مقدّمة
لا يخفى على المسلمين بأنّ شهر ربيع الأول هو موسم للوحدة الإسلاميّة، ودرء الفتن الطّائفيّة، ويرجع الفضل في ذلك إلى إمام الأمّةS.
ولكنّه ليس من الممكن أن يحقّق هذا الموسم المبارك وحدة بين المسلمين، إذا كانت الوحدة تبدأ وتنتهي لموسم واحد، ومن هنا لا بدّ من أن ننظر إلى هذا الموسم من باب المحطّة والانطلاقة، لا من باب الموسميّة المؤقتّة، ولكي تستمرّ الوحدة الحميميّة بين المسلمين لا بدّ من ألا تبقى مشتعلة بعود الكبريت لأنّها تخمد سريعاً، إنّما يجب أن نوصل العود بالغاز المتّصل الدّائم، فهكذا يكون للموسم دور الانطلاقة.
وما يمكنني أن أساهم به في قضية الوحدة الإسلامية ودرء الفتن، هو تسليط الضوء على المانع الذي طرح نفسه بكلّ وقاحة على السّاحة الإسلاميّة عموماً، وعلى السّاحة الشيعيّة خصوصاً، وهو "التشيّع اللندني".
علماً أنّ الجهود المبذولة في شأن الوحدة الإسلاميّة من قبل العلماء والباحثين كانت ناظرة إلى المقتضي والشروط في ذلك، ولم تكن هناك جهود مبذولة في بيان الموانع الحقيقيّة بشكل خاص ودقيق، نعم، لا يمكن إنكار الجهود المتطرّقة للموانع التي كانت تتمتّع بملاحظة القواعد العامّة والخطوط العريضة فحسب!
وبما أنّ موانع الوحدة الإسلامية متعددة، فقد يُطرح هذا السؤال قبل كلّ شيء: لمَ تمّ اختيار هذا المانع من بين تلك الموانع؟
يرجع الاختيار لهذا المانع من حيث تسليط الضوء عليه إلى أمور:
الأوّل: إنّ هذا المانع محسوب على الشيعة، فالأَوْلى أن يُتصدّى له من داخل البيت الشيعي، علماً أنّ أغلب الموانع الأخرى لا ترجع إلى الشيعة، أو لا تنحصر بها.
الثاني: رغم الضجّة الكبيرة إلا أنّ هذا المانع يعتبر جديداً على السّاحة، ولا يخفى أنّ إهماله سيؤدّي -كما أدّى- إلى إضلال الكثير على مستوى الداخل الشيعي والخارج الإسلاميّ بشكل أكبر.
الثالث: قلّما يتمّ التصدي لهذا المانع من حيث الدراسة العلميّة المفصّلة، من تعريفه، وخطورته، ومبادئه، وأساليبه، وغير ذلك، إذ في الأغلب يُكتفى بالردّ عليه بشكل فتاوى مرجعيّة، وإرشادات عامّة بالإعراض عنه.
الرّابع: وهو أهم الأسباب بالنّسبة إليّ، وهو التزامٌ بما أوصى به الإمام الخميني+ من ضرورة تبيين معالم الإسلام المحمدي الأصيل من الإسلام الأمريكيّ كوظيفة شرعيّة[1].
والله الموفِّق والمُعين.
الفصل الأول: التعرف على التشيّع اللندنيّ
من الجذور .. إلى الثّمرة المشؤومة!
إبليس .. ذلك العدو!
خلق اللهa الإنسان الأوّل، وهو آدم النبيّ على نبيّنا وآله وعليه السلام، فأبى إبليس الطّاعة لله تعالى بالسّجود لآدم، وقدّم ذريعته التاريخية المعروفة: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}[2]، فقال له الله تعالى: {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}[3].
وهنا لمّا وقعت المواجهة بين إبليس والذات المقدسة الإلهيّة، ولم يستطع إبليس أن ينتصر فيها، إنّما طُرد صاغراً مدحوراً، قام اللعين بتغيير بوصلة المواجهة، من مواجهة الله تعالى إلى مواجهة عباده وخلقه، انتقاماً وجبراناً لهزيمته في المواجهة المباشرة مع اللهa، فقال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ}[4]، ذلك لأنّه علم أنّ الله تعالى لا يخلق خلقاً إلا لتكاملهم، وأنّه يحب لهم الكمال والتكامل، فأراد إغواء الخلق وإضلالهم أن يمنع تكاملهم، ولا يحقق لهم الكمال الذي يحبّه الله لخلقه، الكمال الذي أخبر الله تعالى الملائكة من قبل: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[5]، ولمّا رأى الله تعالى كيف ختم هذا المخلوق الجنّي العابد لله ستة آلاف سنة بالوقاحة، حينما شرع بمواجهة مباشرة وغير مباشرة مع الله تعالى، قال لهa: {لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}[6]، هو ومن تبعه.
وعليه، فالمعركة قائمة بين طرفي الحقّ والباطل، وموضوع هذه المعركة هو الإنسان، أنا وأنت.
ولأجل أن يلتفت الإنسان جيداً إلى دوره في هذه المعركة، وطبيعة العدوّ المتربص له بكلّ ما أوتي من قوّة، ذكّرنا القرآن الكريم والسنّة المطهرة مراراً وتكراراً:
{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}[7]، يحذرنا من التهاون به في الواقع العملي، والغفلة عنه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[8].
أمريكا .. الشيطان الأكبر:
غير خافٍ على المتأمّل في الآيات القرآنية أنّ القرآن الكريم كما نبّه وحذّر النّاس من العدو إبليس بشكل متواصل وبأساليب متعددة، كذلك نبههم وحذرهم من العدو الخارجيّ، {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ}[9]، إذ لم يحصر التحذير على الأوّل بتاتاً، مشيراً في ذلك إلى أن للوجود الشيطاني نسختين، نسخة باطنة، والأخرى ظاهرة، أمّا الباطنة فهي التي تكون من الجنس الجنّي، وأما الظاهرة فهي التي تكون من الجنس الإنسيّ، وجمعهما قوله تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ}[10].
وعليه، فإنّا لو أجرينا مقايسة بينهما يظهر جلياً أنّهما متفقتان من حيث المنطلقات ومن حيث الأهداف، فلا فرق بينهما بتاتاً، فأمّا المنطلقات فهي الاستكبار والاستعلاء، وأمّا الأهداف فهي صدّ الخلق عن بلوغ الكمال والتكامل.
على أنّه من الجدير أن نلفت إلى أن الوجود الشيطانيّ الإنسي أسوأ من الجنّي، رغم كون الشيطان من جملة العوامل لظهور الشيطان الإنسيّ، فكان التعبير الصّادر عن إمام الأمّةS عن أمريكا أنّها "الشيطان الأكبر" بمثابة إلفات الأمّة الإسلامية والإنسانيّة إلى أنّ النسخة الظاهرة للوجود الشيطانيّ أخطر وأسوأ من النسخة الباطنة له.
قال الإمام الخامنئيB: "قال الإمام العظيم: أمريكا الشيطان الأكبر، هذا (الشيطان الأكبر) كلمة عميقة ومهمة جداً. إنّ إبليس هو رئيس شياطين العالَم، إلا أنّ إبليس ووفقاً لتصريح القرآن الكريم لا يستطيع إلا أن يقوم بعمل واحد فقط، وهو أن يغوي الإنسان، فلا يستطيع أن يفعل ما هو أكثر من الإغواء، وأمّا أمريكا بالإضافة إلى أنّها تغوي كذلك هي تقتل، وتحاصِر، وتحتال وتمكر، وتتظاهر، وترفع علَم حقوق البشر ..."[11].
الهيمنة على غرب آسيا (الشرق الأوسط):
تنطلق أمريكا الشيطان الأكبر في عملها من منطلق الاستكبار والاستعلاء، إذ تريد الهيمنة على البلدان والشعوب على مختلف الأصعدة، سواء السياسيّة، أم الاقتصادية، أم العسكريّة.
ولا يخفى أنّ هذا المنطلق هو ما انطلق منه إبليس العدو مقابل الله تعالى، قال الله تعالى عنه: {أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[12]، وكذلك دقيقاً كان منطلقاً في الشيطان الإنسي فرعون في مقابل نبيّ الله تعالى موسى على نبيّنا وعليه السلام، إذ قال: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[13]، {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[14].
وبما أنّ جميع بلدان العالَم هدف لأمريكا للهيمنة عليها، إلا أنّ بلدان غرب آسيا (الشرق الأوسط) تمثّل الأولويّة في النفوذ الاستكباري، ذلك لما تمتاز هذه البلدان من حيث الاستراتيجية السياسية والجغرافية والاقتصادية عن سائر البلدان، إذ تربط هذه المنطقة بين قارات ثلاث، ولها دور القياديّة والإدارية، وأراد الاستكبار العالَمي للمنطقة مشروع (الشّرق الأوسط الكبير).
قال الإمام الخامنئيB: "هم منذ القرن التاسع عشر لهم خطّة عمل تجاه الشرق الأوسط -ليس الأمريكيين فحسب، بل الغرب-، وذلك لأنّ الشرق الأوسط منطقة فاصلة بين بحر مديترانه والمحيط الهندي. بحر مديترانه موقع استقرار الدولة المستعمِرة، والمحيط الهندي منطقة المستعمَرات، ويقع الشرق الأوسط بين هاتين المنطقتين المهمتين، بحيث لم يستطيعوا أن يكونوا لا مبالين تجاهه. إنّ الضعوطات البريطانية على إيران ونفوذها في القرن التاسع عشر كانت للحفاظ على دولة الهند -التي كانت جزءًا من دولة بريطانيا-، وكنا قرابين للهند يومئذٍ، وهذا الأمر كان لكلّ الشرق الأوسط عامّة. وكان ظهور إسرائيل من هذا الموقع، ثم ظهرت عوامل أخرى، قضية النفط، قضية تقسيم المتصرّفات العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وقضية الاتحاد السوفياتي، فكلّ هذه العوامل أدت إلى أهمية الموضوع، ... هذه المنطقة المهمة الحساسة التي فيها النفط، وهي منطقة استراتيجية جغرافية وسياسية وكلّ شيء"[15].
ولشدة انطلاقهم من الهيمنة والاستعلاء والاستكبار فرضوا أنفسهم المحور لهذا العالَم، ثم وفقاً لهذا المحور نسبوا لهذه المنطقة الشرق الأوسط، بملاحظة كونها على شرق أوربا، قالَ الإمام الخامنئيB: "هذه المنطقة التي يصر الأوربيون أن يضعوا لها اسم (الشرق الأوسط)، فهي شرق بالنسبة إلى أوربا، والشرق تارة يكون شرقاً أبعد، وشرقاً أوسط، وشرقاً أقرب. انظروا إلى تكبّر الأوربيين، منذ الأول وُضِع لهذه المنطقة اسم الشرق الأوسط، وهذه التسمية خاطئة، هنا (غرب آسيا)، فآسيا قارة كبيرة، نحن نقع في غرب قارة آسيا"[16].
الإسلام عائق الهيمنة:
إنّ الاستكبار العالميّ حينما يريد أن يبسط نفوذه في المنطقة (غرب آسيا)، فإنّه لن يتمكن ما دامت هناك جهات تمانع من تحقيق مصالحه ومنافعه، وهذه الجهات قد تكون شعبيّة، كالشعوب المسلمة التي تقاوم الاستكبار العالمي والدول المستكبرة، من أنّ تحقق هيمنتها، وسلبهم كرامتهم وعزتهم ووطنهم، وقد تكون دولة نظاميّة، وذلك كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي عاهدت على أن تكون الجهة المقابلة بالنسبة إلى الاستكبار العالمي وأهدافه في المنطقة.
ولمّا أدرك الاستكبار العالمي وأعوانه أنّ الهيمنة لا تتحقق إلا بإزالة هذه العوامل (الشعبية والنظاميّة) من وسط الطريق، سعى مشمّراً عن ساعديه أن يبحث في السرّ الذي يجعل هؤلاء ممانعين له ولأهدافه، فوجد أنّ السرّ يكمن في (الإسلام) الذي يلتزم به هؤلاء في مجالي الاعتقاد والعمل.
وكما يخبرنا القرآن الكريم أنّ فرعون قال للسحرة الذين آمنوا بموسى عليه وعلى نبيّنا السلام: {آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}[17]، لأنّه أدرك أنّ المشكلة المعيقة لهيمنته تكمن في الالتزام بهذا الدين الذي جاء به موسى على نبينا وآله وعليه السلام، والذي تكون مواجهة الطّاغوت من أسس تعاليمه الاجتماعيّة، فإنّه كذلك اتَّضح للمستكبرين اليوم أنّ العائقَ الرئيس لتحقيق مصالحهم ومنافعهم هو التزام هذه الشّعوب بالإسلام عملياً، والتزام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بالتّعاليم الإسلاميّة، بالإضافة إلى أنَّها تحوَّلت إلى مصدر لنشر التعاليم الإسلاميّة التي تعيق الاستكبار العالميّ.
وعليه؛ فقد تحملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية كل هذه الحروب، وأنواع الحصار الاقتصادي، والمؤامرات والحِيَل والفتن، لأجل شيء واحد وهو التزامها بالإسلام، وكونها ممانعة للظلم والظالم، وناشرة لهذه التعاليم المقاوِمة لتتحقق (الصّحوة الإسلاميّة) في الشّعوب، فالصّراع في الحقيقة بين الكفر والإسلام، وليس بين شيء آخر.
قال الإمام الخامنئيB: "إنّ خوفَ المتجبّرين والمستكبرين اليوم هو من الإسلام والقرآن والمسلمين الحقيقيين فحسب"[18]. "إنّهم يخطّطون لمحو الهوية الإسلامية، والوطنية للعراق، وتحويله إلى مرکز للتسلط الأمريكي علی کلّ الشرق الأوسط، ومنابعه، وذخائر البشريّة البرية والمادّية"[19]. "يخافون من تواجد الإسلام في الحياة الاجتماعيّة، وعلّة خوفهم هي أنّ منافعهم لن تستقرّ"[20].
وحتّى تتحقّق هيمنة الاستكبار الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة في المنطقة كان لابدّ من أن تتحقّق الهيمنة الثّقافيّة أولاً، تلك الثّقافة التي لو نشرت والتزم بها من قِبَل الشّعوب والبلدان لمهّدت للاحتلال والهيمنة على جميع الأصعدة بعد ذلك. وهنا تتّضح أهميّة دور (الهيمنة الثّقافيّة) والمعبَّر عنها بالغزو الثّقافي والحرب النّاعمة.
وللمواجهة أسلوبان:
لمّا ظهر الإسلام في مكّة استاء من ذلكَ كفّار قريش، وعزموا على مواجهة الإسلام، فكانت غزوة بدر، وغزوة السُّوَيْق، وغزوة أُحُد، وغزوة الأحزاب. والملفت في هذه الغزوات أنّها كانت بين الإسلام والكفر بشكل واضح، ولكن لمّا شعر الكفّار أنّ الإسلام قد تمكّن في المدينة من حيث القوّة والقدرة، وفتح مكّة بكلّ عزّة، لجأوا إلى مواجهة بشكل آخر، ترجع في حقيقتها إلى المواجهة الأولى، لكنّها هذه المرّة تكون باسم الإسلام ضدّ الإسلام، ومن هنا يُترجَمُ إسلام أبي سفيان ومن معه في فتح مكّة، فإنّه: "لمّا ولِيَ عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان، فقال: يا معشر بني أُميَّة إِنَّ الخلافة صارت في تيم وعدي حتّى طمعتُ فيها، وقد صارت إليكم فتلَقّـفُوْها بينكم تلَقُّـف الكرة، فواللهِ ما من جَنَّـة ولا نار -هذا أو نحوه-"[21].
وهكذا بالضّبط ما حصل بالنّسبة إلى الاستكبار العالميّ، فإنّهم واجهوا الإسلام براية الكفر والإلحاد، لكنّهم توجّهوا بعد ذلك إلى مواجهة الإسلام براية إسلامية ستحقق أهدافهم بشكل مثاليّ، وبأقلّ خسائر، وذلك لأمور.
منها: إنّ الكفر المغطَّى بالإسلام، والباطل المُلبَّس بالحقّ، سوف يكون أكثر قبولاً من الكفر الصّريح بالنسبة للمسلمين، لأنّهم سوف يتلقّونه على أنّه الإسلام الحقّ بكلّ بساطة، وهكذا سوف تتحوّل المبادئ الإسلاميّة المعيقة لهيمنة الاستكبار العالميّ إلى مبادئ ممهّدة للهيمنة شيئاً فشيئاً. وهذا هدف أوليّ.
ومنها: إنّ هذا الكفر المغطَّى بالإسلام وإن لم يقع مقبولاً لدى الكثير من المسلمين، إلّا أنّه سوف يسبّب التفرقة بينهم، فيأخذ به بعض ويخالفه آخرون، وهذا هدف آخر.
قال الإمام الخامنئيB: "إنّ أعداء الإسلام يسعون إلى أن يواجهوا الإسلام باسم الإسلام وتحت غطاء الإسلام"[22].
مشروع الإسلام الأمريكيّ:
إذا كانت نجاة الأمّة الإسلاميّة تتوقّف على توعيتها من الإسلام المحرَّف، الذي يخفي في باطنه مبادئ الكفر والشّرك المنصبَّة في نفع الاستكبار العالميّ والقوى المستكبرة، فإنّ الفضل في ذلك يرجع إلى الإمام الخمينيS، حينما ميّز وفصل بين الإسلام المحمّدي الأصيل، وبين الإسلام الأمريكي[23]، كما كان الفضل في التاريخ يرجع لأولئك الذين ميَّزوا الإسلام الأمويّ والعبّاسي من الإسلام الحقّ.
ماذا يعني الإسلام الأمريكي؟
هو الإسلام الذي دخل فيه التحريف بالنسبة إلى الإسلام الذي جاء به النبيّ الخاتم محمّد بن عبدالله|، الذي ينصبّ في مصالح الاستكبار العالميّ والدول المستكبرة.
فكما كان الإسلام الأمويّ والعبّاسي يقع في طريق منافع الأمويين والعبّاسيين وأذيالهما على مدى التّاريخ، فكذلك هذا الإسلام الأمريكيّ اليوم.
ولا ينحصر التّحريف في منفعة الاستكبار العالميّ بالإسلام فحسب! بل يشمل ذلك غيره، ما إن تعرض للتّحريف في مبادئه وتعاليمه في صالح الاستكبار العالميّ، وذلك كالشّيوعيّة مثلاً، فإنّ المعروف أنّها شيوعيّة شرقيّة، كانت تقع في صالح الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولكنّها كانت تقع أحياناً في صالح أمريكا والغرب، فهي شيوعيّة أمريكيّة وفق ذلك.
قال الإمام الخمينيS: "من بين كل الشّعب الإيراني الذي يزيد عدد نفوسِه على الثلاثين مليوناً، توجد مجموعة قليلة من الشيوعيين، وهؤلاءِ ليسوا من الشيوعيين الذين يريدون الإتيان بالاتحاد السوفياتي إلى إيران، ولا أصدّق كثيراً أنّهم شيوعيّون أنقياء -حسب اصطلاحهم-، وأكثر هؤلاء أيضاً، والمقصود زعماؤهم، فلعلّ شبابهم ليسوا كذلك، فهؤلاء الزّعماء الذين تخرّجوا في البلاط، وهم يقومون الآن ببعض الأعمال، وبعضهم خدم للبلاط، وهؤلاء هم من نوع (الشيوعيّ الأمريكيّ) حسب ما أصطلِح عليه أنا، وليسوا من نوع (الشّيوعيّ الحقيقيّ)"[24].
جناحا الإسلام الأمريكي:
إذا أردنا أن نصنّف المسلمين اليوم من حيث الأغلبيّة، فإنّهم إمّا أتباع المذهب الشيعيّ الحقّ، أو أتباع المذهب السّني، وهذا يعني أنّ الاستكبار العالميّ الّذي يريد تحريف الإسلام ومبادئه وتعاليمه لتقع في صالحه يجب أن يؤسّس لكلّ فرقة من هاتين الفرقتين مذهباً مزيّفاً باسم (الشّيعة) للشيعة، وباسم (السّنة) للسنة، لأنّه ليس بالإمكان أن يجمع الاستكبار العالميّ الشيعة والسّنة تحت مذهب واحد. وهذان المذهبان المزيّفان المحرَّفان هما عبارة عن جناحي الإسلام الأمريكيّ اليوم.
وإذا راجعنا التّاريخ القريب نتيقّن بأنّ المذهب الوهّابي هو المذهب الذي اخترعه الاستكبار العالميّ آنذاك (بريطانيا)، لأجل أن يتبنّى ما يقع في صالحه، ومع الأسف الشّديد فإنّ هذا الجناح لم يكتف بالمواجهة المبادئيّة والثّقافيّة فحسب! إنّما تخطّى ذلك إلى المواجهة القتاليّة العسكريّة لمنفعة الاستكبار العالميّ، كما هو الواقع اليوم في سوريا والعراق وغيرهما من قِبَل التيّارات المتشدّدة التي ارتضعت مبادئها من الوهابيّة السلفيّة. ولمّا كانت سمة هذا المذهب المزيّف (التكفير) مُيِّز وفصل عن المذهب السنّي بـ (التسنّن التكفيري).
وحين وجد الاستكبار العالميّ أن تجربته في الوهّابيّة قد نجحت، والأهداف قد تحقّقت، قام ليخوض تجربة على غرار الوهابيّة، ليؤسّس في الشّيعة مذهباً مزيّفاً يخدم مصالحه، ويمهّد الطريق أمام هيمنته. ولمّا كانت محطّة تبليغه ونشره من (لندن) ناسب أن يقال له (التشيّع اللندنيّ).
وهذه التسمية لا تنحصر بالجغرافيا كما توهّم البعض، إنّما الذين يسكنون في لندن هم واجهة مكشوفة لهذا التيّار المزيّف الإفراطيّ، فلا ضير إن تواجدت أذنابهم وأتباعهم ومريدوهم في بلدان أخرى، في المساجد والحسينيّات، وفي المؤسّسات الثّقافيّة، والجمعيّات التطوّعيّة، والحوزات العلميّة.
وما الدليل على أنّهما جناحا الاستكبار العالميّ؟
لكي نشخّص جناحاً ما على أنّه مرتبط بالاستكبار العالمي ينبغي أن يتحقّق أمر من أمرين:
الأوّل: أن يثبت ارتباطه بالاستكبار العالميّ، والدول المستكبرة، عن طريق الوثائق الاستخباراتيّة، والمستندات السريّة.
الثاني: أن يثبت أنّ أقواله وأفعاله تنصب في منفعة الاستكبار العالميّ، والدول المستكبرة، بشكل منظومة متكاملة، لأنّ وقوع منظومة فكريّة منسجمة لصالح الاستكبار العالميّ ليس من باب الاتفاق والصّدفة بتاتاً.
أمّا الأمر الأوّل فقد قال فيه الإمام الخامنئي= صريحاً أنّهما مرتبطان بالاستخبارات البريطانيّة والأمريكيّة:
"ليس التشيّع المرتبط بـ (mi6) البريطانِيّ بشيعة، ولا التسنّن العميل لـ(cia) الأمريكيّ بسنّة، بل هما عدوّان للإسلام"[25]. "اليوم وفي مختلف بقاع العالم الإسلاميّ، هناك مساعٍ كثيرة من قِبَل المجموعات المسمّاة بالتّكفيريين والوهّابيين والسَّلفيين، ضدّ إيران، وضدّ الشّيعة والتشيّع ... إنّهم ليسوا بأعداء أصليين، هذا ما يجب أن يعلمه الجميع ... إنّ العدوّ الأصليّ هو الذي يدفع هؤلاء ويحركهم، الذي يهبهم المال، الذي إذا ضعفت دوافعهم يرغّبهم في ذلك بشتّى الدّوافع، ... هؤلاء هم الأيادي الخفيّة للأجهزة الأمنيّة والاستخباراتيّة"[26].
كذلك قال مدير النّطاق العلمائي في وزارة الاستخبارات الإيرانيّة الشّيخ أيوبيّ بشأن ارتباط التشيّعِ اللندنيّ بالاستكبار العالميّ:
"إنّ هذه القنوات تتمتّع بحماية الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وإنَّ عملها الأساس هو الثّقافة غير الإسلاميّة، وتوهين المراجع العظام، مع ما تخدم مصالح الاستكبار العالمي"[27].
وأمّا الأمر الثانيّ فإنّه واضح جداً لمن تابعهما بشكل منسجم، فإنّه بلا شكّ سيتعرّف على أنّهما لا يقولان شيئاً، ولا يبنيان رأياً إلا ويكون في جهة منافع أمريكا الاستكباريّة. وحتّى يتبيّن غيض من فيض أهدافهم المشؤومة نذكر أهمّ الأهداف التي تبيِّن كونهما جناحين لأمريكا وللدول المتجبِّرة.
أهمّ الأهداف:
ذكرنا أنّ المذهبين المزيّفين يقعان في صالح الاستكبار العالميّ، بحيث تكون لهما أهدافاً لا تقع في صالحِ الإسلام والمسلمين، إنّما في صالح الغربيين والمتجبِّرين، وهذه الأهداف متعدّدة، ولمّا لم يكن الغرض من هذا المقال التعرض إليها، سوى هدف (الفتنة الطّائفيّة من زاوية التشيّع اللندنيّ)، عزمنا على الإشارة مختصراً إلى أهمّ الأهداف لهما:
الأوّل: (ثقافة الصّلح والمصالحة مع الاستكبار العالميّ):
لا يخفى على المتابع أنّ جناحي الاستكبار العالميّ لا يعيّنان بوصلة المقاومة نحو (الاستكبار العالميّ والصّهيونيّة والقوى المستكبرة)، إنّما يوجّهانها نحو (الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة) والتيّارات المقاومة وسائر المسلمين، ويبادران بتقديم الذّرائع المتعدّدة لهذه القضيّة. ومن الطبيعيّ أنّ نشر هذه الثّقافة سيمهّد الطريق لهيمنة الاستكبار العالميّ.
قال الإمام الخامنئيB: "لقد تمكّن التيّار التكفيريّ أن يحرّف الصّحوة الإسلاميّة، كانت في المنطقة الصّحوة الإسلاميَّة كحركة ضدّ أمريكا، وضدّ الاستبداد، وضدّ أتباع أمريكا ... والتيّار التكفيريّ حرَّف بوصلة الحركة العظمية من أمريكا والاستبداد نحو قتال بين المسلمين والأخوة"[28].
الثاني: (ثقافة الانهزام والضّعف والهوان):
كذلك لا يخفى على المتابِع أنّ هذين الجناجين يلقّيان المسلمين الضّعف والانهزام، ولا يؤكّدان على العزّة التي جعلها الله تعالى لهم، كما لا يبادران بنشر الثّقة والاعتماد باللهa في المواجهة مع الاستكبار العالمي. ومن الطبيعيّ كذلك أنّ هذه الثقافة عبارة عن الترحيب بالاستكبار العالميّ بلا مقاومة.
الثالث: (تشويه صورة الإسلام):
كذلك لا يخفى على المتابِع أنّهما يعتمدان على مضامين ركيكة، وأساليب كالفحش والشّتم، لتشويه صورة الإسلام، وهذا ما يجعل المسلمين أقلّ تمسّكاً بالإسلام، ويمنع الآخرين من الدّخول في الإسلام. ومن الطبيعيّ أيضاً أن يشكّل هذا تمهيداً للاستكبار العالميّ في المنطقة.
قال الإمام الخامنئيB: "اليوم وبآليات ووسائل تبليغيّة متعدّدة يسعَى عدوّ النّظام الإسلاميّ إلى تصوير الإسلام السياسي، والطّالب بالعدالة، والإسلام الاجتماعيّ، بصورة خشنة قاسية في العالَم"[29].
الرّابع: (فصل الدين عن السّياسة):
يسعى الإسلام الأمريكيّ عبر هذين الجناحين بشكل واضح أو ضمنيّ إلى بثّ ثقافة الفصل بين الدّين والسياسة، وذلك لئلّا يشعر المسلمون بالوظيفة والمسؤوليّة في قضايا الأمّة الاجتماعيّة والسياسيّة من منطلق الإسلام، فيتركون السّاحة للمستغِلّين والمتجبّرين بأنياب ومخالب استكباريّة.
قال الإمام الخامنئيB: "في فترة الاستعمار كان أعداء الإسلام وأعداء الصّحوة الإسلاميّة للشّعوب يبلّغون بأنّ الإسلام المعنويّ والأخلاقيّ مفصول عن الإسلام السّياسيّ، وكذلك اليوم يبلّغون ذلك"[30].
الخامس: (تكفير العلماء ومراجع الدّين):
كذلك لا يخفى على المتابِع أنّ المذهبين المزيفين يعلنان تكفير العلماء، وتوهينهم، ويهبان عامّة النّاس الجرأة في ذلك، حتّى تزول هذه المكانة المرموقة التي بها يحفظ الإسلام المقاوم في وجه الاستكبار العالميّ. ومن الطبيعيّ أن إبعاد النّاس عن العلماء المقاومين يعدّ من جملة الأسباب الممهِّدة لهيمنة الاستكبار العالميّ.
السّادس: (الفتنة بين المسلمين):
وهذا أوضح من الشمس في رابعة النّهار، فإنّ دور التسنّن التكفيريّ والتشيّع اللندني في إقحام المذهبين في تشنّجات ومشادات لا تخدم وحدتهما للوقوف أمام مصالح الاستكبار العالميّ والقوى المستكبرة يعدّ هو من جملة الأهداف بل أهمّها لهما. والغرض من هذا المقال أن نلتفت إلى هذا الهدف الأساس بالنّسبة لدور التشيّع اللندني فيه.
فيسعى جناحا الاستكبار العالميّ إلى تكفير المسلمين، فأمّا التسنّن التكفيريّ فهو أوضح في هذا النّهج من التشيّع اللندنيّ، حتّى سمّي بالتكفير كسمة بارزة له، وأمّا التشيّع اللندنيّ وأتباعه فإنّهم يضمِّنون في كلماتهم التكفير من بابِ كونهم ناصبي أهل البيتi، على اعتبار أنّ الناصب هو من قدّم الثلاثة على أمير المؤمنينg، خلافاً للمشهور بين الفقهاء، وإعراضاً عن مناسبة معنى النّصب في خصوص التقديم. ولا يخفى أنّ التكفير سبب في عدم إبقاء خيوط العلاقة الإسلاميّة وغيرها، مما يمهِّد للاستكبار العالميّ تحقيق أهدافه.
قال الإمام الخامنئيB: "إنّ أيادي عمل أمريكا والرّأسماليين في المنطقة هي بالأساس علماء البلاط العملاء، الّذين باعوا القلم والدِّين، ممّا تظهر بصماتهم الخبيثة في كثير من مؤامرات النّفاق والحيلة والفتنة.
هناك سعي كبير حتّى يوقعوا الاختلاف بين المسلمين .. مع الأسف، فإنّ هذه المساعي المشؤومة تتحقّق باسم الدِّين"[31].
وعليه؛ فكيف سيكون هذا التسنّن التكفيريّ والتشيّع المزيّف نافعين للسنّة والشّيعة! قال الإمام الخامنئيB: "لا ينفع الشيعة التشيّع الذي يريد أن يبثّ للعالم من لندن وأمريكا"[32].
الفصل الثّاني
الفتنة الطّائفيّة .. أهمّ الأهداف
لقد سعى التشيّع اللندنيّ كثيراً في إثارة الفتنة الطّائفيّة بين السنّة والشّيعة وما زال، وحتّى تتّضح لنا طريقة عمله، وموادّ ابتناءه، وكيفيّة طرحه، ينبغي أن نسلّط الضّوء على ذلك بما يناسب هذا المقال.
التشيّع اللندنيّ وأهميّة الوحدة الإسلاميّة:
اتّضح ممّا سبق أنّ هناك عدواً للإسلام والمسلمين جميعاً، لأنّ هذا الدِّين مانع ومعيق لأهدافه الاستكباريّة الشّيطانيّة.
ومن هنا تكون قضيّة الوحدة بين المسلمين من الأمور الواجبة عقلاً ونقلاً، لأنّ التهاون فيها سبب لإزالة الدِّين وتضعيفه، واستعمار بلدان الإسلام، وظلم المسلمين واستعبادهم.
قال الإمام الخامنئيB: "تتعرّض الأمَّة الإسلاميَّة لطمع القوى الكبرى وتطاولاتها لجريمة واحدة فقط، هي وقوعها في منطقة ثريَّة من العالَم، ولأنّ دوران عجلة الحضارة المعاصرة في العالَم منوط بالمصادر الموجودة بوفرة في هذه المنطقة. والقوى الكبرى هذه تسمح لنفسها بارتكاب أي جريمة في هذا السّبيل.
هذا هو واقع الأمَّة الإسلاميَّة، لقد حان الوقت الآن كي يعيد العالَم الإسلاميّ النّظر، ويفكّر في قضيّة الوحدة بجدّ"[33].
ولكن لأنّ التشيّع اللندنيّ يعمد إلى إغفال المسلمين من العدوّ الحقيقيّ (الاستكبار العالميّ والقوى المستكبرة)، فإنّه بلا شكّ لن تكون للوحدة الإسلاميّة أهميّة في مضامين أفكارها وأساليب طرحها.
ومن العجيب جداً حينما نجد التشيّع اللندنيّ يستنكر بلسان الحميّة والشدّة على هذه الجهة وتلك على قضيّة سامرّاء، أو قضيّة البقيع، دون أن يستنكر على العدوّ الحقيقيّ خلف الواقع الظّاهر. فما السرّ في ذلك؟ فلمَ يصرّ هذا التشيّع على إخفاء صورة العدوّ الحقيقيّ الذي يكمن خلف كلّ مصائب وويلات المسلمين (من فلسطين إلى البقيع). العدوّ الحقيقيّ الذي يكمن كذلك خلف قضيّة سامرّاء والبقيع أيضاً.
هذا لأنّه لا يلاحظ العدوّ الحقيقيّ، أو يتعمّد على ألّا يلاحظه، فيتسبّب في ألّا تكون للوحدة الإسلاميّة أهميّة خاصّة لديه من هذه الجهة.
فإنّ الدّعوة إلى الوحدة الإسلاميّة يجب أن تكون بالنّظر إلى جهة معاداة الاستكبار العالميّ، ومقاومته من تحقّق هيمنته. نعم! هذه هي جهة القضيّة بالضّبط.
قال الإمام الخامنئيB: "معنى الاتحاد بين الشّعوب الإسلاميّة هو أن تتحرّك باتّجاه واحد في القضايا الخاصّة بالعالَم الإسلاميّ، وتتعاون فيما بينها، ولا تستخدم إمكاناتها وأرصدتها ضدّ بعضها"[34]، "ليكن الجميع إخوَة يكافحون في سبيل الإسلام والتّوحيد والقرآن الاستكبارَ المعاديَ للإسلام والتوحيد والقرآن"[35].
بل أكثر من ذلك، فإنّ ملاحظتنا للاستكبار العالميّ وأهدافه المشؤومة سوف تؤكِّد على أهميّة الوحدة بين المسلمين، وكذلك على الوحدة بيننا وبين غير المسلمين أيضاً، ما دام هؤلاء -غير المسلمين- ليسوا من مصاديق الأعداء المحاربين للإسلام، في جبهة الاستكبار العالميّ؛ لأنّ الإسلام يفرّق بين أهل الباطل إلى قسمين، أهل الباطل المحاربين للإسلام والمسلمين، وأهل الباطل غير المحاربين للإسلام والمسلمين.
أمّا القسم الأوّل فلا وحدة بيننا معهم بتاتاً، إنّما الأصل جارٍ على العداء والشِّقاق، وهم الاستكبار العالميّ والقوى المستكبرة، ومن يكون معهم في جبهتهم العدائيّة، كالمنافقين والعملاء لهم، والذين يخدمون مصالح الاستكبار العالميّ والذين منهم (التشيّع اللندني، والتسنّن التكفيري).
وأمّا القسم الثّاني فإنّ الوحدة موجودة على تلك الأسس المشتركة، فإن كانت أسس دينيّة فبها ونعمت، وإلا فعلى أسس الإنسانيّة الموجودة، كلّ هذا لأجلِ مقاومة العدوّ المشترك للإنسان، وللأديان، وللإسلام.
قال الله تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[36].
من هنا قال الشّيخ الأستاذ الجواديّ الآمليB بأنّ الوحدة لها نطاقات ثلاث: نطاق بين المسلمين، فتكون الوحدة الإسلاميّة، ونطاق بين أهل الأديان السّماوية، فتكون الوحدة الدينيّة، ونطاق بين بني الإنسان، فتكون الوحدة الإنسانيّة[37].
لأنّ خطر الاستكبار العالميّ يهدّد الجميع من أفراد الإنسان، والدّيانات، وإن كان يهدّد الإسلام والمسلمينَ أكثر من أيّ شيء آخر.
التشيّع اللندنيّ ومعنى الوحدة الإسلاميّة:
يُعرِّف التشيّع اللندنيّ الوحدة الإسلاميّة خلافاً للحقيقة الّتي دعانا إليها القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، حتّى يتمّ تبعاً لتعريفه أن يرفض الوحدة الإسلاميّة، ويؤكِّد على أنَّه لا وحدة حقيقيّة بين المسلمين؛ لأنّه يُعرِّف الوحدة الإسلاميّة بأنّها التنازل عن المعتقدات المذهبيّة.
ومن الطبيعيّ جداً حينما يتّم تعريف الوحدة الإسلاميّة بأنّها التنازل عن المعتقدات المذهبيّة فإنّه لن يقبلها أحد، سواء من الشيعة أم السّنة.
وقد حاول التشيّع اللندنيّ أن يثبت ذلك مراراً وتكراراً حتّى يتمّ رفع اليد عن الوحدة الإسلاميّة.
إلّا أنّ هذا الأمر سخيف جداً، فإنّ مبادرات السيّد البروجرديّO، ومساع الإمام الخمينيS، وإنجازات السيّد القائدB في شأن الوحدة بين المسلمين، وغيرهم من العلماء العاملين، لم تكن بالتنازل قيد أنملة عن الاعتقاداتِ المذهبيّة.
وبكلّ صراحة يقول الإمامُ الخامنئيB: "معنى الوحدة الإسلامية معروف، ليس المراد منها ذوبان جميع المذاهب في مذهب واحد، البعض يرفض المذاهب من أجل بلوغ الاتحاد بين المسلمين، رفض المذاهب لا يعالج مشكلة، الاعتراف بالمذاهب يعالج المشكلات"[38].
وبملاحظة جهة الوحدة الإسلاميّة ضدّ الاستكبار العالميّ، فإنّ الوحدة في أمور ثلاث:
الأوّل: الوحدة على المشتركات الاعتقاديّة:
قال الإمام الخامنئيB: "للمذهبين قبلة واحدة، وإله واحد، ورسول واحد، وقرآن واحد، وأحكام وأركان إسلاميّة واحدة، ولكن لاحظوا كيف صنع الاستعمار على مرّ الزمن من قضيّة التشيّع والتسنّن وسيلة للاختلاف، لا سيّما في الأوساط الدنيا الأبعد قليلاً عن العمق المعرفي والتدقيق العلمي"[39].
ومن هنا تمّ التّأكيد على محوريّة نبوّة الرّسول الأكرمe، وعلى محوريّة مودّة أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
الثّاني: الوحدة على المشتركات الفقهيّة:
قال الإمام الخامنئيB: "... أن تحاول الفرق الإسلاميّة المتنوعة التقارب من بعضها، والتّفاهم ومقارنة المذاهب الفقهيّة ومطابقتها"[40].
الثّالث: التأكيد على حسن المعاملة والتّعايش:
قال الإمام الخامنئيB: "كلامنا في أسبوع الوحدة وكرسالة للوحدة هو أَن يتَّحد المسلمون ولا يعادوا بعضهم"[41]، "ليمارس كلّ واحد من المذاهب الموجودة مهمَّاته الطبيعيَّة في منطقته، ولكن ليحسنوا علاقاتهم فيما بينهم"[42].
التشيّع اللندنيّ ومنطلَقات الوحدة الإسلاميّة:
لمّا كانت منطلَقات الوحدة الإسلاميّة من تعاليم الإسلام، في القرآن الكريم، والسنّة المطهَّرة، أراد التشيّع اللندنيّ أن يلبِّس المنطلَقات الحقيقيّة الإسلاميّة أموراً أخرى مغلوطة؛ ذلكَ لأنّه إذا سلبت الوحدة الإسلاميّة الحقيقية من المنطلَقات الشرعيَّة فإنّ هذه الوحدة لن تكون ذات أهميّة عالية تؤكِّد مسؤوليَّة المسلمين تجاهها، كما أنّ التمسّك بمنطلَقات أخرى لن تفيد تحقيق الوحدة الإسلاميّة بالشّكل المطلوب، سواء من حيث الكيفيّة في الأداء، أم المدّة الزّمنيّة، أم غير ذلك.
فأَرجع التشيّع اللندنيّ منطلقات الوحدة الإسلاميّة إلى أمور متعدّدة، منها:
الأوّل: مصالح إيران وسائر الأحزاب:
يصرّح التشيّع اللندنيّ أنّ الوحدة الإسلاميّة التي تنادي بها الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ووليّ الفقيه، وعلماء الإسلام، ليست إلا من منطلق الحفاظ على مصالحها، ومصالح الأحزاب المؤيّدة لإيران، وهذه المصالح قد تكون مصالح على مستوى الدّاخل الإيراني، بالحفاظ على النّظام الإيرانيّ بسبب الوحدة، أو الخارج مع دول المنطقة والجوار، بالاستفادة من مصالحِ المنطقة وثرواتها.
إلّا أنّ هذا التحليل تافه جداً، لأنّ الدّعوة من هؤلاء العلماء الأجلاء إلى الوحدة الإسلاميّة لم تكن وليدة تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرَانيّة، بل كانت الدّعوة قائمة من قبل، نعم! بعد تأسيس الدولة كانت لهذه الدّعوة الأثر الإيجابيّ الأكبر.
ما الضّير فيما لو أصرّت إيران على الوحدة الدّاخلية بين شعبها (السنّي والشيعيّ) لئلّا تسفك الدّماء، وتقتل النّفوس، جرّاء الشّتائم والفتن الطّائفية! ألَا يدعو الإسلام إلى الحفاظ على النّفوس والحذر من الدّماء! ولو كانت إيران تريد أن تحافظ على مصالحها وبقاء النّظام لسعت إلى الفتنة والشقاق بين شعبها، عملاً بـ "فرِّق تسد"، لا أن تدعو إلى الوحدة والتلاحم.
وأمّا بالنّسبة إلى مصالحها الخارجيّة فإنّ مطالبة إيران بالوحدة بين المسلمين سبّبت لها خسائر كبيرة، وأدّت إلى ضغوط اقتصاديّة وسياسيّة عليها، فأيّ غباء سياسيّ فيما لو كانت إيران تريد المكاسب أن تدعو إلى الوحدة! وعلى فرض قبولنا جدلاً أنّ إيران هي كذلك، فلماذا إذاً يتمّ السّكوت عن الاستكبار العالميّ والقوى المستكبرة حينما يهاجمون المنطقة لاكتساب الهيمنة، واستغلال ثروة المسلمين! فإذا كانَ رفض التشيّع اللندنيّ لإيران من حيث كونها وراء مصالحها الخاصّة بذريعة (الوحدة الإسلاميّة)، فلماذا لا يرفض هذا التشيّع اللندنيّ سياسة أمريكا وبريطانيا في المنطقة أيضاً!
الثّاني: الخوف والجُبن:
كذلك لهذا التشيّع اللندنيّ تعبير الخوف والجُبْن لأولئك الذين يدعون إلى الوحدة الإسلاميّة، باعتبار أنّهم لا يمتلكون الشّجاعة الكافية، والحميّة المذهبيّة لبيان معتقدات المذهب، بالبراءة من الظّالمين لأهل البيتi، واللعن والطّعن والشّتم والسّخريّة من أتباعهم، واتّهام زوجة النبيّe.
فهذا التشيّع اللندنيّ امتاز أن يظهر نفسه بصورة شجاعة، له الحميّة والغيرة على المذهب، وكأنّ العلماء لا غيرة لهم على ناموس الشّريعة والمذهب، حتّى ضلّل عامَّة النّاس -وخصوصاً الشّباب المنفعلين- بهذه الرُوحيّة الشجاعة المزعومة.
ولأنّه يسعى دائماً إلى الشّقاق بين المسلمين، فأعلن البراءة وجعلها الذريعة والمعيار للشّجاعة والجُبْن، وللحميَّة والتهاون، كما جعلوا للَّعنِ والشّتم والسخريّة موضع المعايير للشّجاعة المذهبيّة.
ولا يخفى أنّ البراءة من أعداء المذهب، ومن ظالمي أهل البيتi واجبة، وبها تتمّ التبعيّة الحقّة لأهل البيتi، إلّا أنّ البراءة المخصوصة علناً فهي محكومة بعنوان التقيّة المداراتيّة الواجبة في عصر الغَيبة اتّفاقاً، وقد سعى التشيّع اللندنيّ إلى إظهار شخصيَّات مثل أبي ذرّ، والشّيخ المفيد، وآخرين بأنّهم هم الذين كانوا يمتلكون تلك الشّجاعة التي لا يتمتّع بها أغلب المراجع اليوم، والعياذ بالله.
وعلى ما يتمسّك به التشيّع المحرَّف من البراءة من الأعداء، لم لا يعلن التشيّع اللندنيّ البراءة من أعداء الإسلام (الاستكبَار العالميّ والصهيونيّة والقوى المستكبرة)؟ أم أنّ أعداء المذهب هم الأعداء، وأعداء الإسلام ليسوا بأعداء!
ولا يمكنني الخوض في بحث التقيَّة المداراتيّة ودورها في الوحدة الإسلاميّة في هذا المقال، إلّا أنّ الرّجوع إلى كتب الفقه والفقهاء كافٍ في بيان ومعرفة رأيهم الصَّريح بحرمة السّباب، واللعن المخصوص علناً، والشّتم، والسّخريّة، ممّا يؤثِّر على الوحدة واللحمة الإسلاميّة، وتمهِّد لمحو الإسلام وتضعيفه بهيمنة الاستكبار العالميّ حينئذٍ.
ولكنّ التشيّع اللندنيّ لمّا أدرك أنّ العلماء متّفقون ومجمعون على وجوب التقيَّة المداراتيّة في زمن الغيبة، قام ليثبت لنفسه التحقيق في هذا المجال، ليرجع إلى نفسه، ويرجع الآخرين إلى نفسه، بالإضافة إلى تمسّكه بالغطاء المرجعيّ لهذا أو ذاك فيما وافق هواه ونتائجه.
كذلك بدأ بالطّعن في علماء الولاية، الإمام الخميني والسيّد القائد، والسيّد السيستاني، والشّيخ بهجت، والشّهيد الصّدر، وكثيرين غيرهم، حتّى يقطع النّاس عن الرّجوع إلى هؤلاءِ العلماء، ليسهل بثّ سمومه وأفكاره في النّاس بيسر.
فمنطلَقات الوحدة الإسلاميّة إسلاميّة وشرعيّة، وليست منطلقات حزبيّة أو نفسيّة، فهذه آيات الوحدة الإسلاميّة متعدِّدة في القرآن الكريم، والأحاديث كثيرة جداً على حقوق الأخوّة الإسلاميّة، وكيفيّة التعامل، ولزوم المداراة، إلى غير ذلك. فليراجع من يشاء.
قال الإمام الخامنئيB: "أكّد الإسلام على ضرورة أن يتعامل الإخوة المسلمون فيما بينهم بطريقة أخوِيّة؛ لم يقل الإخوة السّنة أو الشّيعة، أو أتباع هذا المذهب أو ذاك، إنّما قال: المسلمون؛ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾"[43].
الفصل الثّالث: الوظيفة
وظيفة العلماء:
حينما كان العالِم الواحد أشدّ على إبليس من ألف عابد كان كذلك لأنَّه ينقذ عباد الله تعالى، وأيتام الحجّة# في عصر الغيبة، وكما لا يخفى فإنّ إنقاذ عباد الله تعالى له بعدان، بُعدُ التأسيس، وبُعْد الدِّفاع.
أمّا البُعدُ التأسيسيّ فهو حينما يؤسِّس العالِم الثّقافة الإسلاميّة في الأمّة الإسلاميّة، ويرسِّخ فيهم تلك المبادئ الثّابتة من رفض عبادَة الطّاغوت الخارجيّ والدّاخليّ، والدّعوة إلى التوحيد على صعيد النّفس الإنسانيّة، وعلى صعيد المجتمع الخارجي.
وأمّا البُعدُ الدِّفاعيّ فهو حينما تظهر البِدَع فيقوم العالِم بإظهار علمه في ردّ هذه البِدَع والانحرافات الفكريّة، تلك البِدَع والانحرَافات التي يبثّها أعداء الإسلام، والاستكبار العالميّ وأياديه في الأمّة الإسلاميّة باسم الدّين المحمّدي الأصيل (التسنّن التكفيري، والتشيّع اللندنيّ).
ولمّا كانت المواجهة الفكريّة لها مخاطرها الصّعبة، وكان العالِم الحقيقيّ هو من يتحمّل كلّ الصّعاب لأجل رضا اللهa، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا}[44].
قال الإمام الخامنئيB: "في الآية الشّريفة {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا} يظهر أنّ شرط البلاغ والإبلاغ والتبليغ هو عدم الخشية، {وَلَاْ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّاْ اللهَ} ... وبنظري إنّ هذه القضيّة مهمّة للغاية، قضيَّة الخشية من المال والنّفس وكلام النّاس والسّمعة والإشاعات والتّهم قضيّة مهمة جداً. ولأهميّة هذه القضيّة قال الله تعالى مخاطباً نبيّه ومحذّراً له، ويحذّره: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[45]، يجب أن لا يكون أي اعتبار لكلام النّاس، وإلقاء التُهم، وأيّ شيء آخر يفعلونه {واللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَاهُ}. بنظرِي إنّ الفتوحات التي كانت من نصيب الإمام الخمينيS كانت لأجل شجاعته"[46].
