آية الحجاب وحكم ستر المرأة لوجهها وكفيها

آية الحجاب وحكم ستر المرأة لوجهها وكفيها

مقدمة

ما هو الرأي الفقهي على مستوى الفتوى لدى أتباع المذاهب الإسلامية فيما يرتبط بستر المرأة لوجهها وكفها؟ وما هي كيفية الاستدلال على الرأي المختار؟ هذا البحث يحاول أنّ يسلط الضوء على هذين السؤالين: الأول على مستوى الرأي والنتيجة وذكر القائلين بها. والثاني على مستوى الاستدلال للرأي المختار بما يمكن أنّ يذكر من أدلة بعيداً عن التوقف عند قائلها.

وهذه المسألة من المسائل المرتبطة بعدّة مسائل قريبة منها تختلف عنها في بعض الحيثيات ولكنّها لا تنفصل عن واديها، وقد يوفر البحث التفصيلي في إحدى هذه المسائل جواباً لواحدة أو أكثر من تلك المسائل المرتبطة، ومن هذه المسائل:

حكم ستر الوجه والكفين في حال الإحرام.

حكم سترهما في حال الصلاة.

حكم سترهما في حال الريبة والفتنة.

حكم النظر إلى وجه المرأة وكفها.

حكم النظرة الأولى والنظرة الثانية.

حكم ستر البدن على مستوى: اللون، الشبح، الحجم.

ما يهمنا هنا أنّ نبحث عن حكم ستر الوجه والكفين في نفسه، بعيداً عن ترتب عناوين أخرى كالإثارة والفتنة، فهل يجب على المرأة أنّ تسترهما مطلقاً أو لا يجب عليها ذلك؟

الآية مورد البحث

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاّ أنّ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أنّ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أنّ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبداً إنّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا}[1].

والحديث لدى الأعلام في الاستدلال على وجوب ستر الوجه والكفين أو جواز كشفهما يحتاج إلى ضم بعض الآيات والروايات الأخرى باعتبار كون الحكم تفصيلياً وباعتبار وجود المعارض البدوي لهذا الرأي أو ذاك، وهذا ما يلجئ كلّ فريق إلى الجمع بين الروايات المتعارضة وكذلك الآيات الشريفة بنحو من أنحاء الجمع العرفي، فقد لا تفي الآية الواحدة بإثبات المدعى ولكنّه لا يعني عدم إفادتها في الاستدلال.

ومن الطبيعي أنّ الحديث عن الحجاب شرعاً لا يقتصر على بحث الآيات التي تناولت لفظة (الحجاب)، إذ بعضها خارج عن محلّ الكلام جملة وتفصيلاً، وإنّما نبحث عن معنى الستر والساتر الشرعي المسمى في عرفنا بالحجاب.

معنى الحجاب

الحجاب في اللغة

ولا بأس بادئ ذي بدء من الوقوف عند المعاني اللغوية للحجاب، جاء في كتاب العين: "الحَجْب‏: كلّ شي‏ء منع شيئاً من شي‏ء فقد حَجَبَه‏ حَجْباً. والحِجَابة: ولاية الحاجِب‏. والحِجَاب‏، اسم: ما حَجَبْت‏ به شيئا عن شي‏ء، ويجمع [على‏]: حُجُب‏. وجمع‏ حاجِب‏: حَجَبَة. وحِجَاب‏ الجوف: جلدة تَحْجُب‏ بين الفؤاد وسائر البطن. والحاجِب‏: عظم العين من فوق يستره بشعره ولحمه‏"[2].

الحجاب في اصطلاح الفقهاء

عرّف صاحب القاموس الفقهي الحجاب فقال: "الحِجاب: الساتر. (ج) حجب. وفي القرآن الكريم: {فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} يريد حين غابت الشمس في الأفق، واستترت به"[3].

وكذلك جاء في معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية: "الحجاب: الستر، لأنّه يمنع المشاهدة، وإطلاق الحجاب على التعويذة مجاز شائع لما فيه من منع الضرر عن المريض في زعمهم"[4].

الحجاب في اصطلاح المفسرين

من خلال ما تقدم من معنى الحجاب في اصطلاح الفقهاء وكونه هو ذات المعنى اللغوي، سيلوح لنا أنّ الحجاب عند المفسرين لن يختلف عمّا هو المعروف لدى اللغويين، ولذلك بمراجعة كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم[5] سيتبين لك أنّه نقل ذات التعريفات اللغوية التي ذكرناها آنفاً.

والمتحصل من كلّ ما تقدّم هو أننا لا نجد لمصطلح (الحجاب) معنى اعتبارياً خاصاً، لا في الفقه ولا في التفسير، نعم إنّما جاء الأنس بهذا الاصطلاح من جهة العرف، فالعرف في زماننا يطلق لفظ الحجاب على القطعة من القماش التي توضع فوق رأس المرأة، وإلا فإنّا لا نجد هذا الاصطلاح متبلوراً في الآيات الشريفة وإنّ أرادت الستر والاحتجاب، ولكنّها لم تتكلّم عن تعيين جنس الحاجب وكونه جداراً أو داراً أو قماشاً أو غير ذلك، كما أنّا لا نجد اصطلاحاً واضحاً في الفقه غير مصطلح الستر والساتر والنظر والعورة وأمثال ذلك مما يمكن أنّ يحد بحد ويبين بضابطة.

استعمال لفظ الحجاب في القرآن الكريم

ومما يؤيد ما سبق منّا بيانه أنّ نجد لفظ الحجاب في القرآن الكريم مستعملاً في عدّة استعمالات، لا يمت أغلبها للحجاب بمعنى القماشة التي توضع على الرأس بصلة، نعم ربما كان أحدها مفهوماً ينطبق على الحجاب بمعنى القماشة كمصداق من ضمن مجموعة مصاديق، لا أنّه مصطلح متعين فيه، جاء في كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم): "والتحقيقأنّ الحجاب هو الحائل الحاجز المانع عن تلاقي شيئين أو أثرهما، سواء كانا مادّيّين أو معنويّين أو مختلفين، وسواء كان الحاجب مادّياً أو معنويّاً.

{وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} ـ 33/ 53: فكلّ من الطرفين وكذلك الحجاب مادّيّ. فالحجاب هو الحاجز عن تلاقي الطرفين جسماً أو نظراً.

{وَبَيْنَهُما حِجابٌ} ـ 7/ 54: أي: بين أصحاب الجنّة والنار حجاب، فلا يمكن لأحدهما الوصول إلى آخر، والحجاب معنويّ أو جسمانيّ.

{حَتى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} ـ 38/ 32: أي: إذا اشتغل سليمان عن ذكر ربّه بالصافنات الجياد إلى أنّ توارت وغابت عن نظره، فقال رُدُّوها.

{وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} ـ 41/ 5 أي: فواصل وموانع وفروق من جهة العقائد والأخلاق والأعمال، وهي الحجاب بيننا وبينك.

{وَما كانَ لِبَشَرٍ أنّ يُكَلِّمَهُ الله إلا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} ـ 42/ 51: فتكليم اللّه تعالى ليس على ما هو المتعارف والمعمول بين الناس من المقابلة والمواجهة والمكالمة بالكلمات والجملات، بل بطريق الوحي وإلقاء الكلام والمقال إلى القلب أو بإيجاد الكلام من وراء حجاب معنويّ.

{كَلّا إنّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ـ 83/ 15: الحجاب بين اللّه المتعال وبين العبد لا بدّ وأن يكون معنويّاً، إذ هو تعالى لا يحتجب بالماديات ولا بالمعنويّات، وأمّا العبد فحجابه بالنسبة إلى اللّه تعالى معنويّ، والتعبير بصيغة المفعول مسنداً إليهم: للإشارة إلى أنّ الحجاب لهم وعليهم ومنهم، فهم المحجوبون عن اللّه المتعال والمحرومون عن لذّة المناجاة. ومعنى المحجوبيّة: أنّ يكون العبد محروماً عن التوجّه القلبي والخشوع والخشية وأن ينقطع عن إدراك نوره وعن الارتباط"[6].

وخلاصة كلّ ما تقدم أنّ التوقف عند لفظة (الحجاب) كمصطلح مما لا يخدم بحثنا، لا قرآنياً ولا فقهياً، ولذلك فالأولى صرف البحث تجاه تحقيق ما يجب ستره وما لا يجب ستره من خلال الآية الشريفة وما يمكن أنّ يعضدها من أدلة.

آية الحجاب وسبب النزول

اختلف القوم في تفاصيل أسباب النزول، ولكنهم أجمعوا على كون الآية الشريفة نازلة في حق زوجات النبي ونحن نقتصر على ذكر روايتين عند الخاصة حيث جاء فيما نقله صاحب البرهان عن تفسير القمي وعن علل الشرائع للشيخ الصدوقS:

الرواية الأولى:

علي بن إبراهيم، قال: >لما تزوج رسول اللهe زينب بنت جحش، وكان يحبها، فأولم، ودعا أصحابه، فكان أصحابه إذا أكلوا يحبّون أنّ يتحدثوا عند رسول اللهe، وكان يحب أنّ يخلو مع زينب، فأنزل الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاّ أنّ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى‏ طَعامٍ‏ [و ذلك أنّهم كانوا يدخلون بلا إذن‏] إلى قوله‏ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}<[7]‏.

الرواية الثانية:

ابن بابويه، قال: >حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن علوان، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن عبدالله بن عباس: أنّ رسول اللهe تزوج زينب بنت جحش، فأولم، وكانت وليمته الحيس‏[8]، وكان يدعو عشرة عشرة، فكانوا إذا أصابوا طعام رسول اللهe استأنسوا إلى حديثه، واستغنموا النظر إلى وجهه، وكان رسول اللهe يشتهي أنّ يخففوا عنه فيخلو له المنزل، لأنّه حديث عهد بعرس، وكان يكره أذى المؤمنين له، فأنزل اللهa: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاّ أنّ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى‏ طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ولكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ولا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنّ‏ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ واللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ‏}، فلما نزلت هذه الآية، كان الناس إذا أصابوا طعام نبيهمe لم يلبثوا أنّ يخرجوا<.

قال: >فلبث رسول اللهe سبعة أيام بلياليهن عند زينب بنت جحش، ثم تحوّل إلى بيت أم سلمة بنت أبي أمية، وكانت ليلتها وصبيحة يومها من رسول اللهe، قال: فلما تعالى النهار انتهى عليg إلى الباب، فدقه دقاً خفيفاً له، عرف رسول اللهe دقه، وأنكرته أم سلمة. فقال لها: (يا أم سلمة، قومي فافتحي له الباب) فقالت: يا رسول الله، من هذا الذي يبلغ من خطره أنّ أقوم له فافتح له الباب، وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل من قول اللهa: {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}‏، فمن هذا الذي بلغ من خطره أنّ أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟

قال: >فقال لها رسول اللهe كهيئة المغضب: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ‏، قومي فافتحي له الباب، فإنّ بالباب رجلا ليس بالخرق[9]، ولا بالنـزق[10]‏، ولا بالعجول في أمره، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وليس بفاتح الباب حتى يتوارى عنه الوطء). فقامت أم سلمة وهي لا تدري من بالباب، غير أنّها قد حفظت النعت والمدح، فمشت نحو الباب وهي تقول: بخّ، بخّ لرجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. ففتحت له الباب، فأمسك بعضادتي الباب، ولم يزل قائماً حتى خفي عنه الوطء.

ودخلت أم سلمة خدرها، ففتح الباب ودخل، فسلّم على رسول اللهe، فقال رسول الله: (يا أم سلمة، أتعرفينه؟). قالت: نعم، وهنيئاً له، هذا علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه وآله). فقال: >صدقت -يا أم سلمة- هذا علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبي بعدي<.

>يا أم سلمة! اسمعي، واشهدي: هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وسيد الوصيين‏، وهو عيبة علمي، وبابـي الذي أوتى منه، وهو الوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة على الأحياء من أمتي، وأخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السنام الأعلى. اشهدي -يا أم سلمة- واحفظي: أنّه يقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين<[11].

