الملخَّص:
تعرَّض الكاتب -في أربعة مباحث- إلى مسألة إمكانيَّة فهم القرآن الكريم لغير المعصومg، فبعد أن ذكر أربعة أمور كمقدِّمةٍ للبحث؛ منها تنوُّع المباحث القرآنيَّة، ذكر في المبحث الثَّاني أدلَّة القائلين بالنّفي من الكتاب والسُّنَّة، وفي المبحث الثَّالث أدلَّة القائلين بالإثبات، وفي المبحث الأخير حاول الجمع بين كلماتهم، وأنَّ هناك شيءٌ من الغموض في موضع النِّزاع بين الأعلام، مع الإشارة إلى اختلاف العلماء في المسألة إجمالاً، والاتفاق عملياً على إمكانيَّة الفهم لقسمٍ من الآياتِ المباركة.
المقدّمة:
إنَّ الكلام حولَ مسألة إمكانيَّة فهم القرآن الكريم من المسائل الَّتي اختُلفَ فيها اختلافاً كبيراً بين العلماء، وقد تمَّ بحثُها في عِلمَين على الأقلّ؛ وهما عِلم الأصول حيثُ البحث عن حُجيَّة ظواهر الكتاب، وعِلم علوم القرآن في البحث حول المناهج والمدارس القرآنيَّة.
ويمكن أن يكونَ بين بعض الأقوال ظاهراً تباينٌ كلِّيٌ، حيثُ ذهبَ بعضٌ إلى عدم إمكان فهم شيء من القرآن()، وأنَّه يجب الرجوعُ في كلِّ آيةٍ إلى قولِ المعصومg، بينما ذهب بعضٌ آخر إلى إمكانيَّة فهم القرآن من دون الرُّجوع إلى أيِّ شيءٍ آخرَ غير القرآن نفسِه، كما فهم ذلك صاحب الحدائق من عبارات المحدِّث الكاشانيّ()، وهو ما يظهر من صاحب الميزان().
وهناك حلقات مفقودة -حسب التَّصوُّر القاصر- في هذه المباحث، تحتاج إلى إثارة وبيان وتحقيق، حتَّى يتبيَّن فعلاً موضعُ النِّزاع بين الأعلام من فقهاء وأصوليِّين ومفسِّرين، وهل أنَّ مركز الكلام بينهم واحد حتَّى يثبت الخلاف، أم أنَّ الخلافَ مجرَّدُ اختلافٍ لفظيّ، وأنَّ كلَّ قولٍ إنَّما نظر إلى جهة معيَّنة؟
وسيكون البحث إن شاء الله تعالى في عدِّة مباحث:
المبحث الأوَّل: مقدِّمات لا بدَّ منها
أوَّلاً: معنى الفهم لغة واصطلاحاً
الفهم لغةً:
الفهم من المعرفة والعلم والتعقُّل للشيء، قال في لسان العرب: "الفَهْمُ: معرفتك الشَّيء بالقلب، فَهِمَه فَهْماً وفَهَماً وفَهامة: عَلِمَه؛ الأَخيرة عن سيبويه. وفَهِمْت الشَّيء: عَقَلتُه وعرَفْته"([1]).
وقيل بأنَّ "الفهمَ هو العلم بمعاني الكلام عند سماعه خاصَّة.. وقال بعضُهم: لا يُستعمل الفهمُ إلا في الكلام"([2]).
الفهم اصطلاحاً:
والظَّاهر أنَّ معناه لا يختلف عن المعنى اللُّغويّ إلَّا باختصاصه بالقرآن الكريم حيث الكلام حول فهم الكتاب العزيز، وظاهرهم هو المساواة بين الفهم وبين التَّفسير، ويرى بعضُ الأساتذة الباحثين أنَّ الفهم يختلف عن التَّفسير والتَّأويل، بل هو مجموعهما وله مراتب متعدِّدة([3]). ويُنقل عنهم أنَّهم يساوون بين التَّفسير وبين الفهم.
وعلى أيِّ حال فإنَّ الكلام يشمل الأخذ بظواهر الكتاب، ومعرفة معاني الآيات وتعقُّلها، سواء في آيات الأحكام أم غيرها.
وتجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن ذكر عدَّة أنحاء لمعنى فهم القرآن الكريم:
1. أنَّه بمعنى معرفة حقيقة القرآن الكريم معرفة تفصيليَّة، أي معرفة ظاهر القرآن وباطنه.
2. أنَّه بمعنى معرفة خصوص الظَّاهر من القرآن الكريم، مع حجِّيَّة ذلك الفهم وما يترتَّب عليه من آثار عمليَّة.
3. أنَّه بمعنى المعرفة السَّاذجة والبسيطة الَّتي تنساق إلى الذِّهن عند سماع أيِّ كلام، وبما يتخاطب به العقلاء مع بعضهم البعض، من ترتيب الآثار الشَّرعيَّة عليه إلَّا الاتِّعاظ العامّ.
ثمَّ إنَّه قد يُقصد بهذه المعرفة تارةً كلَّ القرآن الكريم، وتارة بعض الآيات الكريمة.
ثانياً: مصدر دليل إمكان التَّفسير من عدمه
أوَّل أمرٍ يخطر في الذِّهن، هو ما يتعلَّق بالدَّليل على إمكانيَّة تفسير القرآن وفهمه من عدم الإمكان، فهل الدَّليل يجب أن يكون من الكتاب أم من السُّنَّة؟
فإنَّه قد يُقال بأنَّ الاستناد على ذلك بالكتاب يلزم منه الدَّور المحال؛ فأيُّ آيةٍ يستدلُّ بها يجبُ أنْ يكونَ فهمُنا إليها حجَّةً أوَّلاً حتَّى نتمكَّن من الاستدلال بها على إمكانيَّة التَّفسير والفهم لبقية الآيات الشَّريفة، ولا يمكن لهذه الآية أنْ تشملَ نفسها للزوم الدَّور.
وهذا الكلام مبنيٌ على أنَّ عدم الإمكان والجواز يشمل كلَّ القرآن الكريم، ويلزم منه الاعتقاد بعدم وجودِ النَّصِّ في القرآن الكريم؛ لأنَّ معنى النَّصّ هو الواضح الَّذي لا يحتمل أكثر من معنى، مقابل الظَّاهر والمجمل الَّذي يحتمل أكثر من معنى.
هذا ما قد يظهر من المحاورة الَّتي نقلت بين الشَّيخ جعفر البحرانيّ وأحد المحدِّثين في معنى {قل هو الله أحد}، فعن المحدِّث الفاضل السَّيِّد نعمة الله الجزائريّN في بعض رسائله: "إنِّي كنتُ حاضراً في المسجد الجامع من شيراز، وكان الأستاذُ المجتهد الشَّيخ جعفر البحرانيّ، والشَّيخ المحدِّث صاحب (جوامع الكلم) يتناظران في هذه المسألة فانجرَّ الكلامُ بينهما حتَّى قال له الفاضل المجتهد: ما تقول في معنى {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فهل يحتاج في فهم معناها إلى الحديث؟ فقال: نعم، لا نعرف معنى الأحديَّة، ولا الفرق بين الأحد والواحد، ونحو ذلك إلَّا بذلك"([4]).
ولكنََّ هذا غير واضح ممَّن منع من إمكانيَّة التَّفسير، وقد صرَّح صاحبُ الحدائق بإمكانيَّة الفهم في بعض الآيات، كآيات الوعظ وما شاكل، كما سيأتي عنه إن شاء الله تعالى.
وما لم نصل في هذه النُّقطة إلى نتيجةٍ واضحةٍ تكونُ الأدلَّةُ القرآنيَّة المستدَلُّ بها عقيمةَ الفائدة.
والَّذي ينبغي أن يُقال بأنَّه لا بدَّ من كون الدَّليل المستدَلّ به قطعيَّاً دلالةً وسنداً، ويبقى الخلاف في الموجِب لهذا القطع، فهل الاستدلال بالقرآن الكريم يمكن أنْ يورث القطع أم لا، مع الالتفات إلى إشكال الدَّور المتقدِّم.
وأمَّا الاستدلال بالسُّنة الشَّريفة فلا بدَّ أيضاً من كون الدَّليل قطعيّاً؛ لأنَّنا لا نستدلُّ على مجرَّد حكمٍ شرعيّ حتَّى نكتفي بالظَّنِّ المعتبَر شرعاً، وإنَّما المسألة أشبهُ بالمسألة الأصوليَّة الَّتي يجب أن يكون الدَّليل فيها قطعيّاً.
فقد يُقال بأنَّه حينئذٍ لا بدَّ من أن تصل الرِّواياتُ المانعة عن التَّفسير إلى درجة التَّواتر، وكذلك لا بدَّ من كونها قطعيَّة الدَّلالة على ذلك، وإلَّا لما أمكن الاستدلالُ بها على منعِ إمكانيةِ التَّفسير والفهم بغير الأثر، وكذلك الأمر بالنِّسبة للمثبِتين لإمكانيِّة الفهم. نعم، يمكن أن يكون هناك دليل آخر غير الكتاب والسُّنَّة وهو الدَّليل العقليّ القطعيّ إن وجد.
فالمتَّفق عليه بين الفريقَين هو صحَّة الاستدلال بما كان قطعيّاً سنداً ودلالةً، والاختلاف يجب أن يكون في صغرى ذلك وليس في هذه الكبرى.
ثالثاً: على من نزل القرآن الكريم؟
وهذه المسألة لها علاقة بالبحث من جهة أنَّ المخاطَب بالقرآن الكريم إن كان هو خصوص المعصومg فهذا يعني أنَّ غيره غير معنيّ به، وبالتَّالي يُقال بعدم السَّماح له بفهمه، أو كون القرآن له أسلوب خاصّ لا يفهمه إلَّا من خوطب به، فإنَّ من المعروف بين مانعي التَّفسير بغير الأثرِ الاستدلالُ بحديث >إِنَّمَا يَعْرِفُ القُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ<([5]).
ونريد هنا بحث مثل هذه الرِّواية من حيث السَّند والدَّلالة، فمن هو الَّذي خوطب بالقرآن الكريم؟ وما هو المقصود بذلك؟
والرِّواية الَّتي ورد فيها هذا اللَّفظ ما رواه الكلينيّ عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمَّد بن خالد، عن أبيه، عن محمَّد بن سنان، عن زيد الشَّحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفرg فقال: >يَا قَتَادَةُ أَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ البَصْرَةِ؟< قال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفرg: >بلغني أنَّك تفسِّر القرآن؟< فقال له قتادة: نعم، فقال له أبو جعفرg: >بِعِلْمٍ تُفَسِّرُهُ أَمْ بِجَهْلٍ؟< قال: لا بعلم، فقال له أبو جعفرg: >فَإِنْ كُنْتَ تُفَسِّرُهُ بِعِلْمٍ فَأَنْتَ أَنْتَ وَأَنَا أَسْأَلُكَ؟< قال قتادة: سل، قال: >عَنْ قَوْلِ اللهِa فِي سَبَإٍ: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ}(النَّبأ: 18)<، فقال قتادة: ذلك من خرج من بيته بزاد حلالٍ، وراحلة، وكراء حلال، يريد هذا البيت، كان آمناً حتَّى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفرg: >نَشَدْتُكَ اللهَ يَا قَتَادَةُ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ حَلالٍ وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلالٍ يُرِيدُ هَذَا البَيْتَ فَيُقْطَعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ فَتُذْهَبُ نَفَقَتُهُ وَيُضْرَبُ مَعَ ذَلِكَ ضَرْبَةً فِيهَا اجْتِيَاحُهُ؟<، قال قتادة: اللَّهمَّ نعم، فقال أبو جعفرg: >وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ، إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا فَسَّرْتَ القُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَهُ مِنَ الرِّجَالِ فَقَدْ هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ ذَلِكَ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَكِرَاءٍ حَلالٍ يَرُومُ هَذَا البَيْتَ عَارِفاً بِحَقِّنَا يَهْوَانَا قَلْبُهُ كَمَا قَالَ اللهُg: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}(إبراهيم: 37)، وَلَمْ يَعْنِ البَيْتَ فَيَقُولَ إِلَيْهِ، فَنَحْنُ وَاللهِ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَg الَّتِي مَنْ هَوَانَا قَلْبُهُ قُبِلَتْ حَجَّتُهُ وَإِلَّا فَلا يَا قَتَادَةُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ آمِناً مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ<، قال قتادة: لا جرم والله لا فسرتها إلَّا هكذا، فقال أبو جعفرg: >وَيْحَكَ يَا قَتَادَةُ، إِنَّمَا يَعْرِفُ القُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ<([6]).
والسَّند ضعيف بابن سنان، بناء على التَّعارض في توثيقه وتضعيفه، وأمَّا الدَّلالة، فإنَّه يُقال:
أوَّلاً: إنَّ ما ذكره الإمامg أشبه بالتَّأويل، وكلامنا أعمُّ من ذلك.
ثانياً: ما ذكره السَّيِّد الخوئيّS من أنَّ المراد بذلك هو فهم القرآن حقَّ فهمه، ومعرفة ظاهره وباطنه([7])، أي معرفة وجمع القرآن كلِّه، وكلامنا أعمُّ من ذلك.
والنتيجة عدم دلالة الرِّواية على المنع من فهم شيءٍ من القرآن الكريم، وأنَّ المقصود من أنَّ (معرفته خاصَّة بمن خوطب به) إنَّما هو كلّ القرآن الكريم.
بالإضافة إلى عدم معرفتنا بالمراد بكونهمi هم المخاطبون بالكتاب، فإنَّ في القرآنِ الكريمِ خطابات كثيرة متوجِّهة إلى غير المعصومين، كعامَّة المؤمنين، أو عامَّة النَّاس، أو بني إسرائيل والنَّصارى، وغيرهم فهل كانت الآيات المخاطِبة لليهود -مثلاً- حينما تنزل ويقرأها النَّبيe عليهم، يفسِّرها ويشرحها أم كانوا يفهمونها بمقدار معيَّن دون تفسير؟!
رابعاً: الهدف من نزول القرآن الكريم
ربما من المناسب جدّاً البحث حول هدف نزول القرآن الكريم، وارتباط ذلك بمسألة إمكانيَّة الفهم، فلأيّ هدفٍ نزل القرآن الكريم؟ وما هي غاياته؟ فإنْ كان أحدُ أهدافه هو توجيه الخطاب إلى عامَّة النَّاس، وأخذ النَّاس بكلامه بشكل مباشر -على الأقلّ في بعض آياته- لكونه موجباً للهداية والنَّجاة والفلاح، فيمكن حينئذٍ أن يُقال بأنَّه يمكن فهم شيء من القرآن الكريم.. ومن الأهداف الواضحة للقرآن الكريم والمتفَّق عليها:
1ـ تحدِّي المشركين وإثبات النُّبوة:
لا شكَّ في أنَّ الكتاب العزيز معجزٌ في بلاغته وفصاحته، وأنَّ إحدى علل نزول القرآن الكريم هو إثبات النُّبوة المحمَّديَّة، ولذا قد تحدَّى المشركين بالإتيان بمثله.
وهذا الغرض مع التَّسليم به لا يمكن أن يتحقَّق إلَّا مع إمكانيَّة فهم شيء من القرآن الكريم، وإلَّا لو كان القرآن يحتاج إلى مفسِّر في خطوطه العامَّة وكلِّ تفاصيله، لما كان حجَّة على المشركين.
2ـ الهداية للنَّاس:
وهذه الهداية قد يُدَّعى أنَّها تحصل من خلال تفسير النَّبيّe وأهل البيتi للقرآن الكريم، ولكن قد يُقال بأنَّ الحاجة في كلِّ آية ولو كانت ظاهرةً، وفي الأمور الوعظيَّة والتَّخويف وما شاكل، يلزم منه عدم الاستفادة من كثير من الآيات، الَّتي لم يرد فيها شيء من الرِّوايات الشَّريفة.
خامساً: تنوُّع المباحث القرآنيَّة وتعدُّد مضامينها
من الملاحظ أنَّه عند التَّعرُّض إلى مسألة إمكانيَّة فهم القرآن الكريم، لم يتمَّ التَّعرُّض إلى أنَّ الآيات القرآنيَّة المباركة على أنواع، فمنها الفقهيَّة ومنها العَقديَّة ومنها الأخلاقيَّة والوعظيَّة، ومنها القصص، والآيات الكونيَّة إلخ...، نعم يتمُّ التَّركيز عادةً على آيات الأحكام بالنِّسبة للفقهاء.
وقد يختلف البحث في هذه الأنواع، ولهذا لا ينبغي إطلاق الحكم بإمكانيَّة فهم القرآن الكريم وعدم إمكانيَّته من تحديد هذه الأنواع والتَّفريق بينها.
