الأسماء الحسنى وأهل البيت (ع)

الأسماء الحسنى وأهل البيت (ع)

قال عز من قائل في كتابه المبين {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(1).

الأسماء الحسنى هي حقائق الكمالات الوجودية المستجمعة لصفات الجمال والجلال، وهي أحسن الأسماء لأنها تتضمن معاني حسنة كمالية غير مشوبة بنقص أو عدم، بعضها يرجع إلى صفات ذاته عز وجل كالعالم والحي، وبعضها يرجع إلى صفات فعله عز وجل كالخالق والرازق، وبعضها يفيد التمجيد والتقديس له عز وجل كالقدوس.

عدد الأسماء الحسنى:

 وحينما نقف على عدد تلك الأسماء نلاحظ بأن هناك اتجاهين في المسألة:

 الاتجاه الأول: وهو الذي يقول بتوقيفية الأسماء الحسنى، ومعنى التوقيفية هو أن المشروعية متوقفة على ورود النص بهذا الخصوص، أي لا تشرع ما لم يرد بها إذن من الشارع. ولهذا الاتجاه في إثبات مدعاه دليلان:-

1. الآية الكريمة {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}، وهذا الاستدلال مبني على كون اللام في قوله تعالى (ولله الأسماء) لام العهد الذهني، وأن المراد بالإلحاد في قوله تعالى (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) هو التعدي إلى غير ما ورد من أسمائه من طريق السمع.

2. ما ورد مستفيضا مما رواه الفريقان عن النبي (ص) (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة )، أو ما يقرب من هذا اللفظ(2).

 الاتجاه الثاني: وهو الذي يذهب إلى عدم توقيفية الأسماء، ويناقش أصحاب الاتجاه الأول ويقول: بالنسبة للآية الكريمة {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}، فسياقها يأبى عن حمل اللام في (الأسماء) على العهد الذهني، بل ظاهر الآية الكريمة أن اللام هي لام الجنس، وجيء بالأسماء محلى باللام، والجمع المحلى باللام يفيد العموم، كما هو مقرر في علم الأصول، ومقتضى ذلك أن كل اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيه أحد، حيث أن معاني هذه الأسماء له تعالى حقيقة وعلى نحو الأصالة، ولغيره تعالى بالتبع، ويؤيد هذا ما ذكره العلامة الطباطبائي في ميزانه، حيث قال: (فلله سبحانه وتعالى حقيقة كل اسم لا يشاركه غيره، إلا بما ملكهم منه كيفما أراد وشاء)(3)، ويقول أيضا: (لا دليل في الآيات الكريمة على تعين عدد للأسماء الحسنى تتعين به، بل ظاهرها أن كل اسم في الوجود هو أحسن الأسماء في معناها فهو له تعالى، فلا تتحدد أسماؤه بمحدد، والذي ورد منها في الكتاب الإلهي، مائة وبضعة وعشرون اسما)(4). أما بالنسبة لما ورد في الخبر المتقدم (إن لله تسعة وتسعين اسما.. إلخ )، فلم يكن في مقام الحصر من حيث العدد، ويشهد لذلك أن الأسماء التي ذكرت في روايات الإحصاء مختلفة ومتفاوتة(5)، وقد أهمل في تلك الروايات الكثير من الأسماء الواردة في القران الكريم، وأيضا من بين تلك الروايات، رواية وردت في الكافي(6) أوردها العلامة في كتابه(7)، وقد ذكر فيها (360) اسما، وأيضا الأدعية المأثورة عن النبي (ص) وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين فيها الكثير من الأسماء غير ما ورد منها في القران الكريم وأحصي في روايات الإحصاء، فغاية ما تدل عليه الروايات المستفيضة التي تقول (إن لله تسعة وتسعين اسما )، أن من أسماء الله تسعة وتسعين اسما، من خاصيتها أن من دعا بها استجيب له، ومن أحصاها دخل الجنة، كما يشير إلى ذلك صاحب الميزان(8)، أو أن هذا العدد من أسمائه هو أشرف الأسماء، كما أشار إلى ذلك المازندراني في شرح أصول الكافي، حيث قال:(لا دلالة فيها على حصر أسمائه تعالى في هذا العدد إلا بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجة اتفاقا، فلا ينافي ما يدل على أن أسماءه أزيد من ذلك)، ويقول أيضا (وإنما اقتصر على هذا العدد لكونه أشرف الأسماء الحسنى)(9).

