الأدعية القرآنية وخصائصها

الأدعية القرآنية وخصائصها

يقول الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه: {وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(1).

 من منطلق هذه الآية الكريمة التي في طيها معاني ودلالات كثيرة ومن أبرزها وأهمها الحث على الدعاء. لو تأملنا في سبب نزول هذه الآية المباركة لوجدنا بعض النكات المهمة فلا بأس بذكر سبب نزولها وهو «أنّه سأل رجل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الله (سبحانه وتعالى) أهو قريب ليناجيه بصوت خفي أم بعيد ليدعوه بصوت مرتفع؟»(2).

فنزلت هذه الآية المباركة.

ومنه نعرف أن رب العالمين قريب من عبده، لكن هل العبد قريب من الله أم لا؟ فلو كان بعيداً فهذا بسبب معاصيه التي تبعده عن الله.

«رب العالمين إجابته دائمة لا موسمية بدلالة كلمة {أجيب} التي تعني الدوام. ولا نريد أن نتطرق إلى الحكمة الإلهية وسيرها في استجابة الدعاء وما هي شروط استجابة الدعاء هذا بحث في محله لكن محل الشاهد هو وظيفة العبد الدعاء»(3).

حثت السنة النبوية وسيرة الأئمة الأطهار على الدعاء وهناك روايات كثيرة نذكر منها : -

الرواية الأولى عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تقربون إلى الله بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار»(4).

الرواية الثانية عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: «عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء»(5).

الرواية الثالثة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: «من فتح له من الدعاء منكم فتحت له أبواب الإجابة»(6).

الرواية الرابعة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قال: «ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء»(7).

وروايات كثيرة نكتفي بهذا القدر.

وهذا الحث على الدعاء يبيّن وجود أهمّية له يمكننا أن نوجزها في نقاط:

إن الإنسان ما هو إلا مخلوق ضعيف يحتاج في كل أوقاته إلى من يمده بما يحتاج إليه بل "هو فقر مطلق وهذه هي حقيقته الوجودية وبطبيعة الحال الفقير المطلق يحتاج إلى الغني المطلق ونجد أن الدعاء محرك أساسي لشعور الإنسان بالنقص وحاجته لرب العالمين الذي هو الغني المطلق"(8).

 الدعاء هو مخّ العبادة كما نقل في الروايات فقد روي عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: «الدعاء مخّ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد»(9) فكما أن الإنسان بدون مخّ يفقد كل شيء فكذلك العبادة بلا دعاء تفقد قيمتها الحقيقية. فهذه الكناية التي عبرت بأن الدعاء {مخّ} تبين عظمة الدعاء وأهميته البالغة.

يقول النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «ادفعوا أبواب البلاء بالدعاء»(10).

فالبشر محاطون بالبلاء ولا يمكنهم أن يضمنوا أمنهم من الشرور المختلفة، والدعاء أحد الوسائل في دفع هذا البلاء. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(11).

 الدعاء أمر وشعور فطري يلجأ إليه كل من يقع في الضرر وهذا ما نراه في حياتنا اليومية بكثرة، يقول تعالى: «أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ»(12)، إلى أين يذهب المخلوق إذا ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه السبل ولا يدري إلى أين يتوجه فتراه يحن ويلجأ إلى رب العباد خالق هذا الكون ومدبره فهو المعطي الحقيقي الذي حين تتوجه إليه تفتخر بهذه الحالة المسماة بالدعاء، بعكس ما إذا طلبت من محتاج مثلك وما هو في حقيقته إلا محتاج فإنّك لا تشعر بالفخر فضلاً عن أنك قد تشعر بالذلّ.

"فالدعاء من ضروريات الحياة ويدفع البلاء وهو سلاح المؤمن فلذا نجد أن القرآن الكريم اشتمل على أدعية منها للأنبياء والأولياء والصالحين، ويكفيك بأنّ القرآن الكريم الذي هو دستور الحياة المنزّل على نبينا المرسل افتتح سورة الحمد بالثناء والدعاء"(13). ويعتبر الدعاء من أبرز عوامل الانتصار على الأعداء لذلك عندما نتأمل في سيرة أئمتنا الأطهار نجدها محفوفة بالأدعية كالصحيفة العلوية ودعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة والصحيفة السجادية التي تُجسّد من هو الإمام وكيف كان يتلذذ في عباراته ومناجاته لله تعالى. ومما لا شك فيه أن الدعاء في حقيقته تأصيل العلاقة بين العبد وربه وأنّ رب العالمين كما أشارت كثير من الآيات والروايات يحب أن يسمع صوت الداعين وأنّه مجيب للدعوات لذلك تجد حثا من قبل القرآن الكريم والروايات الشريفة على الدعاء وبيان أهميته وآثاره. منهجية البحث قائمة في سرد الأدعية المذكورة في القرآن الكريم من أدعية الأنبياء والأولياء الصالحين وحاولت أن أستخلص خصائصها في نهاية المطاف.

عندما نتدبّر في هذا الكتاب العظيم فنرى أنّ أول دعاء فيه ذكر جاء على لسان النبيّ إبراهيم (عليه السلام) في سورة البقرة: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(14)، فالأمن والرفاهية في العيش لأهل الإيمان من الأدعية ذات الصبغة السياسية -الاقتصادية، فعلى المؤمنين السعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي الإسلامي في العالم، فمن أجل أن يعيش المؤمنون أحراراً آمنين في بلادهم معتمدين على أنفسهم مستقلين عن الآخرين رافعين لواء العبودية لله سبحانه في الأرضين، ندعوا بدعاء النبي إبراهيم (عليه السلام) وبه استجيبت دعوته (عليه السلام).

وكذلك نرى آخر دعاء جاء في القرآن الحكيم على لسان نبي الله نوح (عليه السلام) الذي يطلب به من الله تعالى الغفران والرحمة له ولأبويه وللمؤمنين والمؤمنات حيث يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا}(15).

فما أشدّنا احتياجاً (الأمّة الإسلامية) أن ندعو ربّنا ونطلب منه الأمن والعيش الرغيد في الحياة الدنيا، ونرجوا منه الغفران والرحمة والفوز بالرضوان والدخول في الجنان يوم القيامة.

 في رحاب القرآن الكريم

يتمكن الإنسان أن يتصل مباشرةً بربّه الكريم بلا واسطة، ومتى شاء وأينما كان، فلا حجاب ولا حاجب، ولا حرس، ولا نوم ولا سنة، ولا حاجز ولا موانع ولا فواصل مكانية ولا مواعيد مقررة من قبل {وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}(16) ولا يوجد مانع من الموانع التي نراها في حياتنا اليومية، فكلّما ازدادت الاتصالات تقدّماً وانتشرت وسائل الإعلام ازدادت العقبات، فحاشى للساحة الربوبية من هذه العراقيل، فعليك أيّها الإنسان المسلم أن تتجه نحو البارئ بقلب سليم ونية خالصة، وتطلب حوائجك من الربّ الجليل كما فعل الأنبياء (عليهم السلام) عبر الدعاء، ولأجل أن نوضّح هذا المعنى نذكر هنا بعضاً من حوارات الأنبياء العظام، وحواراً لإحدى النساء العظيمات.

 

1. النبيّ زكريا (عليه السلام): -انظر كيف يصوّره القرآن الكريم:

قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} فجاء النداء مشفوعاً بالإجابة الفورية: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}(17).

"ما أعظمه من حوار، حيث يخاطب الإنسان ربه العزيز بلا مانع ولا راع ولا خوف، وبكلّ بساطة وارتياح خاطر، ثم يطلب منه العظيم والمستحيل (الإنجاب بعد العقم)"(18)، فتشمله العناية الإلهية وتُستجاب له الدعوة مباشرة وعلى الفور كما يستفاد من النص والحوار، فلا تجد حروف عطف ولا فواصل كلامية.

