الملخّص:
يتعرض الكاتب في هذا المقال إلى التربية الاقتصاديّة للطفل من وجهة نظرِ الإسلام، فيطلّ إطلالة حول بعض مقوّمات الاقتصاد الإسلامي، ثمّ يؤكّد على ضرورة بدء التربية الاقتصاديّة منذ الصغر، ثمّ يبيّن العلاقة بين التربية الاقتصاديّة والبعد الاعتقاديّ والأخلاقيّ، ويبيّن القيم والسلوكيّات الاقتصادية التي ينبغي تربية الطفل عليها؛ كالإنفاق المتزن، وتقدير قيمة الأشياء، والقيام بالأنشطة الاقتصاديّة، وتقدير العمل المحترم.
تمهيد
يعتبر العامل الاقتصاديّ في حياة الإنسان من العوامل الأساسيّة في بنائه وبناء مجتمعه، حيث تتقوّم حياة الفرد-الذي هو نواة للأسرة والمجتمع- بعدّة أمور منها: توفير مستلزمات العيش الكريم، من مال ومنزل وعمل وغيرها، وهذه الأمور يمكن تقسيمها إلى مصادر دخل وموارد صرف واستعمال، ولكي تكون كافية لإيصال صاحبها إلى مبتغاه وعيشه الكريم، لا بد من إدارتها بنحو لا يوجب التقتير ولا الإسراف والتبذير، فيكون معتدلاً في كسبه وإنفاقه، ليكون مصداقاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}([1]).
وبكلمة أخرى: للعامل الاقتصادي دور حيوي ودائم في تطور المجتمع البشريّ بجميع طبقاته، الغنية والفقيرة والمتوسطة، وفئاته المختلفة، الكبير والشاب والصغير رجل كان أو امرأة.
من هنا تتضح لك أهميّة التعرف على هذا البعد، ليس فقط بالنسبة إلى الكبار من أبناء المجتمع، بل تعمّ تلك الأهميّة الأطفال من أبنائنا وبناتنا، خصوصاً مع التغيرات السريعة التي تجتاح المجتمعات، فتؤثر سلباً على مستوى دخل الفرد والأسرة.
وليس هناك أولى من الوالدين بالقيام بمهمة تربية الأبناء تربية اقتصاديّة تعينهم على التكيف -في هذا البعد- مع حاضرهم ومستقبلهم، فإضافة إلى أهميّة البناء الدينيّ والأخلاقيّ والنّفسيّ وغير ذلك. يحتاج الطفل إلى اكتساب مجموعة من المهارات، والسلوكيات التي من شأنها أن تجعل من تعامله مع الأمور الاقتصاديّة بصورة تتوافق والبعد الدينيّ الإلهيّ، الموصل إلى الغاية من خلقه في هذه الحياة، ناهيك عن تشكيل هويّته وشخصيّته وبناء استعداده ليكون فرداً فاعلاً منتجاً مساهماً في بناء مجتمعه.
ويمكن أن تبحث هذه المسألة -التربية الاقتصادية- من جهتين:
الأولى: ما يجب على الوالد تجاه ولده فيما يختص بهذا الجانب، من النّفقة عليه وتوفير احتياجاته.
وبعبارة أخرى: بحث التربيّة الاقتصاديّة بحث طويل وشامل لجميع أفراد المجتمع، فهناك بحوث تخصصية موسعة كتبت حول هذا الموضوع، ولكن لن يكون الحديث حول التربية بهذا الوسع.
الثانية: ما ينبغي على الوالدين تربية الطفل عليه من مهارات وسلوكيات، من شأنها بناء البعد الاقتصاديّ عند الطفل، وبها يحسن التصرف فيما يحصل عليه من موارد مالية وغيرها.
والكلام حول الجهة الثانية في نقاط. ولكن لا بأس بالاطلاع على بعض المقدمات:
أولاً: بيان بعض مفردات البحث
1- الاقتصاد: من قَصَدَ، وهو في اللغة بمعنى استقامة الطريق واعتداله، "فاقْتَصَدَ لم يُجاوِزِ الحَدَّ ورَضي بالتَّوسُّطِ، ومنه القَصْدُ في الحُكمِ وغيرِهِ، وهو العدل؛ لأَنَّه بين الإِفراط والتَّفريط"([2]). والمقصود من الاقتصاد هنا:" تدبير شئون البيت وتوفير المال ومتطلبات الحياة، كما يعني الاستخدام الأمثل للموارد المادّية وغير المادّية."([3])
وأما التربية الاقتصادية: فهي أن يعمل وليّ الطفل على إكساب طفله مجموعة من المعارف والاتّجاهات، وتعويده على مجموعة من السلوكيّات، وتدريبه على المهارات التي تجعل أنشطته الاقتصاديّة، ومعاملاته مطابقة لمنظومة القيم الدينيّة والتشريعات الإلهيّة من جهة، وتمكِّنه في المستقبل من استثمار الممتلكات واكتساب الأموال، واستعمالها بطريقة متوازنة، توصله إلى العيش الكريم والتقرّب إلى الربّ الرحيم. وإن شئت قلت: هي تربية الطفل على التعامل مع شئون المال والاقتصاد كسباً وانفاقاً تعاملاً يرضي الله تعالى([4]).
ثانياً: إطلالة عامة وسريعة حول بعض مقوّمات الاقتصاد الإسلامي
هناك مقوّمات عدة أذكر منها مقوّمين:
1- العمل طريق الحصول على المال؛ حيث حثّ الإسلام على العمل المشروع، والكسب الحلال والسعي نحو تحصيل المال؛ ليعيش الإنسان حياة مستقرّة عزيزاً غنياً عن غيره، فالسماء لا تمطر ذهباً والأرض لا تنبت فضّة، بل رزق الله موكول إلى أسبابه ومنها العمل، قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}([5]) فالعمارة في الأرض تحصل بالعمل، واستثمار ما أنعم الله به على خلقه من زرع، واستثمار للثروات، والمعادن والأنهار والبحار، بل سخّر الله للإنسان ما في السماوات وما في الأرض لأجل ذلك، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}([6])، وعن أمير الكلامg: >اطلبوا الرزق فإنّه مضمون لمن طلبه<([7]) وهذه مسألة واضحة بديهية([8]).
2- ترشيد الإنفاق والاستهلاك: فلِنَمط الإنفاق والاستهلاك مدخلية في تحديد المستوى الاقتصاديّ لكلّ فرد أو عائلة أو مجتمع، فإن كان مبنياً على أسس وضوابط يرتضيها الشارع المقدّس، ويقتضيها شأن الإنسان وحاجته، وكانت مصداقاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}([9])، كان ذلك كاشفاً عن تحقق أساسٍ من أسس السعادة التي يريدها الله تعالى إلى خلقه، وهذا لا يعني أن يعيش الإنسان حالة الشحّ والبخل أو الترف والإسراف، وإنّما حالة العدل والاستقامة.
وهناك مقوّمات أخرى كالتكافل الاجتماعيّ والموازنة بين الملكيّة الخاصّة والملكيّة العامّة([10])، وغيرها من المقومات.
ثالثاً: متى تبدأ التربية الاقتصادية؟
يبدأ الطفل بمعرفة مفهوم المال منذ بداية تعلّمه الكلام، ويزداد إدراكاً لقيمة المال في سنّ الطفولة، فيفهم عملية التبادل. وهنا، تبدأ أولى مراحل التربية الاقتصاديّة من خلال تدريبه على الشراء والحساب والادّخار، وتعليمه على الاستهلاك القويم للكهرباء أو الغاز أو المياه، وكذلك المحافظة على الأدوات المدرسيّة وعدم شراء ما لا حاجة فعليّة له...إلخ.
رابعاً: العلاقة بين التربية الاقتصادية والبعد العقائدي والأخلاقي
بما أنّ التربية المنشودة في هذا المضمار تربية إسلاميّة إلهيّة، فلا بدّ من العمل على ربط التربية الاقتصاديّة بالبعد العقَديّ من جهة والأخلاقيّ من جهة أخرى، فالمالك الحقيقيّ هو الله تعالى، وهو الرازق والمعطي لهذه النّعم التي تحت يده، فالطعام واللباس والكتب وغيرها من الله ووسيلة للوصول إليه، ونحن محاسبون عليها، فلا بدّ من أن يكون تصرفنا فيها بما يرضي الله تعالى، وله الشكر عليها. كذلك يُربى الطفل على ألا يتعالى على من هم أدون منه معيشة وأقلّ منه زرقاً، وأن يتواضع لهم ويساهم في رفع حاجتهم وفقرهم([11]).
ويمكن شرح هذه الفكرة للطفل بأن يقال له مثلاً: إنّك تملك هذه اللعبة، وأنت مسؤول عنها، فإذا أراد طفل آخر أن يلعب بها، ألا تشعر أنّه ينبغي له أن يأخذ الإذن منك؟ وإذا سمحت له باللعب بها، ألا تظنّ أنه ينبغي له أن يلعب بها بالطريقة التي تحبّها وترضاها؟ والله تعالى أيضاً خالق هذا الكون ومالكه، فإذا أردنا وأردت أن تتصرف في رزقه وثرواته ينبغي أن يكون ذلك بإذن منه ورضاه سبحانه وتعالى([12]).
النقطة الأولى: أهداف التربية الاقتصادية
تهدف التربية الاقتصادية للطفل إلى تحقيق مجموعة من الغايات التربوية، أهمها:
1- تحقيق السعادة والاستقرار النفسيّ للفرد باستعمال ما وهبه الله فيما يرضيه جلّ وعلا([13]).
2- تحقيق النّمو الاجتماعيّ والأخلاقيّ للفرد والمجتمع، فكلّما كانت تصرّفات الفرد وسلوكيّاته المرتبطة بالبعد الاقتصاديّ متوازنة متوافقة مع شرع الله ومقرراته، كلّما أدّى ذلك إلى ارتقاء الفرد والمجتمع.
3- عمارة الأرض، وربط التنمية الاقتصادية بعبادة الله تعالى، يقول تعالى:﴿اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾([14]).
4- انطلاق الأنشطة الاقتصادية من منظومة القيم الدينية، وتطابقها مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإنّ لله تبارك وتعالى في كلّ أمر حكم، عن أبي الحسن موسىg، قال: قلت له: أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيهe، أو تقولون فيه؟ قال: >بل كلّ شيء في كتاب الله وسنة نبيهe<([15]).
5- التصرّف الرشيد في الموارد الماليّة والاقتصاديّة، مقابل السفه الاقتصاديّ والماليّ، يقول تعالى: ﴿ولاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾([16]).
النقطة الثانية: أساليب التربية الاقتصاديّة
بعد أن اتضحت بعض أهداف التربية الاقتصاديّة، لا بدّ من بيان بعضٍ من أساليب تحقيق تلك الأهداف، وبعبارة أخرى: كيف نجعل الطفل واعياً في تعامله مع موارده الماليّة بحيث يتعامل معها بطريقة معتدلة؟ وهذه الأساليب تختلف باختلاف المرحلة العمريّة، فلكلّ مرحلة عمريّة أساليبها الخاصّة المناسبة لها، والتفصيل لجميع المراحل العمريّة لا تسعه هذه الوريقات، وما هو مذكور مبني على الإشارات.
1- أسلوب التربية بالقصة، فهي من أقرب الأساليب إلى قلب الأطفال والسيطرة عليها -بل هو من أساليب الربط العاطفيّ والفكريّ بين الأطفال والشخصيّات الإيمانيّة التي جعلها قدوة للبشر كالأنبياء والأولياء- خصوصاً عندما تُراعى الجوانب التربويّة عند الاستفادة من هذا الأسلوب([17])، فالقرآن الكريم والسنّة المطهرة وكتب السيرة مليئة بذلك، كقصص عمل الأنبياء بالرعي والسقي، وكقصة قارون وكنوزه التي كانت سبباً لطغيانه وابتعاده عن ربه وسوء عاقبته.
2- أسلوب الحفظ والتلقين، بتشجيع الطفل على حفظ بعض الآيات القرآنية كقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا َلا تُسْرِفُوا}([18]) والأحاديث والروايات التي يظهر فيها النبيّ وأئمة أهل البيت كيف يربّون الناس على القيم والآداب الاقتصاديّة، كما عن أمير الكلامg: >اَلاِقْتِصادُ يُنْمِى القَليلَ< وعنه أيضاً: >الاقتصاد نصف المؤونة< ([19]).
3- أسلوب التربية بالقدوة، والقدوة أسلوب تربوي ذو تأثير سريع على النفس؛ وذلك لاتفاقها مع طبيعة النفس البشريّة وفطرته وحاجته وميوله للتقليد والمحاكاة، ولسهولة اكتساب الخبرات من خلالها، ولتجسدها أمام الآخرين، فقد ورد عن الأميرg:>اقتدوا بهدى نبيكم فإنّه أصدق الهدى، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السنن<([20])، والتربية بالقدوة مقدَّمة على التربية بالقول أو الخطاب أو الموعظة، ولهذا أكّد أهل البيتi على المربّي أن يكون قدوة، وأن يربّي الناس بالاقتداء به. فعن الأميرg: >من نصّب نفسه للناس إماماً، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه<([21])، فسعي الأب نحو تحصيل رزقه وجده واجتهاده، والاقتصاد في استعماله أمام الطفل، ينمي شعور الطفل بالمسئوليّة تجاه موارده الاقتصادية.
4- أسلوب الممارسة العملية بأن يترك للطفل المجال للكسب والتصرف بالمال تحت إشراف الوالدين، فيتربّى على كيفية المحافظة على ممتلكاته، والتصرف فيها بطريقة لا توجب خسرانها، يتعلم كيف يشتري ويبيع، يساهم في أعمال البيت، يشارك بالعمل في مقصف المدرسة، أو يعمل في العطلة الصيفية في بعض الدكاكين الصغيرة وغيرها من السبل التي تنمّي عنده حسّ الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الأمر، فيشعر بالمسئولية التي يُشعرها بها والده.
وهنا ملاحظة وهي: ضرورة التوجيه المستمر من قبل الوالدين، والمتابعة الدائمة أثناء ممارسته لهذه الأنشطة.
5- أسلوب الترغيب والترهيب: وهو أسلوب لا يختص بمرحلة عمريّة معينة، بل يشمل جميع مراحل حياة الإنسان، وبنظرة سريعة في الآيات والروايات تجد هذا المعنى واضحاً وجليّاً. والترغيب والترهيب في حقيقتهما كما يذكر المربّون([22]): أنّهما وسيلتان لاستثارة الطفل نحو سلوك معين، فالطفل إذا استثير شوقه إلى شيء معين زاد اهتمامه به، وسرعان ما يتحوّل هذا الشوق إلى نشاط يملأ حياته همّة وعملاً، وتعلقاً بما شُوّق له رغبةً في الحصول عليه، وكذلك العكس، فإنّه إذا استثير بما يرهبه عن شيء معين تركه وابتعد عنه. خذ مثلاً الترغيب في الصدقة والإنفاق على الفقراء والمساكين وتقديم وتبادل الهدايا باعتدال، وترهيبهم من السرقة والتبذير والتقتير أو عدم إخراج حق الله من أموالهم. فإنّه بذلك الترغيب أو الترهيب يحصل شوق نحو الصدقة وفعل الخير، ونفور عن السرقة والتبذير، ويتجسّد هذا الشوق بنشاط وعمل خارجي يقوم به الطفل بكلّ رغبة وحيويّة مستأنساً بهذا العمل، إلى أن يصبح ملَكة تتصف بها شخصيته ويحصل على آثارها في حياته.
النقطة الثالثة: القيم والسلوكيات الاقتصادية التي ينبغي تربية الطفل عليها
هناك سلوكيات اقتصادية عدّة -عمليّة ينبغي للطفل تجسيدها- ينبغي استحضارها في عملية التربية الاقتصاديّة للطفل، منها:
أولاً: الإنفاق المتزن بلحاظ حاجته الفعلية
فقد ورد عن الإمام الصادقg: >المال مال الله، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً، ويشربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، وينكحوا منه قصداً، ويركبوا منه قصداً، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين<([23])، مع إلفات نظره إلى أنّ هناك من الفقراء لا يملكون ما يملك، ولا يقيس نفسه إلى من هم أفضل منه حالاً، بل ينفق بحسب وضعه ومستواه. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التالي:
1- تحديد مقدار معين من المال -يتناسب وحاجة الطفل الفعليّة- لفترة زمنية معينة، ويتم صرف الطفل منه على نفسه بحسب حاجته، فإن كان المقدار زائداً عن الحاجة، جعل له نظام ادخار خاص به، وإن كان أقلّ من حاجته، ينبّه بأنّه ليس كلّ ما يريده يشتريه، بل يحدّد أولوياته بمساعدة الوالدين.
2- أن يتولى الطفل بنفسه عملية الشراء([24])، مع مراقبة وتوجيه من الوالدين.
3- ألّا ينصاع الوالدان أمام رغباته وبكائه عند إرادته شيئاً لا يحتاجه فعلاً؛ فإنّ البكاء وسيلة ضغط على الوالدين يعتمد عليها الكثير من الأطفال، فعلى الوالدين تحمله من المرّة الأولى كي لا يعتاد عليها.
4- مكافأة الطفل عند التزامه بالصرف في المقدار المحدّد، واختباره من فترة إلى أخرى.
5- الحوار الهادئ المعقول مع الطفل بالقدر الذي يستوعبه عن الادّخار والتوسّط في الإنفاق والميزانيّة والاحتياج والتخطيط.
6- إسناد بعض الأعمال المصغّرة كدعوة أو حفلة أو غيرهما للأبناء، مع تشجيعه ومكافأته عند التوفير في الميزانيّة المخصّصة أو عند ممارسته سلوكيات اقتصادية صحيحة.
ثانياً: أن يعتاد على تقدير قيمة الأشياء، والمحافظة عليها، واحترام ممتلكات الآخرين، وذلك من خلال أمور:
1- بيان أهمية هذه الأشياء، كأن يقارن بين حال من يمتلك مثلها وغيره، ومن يعتني بها وغيره، وكذلك بيان الطرق السليمة والصحيحة للاستفادة منها، والتنبيه على الطرق الخاطئة، كالأجهزة الإلكترونيّة والكهربائيّة.
2- توجيه الطفل إلى عدم التصرف بممتلكات الآخرين بدون إذن منهم، ومع الإذن لا بدّ من الاستفادة منها بقدر الحاجة وإرجاعها في أسرع وقت ممكن، وعلى فرض أصابها عطب أو خلل يخبر أصحابها، ويحاول ألّا يرجعها إلا كما كانت، فهي أمانة عنده، وليضع نفسه موضع الآخرين ممن يستعملون حاجيات غيرهم، فهل يرضى استعمال حاجياته على خلاف رغبته؟
3- أن ينظر الطفل إلى أنّ الممتلكات العامة -كالتي في الحدائق والمدارس أو الموقوفة كما في المساجد والمآتم- وكأنّها ممتلكاته، يتصرف فيها كما يتصرف في حاجياته، فلا بد من المحافظة عليها وعدم إتلافها.
ثالثاً: أن يتعوّد الطفل على القيام بالأنشطة الاقتصاديّة ذات الطابع التكافليّ، ومما يساهم في إيجاد هذه القيمة
1- تعليمه بعض الأحكام الشرعية التي لها ارتباط بالبعد المالي كالخمس والزكاة، وأنّها طهارة لأموالنا ونماء لها، ورقي لمجتمعاتنا.
2- أن يبادر الطفل إلى إعطاء الصدقة للفقراء، والعطف على الأيتام والمساكين بتقديم المساعدات لهم. وهنا يمكن الاستفادة من أسلوب التشجيع، كأن يخبره بأن كلّ درهم تقدّمه في سبيل الله يعوّضه الله عليك في الدنيا قبل الآخرة، فإذا تصدّق بمقدار من المال، يعطيه أبوه مقداراً أكثر من الذي دفعه للفقير تشجيعاً وتكريماً له ولكي يدرك أنّ ماله سيعوض، ولن يكون حريصاً عليه مادام هناك ربّ كريم يعوّضه عليه.
3- أن يساهم في بعض البرامج التي لها طابع اقتصاديّ تكافليّ، كمساعدته لأفراد الجمعيّة الخيريّة بتقديم المساعدات للفقراء، وكذلك المآتم والمساجد من تقديم الطعام وشراء وتوزيع المأكولات وغير ذلك.
رابعاً: أن يقدر الطفل العمل المحترم، وأن يسعى للعمل بما يتناسب مع مرحلته العمرية تحت إشراف الأب وتوجيهه، ويساهم في حصول هذه القيمة([25])
1- أن يمارس العمل في أيّام العطل الصيفية مثلاً، ليعيش بعضاً من ظروف العاملين، ومعاناتهم وتعبهم.
2- الاستفادة من أسلوب القصة لترغيب الطفل في العمل وذمّ الكسل، كسرد القصص الواقعية عن الحيوانات كالنّحل والنّمل وغيرهما، وهذا ما يمكن أن يستوحى من رواية عن الإمام الصادقg أنّه قال: >أيعجز أحدكم أن يكون مثل النّملة، فإنّ النّملة تجرّ إلى جحرها<([26]).
3- تنبيه الطفل إلى أنّ هناك بعض الأساليب لتحصيل المال لا يرضى بها الإسلام، كالسرقة والتطفيف وغشّ الناس، والتسوّل في الشوارع....إلخ، ويمكن الاستفادة هنا من أسلوب القصة وبيان آثار ما يترتّب على هذه الأساليب.
من هنا لا بأس بالإشارة إلى ضرورة إيجاد نظرة خاصّة عند الطفل إلى طبيعة المال في حياته، وكيفيّة التعامل معه، واستثماره وإنفاقه([27]). ويمكن ذلك بتوجيه الطفل إلى النّقاط التالية:
أ- إنّ الرازق والمالك الحقيقي للمال هو اللهa، وأنّ كلّ ما نملك فهو من عند الله تعالى، فلا بدّ من أن يكون تصرّفنا فيه بما يرضي الله تعالى، سواء أكان بطرق كسبه أم بسبل إنفاقه.
ب- إنّ المال ليس هدفاً وغاية للإنسان المؤمن، وإنّما هو وسيلة للعيش الكريم الموصل إلى الغاية التي خلق من أجلها، فلا بدّ من استثماره بنحو إيجابيّ سليم ليكون ذلك شكراً لله على نعمه.
ج- أن يكتسب مهارة الحفاظ على ماله وحسن تدبيره فيه، فقد سئل أبو عبداللهg: >الرجل يكون له مال فيضيّعه فيذهب؟ فقالg: احتفظ بمالك فإنّه قوام دينك<([28])، وذلك بأن يسلمه مقداراً من المال كمصرف شهري، يصرفه على نفسه بمعونة من الأبوين في كيفية صرفه، ولا بأس بأن يتمّ التخطيط -مع الطفل وتقديم النّصح له- لكيفيّة صرفه، وبيان أولويات ذلك.
د- إيجاد ثقافة تؤسس إلى أنّ معيار التّفاضل هو التقوى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وليس بكثرة المال والألعاب واللباس...إلخ، فالغنيّ غنيّ بأخلاقه وعلمه وتقواه وإن كان قليل المال، والفقير من لا حظّ له من العلم والأخلاق والإيمان وإن كان كثير المال، فمدار الاحترام تقوى الفرد وإيمانه وأخلاقه، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: >قال رسول اللهe: يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت [أبو ذرّ]: نعم يا رسول الله. قالe: فترى قلة المال هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قالe: إنّما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب<([29])، ويمكن ذلك بأساليب متعددة، كأن يقص الوالدان له قصصاً -قرآنية أم لأهل البيتi، وبعض أصحابهم- تبيّن هذه القيمة، كقصة قارون أو قصة صاحب الجنتين وغيرهما.
الخاتمة
إنّ التربية الاقتصادية -وفقاً للمنهج الإسلامي الأصيل- لا تختّص بفئة عمريّة محدّدة، وإنّما تبدأ من بداية إدراك الطفل معنى المال والمتعلّقات، ولما لهذه التربية من دور مهم في مستقبل العيش لأبنائنا، أنصح نفسي وإخوتي بالالتفات إلى هذا البعد، ولا يعني هذا عدم الاهتمام بالأبعاد الأخرى كالبعد الدينيّ والأخلاقيّ وغيرها، وإنّما الطفل قوّة كامنة قابلة لأن يودِع فيها المربّون أصناف المعارف والمهارات، خُلق هذا الطفل وقد أودع الله فيه قابليّة تؤهّله لبلوغ الكمال والوصول إلى المتعال جلّ ذكره، ودور من كان أصل هذا الطفل أن يجعل من هذه القابليّة إنساناً سويّاً، بدنيّاً نفسيّاً ودينيّاً أخلاقيّاً... واقتصاديّاً؛ ليكون قد أدّى وظيفته ومسؤوليته تجاه ولده وابنته، ويكون له صدقة جارية بعد موته، ويساهم بذلك في تمهيد خروج وليّ نعمته من غيبتهl. وخير ما يختتم به قول إمام الساجدينg: >وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربّهl والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه<([30]).
([1])الفرقان:67.
([2]) الطراز الأول، السيد علي بن أحمد بن معصوم الحسيني، ج 6، ص 178.
([3]) التربية الاقتصادية في الإسلام، عبد الغني عبود، ص51.
([4]) التربية الإسلامية للطفل، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ص138.
([5]) هود:61.
([6]) الجاثية:13.
([7])الإرشاد، الشيخ المفيد، ج1، ص 303.
([8]) التربية الاقتصادية للأبناء في البيت والمدرسة، د. سعيد إسماعيل عثمان القاضي، ص11.
([9]) الفرقان:67.
([10]) اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر، ص 392.
([11]) المصدر السابق، ص 296.
([12]) التربية الاقتصادية للطفل، دار المعارف الإسلامية الثقافية، ص 143.
([13]) التربية الاقتصادية للأبناء في البيت والمدرسة، د. سعيد إسماعيل عثمان القاضي، ص21.
([14]) هود: 61.
([15]) شرح أصول الكافي، المازندراني، ج2، ص303.
([16]) النساء: 5.
([17]) عبقرية مبكرة لأطفالنا، توفيق بو خضر، ج 1، ص 215.
([18]) الأعراف:31.
([19]) غرر الحكم، للآمدي، ج1، ص15، ح389.
([20]) تصنيف غرر الحكم، الآمدي، ص ١١٠.
([21]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج18، ص220.
([22]) التربية الاقتصادية في الإسلام، عبد الغني عبود، ص501.
([23]) جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج17، ص108.
([24]) مع الالتفات إلى المرحلة العمرية.
([25]) راجع كتاب التربية الاقتصادية للطفل، الدرس الخامس عشر:182.
([26]) الكافي، الكليني، ج5، ص79.
([27]) المصدر السابق، ص181.
([28]) وسائل الشيعة، العاملي، ج7، ص126.
([29]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ح2306.
([30]) رسالة الحقوق للإمام زين العابدينg.
0 التعليق
ارسال التعليق