قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1).
الانحراف الجنسـي هو عبارة عن كل شذوذ فردي أو جماعي يؤدي إما لعدم إشباع أو كبت الغريزة الجنسية لدى البالغ، أو أية ممارسة غير شرعية أو غير طبيعية لإشباع هذه الغريزة.
وأهم مظاهر هذا الانحراف هو البغاء والدعارة، والزنى واللواط والسحاق، وقنوات الخلاعة المتلفزة، ومواقع العري على الإنترنيت، والعلاقات المحرمة بين الجنسين التي برزت وانتشرت في الآونة الأخيرة على شكل دردشات ساخنة -كتابية وصوتية ومرئية- على الشات والويب والماسنجر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، مما جذر الانحراف العاطفي والجنسي في مجتمعاتنا بكل أشكاله، من لهث الشباب والشابات وراء بعضهم البعض، والمتمثل في اعتياد نسبة كارثية من الشباب على العلاقات المحرمة، لعدم قدرتهم على الزواج أو لعدم رغبتهم فيه، وشره الشابات في البحث عن عواطف الحب والغرام، تحت مسميات وهمية من قبيل -الحب العذري، الحب النبيل، الحب البرئ- الذي هو في الواقع حب إلكتروني جاف من العواطف الصادقة والنبيلة، وملتهب من حيث الشهوة الجنسية والبهيمية والريبة عن طريق أسلاك شبكة الإنترنيت.
وأمام ظاهرة العري الجاهلي والتبرج الجنسي، رخصت النساء المبتذلات، ليجد كل من هب ودب ضالته في المقاهي والشوارع والمدارس الثانوية والجامعات والشركات والمؤسسات، قبل الملاهي والفنادق والحانات.
أسباب الانحراف الجنسي
هناك العديد من الأسباب المساهمة في ترسيخ الانحراف الجنسي بكل مظاهره في واقعنا المعاش، أستعرض بعضا منها:
الأول:- الإهمال التربوي:
فقد انحرفت التربية عن مسارها الصحيح المنبثق من منهج القرآن الكريم وتعاليم النبي وأهل بيته الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وانحصر اهتمام أولياء الأمور -وللأسف الشديد- على البعد المادي، فالأب المثالي في واقعنا المعاش هو من يوفر كافة المستلزمات المعيشية وكمالياتها، من مسكن ومأكل وملبس، أما الأبعاد التربوية فهي ضائعة في زحمة الواقع المادي. علما بأن الأب قد يثاب على توفير المستلزمات المعيشية بالطرق المحللة، ولكنه في الوقت نفسه قد يؤثم لتضييعه وتفريطه في ما هو أهم، ألا وهو البعد التربوي المرتبط ببناء الروح، الذي يمثل حقيقة إنسانية الإنسان، فليس من الصحيح الاكتفاء ببناء الجسم مع هدم الروح.
ولمحاصرة الانحراف الجنسي من هذه الزاوية، لا بد من ثقافة تربوية إسلامية وتأهيل تربوي ممنهج لأولياء الأمور، من خلال الجهد الذاتي المتمثل في القراءة والمطالعة والمتابعة المستمرة للكتب التربوية الإسلامية، وأيضا من خلال الدورات الثقافية والمحاضرات والندوات المتخصصة في هذا الجانب، حيث أن الممارسة التربوية والتوجيه التربوي تحتاج إلى معرفة، وفاقد الشيء لا يعطيه.
فالتربية الإسلامية الإيمانية الشاملة والواعية كفيلة بتغذية العقل والقلب، فينعكس كل ذلك على السلوك -في ظل تنامي وتكامل الوازع الديني- وهذا الدور يبدأ من الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى في المجتمع، وتحديدا (الأب والأم)، وفي الواقع أن هذا الولد وهذه البنت يجسدان شخصية الأبوين -وبالأخص في مرحلة الصغر- فالأولاد -عادة- يمثلون المرآة التي تنطبع شخصية الأبوين عليها، فلا بد من وقفة تأمل لأولياء الأمور في المسألة التربوية.
الثاني:- العامل الاقتصادي:
فالفقر عامل أساسي يدفع العديد من الشابات غير الناضجات نحو البغاء والعلاقات المحرمة، كما أن هناك عصابات منظمة تنظم حرف البغاء المتعددة في الحانات والملاهي والفنادق ودور الرذيلة، لأغراض مادية وسياسية تنتمي للمشروع الصهيوأمريكي الاستكباري، المتمثل في سرقة عقول الشباب والشابات واستعبادها وصرفها عن إجهاض المشاريع الاستكبارية.