ما ذكرناه مثال لأسباب النزول عند الخاصة، وأمّا ما روي عند العامة ففي بعضه من الإساءة للرسول الأكرمe ما يجعلنا نعرض عن نقله، لعدم الطائل منه في مقام الاستدلال، والمتحصل الواضح من كلّ ما يذكر في أسباب النزول أنّ المسلمين مأمورون بالاستئذان على زوجات الرسولe إذا ما أرادوا محادثتهن، والحديث معهن من وراء حجاب، ومن الواضح أنّ غرض الحديث معهن لا ينحصر في طلب المتاع أي الغرض المادي[12]، فلا علاقة للحجاب بهذا المتاع فلا يتوقف أحدهما على الآخر، بل الواضح من النكتة المذكورة في ذيل الآية مطلوبية الحجاب في هذه الحالة بعيداً عن الغايات الباعثة للحديث معهن: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[13].

ستر الوجه والكفين عند المذاهب الإسلامية

أولاً: سترهما عند الإمامية: المشهور لديهم عدم وجوب سترهما، إلا إذا ترتبت الريبة والمفسدة على ذلك. وخالف بعض الفقهاء فقال بوجوب ستر المرأة لكلّ بدنها بناء على كون المرأة عورة، وهو يشمل وجهها وكفيها.

ثانياً: سترهما عند الحنفية: الوجه والكفان ليسا عورة فلا يجب سترهما، وبعضهم جوز كشف القدمين والذراعين إلى المرفقين، وهنا بعض الكلمات:

قال أبو جعفر الطحاوي في (شرح معاني الآثار): "فأبيح للناس أنّ ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم"[14].

قال المعتزلي في كشافه: "فإنّ قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج، فإنّ المرأة لا تجد بداً من مزاولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله: (إلا ما ظهر منها) يعنى: إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور"[15].

قال الحصكفي في (الدر المختار): "[(وتمنع) المرأة الشابة (من كشف الوجه بين الرجال) لا لأنّه عورة بل (لخوف الفتنة)"[16].

ثالثاً: سترهما عند المالكية: ليسا عورة كما تقدم، فيجوز النظر لهما، وبيان الأقوال كالتالي:

قال الشيخ الزرقاني في شرحه لمختصر خليل: "وعورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم غير الوجه والكفين من جميع جسدها، حتى دلاليها وقصَّتها. وأمّا الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما، فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب، إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم"[17].

وقال مالك لما سئل: عن المرأة التي ظاهَرَها زوجها وصارت أجنبية عنه: "ولا يصلح له أنّ ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها. قال: قلت لمالك: أفينظر إلى وجهها؟ فقال (مالك): نعم، وقد ينظر غيره أيضاً إلى وجهها"[18].

رابعاً: سترهما عند الشافعية: نقلت كلمات مختلفة عن علماء الشافعية ما بين كون كلّ بدن المرأة عورة، وبين كون الوجه والكفين ليسا عورة، وهذه بعض كلماتهم:

قال الإمام الشافعي في كتابه (الأم): "وكلّ المرأة عورة، إلا كفيها ووجهها. وظهر قدميها عورة"[19].

وذكر البيهقي في (السنن الكبرى) وفي (الآداب): عن الشافعي في تفسير قول الله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: "إِلا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا"[20].

وقال الواحدي في تفسيره (الوجيز): "فلا يجوز للمرأة أنّ تظهر إلا وجهها ويديها إلى نصف الذراع"[21].

وقال الشيخ محمد بن قاسم الغزي: "وعورة الحرة في الصلاة ما سوى وجهها وكفيها ظاهراً وباطناً إلى الكوعين، أمّا عورة الحرة خارج الصلاة فجميع بدنها وعورتها في الخلوة كالذكر"[22].

قال الشيخ سليمان الجمل في حاشيته على كتاب (المنهج) للنووي عند قوله: وعورة حُرَّة غير وجه وكفين: "وهذه عورتها في الصلاة. وأمّا عورتها عند النساء المسلمات مطلقًا وعند الرجال المحارم، فما بين السرة والركبة. وأمّا عند الرجال الأجانب فجميع البدن"[23].

خامساً: سترهما عند الحنابلة: الرأي المعروف لديهم أنّ كلّ بدن المرأة عورة حتى الظفر، ومع هذا اختلفت الأقوال المنقولة عنهم، وهي كالتالي:

قال أحمد بن حنبل: "كلّ شيء منها -أي من المرأة الحرة- عورة حتى الظفر"[24].

وقال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري:

"وكلّ الحرة البالغة عورة حتى ذوائبها، صرح به في الرعاية. اهـ إلا وجهها فليس عورة في الصلاة. وأمّا خارجها فكلها عورة حتى وجهها بالنسبة إلى الرجل والخنثى وبالنسبة إلى مثلها عورتها ما بين السرة إلى الركبة"[25].

قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): "وابن مسعود لمّا قال: الزينة الظاهرة هي الثياب لم يقل إنّها كلّها عورة حتى ظُفرها بل هذا قول أحمد يعني أنّها تشترط في الصلاة"[26].

ولهذا قد يحمل بعضهم كلام أحمد على إرادة الاستحباب لا اللزوم.

كلّ ما تقدم عند هذه المذاهب يدور حول النظر في نفسه، وأمّا مع ترتب الفتنة فهو حرام مطلقاّ، ويفهم من كلمات علمائهم أنّ خوف الفتنة قائم متحقق، وعليه فيجب لديهم ستر الوجه والكفين مطلقاً؛ إما لكونهما عورة، وإما لكون كشفهما سبباً في الريبة وخوف الفتنة.

الآية وحكم الوجه والكفين

أولاً: وجوب ستر الوجه والكفين: التصوير الأول:

ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة النظر إلى وجه المرأة وجهها وكفيها مطلقاً، مستدلين على ذلك بعدة أدلة لاسيما ما فهموه من الروايات حيث جعلوا المرأة عورة كلّها، وأيّد مثل الخاجوئي هذا التحريم بالآية الشريفة: "ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} إذ لا اعتبار بسبب النزول مع كون اللفظ عاماً، وذلك مبين في محله"[27].

الجواب:

1ـ الحديث عن سبب النزول كما أسلفنا يقودنا إلى القول بأن حكم الآية مختص بزوجات النبيe[28]، وعليه لم يتضح المقصود من عموم الوارد وخصوص المورد، إذ كما كان المورد (سبب النزول) خاصاً، فكذلك الوارد (الحكم) فهو خطاب موجه لزوجات النبي إنّ كان هو وجوب التستر، أو هو خطاب موجه إلى من يبتلى بالحديث مع زوجاتهe يأمره بمراعاة حرمة نساء النبيe إنّ كان الحكم هو حرمة النظر، فمن أين استفدنا عموم الحكم؟!

2ـ هذا الاستدلال قائم على تحريم النظر، وما نبحث فيه هو وجوب الستر، ولا ملازمة بين الأمرين، إذ قد يجوز للمرأة أنّ تكشف وجهها لمكان العسر ورفع الحرج، ومع هذا يجب على الرجل أنّ يغض بصره فحكم النظر شيء مغاير لحكم الستر.

التصوير الثاني:

يمكن الاستدل بقرينة في الآية الشريفة تفيدنا وجوب الستر وحرمة النظر، ألا وهي قولهd: {ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ} إذ إنّ نظر الرجال إلى النساء مكشفات الوجه، والنظر إلى أكفهن لا يخلو من الإثارة والريبة، ولذلك أمرت الآية بالحجاب تحصيناً لكل من النساء والرجال من الوقوع في الفتنة.

الجواب:

الحديث عن وجوب الستر وحرمة النظر حال الفتنة أمر واضح مسلّم، وإذا فرض كون الآية تتحدث عن هذا الفرض فهو خروج عن محلّ النزاع الذي قررناه في بداية البحث، ألا وهو ستر الوجه والكفين في نفسه وبعيداً عما لو اكتنفه حالة من الريبة وخوف الافتتان.

ثانياً: عدم وجوب الستر التصوير الأول:

تعرض آية الله الفاضل اللنكرانيO إلى الاستدلال بالآية مورد البحث وخلص بعد مناقشة الاستدلال إلى أنّ الآية في نفسها لا تدل على وجوب ستر الوجه والكفين، بل لا تدل على أصل مسألة وجوب الحجاب، قالO: "ومن الآيات التي استدل بها على ستر الوجه والكفين قوله تعالى في سورة الأحزاب أيضاً (آية 53) {وإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ}.. نظراً إلى أنّ مفاد الآية ليس من خصائص زوجات النبي e بل حكم عام وارد في موردهن كما أنّ سؤال المتاع ليس له خصوصية والمنظور الملاقاة والمواجهة.

ولكنه ينبغي أنّ يعلم أنّ الخطاب فيها متوجه إلى الرجال دون النساء فالواجب عليهم هو الملاقاة من وراء الحجاب والمانع ولا دلالة لها على وجوب التسترة على النساء فضلاً عن أنّ تدل على وجوب ستر الوجه والكفين. وبالجملة إنّ هذه الآية ناظرة إلى النهي عن الدخول في الدار بغير إذن فإنّ معنى الحجاب هو المانع وأمّا خصوصية المانع من جهة لزوم كونه مانعاً عن أيّ شيء فلا دلالة في الآية عليها وعلى تقديرها فقد عرفت أنّ مدلولها الإيجاب على الرجال ولا ملازمة بينه وبين وجوب التستر على النساء كما لا يخفى"[29].

الجواب:

1ـ صحيح أنّ الآية تتحدث عن تكليف الرجال دون النساء، وصحيح أنّ لا ملازمة بين الحكمين واقعاً، كما لا ملازمة بينهما من ناحية دلالة نفس الدليل، إلا أنّ عدم الملازمة في ظهور الدليل لا يثبت الانفكاك خارجاً، بل قد تكون الملازمة خارجاً ثابتة بالرجوع إلى النظر العرفي، أو لنقل: لا توجد ملازمة بين الحكمين، فحكم النظر ليس دليلاً على حكم الستر، لكن العرف لا يكاد يفرّق بين المسألتين، فيرى أنّ هناك اتحاداً في الموضوع، لا في الحكم، ومتى ما كان الحديث عن أحدهما كان حديثاً عن الآخر فلا حاجة حينئذٍ إلى إثبات الملازمة بين الحكمين، يمكن أنّ يقال هذا ويمكن أنّ يقال بوجود ملازمة بين حكمين اثنين لا ينفك أحدهما عن الآخر في نظر العرف حتى وإنّ لم يكن أحدهما علّة لوجود الآخر، يقول صاحب دليل تحرير الوسيلة في معرض مناقشة صاحب الجواهر الذي نفى الملازمة بين الحكمين: "وقد ناقش في الجواهر بما حاصله: أنّ غاية مدلول هذه النصوص جواز إظهار الوجه والكفّين للمرأة وهو أعمّ من النظر إذ يمكن رفع الشارع وجوب الستر عليها بمجرّد احتمال الناظر ومظنّته للعسر والحرج بخلاف باقي البدن وإنّ وجب على الناظر الغضّ كما عساه يقال في بدن الرجل بالنسبة إلى المرأة فإنّه لا يجب عليه الستر منها وإنّ حَرُم عليها النظر إليه.

وفيه: أولاً...

وثانياً: أنّه على فرض لزوم العسر والحرج تنتفي حرمة النظر في خصوص مورد لزومهما لا مطلقاً نظراً إلى وضوح ارتفاع الحكم بالحرج في خصوص مورده، إلاّ أنّ يدلّ الدليل على انتفاء أصل الحكم لأجل لزوم العسر والحرج في أغلب موارده وذلك لا يمكن إثباته إلا بدليل معتبر يدل على ذلك ولم يرد مثل هذا الدليل في المقام.

وثالثاً: أنّ غاية هذا الكلام انفكاك حرمة النظر عن وجوب الستر وثبوت جواز النظر مع وجوب الستر بقيام الدليل من النصوص فمقتضاه عدم الملازمة في الحكم. ولكنّه لا ينافي الملازمة في مقام الاستظهار من الخطاب حسب الفهم العرفي كما سيأتي بيان ذلك مفصّلاً. وأقصى ما يثبت بنفي الملازمة في الحكم إمكان الانفكاك المزبور من دون أنّ يكون بنفسه دليلاً على الانفكاك فلا ينافي إثبات حرمة النظر باستظهارها من الأدلة اللفظية بالملازمة العرفية على ما سيأتي بيان ذلك في بحث النظر"[30].

ويقول في مورد آخر: "فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا ما ظَهَرَ مِنْها} كما في الجواهر بتقريب أنّ حرمة إبداء غير الظاهرة منها كيف يدلّ على حرمة النظر إليها بحسب الفهم العرفي حيث لا يرى أهلُ العرف لمنع كونها بمرأى الأجنبي وجهاً إلاّ حرمة نظرهم إليه فكذلك جواز إبداء الظاهرة منها يدلّ على جواز النظر إليها عرفاً إلا أنّ يدلّ دليلٌ على نفي هذه الملازمة حكماً فيُرفع اليد عن هذا الظهور. كما في بدن الرجل حيث لا يجوز للمرأة النظر إليه مع جواز إبداءه للرجل لكنّه ثابت بالدليل كما سيأتي في محلّه. مضافاً إلى عدم كون بدن الرجل عورة كالمرأة فيفترق عنه في حكم الستر والنظر"[31].

2ـ وأمّا قولهO بعدم دلالة الآية على وجوب التستر على النساء وكون الآية في صدد بيان وجوب الاستئذان، فلا ينافي دعوى منع النظر إلى زوجات النبي ووجوب التستر عليهن بالملازمة العرفية، إذ الآية تتكلم في حيثية الستر والنظر وطهارة القلب، وهي حيثية مغايرة لحيثية الاستئذان. فلا مانع من حديث الآية عن أكثر من حيثية؛ إحدى هذه الحيثيات هي وجوب الاستئذان، والأخرى هي وجوب اتخاذ الحجاب لغرض سلامة القلوب.

3ـ وأمّا أنّ الآية لم تحدد "خصوصية المانع من جهة لزوم كونه مانعاً عن أيّ شيء فلا دلالة في الآية عليها وعلى تقديرها فقد عرفت أنّ مدلولها الإيجاب على الرجال ولا ملازمة بينه وبين وجوب التستر على النساء كما لا يخفى" فلا إشكال في أنّها لم تحدد مقدار العورة، ولكنّا بعد التسليم بكون الحديث عن حيثية الستر والساتر والنظر، فالأمر باتخاذ الحجاب حينئذٍ كافٍ في تثبيت أصل وجود عورة يجب سترها، نعم لا يمكن استفادة حكم الوجه والكفين بمحض هذا البيان.

ثم إنّ قولهO بكون الحديث عن حكم الرجل ولا ملازمة بينه وبين حكم المرأة غير واضح، إذ ما دامت الآية ظاهرة في بيان أصل وجود العورة وأصل لزوم اتخاذ الحجاب فالملازمة متحققة لدى العرف، أي أنّ الآية وإنّ أمرت الرجال بالحديث من وراء حجاب، إلا أنّها أمرت بذلك لوجود العورة، ومتى ما ثبت أنّ الحديث راجع إلى وجود عورة، فالعورة لها أحكامها مطلقاً، فيجب سترها ويحرم النظر إليها.

التصوير الثاني:

لا يجب ستر الوجه والكفين بناء على كون الآية في مقام الحديث عن أحكام زوجات النبيe، ولا سيما وأنّ الآية الشريفة قد ذكرت في سياقها أحكاماً خاصة بزوجات النبيe كحرمة نكاحهن بعد رحيلهe: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أنّ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أنّ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبداً إنّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا}[32] وهذا المقطع جاء مباشرة بعد الحديث عن مسألة السؤال من وراء حجاب، فتكون هذه قرينة على أنّ هذا السياق سياق تعداد أحكام مختصة بزوجات النبيe.

وعلى هذا فلا دلالة في الآية على أصل مسألة الحجاب -كحكم عام لكل المسلمات- فضلاً عن حكم ستر الوجه والكفين.

الجواب:

لعلّه قد اتضح مما أسلفنا وجود أكثر من حيثية في الآية، وأنّ حديث الآية في بعض مقاطعها عن حكم نساء النبي من حيث كونهنّ نساء النبيe لا ينافي حديث مقطع آخر عن حكم زوجات النبي لا من حيث كونهن زوجات له|، بل من حيث كونهن نساءً (إناثاً). وسيأتي مزيد توضيح في الرأي المختار.

الرأي المختار: الآية ظاهرة في بيان الملاك

يمكن الاستدلال على وجوب اتخاذ الحجاب بمعنى الساتر من كلا الطرفين، أي حرمة نظر الرجل ووجوب تستر المرأة، يمكن استفادة هذا الأمر من خلال الآية الشريفة مورد البحث، وذلك بدعوى أنّها ظاهرة في التعليل وبيان ملاك هذا الحكم، وعلى فرض تمامية هذا الظهور فيمكن حينئذٍ التعدي من مورد الحديث عن زوجات النبي| إلى حكم جميع النساء المسلمات، وهذا غير ما تقدم منّا الإشكال عليه، إذ ما تقدم كان حديثاً عن التعدي من المورد من خلال التمسك بنفس الخطاب، وقلنا إنّه خطاب محدود منذ البداية، فلا يمكن التمسك بعموم الوارد إذ الوارد خاص بنساء النبي، وأمّا ما ندعيه فهو التعدي ببركة عدم الفرق، إذ نكتة التحريم والإيجاب واحدة وهي الغاية من فرض أصل اتخاذ الحجاب في مورد نساء النبيe، فالغاية هي طهارة القلب، وهي حيثية وجهة بعيدة كلّ البعد عن كونهن زوجات النبيe.

إنّ قلت: إذا كان منشأ الحكم هو خوف الوقوع في الريبة والافتتان، فهذا خروج عن محلّ النزاع لأنّا نبحث عن حكم ستر الوجه والكفين في نفسه!

قلت: محلّ النزاع في الآية هو ذات محلّ النزاع، فليس في الآية حديث عن مورد خوف الافتتان والريبة، وإلا لكان الستر واجباً بلا نزاع، بل مورد الآية هو الحديث عن الحجاب وحكمه مطلقاً، لزم من عدم اتخاذه الريبة أو لم يلزم، وإنّما علل أصل هذا التشريع المطلق بغاية، فكأنّك تسأل: لماذا يجب اتخاذ الحجاب؟ فيجيب: لكيلا يحصل في قلب أحد الطرفين شيء من الافتتان والريبة.

نعم نسلّم أنّ الاستدلال بالآية الشريفة يحتاج إلى مؤونة، ولكنّها مؤونة في الاستنطاق لا مؤونة في النطق، والمدعى أنّ الآية تحتاج إلى تجميع القرائن والشواهد التي تقوي كونها في مقام بيان حكم النظر والستر:

ـ فمن تلك القرائن النظر إلى الروايات المستفيضة في أحكام المرأة والستر والساتر وحكم النظر، والتي تعلل في جملة منها بخوف الافتتان أو الوقوع في الفحشاء، وأنّها سهم من سهام إبليس، وأن الفرج لا يزني ما دامت العين محفوظة، والنهي عن حدة النظر وأنّ النظر بذر الشهوات ونبات الفسق، ولما في تهييج الرجال من الدعوة إلى الفساد والدخول فيما لا يحلّ، فكلّ هذه التعليلات تفصيل لما أجملته الآية {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.

ـ التفريق بين الحيثيات في الآية الشريفة، فتارة تتحدث الآية عن نساء النبي وتحكم عليهن أو في حقهن بحكم من حيثية الزوجية كالزواج بهن من بعدهe: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أنّ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أنّ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِه} فرجوع الحكم واضح إلى حيثية الزوجية وحرمة النبيe في حياته وبعد مماته.

وتارة تتحدث عن حيثية الافتتان وطهارة القلوب وتعلل حكم الحجاب بها، فموردها وإنّ كان نساءهe إلا أنّ التعليل والنكتة عامة.

 ـ الاستشهاد بعدم وجود الشاهد على كون حكم الاحتجاب من خصوصيات زوجات النبيe في فهم المسلمين وسيرتهم الممتدة، نعم تجد الخصوصية للقرار في بيوت النبيe وبذلك احتج[33] ابن عباس على عائشة زوج النبيe عندما خرجت لحرب أمير المؤمنينg، ولكن أحداً لم يحتج بكون الحجاب من أحكام نساء النبي.

نعم يمكن الدفع بعدم المقتضي للاحتجاج عليهن بمسألة الحجاب ما دمن مستورات.

ـ هناك آيات قرآنية تتحدث عن موضوع الحجاب (الستر والنظر) وهي لا تفرّق بين نساء النبيe وبين غيرهن من نساء المسلمين، بل تأمر المسلمات بذات الحكم الذي تأمر به نساء النبيe وهذا ما يؤكد النظر إلى الحيثية والتعليل في الآية مورد البحث، قالd: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أنّ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[34]، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[35].

إشكال:

سلّمنا أنّ الآية تدل على حكم النظر والستر، ولكنّها لم تحدد ما يجب ستره، ولو كنّا والآية فإنّها تأمر بسؤالهن من وراء حجاب من دون تفصيل بين حكم الوجه والكفين وحكم سائر البدن، فمن أين نستفيد جواز النظر إلى الوجه والكفين وعدم وجوب سترهما؟

الجواب:

بعد الفراغ عن كون الآية ناظرة إلى مسألة الستر والنظر نخلص إلى أنّها تفترض وجود عورة، وهذا العورة لها أحكامها من وجوب الستر وحرمة النظر، غاية الأمر كيف نستثني من هذا الحكم وجه المرأة وكفيها؟ يمكن افتراض نحوين لهذا الاستثناء:

النحو الأول:

القول بأنّ الآية ظاهرة في حرمة النظر إلى المرأة بشكل مطلق، وبالملازمة يجب عليها أنّ تستتر عن الأجنبي مطلقاً، إلا أنّنا نخرج عن هذا الإطلاق ببركة الرواية وببركة سيرة المتشرعة، فإنّها قائمة على معاملة المرأة المسلمة وخروجها من بيتها متسترة بمثل الخمار والجلباب مما يبدو منه الوجه والكفان.

المناقشة:

هذا النحو من الاستدلال هو على خلاف الظاهر جداً، فالآية غير ظاهرة في تحديد العورة وما يجب ستره، وكونها في مقام التحديد مؤونة إضافية تحتاج إلى قرينة، وهذا الأمر مناسب لسيرة القرآن في بيان الأحكام الشرعية إذ كثيراً ما يقتصر على بيان أصل التشريع من دون دخول في بيان التحديدات والتفاصيل، وكون هذه المهمة بشكل أساسي من وظائف النبوة.

فالآية تكلّمت عن أصل الحجاب، وأمّا خصوصياته وحدوده فلم تشر إليها، وأنّه هل يشترط فيه كونه قماشاً، أو جداراً أو كونه خارج الدار أو داخلها، أو أنّه يشمل النظر إلى حجم البدن أو شبح الأعضاء أو يقتصر على اللون؟ الواضح أنّ الآية ساكتة عن بيان هذه التفاصيل.

النحو الثاني:

يتحصّل مما تقدم في المناقشة أنّ الآية بيّنت أصل الوظيفة، وأوكلت تفاصيل التحديد إلى غيرها، سواء كان في آيات قرآنية أخرى، أو كان بياناً نبوياً، فالأمر بالسؤال من وراء حجاب يعني أنّ هناك حرماً وحدّاً يجب مراعاته في حال ملاقاة الأجنبية، أعم من كونها زوجة للنبي| أو واحدة من المسلمات بقرينة التعليل بالأطهرية، كلّ هذا إذا حملنا الأطهرية على الطهارة وحذر الفتنة والريبة كما هو الأقرب، أي إنّ حالة الاحتجاب أكثر طهراً من حالة التبرج، فالمفاضلة في الموضوع لا في الحكم، فلا يستفاد جواز التبرج وجواز التحجب وترجيح الأخير، وأمّا لو فرضنا الأطهرية بمعنى المفاضلة في الحكم وأنّه إشارة إلى درجة من درجات العفة ولنفرضها ستر تمام البدن، فلا دلالة على اشتراط الأطهرية التامّة بهذا المعنى كما في بعض الكلمات[36]، ولو فرضنا اشتراط الأطهرية بهذا المعنى فلا شك أننا لن نتمكن من تعدية الحكم من نساء النبي| إلى بقية المسلمات.

قرائن ومؤيدات لاستثناء الوجه والكفين من وجوب الستر القرينة الأولى: السيرة المتشرعية

بعد استفادة أصل وجوب الحجاب (الستر) والشك في وجوب ستر الوجه والكفين وعدم وجوبه، يمكننا أنّ نتمسك بسيرة النساء المتشرعات الجارية لديهن على كشف الوجه، يقول صاحب دليل التحرير في تصوير هذه السيرة: "ويؤيّد ذلك استقرار سيرة المتشرعة على عدم وجوب سترهما بشهادة ما نُقل في كتب التاريخ والتراجم وسيرة النبي e وأهل البيت i والصحابة والتابعين، من تبادل الأحاديث والأشعار بين الرجال والنساء المؤمنات من غير نكير وحضورهنّ في مجالس الوعظ وتعلّم قراءة القرآن والتفسير والفقه من الرجال. ومشاركتهنّ في الغزوات وعلاج الجرحى وساير شؤون المجاهدين بالمباشرة. بل ما ورد في الكتاب والسنة من النهي عن النظر إليهنّ يكشف عن حضورهنّ في المجامع والشوارع والأسواق من دون أنّ يسترن وجوههنّ. وإلاّ فلا يبقى موضوع لهذه النصوص"[37].

بل قد أدعي كونها سيرة حتى عند المعصومات كسيدة نساء العالمين في الرواية: عِدَّة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبدالله عن إسماعيل بن مهران عن عبيد بن معاوية بن شريح عن سيف بن عميرة عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرg عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: >خَرَجَ رَسُولُ اللهِ e يُرِيدُ فَاطِمَةَj وأَنَا مَعَهُ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ‏ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالَتْ: فَاطِمَةُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ أَدْخُلُ قَالَتْ ادْخُلْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ أَدْخُلُ أَنَا ومَنْ مَعِي فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ عَلَيَّ قِنَاعٌ فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ خُذِي فَضْلَ مِلْحَفَتِكِ فَقَنِّعِي بِهِ رَأْسَكِ فَفَعَلَتْ ثُمَّ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ أَدْخُلُ قَالَتْ نَعَمْ يَا رَسُولَ‏ اللهِ قَالَ أَنَا ومَنْ مَعِي قَالَتْ ومَنْ مَعَكَ) قال جابر: فدخل رسول اللهe ودخلت وإذا وجه فاطمةg أصفر كأنّه بطن‏ جرادة فقال رسول اللهe: (مَا لِي أَرَى وَجْهَكِ أَصْفَرَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ الْجُوعُ فَقَالَe: اللَّهُمَّ مُشْبِعَ الْجَوْعَةِ ودَافِعَ الضَّيْعَةِ أَشْبِعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّد) قال جابر: >فو الله لنظرت إلى الدم ينحدر من قُصاصها حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم<[38].

النقاش:

أمّا أولاً: فالنقاش في تحقق سيرة النساء المتشرعات، إذ لا يعلم تحقق مثل هذه السيرة[39]، نعم قد تكون الحالة الغالبة لدى النساء المتشرّعات هو التستر بهذا النحو؛ أي ستر ما عدا الوجه والكفين ولكن هذا لا يعني أنّهن صدرن في ذلك عن أمر الشريعة، إذ يحتمل أنّ الحجاب الواجب ثبوتاً هو أقل من ذلك، فيحتمل جواز كشف القدمين، فلو فرض جريان السيرة لديهن على سترهما فلا بد من إضافة شرط صدورهن في هذه السيرة عن حكم الشرع المرتكز لديهن، فلعلهن يسترن القدمين من باب المبالغة في الاحتياط، هذا فضلاً عن أصل إحراز وجود سلوك واضح لدى النساء المتشرعات، أي: حالة عامة في الستر والساتر بملاحظة دقّة هذه التحديدات من الاقتصار على الكفين والوجه دون الزندين وشيء من الذراعين والقدمين، يقول المرحوم اللنكراني في نقاشه لسيرة المتشرعة في المقام: "ومن الوجوه أنّ السيرة المستمرة من المتشرعة قائمة على منع النساء أنّ يخرجن منكشفات وعلى مراقبتهن وعدم خروجهن من البيوت إلا متسترة كما أنّ النظر إلى وجه المرأة الأجنبية قبيح عند المتشرعة مطلقاً من دون فرق بين صورة التلذذ وغيرها وقد عبّر صاحب الجواهرS بأنّ التطلع على النساء من المنكرات في الإسلام.

ويمكن الجواب عنه بأنّ عدم ستر الوجه والكفين يوجب كون المرأة في معرض النظر ومن المعلوم أنّ الأنظار مختلفة بعضها مقرون بالتلذذ وبعضها خال عنه وحيث إنّه لا سبيل إلى تشخيص النظر المقرون بالتلذذ لأنّ القصود لا يطلع عليها فطريق الاحتجاب عن الناظر بشهوة هو الاحتجاب مطلقاً.

وإنّ أبيت عن ذلك وقلت إنّ السيرة قائمة على التستر في نفسه لا لما قيل من تحقق الاحتجاب عن الناظر بشهوة فالجواب: أنّ السيرة لا دلالة لها على خصوص الحكم اللزومي بل هي أعمّ منه فإنّ صاحب الجواهرS مع اتكائه على هذه السيرة وإنكار المتشرّعة أفتى بجواز النظر إلى جميع جسد المرأة لمن أراد التزويج معها مع أنّ هذا مما ينكره المتشرعة أشدّ الإنكار فيظهر من ذلك أنّ السيرة قاصرة عن إثبات الحكم اللزومي.

