هو ما يأتيه من خير، وإذا كانت الشَّهادة هي البرُّ الذي ليس فوقه برٌّ، فأنت يا شهيد من أحسن النَّاس عملاً، وكل اختبار الحياة وتحدياتها إنما هو من أجل أن تتجلى الذات الأحسن عملاً من غيرها.
عن رسول اللهg: >فوقَ كلِّ ذي برٍّ برٌّ حتَّى يقتل الرَّجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برٌّ<([40])، لا يوجد درجةٌ أرقى من هذا البِّر، وقد تفرُّ النَّفس من الشَّهادة مخطئة بتصوُّر أنَّ فرارها من ساحات الشَّهادة أياماً تبقيها في هذه الحياة"([41]).
والمفترض أنَّ المؤمنَ بعد إدراكِه لهذه الحقيقة ومعايشتها بقلبه وروحِه بعد عقلِه، لا معنى حينئذٍ لخوفِه من الجهاد وطريق الشَّهادة ما دامت الشَّهادة هي طريقه إلى الحياة الحقيقية التي تتناسب مع قيمته وسموِّ روحِه.
المحور الرابع: آثار ثقافة الشَّهادة والجهاد
بما تقدَّم من ذكر المنطلقات والأهداف للجهاد والشَّهادة تتبيَّن الآثار العظيمة التي تترتَّب على ثقافة الشَّهادة وعلى ما يبذله الشُّهداء من تضحيات، ونذكر هنا أثرين أحدها على نفس الشَّهيد والآخر على الأمَّة من بعده.
1ـ أثر ثقافة الشَّهادة على روح الشَّهيد
ونقصد بذلك أنَّ الشَّهيد حينما كان يحمل في روحِه ثقافة الشَّهادة والتَّضحية كيف كانت علاقة هذه الرُّوح متأثِّرة بهذا الجوِّ الطَّاهر، يبيِّن سماحة القائد روحية الشَّهيد قبل استشهاده -والتي ينبغي أن يعيشها كلُّ مؤمن يتوق إلى الشَّهادة- ويذكر في وصف الشُّهداء أثرين مهمين:
"أـ أنساهم عُشقُهم للقاءِ اللهِ حُبَّ الدُّنيا.
ب ـ ولم يجدوا أملًا يغريهم مثل الأمل في لقائهِ ورضوانه"([42]).
فهؤلاء الشُّهداء كانوا يتميَّزون بهاتين الميزتين المهمَّتين حالَ حياتِهم، الأولى هي شوقهم إلى لقاء الله سبحانه، والأثر هو أنَّهم نسوا حبَّ الدُّنيا، والتَّعبير عظيم هنا، فالدُّنيا وزخارفها وملذَّاتها وشهواتها أمامَ نواظرهم فهم ليس فقط أعرضوا عنها بل "نسوها" وإنمَّا "أنساهم شوقُهم".. والنسيان إنما يكون للأمور غير المهمة في نظر الإنسان، فحب الدنيا الذي سيطر على غالبية نفوس الناس أصبح منسيا في نفوس وأرواح "المشتاقين إلى لقاء الله".
ويقول في مورد آخر: "عن الإمام عليg: >مَن رائح إلى الله كظمآن يرد الماء<([43])، من الذي يريد لقاء الله? من هذا الذي يفتش عن لقاء مع حبيب مع الله؟ وهل ذهابه ذهاب عادي أو بصورة خاصة? ومن هذا الذي يشتهي رحمة الله؟ ويود أن يقرب من عناية الله، ولطف الله، وأن يكون في حماه وأمنه ووقايته وبحبوة كرامته، أتعشق؟ أتحب؟ فيا طلاب الجنة فهي تحت أطراف العوالي، "اليوم تبلى الأخبار" وهي النفس التي هامت في حب الشَّهادة، واستولى حب الشَّهادة على كل أقطارها، نفس عليg وأمثال عليg، ويقسم ولا يقسم إلا صادقاً، >والله لأنا إلى لقائهم أشوق منهم إلى ديارهم<([44])الآخرون وقد توعدهم الموت ورأوا شبح المنية يشتد شوقهم إلى الديار، أما عليg فهو أشوق إلى لقائهم ليشتد في سبيل الله من شوقهم إلى ديارهم"([45]).
والصفة الثانية وهي قريبة من الأولى، وهي "قطع الأمل بما سوى الله"، لقاء الله قد استولى على كيانهم وأرواحهم الطّاهرة بحيث لا يثقون في شيء آخر مهما عظم.
ج ـ من يستعدُّ لبذل النَّفس والدَّم في سبيلِ اللهِ تعالى حتماً هو مستعدٌ أيضاً لبذل ما هو دون ذلك، وهي علامة الإخلاص، وعلامة الصِّدق في الاستعداد للبذل، يشير هنا القائد إلى ساحات الجهاد الأخرى غير الحرب العسكرية بالنِّسبة لمن يحمل روح الشَّهادة بين جنبيه، يقول: "أنت بايعت اللهَ على الجنَّة، المسلم يعدُّ عدةَ الحربِ بنفسِه، يربِّي فرسَه، ويشتري سهمَه، ويشتري السَّيف، ويشتري كلَّ العدة، ويخرج لقتال المشركين، عند نداء رسول اللهe. أنت لا بدَّ أن تكون متأهباً دائماً، وفي الخطِّ الأمام دائماً، تسمع أوَّل نداءٍ لنشاط ثقافي إسلامي، أوَّل نداء بنشاط اقتصادي إسلامي، لخدمة اجتماعية على الخطِّ الإسلامي، فتتقدَّم فَرِحاً، أنت بايعت الله، بايعت رسول اللهe، على أن يكون الثَّمن الجنَّة وليس الدِّينار! وليس التَّكريم الاجتماعي أيضاً"([46]).
وهناك أثر رابع أشار إليه ضمن هذا الكلام المتقدِّم وهو الاستعداد والتهيؤ للبذل والتضحية والعمل.
2ـ أثر جهاد الشُّهداء على الأمَّة
إنَّ أثر جهاد الشُّهداء واسعٌ وشاملٌ لكلِّ الأمَّة بل لكلِّ النَّاس، وربما لا يمكن حصر الآثار في عدد معيَّن، لأنَّه يشمل كلَّ جوانب الحياة، ولكن نذكر منها:
أـ فتح طريق الهدى الذي أغلقه الظَّالمون
يقول القائد بشأن الشُّهداء:"رأوا أنَّ طريق النَّاسِ إلى اللهِ يقطعه عليهم الظَّالمون، فأخذوا على أنفسهم أنْ يفتحوا بشهادتهم هذا الطَّريق الذي لا هدى ولا حياة للنَّاسِ إلّا به، ومن غيرهِ هم هالكون، أخذوا على أنفسهم ليدخل النَّاسُ في طاعةِ الله أفواجًا أفواجًا، ويجدوا طريقهم إلى رحمتهِ وكرامتهِ"([47]).
وهنا توجيه البوصلة من الشَّيخ القائد إلى الوجهة الصَّحيحة في مواجهة الظَّالمين، فإنَّ الظَّالمين بظلمهم يقطعون "الطَّريق إلى الله"، وفتح هذا الطَّريق لا يكون إلا من خلال الجهاد وثقافة الشَّهادة.
ولولا أنَّ هناك جماعة أرخصت نفسها في هذا السبيل، لكن الضلال والفساد والظلم أكثر انتشارا في الأرض وأوسع تأثيراً.
ب ـ نور الشَّهيد ليس له زمان أو مكان محدود في التأثير
في كلمة له يعبر عن الشَّهيد بأنَّه "نور"، ثمَّ يوصف هذا النُّور ومدى تأثيره، فيقول: "الشَّهيد نورٌ يخترق الآفاق، الشَّهيد في زاوية صغيرة من الأرض لا يبقى حبيس هذه الزاوية، الشَّهيد للزمن كله، الشَّهيد للمكان كله، للعالم كله.
ثمَّ يأخذ في بيان هذه الجملة نافياً المبالغة فيها، فيقول: "ينبع صدق هذا الكلام من أنَّ الشَّهيد إنما سقط دمه على الأرض من أجل دين الله، ودين الله حاجة كل الأرض، حياة الأرض المادية، وحياة الأرض المعنوية، إنسانية الإنسان، كل ذلك لا شيء بلا دين حق، والشَّهيد إنما سقط على الأرض صريعاً من أجل هذا الدِّين، الدِّين الذي به حياة النَّاس، الذي به حياة الأرض، الذي به إنسانية الإنسان، الذي به سمو الإنسان"([48]).
وإن كان الأساس للجهاد هو إعلاء كلمة الدِّين، إلا أنَّ هذا الأثر لا يقتصر على المتدينين؛ لأنَّ إعلاء الدِّين فيه خيرٌ لكلِّ الإنسانية، وهذا ما يؤكِّد عليه سماحة الشَّيخ في كلماته المتفرِّقة.
"الشُّهداء لا يعرفون الحدود، ولأنَّهم لا يعرفون الحدود فيجب أن ينفتح عليهم جميع أهل الحدود. وهذه الأمَّة منبع شهداء، وخزين شهداء، وسيستمرُّ تدفُّق الشُّهداء، من أجل حفظ الأرض، حفظ دينِ الله، حفظِ إنسانية الإنسان"([49]).
ج ـ تعليمهم الأمَّة على الإقدام والتَّضحية
حين تعليقه على حديث أمير المؤمينg في قوله: >أين أخواني الذين ركبوا الطَّريق ومضوا على الحق؟<([50]) يقول الشَّيخ القائد: "يتأسَّف لهم لفراقهم، فقد خسرتهم الحياة، فمن استشهد في سبيل الله فليس أربح منه للحياة، ولكن الحياة خسرته، فلا بدَّ أن نأسف لشهدائنا من هذا المنطلق؛ لأنَّهم نماذج تعلمُّنا الإقدام في سبيل الله، والجرأة في سبيل الله، وأن نسترخص النَّفس في سبيل الله، وأن لا يكون لنا اعتزاز بشيءٍ كما هو اعتزازنا بالدَّين وبالله تبارك وتعالى"([51]).
نكتفي بهذا القدر من الكلام، مع وجود كلماتٍ كثيرةٍ جداً لسماحة الشَّيخ القائد(أطال الله في عمره، ومتعنا بطول بقائه)، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطبيبين الطاهرين.
([1]) محاضرة تحت عنوان في رحاب الشهداء - 4جمادى الأول1431ه - الموافق 16/4/2010م – مأتم سار- البحرين.
([2]) خطبة الجمعة (34) 7 رمضان 1422هـ – 23-11-2001 م.
([3]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([4]) كلمة آية الله قاسم في السحور الرمضاني على شرف عوائل الشهداء – 2014م.
([5]) التأبين المركزي لشهداء البحرين “الشُّهداء… مشاعل الثورة”، الذي أقامه العلماء والحوزات العلمية مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 28 فبراير 2012م.
([6]) خطبة الجمعة (34) 7 رمضان 1422هـ – 23-11-2001 م.
([7]) خطبة الجمعة (34) 7 رمضان 1422هـ – 23-11-2001 م.
([8]) التأبين المركزي لشهداء البحرين “الشُّهداء… مشاعل الثورة”، الذي أقامه العلماء والحوزات العلمية مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 28 فبراير 2012م.
([9]) خطبة الجمعة (34) 7 رمضان 1422هـ – 23-11-2001 م.
([10]) التأبين المركزي لشهداء البحرين “الشُّهداء… مشاعل الثورة”، الذي أقامه العلماء والحوزات العلمية مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 28 فبراير 2012م.
([11]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([12]) محاضرة تحت عنوان في رحاب الشُّهداء - 4جمادى الأول1431ه - الموافق 16/4/2010م – مأتم سار- البحرين.