وفي هذا السياق يأتي تعاطي بعض الدول والحكومات لدور الرذيلة بالإعمار والاستثمار والترويج. وهذه مسؤولية كبرى تقع على عاتق تلك الدول والحكومات، فيتحتم عليها أن توفر الحد الأدنى للمعيشة المادية الكريمة، وتصحيح الوضع الفاسد في دور الرذيلة من ملاهي وفنادق وحانات، وفرض الرقابة الدينية، ومعاقبة المخالفين معاقبة صارمة.
الثالث:- التطور التكنلوجي ووسائل الاتصال الحديثة:
ففي زمن الغابة المعرفية، بات الكثيرون يغوصون في ذلك الامتداد الأخطبوطي عن طريق شبكة الإنترنيت، لينفتح على عالم آخر من دون حدود وضوابط، لتبدأ خطوات الانفلات والانحراف ترسخ أقدامها في نفوس الذين لا ينعمون برقابة ذاتية ولا عائلية أو بيئية. فالتكنلوجيا سلاح ذو حدين، إيجابي وسلبي، ولا نعيش العقدة مع بعده الإيجابي، بل ندعوا للاستفادة منه بقدر الإمكان، وفي الوقت ذاته نحذر من خطورة البعد السلبي الذي أفرزته هذه التكنلوجيا.
فلذا يجدر بكل فتى وفتاة حلقا خارج سرب الرافد الثقافي والمعرفي الإسلامي والحضارة القرآنية، أن يرجعا إلى الذات بإيجابية ووعي. وهنا أيضا يأتي دور أولياء الأمور في ممارسة الجانب التوجيهي والرقابي على فلذات الأكباد، فليس من الصحيح أن نوفر جهاز كمبيوتر خاص لكل فتى وفتاة -يعيشان نشوة المراهقة ورغبة الانفلات- في غرف خاصة موصدة، فكم من فتى غرق في مستنقع المواقع الإباحية؟؟ وكم من فتاة تاهت في متاهات قصص الحب والغرام؟؟
فينبغي توفير كمبيوتر مشترك بحيث يستخدم في مكان عام، أو كمبيوتر خاص مع تقنين وتنظيم أوقات الاستفادة منه، ليتسنى لأولياء الأمور ممارسة الجانب التوجيهي والتربوي والرقابي، مع التأكيد على أسلوب إعطاء الثقة للأولاد والبنات، وأن المسألة ليست أحكام عرفية عسكرية، بقدر ما هي وظيفة إلهية منطلقها الحب والمودة.
الرابع:- المؤثرات الجنسية:
ولهذه المؤثرات والمغريات والمنبهات الجنسية ملامح متعددة:
أ- مظاهر التبرج والسفور وإبراز المفاتن.
ب- مظاهر الحجاب على النمط الغربي الخاضع لبهرجة الأزياء وصخب الموضة المجنونة، فالغرب المعادي للإسلام بعد أن عجز عن مواجهة الحجاب الإسلامي مباشرة، مارس حالة تمييع الحجاب الإسلامي وتفريغه عن محتواه المقدس، فهذا النمط من الحجاب في الواقع هو مجرد قطعة قماش توضع على رأس الفتاة، بعيدة كل البعد عن الحجاب الإسلامي ومحتواه المقدس، وربما يعتبر الحجاب على النمط الغربي أشد إغراءا وإثارة من التبرج والسفور في بعض الأحيان.
ج- الاختلاط الماجن في العمل والجامعات والمدارس الخاصة، والذي أصبح مألوفا وغير مستهجن في الواقع المعاش.
د- قصص وروايات الحب والغرام.
هـ- المسلسلات المدبلجة والأفلام الخليعة والمواقع الإباحية.
كل هذه الأمور تعتبر منبهات جنسية تدفع الإنسان نحو العلاقات المحرمة والانحراف، فلا بد من عودة واعية لقيم الإسلام والحياء والعفاف والطهر، وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «الدنيا دار ممر إلى دار مقر. والناس فيها رجلان: رجل باع فيها نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها»(2).
الخامس:- العنوسة والعزوبة وكثرة الطلاق:
هناك إحصائيات خيالية للعنوسة في مجتمعاتنا، هناك عزوف عن الزواج من جهة الشباب تحت ذريعة الضائقة المادية، هناك مشاكل كثيرة في الحياة الزوجية تنتهي بالطلاق والانفصال، هذه القضايا تمثل البيئة الخصبة لنمو شجرة الانحراف وتجذر العلاقات المحرمة، فلا بد من وضع الحلول المناسبة لها من قبيل:
1- تخفيف المهور.
2- الابتعاد عن الإسراف والتبذير في الحفلات.