فأن يتحلّى العالِم بالشِّجاعة في الطَّرح الإسلاميّ من حيث التأسيس والدّفاع، هو التّكليف الذي يقع على عاتق العلماءِ الأجلّاء، كذلك يجب ألَّا يتصوّروا بأنّ الدّخول في معترك القضايا الثّقافية الاجتماعيّة بصدّ الأفكار المنحرفة تحزّب أو فتنة، اللذان يشكّلان سببين لكثير من الانزواء والتخلّي عن قضايا المجتمع الإسلاميّ.
فإنّ التحزّب المذموم هو التحزّب للباطل، وليس هناك تحزّب في طرْح تعاليم الله وأحكام الإسلام، إنّما هذه مغالطة يروّجها الأعداء، لإبقاء العلماء في زوايا المجتمع وهوامشه.
وأمّا الفتنة فإذا كانت لتزول فإنّها تزول بالتبيين والبيان، وبفصل الحقّ عن حدود الباطل، وتوعية النّاس، حتّى لا يستفيد الأعداء المتربّصون من سكوت العالِم سواء لبثّ السّمومِ الفكريّة، أم لاستغلال فراغ السّاحة.
من هنا كان الإمام الخامنئيB وفي تلك الفتنة التي حصلت في عام 2009م قد خاطب مجلس خبراء القيادة، يوضّح لهم قضيّة الفتنة، قال سماحته: "البعض في وضع الفتنة قد فهم هذه الجملةَ >كن في الفتنة كابن اللّبون، لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب<[47] بشكلٍ خاطئ، وظنّ أنّ معناه هو أن ينزوي في وضع الخلط والفتنة. في الحقيقة ليس في الجملة شيء بالانزواء بتاتاً، بل معناه هو ألّا تجعل المفتتن يستفيد منك بأيّ وجه ومن أي طريق"[48].
وظيفة عامّة النّاس:
إذا لاحظنا كيف انتشر وضلّ بعض الشّباب جرّاء الأفكار اللندنيّة والتكفيريّة نتيقّن بأنّ الدور لم يكن منحصراً في أولئك العملاء فحسب! إنّما كان لأتباعهم من الشّباب دور مهمّ جداً، سواء بنشر الأفكار، وأساليب نشرها، وكيفيّة الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة على شبكات التّواصل الاجتماعيّ.
وفي الجهة المقابلة سيكون للنّخب والكوادر الشّبابيّة الفاعلة من أتباع الحقّ دور في غاية الأهميّة للوقوف أمام البِدَع والتيّارات الضّالة، بنشر الأفكار، وتوعية النّاس، والاستفادة من شتّى الأساليب التبليغيّة.
والأهمّ في ذلك فإنّ بإمكان النّخب أن يكونوا حلقة وصل بين العلماء وعامّة النّاس، وإن صحّ التعبير فإنّهم في نطاق التنفيذ يلعبون الدور بشكلٍ أساس، كما يلعب العلماء دور الإشراف والخطّة العمليّة، والمواد العلميّة بشكل بالغ، وعلى حدِّ تعبير الإمام الخامنئيB: "أنتم أيّها الشَّباب ضبّاط الحرب النّاعمة"[49].
ويجب على عامّة النّاس أن يتيقَّنوا بأنّ مؤامرات الأعداء ما زالت جارية ومفعّلة، وليست تلك المؤامرات تنحصر في القتل والاستضعاف، إنّما هناك مؤامرات أخطر من مؤامرات الحروب والترهيب، وهي مؤامرات الحرب النّاعمة. وذلك ببثّ الأفكار السّامّة، والثّقافة الاستكباريّة، لتحل محلّ الثقافة الإسلاميّة المقاوِمة لأهداف الاستكبار العالمي.
قال الإمام الخمينيS: "إذا جاء العسكري الأمريكي فسوف يتقدم جميع أبناء الشعب لمواجهته. لا تخافوها من هذه الناحية، ولكن احذروا من مؤامراتها واسعوا لإحباطها. وأنتم أيها الشباب قاوموهم إذا دخلوا جامعاتكم لإثارة الفوضى، أو إذا كنتم في المعامل فلا تتوانوا في طردهم إذا أرادوها بشر"[50].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيفة النور 21: 8.
[2] سورة الأعراف: 12.
[3] سورة الأعراف: 13.
[4] سورة الأعراف: 16- 17.
[5] سورة البقرة: 30.
[6] سورة الأعراف: 18.
[7] سورة البقرة: 168.
[8] سورة فاطر: 6.
[9] سورة القصص: 6.
[10] سورة الأنعام: 112.
[11] لقاء مع فئات مختلفة من النّاس 18/6/1394 هـ ش.
[12] سورة البقرة: 34.
[13] سورة طه: 64.
[14] سورة النازعات: 24.
[15] لقاء مع مسؤولي النّظام الإسلامي 29/3/1385 هـ ش.
[16] لقاء مع أعضاء مجمع أهل البيت العالمي 26/5/1394 هـ ش.
[17] سورة الأعراف: 123.
[18] لقاء في جمع الأسرى 26/6/1369 هـ ش.
[19] خطبة صلاة الجمعة 22/1/1382 هـ ش.
[20] لقاء مع مجلس خبراء القيادة 21/12/1393 هـ ش.
[21] الأغاني للإصفهاني، ج6، ص371.
[22] كلمة في محفل الأنس بالقرآن الكريم 8/4/1393 هـ ش.
[23] صحيفة النور: 21: 8.
[24] صحيفة النور: 5: 58.
[25] لقاء مع المسؤولين والمدعوين في مؤتمر الوحدة الإسلامية 19/10/1393 هـ ش.
[26] لقاء بمناسبة تأبين الإمام الخميني الخامس والعشرين 14/3/1393 هـ ش.
[27] موقع إيكنا الأخبارية. http://www.iqna.ir/fa/News/2901259
[28] لقاء مع المشاركين في المؤتمر العالميّ في التيار التكفيري من وجهة نظر علماء الإسلام 4/9/1393 هـ ش.
[29] لقاء بمناسبة تأبين السيّد الإمام الخميني 14/3/1382 هـ ش.
[30] لقاء بمناسبة تأبين السيّد الإمام الخميني 14/3/1382 هـ ش.
[31] لقاء مع فئات مختلفة من النّاس لمبايعة الوليّ الفقيه 13/4/1368 هـ ش.
[32] لقاء مع المسؤولين والقائمين على الحج 20/6/1392 هـ ش.
[33] خطاب 8/5/2004م.
[34] خطاب 15/8/1995م.
[35] 27/9/1991 م.
[36] سورة الممتحنة: 8- 9.
[37] من أحد دروس التفسير لسماحته.
[38] خطاب عام 1998 م.
[39] خطاب 3/10/1989 م.
[40] خطاب 16/10/1989 م.
[41] خطاب 11/10/1989 م.
[42] خطاب 1989 م.
[43] خطاب 8/5/2004 م.
[44] سورة الأحزاب: 39.
[45] سورة الأحزاب: 37.
[46] لقاء مع مجلس الخبراء 2/7/1388 هـ.ش.
[47] نهج البلاغة، الكلمات القصار، 1.
[48] لقاء مع مجلس خبراء القيادة 2/7/1388 هـ ش.
[49] لقاء مع أساتذة الجامعات 8/6/1388 هـ ش.
[50] صحيفة النور: 10: 386.
0 التعليق
ارسال التعليق