واعلم كلّما كان المطلوب عزيزاً كان على الله هيناً بسيطاً، لأنّه القادر على كلّ شيءٍ وبيده الأمور كلها فسبحان ربّنا القادر المتعال.

2. النبيّ نوح (عليه السلام):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا }(19).

وهذا هو النبي نوح (عليه السلام) يخاطب ربّ العالمين ويبث له شكواه عن قومه الكافرين ثم يذكر نهضته وما قام به من عمل دؤوب، ليلاً ونهاراً، سراً وإعلانا، يجاهد في سبيل الله لا يخاف لومة لائم، ولكن لم يصل إلى النتيجة المطلوبة، فدعا عليهم بالفناء. وتتجلّى في هذا الحوار الأمور التالية:

الاتصال بالله مباشرة بلا أية واسطة.

الاستجابة مباشرة وفورية.

الكلام العادي والبسيط وليس فيه ارتعاش وخوف.

وفي نهاية المطاف فيه طلب الغفران.

هكذا تصنع الأدعية عندما تُسدّ الأبواب في وجوه العباد.

3. امرأة عمران؛ ويبدأ بالحوار كما يلي:

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}(20).

"ما أروع هذا الكلام، البساطة تغمر العبارات، الجمل ليست فيها ذبذبات للخوف، والكلام آخذ مجراه الطبيعي، ثم انظر إلى هذا الإنسان الضعيف كيف يخاطب الربّ العظيم من دون تلكؤ في الكلام، وكأنّه يخاطب صديقاً حميماً، بل هو أرحم الراحمين، ولكن أين القلوب الواعية والأسماع المصغية، فما أحوجنا اليوم إلى الأذن والقلوب الواعية حتى نصنع بها معاجز عصرنا الحاضر وتبقى خالدة مدى العصور والأزمان والأجيال القادمة"(21).

الإجابة السريعة:

مما لا ريب فيه أنّ الله نعم المجيب، وهو الربّ الجليل، {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}(22)، فهو المالك لكل شيءٍ وبيده الخير، فلا تأخير ولا تأجيل في الإجابة، وإنّه الجواد الكريم، إذ هو صاحب خزائن السموات والأرضين، فلنعم الربّ، ربّنا الغفور الشكور. وهو كذلك سريع الإجابة كما صرّحت الآيات التالية:

1. {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ}(23).

2. {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ}(24).

3. {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى}(25).

فإنّك لترى بوضوح أنّ الاستجابة جاءت مع نوح (عليه السلام) مقرونة بالنجاة، ومع أيوب (عليه السلام) اقترنت بكشف الضرّ، ومع زكريا (عليه السلام) بالهبة، فما أحلى هذه الاستجابات، إذ هي من أكبر العبر لنا، وما أحوجنا أن نقتدي بأسوتنا هؤلاء الكرام من الأنبياء العظام.

ومن جهة ثانية إنّ الله العزيز لن يهمل ولن يترك البشر بل توجهت العناية السماوية إليهم كما اتجهت نحو الأنبياء (عليهم السلام) حيث يخاطب الله تعالى رسوله  (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(26).فالربّ العظيم ينظر الدعوة من عبده، فهو أقرب إليه من الآخرين وسريع الإجابة كما كان يستجيب دعاء المرسلين، وثمّ أمرنا أن ندعوه حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(27).فالإجابة مضمونة يقيناً بلا أدنى شكّ وترديد، إلهي وربّي أدعوك كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني.

 طوائف الداعين

قال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ}(28)، فهو السلام ويحبّب الناس عن طريق رسله و آياته إلى دار الخلد، ثم يدعو الأمم ليحط من ذنوبهم وليرضى عنهم حيث يقول عزّ من قائل: { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ}(29)، فهو المقتدى في هذا السبيل والقائد لأصحاب الرسالات وأهل الإيمان إلى هذا الطريق، وأمّا الطائفة الأخرى فهم الأماثل والأفاضل من أهل الدين والتقوى عباد الله المخلصون، قادة الشعوب إلى ساحل الأمن، والحكّام على القلوب، الهداة للحقّ، وأصحاب اليقين، قدوة للصالحين والعاملين، عبّاد زهّاد في الدنيا، أصحاب الجاه العظيم عند الربّ الكريم ألا وهم الأنبياء والصالحون عليهم آلاف التحية والسلام. فالدعوة إلى الحقّ تجلّت في خاتم أنبيائه ورسله محمد (صلّى الله عليه وآله) وكانت فيها:

أولاً: الحياة، حيث قال تعالى في حقّ رسوله (صلّى الله عليه وآله): {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}(30).

ثانياً: الإيمان، قال تعالى: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ}(31).

ثالثاً: الهدى، قال (عزَّ وجلَّ): {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(32)، فالدعوة إلى الصراط هو طلب الهداية، والهداية من لوازم الإيمان حتى يصل الإنسان إلى رضوانه تعالى. ولكن ترى من جانب آخر أنّ هذه الأمور ليست هيّنة، فهناك أناس يقفون سداً أمام الأنبياء (عليهم السلام) والمصلحين، ويفضلون حياة الجهل والذّلّ والظلم والشرك على دعوة الأنبياء، ويصعب على الظالمين تلبية نداء السماء والرضوخ للأنبياء (عليهم السلام) كما عبّر عنهم الخالق قائلاً: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}(33).

أدعية الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام):

هي كثيرة ونشير إلى بعضها:

أدعية الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله): فطلبات الرسول (صلّى الله عليه وآله) من الله تعالى تحدّدها المواقف المختلفة من سياسية وفردية واجتماعية و...

أولاً: الأدعية السياسية، وهي أيضاً تُحددها الأدوار الزمنية المختلفة التي عاصرت الرسول (صلّى الله عليه وآله) منها قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}(34)، فالاستعانة بالله لأداء حقّ الرسالة لعظم شأنها ونشرها بين الجماهير ما هي إلا حركة سياسية عقائدية تقوم على أسس ومبادئ التوحيد والإيمان ونفي الشرك بين الشعوب. ويذكر صاحب مجمع البيان في هذا الصدد قائلاً: "اختلف المفسرون في معنى أدخلني... (وانني أرى هذا المعنى يناسب الآية أكثر) حيث يقول: أي أعنّي على الوحي والرسالة، والدليل على ذلك ما قام بشرحه في القسم الثاني من الآية، واجعل لي عزاً امتنع به ممّن يحاول صدّي عن إقامة فرائضك وقوة تنصرني بها على من عاداني فيك"(35)، فطلب التصدي لأعداء الدين من المشركين والضالين والتحدي لهم ما هي إلا حركة إصلاحية سياسية وليس من ورائها إلا إقامة التوحيد ونشر الإيمان بين الأمم.

ومن تلك الدعوات السياسية الاجتناب عن الطواغيت: ففي موطن من القرآن الكريم يقول الباري تعالى عن لسان نبيّه (صلّى الله عليه وآله): {رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(36)، فالرسول (صلّى الله عليه وآله) يتبرأ من أصحاب الظلم والشرك ويطلب من الله سبحانه أن يُنجّيه من الظالمين ومقاطعتهم، وما هذه الحركة إلا حركة ونشاط سياسي آخر للرسول (صلّى الله عليه وآله).

ثانياً: الطلبات الفردية، منها طلب الزيادة في العلم، حتى يكون الإنسان على بيّنة من أمره، فالعلم مصباح لأهل الإيمان وأساس لأهل اليقين حيث يقول العزيز مخاطباً نبيّه الكريم: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(37)، ومنها الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم الذي يغوي الناس أجمعين ثم يتبرأ منهم أمام رب العالمين في يوم الدين، فالنبي (صلّى الله عليه وآله) يعلم الأخطار التي يقوم بها هذا اللعين من الإغواء والتمرد والفساد ونشر الشرك بين الشعوب فإنّه يستعيذ بالله منه قائلاً: {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}(38).

ومنها الشكوى لربّ العباد من قومه الذين تركوا القرآن العظيم وراء ظهورهم وعدم الاعتناء به حيث تركوا العمل بأحكامه وجروا وراء أهوائهم الضالة حيث يحكي الله عن لسان النبي (صلّى الله عليه وآله): {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(39).

ومنها طلب الغفران والرحمة، فبهما تنال السعادة الأبدية من الربّ، واعلم إن لم تكن المغفرة من قبل الجليل فماذا ستكون عواقب العاصين؟ فالعفو بيد الغفور الرحيم يتجاوز عن المذنبين بين الحين والحين، بل يتداركهم بالرحمة والشفقة، لأنّه كتب على نفسه الرحمة، وأرسل إلينا رسول الرحمة، وأنزل علينا كتاب الرحمة، فنحن في رحمة الله الواسعة غارقون، وفي ظل الرحمة سائرون، وإليها راغبون، ومن أجل هذا نرى الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) يدعو الربّ العزيز قائلاً: {رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}(40).

دعاء النبي آدم وحوّاء (عليهما السلام):

الدعاء قرين الإنسان منذ الأزل وإلى يومنا هذا وإلى الأبد، فهو من أعظم المساند لظهر البشر، ومن أقوى الأسلحة لأهل الإيمان، به تتسامى الأعمال الصالحة، ويصل الناس إلى الكرامة والعزّة، فهذا أبونا آدم (عليه السلام) وهذه أمّنا حواء قالا لربّ العظمة والكبرياء، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(41)، فالاعتراف بالذنب فضيلة، فلا بدّ لنا من أن نقرّ بالأخطاء لربّ العباد ونعترف بالذنوب أمامه، فالندم يمثل المرحلة الأولى للتوبة وثمّ نطالب الكريم أن يتجاوز عن الذنب العظيم، فهو السميع المجيب، ومن ثمّ نرجوا من الله الرحمة كما صنع أبونا آدم (عليه السلام)، فلا بدّ من أن نشير هنا إلى أنّ الرحمة ملازمة للغفران فلا ننسى ذلك.

أدعية نوح (عليه السلام):

نوح (عليه السلام) شيخ المرسلين بحكم كبر سنه عاش سنيناً ومضى في سبيل ربّه مبلغاً رسالاته لاقياً المصائب الكثيرة من المعاندين فجاءت أدعيته (عليه السلام) في القرآن الكريم على محاور عديدة منها:

1. الأدعية السياسية: حيثُ يطالب الله العزيز بالنصر القريب قائلاً: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ}(42)، فطلب الانتصار على الأعداء ودحر الخصماء وإزاحتهم عن المجتمع الإنساني وتطهير الأرض من المشركين وإقامة شعائر الدين ما هو إلاّ دعاء سياسي، وتراه (عليه السلام) في موطن آخر يقول: {رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}(43)، فالانتصار على كيد الأعداء الذين اتهموه بالكذب والافتراء، حيث لم يجدوا طريقاً لضرب الرسالة السماوية إلاّ عن طريق التهمة ليحطّوا من مقامه (عليه السلام) في أنظار الناس فبادر حينئذٍ بطلب الانتصار على أعداء الدين، فكانت دعوته سياسية أيضاً.

2. الأدعية الاجتماعية: ما زال الإنسان يعيش مع الآخرين جنباً إلى جنب، ولا يستغني الإنسان في حياته عن بني نوعه.

فلا بدّ من أن تتوثق الأواصر الاجتماعية فيما بينهم، وأفضل طريق في هذا المجال هو الدعاء، حيث قام بهذه المهمة نبيّ الله نوح (عليه السلام) عندما قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا}(44). فالدعاء، هذا وأمثاله سيزيد من الروابط والعلاقات الاجتماعية فيما بين أهل التقوى والدين، وسيمضي المجتمع نحو الإصلاح والرقي، وستكون العاقبة للمؤمنين، ومنها ما جاءت بصورة شكوى عن قومه الجهّال حيث يخاطب الباري تعالى بقوله: {رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}(45)، أو يقول: {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}(46)، فالإنسان فطرياً بحاجة إلى من يشكو له آلامه حتى يسكن روحه ولبّه، ومَن أفضل من الله معيناً؟

3. الأدعية الفردية: من أجل إصلاح النفس الأمارة بالسوء، ومن أجل التغلب على الوساوس الشيطانية ومن أجل حطّ الذنوب عن النفس، يجب علينا التوسل إلى الله تعالى كما فعل نوح (عليه السلام) قائلاً: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}(47)، فطلب المغفرة المقرونة بالرحمة ما هي إلا سعادة البشر.

ونراه عندما يريد الهبوط على الأرض من بعد الطوفان يسأل ربّه قائلاً: {رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}(48).

4. الدعاء ضد الأعداء: وإن كان هذا العنوان يشعر بالجانب السياسي إلا أنّ من الجيّد أن نفرد له بحثاً خاصاً حتى نقف على أهمية هذا الدعاء الذي يقول فيه: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}(49). "فالطلب بإبادة الكفار ومحوهم من على وجه الأرض لأنّهم بؤرة الفساد بين العباد، ولا رجاء فيهم ولا في نسلهم القادم، فالدعاء هذا يدل على وقوف نوح (عليه السلام) على ذات وماهية هؤلاء القوم حيث توارث فيهم الكفر والإلحاد ولا أمل عنده في إصلاحهم وإصلاح ذريتهم فدعا عليهم بالويل والثبور والفناء"(50).

أدعية النبي إبراهيم (عليه السلام):

ذكر القرآن الكريم أدعية كثيرة عن لسان النبي إبراهيم (عليه السلام) وذلك لما كان يواجهه من المشاكل الصعاب من قبل الكفر والشرك والطغيان، فاتخذ أكثر دعائه (عليه السلام) الطابع السياسي كما يُرينا ذلك القرآن الكريم حيث يقول: {وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}(51)، فالدعاء هذا منطلقه سياسي طلب (عليه السلام) من الله تعالى الأمن والأمان لبيته الحرام وعطف عليه طالباً منه الرزق الحلال لأهل الإيمان، فالأمن والاقتصاد عاملان أساسيان لبقاء الحكومة كما نرى ذلك مشهوداً اليوم. وأدعيته (عليه السلام) تسير على المدارات التالية:

1. إقامة الصلاة: فالسمة السياسية البارزة لأهل التوحيد والإيمان هي إقامة الصلاة بين العباد على الأرض حيث قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ}(52)، فالتمكن السياسي والاجتماعي والاقتصادي يتجلّى في إقامة الصلاة، حيث إنّ إبراهيم (عليه السلام) سيّد رسل الله تعالى كان واقفاً على أهمية الصلاة فطلب من الله تعالى أن يكون هو وذريته من الذين يقيمون الصلاة حيث يعبّر البارئ عن دعائه (عليه السلام) قائلاً: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}(53).

2. الذرية الصالحة: من سعادة المرء أن يورثه الله أولاداً صالحين من أهل الإيمان واليقين ولا يتأتى ذلك إلا بالدعاء والطلب من الرحمن كما طلب إبراهيم (عليه السلام): {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}(54)، فعلينا أن نتأسى بالنبيّ إبراهيم (عليه السلام) ونرجوا من الله تعالى أن يرزقنا أولاداً صالحين لإقامة شعائر الدين، واعلم أن الاستجابة هنا جاءت عن طريق البشارة له (عليه السلام).

3. القضاء والإلحاق بالصالحين: أراد إبراهيم (عليه السلام) من الله القضاء الذي يتجلّى مع القانون والنبوة كما عبّر عن ذلك الله سبحانه قائلاً: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}(55)، حتى يحكم بين الناس بالعدل والحقّ، ومن المعلوم اليوم أنّ من أحد الأركان المهمة في الحكومة هو القضاء، فقال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(56)، فاستجاب له قائلاً: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(57)، أي أعطاه القضاء وزيادة على ذلك ألا وهو الاعتدال في القضاء وإدخاله إيّاه يوم القيامة في زمرة الأناس الصالحين الذين يرضى الله عنهم ثمّ يأمل من الله العزيز الحكيم أن يجعل ذكره حسناً عند الأجيال القادمة، ويرجو منه أن يكون من أصحاب جنة النعيم، ثمّ يطلب الغفران لنفسه ولأبيه وأخيراً أراه دعا بدعاء قيّم (وإن كانت جميع الأدعية قيمة) وذلك بعدم الفضيحة يوم الدين وعلى رؤوس الأشهاد فالأولى بنا أن ندعو كما دعا إبراهيم (عليه السلام).

4. الإعجاز: علينا عند الدعاء أن نطلب منه سبحانه بما يعجز عنه الآخرون، وأن يكون مطلوبنا عظيم وليس في قدرة الناس، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، حيث طلب إبراهيم (عليه السلام) قائلاً: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}(58)، فطلب منه إحياء الأموات، والعمل هذا ليس بهيّن بل إنّه عظيم وليس باستطاعة أحد الناس أن يقوم بهذا العمل إلاّ الله ربّ العالمين، فبناء على هذا يا أخي المسلم عليك بالدعاء وطلب الإعجاز من الله سبحانه.

5. الغفران: ما أرى الهدف من وراء الدعاء إلا الغفران والرضوان ومحو السيئات والدخول في الجنان، فإنّك لترى هذا المعنى بوضوح في الآيات البينات وفي مختلف نواحي القرآن، ومنها ما جاء على لسان إبراهيم (عليه السلام) قائلاً:{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}(59)، حيث يطلب من الله سبحانه أن يتغاضى عن ذنوب أهل الإيمان يوم القيامة وبذلك يحرز الإنسان الفوز بالجنّة إن شاء الله تعالى.

6. التسليم: من أبرز مظاهر العبودية هو التسليم لربّ العالمين في جميع الأمور تسليماً محضاً بلا تعلل ولا تبرير، فلا يحيدان عن الحقّ بل مطيعين ومنقادين له ولا نعبد إلا إياه، وكما خاطب الجليل السّموات والأرضين: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}(60)، والأمر المشكل هو أنّ الإنسان الذي يملك العقل والاختيار لن يستسلم بسهولة ولن يرضخ لربّ العالمين ببساطة حتى يكتشف ويجرّب الأمور بيده، وفي النهاية إما أن يستسلم وإما أن يطغى، فنرجوا منه العون والمساعدة على ذلك حتى نرتقي سُلّم الإيمان والسعادة.

7. إرسال الأنبياء (عليهم السلام): إنّ نعم الله على الناس كثيرة، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}(61)، ومن أكبر النّعم على البشر جميعاً، هو إرسال الأنبياء لنجاة الإنسان من الجهل والكفر والشرك إلى الإيمان والتقوى، ثم تزكية النفوس وتطهير القلوب من الأرجاس كما طلب إبراهيم (عليه السلام): {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ}(62). فما أحوج الشعوب في عالم اليوم إلى المصلحين السائرين على نهج الأنبياء الطاهرين وذلك بعد ما تلوثت الإنسانية بالشرّ والشرك والكفر والطغيان من جراء أعمال المستعمرين والصهاينة المردة الذين أفسدوا البلاد والعباد، فاليوم الحاجة ماسة للمسلمين أن يظهر فيهم رجل عظيم كالإمام الخميني الكبير (رحمه الله) وإنّ ربّنا لنعم المجيب.

8. أدعية متنوعة: وإنّك لتجد في مطاوي القرآن الكريم أدعية أخرى جاءت على لسان إبراهيم (عليه السلام) فمنها الإقرار والاعتراف بعلم ربّ العباد الذي ليس له مثيل حيث يقول: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ}(63)، وهذا الكلام يعد بمثابة مدح في مقدمة الدعاء ومنها إظهار الشكوى من أصحاب الأصنام حيث تراه يقول (عليه السلام): {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}(64) وأخيراً نختم كلامنا حول إبراهيم (عليه السلام) حيث يقول: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء}(65).

 

دعاء لوط النبي (عليه السلام):

وأما لو نظرنا إلى أدعية لوط (عليه السلام) فما نجد فيها إلاّ الصبغة السياسية، فهو يدعو ربّ العزة النجاة مما جرى له من الظالمين ومن أعمالهم الفاسدة التي تجلّت في عمل اللواط القبيح وما سبقهم أحد من العالمين في ارتكاب هذا الذنب العظيم، وكذلك ينتظر الانتصار عليهم من قبل ربّ السموات والأرضين حيث يقول (عليه السلام): {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ}(66)، فالإجابة تجلّت في نجاته وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرت عليهم السماء مطر المنذرين فأبادتهم أجمعين جزاء لكفرهم وانتصاراً للوط (عليه السلام).

وهناك آية أخرى تؤيد ما أشرت إليه (من حملها الصبغة السياسية) فإنّه (عليه السلام) يطلب من الرحمن النصرة على الأعداء الذين هم من أهل الفسق والفجور، فطلب النجاة من الظالمين والانتصار على المعتدين وما هو إلا حرب ضد المشركين والكافرين.

أدعية النبي موسى (عليه السلام):

إنّ موسى (عليه السلام) يعدّ من أئمة الثوار ضد الطغاة حيث شغلت مآثره أرجاء القرآن، نبيّ كريم من أصحاب أولي العزم، ابتُلي بقوم عصاة طغاة مردة من اليهود الذين لم يكن لهم مثيل في التاريخ، بهم تضرب الأمثال في العصيان ولهم تُذكر الشواهد من سوء الأعمال في القرآن الكريم، عبرة لأولي الأبصار، فجاءت أدعيته (عليه السلام) مطابقة لما لاقاه من اليهود الجبناء الذين عاصرهم وتحمّل ما تحمّل من أذاهم، وكانت دعواته (عليه السلام) كما يلي:

1. الإدارة السياسية: لمّا وُظف النبيّ موسى (عليه السلام) بأمر الرسالة من قبل السماء في طور سيناء وجاءه البلاغ الرسمي -النبوة- من قبل الله تعالى، كان (عليه السلام) محيطاً وعالماً بزمانه ومكانه وموقعه الاستراتيجي لدى الأمّة فالتفت نحو السماء رافعاً يديه إلى الله طالباً منه الاستعانة للمنصب الجديد وأن يوفّر له قسطاً من العوامل الإدارية السياسية التي يحتاج إليها كلّ قائد محنك منها:

‌أ. سعة الصدر: وذلك حين قال موسى (عليه السلام): {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}(67) حتى يتحمل كل المصاعب والآلام، فمن ضاق صدره في إدارة شؤون البلاد ليس بمستوى المدير، ولا يليق بهكذا إنسان أن يتصدى لمقام النبوة، وذلك لما في الناس من إفراط وتفريط في الأعمال ولما عند بعضهم من أطماع وغيرها "فمن صفات القائد اللائق الذي يُدير شؤون البلاد والعباد أن يمتلك سعة صدر تكون بمساحة بلاده، وأن يتجلى فيه الصبر والحلم، وإلا سيكون الخسران حليفه"(68).

‌ب. تسهيل الأمر: حيث قال (عليه السلام): {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}(69)، أي أمر الرسالة، فإنّها من أعظم الأمور السياسية، وليست بالهينة، فأمر النبوة ثقيل، ومن يتحمّل العبء الثقيل على عاتقه لا بدّ من أن تتداركه الرحمة الإلهية.

‌ج. فهم الخطاب: لا بدّ للنبيّ من أن يتصل بالشعب عن طريق لغة التفاهم والتخاطب، ويبلّغ رسالته عبر الكلام ويُبيّن مقاصده وآراءه عبر اللسان، فمن أجل إدراك الحقائق بسرعة طلب موسى (عليه السلام) من ربه سبحانه أن يُحلّ عقدة لسانه حتى يدركه القوم كاملاً ويصل إلى أهدافه المنشودة بلا نقص في بيان.

‌د. الوزير من آل البيت: بما أنّ الرسالة النبوية ذات عبء ثقيل على كاهل الأنبياء والمرسلين، طلب موسى (عليه السلام) من الله تعالى أن يُعينه بشخص من أهل بيته ومن أقربائه، عالماً بالأمور واثقاً به، معتمداً لديه، ألا وهو هارون (عليه السلام) أخوه، حتى يشدّ موسى به ظهره ويبذل له الجهد حتى يقيما حدود الله في الأرض، وكذلك طلب من الجليل أن يُشاركه في النبوة حتى يكون أحرص على معاضدته ولم يُقصر في النشر، باذلاً نفسه في رسالته، فأصبح الأمر على ما يرام من بعد أن استجيب دعاء موسى (عليه السلام) في حقّ أخيه.

2. طلب المغفرة والرحمة: إنّنا رأينا مسبقاً أن الأنبياء (عليهم السلام) أكثر من طلبوا من الله الغفران والرحمة فهذا موسى (عليه السلام) سائر في المنهج القويم ويطلب من الجليل: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(70)، وتارة أخرى يدعو حسبما يتطلبه الموقف قائلاً: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}(71)، فإنّك لتجد الإجابة السريعة في الكلام، فعلينا في حياتنا أن نقتدي بهؤلاء العظام لطلب المغفرة من الربّ الكريم.

3. مقاطعة الظالمين: لا بدّ للمؤمنين من الاستعانة بالرب العظيم للقضاء على الظالمين وكذلك لا بدّ للمؤمنين من عدم الارتكان عليهم في الأمور مهما كلّف الأمر، حيث قال موسى (عليه السلام) في هذا الشأن: {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(72)، {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}(73)، فالجزاء الحسن والشكر على النعم الربانية تستوجب عدم الاستناد إلى الظالمين في جميع الأمور، حتى تسقط دولتهم.

4. الدعاء ضد المجرمين: لا شك في أنّ أصحاب الرسالة هم الذين تُستجاب دعواتهم ضد الكفار والمنافقين، وهو يدعو لأجل إبادة المشركين من على وجه المعمورة، فجاءت دعوتان لموسى (عليه السلام) في هذا المجال الأولى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ}(74)، والثانية؛ جاءت ضد الطاغية فرعون حيث يقول: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} {فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}(75)، فمتى شئت أيّها المؤمن ادعُ كما دعا الأنبياء (عليه السلام) فسترى المعاجز والاجابة السريعة.

دعاء زكريا النبي (عليه السلام):

من أبرز سمات الدعاء عند زكريا (عليه السلام) هو طلب الاعجاز، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه أولاداً صالحين ومرضيين، فالذرية الطاهرة تُحيي ذكرى صاحبها والذرية الطالحة تمحوها، زكريا (عليه السلام) بعد الأياس وعقر زوجته وهب الله له ذرية طيبة كما أراد هو، حيث يقول (عليه السلام): {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}(76)، وكذلك طلب من الله سبحانه أن تكون هذه الذرية مرضية، حيث يقول (عليه السلام): {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}(77)، فاستجابت له السماء قائلة: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}(78)، فانظر إلى إعجاز ربّك الذي يقول: {قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}(79)، فمن أراد الإعجاز فعليه بالدعاء.

أدعية النبي سليمان (عليه السلام):

توالت النّعم على سليمان (عليه السلام) من كلّ جانب، فطلب من البارئ العون على إسداء الشكر على جميع هذه النعم التي أحاطتْ به وبأبيه (عليه السلام) فكان دعائه (عليه السلام) يسير وفقاً لمتطلبات عصره وعلى المحاور التالية:

1. الشكر على النّعم: فهو (عليه السلام) يطلب من الله تعالى مراراً أن يوفقه للشكر على ما أنزل عليه من النّعم، حيث يقول (عليه السلام): {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}(80)، "فالشكر على النّعم يضاعف النّعمة، ولما تتوفر النّعم يزداد الاقتصاد رونقاً ويعمّ الانبساط بين طبقات الناس، ومن جهة أخرى سيفرض التوحيد كلمته سياسياً في العالم"(81).

2. التوفيق للعمل: إنّ من أبرز صفات المؤمن العمل الصالح، خلافاً للآخرين من أصحاب الأقاويل، فسليمان (عليه السلام) يرجو من الله أن يُعينه على العمل الصالح وأن يكون ذلك العمل مرضياً له، ومن ثمّ يُثاب عليه، حيث يقول (عليه السلام): {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(82).

3. إصلاح الذرية: دأب الأنبياء (عليهم السلام) أن يطلبوا من السماء الذرية الطاهرة وإصلاحها، كنبي الله إبراهيم (عليه السلام) وزكريا (عليه السلام) وكذلك سليمان (عليه السلام) الذي يقول: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}(83)، فما أجدر بنا أن نقتدي بهؤلاء الكرام الأسوة العظام في طلب إصلاح الذرية وجعلها طاهرة مرضية.

4. الإعجاز: ممن تولّى من الأنبياء الحكومة السياسية اثنان وهما يوسف (عليه السلام) وسليمان (عليه السلام)، على ما يقصّه القرآن الكريم.

لقد أشرنا من قبل إلى أنّ علينا بالدعاء وأن نطلب من السماء بما لا يُطيقه البشر، وبعبارة أخرى لا بدّ من أن نطلب المعجزة في الدعاء كما فعل سليمان (عليه السلام) وغيره من الأنبياء، وإنّك تراه بعد ما طلب الغفران من الربّ السبحان قال (عليه السلام): {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي}(84)، "فعجيبٌ لهذه الرؤية العظيمة الواسعة المفتوحة كلّ الانفتاح على العالم جميعاً، خلافاً للأنظار الضيقة من العباد الذين يرون الحاجات الآنية فيكتفون بها"(85).

فيجب أنّ نعتبر بهذه الرؤية العظيمة وندعو الله بالنصر والفوز لأهل الإيمان في مشارق الأرض ومغاربها بثورة عارمة يقودها إمامنا المنتظر المهدي#، وأن يهب له ما وهب لسليمان (عليه السلام) بل وأكثر من ذلك.

دعاء يوسف النبي (عليه السلام):

"ابتُلي يوسف (عليه السلام) بشرّ ابتلاء من قبل امرأة على ما يحكيه القرآن، ولكن العناية الربانية وإرادته القوية أنجته من براثين الضلال والظلام بعد ما التجأ نحو السماء داعياً ربه بإخلاص"(86)، فالإرادة والدعاء صنعت من يوسف (عليه السلام) بطلاً يُقتدى به في الأخلاق، فحبّذ العيش في السجن على دعوة الضلال، وانتصر أخيراً بعزم وإرادة حيث يقول (عليه السلام): {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(87)، فإنّك لترى النصر كان حليفه ونجى أخيراً من تلك الفتنة، عالي الرأس، راضياً عنه الربّ، محمود الذكر، والعاقبة على خير، فما أحرى بنا اليوم أن نقتدي بهذا البطل العظيم ونسير على خطاه حتى لا تزلّ أقدامنا ويطهر مجتمعنا من المفاسد الأخلاقية.

دعاء يونس النبي (عليه السلام):

يعاني الإنسان في حياته مشاكل عديدة ومصائب شديدة بحيث تغلق في وجهه جميع الأبواب والآمال، ويقف الإنسان حيراناً مكتوف اليدين وليست له القدرة على تغيير شيء، حيث الإرادة مسلوبة، والطاقة ضعيفة، فلا طرق للحلّ، ولا أفكار منجية، ولا أسانيد ولا... فيصبح اليأس ثوباً يرتديه الإنسان، مقهوراً إلى الوراء، محكوماً عليه بالسجن المؤبد أو الإعدام، تكاد حياته تندحر، هذا وإنّ لله تعالى جزاء وعقاباً ينتقم به من أعدائه وأحياناً يُؤدّب به أولياءه، وإنّ حادثة يونس بن متى (عليه السلام) تظلّ وتبقى درساً وعبرة خالدة لمن يخشى ربّه، فقصته معجزة، حيث بقى حياً في بطن الحوت ولم يمت، ودعاؤه (عليه السلام) بعد ما اعترف بالظلم على نفسه فأنجاه الله من الكرب العظيم وهو أيضاً القادر على نجاة المؤمنين عند الشدة والمصائب، حيث يقول الباري في هذا المجال: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(88)، دخل يونس (عليه السلام) انفرادية وليس له حول ولا قوة ولا سير ولا حركة إلا الدعاء الساحر، فما أشدّ ما لاقاه من مصيبة وما أعظمه من جزاء، فلو لم يكن من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يُبعثون، فكن يا أخي المؤمن من الذاكرين ولا تكن من الغافلين، وهذا إعجاز آخر للدعاء فاعتبروا يا أولي الأبصار.

دعاء النبي عيسى (عليه السلام):

لقد رأينا الإعجاز في كثير من الأدعية التي جاءت على لسان الأنبياء (عليهم السلام): من مثل إبراهيم ويونس وزكريا وعيسى وسليمان (عليه السلام)، فللدعاء أثر عظيم في نفوس الداعين فما بالك لو حصل الإعجاز من وراء ذلك.

فلا بد علينا من السير قُدماً نحو الله تبارك وتعالى الذي يقول: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}(89)، فمن أراد الإعجاز فعليه بالدعاء ومن أراد الانتصار على الأعداء فعليه بالدعاء ومن أراد أولاداً صالحين فعليه بالدعاء، وهذا نبيّ الله عيسى بن مريم (عليه السلام) يحدّثنا القرآن عنه لما طلب من السماء أن تُنزل عليه وعلى أصحابه مائدة من الطعام فاستُجيبت دعوته حينما قال: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(90)، فما أحلى هذا الدعاء وما أعذب الإجابة والإعجاز.

أدعية أصحاب الإيمان:

وإلى جانب هذه الأدعية العظيمة من قبل الأنبياء (عليهم السلام) فهناك أدعية أخرى زيّنت ساحة القرآن الكريم من قبل عباد الله المؤمنين ونشير هنا إليها حسب استطاعتنا:

دعاء الراسخين في العلم:

بالعلم يُطاع الله ويُعبد، وبالعلم قامت السموات والأرض، وبالعلم نكشف الحقائق ونبتعد عن الجهل... فالعلم مصدر نور وهداية وفي الوقت نفسه مصدر ضلال وعماية إذا تعرّى عن الإيمان والأخلاق، فلا بدّ للراسخين في العلم من أن يرجوا من الله (سبحانه وتعالى) الاستقامة والثبات ومواصلة الطريق على معرفته وعدم الميلان لغيره، وأحياناً يُصادف الإنسان بالفشل أثناء الطريق وينحرف عن المسير، فلأجل البلوغ إلى الكمال والرشاد يطلب الراسخون في العلم من الله الثبات على الإيمان والهداية والمواصلة حتى النهاية وتراهم يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(91).

دعاء أصحاب الجنة:

 لأصحاب الجنّة دعوتان الأولى التسبيح حيث يقول العزيز: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}(92)، والثانية التحميد حيث قال: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(93)، وبمعنى آخر أنّهم يبتدئون دعاءهم بتعظيم الله وتنزيهه ويختمونه بشكره والثناء عليه، فكلّ من التنزيه والتحميد ويعدّ دعاء برأسه.

أدعية المؤمنين:

"هم الزبدة من الخلق، وهم الطلائق الربانية، وهم المهتدون ولهم جاءت الرسل، وإليهم يتوجه الخطاب الرحماني ولأجلهم أرسلت الشرائع وبهم ينتشر الإيمان والهدى وما عساني أن أقول فيهم؟ فهم هم، لأنّهم أولياء الله وخلفاؤه على الأرض فما كانت طلباتهم من الله تعالى؟"(94).

فسنجد بعضها مشتركة مع الأنبياء (عليهم السلام) الذين هم سادات المؤمنين، والأخرى خاصة بهم فأمّا الأدعية المشتركة مع الأنبياء (عليهم السلام):

1. استجابة الدعاء: فدعاء أصحاب الإيمان مستجاب كدعاء الأنبياء (عليهم السلام) وذلك لأنّهم يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وينشرون الدعوة الربانية بين الناس، فهم يطلبون من الرحمن النصرة على الأعداء كما عبّر عنهم تعالى بقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}(95)، ويقول في موطن آخر: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}(96)، والاستجابة هي العطية على موافقة الطلب.

2. طلب الغفران والرحمة: هذا ما صنعه الأنبياء (عليهم السلام) وبهم يقتدي أصحاب الإيمان، فإنّهم يطلبون العفو والمغفرة وإدخالهم الجنّة حيث يعبّر عنهم ربّ العالمين قائلاً: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ}(97)، وهم أيضاً يطلبون من الرحمن الغفران من أجل الإيمان كما تشير الآية الكريمة إلى ذلك: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}(98)، أو يقول في موطن آخر: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(99)، أو اقرأ هذه الآية: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا}(100)، وأخيراً يقول عنهم الباري: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(101) وهم بذلك يطلبون الرحمة من عند الله لا من عند غيره كما قال العزيز: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}(102)، فتراهم طامعين في المغفرة الإلهية حيث يقول: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا}(103) وكذلك يطلبون الغفران للسابقين من أهل الإيمان: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}(104)، فلا تجد عندهم ذرّة من الأنانية.

3. مقاطعة الظالمين: وهو هدف من أهداف الأنبياء (عليهم السلام)، فأصحاب الإيمان يقتدون بهم حيث يقول الباري: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}(105)، أو نراهم في هذه الآية يقولون: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(106)، فالابتعاد عن الظالم وطلب النجاة منهم ما هي إلا مقاطعة سياسية عمل بها الأنبياء (عليهم السلام) وسار عليها أصحاب الإيمان.

4. الذرية الصالحة: بما أنّ الأنبياء (عليهم السلام) طلبوا من الله (عزَّ وجلَّ) أن يرزقهم أولاداً صالحين، فإنّ المؤمنين كذلك طلبوا هذه العطية من ربّهم قائلين: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}(107).

وأمّا الأدعية الخاصة بالمؤمنين فهي:

1. الإنقاذ من النار: من أكبر أهداف أهل الإيمان الدخول في الجنان والفوز بالرضوان والنجاة من النار التي أُعدّت للكافرين، فأصحاب الإيمان يطلبون من الرحمن أن ينقذهم من عذاب النار كما تبيّن لنا هذه الآية الكريمة: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(108)، لأنّ الخزي والعار يوم القيامة للذين يدخلون النار صعب جداً، وهم كذلك مصرون على صرف عذاب نار جهنم عنهم حيث يقولون: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ}(109).

2. الفوز بالجنة: فما أعظمه من هدف وما أسماه من غاية وما أحلاه من ثمرة، على أصحاب الإيمان أن يكتسبوا الجنان بالتقوى والعمل الصالح ليشملهم دعاء الملائكة: {وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم}(110).

3. مع الشاهدين: يرغب أصحاب الإيمان واليقين أن يكونوا مع الشاهدين وذلك لما أعدّه الله لهم من الأجر والثواب الجزيل، والفوز بالدرجات العالية والوصول إلى الكرامة الإلهية، وقد صرّح الزمخشري والطبرسي في تفسيرهما للآية الشريفة هذه: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}(111). أنّ المقصود بـ (مع الشاهدين) أي مع أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وكفانا فخراً وعزاً بأنّنا من أمّته ومن أتباعه وأنصاره إن شاء الله.

4. مع الأبرار: الأبرارُ هم أهل الفضل والإحسان حيث أثنى عليهم سبحانه قائلاً: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}(112) فما من صفة حميدة إلا ويتمنّاها أصحاب الإيمان أن تكون لهم في الدنيا حتى يحرزوا بها المقام الرفيق في الآخرة، وهم يرجون من الله تعالى في آخر لحظات حياتهم أنْ يفارقوا الدنيا وهم جنباً إلى جنب أصحاب الفضل والبرّ كما عبّر عنهم القرآن قائلاً: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ}(113)، وكذلك يقول عنهم: {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}(114).

5. تطهير القلوب: من الصفات البارزة لأهل الإيمان أن يدلّ ظاهرهم على باطهنم، فلا تظاهر في السلوك، ولا نفاق في القول والعمل، وإنّه من المعروف أنّ القلب مركز للأحقاد والأضغان والعداوات، فهم يطلبون تطهير هذا المركز من كلّ رجس كما تصرح الآية؛ {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا}(115).

6. نفي سلطة الكفر: ما جعل الله سبيلاً لحكومة الكفر على أصحاب الإيمان، وإنّه جعل الولاية له ولرسوله وللمؤمنين، وبناء على هذا القانون يرجوا أهل الإيمان ألا يكونوا ضحية للكافرين، ويتجلّى هذا الأمر في كلامهم: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا}(116).

7. الصبر: الصبر والإيمان توأمان كما صرحت بذلك الأخبار عن العترة الطاهرة، فالمؤمن المجاهد في سبيل الله بأمس الحاجة إلى الصبر حتى يستقيم في الطريق ويقاوم الظلم والشرك، ويستمر في نشر التوحيد، ويحتاج في هذا المجال إلى إفراغ الصبر عليه كما يفرغ الماء من الإناء، فالمؤمن من يستعين بالله قائلاً: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}(117).

8. النصر والفتح: كل مؤمن مجاهد عامل في سوح الإيمان بعد التوكل على الله يتمنّى من السماء النصر على الأعداء ويرجو الفتح القريب المظفّر من الله حيث يقول: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}(118).

9. عدم العقاب في حالتي النسيان والخطأ: المؤمن ليس بمعصوم والشيطان ليس بمأمون فهو المترصّد له في زوايا الحياة ينتظر الغفلة والنسيان من الإنسان حتى يغويه ويضلّه، فالمؤمن يطلب من الربّ القدير أن يتجاوز عن نسيانه وخطائه الصادر منه بلا عمد حيث يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(119).

10. ردّ ما لا يطاق: إن الله لا يكلّف نفساً إلا وسعها {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}(120).

11. حسنة الدنيا والآخرة: قوله تعالى: {وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(121).

أدعية الناس:

"الناس بصورة عامة ينظرون بمنظار ضيق على ما هو كائن حولهم فهم يشعرون باللذة الموقتة، والمنافع الآنية فهم يلمسون ظواهر الأشياء بشكل جيد، فيظنون أن السعادة محيطة بهم وإن أصابهم شر يحسبون أن القيامة قد قامت، وأن البلاء لا شك نازل عليهم، فطائفة من الناس في هذه الحالة لا يهدؤن لحظة عن الدعاء بل يدعون ربهم ماشين أو جالسين أو قائمين"(122)، بل يدعونه ليلاً ونهاراً فهم في الشدة يعرفون الله حقّ معرفته ولهذا عبّر عنهم القرآن الكريم قائلاً: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ}(123)، أي أنّه يطيل في دعائه لربّه، وطائفة من الناس في هذه الحالة سيكونون آيسين من رحمة الله كما يُعبر عنهم القرآن قائلاً: {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ}(124)، وطائفة ثالثة في مثل هذه الحالة يستسلمون لربّ العالمين ما دام البلاء قائماً والخوف باقياً والضرر جليّاً، فإذا ذهب عنهم الخوف والضرر عادوا على ماكنوا عليه من قبل، فقد ذمّ الله هذه الفرقة قائلاً: {دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(125)، أو كما يقول الله عنهم في موضع آخر: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ}(126)، فهذا يدلّ على أن الإنسان يبطر ويطغى ويستغني عن ربّه زمن الرخاء، وفي الشدة والحاجة يلتجئ إليه. وهناك طائفة رابعة أثنى الله عليهم لأنّهم يتجهون نحوه في حالتيْ الشدة والرخاء واليسر والعسر يدعون ربّهم رغبة في ثوابه (الجنة) وخوفاً من عقابه (النار)، لأنّهم أيقنوا أنّ ربّهم ذو عقاب شديد وذو رحمة واسعة ويشير الباري إلى هذه الحالة بين الناس قائلاً: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}(127).

أدعية أصحاب النار:

المتدبر والمتأمل في القرآن يرى أدعية أهل النار ما هي إلا اعتراف بذنوبهم وبعض أمانيهم في الخروج من النار، فما أصبرهم على النار، وإليك أمانيهم:

1- الخروج من النار: يتمنّى أصحاب النار الخروج منها وهم مستعدون لدفع الضمان -الاعتراف بالذنوب- حيث تشير الآية إلى هذا المعنى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}(128).

2- العودة إلى الدنيا: إنّ العصاة المردة يتمنون الرجعة إلى الدنيا حتى يُسدّوا العجز والنقصان ويعملوا صالحاً بعد ما رأوا العذاب الأليم وذاقوا طعم المرّ الشديد، ويحدّثنا الله تعالى عنهم قائلاً: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}(129)، فيكون الجواب رادعاً لهم بـ(كلا) وليس لهم مفر من عقاب الله وعذابه.

3- كشف العذاب: ما هو واضح من الآيات القرآنية أنّ العذاب في الآخرة لهو أشدّ من الدنيا، حيث يشير الله تعالى إلى ذلك أنّ لهم ثياب قُطعت من النار ويسقون الماء الحميم، فأصحاب النار يتمنّون زوال العذاب كما كانت الحالة في الدنيا، بل فاتهم أنّ العذاب في الآخرة باقٍ ما بقى الله سبحانه حيث الخلود والبقاء الأبدي، لذا نراهم يطلبون من الله قائلين: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}(130)، كلا وألف كلا.

4- ضعف العذاب: أصحاب النار يرجون العذاب الضعف لكبرائهم والمسؤولين عن إضلالهم حيث يقولون: {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ}(131)، وجاء في موضع آخر: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}(132)، وكذلك جاء في قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ}(133)، وأخيراً يتمنى أصحاب النار سحق رؤوس قاداتهم بالأقدام كما يقول الله سبحانه: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا}(134).

