قد يتصور بعضُهم أن الإسلامَ حقلٌ من حقول المعرفة، وتخصصٌ على حدِّ التخصصات الدراسية؛ يمكن قراءتُه من خلال مجموعة من الكتب المعدودة، إلا أن المتأمل في الإسلام والخائضَ فيه كلما مرّت به السنون أدرك بعد غَوْرِه، وعِظَمَ خطرِه، فهو ترِكةٌ ثقيلة، ومنظومة مترابطة معقّدة، تنتظم فيها زوايا الوحي والغيبِ، والخَلْق والتكوين، والعقل والبرهان، والكشف والعرفان، والتعبد والإعجاز، والروح والجسد، والتجربة والحس... إلى ما شاء الله من جَنَباتٍ مشرقةٍ تتفتّقُ عن علومٍ ومعارفَ ومهاراتٍ وفنون وتخصصات لم تُطْرَقْ جميعُ أبوابها، بل قد تجد مسألةً واحدةً من مسائل علمٍ واحدٍ من علوم الإسلام يُفني فيها العلماءُ أعمارهم، في تحقيقها وبيانها؛ وذلك من قبيل مسألة الحدوث الدهري التي أفنى فيها السيد الداماد(قده) عمره الشريف في تنقيحها وإثباتها، وغيرها من المسائل. وقد تُنقَّحُ مسألةٌ من مسائل العلوم الإسلامية ثم يدعى عدم الجدوى منها وعدم الثمرة والفائدة، وفي كثير من الأحيان – لا كلها – تكون هذه الدعاوى دعاوى عجز وجهل، ثم تتبين بعد ذلك أسرارٌ لطيفةٌ وعلاقات خَفِيّة تكتنفُ تضاعيفَ هذا الوجود، وأسرارٌ تقود جميع المسارات والحقول وتضعُها على صراط الحقيقة والعلم.
فالدعوة لقراءة الإسلام لابد وأن لا تقتصر على تلقي النتاج الزاخر تلقّياً مَحْضاً، مهما بلغ، ومهما كان متينا، ومهما احتاج من أعمار النوابغ، إلا أن هذه الأعمار لابد وأن تبذل وفق خطة مدروسة تتوزع فيها الجهود، لتَقتَحمَ المجهولَ من زوايا الإسلام.
أما بالنسبة لاندراج كل العلوم تحت راية الإسلام فيدعي بعض الأساتذة(حفظه الله) في مسألة أسْلَمَةِ العلوم أنّا لا يوجد لدينا علمٌ غير إسلامي، بل كل العلوم هي علوم إسلامية، وإنما الخلاف في اللسان المسبّح لله بها، والشاكر له على نعمة الإسلام، فلسان عالم الدين يقول: هكذا قال اللهُ. ولسان عالم الطبيعة يقول: هكذا فعل الله، والكلام في ذلك طويل الذيل بناه على مجموعة مقدمات.
يبقى أن أهمية قراءة الإسلام تتركز على قراءة الإسلام كل الإسلام، لا الإسلام في جَنْبَةٍ دون أخرى، بمعنى أن من يريد أن ينسب رأياً إلى الإسلام، فعليه أن يجمع بين محكماته ومتشابهاته مهما أمكن، لا بمعنى عدم الفائدة من بعضه، فليس من قبيل التنجيم؛ الذي قليلُه لا يفيد وكثيرُه لا يُدرَك، بل الإسلام قليله يفيد، وكثيره يُطلب.
وعلى ذلك كان في الإسلامِ أحكامٌ أولية وأحكام ثانوية، والتمسّكُ بالإسلام بعد قراءته صحيحا هو التمسك بمحصّلة ما يريده، لا الاستماتة في الحكم الأوّلي في ظرفِ تحقق وثبوت موضوع الحكم الثانوي، وهذا من لطائف أسراره الحافظةِ لنظامِ المجتمع المسلم، فكثيرةٌ هي النزاعات بين أبناء الدين التي يمكن أن يُعرف حالهُا من هذا الوجه، ولو قرأ المسلمون الإسلامَ كما يريد هو لا كما يريدون، لكَفَوا أنفسَهم وكفوا الناس ويلات التّناحرِ والإعانة على بعضهم ولو بشطر كلمة، ولكانوا تلك الحوزة المنيعة والعصِّية على الاختراق.
0 التعليق
ارسال التعليق