مقدّمة
إذا ثبت هلال ذي الحجّة عند قاضي أهل السنّة، ولم يثبت عند الشيعة فهل يُجزئ الوقوف معهم، ويصحّ ترتيب جميع آثار الهلال الراجعة إلى مناسك الحجّ من الوقوفين وأعمال منى يوم النحر وغيرها؟
قال الشهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك في باب المصدود -تعليقاً على قول المحقّق (رحمه الله): "ويتحقّق الصدّ بالمنع من الوقوفين"-:
"ومن هذا الباب ما لو وقف العامّة بالموقفين قبل وقته؛ لثبوت الهلال عندهم لا عندنا، ولم يمكن التأخير عنهم لخوف العدوّ منهم أو من غيرهم؛ فإنّ التقيّة هنا لم تثبت"(1).
وقد اعترف في الجواهر بأنّ المسألة غير محرّرة في كلماتهم قائلاً: "نعم بقي شيء مهمّ تشتدّ الحاجة إليه،... وهو أنّه لو قامت البيّنة عند قاضي العامّة، وحكم بالهلال على وجه يكون يوم التروية عندنا عرفةَ عندهم، فهل يصحّ للإماميّ الوقوف معهم ويجزي، لأنّّه من أحكام التقيّة، ويعسر التكليف بغيره، أو لا يجزي؛ لعدم ثبوتها في الموضوع الذي محلّ الفرض منه... لم أجد لهم كلاماً في ذلك، ولا يبعد القول بالإجزاء هنا إلحاقاً له بالحكم؛ للحرج، واحتمال مثله في القضاء، وقد عثرت على الحكم بذلك منسوباً للعلاّمة الطباطبائي، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه"(2).
وقال (رحمه الله) في نجاة العباد: "لو حكم منْ ليس أهلاً للحكومة بهلال ذي الحجّة على وجه يكون يوم التروية يوم عرفة لم يُجْزِ الوقوف معهم في الأحوط إن لم يكن أقوى"(3).
وجوه الإجزاء
ثم إنّ ما يمكن أن يُستدلّ به على إجزاء الوقوف معهم، في خصوص صورة الشك في مطابقة حكمهم للواقع أو الأعمّ منها ومن صورة العلم بالمخالفة له وجوه:
الوجه الأول: الأدلّة العامّة للتقيّة:
فقد استدلّ بجملة من روايات التقيّة على إجزاء المأتي به على وفقها-وقد ساق جملة منها في المستمسك مستمسكاً ببعضها(4)، واستقصاها الإمام الخميني (قدِّس سرُّه) في رسالته في التقيّة معتمداً عليها أجمع(5)-:
منها رواية أبي عمر الأعجمي-وقد سبق العلمين في الاستدلال بها الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) في رسالته في التقيّة(6) -قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «يا أبا عمر، إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة، ولا دين لمن لا تقيّة له، والتقيّة في كلّ شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفّين»(7).
بتقريب أنّ استثناء مسح الخفّين مع كون المنع من المسح عليها عند عدم التقيّة منعاً غيريّاً ولا تحتمل حرمته -ذاتاً- دليل على شمول الرواية للتكليف والوضع، فتدلّ على صحّة العمل الناقص مع التقيّة وإجزائه.
ونحوها صحيحة زرارة قال: «قلت له: في مسح الخفين تقيّة؟ فقال: ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحجّ، قال زرارة: ولم يقل: الواجب عليكم ألا تتقوا فيهنّ أحداً»(8).
ويتوجّه عليها -مضافاً إلى ضعف سندها بمجهوليّة الأعجمي-:
أولاً: أنّ المنفي في مسح الخفين هو موضوع التقيّة، وأنّه لا حاجة للتقيّة فيها نظراً لاختلاف مذهب المخالفين، بل لم يعهد ممن أجازه القول بتعيّنه، فلا خوفَ من ترك المسح على الخفيّن الذي هو موضوع التقيّة.
وثانياً: سلّمنا أنّ المنفي ليس هو موضوع التقيّة إلا أنّ الرواية متمحّضة في الحكم التكليفي بقرينة قوله-قبل فقرة الاستدلال-: «ولا دين لمن لا تقيّة له» الظاهر في وجوب الإتيان بالعمل الناقص بفقدان جزء أو شرط وجود مانع، ولا تكفّل له بصحّته وإجزائه.
ومنها معتبرة المعلّى بن خُنيس قال: «قال(لي) أبو عبدالله (عليه السلام)... يا معلّى، إنّ التقيّة (من) ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقيّة له، يا معلّى، إنّ الله يُحبُّ أن يعبد في السرّ كما يُحبُّ أن يُعبد في العلانية»(9).
ونحوها صحيحة معمّر بن خلاّد قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القيام للولاة، فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): التقيّة من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقيّة له»(10).
بأحد تقريبين:
أحدهما: أنّ ظاهر كون التقيّة ديناً الإجزاء(11)، فإذا كان العمل الفاقد للجزء أو الشرط أو الواجد للمانع بنفسه ديناً أو من الدين- كان لا محالة مأموراً به بالأمر الاضطراري، فيقع المأمور به كذلك مجزياً عن الأمر الواقعي.
وثانيهما: أنّ العبادة سرّاً هي العبادة تقيّةً، وقد قال (عليه السلام): «إنّ الله يُحبُّ أنّ يُعبد في السرّ» فالعبادة الواقعة على وجه التقيّة عبادة محبوبة، فوقعت صحيحة(12).
وسند الرواية معتبر على المختار؛ فإنّها وإن كانت ضعيفة بطريق الكافي والمحاسن بمجهوليّة عبدالله بن يحيى الواقع في سندها إلا أنّها معتبرة بسند البصائر.
ويُلاحظ على التقريب الأول:
أولاً: أنّ كون التقيّة ديناً أو من الدين- أعمّ من الإجزاء-، فلا منافاة بين كونها ديناً أو منه وبين لزوم إعادة ما أتى به من العبادة على وفق التقيّة.
وثانياً: إنّ كون الاتقاء ديناً لا يلازم كون المتّقى فيه كذلك.
ويُلاحظ على التقريب الثاني أنّ المحبوب هو إسرار العبادة ولا ملازمة بين محبوبيّته ومحبوبيّة نفس العبادة، فهي على نسق صحيحة هشام بن سالم قال: «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: ما عُبِدَ الله بشيء أحبّ إليه من الخبء، قلت: وما الخبء؟ قال: التقيّة»(13) -الظاهرة في كون المحبوب هو الاتقاء، ولا ملازمة-كما سلف- بين كون الاتقاء محبوباً وبين محبوبيّة المتّقى فيه.
ومنها صحيحة الفضلاء قالوا: «سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: التقيّة في كلّ شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له»(14).
