بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيْم، اللهمَّ صلِّ علَى محمَّدٍ وآلِ محمَّد.

لا تفلحُ أمّةٌ إلا باتباعِ قيادتِها الحقيقيّة، وبمقدارِ ما تبتعدُ عن القيادةِ فإنَّها تبتعدُ عن عزِّها وشرفِها، وعن تحقيقِ انتصاراتِها المنشودَة.

ومنَّ اللهُ على هذه الأمَّة بقياداتٍ معصومةٍ مسدَّدة، أفنتْ عمرَها في سبيلِ إنقاذِ الأمَّة من الضَّلالِ والفسادِ والانـحطاط، والأخذِ بيدِها إلى قمّةِ الكمالِ والعزَّة والكرامَة، وأوَّلُها نبيُّنا الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، ومن بعدِه الأئمة الطاهرون (عليهم السلام).

وإذا كانتْ غالبيةُ المسلمين(وللأسف الشديد) لا يرونَ قيادةَ الأئمةِ (عليهم السلام) الذين نصبَّهمُ اللهُ تعالى على البّشر، فإنّه لا يختلفُ مسلمانِ على قيادةِ الرسولِ الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وأنَّه الرّجلُ الأوّل في هذه الأمّة، بل الأوّل على البشريةِ جمعاء. والرسول (صلّى الله عليه وآله)ُ هو الموحِّد الأول لهذه الأمّة، وجامعُ كلمتِها، والابتعادُ عنه ابتعادٌ عن الله، عن الدينِ، عن القيَم، عن الوحدةِ الإسلاميّة. ويكذبُ أيُّ مدعٍ للارتباطِ بهذا النَّبي الكريم (صلّى الله عليه وآله)، وهو يسيرُ على غير ِمنْهجِه، ويهتدي بغيرِ هُداه.

وفي هذا العصْر الذي تكالبتْ فيهِ قِوَى الكفرِ لمحاربةِ الإسلامِ والمسلمين، نرى الكثيرَ ممن يفترضُ أن يحملِوا رايةَ الإسلامِ ويدافعوا عنْها، نراهمْ يحاربون الإسلامَ ويسترخصون دماءَ المسلميْن.

ونـحْنُ في الحقيقيةِ لا نتعجَّبُ من الحكَّام الذين تواطَؤا مع الغربِ وأعداءِ الأمّة؛ لأنَّهم وباختصار مسلمون بالاسمِ فقَط، وهمْ مستعدُّون لفعلِ كلّ شيءٍ من أجلِ بقاء الكرسي والسلطةِ والجاهِ والمنصب، وقد عوَّدونا على ذلك وأثبتوهُ عملياً، ولسنا نتعجبُ أيضاً من السلفيّة الذين أسّسوا مذهبَهم على أساسِ السيف، وقد ملؤوا صفحاتِ تاريخهم الأسود بالجرائمِ البشعَة التي يشيبُ لها الرضعان، منْذ نشئتِهم على يدِ الاستعمارِ البريطاني وإلى يومنِا هذا، ولكن لنَا أنْ نتّعجب ممن كانوا فترةً من الزمنِ يرفعونَ لواء الوحدة ِالإسلامية، ومخالفةِ الحكّام الظلمة، نراهم اليومَ يتواطؤون على الأمّة بمجرّد وصولِهم للسلطةِ وبهذه السرعة.

فلنا أنْ نسألَ أيّهما أعدى للأمّة الكيانُ الغاصب لأرضٍ إسلامية أم الجمهوريةُ الإسلاميةِ التي بذلتْ كلّ ما في وسعِها للدّفاعِ عن أرضِ فلسطينَ وعن الفلسطينين؟! وأيّهما أحقُّ بالتحرّك من أجلِه الشعبُ الفلسطيني المظلوم أم الشعبُ السوري؟!!

ألمْ يأمر النّبي (صلّى الله عليه وآله) وهو في آخرِ أيامِ حياتِه المباركة بإخراجِ اليهود من الجزيرةِ العربية؟!! فلماذا لا يتحرّك الأخوانُ (المسلمون) لأجلِ ذلك؟ أم أنَّ القلمَ مرفوعٌ عنهم؟ ألا يستطيعوا على أقلِّ التقادير رفعَ الحصار ِعن غزة بالكامل، ومقاطعةَ الصهاينة مقاطعةً كاملةً وحقيقية، أمْ لا زال َالوقتُ مبكراً لأجل ذلك؟

هل النّظامُ السوري الداعم -على الأقل- لحركاتِ المقاومة أكثرُ ظلماً وإجحافاً بشعبِه من الأنظمة الخليجيةِ التي تتآمر فيها عوائلُ محددة على شعوبِها وتدعمُ الكيانَ الصهيوني الغاصب؟!! أيمكنُ أنْ نصفَ إنساناً بالإنصافِ والعدالةِ وهو يتغافلُ عن ثوراتٍ لمجرد أنّ شعوبَها من طائفةٍ معينة؟! أهكذا كانتْ سيرةُ النّبي (صلّى الله عليه وآله) معَ المسلمين؟ وهلْ هكذا كانَ منهجُه؟ وهلْ يرضى بهذا التمييزِ الظالم لأخوة في الدين؟

ألمْ يآخي النّبي (صلّى الله عليه وآله) بينَ المهاجرين والأنصار لأجلِ اتحاد المسلمين ولمِّ شملهم، واستحكام قوتِهم، معَ ما هم عليه من التّشتت والاختلاف؟

لنجعلْ سيرةَ النَّبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) حكَماً بيننا، ونرى أيُّ الأمورِ تنسجمُ وتتلائمُ معَ سيرته المباركة فنعمل من أجلِ تحقيقها، وأيّها لا تنسجم مع سيرتِه فنتركُها ونبتعدُ عنْها. ولندركْ الحرمةَ التي أعطاها اللهُ للمسلمِ فلا نهتكُها، ولا نتهاونُ فيها، ولندقِق في قولِه (صلّى الله عليه وآله): «أمرتُ أنْ أقاتلَ النّاسَ حتّى يقولُوا لا إلهَ إلاّ الله، فمنْ قالَ لا إلهَ إلاّ اللهُ فقدْ عصمَ منّي نفسَه ومالَه إلاّ بحقِّه وحسابُه على الله». والحمد لله رب العالمين.