3- الإعـداد لبرامـج ودورات توعـوية جـادة ومنظـمة للحياة الزوجية وفلسفتها، وكيفية التعاطي معها.
4- الحث على الزواج المبكر، والمساهمة في تحقيقه ماديا ومعنويا. ومشروع الزواج الجماعي يعد خطوة في الاتجاه الصحيح.
السادس:- الفراغ العاطفي:
هذا الفراغ الذي أفرزه التصدع والتشتت في العلاقات الأسرية، وانحسار مفهوم الصداقة الإيمانية الهادفة في مجتمعاتها، فالأم بعيدة كل البعد عن مشاكل ابنتها، والأب بعيد كل البعد عن مشاكل ابنه، فكل فرد في الأسرة له عالمه الخاص، وبسبب الفراغ العاطفي، نتج مرض اجتماعي خطير ومنتشر في واقعنا المعاش، وهو ما يعرف بالحب العذري والنبيل والبرئ والصداقة بين الجنسين.
نحن لا نعتقد بوجود حب عذري ناشئ من الصداقة بين الجنسين، كما لا نعتقد بإمكانية وجود صداقة بين الجنسين بريئة لا يشوبها شيء، فإذا وجدت هذه الصداقة بين الفتى والفتاة، فهذا يستدعي وجود كلام بينهما، ولقاء مستمر وتواصل، حيث إن طبيعة العلاقة بين الجنسين تفرض ذلك، والإحصائيات كثيرة في هذا الجانب. وبحكم الاختلاف الطبيعي بين الرجل والمرأة، وحالة الانجذاب الشعوري واللاشعوري بينهما، فإن الصداقة بين الجنسين لا تنفك عن النظرة المحرمة أو الكلمة المحرمة أو الشهوة والريبة المحرمة.
فلنتقي الله (عزّ وجلّ) في أعراضنا، وفي أهلنا، وفي أولادنا وبناتنا، فالحساب عسير، والموقف صعب بين يدي الله (عزّ وجلّ)، حيث قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(3).
وما يهون الخطب للعبد العاصي والمذنب هو الرحمة الإلهية وباب التوبة المفتوح، حيث قال الله (عزّ وجلّ): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(4).
ومسك الختام أنقل فيه قصة الشاب العاصي الذي أبكى بتوبته السباع والوحوش والطير، وقد أوردها العلامة المجلسي في بحاره(5):
"دخل معاذ بن جبل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باكيا فسلم فرد (عليه السلام) ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): أدخل علي الشاب يا معاذ، فأدخله عليه، فسلم فرد (عليه السلام)، ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله (عزّ وجلّ) ببعضها أدخلني نار جهنم؟ ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا، فقال رسول (صلّى الله عليه وآله): هل أشركت بالله شيئا: قال: أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا، قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، فقال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق، قال: فإنها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق! فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي، قال: فإنها أعظم من ذلك، قال: فنظر النبي (صلّى الله عليه وآله) إليه كهيئة الغضبان ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك؟ فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربي ما شيء أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم؟ قال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب، فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله): ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟ قال: بلى أخبرك: إني كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات، وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفا فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي، ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار!. فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا فما ترى لي يا رسول الله؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار! ثم لم يزل (عليه السلام) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مسحا وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى: يا رب هذا عبدك بهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم سيدي! يا رب أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي! ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك. فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني، أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه (صلّى الله عليه وآله): {والذين إذا فعلوا فاحشة} يعني الزنا {أو ظلموا أنفسهم} يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا، ونبش القبور، وأخذ الاكفان {ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة {ومن يغفر الذنوب إلا الله} يقول (عزّ وجلّ): أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته، فأين يذهب؟ وإلى من يقصد؟ ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟ ثم قال (عزّ وجلّ): {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان {أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خرج وهو يتلوها ويتبسم، فقال لأصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، قد اسودَّ وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيدي: قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي؟ أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الإحسان إلي وأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري؟ إلى الجنة تزفني؟ أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع! وصفت فوقه الطير! وهم يبكون لبكائه! فدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول! أبشر فإنك عتيق الله من النار. ثم قال (عليه السلام) لأصحابه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول. ثم تلا عليه ما أنزل الله (عزّ وجلّ) فيه وبشره بالجنة". والحمد لله رب العالمين.
* الهوامش:
(1) سورة النور، الآية 19- 20- 21.
(2) نهج البلاغة، خطب الامام علي (عليه السلام)، ج4، ص33.
(3) التحريم، الآية 6.
(4) التحريم، الآية 8.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج6، ص23.
0 التعليق
ارسال التعليق