المبحث الثَّاني: أدلَّة القائلين بعدم إمكان فهم القرآن الكريم
ذكرت عدَّة أدلَّةٍ للمنع من فهم القرآن الكريم:
الدَّليل الأوَّل: الآيات الشَّريفة النَّاهية عن العمل بالظَّنِّ
وقد تقدَّم أنَّه لا يمكن الاستدلال بالآيات القرآنيَّة على نفي إمكانيَّة فهم الآيات لِلزوم الدَّور، إلَّا على القول بأنَّ المنع مختصّ بغير النَّصّ والصَّريح، فالقدر المتيقَّن عدم صحَّةِ الاستدلال بالآيات الظَّاهرة حينئذٍ، وقد أشار إلى ذلك الشَّهيد الصَّدرN في بحوثه([8]). وقال بأنَّه قد يُستدلُّ بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}(آل عمران:7)، فإنَّه يدلُّ على النَّهي عن اتباع المتشابه، وكلُّ ما لا يكون نصّاً فهو متشابه لتشابه محتملاته في علاقتها باللَّفظ، سواء كان اللَّفظ مع أحدها أقوى علاقة أو لا.([9]).
ويجاب: بأنَّ صحَّة التَّمسك بالآية الشَّريفة يتوقَّف على كون المراد من المتشابه يشمل الآيات الظَّاهرة، وأنَّ المقصود هو الأخذ بها حتَّى مع الرُّجوع إلى المحكَمات، وإلَّا دلَّ على صحَّة التَّمسك بها والتَّمسك بالمحكَمات، فهي أدلُّ على الجواز من عدمه، بالإضافة إلى محذور الدَّور.
والأهمُّ منه هو عدم المنع من فهم كلِّ القرآن الكريم، بل يكون خاصّاً بالظَّواهر والمتشابهات على فرض التَّسليم بدخول الظَّواهر في المتشابه.
الدَّليل الثَّاني: الرِّوايات النَّاهية عن تفسير القرآن
ذكرت روايات عديدة وكثيرة جدّاً للاستدلال على عدم جواز تفسير القرآن، والأخذ بظواهره من دون الرُّجوع إلى أهل البيتi، وقد عقد صاحب الوسائل باباً تحت عنوان (باب عدم جواز استنباط الأحكام النَّظريَّة من ظواهر القرآن إلَّا بعد معرفة تفسيرها من الأئمَّةe)، وذكر ثمانين رواية حول ذلك([10]).
كما ذكر صاحبُ الحدائق مجموعة من الرِّوايات الدَّالَّة على مدَّعاه، ولكن كثيراً منها إنَّما تمنع من ادعاء معرفة القرآن كلّه، أو معرفته حقَّ المعرفة()، ولا تمنع من معرفة بعض القرآن أو ظواهره.
وربما أوضح وأصرح رواية ذكرها في المقام يمكن أن تدلَّ على دعواه، هي رواية مرسَلة عن أبي عبد اللهg في رسالة: «وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنَ القُرْآنِ فَذَلِكَ أَيْضاً مِنْ خَطَرَاتِكَ المُتَفَاوِتَةِ المُخْتَلِفَةِ؛ لِأَنَّ القُرْآنَ لَيْسَ عَلَى مَا ذَكَرْتَ وَكُلُّ مَا سَمِعْتَ؛ فَمَعْنَاهُ غَيْرُ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا القُرْآنُ أَمْثَالٌ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَلِقَوْمٍ {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاٰوَتِهِ} وَهُمُ الَّذِينَ {يُؤْمِنُونَ بِهِ} وَيَعْرِفُونَه،ُ فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَمَا أَشَدَّ إِشْكَالَهُ عَلَيْهِمْ وَأَبْعَدَهُ مِنْ مَذَاهِبِ قُلُوبِهِمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهe: لَيْسَ شَيْءٌ بِأَبْعَدَ مِنْ قُلُوبِ الرِّجَالِ مِنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ وَفِي ذَلِكَ تَحَيَّرَ الخَلائِقُ أَجْمَعُونَ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اللهُ بِتَعْمِيَتِهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى بَابِهِ وَصِرَاطِهِ وَأَنْ يَعْبُدُوهُ وَيَنْتَهُوا فِي قَوْلِهِ إِلَى طَاعَةِ القُوَّامِ بِكِتَابِهِ، وَالنَّاطِقِينَ عَنْ أَمْرِهِ وَأَنْ يَسْتَنْطِقُوا مَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُمْ لا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النِّساء:83)، فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَيْسَ يُعْلَمُ ذَلِكَ أَبَداً وَلا يُوجَدُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ الخَلْقُ كُلُّهُمْ وُلاةَ الأَمْرِ إِذْ لا يَجِدُونَ مَنْ يَأْتَمِرُونَ عَلَيْهِ وَلا مَنْ يُبَلِّغُونَهُ أَمْرَ اللهِ وَنَهْيَهُ، فَجَعَلَ اللهُ الوُلاةَ خَوَاصَّ لِيَقْتَدِي بِهِمْ مَنْ لَمْ يَخْصُصْهُمْ بِذَلِكَ، فَافْهَمْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ وَإِيَّاكَ وَإِيَّاكَ وَتِلاوَةَ القُرْآنِ بِرَأْيِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ غَيْرُ مُشْتَرِكِينَ فِي عِلْمِهِ كَاشْتِرَاكِهِمْ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الأُمُورِ وَلا قَادِرِينَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى تَأْوِيلِهِ إِلَّا مِنْ حَدِّهِ وَبَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لَهُ، فَافْهَمْ إِنْ شَاءَ اللهُ وَاطْلُبِ الأَمْرَ مِنْ مَكَانِهِ تَجِدْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ»([11]).
قالS -معلِّقاً على هذه الرِّواي-ة بأنَّه: "لا يخفى ما فيه من الصَّراحة في الدَّلالة على المطلوب"(12).
وأوضح مقطع فيها قولهg: >وَ كُلُّ مَا سَمِعْتَ؛ فَمَعْنَاهُ غَيْرُ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا القُرْآنُ أَمْثَالٌ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَلِقَوْمٍ {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاٰوَتِهِ} وَهُمُ الَّذِينَ {يُؤْمِنُونَ بِهِ} وَيَعْرِفُونَه،ُ فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَمَا أَشَدَّ إِشْكَالَهُ عَلَيْهِمْ وَأَبْعَدَهُ مِنْ مَذَاهِبِ قُلُوبِهِمْ<.
وللأسف هذه الرِّواية الَّتي رواها البرقيّ في المحاسن والظَّاهر أنَّه أقدم مصدر لها، لم يذكر تمام الرِّسالة، ويظهر ممَّا ذكره في أوَّلها أنَّها مجموعة من الأسئلة، ولكنََّه لم يذكر السُّؤال الَّذي ربَّما يكون قرينة على فهم جواب الإمامg بشكلٍ أوضح.
وقد قسَّم الشَّهيد الصَّدرN([13]) الرِّوايات المستدِلِّ بها على عدم حجُّيَّة ظواهر الكتاب إلى ثلاثة طوائف:
الطَّائفة الأولى: ما دلَّ على أنَّ القرآن الكريم مبهمٌ وغامضٌ
وقد استهدف المولى إغماضه وإبهامه لأجل تأكيد حاجة النَّاس إلى الحجَّة، وأنَّه لا يعرفه إلَّا من خوطب به، وأنَّ غير المعصوم لا يصل إلى مستوى فهمه.
ويجاب على ذلك: لعلَّ المقصودَّ من تلك الرِّوايات الَّتي منها الرِّواية المتقدِّمة أنَّ غيرَّ المعصوم لا يحيط بكلِّ القرآن الكريم.
وردَّها الشَّهيد الصَّدرN من باب ضعف سندها وأنَّ رواة هذه الأحاديث يمثلون الاتِّجاه الباطنيّ، الذي كان يحاول" دائماً أن يُلْغِزَ في القضايا، ويحوِّل المفهوم إلى اللامفهوم وفي أحضام هذا الاتِّجاه نشأ الغلوّ، وحيث لم يكن لهم مدارك واضحة اتَّجهوا إلى تأويل القرآن واستخراج بطون له"([14]).