الخاتمة:-

بعد استعراض أدعية الأنبياء في القرآن الكريم أود أن أوجز النتائج التي تم التوصل إليها:

إن الدعاء ذو أهمية كبيرة، ومكانة عظيمة في العقيدة الإسلامية وأعظم تطبيق له تجده في حياة الأنبياء.

تنبع أهمية الدعاء في حياة الأنبياء من حاجتهم للتعبد والصلة الدائمة والمباشرة مع الله والتوجه إليه رغبة ورهبة، كما تنبع من مهمتهم الدعوية وحاجتهم البشرية.

تميزت أدعية الأنبياء بآداب من شأنها أن تجعله مستجابا، فتناول دعاؤهم أدب الكلام من حيث الثناء على الله والتضرع والخضوع وإظهار الافتقار إليه.

تميز دعاء الأنبياء بإيجاز العبارة وغزارة المعاني.

كان لدعاء الأنبياء أثر عظيم في تعليم الناس كيفية الدعاء مع خالق الكون وعدم اليأس كما كان ذلك في دعاء النبي زكريا حين طلب الذرية على رغم كبر سنه وامرأته عاقراً.

كما لاحظنا بأنّ القرآن الكريم مشمول بأدعية كثيرة وفي شتى المواضيع على اختلاف الطوائف الداعية فلا بأس في استعراض بعض خصائص الأدعية القرآنية ومنها:

إنّ الأدعية القرآنية في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة.

السهولة واليسر.

إنّ الأصل في دعاء المؤمنين قبوله إلا أن يحصل مانع يحول بينه وبين استجابة الدعاء.

لم تذكر أداة النداء (يا) في الأدعية القرآنية.

شمولها الدارين.

تضم جوامع الدعاء وكوامله.

لو تأملنا في الآيات لوجدنا دروساً وعبراً كثيرة أودّ أن أذكر بعضها:

في الدعاة دعوة العالم بأجمعه إلى تعظيم رب العباد ومناجاته ودعوة إلى تأصيل العلاقة بين العبد وربه عن طريق الدعاء.

تطهير النفس من الغرور والعجب.

الحث على التأسي بالأنبياء والمؤمنين.

التحذير من سلوك مسلك الكفار وإبليس وبيان عواقب من يقع في ذلك.

لفت أنظار الخلق إلى نعم الله الكثيرة عليهم وأكبرها نعمة استجابة الدعاء.

***

 

* الهوامش:

(1) البقرة/ 186.

(2) تفسير النور – المجلد الأول ص 279 – 280.

(3) تفسير النور – المجلد الأول ص 279 – 280.

(4) ميزان الحكمة ص 1164 / الحديث 5571.

(5) ميزان الحكمة ص 1160 / الحديث 5540.

(6) ميزان الحكمة ص 1166 / الحديث 5581.

(7) مكارم الأخلاق للشيخ رضى الدين الطبرسي، تحقيق علاء آل جعفر، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، 1416 هـ قم المقدسة: الجزء 1، صفحة 8، الحديث 1.

(8) الدعاء إشراقات و كمالات -سيد كمال الحيدري ص 22- ص 23.

(9) ميزان الحكمة صفحة 1158 / حديث 5519.

(10) ميزان الحكمة ص 1162 / الحديث 5560.

(11) الرعد / 28.

(12) النمل / 62.

(13) تأملات في آيات الدعاء في القرآن الكريم أستاذ حسين عبدالله دهنيم.

(14) البقرة / 126.

(15) نوح / 28.

(16) البقرة/ 186.

(17) مريم/ 3-4.

(18) أدعية القرآنية ظروفها الموضوعية و آثارها الوضعية- سيد هادي المدرسي.

(19) نوح/ 5- 28.

(20) آل عمران 35- 37.

(21) أدعية القرآنية ظروفها الموضوعية و آثارها الوضعية- سيد هادي المدرسي.

(22) الصافات /75.

(23) الأنبياء / 76.

(24) لأنبياء / 84.

(25) الأنبياء /90.

(26) البقرة / 186.

(27) غافر / 60.

(28) يونس / 25.

(29) إبراهيم / 10.

(30) الأنفال/ 34.

(31) الحديد / 7.

(32) المؤمنون / 73.

(33) الشورى 13.

(34) الإسراء / 80.

(35) الطبرسي - مجمع البيان ج3: 435.

(36) المؤمنون / 94.

(37) طه / 14.

(38) المؤمنون /97.

(39) الفرقان /3.

(40) المؤمنون/ 88.

(41) الأعراف/ 23.

(42) القمر/ 10.

(43) المؤمنون/ 26.

(44) نوح /28.

(45) نوح / 21.

(46) الشعراء 117.

(47) هود / 47.

(48) المؤمنون / 29.

(49) نوح/ 27- 26.

(50) القرآن الكريم و الدعاء- دكتور سيد خليل باستان.

(51) البقرة / 126.

(52) الحج / 41.

(53) إبراهيم / 40.

(54) الصافات/ 101-100.

(55) الإنعام/ 89.

(56) الشعراء / 83.

(57) البقرة / 130.

(58) البقرة / 260.

(59) إبراهيم/ 41.

(60) فصلت / 11.

(61) إبراهيم / 34.

(62) البقرة / 129.

(63) إبراهيم 38.

(64) إبراهيم / 36.

(65) إبراهيم/ 40.

(66) الشعراء / 169.

(67) طه / 25.

(68) القرآن الكريم و الدعاء - دكتور سيد خليل باستان.

(69) طه /26.

(70) الأعراف / 151.

(71) القصص / 16.

(72) القصص/24.

(73) القصص/ 17.

(74) الدخان / 22.

(75) يونس 88.

(76) آل عمران / 38.

(77) مريم / 6.

(78) مريم / 2.

(79) آل عمران / 40.

(80) النمل / 19.

(81) تأملات في آيات الدعاء في القرآن الكريم - أستاذ حسين عبد الله دهنيم.

(82) النمل / 19.

(83) الأحقاف 15.

(84) ص/ 36.

(85) تأملات في آيات الدعاء في القرآن الكريم - أستاذ حسين عبد الله دهنيم.

(86) القرآن الكريم و الدعاء - د سيد خليل باستان.

(87) يوسف / 34.

(88) الأنبياء / 88- 87.

(89) الفرقان / 77.

(90) المائدة / 114.

(91) آل عمران / 8.

(92) يونس/ 10.

(93) يونس / 10.

(94) القرآن الكريم و الدعاء - د سيد خليل باستان.

(95) الأنفال / 9.

(96) آل عمران / 195.

(97) البقرة / 286.

(98) المؤمنون /109.

(99) آل عمران / 16.

(100) آل عمران/ 147.

(101) التحريم / 8.

(102) الكهف / 10.

(103) الشعراء /51.

(104) الحشر/ 10.

(105) النساء / 75.

(106) الأعراف / 47.

(107) الفرقان/74.

(108) آل عمران / 191.

(109) الفرقان / 65.

(110) غافر / 8.

(111) آل عمران / 53.

(112) الانفطار / 13.

(113) آل عمران/ 193.

(114) الأعراف/ 126.

(115) الحشر / 10.

(116) الممتحنة/ 15.

(117) الأعراف 126.

(118) الأعراف /89.

(119) البقرة / 286.

(120) البقرة / 286.

(121) البقرة / 201.

(122) أدعية القرآن الكريم ظروفها الموضوعية و آثارها الوضعية - سيد هادي المدرسي.

(123) فصلت / 51.

(124) فصلت / 49.

(125) يونس / 22.

(126) يوسف / 12.

(127) الأنبياء / 90.

(128) المؤمنون / 107.

(129) السجدة / 12.

(130) الدخان/ 12.

(131) الأعراف/ 83.

(132) الأحزاب / 68.

(133) ص / 61.

(134) فصلت / 29.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا