إن من أهم المقومات المطلوب توفرها في شخصية القيادة هي أن تحظى بالمقبولية لدى الناس ولدى الجمهور والقاعدة، وهو ما تثيره بعض الأصوات بين فينة وأخرى حول قياداتنا العلمائية، متكلمة على لسان الناس، ناصبة نفسها المحامي والمدافع عنهم، رافضة تهميشهم.
واليوم تقف الجماهير مرة أخرى لتجديد البيعة والولاء، رافعة شعارات الطاعة والتفدية، فتسمع كل ذي سمع قائلة: «معكم معكم يا علماء»، «هل من ناصر مقاوم؟ لبيك....»، «لبيك يا فقيه»، «بالروح، بالدم نفديك يا....»، وما ماثل هذه الشعارات.. نعم هذا ما جرى على ألسن عشرات الآلاف من الناس، وما ألقته حناجرهم إلقاء يصك الأسماع، ويسمع أهل السماوات، فهتفت معها جدران المسجد حينما دخلته.
وهنا هل يقنع أولئك بكلمة الناس ويرضون بخيارهم؟! أم أن الناس الواعون قد أصبحوا اليوم جهلة، ويجب تفهيمهم، وإن استوجب ذلك تسقيط القيادة التقية، الواعية، المبايَعة، المسموعة، المجرّبة، والتي تشكل صمّام الأمان كما تشهد التجربة تلو الأخرى، التي يراد من خلالها جر الساحة إلى الفتنة والاستفراد بالطائفة؟
والمتحصل أن رأي الناس ركن أساس، ولكن في محله؛ أي في محل البيعة بما لها من شروط وحيثيات. وليس له دخل في اتخاذ قرارات القيادة في كل مورد مورد، وإلا لانقلبت الجماهير قيادة، والقيادة مقودة.
وما أروعها من حماسة، تلك التي لفّت الجماهير المتحدية... ومع كونها كالزلال على قلوب المؤمنين، إلا أنهم يعرفون أن موضعها موضع ما تقدم في رأي الناس.
فمفهوم الحماسة والشجاعة والروح المقاومة من أجلّ المفاهيم، ولا كلام في مطلوبية الحماسة، بل هي مقتضى الرجولة، ولا سيما الرجولة الحسينية. وإنما ينصب البحث، كل البحث على الحاكمية والمحكومية، فلا نقبل بحماسة تُنصّب وتعزل، وتقصي وتقرّب، فليس للحماسة في هذا المقام إلا المحكومية، بما فيها من آهات، ولوعات، وتحسفات، وانتظار، ومعاتبة، واستنهاض، كما هي الحماسة لدى منتظري صاحب هذا الأمر(عج).
فكما علّمنا أهل البيت أن العاطفة محكومة للعقل، كذلك فقد شدّدوا على كون الحماسة محكومة للعقل، فهم من قالوا: «رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام».
ولا يعني هذا أن القيادة غير المعصومة تنقلب معصومة، ولا ادعى ذلك حتى الولي الفقيه، ومع ذلك نجد في أتباعه من يفسّق منتقديه إذا كان انتقادا في الملأ، فالملأ ليس قناة التصحيح، خاصة مع ملاحظة حجم قاعدته، فمهما بلغ التصحيح من ذروة، فلن يعدو تضعيفا، ينكفئ دون أدنى منى المصحّحين.
ومع هذا يبقى التصحيح واجبا شرعيا، وحقا من حقوق القائد، يدان بتركه متبعوه، ويعاتبوا ويحاسبوا على هذا التقصير
0 التعليق
ارسال التعليق