ولكن يصعب الحكم بذلك إلَّا بعد تتبع تلك الرِّوايات والنَّظر في رواتها، وعدم ثبوت التَّواتر، والعمدة ما ذكرناه في الجواب.
الطَّائفة الثَّانية: ما دلَّ على عدم جواز الاستقلال في فهم القرآن عن الحجَّة
وهذا المعنى لا ينفيه أكثر القائلين بإمكانيَّة فهم القرآن، وحجِّيَّة الأخذ بظواهره، فإنَّه لا يجوز الأخذ بالكتاب العزيز إلَّا بعد الرُّجوع إلى الرِّوايات الشَّريفة المفسِّرة، فلعلَّ ما يوضِّح ويفسِّر ويخصِّص ويقيِّد، ويدلُّ على النَّسخ وما شاكل.
نعم، الكلام في الأخذ بالظَّواهر عند عدم الظفر بالرواية هل يعدُّ استقلالاً أم لا؟ هذا موردُ خلافٍ، وقد ذكر الشَّهيد الصَّدرN، أنَّه لا يعدُّ استقلالاً([15])، ولكن قد يناقش بأنَّ العرف يراه نوعاً من الاستقلال في فهم القرآن، نعم، يمكن إثبات صحَّة ذلك من خلال أدلَّة الرُّجوع إلى ظواهر القرآن الكريم. وهذا أمر آخر.
ثمَّ إنَّنا نلاحظ أنَّ الكلام هنا منصبُّ على الظَّواهر أيضاً، ولا يشمل النُّصوص الصَّريحة من الآيات.
الطَّائفة الثَّالثة: ما دلَّ من الرِّوايات على النَّهي عن تفسير القرآن بالرَّأي
ولا شكَّ ولا ريب في المنع عن التَّفسير بالرَّأي الَّذي وردت في النَّهي عنه والتَّحذير منه نصوص متكثرِّة:
منها: ما رواه الصَّدوقN بسنده عن الرَّيان بن الصَّلت، عن عليّ بن موسى الرِّضاh، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنينg، قال: >قال رسول اللهe: قال الله c: مَا آمَنَ بِي مَنْ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ كَلامِي، وَمَا عَرَفَنِي مَنْ شَبَّهَنِي بِخَلْقِي، وَمَا عَلَى دِينِي مَنِ اسْتَعْمَلَ القِيَاسَ فِي دِينِي<([15]).
وروى العيَّاشيّ: مرسلاً عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهg قال: >مَنْ فَسَّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ لَمْ يُؤْجَرْ، وَإِنْ أَخْطَأَ كَانَ إِثْمُهُ عَلَيْهِ<([16]).
وعن أبي بصير عن أبي عبد اللهg قال: >مَنْ فَسَّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِهِ إِنْ أَصَابَ لَمْ يُؤْجَرْ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنَ السَّمَاءِ<([17]).
وعن عمَّار بن موسى عن أبي عبد اللهg قال: سُئل عن الحكومة قال: >مَنْ حَكَمَ بِرَأْيِهِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ فَسَّرَ [بِرَأْيِهِ] آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ<([18]). وغيرها بمضمونها كثير.
ولكنََّ الكلام في معنى التَّفسير بالرَّأي؛ حيث طبَّقُه بعضٌ على كلِّ منهجٍ غير روائيّ؛ فيدخل فيه الأخذ بظاهر القرآن أيضاً، ولكن لعلَّ الصَّحيح أنَّ المقصود من الرَّأي هو معناه في الفقه أيضاً؛ أي العمل دون مستند شرعيّ ودون الرُّجوع إلى أهل البيتi، فمن يفسِّر القرآن دون علم، ودون الرُّجوع أصلاً إلى أهل البيتi فإنِّه يعتبر قد عمل برأيه، وأمَّا من يرجع إلى الرِّوايات ويحاول فهمها وإعمال القواعد الأصوليَّة المأخوذة سلفاً عنهمi فإنَّه لا يصدق عليه أنَّه قد عمل برأيه، وعليه لو أراد المفسِّر فهم آيةٍ معيَّنة لم ترد فيها رواية خاصَّة، ولكن كان فهمه وفق المنهج الَّذي أصَّله وبيَّنه أهلُ البيتi كان ذلك مصداقاً للرُّجوع إليهم، حاله حال الفقيه الَّذي يعتمد على أصل عمليّ أو قاعدة أصوليَّة في استنباط حكمٍ شرعيّ لم ترد فيه رواية خاصَّة، فإنَّ ذلك ليس عملاً بالرَّأي بل بما ورد عنهمi.
وقد ذكر الشَّيخُ الأعظمN وغيرُه -في الجواب على من استدلَّ على عدم جواز العمل بظواهر الكتاب لكونه من التَّفسير بالرَّأي- جوابين:
الأوَّل: المنع من الصُّغرى؛ أي أنَّ العمل بالظَّاهر لا يسمَّى تفسيراً أصلاً فإنَّ العمل "بالظَّواهر الواضحةِ المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وإرادة خلاف ظاهرها في الأخبار.. لا يسمَّى تفسيراً، فإنَّ أحداً من العقلاء إذا رأى في كتاب مولاه أنَّه أمره بشيء بلسانه المتعارف في مخاطبته له -عربيّاً أو فارسيّاً أو غيرهما- فعمل به وامتثله، لم يعد هذا تفسيراً، إذ التَّفسير كشف القناع"([19]).
الثَّاني: مع التَّسليم بكونه تفسيراً، ولكن لا يصدق عليه أنَّه تفسير بالرَّأي.
والمراد حينئذ من التَّفسير بالرَّأي:
"إمَّا حمل اللَّفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتماليه، لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر، ويرشد إليه: المرويّ عن مولانا الصَّادقg، قال في حديث طويل: >وَ إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ فِي المُتَشَابِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ؛ فَوَضَعُوا لَهُ تَأْوِيلاتٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بِآرَائِهِمْ وَاسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ مَسْأَلَةِ الأَوْصِيَاءِ<.
وإمَّا الحمل على ما يظهر له في بادئ الرَّأي من المعاني العرفيَّة واللُّغويَّة، من دون تأمُّل في الأدلَّة العقليَّة ومن دون تتبع في القرائن النَّقليَّة، مثل الآيات الأُخر الدَّالَّة على خلاف هذا المعنى، والأخبار الواردة في بيان المراد منها وتعيين ناسخها من منسوخها. وممَّا يقرِّب هذا المعنى الثَّاني -وإن كان الأوَّل أقرب عرفاً-: أنَّ المنهي في تلك الأخبار المخالفون الَّذين يستغنون بكتاب الله تعالى عن أهل البيتi، بل يخطِّئونهم به، ومن المعلوم ضرورةً من مذهبنا تقديم نصّ الإمامg على ظاهر القرآن، كما أنَّ المعلوم ضرورةً من مذهبهم العكس"([20]).
وذكر قريب هذين الاحتمالَين من معنى التَّفسير بالرَّأي الغزاليّ في إحيائه، ونقله عنه مجموعة منهم ابن ميثم البحرانيّN موافقاً له في ذلك، وننقل كلامه لأهمِّيَّته، قال:
"الواجب أن يُحمل النَّهى عن التَّفسير بالرَّأي على أحد معنيَين: أحدهما أن يكون للإنسان في الشَّيء رأي وله إليه ميل بطبعه، فيتأوَّل القرآن على وفق رأيه، حتَّى لو لم يكن له ذلك الميل لما خطر ذلك التَّأويل له..، الثَّاني أن يتسرّع إلى تفسير القرآن بظاهر العربيَّة من غير استظهار بالسُّماع والنَّقل فيما يتعلَّق بغرائب القرآن، وما فيها من الألفاظ المبهمة وما يتعلَّق من الاختصار والحذف والإضمار والتَّقديم والتَّأخير والمجاز، فمن لم يحكم ظاهر التَّفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرَّد فهم العربيَّة، كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسِّر بالرَّأي.."([21]).
وقال المحقِّق الأردبيليّN: "وبالجملة المراد من التَّفسير الممنوع برأيه وبغير نصٍّ هو القطع بالمراد من اللَّفظ الَّذي غير ظاهر من غير دليل، بل بمجرَّد رأيه وميله، واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعاً"([22]).
وذكر العلَّامة الطَّباطبائيّN في معنى التَّفسير بالرَّأي هو: "أن يستقلَّ المفسِّر في تفسير القرآن بما عندَه من الأسباب في فهمِ الكلامِ العربيّ، فيقيس كلامَه تعالى بكلام النَّاس"([23]).
وخلاصة الأمر هنا: إنَّ التَّفسير بالرَّأي لا شكَّ في النَّهي عنه ولا ريب؛ لكثرة الرِّوايات الواردة فيه، ولكن ليس معناه الأخذ بالظَّاهر ولا مطلق الاجتهاد حتَّى المعتمِد على الأسس الصَّحيحة، بل هو إمَّا الأخذ بغير الظَّاهر، أو الأخذ بالظَّاهر دون الرُّجوع إلى القرائن الأخرى، ودون الرُّجوع إلى روايات أهل بيت العصمة والطَّهارةi.
ويقول السِّيد الشَّهيدN: "فالأحسن الجواب: أوَّلاً: بأنَّ كلمة الرَّأي منصرفة -على ضوء ما نعرفه من ملابسات عصر النَّصّ، وظهور هذه الكلمة كمصطلح وشعار لاتِّجاه فقهيّ واسع- إلى الحدس والاستحسان فلا تشمل الرَّأي المبنيّ على قريحةٍ عرفيَّة عامَّة. وثانياً: إنَّ إطلاق الرِّوايات المذكورة للظَّاهر لا يصلح أن يكونَ رادعاً عن السِّيرة على العمل بالظَّواهر، سواء أريد بها السِّيرة العقلائيَّة أو سيرة المتشرِّعة، نظير ما تقدَّم في بحث حجِّيَّة خبر الواحد"([24]).
الاستدلال بحديث الثَّقلين
فقد استدلَّ صاحبُ الحدائقN بقول النَّبيّe في الحديث المتواتر: >إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ<([25]).
فقال في تقريب الاستدلال: "فإنَّ الظَّاهر من عدم افتراقهما، إنَّما هو باعتبار الرُّجوع في معاني القرآن إلى العترةi، ولو تمَّ فهمُه كلاً أو بعضاً بالنِّسبة إلى الأحكام الشَّرعيَّة والمعارف الإلهيَّة بدونهمi؛ لصدق الافتراق ولو في الجملة؛ فهو خلاف ما دلَّ عليه الخبر؛ فإنَّ معناه أنَّهمi لا يفارقون القرآن، بمعنى أنَّ أفعالهم وأعمالهم وأقوالهم كلَّها جارية على نحو ما في الكتاب العزيز، والقرآن لا يفارقهم، بمعنى أنَّ أحكامه ومعانيه لا تؤخذ إلَّا عنهم"([25]).
وربَّما يناقش في الفقرة الأخيرة الَّتي هي الأهمُّ في الاستدلال حيث فسَّر عدم مفارقة القرآن لهمi بأنَّه لا يؤخذ شيءٌ منه إلَّا عنهم، ووجه المناقشة:
أوَّلاً: ما هو الدَّليل على أنَّ معنى عدم مفارقة القرآن لهمi ما ذكره، بل هو أوَّل الكلام؛ لأنَّ الأخذ بالظَّواهر الواضحة لا تحتاج إلى الرُّجوع إليهمi، فلعلَّ المراد هو خصوص غير الواضح من المتشابه وما شاكل.
ثانياً: إنَّه ينقض عليه بما يسلِّم به -كما يأتي- من أنَّ هناك مقداراً من الآيات تعتبر واضحة ولا تحتاج إلى تفسير منهمi، فلو كان مجرَّد إمكان فهم شيء من القرآن يعتبر مفارقة بين القرآن وبينهمi، لكان من الواجب أن نلتزم بعدم فهم شيء من القرآن أصلاً.
المبحث الثَّالث: أدلَّة القائلين بإمكان فهم القرآن الكريم
في مقابل أدلَّة النَّافين استدلَّ مثبِتوا إمكانيِّة فهم القرآن الكريم بعدَّة أدلَّة، وإن تركزَّت الأدلَّة في علم الأصول على خصوص حجِّيَّة الظَّواهر، ولكن في علوم القرآن الكلام فيه أشمل، ويمكن ذكر أهمّ الأدلَّة على ذلك.
1. الدَّليل القرآنيّ:
من الآيات الَّتي استدلَّ بها قولُه تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(النَّحل: 89)، يقول صاحبُ الميزانN في بيان الاستدلال: "وجعله هدى ونوراً وتبياناً لكلِّ شئ، فما بال النُّور يستنير بنور غيره! وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه! وكيف يتبيَّن ما هو تبيان كلِّ شئ بشئ دون نفسه!"([26]). ويقول أيضاً: "ولازم ذلك أن يكون القرآن الَّذي يعرِّف نفسه (بأنَّه هدى للعالمين ونور مبيِّن وتبيان لكلِّ شئ) مهديّاً إليه بغيره ومستنيراً بغيره ومبيناً بغيره، فما هذا الغير! وما شأنه! وبماذا يهدي إليه! وما هو المرجع والملجأ إذا اختلف فيه! وقد اختلف واشتدَّ الخلاف"([27]).
وقد يرد على ذلك:
أوَّلاً: لزوم محذور الدَّور المتقدِّم، إلَّا إذا ادعي أنَّ هذه الآية من النَّصوص المحكمة الواضحة الدّلالة.
ثانياً: كونُه نوراً وتبياناً لا يلازمُ عدمَ الحاجة إلى المفسِّر والمبيِّن له، ولا يخدش في نوريَّته واشتماله على كلِّ شيء، خصوصاً أنَّنا لا بدَّ أوَّلاً من أن نعرف معنى النُّوريَّة هنا.
ثالثاً: ما أجاب به صاحب الحدائقN؛ حيث قال: "لا دلالة فيهما على أكثر من استكمال (القرآن) لجميع الأحكام، وهو غير منكور، وأمَّا كون فهم تلك الأحكام مشتركاً بين كافَّة النَّاس كما هو المطلوب بالاستدلال فلا، كيف وجُلُّ آيات الكتاب سيَّما ما يتعلَّق بالفروع الشَّرعيَّة كلُّها ما بين مجمل ومطلق، وعامٍّ ومتشابه لا يهتدى منه-مع قطع النَّظر عن السُّنة- إلى سبيل، ولا يعتمد منه على دليل"([28]). وهذا الجواب خاصّ بآيات الأحكام ظاهراً.
ومنها: قوله تعالى: {أَفَلٰا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا}(محمَّد: 24).
ببيان أنَّه لو لم يمكن العمل بالقرآن الكريم فلا معنى لدعوة الآية الشَّريفة للتَّدبُّر فيه.
وأجاب في الحدائق: "أنَّا -كما سيتضح لك- لا نمنع فهم شيء من القرآن بالكليَّة، كما يدّعيه بعضهم، ليمتنع وجود مصداق الآية، فإنَّ دلالة الآيات على الوعد والوعيد والزَّجر لمن تعدَّى الحدود الإلهيَّة، والتَّرغيب والتَّرهيب ظاهر لا مرية فيه، وهو المراد من التدبُّر في الآية كما ينادي عليه سياق الكلام»([29]). وإن كان اختصاص الآية بما ذكره يحتاج إلى نظر.
ويجيب المجلسيّ الأب -في شرحه لحديث >وَعَلَيْكَ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ وَالعَمَلِ بِمَا فِيهِ<-: "من الأحكام والاتِّعاظ بمواعظه والانزجار عن نواهيه، ويدلُّ على أنَّ فهم القرآن حجَّة على غير المعصوم ردّاً على الحشويَّة القائلين بأنَّا لا نفهم شيئاً من القرآن، وإنَّما يفهمه أصحابُ العصمةi مع قوله تعالى: {كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبابِ}، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ}، بلى لا يفهم متشابهاتِه إلَّا الرَّاسخون في العلم وهم الأئمَّةi، والقول بأنَّا لا نفهم الفرق بينهما سفسطة، مع أنَّ الأخبار أيضاً مثل القرآن فكيف يفهمون محكماتِها.."([30]).
ومنها: آيات تحدِّي المشركين بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم، حيث لو كان يحتاج إلى المفسِّر لما صحَّ التَّحدِّي.
2. الدَّليل الرِّوائيّ:
الرِّوايات المستدَل بها كثيرة جدّاً، وقال في الحدائق: "والتَّحقيق في المقام أنَّ الأخبار متعارضة من الجانبَين ومتصادمة من الطَّرفَين، إلَّا أنَّ أخبار المنع أكثر عدداً وأصرح دلالة"([31]). ممَّا يعني أنَّه يعترف بوجود روايات تدلُّ على إمكانيَّة فهم القرآن الكريم وتفسيره دون الرُّجوع إلى الرَّوايات الشَّريفة، والمانع من الأخذِ بها إنَّما هو التَّعارض.
أـ أخبار العرض على الكتاب
استُدِّل بروايات العرض على الكتاب عند تعارض الأخبار، على جواز الأخذ بظواهر الكتاب.
وقرَّب صاحب الحدائقN وجه الاستدلال بأنَّه: "لو لم يُفهم منه شيء إلَّا بتفسيرهمi انتفى فائدة العرض"، وفي بعض هوامش نسخ الدُّرر النَّجفيَّة قال: "أنَّه لو وقع التَّعارض في الأخبار المفسِّرة، فعلى ماذا تعرض؟ فتأمَّل، فكأنَّه قال: لا يُفهم شيء من (الكتاب) العزيز إلَّا بالخبر، ولا يعرف الخبر إلَّا بـ(الكتاب) وهذا دور ظاهر، وهو ظاهر البطلان، فتأمَّل"([32]).
وأجاب عن ذلك:
"أنَّه لا منافاة، فإنَّ تفسيرهمi إنَّما هو حكاية مراد الله تعالى، فالأخذ بتفسيرهم أخذ بـ(الكتاب)، ألا ترى أنَّ من عمل بحديث أو بآية قد استفاد معناهما المراد منهما من أستاذه أو من تفسير أو شرح ونحو ذلك لا ينسب علمه إلى ذلك الَّذي استفاد منه معنى الخبر أو الآية، وإنَّما [ينسبه] إلى الآية أو الخبر، وأمَّا ما لم يرد فيه تفسير عنهمi، فيجب التوقُّف فيه وقوفاً على تلك الأخبار، وتقييداً لهذه الأخبار بتلك"([33]).
ولكن لا زال دليل الدَّور بدون جواب؛ فإنَّ جوابهN لم يعالج الإشكال، فإنَّه إذا لم يمكن الأخذ بظاهر القرآن دون الرُّجوع إلى الأخبار، فهذا يجري سواء كان هناك تعارض أم لم يكن تعارض، وأمَّا في حالة التَّعارض واستقراره بين الخبرَين كيف يمكن الاستفادة من الكتاب، فإنَّه لو توقَّف الأخذ بالكتاب على خبر ثالث يفسِّر الآية فقد خرجنا عن مورد البحث وهو التَّعارض، فإنَّ الخبر المفسِّر المفترَض هو الجامع بين الخبرَين المتعارضَين، سواء كان في مقام تفسير الآية أم لا.
نعم في باب التَّعارض بيَّنN أنَّ معنى العرض هو العرض على محكمات الكتاب ونصوصه، وخصَّ اشتراط تفسيرهمi بغير المحكمات. قال في المقدِّمة السَّادسة من الحدائق بعد ذكره لروايات التَّعارض ما نصُّه:
"الَّذي ظهر لي من الأخبار -ممَّا تقدَّم نقله وغيره، وعليه أعتمد وبه أعمل- أنَّه متى تعارض الخبران على وجهٍ لا يمكن ردُّ أحدهما إلى الآخر. فالواجب -أوَّلاً- العرض على الكتاب العزيز، وذلك لاستفاضة الأخبار بالعرض عليه وإن لم يكن في مقام اختلاف الأخبار، وأنَّ ما خالفه فهو زخرف، ولعدم جواز مخالفة أحكامهمi للكتاب العزيز؛ لأنَّه آيتهم وحجَّتهم، وأخبارهم تابعة له، ومقتبسة منه، وأمَّا ما ورد مخصِّصاً أو مقيِّداً له فليس من المخالفة في شيء كما قدَّمنا بيانَه، وأوضحنا برهانَه، والمراد العرض على محكماته ونصوصه بعد معرفة الناسخ منها من المنسوخ، وأمَّا غيرها فيشترط ورود التَّفسير له عن أهل البيتi، وإلَّا فالتَّوقف عن التَّرجيح بهذه القاعدة"([34]).
فنفهم من كلامه حينئذٍ: أنَّ روايات العرض تختصّ بالآيات المحكمات، وهي الآيات الواضحة والَّتي لا يُختلف في معناها، وأمَّا غير المحكمات فلا بدَّ من الرُّجوع إلى الأخبار وإلَّا فالتَّوقف، وإنَّما فصَّل بين المحكمات وغيرها جمعاً بين الأخبار كما ذكر.
ب. الرِّوايات الحاثَّة على التَّدبُّر والرُّجوع إلى القرآن الكريم
مثل ما روي عنهg: >فَإِذَا التَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ، وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيلٍ، وَهُوَ كِتَابٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ وَتَحْصِيلٌ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ<([35]).
وهذه الرِّواية وغيرها الكثير لا مبِّرر إليها لو لم يتمكَّن الإنسان من فهم ولو بعض آياته، وهو كافٍ في الاستدلال على إمكانيَّة الفهم.
المبحث الرَّابع: الجمع بين كلماتهم
استكمالاً للبحث، لا بأسَ بالإشارة إلى أنَّ كلماتِهم غير واضحة في مورد النِّزاع، فبعض ما تقدَّم يختصُّ بآيات الأحكام وكلامنا في الأعمّ، ومن جهة أخرى نرى أنَّ الأغلب لا يمنع من فهم شيء من القرآن الكريم كما تقدَّم في كلمات صاحب الحدائق، وهذا يعني أنَّ مشهور علمائِنا يرى إمكانيَّة الفهم في بعض آيات القرآن الكريم، ومن ناحية ثالثة لا نرى تعرض لآيات العقائد حيث الحاجة إلى العقل.
وما تقدَّم من المحاورة بين الشَّيخ جعفر البحرانيّ وصاحب جوامع الكلم وقوله في معنى {قل هو الله أحد} أنَّنا: "لا نعرف معنى الأحديَّة، ولا الفرق بين الأحد والواحد، ونحو ذلك إلَّا بذلك [أي بالرِّواية]"([36])، كأنَّه فيه شيء من الجدل حول موضع الخلاف والنِّزاع، فإنَّه حتَّى القائل بإمكانيَّة الفهم قد يعترف بأنَّ المراد من الأحد في الآية بصورة اليقين لا يُعلم إلَّا من خلال الرِّواية، ولكنَّ الكلام أعمّ، فهل نحن نفهم شيئاً من بعض مطالب القرآن الكريم الواضحة أو لا.
ثم إنَّه قد يبدو شيء من التَّناقض بين من يقول بعدم إمكانيَّة فهم شيء من القرآن الكريم ثمَّ يستدل بالآيات القرآنيَّة، فالحرُّ العامليّ مثلاً يقول في الفائدة الخامسة والسبعين: "في ذكر جملة من الآيات الشَّريفة القرآنيَّة يمكن الاستدلال بها على جملة من مطالب الأصول الثَّابتة بالأحاديث المتواترة ليعلم تطابق دلالة الكتاب والسُّنة على تلك المسائل فكلٌّ منهما مؤيِّد للآخر.." إلى أن يقول بعد ذكر الآيات: "أقول: يستفاد من هذه الآيات الشَّريفة جملةٌ من المطالب الَّتي تواترت بها الأحاديث. أحدها: أنَّ كلَّ واقعة لها حكم، وكلُّ حكمٍ عليه دليلٌ كما هو ظاهر من آيات الأنعام وغيرها، ولم نستقصّ الآيات في هذا المعنى. وثانيها: وجوب الرُّجوع في جميع الأحكام إلى المعصوم وهذا واضح ظاهر من عدَّة آيات. وثالثها: عدم جواز العمل بالظَّنِّ، وهو مصرَّح به في آيات كثيرة كما رأيت"([37]).
فإمَّا أن نقول أنَّ المنع من الفهم خاصّ ببعض الآيات وهي آيات الأحكام، أو نفرِّق بين القول بإمكانيَّة الفهم وبين القول بالحجيَّة، فنحن نفهم الآيات ولكنَّ فهمنا لها ليس حجَّة.
ولا بأس في أن نذكر كلام الشَّيخ الطُّوسيّ والمحدِّث البحرانيّ حول المسألة؛ حيث ادَّعى المحدِّث البحرانيّ موافقة الشَّيخ الطُّوسيّ في هذا الشأن، يقولN: "القول الفصل والمذهب الجزل في هذا المقام ما أفاده شيخُ الطَّائفة-رضوان الله عليه- في كتاب التِّبيان([38])، وتلَّقاه بالقبول جملة من علمائنا الأعيان"([39]).
ثمَّ نقل كلام الشَّيخ الطُّوسيّ الَّذي قسَّم فيه الآيات القرآنيَّة -من حيث إمكان فهمها وعدمه- إلى أربعة أقسام، ثمَّ نقل روايةً عن أمير المؤمنينg قسَّم فيها القرآن إلى ثلاثة أقسام، ثمَّ أرجع ما قسَّمه الشَّيخ الطُّوسيّ إلى ما ورد في الرِّواية.
وخلاصة ما ذكره الشَّيخ الطُّوسيّ من أقسام:
القسم الأوَّل: ما اختصُّ الله تعالى بالعلم به، فلا يجوز لأحد تكلَّف القول فيه، ولا تعاطي معرفته، نحو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}(لقمان: 34).
القسم الثَّاني: ما كان ظاهرُه مطابقاً لمعناه، فكلُّ من عرف اللُّغة الَّتي خوطب بها، عرف معناها، مثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ}(الأنعام: 151).
القسم الثَّالث: ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصَّلا، مثل قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}(يونس: 87)، فإنَّ تفصيل أعداد الصَّلاة وعدد ركعاتها، لا يمكن استخراجه إلَّا ببيان النَّبيّe ووحي من جهة الله تعالى. فتكلُّف القول في ذلك خطأ ممنوع منه.
القسم الرَّابع: ما كان اللَّفظُ مشتركاً بين معنيَين فما زاد عنهما، ويمكن أن يكون كلُّ واحد منهما مراداً. فإنَّه لا ينبغي أن يُقدَّم أحد به فيقول: إنَّ مراد الله فيه بعض ما يحتمل -إلَّا بقول نبيّ أو إمام معصوم- بل ينبغي أن يقول: إنَّ الظَّاهر يحتمل أموراً، وكلُّ واحد يجوز أن يكون مراداً على التَّفصيل. والله أعلم بما أراد.
فالقسم الثَّاني فقط هو ما يمكن فهمه من القرآن من دون الرُّجوع إلى أهل البيتi، وقال صاحب الحدائق بعد نقله كلام الشَّيخ: "وعلى هذا التَّفصيل تجتمع الأخبار، وهو وسط بين ذينك القولَين، وخير الأمور أوسطها، ويؤيِّده ما رواه الفاضل أبو منصور بن أبي طالب الطَّبرسيّS في كتاب الاحتجاج([40])"([41]).
ثمَّ ذكر الرِّواية عن الأميرg، وفيها أقسام ثلاثة نذكرها مع ما ذكره صاحب الحدائق حولها:
القسم الأوَّل: ما يعرفه العالم والجاهل: واستشهد لها الأميرg بقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النِّساء: 80). قال صاحب الحدائق إنَّ هذا القسم هو القسم الثَّاني ممَّا ذكرَه الشَّيخ.
القسم الثَّاني: ما لا يعرفه إلا من صفى ذهنه، ولطف حسُّه، وصحَّ تميزه، ممَّن شرحَ اللهُ صدرَه للإسلام. وذكر الأميرg لهذا القسم شاهداً فقال: >قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56)، وَلِهَذِهِ الآيَةِ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ فَالظَّاهِرُ قَوْلُهُ: {صَلُّوا عَلَيْهِ}، وَالبَاطِنُ قَوْلُهُ: {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}؛أَيْ سَلِّمُوا لِمَنْ وَصَّاهُ وَاسْتَخْلَفَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَيْكُمْ، وَمَا عَهِدَ بِهِ إِلَيْهِ تَسْلِيماً، وَهَذَا مِمَّا أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا مَنْ لَطُفَ حِسُّهُ وَصَفَا ذِهْنُهُ وَصَحَّ تَمْيِيزُهُ<.
وقال صاحب الحدائق إنَّ هذا القسم هو القسم الرَّابع من كلام الشَّيخ.
القسم الثَّالث: ما لا يعرفه إلَّا الله، وأمناؤه، والرَّاسخون في العلم. ولم يذكر له الأميرg شاهداً.
وقال صاحب الحدائق إنَّ هذا القسم هو القسم الثَّالث من كلام الشَّيخ.
ثمَّ قالN: "ومرجع هذا الجمع الَّذي ذكره الشَّيخN إلى حمل أدلَّة الجواز على القسم الثَّاني من كلامه -طاب ثراه- وأخبار المنع على ما عداه".
إشكال وجواب:
وقد حصرN القسم الثَّاني من حديث الأميرg ممَّن صفى ذهنه، ولطف حسُّه بأهل البيتi مستدِّلاً بما ذكره الأميرg من باطن الآية حيث لا يعرف الباطن إلَّا همi.
ودَفع إشكال لزوم اتحاد القسم الثَّاني مع الثَّالث حينئذٍ بقوله: "الظَّاهر تخصيص القسم الثَّالث بعلم الشَّرائع الَّذي يحتاج إلى توقيف، وأنَّه لا يعلمه إلَّا هو (جل شأنه) أو أنبياؤه بالوحي إليهم وإن علمه الأئمَّةi بالوراثة من الأنبياء. بخلاف الثَّاني. فإنَّه ممَّا يستخرجونه بصفاء جواهر أذهانهم ويستنبطونه بإشراق لوامع أفهامهم"([42]).
والنَّتيجة الَّتي أراد أنْ يخلص لها صاحب الحدائق من هذا الكلام: هو إمكان فهم القرآن في خصوص ما كان ظاهراً بيِّناً، ولكنََّه لا يشمل الأحكام الشَّرعيَّة كما يظهر من عبارته السَّابقة من تخصيص القسم الثَّالث بعلم الشَّرائع الَّذي يحتاج إلى توقيف.
ملاحظات على ما أفاده صاحب الحدائقN
قد يُلاحظ على النَّتيجة الَّتي توصَّل إليهاN: أنَّها خلاف ظاهر كلام الشَّيخ الطُّوسيّN؛ حيث كان الشَّيخ الطُّوسيّ في مقام توجيه الرِّوايات المانعة من العمل بالقرآن وتفسيره، حيث قال:
"واعلم أنَّ الرِّواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأنَّ تفسير القرآن لا يجوز إلَّا بالأثر الصَّحيح عن النَّبيّe، وعن الأئمَّةi، الَّذين قولهم حجَّة كقول النَّبيّe، وأنَّ القول فيه بالرَّأي لا يجوز.. والَّذي نقول في ذلك: إنَّه لا يجوز أنْ يكون في كلام الله تعالى وكلام نبيِّه تناقض وتضاد وقد قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}(الزُّخرف: 3)، وقال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}(الشُّعراء: 195)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}(إبراهيم: 4)، وقال: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}(النَّحل: 89)، وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام: 38)، فكيف يجوز أنْ يصفه بأنَّه عربيّ مبين، وأنَّه بلسان قومه، وأنَّه بيان للنَّاس ولا يُفهم بظاهره شيء؟ وهل ذلك إلَّا وصفٌ له باللُّغز والمعمَّى الَّذي لا يُفهم المراد به إلَّا بعد تفسيره وبيانه؟ وذلك منزَّه عن القرآن وقد مدح اللهُ أقواماً على استخراج معاني القرآن فقال: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(النِّساء: 83)، وقال في قومٍ يذمُّهم حيثُ لم يتدبَّروا القرآن، ولم يتفكَّروا في معانيه: {أَفَلٰا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا}(محمَّد: 24)، وقال النَّبيّe: >إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي<، فبيَّن أنَّ الكتاب حجَّة، كما أنَّ العترة حجَّة، وكيف يكون حجَّة ما لا يفهم به شيء؟ وروى عنهg أنَّه قال: >إذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتابَ اللهِ فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط<، وروي مثل ذلك عن أئمَّتناi، وكيف يمكن العرضُ على كتاب الله، وهو لا يُفهم به شيء؟ وكلُّ ذلك يدلُّ على أنَّ ظاهر هذه الأخبار متروك، والَّذي نقول به: إنَّ معاني القرآن على أربعة أقسام..." (ثمَّ ذكر الأقسام المتقدِّمة).
ثمَّ قال: "ومتى قسَّمنا هذه الأقسام، نكون قبلنا هذه الأخبار، ولم نردَّها على وجهٍ يوحش نقلتها والمتمسِّكين بها، ولا منعنا بذلك من الكلام في تأويل الآي جملةً، ولا ينبغي لأحدٍ أنْ ينظر في تفسير آيةٍ لا ينبئ ظاهرها عن المراد تفصيلاً، أو يقلِّد أحداً من المفسِّرين، إلَّا أن يكون التَّأويل مُجمَعاً عليه، فيجب اتِّباعه لمكان الإجماع؛ لأنَّ من المفسِّرين من حمدت طرائقُه، ومدحت مذاهبُه"([43]).
والشَّيخ الطُّوسيّ -كما تقدَّم عن صاحب الحدائق- خصّ روايات جواز العمل بالكتاب بالقسم الثَّاني، وحمل بقيَّة الأقسام على المنع من ذلك إمَّا لاختصاصها بالجليلa وهو القسم الأوَّل، وإمَّا لاختصاص الفهم بالمعصومg كالقسم الثَّالث، وإمَّا لاحتمالها الوجوه الَّتي يجعلها مجملةً كالقسم الرَّابع.
وحينئذٍ نقول: من المستبعد جدّاً أن يكون مراد الشَّيخ الطُّوسيّ من القسم الثَّاني الَّذي يجوز العمل بظاهره مختصاً بغير الأحكام الشَّرعيَّة كما ذهب إليه صاحب الحدائق، ولا إشارة فيه إلى ذلك، بل يعمُّ هذا القسم كلَّ ما هو ظاهر غير مجمل سواء تعلَّق بالأحكام الشَّرعيَّة أم بغيرها، ولا يوجد في كلامه ما يشير إلى الاختصاص. والله العالم بحقائق الأمور.
الخاتمة
من خلال ما تقدَّم يمكن استنتاج عدَّة أمور:
1. إنَّ مسألة إمكانيَّة فهم القرآن الكريم، من المسائل المختلف في تفاصيلها، مع الاتفاق عمليّاً على إمكان ذلك في بعض الآيات الشَّريفة.
2. إنَّ الاستدلال على إمكانيَّة الفهم أو عدمه من خلال الآيات الشَّريفة فيه نوعٌ من الدَّور، ولكن قد استخدمه الفريقان، وكأنَّه يرجع ذلك إلى ما قلناه من الاتفاق العمليّ حول إمكانيَّة الفهم في بعض الآيات المحكمة والواضحة.
3. ذكر المحدِّث البحرانيّ أنَّ النَّافون لإمكانيِّة الفهم لا ينفون وجودَ رواياتٍ تدلُّ على الإمكان، إلَّا أنَّها معارضة بغيرها.
4. هناك نوع من الغموض في مورد النِّزاع في المسألة، حيث الكلام تارة عن خصوص آيات الأحكام، وتارة عن الظُّهور مقابل النَّص، وتارة عن كلِّ القرآن الكريم.
5. نميل إلى أدلَّة القائلين لإمكانيِّة فهم القرآن الكريم بشكلٍ إجماليّ، سواء في آيات الأحكام أم غيرها، ولكن لا يعني ذلك إمكانيَّة معرفة كلِّ القرآن الكريم، وهو على حقيقته خاصّ بأهل الذِّكرi، وإمكانيَّة الفهم لا تعني الموافقة القطعيَّة للمُراد، كما أنَّ الفهم الظَّنِّيّ حجَّة في آيات الأحكام أو ما يستلزم السُّلوك العمليّ، ولا يشمل آيات العقائد.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآله الطَّيبين الطَّاهرين.
[1] نُسب إلى بعضهم؛ كالمحدِّث الاسترآبادي، وصاحب جوامع الكلم، انظر: الدُّرر النَّجفيَّة في الملتقطَات اليوسفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص339.
[2] المصدر نفسه. وانظر: تفسير الصَّافي، الفيض الكاشانيّ، ج1، ص36.
[3] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطَّباطائيّ، ج1، ص5و6.
[4] لسان العرب، ابن منظور، ج12، ص459.
[5] معجم الفروق اللُّغويَّة، أبو هلال العسكريّ، ص 414.
[6] انظر: دروس في علوم القرآن، الشَّيخ طلال الحسن، ص122-125.
[7] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص339.
[8] الكافي، الكلينيّ، ج8، ص311-312.
[9] الكافي، الكلينيّ، ج8، ص311-312.
[10] البيان في تفسير القرآن، السَّيِّد الخوئيّ، ص269.
[11] انظر: بحوث في علم الأصول، تقريرات بحث الشَّهيد الصَّدر، ج٤، ص27٧.
[12] المصدر نفسه.
[13] وسائل الشِّيعة، الحرُّ العامليّ، ج27، ص176.
[14] مثل ما رواه الكلينيّ عن أبي جعفرg: >مَا ادَّعَى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ القُرْآنَ كُلَّهُ كَمَا أُنْزِلَ إِلَّا كَذَّابٌ، وَمَا جَمَعَهُ وَحَفِظَهُ كَمَا نَزَّلَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍg وَالأَئِمَّةُi مِنْ بَعْدِهِ<. وعنهg أيضاً: >مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ القُرْآنِ كُلِّهِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ غَيْرُ الأَوْصِيَاءِ<، وقد عنونهالكلينيّ بعنوان: (أنَّه لم يجمع القرآن كلُّه إلَّا الأئمَّةi، وأنَّهم يعلمون علمه كلّه) أصول الكافي، الكلينيّ، ج1، ص228.
[15] المحاسن، البرقيّ، ج1، ص268.
[16] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص344.
[17] بحوث في علم الأصول، تقريرات بحث الشَّهيد الصَّدر، ج٤، ص٢٨٣.
[18] بحوث في علم الأصول، تقريرات بحث الشَّهيد الصَّدر، ج٤، ص٢٨٥.
[19] انظر: المصدر نفسه، ص٢٨٦.
[20] التَّوحيد، الصَّدوق، ص68، وعيون أخبار الرِّضا، الصَّدوق، ج1، ص107.
[21] تفسير العيَّاشيّ، ج1، ص17.
[22] تفسير العيَّاشيّ، ج1، ص17.
[23] تفسير العيَّاشيّ، ج1، ص18.
[24] فرائد الأصول، الشَّيخ مرتضى الأنصاريّ، ج١، ص١٤٢.
[25] فرائد الأصول، الشَّيخ الأنصاريّ، ج1، ص142-143، وانظر: كفاية الأصول، الآخوند الخراسانيّ، ص284، والبيان في تفسير القرآن (موسوعة الإمام الخوئيّ، ج٥٠)، السَّيِّد الخوئيّ، ص269-270.
[26] شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحرانيّ، ج1، ص213-215، وانظر: كلام المناويّ في فيض القدير شرح الجامع الصَّغير، ج6، ص247، ففيه بعض ما يقرب ممَّا مرَّ.
[27] زبدة البيان في أحكام القرآن، المقدس الأردبيليّ، ص3.
[28] الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطَّباطبائيّ، ج3، ص76.
[29] بحوث في علم الأصول، تقريرات بحث الشَّهيد الصَّدر، ج٤، ص٢٨٦.
[30] قريب منه في بصائر الدَّرجات، لمحمَّد بن الحسن الصَّفَّار، ص433، وأمالي الشَّيخ الصَّدوق، ص500.
[31] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص345-346، والحدائق، ج1، ص29.
[32] الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطَّباطبائيّ، ج1، ص6.
[33] الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطَّباطبائيّ، ج1، ص8-9.
[34] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص، 347.
[35] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص، 349-350.
[36] روضة المتَّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، المجلسيّ الأوَّل، ج5، ص536.
[37] الحدائق النَّاظرة، المحدث البحرانيّ، ج1، ص27.
[38] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص347.
[39] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص347.
[40] الحدائق النَّاظرة، المحدِّث البحرانيّ، ج1، ص109.
[41] الكافي، الكلينيّ، ج2، ص599.
[42] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص339.
[43] الفوائد الطُّوسيَّة، الحرّ العامليّ، ص318و324.
[44] التِّبيان، الطُّوسيّ، ج1، ص5-6.
[45] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص، 350.
[46] الاحتجاج، الطَّبرسيّ، ص376-377.
[47] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص351.
[48] الدُّرر النَّجفيَّة، المحدِّث البحرانيّ، ج2، ص353.
[49] التِّبيان في تفسير القرآن، الطُّوسيّ، ج1، ص4-6.
0 التعليق
ارسال التعليق