قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(1)
المقدمة
لقد أودع الله في الإنسان نعماً كثيرة، من طاقات جبّارة وقدرات عظيمة، وشرّفه بنعمة العقل والتفكير والاختيار، ونتاج هذه المواهب من أفعال الإنسان تجسيد لهذه الطاقات والقدرات، وعندما تتحول هذه الطاقات إلى أعمال مخرّبة أو غير هادفة فكأنها فنيت أو ضاعت، فهي كمثل الإنسان الذي يحمل معه ثروة عظيمة، ولكنه لا يُحسن التدبير ولا يدري ما يفعل بها فيتلفها بسوء تدبيره. والخسران الحقيقي والمضاعف هو أن يفقد الإنسان كل شيء في مسالك خاطئة ومجالات منحرفة ويظن أنه أحسن العمل، ولا يلتفت إلى ما هو فيه فيعيش الجهل المركب، فيكون مصداقاً للآية المباركة : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}(2).
ولذلك لابد لنا أن نوظّف هذه النعم و الطاقات والملكات في السير نحو التكامل ونحو الهدف من خلقنا، ولا يمكن الوصول إلى التكامل المنشود إلاّ بالتعامل والتعاون والتشاور فيما بيننا وحفظ المواقع والخصوصيات لكل فرد بحسب الإمكانات والتخصصات والقدرات التي يحملها.
مدخل
انتشرت بعض الظواهر الخطيرة في مجتمعاتنا المحافظة باسم التطور والإبداع، نتيجة المدّ الثقافي المنحرف ضمن مخطط مدروس ومحكم لاغتيال الهويّة الدينية، فكان من ضمن قنواته -وللأسف الشديد- بعض المفكرين والباحثين والذين يشهدون بالشهادتين ولكنهم مصابون بفيروس الحداثة المطلقة غير المراعية للقيم والتعاليم الإسلامية والعرفية؛ وأخرى نتيجة الجهل الفقهي والفقر العقائدي والتهاون في مواجهته، وبالتالي فقدان المناعة الفقهية والدرع العقائدي السبب الذي سهّل كثيراً اختراق مجتمعنا في دينه وفكره وعرفه وأصالته، ولذلك فعلى المعنيين من طلبة علوم ومثقفين وعاملين وكل من له موقع ديني و اجتماعي ممّن يحملون الحس الأصيل، التفكير الجاد في إعادة تقويم كثير من الظواهر والتحرّك نحو إيقاف هذا المدّ والأخذ بيد الأجيال القادمة نحو الأصالة الدينية، والعودة إلى التقاليد والقيم الإسلامية السامية التي نشأت عليها مجتمعاتنا، والسير قدماً نحو التطور والإبداع بتفعيل الطاقات العاملة واستثمار الكوادر الفاعلة وإبراز القدرات الكامنة والعمل على تهذيب هذه التطوّرات والإبداعات بأن تكون ضمن الإطار الإسلامي المحافظ فقهياً وعرفيّا.
ولو أفقنا قليلاً من عمليّة التخدير، وتأملنا في مفاصل الحياة وخصوصاً في المواسم العباديّة والطقوس الدينيّة كشهر رمضان، وأيام عاشوراء، و الحج والعمرة، ومواسم الزيارات لرأينا بوضح مدى التجاوزات الفقهية والأخلاقيّة والعرفيّة، فبعد أن كان شهر رمضان شهر القرآن والدعاء والعبادة، صار عند الكثير من أهل زماننا شهر التلفاز في برامجه المبتذلة والسهر مع آلات اللهو، واستُبدلت المساجد و المآتم ومجالس القرآن بالمجمّعات التجاريّة ومراكز الإنترنت إلى وجه النهار، وأما عن محرّم الحرام شهر العطاء الحسيني شهر العفاف الزينبي شهر البطولة الهاشمية شهر الوفاء المظاهري، هذه الأيام العظيمة التي سقتنا من فيض عطائها إيماناً وفكراً نقيّا عبر منابرها ومواكبها، نرى فيها اليوم بعض التجاوزات والاشتباهات عند بعض الإخوة (الرواديد) الأعزاء في ما انتشر مؤخراً من إصدارات خاصّة لجلوات الأفراح و اللطميات العزائية _ وأنا أقول البعض _ والتي اشتملت على بعض الكلمات وبعض الألحان والتأثيرات الصوتيّة التي لا تتناسب مع الرأي الفقهي في بعض صورها، ولا تتوافق مع الذوق العرفي المحافظ في بلداننا الكريمة تحت عناوين كثيرة، منها التطور والإبداع من أجل التأثير. وبما أن تأثير اللطميات العزائية وانتشارها على مستوى البلدان الإسلامية وفي الوسط الشبابي كبير جداً، سنتعرض إلى عدّة التفاتات مهمة في المسألة متوكلين على الله الربّ الرحيم :
الأولى
تردد شعار أن سماع هذه الإصدارات بهذه الكيفية بديل عن سماع الأغاني.
هذا الشعار وإن كان في ظاهره حسن إلا أنه يحتاج إلى ترميم وتصحيح...
أولاً : إذا كان الهدف من العزاء هو الانتقال بمشاعر وأحاسيس السامع إلى جو خاص يتناسب مع مقام هذا الحدث الأليم على المسلمين، فإذا صار سماع العزاء بديل عن سماع الغناء وكان تأثير العزاء على السامع هو نفس التأثير الذي كان يستشعره عند سماع الغناء مع اختلاف المادة فقط، فهذا يعني قتل الهدف الحسيني الكبير من هذا العزاء، وهو نقل المجتمع إلى أن يعيش كربلاء في قيمها ومأساتها، بل إنه يؤدي إلى وأد الحركة الحسينية وتحويلها من معركة نضال إلى أغنية جميلة وأنشودة عذبة كسائر الأناشيد.
ثانياً : الإسلام لم يأت لإيجاد البدائل عن المعاصي والمخالفات والعادات الجاهلية، بل جاء بقوانين جديدة، وجاء ناسخاً للشرائع السابقة وملغياً لكثيرٍ من العادات الجاهلية مثل العبوديّة وشرب الخمر ووأد البنات وغيرها، ودعا إلى كل ما يتناسب مع الفطرة السليمة ليحفظ بذلك كرامة الإنسان وسعادته. إذاً.. فعلينا الاختيار بين الإسلام وغيره لا على أساس أن الإسلام يتكفل بإيجاد البديل عن الخمر و الميسر وعن المحرمات التي كانت تُمارس قبل الإسلام، بل على أساس أنه الدين القيم الذي تكفل قوانينه للإنسان العدالة والمساواة والكرامة والسعادة. قال تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(3). وقال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ...)(4) وقال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(5)، و امتازت الشريعة الإسلامية بالشمول، ووضع الحلول لكافة المشاكل التي تعتري الإنسان في جميع جوانب الحياة، قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(6) فالإسلام أوجد الحلول بإيجاد شريعة كاملة لا أنه يُوجد البدائل عن المعاصي كلما ظهرت واستجدّت، أي إذا اعتاد الناس على ممارسات مخالفة للدين وصارت من روتين الحياة، واقتحموا المحرّمات نتيجة عدم مراعاتهم للحكم الشرعي، فيتبيّن لهم بعد ذلك أنها تصطدم مع الشريعة المقدسة، طُلب من الإسلام أن يُوجد البديل وإلاّ اتُّهم الإسلام بالنقص وعدم القدرة على إدارة الحياة !!