بدعوى أنّ الحليّة أعمّ من التكليفيّة والوضعية، واستشهد أحد الأعاظم (قدِّس سرُّه)(15) لذلك بإرادة الحليّة الوضعية بلا عناية في قوله سبحانه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْع}(16) مضيفاً بأنّه لاريب في استفادة الوضع من الصحيحة خصوصاً مع ندرة موارد ابتلاء الشيعة في دار التقيّة في تلك الأعصار التي انحصرت التقيّة فيها من العامّة بالنسبة إلى التكليفات كشرب النبيذ مثلاً، وكثرة ابتلائهم بالوضعيات ليلاً ونهاراً، فحمل الحديث على التكليف مما لا مجال فيه.
ويُلاحظ عليه أنّ ظاهر إضافة الحلّيّة لابن آدم إرادة خصوص الحليّة التكليفيّة، والحليّة في آية {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْع} وإن أُريدَ منها الحليّة الوضعية إلا أنّها استفيدت بقرينة لَغْوية بيان الحليّة التكليفيّة للبيع، حيث لا يتوهّم أحدٌ حرمة إنشاء البيع كي يتصدّى الشارع لبيان الحليّة، أو بقرينة تعلّق الحليّة بالمعاملة، أو مطلق العنوان الاعتباري الّذي لا غرض فيه إلا الصحة والنفوذ، فتكون الحليّة ظاهرة في الحليّة الوضعية، بخلاف المقام.
وحمل الرواية على الفرد النادر وإن كان مستهجناً عرفاً إلا أنّ الإتيان بالعبادات موافقة للعامّة تقيّة منهم تكليفاً ليس بالعزيز النادر بل هو الغالب، على أنّ الرواية في نقل المحاسن كالتالي: «إنّ التقيّة في كلّ شيء، وكلّ شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله» وكما يُحْتمل كون الجملة الثانية مسوقة مساق الكبرى المنطبقة على التقيّة- يُحتمل كونها مستأنفة، فتغدو أجنبية عما نحن بصدده.
ومنها موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (عليه السلام) -في حديث- وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة مما لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز(17).
بدعوى شمول الجواز للتكليفي والوضعي وأنّ المراد بالجواز في كلّ شيء -كما أفاد الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه)- بالقياس إلى المنع المتحقّق فيه لولا التقيّة فيصدق على التكفير في الصلاة الذي يفعله المصلّي في محلّ التقيّة أنّه جائز غير ممنوع عنه بالمنع الثابت فيه لولا التقيّة(18)، ونظّر له أحد الأعاظم (قدِّس سرُّه)(19) بقوله (عليه السلام): «الصلح جائز بين المسلمين»(20).
ويُلاحظ عليه وعلى الاستدلال بصحيحة الفضلاء بأنّ استعمال لفظي الجواز أو الإباحة في أكثر من معنى وإن جاز عقلاً إلا أنّه يحتاج إلى قرينة لعدم عرفيّته، وهذا الكلام آتٍ في نظير المقام.
ومنها صحيحة أبي الصباح قال: «والله لقد قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام): إنّ الله علّم نبيّه التنزيل والتأويل، فعلّمه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام)، قال: وعَلَّمَنا والله، ثمّ قال: ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية، فانتم منه في سعة»(21).
بدعوى(22) أنّها تدلّ على أنّ المتَّقي في سعة من الجزء أو الشرط المتروكين تقيّة، ولا يترتّب عليه من جهتها تكليف بالإعادة والقضاء، نظير قوله (عليه السلام) في رواية السفرة: «هم في سعة ما لم يعلموا»(23).
ويلاحظ على الاستدلال بها أنّ أقصى ما تدلّ عليه أنّ تبعة الفعل من عقوبةٍ وكفّارة لا تترتّب، لو لم نقل بأنّ الذي لا يترتّب خصوص العقوبة من التبعات بقرينة قوله: «أو حلفتم عليه من يمين»، وأما الإعادة أو القضاء فليسا من آثار الفعل ليكون من سعةٍ من ناحيته، بل هما من آثار ترك المأمور به.
فتحصّل أنّ هذه الروايات العامّة لا تعرّض لها لما وراء لزوم موافقة العامّة تكليفاً من إجزاء العمل الموافق لهم وصحّته، فلا يُسْتفاد منها إذن إجزاء الوقوف معهم.
إشكال آخر وحلُّه:
ثمّ لو سلّمنا صحّة استفادة الصحّة والإجزاء من هذه الروايات إلا أنّ موضوعها هو صورة الاختلاف في المذهب، فلا تقيّة في صورة الاختلاف في تطبيق المذهب، بل ذلك من المسلّمات -كما قد يظهر من كلام صاحب الجواهر (رحمه الله) المتقدّم-، والاختلاف في رؤية هلال ذي الحجّة بالنسبة إلى أفعال الحجّ من الاختلاف في الموضوع والتطبيق.
وأجاب عنه الشيخ الأعظم (رحمه الله) في رسالته في التقيّة بأنّه لو حكم حاكمهم بالهلال معتمداً على شهادة من لا تقبل شهادته كالعدل الواحد وكان مذهب الحاكم القبول دخل في أدلّة التقيّة؛ فأنّ ترك العمل بهذا الحكم قدحٌ في المذهب(24)، أو لأنّ محل البحث هو حجيّة حكم الحاكم العامّي، فهو ليس من الخلاف في الموضوع.
وتوضيحه أنّه لو علم بمخالفة حكمه الواقع، ولم يثبت نفوذ حكمه عندهم في هذا الزمن فلا يعود حكمه من الاختلاف في المذهب فلا يدخل في أدلّة التقيّة كما هو مقتضى إشارة الشيخ بقوله: «وكان مذهب الحاكم القبول»، بخلاف ما لو أحرزنا نفوذ حكمه عندهم حتى في فرض العلم بالخلاف كما يشهد بذلك ملاحظة بعض كلماتهم، ومنها ما علّل به بعضهم وجوب الصوم على عموم المسلمين فيما لو حكم الحاكم بالهلال بناءً على أيّ طريقٍ في مذهبه ولو خالف مذهب البعض منهم-(علّله) بقوله: «لأنّ حكم الحاكم يرفع الخلاف»(25)، بل ادّعى جماعة منهم الإجماع على نفوذ حكم الحاكم مطلقاً-كما نقل ذلك في المستمسك(26)-.
إذن لو لم يثبت نفوذ حكمه عندهم في فرض العلم بمخالفة حكمه للواقع فلا تجدي تمامية دلالة الأخبار المتقدّمة على الإجزاء والصحّة؛ إذ إنّ موضوعها الاختلاف في المذهب، ولا يدخل هذا الفرض في موضوع تلك الأخبار بمجرّد حكمٍ غير نافذ.
وكذا الحال لو لم يحكم بل اكتفى بالإخبار بثبوت الهلال وإن كان في فرض غير العلم بمخالفة إخباره للواقع؛ لعدم اندراجه في موضوع تلك الروايات.
وقد يُقال: -وهو في محلّه- إنّ اتفاقهم على الموضوع وعدم اختلافهم وانقسامهم فيه يؤّدي إلى نسبته إليهم كمذهب أو فرقة وإلى تميّزنا عنهم كفرقة ومذهب فيأتي موضوع التقيّة، بل قد يُقال -كما أفاد السيّد الأستاذ (سلّمه الله) في درس الحجّ، وهو في محلّه أيضاً- إنّ النزاع في تحقيق الموضوع ليس خارجاً عن أدلّة التقيّة فيما إذا كان الخلاف في تشخيص الموضوع خلافاً مع سلطان العامّة أو قضاتهم، فإنّ أدلّة التقيّة شاملة لكلّ ما صدر من المؤمن حذراً من العامّة سواءً كان لخلافٍ حكميٍّ أو موضوعيِّ.
والمحصّلة أنّ عمدة الإشكال على التمسّك بروايات التقيّة للإجزاء هو قصورها عن تناول جهة الوضع.
نعم ورد الحكم بالصحّة في بعض مسائل الوضوء والصلاة كغسل اليدين منكوساً وغسل الرجلين في الوضوء، والتكتّف والتأمين في الصلاة، بل نفس عدم أمرهم (عليهم السلام) بالقضاء والإعادة في الموارد التي يعمّ الابتلاء بها كافٍ في الحكم بالصحّة.
الوجه الثاني: قاعدة نفي العسر والحرج:
وهو الوجه الذي اعتمده في الجواهر على ما تقدّم من عبارته.
بيان ذلك إنّ مقتضى ضمّ دليل نفي العُسْر والحَرَج إلى الأدلّة الأوّليّة استفادة صحّة الفاقد للجزء أو الشرط أو الواجد للمانع وإجزاؤُه؛ فإنّ بعض أدلّة نفي الحَرَج ظاهر في اهتمام الشارع برفع الحَرَج النوعي كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(27)، وما دلّ على أنّ الشريعة سهلة سمحاء، فالشريعة بموجب مثل هذه الإخبارات عبارة عن مجموعة من القوانين الميسّرة وأنّ الحكم الجرحي لا يمُّت للشريعة بصلة، وبعد ضمّ هذه إلى الأدلّة الأوّليّة تتولّد دلالة التزامية من نوع دلالة الإشارة أو الاقتضاء تضيّق العموم أو الإطلاق أو توسّعه بالقدر القطعي من مدلول الاقتضاء، ففيما يرجع إلى أصل حجيّة المدلول الالتزامي المتولّد من ضمّ دليلٍ إلى دليلٍ آخر -أفاد الشيخ الأعظم(28) بأنّ مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّ الإنسان لا يملك أحد العمودين وبين ما دلّ على صحّة شرائه لأحدهما مع انعتاقه عليه- هو ملكية الإنسان لأحد أبويه آناً ما بعد شرائه له ثمّ ينعتق عليه(29).
وفيما يرجع إلى ضمّ دليل نفي العسر والحَرَج إلى الأدلّة الأولية التزم بعضهم بإجزاء ذبح الهدي في غير منى إذا كان ذبحه فيها حَرَجياً نوعاً.
وفيما نحن فيه من الحجّ لعموم المكلّفين المؤمنين لو كان بجعل الموقف بحسب الأمارة المعتدّ بها شرعاً لكان ذلك من الحَرَج البالغ على نوع المكلّفين، ولأدّى ذلك إلى الفتنة على الطائفة، بلا فرق في ذلك بين صورة الشك في يوم التاسع بحسب الواقع أو صورة العلم بمخالفته للواقع.
ويتوجّه عليه -ما أفاده السيّد الأستاذ (سلّمه الله) في درس فقه الحجّ-:
أولاً: أنّ غاية ضمّ دليل نفي العسر والحرج إلى الأدلّة الأوليّة هو سقوط الأمر بالمركّب من هذا الجزء؛ حيث إنّ منشأ الحرج النوعي هو بقاء الأمر بالحجّ المركّب من هذا الجزء، وهو الوقوف بعرفة يوم التاسع، ومع سقوط الأمر بالمركّب فإثبات صحّة الحجّ يحتاج إلى أمرٍ جديدٍ بالمركّب الفاقد، وهو ما لا يُستفاد من ضمّ دليل نفي العسر والحَرَج إلى الأدلّة الأوليّة.
كما أنّ مقتضى قرينيّة الامتنان هو سقوط الأمر المركّب؛ إذ يكفي في تحقّق الامتنان أنّه غير مأمور بالحجّ، من دون حاجة لإثبات صحّة حجّه.
وثانياً: أنّ مفادها -على تقدير التسليم به- مقيّد بما دلّ على أنّ منْ فاته الموقفان فلا حجّ له، نحو: معتبرة حريز -على بعض المباني- قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلٍ مفرد فاته الموقفان جميعاً، فقال: له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجٌّ، ويجعلها عمرةً، وعليه الحجّ من قابل»(30)، ونحوها: معتبرة الحلبي: «إذا فاتتك مزدلفة فقد فاتك الحجّ»(31).
فإنّ ظاهرهما النظر إلى مقام الامتثال، وأنّ منْ فاته الموقفان عدل إلى العمرة، لا أنّها من الأدلّة الأولية الدالّة على ركنية الوقوفين؛ كي يُقال بحكومة دليل نفي العسر والحرج عليها.
الوجه الثالث: الروايات الخاصّة:
وعمدتها ما رواه عبدالله بن المغيرة عن أبي الجارود قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) إنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على أبي جعفر (عليه السلام)، وكان بعض أصحابنا يُضحّي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يُضحّي الناس، والصومّ يوم يصوم الناس»(32).
بأن يُقال: إنّ سند هذه الرواية معتبر، ولا يعيبه اشتماله على أبي الجارود، وإنّ المستفاد منها لزوم متابعة العامّة وعدم جواز الخلاف والشقاق بيننا وبينهم، فتدلّ على صحّة الوقوف معهم وإجزائه وبلا فرق بين فرضي الشك والعلم بالخلاف.
فالكلام في هذه الرواية من جهتي الدلالة والسند:
أما جهة الدلالة فقد قُرِّبت بتقريبين(33):
الأول: تنزيل فطر العامّة-المشار إليهم بالناس-وأضحاهم منزلة الفطر والأضحى الواقعيين، فتدلّ على الإجزاء في صورتي الشك والعلم بالخلاف.
الثاني: جعل فطرهم وأضحاهم أمارة على الفطر والأضحى الواقعيين، فتختصّ بصورة الشك دون العلم، بقرينة ذكر الفطر والأضحى، وهما يدوران مدار الواقع.
