لا شك أنّ الدين الإسلامي قد شرع أحكاما وقوانين كثيرة، لكي تنتظم حياة البشر ويسير الإنسان للكمال الذي هو الغاية من خلقه، فأوجب أمورا منها الصلاة التي هي عمود الدين والصيام والزكاة والحج وغيرها، لما فيها من مصلحة للإنسان، كما جاء في خطبة الزهراءj: >... ففرض الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً من الكبر والزكاة زيادةً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تسليةً للدين، والعدل مسكاً للقلوب، والطاعة نظاماً للملة، والإمامة لمّاً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام والصبر معونةّ على الاستيجاب، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقايةً عن السخط، وصلة الأرحام منماةً للعدد، والقصاص حقناً للدماء والوفاء للنذر، تعرضاً للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين تغييراً للبخسة<[1]، ونهى عن أمور منها الغيبة وشرب الخمر والكذب وغيرها رعاية لمصلحتهم، كما جاء في خطبتهاj، في المصلحة من النهي عن بعض الحرمات: ... >تعرضاً للمغفرة، وتوفيةَ المكائيل والموازين تغييراً للبخسة، واجتناب قذف المحصنات حجباً عن اللعنة، واجتناب السرقة إيجاباً للعفة، ومجانبة أكل أموال اليتامى إجارةً من الظلم، والعدل في الأحكام إيناساً للرعية، وحرم الله a الشرك إخلاصاً للربوبية<[2]، وهناك أمور حثّ الشارع المقدس على الإتيان بها ولم يوجبها، وهي ما تسمى بالمستحبات، وأمور حث على تركها ولم يحرمها، وهي المكروهات، فالأخيران لكمال الإنسان، فمن يسعى للكمال ويطمح له فمن بوابة المستحبات والمكروهات يبدأ، كيف لا وهي سياج الواجبات والمحرمات.
من أهم المستحبات التي أكد عليها الشارع وحث عليها حثاً شديداً، صلاة الجماعة إلى درجة أنّه وردت روايات في ذم تاركها منها، ما نقل عن الأميرg: >من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له<، لما لها من آثار دنيوية على الفرد والمجتمع، وأخروية بلحاظ الثواب المذكور في الروايات لمصليها، فيما نقل عن النبيe: >ألا ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وإنّ مات وهو على ذلك وكل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره، ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرونه له حتى يبعث<[3]، فما أعظمه من أجر!، أشير في هذا البحث -إن شاء الله تعالى- إلى أهمية وفضل صلاة الجماعة من الروايات الشريفة، وأسلط الضوء على أهم أسباب العزوف عنها، والحلول المقترحة لإقبال الناس عليها، وكيفية استثمارها لتقوية جبهة المسلمين ضد أعداء الدين.
فضل صلاة الجماعة
إنّ ما جاء في الروايات في فضل صلاة الجماعة، يقف متعجباً متسائلاً: أكلّ هذا لمصلي الجماعة!، ليكن سرعان ما يزول العجب، عندما ينظر أنّه من خالق كريم، ومن أهم فوائد وثمرات صلاة الجماعة:
1ـ مضاعفة الثواب
كم نحتاج -عزيزي القارئ- ثوابا وحسنات حتى نتجاوز عقبات منازل الآخرة؟ فهذه الدار دار تزود {وَتَزَوَّدُواْ فإنّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[4]، ودار عمل فكم يحتاج المؤمن من زاد لطول السفر وبعده، فعن الأميرg: >آه! من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، وعظيم الموردالصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة، تكون خمسة وعشرين صلاة<[6]، وعن النبيe: >إنّ صفوف أمتي كصفوف الملائكة في السماء، والركعة في الجماعة أربع وعشرون ركعة، كل ركعة أحب إلى الله من عبادة أربعين سنة<[7].
2ـ استحالة إحصاء ثوابها من الخلق
لأنّ كانت بعض العبادات قد ذكر ثوابها في الروايات الشريفة، إلا صلاة الجماعة في حالة من الحالات وهي فيما لو زاد عدد المصلين على العشرة، فإنه لا يحصي ثوابها إلا الله تعالى، فأي ثواب هذا وأي تجارة هذه! وهل يوجد تجارة مضمون ربحها كهذه؟، ففي الحديث عن النبيe: >أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك، بعد صلاة الظهر، فقال: يا محمد إنّ ربك يقرأك السلام، وأهدى إليك هديتين، لم يهدهما إلى نبي قبلك، قلت: ما الهديتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات، والصلاة الخمس في جماعة، قلت: يا جبرئيل وما لأمتي في الجماعة؟ قال: يا محمد إذا كانا اثنين، كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة.
وإذا كانوا ثلاثة، كتب الله لكل منهم بكل ركعة ستمائة صلاة، وإذا كانوا أربعة، كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا خمسة، كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا ستة، كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، وإذا كانوا سبعة، كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة، وإذا كانوا ثمانية، كتب الله تعالى لكل واحد منهم، تسعة عشر ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا تسعة، كتب الله تعالى لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا عشرة، كتب الله تعالى لكل واحد بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة، فإنّ زادوا على العشرة، فلو صارت بحار، السماوات والأرض، كلها مداداً، والأشجار أقلاماً، والثقلان مع الملائكة كُتاباً، لم يقدروا أنّ يكتبوا ثواب ركعة واحدة.
يا محمد، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام، خير له من ستين ألف حجة وعمرة، وخير من الدنيا وما فيها، سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الإمام، خير من مائة ألف دينار، يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام، في جماعة، خير من عتق مائه رقبة<[8].
3ـ الظن الحسن
من ثمرات صلاة الجماعة أنّ مصليها يكون بين الناس حسن الظن، فكم من الناس يصرف من أمواله -خصوصا الحكام-، أو يرائي بل قد يعصي الله أحيانا باغتيابه غيره وتسقيطه كي يحسن الظن به، إلا أنّه هناك طريق سهل لجلب حسن الظن، ألا وهو صلاة الجماعة، فتجعل الناس يظنوا بك خيراً بل كل خير، فعن أبي جعفرg: >من صلّى الصلوات الخمس جماعة، فظنوا به كل خير<[9].
4ـ قبول الشهادة
فكأنّ صلاة الجماعة تعطي من يواظب عليها صك عدالة وولاية، ومن المعلوم أنّ بعض الأحكام الشرعية تتوقف إقامتها على الشهود، وليس أي شاهد تقبل شهادته، فإذا كان مؤمناً عادلاً تقبل الشهادة منه، وصلاة الجماعة أحد الطرق في كشف من تقبل شهادته، فعن ًءالإمام الصادقg: >من صلى الصلاة في جماعة فظنوا به كل خير، واقبلوا شهادته<[10].
5ـ 6 ـ الأنس في القبر والاستغفار للميت إلى أنّ يبعث
من المسائل التي تذكر في تهذيب النفس هي تذكر الموت، لأنّه إذا تذكر الموت تذكر نزوله في قبره وحيداً، ولا أحد معه لا أبوه ولا أمه ولا زوجه ولا أولاده ولا أصدقاؤه ولا..، سوى رحمة الله، ففي دعاء أبي حمزة >وتحنن علي محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجد علي منقولاً قد نـزلت بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك يا سيدي فإنّك إنّ وكلتني إلى نفسي هلكت<[11]، فإنه يفكر ما العمل الذي ينفعه من أعمال حسنة، ففي قبره كم يحتاج الإنسان إلى من يؤنسه ويرفع خوفه ووحشته، وكم يحتاج من يدعو له ويستغفر له، ففي القبر حساب ولا عمل إلا من ثلاث، أحدها الصدقة الجارية، وصلاة الجماعة هي بمثابة الصدقة الجارية فتستغفر له، وهي التي ترفع عنه وحشته وتدخل عليه الأنس في قبره، فعن النبي(e): >من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة، كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإنّ مات وهو على ذلك، وكّل الله به سبعين ألف ملك، يعودونه في قبره ويبشرونه ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يبعث<[12].
7ـ 8ـ البراءة من النار والنفاق
ولكي ندرك أهمية ذلك، لا بد من بيان أمر، وهو أنّه توجد محطات عبادية طوال العام، إلا أنّه من أهم تلك المحطات الأشهر الثلاثة، شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان، وأهمها شهر رمضان، فكأنّ ثمار شهري رجب وشعبان تقطف في شهر رمضان، ومما يلاحظ في الأدعية المنسوبة لأهل بيت العصمةi، التركيز على الطلب من الله العتق من النار، إنّ دل على شيء فإنّما يدل على عظم هذا الدعاء والطلب، والأمر الآخر هو البراءة من النفاق، ومن الواضح أنّ المنافقين في القرآن ملعونون، فمن واظب على صلاة الجماعة، أربعين يوماّ مدركاً التكبيرة الأولى فقد نال البراءة من النار ومن النفاق، فعن النبيe: >من صلى أربعين يوما في الجماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتب الله له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق<[13].
9ـ تخفيف أهوال يوم القيامة
يوم القيامة له مواقف مهولة، منها موقف الميزان ووزن الأعمال {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[14]، وموقف الحساب {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ}[15]، وموقف نشر الصحف، فالإنسان في ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}[16]، بأمس الحاجة إلى من يخفف عليه أهوال ذلك اليوم، إنّ صلاة الجماعة تخفف عن مصليها أهوال يوم القيامة، فعن النبيe في جوابه عن أسئلة نفر من اليهود: >... فأما يوم الجمعة، فيجمع الله فيه الأولين والآخرين للحساب، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة، إلا خفف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثم يأمر به إلى الجنة<[17].
10ـ قضاء الحوائج
فعندما يصلي العبد في جماعة، فالله يستحي أنّ يرد مصليها بغير قضاء حاجته، فصلاة الجماعة من أبواب الحوائج، فعن النبيe: >إنّ الله يستحي من عبده إذا صلى في جماعة ثم سأله حاجته أنّ ينصرف حتى يقضيها<[18].
11ـ تقوية وتوثيق أواصر المحبة والروابط الإجتماعية بين المؤمنين
فعندما يواظب المؤمنون عل صلاة الجماعة يكونون كالأسرة الواحدة بل أشد قرباً ومحبة، لأنّهم يتلاقون معاً في ثلاثة أوقات على الأقل في اليوم، وربما لا تجد ذلك التلاقي بين الإخوان الذين "هم" من أم واحدة، ففي صلاة الجماعة يتفقد المؤمنون بعضهم بعضاً عند غياب بعضهم، ويتزاور بعضهم بعضا، خصوصا إذا ابتلي أحدهم بمرض، فتجد المواظبين على صلاة الجماعة يقفون مع بعضهم في الشدائد، فيشارك بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان، كل هذا وأكثر ببركة صلاة الجماعة التي جمعتهم على الخير والطاعة، فصلاة الجماعة ليست عبادة وحسب، بل هي مدرسة للتواصل والتحآبّ والتوآدّ بين المؤمنين.
12ـ إدخال الرعب في قلوب الأعداء
عندما يواظب المؤمنون على حضور صلاة الجماعة، فإنّ هيئة المؤمنين في قيامهم بقيام الإمام وركعوهم بركوعه وجلوسهم بجلوسه وسجودهم بسجوده تعطي الهيبة والقوة لهم وأنّهم يتبعون الإمام في كل شيء، فهم مطيعون له متبعون لأمره، لأنّ الناس تعتبره مبيناً لأحكام الله، فكأنّه مبلغ عن الله -ومن هنا تكمن خطورة جعل الوصاية من حكام الجور على المساجد-، فأهم رسالة يوجهها مصلوا الجماعة، أنّهم خلف قيادتهم ووراء العلماء الذين يمثلون الدين المحمدي، ونحن نعلم أنّ من أكثر ما يقض مضاجع الطغاة أنّهم يرون التدين في الناس، وأنهم متبعون لقيادتهم الدينية ملتفون حولهم يأمرون بأوامرهم وينتهون بنواهيهم، وحينئذ يصعب السيطرة عليهم -ومن هنا لا أستبعد أنّ يكون موعد وضع البرامج التلفزونية ومواعيد المباريات الرياضية ليس عبثاً-.
13ـ إذابة الخلافات المتوهمة
طبيعة البشر أنّهم مختلفون في التفكير، فكل يفكر بطريقة خاصة خلاف الآخرين، فاختلاف وجهات النظر في السياسة والفكر والدين أمر طبيعي، لكنه توجد أمور مشتركة منها الأخوة الإيمانية، وإنّما قلت المتوهمة لأنّ اختلاف الرأي لا يفسد في الأخوة الإيمانية، ففي صلاة الجماعة تجسد حالة الأخوة الإيمانية وتذوب كل الخلافات المصطنعة، وأن التيارات الفكرية والسياسية وغيرها لا تفرق بيت الأحبة شيئاً.
14ـ التواضع وعدم التكبر
كما أنّه في بعض العبادات ترى الناس سواسية، كما في الحج والصوم، فكذلك صلاة الجماعة تجد الغني والفقير والضعيف والقوي والضعيف والعالم والجاهل كلهم كأسنان المشط، فصلاة الجماعة تربي الإنسان على عدم التكبر وأنه كسائر المؤمنين بلا فرق بينه وبينهم، فيزرع في نفسه يومياً وفي الخمس الصلوات أنّه عبد من عبيد الله وهو كباقي عباد الله، فتتلاشى كل العناوين من الغنى والقوة وغيرها في صلاة الجماعة وهذا ربما لا تجده في غير صلاة الجماعة.
15ـ التربية على النظام
فعندما يواظب المؤمنون على صلاة الجماعة فإنّهم يربون أنفسهم على الانضباط، فينضبط في كل أمور حياته، بخلاف المنفرد فإنّه يصلي أي وقت شاء بلا ملزم له بوقت معين في إقامة صلاته.
16ـ المعرفة الدينية
إنّ حضور المؤمنين والمواظبة على صلاة الجماعة، تجعلهم يعرفون أمور دينهم من خلال استماعهم للمحاضرات الدينية التي تلقى عند صلاة الجماعة.
17ـ إظهار وتعزيز الحالة الدينية
عندما يواظب المؤمنون على صلاة الجماعة، ويرى بعضهم بعضاً، كل منهم يشجع الآخر على إقامة الجماعة ويعطي دافعاً للقيام بهذه العبادة الجماعية، وفيها إظهار لحالة الاجتماع والترابط بين المؤمنين، فتتعزز الحالة الدينية، فعن الرضاg: >إنّما جعلت الجماعة لئلا يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلا ظاهراً مكشوفاً مشهوراً، لأنّ في إظهاره حجّة على أهل الشرق والغرب<[19].
هذه بعض فوائد صلاة الجماعة، ولا يخفى أنّ من يتركها أو يهملها فقد خسر خسراناً عظيماً، ثم إنّه لو ضعف الحضور في صلاة الجماعة لربما يفقد المؤمنون هيبتهم أمام الأعداء، فهيبتهم في اجتماعهم لا تفرقهم.
أسباب العزوف والحلول
وبعد معرفة فوائد الجماعة وما يترتب عليها من فوائد في الدنيا قبل الآخرة، مما يحث المؤمن ويشهد همته في السعي إلى صلاة الجماعة مهما أمكنه، إلا أنّه -مع الأسف-، عزيزي القارئ تجد عزوفاً كبيراً عن صلاة الجماعة، وله أسباب كثيرة نعدد بعضها والحلول المقترحة لها:
1ـ الجهل بأهمية صلاة الجماعة
فلعل الكثير من الناس يعرف أنّ ثواب الجماعة أكثر من الفرادى وحسب، ولا يعرفون ما في صلاة الجماعة من الثواب العظيم والخير الكثير، كما ذكر في الروايات.
ـ ينبغي أنّ يعلم الناس ما في ثواب الجماعة من ثواب وخير، وهناك طرق كثيرة من خلالها يعلم الناس بفضلها، منها منابر الجمعة والجماعة ومنابر سيد الشهداء، ووسائل التواصل الإجتماعي أو وضع لوحات على المساجد والمراكز الاجتماعية تبين فضل صلاة الجماعة وغيرها...، وحينئذ بإذن الله سيكثر السواد في صلاة الجماعة.
2ـ ضعف الاهتمام الديني
وذلك ممن يعلم فضلها وأهميتها، فهناك من لا يهتم كثيراً بالأمور الدينية خصوصاً المستحبات.
ـ على من يهتم بتعاليم الدين أنّ لا يترك صلاة الجماعة رغبة عنها، فإنّ ذلك يعكس مدى اهتمامه بتعاليم الدين.
3ـ قلة أو عدم حضور من هم قدوة للمجتمع
فإذا رأى الناس من هم قدوة لهم لا يواظبون أو لا يحضرون فهم بالتبع كذلك من باب أولى، بل بعضهم يبرر عدم مواظبته وحضوره بأنّها غير واجبة مثلاً، وكأنّه يعطي الناس ذريعة في التخلف عن صلاة الجماعة.
ـ ربما ليس من الحسن أنّ يسبق من هم قدوة للمجتمع غيرُهم، فينبغي أنّ يبادروا ويكونوا السباقين لمثل هذه العبادة، فهم قدوة المجتمع وكثير من الناس يسمع كلامهم ويقلد أعمالهم، بل يكونوا من الداعين إلى صلاة الجماعة، لا أنّهم يختلقون الأعذار لعدم حضورهم، بحجة الاستحباب وغيره، نعم في مقام النقاش والاستدلال على صلاة الجماعة يأتي الحديث عن عدم الوجوب وغيره، فحضور قدوة المجتمع السباق لصلاة الجماعة له دور كبير في جلب الناس للجماعة وتكثيرهم.
4ـ سرعة وبطئ الإمام
فبعض الناس بل كثير منهم خصوصاً فئة الشباب، بداعي إطالة صلاة الجماعة يترك صلاة الجماعة، وأن الصلاة الفرادى لا تستغرق وقتا كثيرا كصلاة الجماعة، خصوصاً إذا كان مشغولاً بأمر ضروري، وهذه المسألة من المسائل النسبية والتي تختلف فيها وجهات النظر كثيراً، حيث تختلف أمزجة وآراء وأفكار الناس، وهناك من يتعذر ببطئ الإمام -وهذه المسألة حقيقة شئنا أم أبينا-، فمن قائل بأنّ الصلاة هي عمود الدين إنّ قبلت وقبل ما سواها وإنّ ردت رد ما سواها والمطلوب من المصلي أنّ لا ينقر في سجوده نقر الطير، ومن قائل بأنّ صلوا بصلاة أضعفهم ليزيد السواد وينجذب الناس.
ـ من المهم أنّ يجلب الإمام الناس إلى صلاة الجماعة، لا أنّه ينفرهم ويبعدهم عنها، فإذا رأى الإمام أنّ زيادة السرعة قليلاً -بحيث لا يخل بصورة الصلاة وخشوعه مع مراعاة من خلفه من المصلين- يجلب الناس ويكثر من مصلي الجماعة، فما المانع من ذلك!، لا يقال: إنّ هذا الكلام يشجع الناس على أنّ تسرع في صلاتها أكثر مما هم مسرعون، وإنّ سيرة علمائنا خلاف ذلك، لأننا لم نقل لهم أسرعوا في صلاتكم الفرادى بل كلامنا في صلاة الجماعة بحالة معينة، ومن قال بأن كل علمائنا لا يسرعون في صلاتهم -بخشوعهم-، فهذا رجم بالغيب.
5ـ قراءة الإمام
قد يتعذر بعض المؤمنين عن حضور صلاة الجماعة بحجة أنّ قراءة الإمام غير صحيحة، وهذا من حقه ذلك بل هو تكليفه، فإذا لم يطمئن المأموم إلى قراءة الإمام لا يصح أنّ يدخل معه في الركعة الأولى ولا الثانية قبل الركوع -وبعضهم حتى بعد الركوع-، بعضهم لا يدخل في الأولتين بحجة أنّ الإمام لا يراعي في قراءته قواعد علم التجويد وأنّه لا يخرج الحروف بدقة، ولا يريد الدخول معه في الثانية بعد الركوع أو الثالثة، لأنّ تكرار ذلك يوجب الريبة، فربما يدخل الشك عن المصلين الباقين في قراءة الإمام أو عدالته، ففراراً من هذا المحذور وغيره يحتاط بترك صلاة الجماعة.
ـ نعم من حق من لا يطمئن إلى قراءة إمام أنّ لا يدخل معه في الأولتين، وأن يحتاط بتركه صلاة الجماعة إذا حصل معه الفرض السابق، لكن ليس كل صلاة جماعة هكذا، فأرض الله واسعة والمساجد كثيرة فإذا تعذرت عليه الصلاة في مسجد ما فهناك مساجد أخرى، أمّا بالنسبة لعدم مراعاة الإمام لقواعد التجويد، من قال بأنّه يشترط في الإمام أنّ يقرأ في الجماعة تجويداً؟، وهل هذه الدقة مطلوبة في صلاة الجماعة؟، وهذه المسألة من المسائل التي ابتلينا بها فبدل أنّ يكون تعلم التجويد مفيداً له يكون نقمة على المتعلم بحرمانه البركات والثواب العظيم في صلاة الجماعة، نعم لو أخرج الحرف من مخرج غيره تلك مسألة، فلا ينبغي أنّ يفوت الإنسان المؤمن ما في صلاة الجماعة بمثل هذه الأسباب.
6ـ وسوسة الشيطان
قد يتعذر بعض المؤمنين عن حضور صلاة الجماعة، بداعي أنّ الصلاة في بيته ولوحده تجلب الخشوع والتوجه ولعدم الرياء، فلا يشغله شاغل ولا ينظر إليه ناظر، فيكون بعيداً عن الرياء والعجب بالنفس، وتجد بعضهم يقول: من يضمن بأنّ صلاة الجماعة مقبولة؟، فيصلي في البيت وحده بعيداً عن الأضواء.
ـ لعله ليس من الحسن للمؤمن أنّ يمدح نفسه وأن عمله أفضل من عمل غيره، ثم من قال بأنّ صلاة الجماعة تفقد حالة الخشوع؟، ومن قال بأنّ الصلاة في البيت فرادى تأتي بحالة الخشوع؟، أظن أنّ هذه من تسويلات إبليس اللعين، فلكي يبعد المؤمنين عن صلاة الجماعة يزرع في أذهانهم مثل هذه التوجيهات والتبريرات الباطلة، كي تبعدهم عن صلاة الجماعة، نعم لا نقول صلاة الجماعة بالضرورة مقبولة، ولكن هي كغيرها من العبادات التي ورد في فضلها كثير الأجر، ولا أظن أنّ رب العالمين يخيب قاصد الجماعة بنية خالصة، ولو كان كل واحد منّا يفكر هكذا بأن يصلي في بيته، فهل تبقى صلاة جماعة؟!، ينبغي أنّ يحث بعضنا بعضاً على المواظبة على صلاة الجماعة، وأنّ المواظبة عليها من التوفيقات الإلهية، لا أنّ نحرم أنفسنا منها بأعذار شيطانية.
6ـ السياسة
وهي من المسائل القديمة الجديدة، وللأسف فإنّ من الملاحظ أنّ أتباع تيار وجهة سياسية تقاطع -بل قد تفسق- الجهة الأخرى التي تخالفها في وجهات النظر والعكس، فلا يصلي أتباع كل جهة وتيار خلف أئمة الطرف الآخر.
ـ من الأمور التي ينبغي أنّ يدركها الإنسان، هي مسألة الاختلاف أنّه واقع لا يمكن إنكاره، فكل له طريقة تفكير تختلف عن الآخرين، إلا أنّه لا ينبغي أنّ يؤثر في روابط الأخوة الإيمانية. من الطبيعي جداً الاختلاف في الأمور السياسية ولكن، وليس من الطبيعي أنّ لا أصلي خلفك ولا تصلي خلفي بحجة أنّك من الحزب الفلاني وأنا من الحزب الفلاني، ألسنا كلنا إخوان في الإيمان؟، فلماذا يسقط ويفسق بعضنا بعضاً؟، وهذا يخدم من حيث يُعلم أو لا يُعلم الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر، فهل كان هذا خلق أهل البيت^؟، نعم وعاظ السلاطين ومن حكم الفقهاء بعدم جواز الصلاة خلفهم أو بعدم عدالتهم، هؤلاء خارج عن محل كلامنا.
7ـ سوء الظن
من شروط إمام الجماعة أنّ يكون صحيح القراءة، وفي هذه المسألة هناك من الفقهاء -منهم آية الله السيد علي السيستانيB[20]- من ذكر بأنه لا بأس بالائتمام بمن لا يجيد الإذكار هذا إن كان معذوراً في تصحيحها، فبعض المؤمنين عندما لا يرى الإمام يجيد الأذكار، لا يصلي خلفه بحجة أنّه معذور -مع عدم علمه بالواقع- ولم يتعلم وبالتالي لا يصلي خلفه.
ـ ورد في الحديث الشريف >احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل<[21]، هذا الحديث الشريف يحل كثيراً من مشاكلنا، فإنّ المؤمن إذا ظنّ بأخيه المؤمن خيراً لا يغتابه ولا يشك فيه.
8 ـ التأخير في إقامة صلاة الجماعة
بعض المساجد تتأخر فيها صلاة الجماعة، فيصلي بعض المؤمنين فرادى إمّا لانشغالهم وإمّا لأنّهم لا يؤخرون صلاتهم.
ـ حبذا لو يبكر أئمة الجماعة بالحضور، فالصلاة في أول الوقت لها فضيلة لا تضاهى، لكي لا يقل عدد المصلين.
وفي الختام وبعد إدراكنا لأهمية صلاة الجماعة، وأثرها البالغ على الفرد والمجتمع دنيوياً وأخروياً، فلا ينبغي إهمال صلاة الجماعة أو تركها، فإنّ المغبون من تركها رغبة عنها، فهي من الصفقات الدنيوية الأخروية والربح فيها مضمون، كيف لا والطرف الآخر هو أكرم الأكرمين.
أسأل الله تعالى أنّ يوفقنا للسير على نهج أهل البيتi، وأن يثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم وأن يحشرنا مع محمد آلهi، وأن ينتقم لنا ممن ظلمنا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٦، ص ١٠٧.
[2] نفس المصدر: ص ١٠8.
[3] وسائل الشيعة ومستدركها، للحر العاملي والمحدث النوري، ج7، ص539، أبواب صلاة الجماعة1، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.
[4] سورة البقرة: 197.
[5] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج ٤، ص ٢٩٦٩.
[6] وسائل الشيعة ومستدركها، ص536، مصدر سابق.
[7] نفس المصدر السابق.
[8] نفس المصدر: ص537.
[9] نفس المصدر: ص539.
[10] نفس المصدر.
[11] إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج ١، ص١٧٠، مكتبة أهل البيت.
[12] وسائل الشيعة ومستدركها، ص539، مصدر سابق.
[13] نفس المصدر.
[14] سورة الأعراف: 8.
[15] سورة الأنبياء: 1.
[16] سورة الشعراء: 88.
[17] نفس المصدر: ص540.
[18] نفس المصدر: ص542.
[19] نفس المصدر السابق.
[20] منهاج الصالحين، ج1، شروط إمام الجماعة، ص248.
[21] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، ج 18، ص312.
0 التعليق
ارسال التعليق