([13]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2ص1515.
([14]) لقاء مع عوائل الشُّهداء – 12 شهر رمضان1432ه – الموافق 13/8/2011 – مأتم سار – البحرين.
([15]) سورة البقرة الآية 246.
([16]) محاضرة تحت عنوان في رحاب الشُّهداء - 4جمادى الأول1431ه - الموافق 16/4/2010م – مأتم سار- البحرين.
([17]) سورة البقرة الآية 216.
([18]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([19]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([20]) لقاء مع عوائل الشُّهداء – 12 شهر رمضان1432ه – الموافق 13/8/2011 – مأتم سار – البحرين.
([21]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([22]) المصدر السابق.
([23]) المصدر السابق.
([24]) محاضرة تحت عنوان في رحاب الشُّهداء - 4جمادى الأول1431ه - الموافق 16/4/2010م – مأتم سار- البحرين.
([25]) خطبة الجمعة (34) 7 رمضان 1422هـ – 23-11-2001 م.
([26] ) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([27]) التأبين المركزي لشهداء البحرين “الشهداء… مشاعل الثورة”، الذي أقامه العلماء والحوزات العلمية مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 28 فبراير 2012م.
([28]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([29]) اللقاء السنوي مع عوائل الشُّهداء، 12 شهر رمضان 1432هـ/ 13 أغسطس 2011 م، منطقة سار، البحرين.
([30]) الكافي، الشيخ الكليني، ج5 ص54.
([31]) لقاء مع عوائل الشُّهداء – 12 شهر رمضان1432ه – الموافق 13/8/2011 – مأتم سار – البحرين.
([32]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([33]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([34]) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج15 ص61.
([35]) لقاء مع عوائل الشُّهداء – 12 شهر رمضان1432ه – الموافق 13/8/2011 – مأتم سار – البحرين.
([36]) مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الطبرسي، ص524.
([37]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
([38]) سورة آل عمران الآية 169.
([39]) سورة الملك الآية 2.
([40]) الكافي، الشيخ الكليني، ج2ص348.
([41]) لقاء مع عوائل الشُّهداء – 12 شهر رمضان1432ه – الموافق 13/8/2011 – مأتم سار – البحرين.
([42]) التأبين المركزي لشهداء البحرين “الشُّهداء… مشاعل الثورة”، الذي أقامه العلماء والحوزات العلمية مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 28 فبراير 2012م.
([43]) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج15 ص61، نص الحديث > .... وإنَّ الفار غير مزيد في عمره، ولا محجوب بينه وبين يومه، من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء الجنَّة تحت أطراف العوالي، اليوم تبلى الأخبار...<.
([44]) المصدر السابق.
([45]) لقاء مع عوائل الشُّهداء – 12 شهر رمضان1432ه – الموافق 13/8/2011 – مأتم سار – البحرين.
([46]) خطبة الجمعة (34) 7 رمضان 1422هـ – 23-11-2001 م.
([47]) التأبين المركزي لشهداء البحرين “الشُّهداء… مشاعل الثورة”، الذي أقامه العلماء والحوزات العلمية مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 28 فبراير 2012م.
([48]) الحفل التأبيني “بوابة الوصال” – 12 يونيو 2019، الذي أقيم في مدينة قم المقدسة إحياءً لذكرى 128 شهيداً من شهداء الثورة الإسلامية وشهداء الدفاع عن الحرم المقدس.
([49]) الحفل التأبيني “بوابة الوصال” – 12 يونيو 2019، الذي أقيم في مدينة قم المقدسة إحياءً لذكرى 128 شهيداً من شهداء الثورة الإسلامية وشهداء الدفاع عن الحرم المقدس.
([50]) نهج البلاغة، خطب الإمام عليg، ج2ص109.
([51]) لقاء الوفاق الرمضاني – 9 شهر رمضان 1434ه – الموافق 17/7/2013م – مأتم سار – البحرين.
0 التعليق
ارسال التعليق