ويتوجّه عليها في ضوء التقريبين:
أولاً: إنّ لسان الرواية -بقرينة ذكر مواقيت الصوم والفطر والأضحى، وهي مواطن بروز الخلاف بين الخاصّة والعامّة- لسان النظر إلى فرض التقية، وأنّ اللازم مماشاة العامّة وإظهار الموافقة لهم، حفظاً للنفس وغيرها مما يجب حفظه، فلا يكون مفادها إمضاء حكمهم بدخول الشهر، ولا إجزاء العمل الموافق لهم.
وثانياً: عدم عمل أحد بفقرتي: «الفطر يوم يفطر الناس...والصومّ يوم يصوم الناس»، بل إنّ سيرة المتشرّعة منّا على المباينة مع أهل الخلاف في إثبات هلال شهري رمضان وشوّال.
ودعوى كون التفكيك بين الفقرات في الحجيّة وأنّ السند ينحلّ بعدد الفقرات غير عزيز في الفقه، فتكون فقرة «والأضحى يوم يُضحّي الناس» حجّةً في إمضاء حكمهم دون فقرتي الفطر والصوم(34) ممنوعة بأنّ التفكيك في الحجيّة إنّما يتمّ في الفقرات المختلفة محمولاً، وأما مع اشتراك الفقرات محمولاً، وهو حجيّة حكمهم هنا بحسب الفرض فالتفكيك بينها في هذا المحمول مستهجنٌ عرفاً، بل من التزم بإجزاء الوقوف معهم لم يلتزم بترتيب سائر آثار الأضحى كإقامة صلاة العيد في يوم عيدهم وحرمة صومه وغير ذلك.
وثالثاً: لا ملازمة عرفاً بين تنزيل التضحية مع العامّة منزلة التضحية الواقعية وتنزيل الوقوف معهم منزلة الوقوف الواقعي الذي هو المدّعى.
ورابعاً: لا نحرز أنّ مفردة (الناس) إشارة إلى غير الشيعة، فإنّها -وإن استُعْملت فيهم- فقد استعملت ويُراد بها عامّة المسلمين، كما في صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «أنّه سأله عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده؛ لا يُبصره غيره، أله أن يصوم؟ قال: إذا لم يشكّ فليفطر (فليصم)»(35)، وإلا فليصم مع الناس(36)، كما أنّ ذيل رواية أبي الجارود الأخرى -التي لا يبعد اتحادها مع الأولى- قال: «سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) يقول: صم حين يصوم الناس، وأفطر حين يفطر الناس؛ فإنّ الله عزّ وجلّ جعل الأهلّة مواقيت»(37)- قرينةٌ على إرادة عامّة المسلمين، وأنّ شياع رؤية الهلال طريق لإثباته، وليس المراد بالناس فيها غير الشيعة، ويشهد لذلك أنّ نفس ألفاظ رواية أبي الجارود يرويها العامّة عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، ففي سنن الترمذي بإسناده عن عائشة عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يُضحّي الناس»(38).
وأما جهة السند فقد صير إلى القول بوثاقة أبي الجارود أو حجيّة روايته هذه بأمور:
ألف: توثيق المفيد (رحمه الله) إيّاه في رسالته العدديّة وأنّه من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الّذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم(39).
باء: إنّه ممن لم يُستثنَ من روايات محمد بن أحمد بن يحيى(40).
جيم: إنه ممن ورد في أسناد كامل الزيارات.
دال: إنه ممن ورد في أسناد تفسير القمي.
هاء: إنّه من معاريف الطائفة؛ لكونه صاحب التفسير المعروف، وصاحب أصل روى عنه الصدوق، وذكر النجاشي والشيخ طريقهما إليه، وممن روى عنه علية الأصحاب كابن المغيرة، مضافا لاستفادة ذلك من عبارة عددية المفيد (رحمه الله).
واو: إنّه -كما حكي عن ابن الغضائري- صاحب المقام، حديثه في أصحابنا أكثر منه في الزيدية، وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه، ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرحبي، وإنّ له أصلاً ذكر النجاشي والشيخ (رحمهما الله) طريقهما إليه، وإنّه صاحب التفسير المعروف عن الباقر (عليه السلام) -والّذي دمج مع تفسير القمي-، وإنّه ممن روى عنه عدّة من أصحاب الإجماع ومن الثقات الأجلاء، ومنهم ابن المغيرة-كما في طريق هذه الرواية- ومجمل ذلك إن لم يفد الوثاقة في اللهجة فلا أقل من الوثوق بالصدور(41).
ويرد على (ألف) عدم انطباق تلك الأوصاف على مثل أبي الجارود، فليس مشمولاً بالتوثيق، على أنّه قد ذمّ وإن لم يُستفد من الذمّ نفي الوثاقة.
ويرد على (باء) أنّ عدم الاستثناء وإن كان كاشفاً على اعتماد ابن الوليد على منْ لم يستثنه، فثبت وثاقته كما هو المختار(42) إلا أنّ ذلك مختصٌّ بمن يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى لا بواسطة، وفي رواية مقامنا قد روى عن أبي الجارود بواسطتين، فلا يكون مشمولاً للكبرى المتقدّمة.
ويرد على (جيم) أنّ دلالة عبارة ابن قولويه (رحمه الله) فيما يرجع إلى غير مشايخه على خلاف المدّعى أدلَّ لمن تأمّل، وقد يكون لنقل العبارة منقوصة دخلٌ في توهّم توثيقه لسائر الرواة، فقد نقلها البعض كالتالي: "لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا(رحمهم الله برحمته)، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم" بإسقاط(عن) متوسطة بين(عنهم) و(المذكورين)"(43).
ويرد على (دال) عدم الثقة بكون ديباجة تفسير القمي المشتملة على عبارة التوثيق من نفس القمي (رحمه الله).
ويرد على (هاء) أنّه ما لم تبلغ الرواية عنه حدّ الشهرة عند المحدّثين أو يشتهر كتابه أو يكون من عليّة شيوخ الإجازة لا يعود من معاريف الطائفة، وأبو الجارود ليس كذلك.
ويرد على (واو) أنّ دعوى إفادة تلك الأمور للوثوق بصدق الرواية عهدتها على مدّعيها.
الوجه الرابع: الروايات العامّة أو مجموعها:
وهي جملة من الروايات أوردها الشيخ الحرّ (رحمه الله) في صوم الرسائل، وقد استفيد منها -بعد ضمّ بعضها للبعض الآخر بمعاضدة روايتي أبي الجارود المتقدّمتين- وجوب متابعة حكم السلطان والقضاة من المخالفين، وأنّ المتابعة لهم من حيث هي موضوع لجواز بل وجوب الصوم والإفطار والإضحاء، من غير فرق بين فرض عدم العلم بالخلاف وفرض العلم به بلا إيجاب قضاء، وأنّه حكم واقعي ثانوي حاكم على أدلّة الأحكام الأوليّة(44).