أهل البيت والأسماء الحسنى:

 على كل حال.. هناك جملة من الروايات ذكرت في مصادر متعددة، بعضها يشير إلى أسماء أهل البيت (ع) على أنها أسماء مشتقة من أسماء الله عز وجل، كالرواية التي جاءت في كتاب فرائد السمطين، في حديث قدسي طويل، فيه إشارة إلى أصحاب الكساء سلام الله عليهم أجمعين، يقول عز من قائل مخاطبا نبيه آدم (ع) : (هؤلاء خمسة شققت لهم أسماءا من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس والجن، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين)(10)، وأيضا جاء في كتاب اللمعة البيضاء: [وفي الأخبار الكثيرة أنه قال النبي (ص) لفاطمة (ع) : (إن الله شق لك يا فاطمة اسما من أسمائه، وهو الفاطر وأنت فاطمة )(11)]. وورد في الحديث القدسي أيضا: (إني خلقت فاطمة وشققت لها اسما من أسمائي، فهي فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض)(12)، وفي الأدعية المشهورة: (الهي بحق محمد وأنت المحمود، وبحق علي وأنت الأعلى، وبحق فاطمة وأنت فاطر السماوات والأرض، وبحق الحسن وأنت المحسن، وبحق الحسين وأنت قديم الإحسان)، ويعلق صاحب كتاب فرائد السمطين على مسألة اشتقاق فاطمة من فاطر، ويقول (لا يخفى اختلاف مادة اشتقاقهما، ففاطر من فطر، وفاطمة من فطم، فلعل المراد بالاشتقاق هو الاشتقاق الكبير)(13)، ويوجد هذا التوجيه أيضا في كتاب اللمعة البيضاء(14)، والاشتقاق الكبير هو الاتفاق في الحروف الأصول دون الترتب(15).

أهل البيت أسماء وأدلاء على الله:

 وهناك روايات أخرى تشير إلى أهل البيت (ع) على أنهم هم الأسماء الحسنى، كالرواية التي وردت في الكافي بإسناده إلى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) قال (ع) :[ نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا](16)، يقول صاحب الميزان: (الاسم بحسب اللغة ما يدل به على الشيء، سواء أفاد مع ذلك معنى وصفيا، كاللفظ الذي يشار به إلى الشيء لدلالته على معنى موجود فيه، أو لم يفد إلا الإشارة إلى الذات، كزيد وعمرو وخاصة المرتجل من الأعلام)(17)، ويقول في تعليقه على الرواية المتقدمة في الكافي: (وفيه أخذ الاسم بمعنى ما دل على الشيء، سواء كان لفظا أو غيره، وعليه فالأنبياء والأوصياء (ع) أسماء دالة عليه تعالى، ووسائط بينه وبين خلقه، ولأنهم في العبودية بحيث ليس لهم إلا الله سبحانه، فهم المظهرون لأسمائه وصفاته)(18)، وقد ورد هذا المعنى أيضا في الزيارة الجامعة: (السلام على الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضاة الله) (إلى الله تدعون، وعليه تدلون).

أيضا يعلق المازندراني في شرح أصول الكافي على تلك الرواية ويقول : (يحتمل أن يراد بالأسماء الحسنى أسماؤهم (ع)، وإنما نسبها الله إليه، لأنه سماهم بها قبل خلقهم، كما دل عليه بعض الروايات، ويحتمل أن يراد بها ذواتهم، لأن الاسم في اللغة العلامة، وذواتهم القدسية علامات ظاهرة لوجود ذاته وصفاته، وصفاتهم النورية بينات واضحة لتمام أفعاله وكمالاته، وإنما وصفهم بالحسنى مع أن غيرهم من الموجودات أيضا علامات وبينات، لما وجد فيهم من الفضل والكمال، ولمع منهم من الشرف والجلال، ما لا يقدر على وصفه لسان العقول، ولا يبلغ إلى كنهه أنظار الفحول، فهم مظاهر الحق وأسماؤه الحسنى وآياته الكبرى، فلذلك أمر سبحانه عباده أن يدعوه ويعبدوه بالتوسل بهم والتمسك بذيلهم، ليخرجوا بإرشادهم عن تيه الضلالة والفساد، ويسلكوا بهدايتهم سبيل الحق والرشاد)(19).

هكذا هم أهل البيت (ع)، شمس مشرقة في كبد النهار، يستشري نورها لينير الخافقين، على الرغم من عتمة السحاب.

 

* الهوامش:

(1) سورة الأعراف، الآية 180

(2) الكافي، الكليني، ج1، ص87 – سبل السلام، ابن حجر العسقلاني، ج4، ص108.

(3) تفسير الميزان، الطبأطبائي، ج8 ص348

(4) المصدر السابق، ج8 ص361

(5) الرسائل التوحيدية للعلامة الطبأطبائي ص37

(6)  أصول الكافي 1: 112.

(7) تفسير الميزان 9: 363

(8) تفسير الميزان، الطبأطبائي، ج8 ص367

(9) شرح أصول الكافي، المازندراني، ج3 ص104

(10) فرائد السمطين  ج1 ص37

(11)  كتاب اللمعة البيضاء، للأنصاري  ص103- بحار الأنوار، المجلسي، ج37 ص 47

(12)  بحار الأنوار، المجلسي، ج11 ص25

(13)  فرائد السمطين،  ج1 ص37

(14)  اللمعة البيضاء، للأنصاري،  ص103

(15)  مختصر المعاني ص291

(16) أصول الكافي 1: 144.

(17)  تفسير الميزان، الطبأطبائي، ج8 ص347

(18)  المصدر السابق، ج8 ص372

(19)  شرح أصول الكافي، المازندراني، ج4 ص217


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا