المقدمـــــة
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين المنتجبين المعصومين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكانوا هم السبيل والمقتدى إليه. ونحن ما علينا سوى أن نسير على خطاهم ونتبع آثارهم.
لا شك بأن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يمثل القدوة الأولى للمؤمنين لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ}(1)، وإن هذه القدوة تتضح من خلال القرآن الكريم والسيرة والحديث الشريف لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته. فالحديث الشريف وما يمثله من ركيزة أساسية في الدين الإسلامي الحنيف، لا يمثل فقط مصدراً للتشريع الإسلامي وإنما يمثل إشعاعاً لهذه القدوة على جميع الأصعدة (الاجتماعية السياسية، الاقتصادية...إلخ)، ومن هنا لو نظرنا لحديث الكساء بعين اجتماعية، لاتضح لنا كثيرٌ من الجوانب اللطيفة في علاج أكثر مشاكلنا الاجتماعية.
وفي هذه الصفحات نرجو من الله أن يوفقنا لنوضح بعض الدروس الاجتماعية المستوحاة من حديث الكساء التي من الممكن أن تساهم في علاج ما وقع فيه الكثير من الأسر العزيزة في المشكلات والآفات الاجتماعية المختلفة، وكل ذلك نتيجة لابتعادها عن منهج أهل البيت (عليهم السلام)، الذي يمثل في الحقيقة منهج السماء، وخط القرآن الكريم، كيف لا وهم القرآن الناطق!.
وحديث الكساء هو من نعم الله علينا، ليس بقراءته فقط وبركاته وفيوضاته الغيبية، بل من الممكن أن نأخذه بعين أخرى ليكون ذكرنا لأهل البيت (عليهم السلام) ذكراً عملياً على جميع الأصعدة.
سند الحديث
لا ريب في كون السند لحديث الكساء متصلاً بمقام العصمة الكبرى، يحكي عن صدور الحديث من المعصوم (عليه السلام) قطعاً، ويكفي ذلك أن روايات جمة تزيد على سبعين رواية من طرق أهل العامة(2). وقد وجد صاحب العوالم من بين مخطوطات السيد هاشم البحراني طريقاً لهذا الحديث، حيث قال في العوالم(3): "رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم، عن شيخه السيد ماجد البحراني، عن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني، عن شيخه المقدس الأردبيلي، عن شيخه علي بن عبد العالي الكركي، عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ علي بن الخازن الحائري، عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الأول، عن أبيه، عن فخر المحققين، عن شيخه العلامة الحلي، عن شيخه المحقق، عن شيخه ابن نما الحلي، عن شيخه محمد بن إدريس الحلي، عن ابن حمزة الطوسي صاحب ثاقب المناقب، عن الشيخ الجليل محمد بن علي بن شهر آشوب، عن الطبرسي صاحب الاحتجاج، عن شيخه الجليل الحسن بن محمد الطوسي، عن أبيه شيخ الطائفة، عن الشيخ المفيد، عن شيخه بن قولويه القمي عن شيخه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي، عن أبي بصير، عن أبان بن تغلب البكري، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال سمعت فاطمة (عليها السلام) أنها قالت: «...الحديث الشريف المعروف بحديث الكساء اليماني...»".
وقد أثرانا الشيخ علي أصغر بن الحسن (فيض بور) بتحقيق سند حديث الكساء المنسوب إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة النساء في الآخرة والدنيا، فحققه في أربعة فصول أوله عند الخاصة، وثانيه نزول الآية على أصحاب الكساء الخمسة، وثالثه تحقيقه حول احتجاج أهل البيت بالآية الشريفة، والفصل الرابع حقق في الروايات التي نقلها علماء العامة في نزول الآية بحق أصحاب الكساء (عليهم السلام)، فجاء حديث الكساء عن طرق العامة بما يربو على العشرة من الرواة السنة، منهم ابن حنبل والخوارزمي والحسكاني والطبري والنسائي(4).
ونحن هنا نقتطف بشكل موجز مقاطع من الحديث المبارك ونستعرض أهم الأبعاد الاجتماعية المستوحاة منها:
«فأقبل الحسن نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه يا رسول الله أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء......فأقبل الحسين نحو الكساء وقال السلام عليك يا جداه..إلخ».
الاستئذان..حريم البيت:
حالة الأدب والأخلاق الرفيعة التي تميزت بها الأسرة العلوية الفاطمية النموذجية في الحقيقة تمثلت في هذا الحديث على لسان السيدة الطاهرة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها. حيث استعرضت مفهوم الاستئذان في الدخول في بيت الطهارة، ليعطينا درساً في أهمية حرمة البيوت، فمن العجيب أن الاستئذان كان من أفراد الأسرة كلها من الصغير إلى الكبير، مع أن هذا المنزل منزلهم ومسكنهم إلا أن بيت الرسالة كانوا في أعلى مستوى من العفة والطهارة من الأخلاق. فما معنى أن يستأذن الإمام الحسن (عليه السلام) لدخول منزل أبيه للدخول على أمه وعائلته المباركة... كما اتضح ذلك من خلال استئذان أقطاب الأسرة المباركة للدخول تحت الكساء. وللاستئذان أهمية كبيرة في حياة بيت الرسالة، فقد أكد عليه المعصومون (عليهم السلام)، فجاء عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: «الاسئذان ثلاثة: أولهن يسمعون، والثانية يحذرون والثالثة إن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا لم يفعلوا، فيرجع المستأذن».
"فلا يحق لأحد في الإسلام أن يدخل بيت أحد إلا إذا استأذن من صاحبه. ولقد نزل القرآن على العرب في وقت لم يكن من المتعارف بينهم أن يستأذنوا عند الدخول إلى بيت أحد. بالنظر لأنَّ مداخل بيوت العرب كانت مفتوحة دائما فلم يكن الاستئذان متداولا بينهم، ثم جاء الإسلام واستقبح تلك العادة ونسخها، ومن الواضح أن فلسفة هذا الحكم أمران:
الأول: هو قضية العرض وتحجب المرأة ولذلك جاء هذا الأمر مع آيات الحجاب في مكان واحد.
الثاني: هو أن لكل امرئ في بيته أمورا قد لا يحب أن يطلع عليها أحد، وعليه فالاستئذان لا يقتصر على البيوت التي فيها نساء، بل الحكم عام مطلق"(5).
وجاء حديث الكساء ليؤكد على هذه المفردة الإسلامية، وهي أهمية الاستذان، فمن اللطيف أن كلمة (إذن) من الاستئذان ذكرت 12 مرة في هذا الحديث الشريف، ومن المعلوم أن التكرار له دلالة على أهمية هذا العنوان وتأكيده في النفوس، كما يمكن أن يكون لهذا العدد دلالة أخرى وهي خصوصية مرتبطة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام).
"ثم إن هذا الحريم الاجتماعي الخاص للأسرة الذي يهتم به ويركز عليه الإسلام من شأنه أن يحافظ على كثير من الأمور المهمة أهمها:
1- خصوصية الأفراد والأزواج.
2- أن تكون مشاكل الأسرة وتجاذبها داخل المحيط الأسري وعدم جعله لكل شارد ووارد.
3- تخلق هذه الحرمة للبيت مدرسة خصوصية لتعلم الأخلاق والتعاليم المختلفة، باعتبارها تقابل واردات الخارج وتغربل ما يأتي من الشارع والمدرسة والأصدقاء.
4- تحقيق الجو الملائم لقيام الزواج المثالي بإقامة الروابط الرصينة من كل الجوانب (عاطفية - نفسية - جنسية).
5- تهيئة البيت لأن تسوده لغة الحب والمودة والتآلف التي أمر بها الإسلام العزيز {وجعل بينكم مودة ورحمة}"(6).
الخلاصة
إن حرم وحصن الأسرة -أي أسرة- مقدس، وهذا التقديس لأجل الحفاظ على أسراره، ومكانة الرابطة الاجتماعية لتحقيق السلامة، والسرية للأسرة، والاطمئنان لأفرادها، كل ذلك في سبيل تحقيق الأهداف المناطة للأسرة في المجتمع، باعتبار أن الأسرة اللبنة الأولى في أي مجتمع، فإن سلامة وصيانة المجتمع مرهون بسلامة الأسرة.
«فدنا الحسين نحو الكساء وقال: السلام عليك يا جداه، السلام عليك يا من اختاره الله، أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء فقال: وعليك السلام يا ولدي ويا شافع أمتي»
التحية المحترمة..تحية الإسلام:
يتضح من خلال ما ورد من تحيات راقية متبادلة بين أفراد أصحاب الكساء (عليهم السلام)، أنَّ لتحية الإسلام -السلام- أثر كبير في المحيط الاجتماعي، وهذا الأثر ممكن أن يلاحظ عندما نفرق بين الروابط الاجتماعية في المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية. وما لتحية السلام من الأثر والوقع الإيجابي الكبير في النفس الإنسانية من توفير الطمأنينة وتأسيس المجتمع المترابط.
وقد أكد المعصومون على هذه التحية بشكل كبير، فقد ورد في الكافي للكليني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: «يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير»(7).
وفي الحقيقة إن من يلاحظ هذا الحديث والأحاديث الأخرى في باب السلام، يتبين له مدى دقة هذا الدين وكأن الإمام قد أعطى دستوراً خاصاً بالسلام، ويتضح لنا أهمية السلام في المجتمع بين أفراده، فيزيد علقتهم ببعضهم البعض، ويرفع بينهم رمزا خاصا يكون معناه أني في المجتمع المسلم الذي تربطه روابط. إذن فالتحية المعروفة للدين الإسلامي لها دلالات كبيرة تتمحور في أنها تطبع العلاقات الاجتماعية وتكسر الحواجز بين الطبقات الاجتماعية، فالسلام يساهم بشكل كبير في سرعة قيام العلاقات بين الأفراد في المجتمع الواحد، ولكم أن تلاحظوا المجتمعات التي تقوى فيها هذه التحية، والأخرى التي يضعف إلتزامها بالسلام من هذه الناحية.
«فقال علي لأبي: يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي بعثني بالحق نبيا...»
الحوار الهادف في الاسرة:
الحوار والجلوس بين الأسرة الواحدة له الأهمية في صلابة الأسرة واستمرارها، لا سيما إذا كانت أعمدة وأركان الأسرة لهم القدرة على توجيه الحوار وتوظيفه في العملية التربوية، لما له من تحسيس الشاب أو الشابة أو الطفل بأنه ركناً له أهمية ولوجوده ضرورة في كيان الأسرة. وقد يتضح ذلك من خلال ما جاء عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا»(8). فما أعظم عبادة الاعتكاف باعتبارها مساحة وقتية ومكانية مقدسة يخلو فيها العبد بربه ويناجيه، ولكن الرسول (صلّى الله عليه وآله) يريد أن يبين المردود العظيم من جلوس الأب أو الأم بين العيال وتبادل العواطف و الآداب والمعارف.
ومن النكات اللطيفة في أدب الحوار، هو ما يستفاد من خلال المحاورة الأخيرة التي جرت بين رسول الله الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث كان سيدا شباب الجنة موجودين في المجلس، إلا أنهما ولرفعة شأنهما وعظمة أخلاقهما كانا يشعران بعظمة أبيهما أمير المؤمنين (عليه السلام) فيتوقفان حتى عن إبداء السؤال لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، حيث كان التبادل لأطراف الحديث بين النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ووصيه الأمير (عليه السلام).
"وبحسب التتبع نجد أن هناك مجموعة حوارات أسرية نقلها لنا القرآن الكريم، جرت بين مختلف الأشخاص في الأسرة كالحوار بين الإخوان أو الأب وأبنائه أو الخال وابن أخته، أو الأولاد مع أبيهم، وغيرها، لكنها تختلف في نوعها وهدفها.. فنذكر بعض أنواع الحوارات:
الأول: حوار الاهتمام والتفقد:
قوله تعالى: {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (9). حيث تتحدث الآيات عن حوار بين زكريا ومريم التي تربطه بها رابطة الخؤولة. حيث تميز الحوار بالثقة حول الفاكهة التي في غير زمانها حيث لم يبدأ متهماً لها بأي تهمة كما أتهمها قومها عندما أتتهم تحمل ولدها عيسى (عليه السلام) {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} فالمربي حين يشاهد في أسرته شيئاً غريباً يسترعي الانتباه فعليه أن يتعرف عليها من خلال الحوار فإنه سيقف على كثير من الفوائد.
الثاني: حوار المبادئ:
قوله تعالى: {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ...}(10). فيحاور الأب أبنائه موجهاً لمبادئهم توجيها صحيحاً ودقيقاً، فالقيم على الأسرة لا بد له من المتابعة الحثيثة لأسرته بأحسن الأساليب.
الثالث: حوار العقل والبرهان:
قوله جل من قائل: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ}(11). وما يميز هذا الحوار بين النبي إبراهيم (عليه السلام) وعمه مع أنه في حالة انفعالية، لكنه لم يصل إلى التشنج بالرغم من أن عمه كان يهدد بالرجم، لكن كان جواب إبراهيم هو الاستغفار والتسليم"(12).
«والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة...»
الجماعة وأهميتها:
التركيز على الحالة الجماعية والتقاء الأفراد ببعضهم، وتفضيلها على الجانب الفردي له دلالة على أهمية الجماعة في الإسلام، فصحيح أن الإسلام يتعامل بحالة وسطية في النظر للفرد والجماعة، لكنه في كثير من الأخبار له اهتمام واضح بالجماعة والحالة الجمعية.
فلقد أكد القرآن الكريم على الجماعة في المجتمع الإسلامي، حتى أن أغلب الآيات كان التخاطب فيها بالصيغة الجماعية، حيث كانت تفصل بتميزها الجماعة المؤمنة عن الكافرين أو الفاسقين أو الضالين.
"وحيث إن شكل الجماعة تعتبر -كما يقول الاجتماعيون- المجال والوسيلة الأكثر تأثيراً على أفرادها، فهي التي تكسب الفرد خصائصه الإنسانية، حيث تتركز في التفاعل الاجتماعي والنفسي وهو الاتصال الإنساني المتمثل في العملية المركبة من تبادل المعارف وتفسيرها وفهمها، وتبادل المشاعر والأفكار فتحدث في الأخير عملية التأثير المتبادل.
وفي العصر الحديث نجد أن الشخص ينتمي إلى عدة جماعات ومن ثم تتعدد علاقاته الاجتماعية بتعدد الجماعة التي ينتمي إليها مثلاً: جماعات الأسرة، العمل، الجماعة الدينية، إلخ..
وبهذه الجماعات تتشكل علاقات الإنسان الاجتماعية من خلال تنافس وصراع وتوافق يمر به الفرد خلال تجاربه المختلفة في الوسط الجماعي.."(13).
وفي الأخير تسيطر الثقافة التي أثبتت جدارتها في النفس إما لقوتها أو أسلوبها المؤثر في النفس.
«السلام عليك يا فاطمة فقلت: عليك السلام قال: إني أجد في بدني ضعفا فقلت له: أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف فقال: يا فاطمة آتيني بالكساء اليماني فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه»
العلاقة بين الفتاة وأبيها:
بعيدا عن خصوصية فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعلاقتها الكبيرة بأبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا أن سيدتنا الجليلة تعطي فتياتنا وأبناءنا درسا في المسؤلية التي تقع على عاتق البنت حتى ولو خرجت لبيت زوجها فتستطيع أن توفر الطمأنينة والراحة في قلب الأب، نعم كانت الزهراء تمثل ملاذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لتخلصه من آلامه وأتعابه.
وفي الحقيقة والواقع إن مجتمعاتنا تفتقد هذا المعنى الجميل في علاقة الأب وابنته، حيث في أغلب الأحيان تجدها مقتصرة على توفير أسس الحياة المعيشية، غافلين عن الجانب العاطفي، نعم هناك علاقة خجولة بين الأب والبنت، فتجد الأب تقتصر علاقته العاطفية مع ابنته في صغرها، وما أن تتقدم في مراحل حياتها تجد بوناً شاسعاً بينها وأبيها، وهذا يمثل نقصاّ معيباً في أسرنا العزيزة كما ينقل الأخصائيون الاجتماعيون. ولا يعني هذا أن الآباء لا يحبون أبناءهم بل المقصود أن الأبناء لا يشعرون بهذا الحب والحنان.
وهذا النقص له أعراض سلبية كثيرة، وبالخصوص إذا نقص التوجيه الديني في الأسر، لأن هذا النقص تستشعره البنت في بداية دخولها في أوساط المجتمع وزيادة علاقاتها المختلفة. فقد يكون التأثير في قوة نفسيتها وثقتها بذاتها، وقد يكون هذا التأثير سلبياً أكثر وقد ينتهي الأمر إلى شرخ مفكك للأسرة من هذه الناحية.
ولهذا نذكر وصايا سريعة قد ذكرها أحد الاجتماعيين في مسألة الاهتمام بالجانب العاطفي للبنت لتكون هذه العواطف مأتمرة بأمر العقل والشرع:
1- مراعاة الوضع المزاجي والرغبات والسلامة الصحية والبدنية، ومع مراعاة هذا الجانب يضعف خوفها وتتزلزل ثقتها بالنفس.
2- إشعار الطفل في التنشئة الاجتماعية بطعم المحبة والفرح وإبعاده عن التعب والغضب.
3- نخلق فيهم روح الثقة بالنفس ونجعلهم يفكرون بأوضاعهم العاطفية لكي يستطيعوا أن يقيموا سلوك الأخرين ويميزون الأعمال السليمة من غيرها.
4- مراقبة المحيط الاجتماعي من صديقات، مدرسة،... وتوجيه هذا التأثير الخارجي الذي له الأثر الكبير في عواطف البنت.
5- الحذر كل الحذر من تفرقة التعامل بين الأبناء، أو مقايسة الآخرين بهم.
«ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم إلا وفرج الله هـمه ولا مغموم إلا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته...»
الترابط الإجتماعي:
أما الدرس الذي نستوحيه من هذه الكلمات التي خرجت من قلب الرسول (صلّى الله عليه وآله) هو اهتمام النبي بمشاكل وحوائج وهموم شيعته، وهذا يعطينا إشارة كبيرة لتنفيس هموم الآخرين والتحرك لقضاء حوائجهم...والدعاء لهم.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يؤكد هذه المفردة، فقد روي عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: «خدمة المؤمن لأخيه المؤمن درجة لا يدرك فضلها إلا بمثلها»(14). وعن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتمّ بها قلبه فيدخله الله تبارك وتعالى بهمّه الجنة»(15).
ولا عجب في الإسلام العزيز أن يكون هذا التأكيد على هذا الترابط الذي أسس له ركائزَ، أهمها صلة ذوي الأرحام وما وضعه في احترام حقوق الجيرة والمؤمنين، وتشريعه الزكاة كنظام اقتصادي محكم.
«فقال: يا أماه إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: نعم إن جدك تحت الكساء فأقبل الحسن نحو الكساء...»
الأم ودورها المحوري:
لقد اتضح من خلال هذا الحديث الشريف دور الأم المحوري؛ حيث كانت الزهراء (عليه السلام) هي محور اللقاء والتفاعل الأسري، الذي تمثَّل هنا بالتحية والسلام وحلقة الوصل في إدارة هذا البيت العظيم المنزلة. فالملاحظ والمدقق في قراءة هذا الحديث الشريف سيتضح له هذا بشكل جليّ.
ختاماً: إلا نزلت عليهم الرحمة
أي كيان أسري يستنشق عبير هذا الحديث المبارك ويسير على خط القدوة والأسوة الحسنة لأهل البيت (عليهم السلام) لا بد له أن يعيش حالة الطمأنينة والرضا في الأسرة والمجتمع، كيف لا، وهو وعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
* الهوامش:
(1) سورة الأحزاب: 21.
(2) الأسرار الفاطمية ص197.
(3) عوالم المعارف والأحوال 2/11، ص930-934.
(4) التحقيق حول سند حديث الكساء/علي أصغر فيض بور/قم:عصر جوان،1386. الطبعة الأولى.
(5) مسألة الحجاب/الشهيد مطهري /ص109/الطبعة الثانية 2009م /مكتبة الإمام الصادق (عليه السلام).
(6) الروم20، النظام التربوي في الإسلام باقر شريف القرشي.
(7) الكافي، ج2، باب من يجب أن يبدأ بالسلام.
(8) تنبيه الخواطر ج2 ص122.
(9) آل عمران 37.
(10) البقرة-133.
(11) مريم-42.
(12) الأسرة في القرآن الكريم /سيد محيي الدين المشعل/ ص 171/ط الأولى 2004م.
(13) الجماعة كنسق اجتماعي / أ.د إبراهيم بيومي مرعي.
(14) مستدرك الوسائل 12/428.
(15) الكافي 2196.
0 التعليق
ارسال التعليق