الرواية الأولى: صحيحة عيسى بن أبي منصور أنّه قال: «كنتُ عند أبي عبدالله (عليه السلام) في اليوم الذي يُشكُّ فيه، فقال: يا غلام، اذهب فانظر هل صام الأمير أم لا؟ فذهب ثمّ عادَ، فقال: لا، فدعا بالغداء فتغدّينا معه»(45).
ولكنّها لمّا كانت تحكي عملاً خارجياً صدر من الإمام (عليه السلام) فلا إطلاق لها -كما اعترف بذلك المستدل(46)- لفرض ما سوى التقيّة أو الشك في الخلاف.
الرواية الثانية: صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة.
ويتوجّه عليها:
أولاً: أنّ الصوم معهم في اليوم الثاني ليوم الشك لا لموضوعيّة لصومه معهم، بل لأنّه من شهر رمضان جزماً.
وثانياً: ما تقدّم من عدم تسليم كون المراد بالناس فيها غير الشيعة، بل المراد بهم فيها عموم المسلمين.
الرواية الثالثة: صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كان شهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر بإفطار ذلك اليوم، وأخّر الصلاة إلى الغد، فصلّى بهم»(47).
بتقريب أنّها -بعد إرادة مطلق منْ بيده الحكم من لفظ الإمام- تدلّ على أنّ شهادة الشاهدين عند الحاكم برؤية الهلال منذ ثلاثين يوماً يكفي في الإفطار والمتابعة، وبإطلاقها تشمل صورتي التقيّة والعلم بالخلاف، وبإطلاقها المقاميّ تدلّ على الإجزاء من دون القضاء.
ويُلاحظ عليه أنّ منصرفها الحاكم بالحقّ ولو لما تشمل عليه من تحديد وظيفة الإمام.
كما يتوجّه على هذا الوجه برواياته الثلاث ما تقدّم من قيام سيرة المتشرّعة منّا على مباينة أهل الخلاف في إثبات هلال شهري رمضان وشوال.
ومن تلك الروايات ما في رسالة المحكم والمتشابه للمرتضى (رحمه الله) -نقلاً عن تفسير النعماني- بإسناده عن علي (عليه السلام) -في حديث- قال: «وأما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار فإنّ الله نهى المؤمن أن يتخذ الكافر ولياً، ثم منَّ عليه بإطلاق الرخصة له- عند التقيّة في الظاهر- أن يصوم بصيامه، ويفطر بإفطاره، ويصلّي بصلاته، ويعمل بعمله، ويظهر له استعمال ذلك، موسّعاً عليه فيه، وعليه أن يدين الله في الباطن بخلاف ما يُظهر لمن يخافه من المخالفين»(48).
وروايات ثلاث تتكفّل -على الظاهر- الحكاية عن واقعة واحدة، وهي كالتالي:
مرسلة داوود بن الحصين عن رجل من أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: «وهو بالحيرة في زمان أبي العباس: إنّي دخلت عليه وقد شكّ الناس في الصوم، وهو والله من شهر رمضان، فسلّمت عليه، فقال: يا أبا عبدالله، أصمت اليوم؟ فقلت: لا، والمائدة بين يديه، قال: فادن فكل، قال: فدنوت فأكلت، قال: وقلت: الصوم معك والفطر معك، فقال الرجل لأبي عبدالله (عليه السلام): تُفْطرُ يوماً من شهر رمضان؟! فقال: إي والله، إن أُفْطرُ يوماً من شهر رمضان أحب إليَّ من أن يُضرب عنقي»(49).
ومرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبدالله، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك إلى الامام، إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام، عليَّ بالمائدة، فأكلتُ معه وأنا أعلم والله أنَّه يومٌ من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر عليَّ من أن يُضرب عنقي ولا يعبد الله»(50).
ورواية خلاّد بن عمارة قال: «قال أبو عبدالله (عليه السلام): دخلت على أبي العباس في يوم شكٍّ وأنا أعلم أنّه من شهر رمضان وهو يتغدَّى، فقال: يا أبا عبدالله، ليس هذا من أيامك؟ قلت: لِمَ يا أمير المؤمنين؟ ما صومي إلا بصومك، ولا إفطاري إلا بإفطارك، قال: فقال: ادنُ، قال: فدنوت فأكلتُ وأنا أعلم أنّه من شهر رمضان»(51).
وقد أضاف المستدل بهذه الروايات الواردة مورد التقيّة أنّها لا تصلح لتقييد تلك الأخبار المطلقة من تلك الجهات(52).
ويُلاحظ عليه أنّه وإن لم يكن بين الطائفتين من الروايات تنافٍ يؤذن بحمل المطلق على المقيّد، إلا أنّه لا ملازمة بين جواز أو وجوب الإفطار وبين الإجزاء وعدم لزوم القضاء، بل مرسلة رفاعة دالّة على لزوم القضاء.
ثمّ لو قطعنا النظر عن ضعف سند غالب تلكم الروايات العامّة وعمّا سجّلناه من ملاحظات على دلالتها أجمع- إلا أنّ التعدّي عن موردها وهو الصوم والإفطار إلى غيره كالوقوف والتضحية مما يحتاج إلى قرائن أوضح سيما في فرض غير التقيّة أو مع العلم بكون وقوف العامّة مخالفاً للواقع، بل متابعتهم في أمر الصوم والإفطار في غير فرض التقية ممنوع على ما تقدّم.
الوجه الخامس: سيرة المتشرّعة:
تقدّم في ذيل الوجه الأوّل أنّ نفس عدم أمر الأئمّة (عليه السلام) بالقضاء والإعادة في الموارد التي يعمُّ الابتلاء بها كافٍ في الحكم بالصحّة، هذا وفي كلماتهم أنّ مقامنا من صغريات هذه الكبرى؛ فإنّ الوقوف في عرفات في مورد الشك وعدم القطع بالخلاف مما كثر الابتلاء به ما يقرب من مائتين وعشرين سنة، وذلك من سنة 41هـ (سنة شهادة الأمير (عليه السلام)) حتى سنة 260هـ (سنة شهادة العسكري (عليه السلام))، وأمر إثبات الهلال طوال تلك المدّة بأيدي العامّة وحكّامهم وقضاتهم، ولم يكن حكمهم به مبنيّاً على الدقّة وتحقيق حال الشهود عدالة وضبطاً وعدداً، ولم يعهد من الأئمّة (عليه السلام) -ولو في رواية ضعيفة- أمرهم بالوقوف في اليوم الآخر، والحال أنّه ممكن ولو للآحاد ولبرهةٍ يسيرة.
ولا يجري استصحاب عدم دخول يوم عرفة مع وجود هذه السيرة القطعية المستفاد منها الإجزاء والصحّة.
وقد اعترض على الاستدلال بالسيرة بعدّة اعتراضات:
الأول: أنّ للسيرة المذكورة قدراً متيقّناً وهو موارد عسر إعادة الحجّ كما في الأزمنة القديمة التي كان السفر يستدعي تكلّفاً كثيراً وزماناً طويلاً عادة(53).
ويُلاحظ عليه أنّه -بعد تيسّر الحج لمرّات كثيرة جداً في حقّ الكثيرين في تلك الأزمان كما يشهد بذلك النقول الكثيرة- يحرز سعة معقد السيرة لما يعمّ غير موارد عسر إعادة الحجّ وأنّ المتلقّى يداً بيدٍ عن المعصوم (عليه السلام) من ارتكاز عدم الإعادة لا يقف عند موارد عسر الإعادة.
الثاني: ما أفاده أحد الأعلام (قدِّس سرُّه)(54) من أنّه لو سلِّم أنّ الأئمّة (عليه السلام) لو أمروا بالوقوف في اليوم الأخر أو الإعادة من قابل لوصل إلينا قطعاً إلا أنّ من المحتمل عدم تحريج العامّة من عدم الوقوف معهم فكان كلٌّ يعمل بوظيفته من غير احتياط، فمن كان يرى أنّه يوم عرفة يقف فيه، والذي يراه يوم التروية يؤخّر وقوفه إلى الغد سواءً كان من العامّة أو الخاصّة، وأنّ الاختلاف لا يرجع إلى المذهب بل إلى تشخيص الموضوع.
ويرد عليه أنّه لمّا كان لأمير الحاجّ موقفٌ كما يظهر مما يروونه عن النبي (صلَّى الله عليه وآله): «إنّما الأضحى يوم يُضحّي الإمام وجماعة الناس»(55)، فمع مخالفة الشيعة لهذا الموقف ينقل ذلك لا محالة لتظافر الدواعي على نقله.
ويرد على ما أُفيد أولاً بأنّه على تقدير المخالفة فلن تكون لمرّة أو لمرّات محدودة بل ستتكثّر المخالفة ولا محالة سيصلنا نقل ذلك.
الثالث: ما أفاده أحد أعلام العصر (دام ظله) في محاضراته حول التقيّة(56)من أنّه لا شاهد على كون الطريقة المتّبعة لإثبات الهلال من قبل السلطات الحاكمة في عصر المعصومين (عليهم السلام) هي نفسها الطريقة المتّبعة في ذلك من قبل الجهات الرسمية في العصر الحاضر التي تتّبع مذهب ابن حنبل وأتباعه القائلين بثبوت هلال شهر رمضان بشاهد واحد وهلال سائر الشهور بشاهدين وإن كانت السماء صاحية واستهّل جمع غفير ولم يدّع الرؤية غير واحد أو اثنين، بل يكتنف ثبوته في هذا العصر بملابسات أخرى أيضاً لا تخفى.
ثمّ أخذ (دام ظله) في عرض جملة من شواهد التشدّد في إثبات الهلال في العصرين الأموي والعبّاسي، وهي:
أولاً: ما حكي من أنّ سالم بن عبدالله بن عمر -وكان يُعدُّ من كبار فقهائهم بالمدينة- ذهب بجمعٍ شهدوا برؤية الهلال إلى إبراهيم بن هشام المخزوميّ أمير الحاج في عام 105هـ، فلم يقبلهم، فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم ثمّ دفع، فلما كان اليوم الثاني وقف مع الناس(57).
وثانياً: ما هو المعلوم في عصر المنصور والرشيد من عهدهما بمنصب القضاء إلى أبي يوسف، وقد كان مذهبه في ثبوت الهلال أنّه متى كانت السماء صاحيةً فلا تقبل الشهادة برؤيته إلا من جماعة يقع العلم للقاضي بشهادتهم، وقَدَّر عددهم بعدد القسامة خمسين رجلاً.
وثالثاً: ما تضمّنته مرسلتا داود ورفاعة ورواية خلاّد بن عمارة -وقد تقدّمت جميعاً- من حكاية لقاء الإمام الصادق (عليه السلام) للخليفة أبي العبّاس السفّاح في الحيرة في يوم الشكّ من شهر رمضان، وكان أول الشهر عند الإمام (عليه السلام)، حيث دعاه للأكل فأفطر تقيّة.
ثمّ أقام (دام ظله) شاهداً على عدم اتفاق المخالفة كثيراً، وهو عدم ورود ذكر لهذه المخالفة ولو في رواية ضعيفة مع أنّها متعلّقة بجملة من أهم مناسك الحجّ، وهي الوقوفان وأعمال منى، مع ما عرف من حال الشيعة من الغضاضة في اتّباع غيرهم في الأمور الشرعية والاجتزاء بما يؤدّى معهم من العبادات، كما يظهر من نصوص صلاة الجماعة خلفهم رغم عدم الإخلال بركن من الصلاة.
وانتهى إلى رفض كون مقامنا من صغريات تلك الكبرى المتقدّمة، وأن لا شاهد على ما ادّعي من مخالفة الوقوف الرسمي في عرفات والمزدلفة يومذاك لما تقتضيه الموازين الشرعية في أكثر السنوات.
ويتوجّه عليه فيما أفاده من عدم كثرة الاختلاف بين الخاصّة والعامّة في دخول الشهر أنّ اعتماد أمير الحاجّ المنصوب من قبل الخليفة على القسامة في إثبات الهلال في فرض صفاء الجو لا يحدّ من الاختلاف بيننا وبينهم ما لم يعتمد على الشياع المفيد للاطمئنان به ولو لاكتفائهم في فرض اعتلال السماء المتكرّر في فصول الشتاء بالشاهد الواحد أو الشاهدين.
ثمّ إن من الجائز اعتماد أمير الحاجّ على مسلك منْ يكتفي في إثبات الهلال بشاهدين مع كون السماء صافية وعدم شهادة غيرهما رغم كثرة المستهلّين كمسلك ابن حنبل؛ لتعارف هذا المسلك وسهولة الأخذ به فينشأ عنه عادةً مخالفة العامّة فضلاً عن الخاصّة؛ فإنّه يتعارض عادة مع الأمارات العقلائية على الخلاف كعسر رؤيته في الليلة الثانية وقلّة مكثه في الأفق ونحو ذلك، على أنّ منشأ الاختلاف لا ينحصر في الكبرى وهو الميزان الشرعي، بل قد يقع الاختلاف لعدم الالتزام بالموازين الشرعية لدواعٍ مختلفة.
ويتوجّه عليه فيما ساقه من شواهد على تشدّد العامّة في إثبات الهلال، أمّا رفض أمير الحاج شهود سالم بن عبدالله فلعلّه لعدم اعتداده به أو جرحه لشهوده، فلا يتعيّن سبب الرفض في هذه القضية الخارجية في عنصر التشدّد.
وأمّا تقليد أبي يوسف منصب القضاء فلا يعني إناطة إثبات هلال ذي الحجّة به؛ فإنّ سيرة الخلفاء على نصب أمير للحجّ غير من هو منصوب للقضاء، على أنّ عدم الاكتفاء بما دون الخمسين شاهداً في فرض صحو السماء يؤْذن بالاختلاف بأن يثبت عندنا ولو بالشياع المورث للاطمئنان ولا يثبت عندهم، كما أنّ اكتفائهم بشاهد في فرض اعتلال السماء -وهو فرض غير نادر- مما يؤذن بالاختلاف أيضاً.
وأمّا عدم بناء السفّاح على كون ذلك اليوم من شهر رمضان فلا يعني تشدّد العامّة في إثبات الهلال؛ إذ لعلّ منشأ علم الإمام (عليه السلام) بدخول شهر رمضان هو رؤيته لهلاله أو اطمئنانه به من دون وفرة شهود.
ويتوجّه عليه فيما أقامه من شاهد على عدم اتفاق المخالفة بكثرة، وهو عدم ورود ذكر لهذه المخالفة ولو في رواية ضعيفة- بأنّّ من المحتمل كون الوقوف معهم أمراً مسلّماً ومفروغاً عنه عند الشيعة، بل ذلك هو الظاهر؛ إذ لا يحتمل حصول الاطمئنان بدخول الشهر لدى كلّ شيعي في كلّ عام لما يزيد عن مائتي سنة؛ فإنّ العادة قاضية بتخلّف الاطمئنان لدى جمع معتدّ به، وكون ذلك مورداً للسؤال-لولا إمضاء الوقوف مهم-، وكلّ هذه الإجابات مستفادة من محضر درس سماحة السيّد الأستاذ (سلّمه الله) في فقه الحج.
فتحصّل أنّ قيام السيرة على الوقوف معهم مع كثرة الاختلاف أمر قطعي فيستكشف من عدم التخطئة -ولو في رواية واحدة- إمضاء السيرة.
حكم فرض القطع بالمخالفة:
وحيث إنّ السيرة دليل لبّي فالقدر المتيقّن منه فرض الشكّ في مطابقة حكم حاكم العامّة للواقع، ولمّا كان فرض القطع بالمخالفة فرضاً نادراً فلا يحرز معه جريان السيرة على الاجتزاء بالوقوف معهم.
ولكن قد يُقال:
أولاً: بجريان سيرة الأئمّة (عليه السلام) وخواص أصحابهم على الاجتزاء بالوقوف معهم مع كثرة الاختلاف وعلم الأئمّة (عليه السلام) عادةً بدخول الشهر وعدمه، ممّا يؤكّد الاجتزاء الوقوف معهم حتى في فرض إحراز الخلاف.
وثانياً: إنّه يظهر من عدم السؤال عن ذلك منهم (عليه السلام) في طول تلك الحقبة أنّ الإجزاء كان مرتكزاً في الأذهان حتى في فرض إحراز الخلاف؛ فإنّ واقع إثبات الهلال من قِبَل حكام العامّة وقضاتهم إن كان مبنياً على التساهل والمسامحة فهو يؤْذن باتفاق العلم بكون يوم عرفة عندهم هو يوم التروية مكرّراً ولو عند الإمام (عليه السلام) أو آحاد الأصحاب، وإن كان واقع الإثبات لديهم مبنياً على التشدّد فهو أيضاً يؤْذن باتفاق العلم يكون يوم عرفة عندهم يوم النحر كذلك.
فتحصّل أنّ الوقوف مع العامّة مجزٍ مطلقاً.
اتفق الفراغ من تسويد هذه الأسطر يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان المعظّم 1434هـ، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلّى الله على محمدٍ وآله.
ملحق: في وثاقة مــشــايــخ ابــن يــحــيــى
يظهر من استثناء ابن الوليد (رحمه الله) لبعض مشايخ ابن يحيى (رحمه الله) كون ابن الوليد يعتمد على روايات من لم يستثنهِ من أولئك المشايخ ويحكم بصحّتها، إلا أنّ السيد الخوئي (قدِّس سرُّه) اعترض على هذا الاعتماد والتصحيح بأنّه لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه؛ لاحتمال أن يكون ابن الوليد الحاكم بالصحّة قد اعتمد على أصالة العدالة ويرى حجية كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق(58).
وقد جرت محاولات لدفع هذا الاعتراض:
أحدها: ما فهم من ذيل كلام أبي العباس ابن نوح في تعليقه على الاستثناء: "وقد أصاب شيخنا ابن الوليد في ذلك كلِّه وتبعه.. ابن بابويه.. على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة"، فإنّه يفهم من قوله (لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة) أنّ ابن نوح وابن الوليد والصدوق يعتبرون الوثاقة في الراوي(59).
ويتوجّه على هذه المحاولة أنّ أقصى ما يُستفاد من العبارة أنّ ابن الوليد يكتفي بالوثاقة والعدالة الظاهرتين، ومعه فكيف لم يقبل بروايات محمد بن عيسى بن عبيد؟! وهذا لا ينفي احتمال اكتفائه بعدالة الراوي ولو بأصالتها.
ثانيها: أنّ ابن الوليد قد استثنى من روايات ابن يحيى ما جاء فيها هذا التعبير (عن بعض أصحابنا) فلو كان ابن الوليد يعتمد أصالة العدالة في الحكم بالصحّة لاكتفى بشهادة ابن يحيى بكون الراوي مؤمناً بعد ضمِّ أصالة عدالته، ولما استثنى مثل هذه الروايات(60).
ثالثها: ما يُستفاد من عبارة الشيخ (قدِّس سرُّه) في العدّة: 366 من أنّ المدار في التصحيح على وثاقة الراوي عند علماء الطائفة، فيدخل فيهم مثل الصدوق (رحمه الله) فيدل استثناؤه تبعاً لأستاذه على عدم اعتماده في التصحيح على أصالة العدالة(61).
ولا يرد عليه ما ذكره أحد الأجلاء(سلّمه الله) من أنّ ذلك لا ينفي اعتمادهم على أصالة العدالة في الحالات التي لا يُوصلهم البحث إلى حال الراوي(62)؛ فإنّ ظاهر عبارة العدّة أنّ التعاطي مع الرواة من قِبَل الطائفة قائمٌ على توثيق الثقاة وتضعيف الضُعفاء، لا البناء على توثيق منْ لا يُعْلم وثاقته وعدالته بأصالة العدالة.
رابعها: لو كان المناط في التصحيح هو أصالة العدالة لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق أو تضعيف شيخه ابن الوليد؛ إذ أنّ نسبة الأصل إلى الأستاذ والتلميذ واحدة(63).
ويتوجّه عليها بأنّ هذا الكلام إنّما يتأتّى لو كان المناط على الأصل وفقط أما لو كان المناط شاملاً لناتج الأصل والتوثيقات غير المعتمدة عليه فلا مجال له.
خامسها: أنّه ليس في المتقدِّمين ولا الشيخ الطوسي ولا العلاّمة الحلّي من يبني على أصالة العدالة بمجرّد عدم إحراز الفسق من دون ضميمة أمارات على الوثاقة(64)، كأن يكون من المعاريف ولم يرد منه قدح، وعلى تقدير وجود من يقول بأصالة العدالة فلو كان ابن الوليد (رحمه الله) ممن يقول بها لكان من المتفرّدين بالقول بها، ولكان ذلك من دواعي نقله عنه بعد كونه من علية القوم.
فالمتحصَّل تماميّة بعض هذه المحاولات، فالمختار وثاقة غير المستثنى من مشايخ ابن يحيى.
* الهوامش:
(1) مسالك الأفهام2: 391.
(2) جواهر الكلام19: 32.
(3) هداية الناسكين من الحجّاج والمعتمرين من رسالة نجاة العباد: 187، ط مؤسسة فقه الثقلين الثقافية 1427هـ.
(4) مستمسك العروة الوثقى 2: 402، 403، 406،، 8: 320.
(5) الرسائل العشرة (التقيّة):46-56.
(6) رسائل فقهية – رسالة في التقية-= تراث الشيخ الأعظم 23: 77، 90.
(7) وسائل الشيعة 16: 215-25 من أبواب الأمر والنهي ح3.
(8) وسائل الشيعة 16: 215-25 من أبواب الأمر والنهي ح5.
(9) وسائل الشيعة 16: 210،236 ب من أبواب الأمر والنهي ح24-32 من نفس الأبواب ح6.
(10) وسائل الشيعة 16: 204- 24 من أبواب الأمر والنهي ح4.
(11) مستمسك العروة الوثقى 2: 402.
(12) الرسائل العشرة (التقيّة):55.
(13) وسائل الشيعة 16: 207 ب 24 من أبواب الأمر والنهي ح15.
(14) وسائل الشيعة16: 214 ب 25 من أبواب الأمر والنهي ح2.
(15) الرسائل العشرة (التقيّة): 46، 47.
(16) سورة البقرة: 275.
(17) وسائل الشيعة 16: 216 ب25 من أبواب الأمر والنهي ح3.
(18) رسائل فقهية (رسالة في التقيّة)= تراث الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) 92:23.
(19) الرسائل العشرة (التقيّة):49.
(20) وسائل الشيعة 18: 443 ب3 من كتاب الصلح ح2.
(21) وسائل الشيعة23: 224 ب12 من كتاب الأيمان ح2.
(22) انظر: رسائل فقهية (رسالة في التقيّة)= تراث الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) 93:23، الرسائل العشرة (التقيّة):49، 50.
(23) وسائل الشيعة 3: 493 ب5 من أبواب النجاسات ح11.
(24) رسائل فقهية(رسالة في التقيّة) تراث الشيخ الأعظم (قدِّس سرُّه) 80:23.
(25) الفقه على المذاهب الأربعة ج1: 306 ط المكتبة العصريّة صيدا 2012م.
(26) مستمسك العروة الوثقى2: 408.
(27) البقرة:185.
(28) المكاسب للشيخ الأنصاري 3: 85.
(29) انظر للمزيد حول القاعدة: سند العروة الوثقى(الطهارة 3) 4: 395، سند العروة الوثقى(الحجّ)4: 89- 91، ملكية الدول الوضعية: 127-134.
(30) وسائل الشيعة14: 37 ب23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
(31) وسائل الشيعة14: 37 ب23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
(32) وسائل الشيعة10: 133 ب57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح7.
(33) انظر: سند العروة الوثقى(الحجّ4):82، 83.
(34) كتاب الحجّ، تقرير بحث السيّد محمود الحسيني الشاهرودي (رحمه الله)، بقلم الشيخ محمد إبراهيم الجنّاتي 3: 339، 340.
(35) كما في نقلي الشيخ والحميري (رحمهما الله) بينما (فليفطر) في نقل الصدوق (رحمه الله).
(36) وسائل الشيعة10: 260 ب 4 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1.
(37) وسائل الشيعة10: 293 ب 12 من أبواب أحكام شهر رمضان ح4.
(38) سنن الترمذي2: 148 ح 779.
(39) انظر: المعتمد في شرح المناسك(الحج4)= موسوعة الإمام الخوئي (قدِّس سرُّه) 196:29.
(40) انظر: أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق 1: 222، 245.
(41) انظر : سند العروة الوثقى(الحجّ4): 82.
(42) في آخر هذه الرسالة ملحق يتضمّن إثبات كبرى وثاقة من لم يستثنه ابن الوليد (رحمه الله) من مشايخ صاحب النوادر (رحمه الله).
(43) انظر: مشايخ الثقات للشيخ غلام رضا عرفانيان (رحمه الله).
(44) كتاب الحجّ، تقرير بحث المحقّق الداماد (رحمه الله)، بقلم الشيخ الجوادي الآملي (دام ظلّه) 3: 78، 79.
(45) وسائل الشيعة 10: 131 ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1.
(46) كتاب الحجّ 3: 71.
(47) وسائل الشيعة 10: 275 ب 6 من أبواب أحكام شهر مضان ح1.
(48) وسائل الشيعة10: 133 ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح8.
(49) وسائل الشيعة10: 131 ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح4.
(50) وسائل الشيعة10: 132 ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح5.
(51) وسائل الشيعة10: 132 ب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح6.
(52) كتاب الحجّ 3: 79.
(53) انظر المبسوط في فقه المسائل المعاصرة (الحجّ والعمرة2)4: 426.
(54) كتاب الحجّ، تقرير بحث السيّد محمود الحسيني الشاهرودي (رحمه الله) بقلم الشيخ محمد إبراهيم الجنّاتي 3: 336.
(55) انظر مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي 1، 2: 602.
(56) انظر مناسك الحجّ وملحقاتها للسيّد السيستاني (دام ظله): 228 س7، ط1430هـ.
(57) المحلّى لابن حزم 7: 192.
(58) معجم رجال الحديث1: 71، 15، 51.
(59) أصول علم الرجال: 65.
(60) دراسة حول مشايخ ابن يحيى: 21، 22، 24.
(61) أصول علم الرجال66 – 68.
(62) دراسة حول مشايخ ابن يحيى: 22.
(63) كليات في علم الرجال: 295.
(64) بحوث في مباني علم الرجال: 139.
0 التعليق
ارسال التعليق