ولذلك لو تعاملنا مع العزاء بهذه النظرة الشكلية فقط وهي التركيز على جودة اللحن وقوة التأثير في إحداث نشوة عند المستمع كما يركز عليه الملحنون فإننا بذلك قد ربطنا المستمع بأجواء اللحن نفسه، بمعنى أنّ نفس النشوة والاهتزاز اللهوي الذي يبغضه الشرع المقدس ومن أجله حُرّم الغناء والموسيقى اللهويّة، نكون نحن قد ساهمنا في زرعه وترسيخه في النفوس من خلال العزاء وهذا ما أراد الشرع المقدس إبعاد الناس عنه.
الثانية
نحن نعلم أننا في زمنٍ كثرت فيه الشبهات، واستعَر الغزو الثقافي من خلال القنوات الفضائية والإنترنت الذي أثر سلبا على عقول شبابنا وصار الشاب يتأثر ويتزلزل بأبسط إشكال على الدين والعقيدة، وذلك لعدم وجود الحصانة الدينية _ الفقهية والعقائدية _ الكافية، وهذا يدعونا إلى أن نحافظ على الأصالة في ديننا وتقاليدنا التي ورثناها من أئمتنا وأجدادنا وأن لا يكون التطور والإبداع والارتقاء على حساب تمييع وطمس الهوية الحسينية الأصيلة، وخير مثال على ذلك هو المنبر الحسيني، فمنذ وعينا هذه الحياة كان المنبر ولا يزال هو المنبع الأصيل الذي تربينا تحته وتطور بما يتناسب وهذا المكان المقدس، تطور في الأسلوب و الفكرة والكلمة المربية، ورفع مستوى الوعي، وربط الناس بالقرآن وبأهل البيت(ع) وخصوصا صاحب العصر# منبع العلوم والمعارف. فالمفروض علينا كشيعة حسينيين أن نُسخّر كل الشعائر كالمنبر والعزاء لما يخدم تأصيل العقيدة في النفوس، وربطها بمبادئ أهل البيت(ع) من خلال اختيار الكلمة الهادفة والألحان المشجية التي تربط ذهن المستمع بفظاعة المأساة وتزرع في قلبه بذور حب الحسين(ع) ومبادئ الحسين(ع) لتأثره العاطفي بالحسين(ع)، فإن التأثر العاطفي يجذب الإنسان إلى التفاعل مع قضية الحسين(ع) ومشروعه.
الثالثة
مسألة وجود استفتاءات لبعض الفقهاء في جواز شراء (الأورغ) نوع من آلات الموسيقى يُعزف عليه بأصابع اليد على أنه من الآلات المشتركة وإخراج الألحان المحللة منه :
نُعلق عليها بأن الفقيه إنما يُفتيك بالعنوان الأولي. أي بما توصل إليه من حكم شرعي بعد النظر في الأدلة الشرعية بعيداً عن الظروف المحيطة بالسائل ولو علم الفقيه ببعض المفاسد التي تترتب على الحكم فلعله يحكم بعدم الجواز بالعنوان الثانوي، وعليه فليس كلّ فعل مباح يُفعل، إذ لابد قبل الإقدام على أي تصريح أو فعل ملاحظة مقدار المفسدة والمصلحة، حيث أن هناك بعض التصريحات وبعض الأفعال المباحة بل وبعض الأفعال المستحبة، قد تكون مفاسدها في مكان وزمن معينين أو لبعض فئات المجتمع مثل الرموز الدينية أكبر، مثلاً : مسألة ترك العباءة ولبس (البالطو) وإن كان جائزاً إذا لم يُظهر مفاتن المرأة، ولكن صار باباً لتتطور هذه الظاهرة حتى وصلت إلى حد الانحراف في (موديلاتها) بلا شعور عند البعض، ومثال آخر (العقد المنقطع) فعل مستحب، إلا أنه إذا تحوّل إلى حالة من الفوضى وعدم الانضباط ونشر المفاسد الإجتماعية والأسرية صار وباءاً على المجتمع بعد أن كان حلاّ لمشاكل عديدة، بل إن من الأمور المهمة التي يجب ملاحظتها أن لا تتحوّل ممارساتنا للشعائر وسيلة لهتك حرمة المذهب ووهنه في نظر الناس فإنه بذلك تتحول الشعيرة الحسينية إلى معول يهدم كرامة المذهب فتكون محرمة، فكما أن استخدام المتعة كالزنا في بعض الأماكن يُسيء لسمعة أهل البيت(ع) ومذهبهم فكذلك تحويل العزاء لألحان وتأثيرات صاخبة مناسبة لمجالس اللهو يوجب سخرية المجتمعات العقلائية بالطائفة ويشوه سمعتها ونقاء صورتها.
الرابعة
يتمسك البعض أيضا بساحة إيران ولبنان، بأن إيران ولبنان يستعملون هذه الآلات و يعزفون مثل هذه الألحان وغيرها من الأمور. أقول :
أولاً : إن الحجة علينا هو الرجوع إلى رأي الشرع من خلال علماء الدين لا إلى ما تعارف عليه في بعض المجتمعات، أي أن سماعنا لموسيقى تُبث عبر إذاعة أو تلفزيون لدولة أو جهة إسلامية لا يكون ذلك دليلاً على حليّتها وجواز الاستماع إليها فضلاً عن تقليدها وإنشادها بنفس الطريقة.
ثانياً : إن ساحة إيران ولبنان والبحرين وأيّ دولة تختلف ظروفها الاجتماعية والسياسية وغير ذلك عن بعضها البعض فلا نجر ساحة لبنان إلى البحرين ولا يجر الإيراني ساحة البحرين إليه قبل أن ينظر في ملابساتها وهل أن ظروفها تتناسب مع ظروف مجتمعه الدينية والعرفية أم لا؟ باعتبار أن للعرف دخالة في ترتب كثير من الأحكام الشرعية.
الخامسة
بقدر ما نحن مأمورين بالاهتمام بقضية سيد الشهداء(ع) وأبناءه المعصومين(ع)، فنحن مأمورين أيضاً بالاهتمام بجوانب أخرى مهمة إن لم تكن أهم، وهو الاهتمام بالقرآن الكريم قراءة واستماعا وتدارساً وتدبراً، فلا نكون مصداقاً لقوله تعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(7)؛ وكذلك الأدعية والزيارات والمحاضرات وغيرها. إذاً لابد أن نعمل جميعاً على إيجاد برامج لتشجيع الشباب من الرجال والنساء للمحافظة على القرآن درسا وتدريسا حيث ورد عن الأمير(ع) : (.. وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص...) - نهج البلاغة - خطب الإمام علي(ع) ج 1 ص 216، و على الشباب المؤمن أن يتقدم للمشاركة في المحافل بما لديه من مواهب من كلمات ومحاضرات ومسرحيات وأشعار هادفة وأن يهتموا بقراءة الأدعية والزيارات في مناسباتها وغير ذلك، حتى نسعى نحو الهدف والتكامل ولا يغلب جانب على جانب آخر.
السادسة
للأسف... إن كثيراً من الثقافات والمظاهر المنحرفة المنتشرة في مجتمعاتنا دخيلة عليه وبسبب قبول فئة لها، ولأنها لم تواجه بعدم القبول أوالاستنكار من أحد، فإنها أخذت مأخذها شيئاً فشيئاً حتى أصبحت ثقافة لا يمكن التخلي عنها بل يُدافَع عنها في المجالس والمنتديات بقوة ويُستهزئ بمن لا يرى شرعيتها بل بداهتها !! ولهذا الأمر عدّة أسباب، منها :
الأول : التهاون في مواجهة مثل هذه الثقافات والعادات الدخيلة من البداية من الجيل الذي يعلم بفساد هذه الثقافة، إلاّ أنه يتهاون معها فتصبح ثقافة أصيلة عند أولادنا وأجيالنا القادمة ما يؤدي إلى صعوبة، وربما استحالة انتزاعها منه بعد ذلك.
ثانياً : المغالطة التي يعيشها البعض، وهي البحث عن الرأي الذي يتماشى مع شهواته ورغباته، على مستوى الرأي الفقهي والعقائدي والفكري وغيرها مدّعياً أنها أراء علماء وفقهاء فيتظاهر بالتدين من دون أي توقف وتأمل، وهذا النوع من التساهل في دين الله أدى إلى ظهور شريحة كبيرة من ضعاف الإيمان والجهلة، وأخذت هذه الفئة بترويج هذا النوع من التفكير عبر سلوكها.
خاتمة
ولا ينكر أحداً الدور الكبير والفاعل الذي يقوم به الإخوة (الرواديد) الأعزاء في العمل على نشر الحق والحقيقة ورفع مستوى الوعي من خلال الكلمة واللحن المؤثرين، ولن تنسى التضحيات للبعض منهم في وقت كانت تُدفع على كلمة الحق ضريبة قاسية فجزاهم الله خير الجزاء، ولذلك نقطع بأن الإخوة المؤمنين و (الرواديد) الأعزاء لايتعمّدون فعل ما يُسيئ للدين والمذهب والمجتمع، ولكن يجب أن لا تأخذنا العزّة بالإثم، وأن نتحلى بالروح الحسينية النقيّة التي قال تعالى فيها { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}(8)، وأن نعترف بقصورنا وتقصيرنا وفقرنا وجهلنا لكثير من الأمور، فكما ورد عن أبي عبد الله الحسين(ع):(إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري، إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي..) من دعاء عرفة للإمام الحسين(ع)، إذاً فعلينا أن نستشير أهل الشرع أولاً والالتفات إلى أعراف وقيم وتقاليد البلد، بأن تُعرض مثل هذه الإصدارات على أحد العلماء المتفقهين وعلى طلبة العلوم الدينية المتابعين لأحوال العزاء وعلى المتدينين الواعين المهتمين بالعزاء ولنرتب الأثر على ملاحظاتهم وهذا ليس بالأمر الصعب. وكذلك أدعوا نفسي أولاً و الإخوة الأحبة (الرواديد) والشباب المؤمن رجالا ونساء أن نتفقه في ديننا خصوصاً في مجال اهتمامنا، ولا نعيش الجهل المركب فنحسب أننا نُحسن صنعا فنكون مصداقا لما رُوي عن أمير المؤمنين(ع) : (أن نبي الله (ص) قال لي : سيخرج قومٌ يتكلمون بكلامِ الحق، لا يُجاوز حلوقهم يخرجون من الحق خروج السهم) ميزان الحكمة - محمدي الريشهري ج 1 ص 732، وأن نلتفت للّعبة الدنيئة التي تُحاك لنا ليلاً ونهارا لطمس هويتنا وإبعادنا عن ديننا وقرآننا وأئمتنا، وأن لا ننجر خلف الأهواء والمادة على حساب ديننا وقيمنا، وأن نطوّر أعمالنا ومشاريعنا ضمن الإطار الديني والعرفي المناسبين للمحيط الاجتماعي في بلداننا، وأن نسعى للحفاظ على ما تبقى وإرجاع ما تُرك وتصحيح ما اختلط وأن نعتز بتعاليم إسلامنا وأعرافنا وتقاليدنا الأصيلة وأن لا نتنازل عنها لأبسط الأمور، وأستغفر الله لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات.
{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(9)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
* الهوامش:
(1) سورة الأسراء: الآية 36.
(2) سورة الكهف، الآية 104.
(3) سورة الأنعام، الآية 161.
(4) سورة آل عمران، الآية 19.
(5) سورة آل عمران، الآية 85.
(6) سورة المائدة، الآية 3.
(7) سورة الفرقان، الآية 30.
(8) سورة الزمر، الآية 18.
(9) سورة يوسف، الآية 53.
0 التعليق
ارسال التعليق