ومنها: أنّ عدم التستر والنظر ربما يوجب الوقوع في الفتنة والحرام وحيث إنّ نظر الشارع عدم تحقق الفتنة بوجه فيكشف ذلك عن وجوب التستر وحرمة النظر وقد أجاب الشيخ الأعظمS عن هذا الوجه بأنّ المعهود من الشارع في أمثال هذه الموارد هو الحكم بالكراهة دون التحريم كالروايات الدالة على حسن الاحتياط في الشبهات الحكمية وأنّ ارتكاب الشبهات ربما يوجب الوقوع في حمى الله ومحرّماته وقد ثبت في الأصول أنّ مقدمة الحرام ليست بمحرمة ولو قلنا بوجوب مقدمة الواجب، نعم المقدمة التي هي علّة تامّة لوقوع الحرام بحيث يترتب عليها قهراً من دون تخلل الإرادة والاختيار تكون محرمة ومن المعلوم أنّ النظر وكذا عدم التستر لا يكون كذلك"[40].

ثانياً: أشكل على الاستدلال برواية نظر جابر إلى صفرة وجه الزهراءj من الناحية السندية بوجود عمرو بن شمر، كما أشكل عليها بعدم ملاءمتها لبيوت الموالين فضلاً عن المعصومين من ناحية دلالتها: "ولكن الإشكال في سند الحديث، لأنّه صرح العلاّمة في الخلاصة، والنجاشي في رجاله (على المحكي في جامع الروايات) أنّ عمرو بن شمر ضعيف جداً. زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه والأمر ملتبس. وزاد العلاّمة لا أعتمد على شيء ممّا يرويه.

والإنصاف أنّ ما ورد في متن هذه الرواية أيضاً لا يناسب بنات الموالين والعلماء، فكيف بالصديقة الطاهرة الكبرى بنت رسول اللّهe"[41].

القرينة الثانية: الروايات

هناك عدّة روايات يمكن الاستدلال من خلالها على جواز كشف المرأة وجهها وكفيها أمام الأجنبي، وجواز نظر الأجنبي إليهما في نفسه، ومن دون إمعان للنظر كما اشترط بعضهم[42]، ومن دون ترتب مفسدة وخوف الفتنة:

الرواية الأولى: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن جميل بن درّاج عن الفضيل بن يسار قال: >سألت أبا عبداللهg عن الذراعين من المرأة أ هما من الزينة التي قال الله تبارك وتعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنَ‏}؟ قَالَ: نَعَمْ ومَا دُونَ‏ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ ومَا دُونَ السِّوَارَيْن<[43]. ولا مشكلة في الرواية من ناحية الصحة، وإنّ احتاجت إلى ضمّ مقدمة أخرى وهي أنّ جواز الإبداء يستلزم جواز نظر الغير[44].

الرواية الثانية: أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن عبدالله بن بكير عن زرارة عن أبي عبد اللهg‏ في قول اللَّه تبارك وتعالى: {إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها} قال: (الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ الْكُحْلُ والْخَاتَمُ)[45]. وناقش بعضهم في وثاقة القاسم بن عروة. والرواية على كلّ حال تصلح كمؤيد.

الرواية الثالثة: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهg قال: قلت له ما يحلّ للرجل أنّ يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً قال: >الوجه والكفان والقدمان<[46]. والمشكلة في الرواية من جهتين:

ـ من جهة توثيق مروك وعدم توثيقه.

ـ من جهة الإرسال في الرواية.

أمّا من ناحية الوثاقة فقد حكي عن الكشي توثيقه: "ومروك، اسمه صالح، وقد حكى الكشي، عن ابن فضال: أنّه ثقة، شيخ، صدوق. وقد وقع اسمه في 33 مورداً من الروايات، ولكنّ الحديث مرسل"[47].

وأمّا من ناحية الإرسال فيمكن القول باعتبار الرواية مع وجوده أيضاً، بناء على ما ذكره في تفصيل الشريعة وجعلها مرسلة معتبرة: "وهذه الرواية وإنّ كانت مرسلة إلا أنّ في السند أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي من (قم) لنقله الرواية من الضعاف فاشتمال السند على أحمد يجبر الإرسال كما أنّ نقله عن مروك دليل على أنّه معتمد مضافاً إلى تعبير أهل الرجال عنه بأنّه شيخ صدوق فالرواية من جهة السند غير قابلة للمناقشة"[48].

والأمر بغض النظر عن هذا العلاج سهل، إذ نبقى على أصل البراءة عن وجوب ستر الوجه والكفين عند الشك في وجوبه، وعدم دلالة الآية على التحديد.

تبقى مشكلة أخرى في الرواية من ناحية الدلالة فإنّها ترخّص في النظر إلى قدمي المرأة مع وضوح أنّه يجب سترهما عند المشهور، بعضهم ناقش بالتبعيض في الحجية فأسقط الرواية في خصوص القدمين وتمسّك بها في الوجه والكفين، وأمّا صاحب الحدائق فقد نسب إليه الالتزام بجواز النظر إلى القدمين أيضاً عملاً بالرواية[49].

الرواية الرابعة: الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبداللهg قال: سألته عن قول الله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ‏ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها} قال: >الخاتم والمسكة[50] وهي القلب<[51].

الرواية الخامسة: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرg قال: >سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ يُصِيبُهَا الْبَلَاءُ فِي جَسَدِهَا إِمَّا كَسْرٌ أَوْ جِرَاحٌ فِي مَكَانٍ لَا يَصْلُحُ‏ النَّظَرُ إِلَيْهِ ويَكُونُ الرِّجَالُ أَرْفَقَ بِعِلَاجِهِ مِنَ النِّسَاءِ أَيَصْلُحُ لَهُ أنّ يَنْظُرَ إِلَيْهَا قَالَ: إِذَا اضْطُرَّتْ إِلَيْهِ فَيُعَالِجُهَا إنّ شَاءَت<[52].

والاستدلال بعد الفراغ عن صحتها بتقريب: "إنّها تدل بوضوح على أنّ بعض جسد المرأة يصلح النظر إليه، وحيث لا يحتمل انحصاره بغير الوجه والكفين فيكونان القدر المتيقن للموضع الذي يجوز النظر إليه"[53]، وهو استدلال حسن يفيد المراد من استثنائهما من وجوب الستر.

كلّ ما تقدم إضافة إلى وجود قرائن أخرى من قبيل عدم نهي المعصومg النساء الكاشفات الوجوه، وترك النهي عن المنكر على فرض وجوبه مناف لعصمة المعصومg، وهذا ما يمكن بيانه من خلال بعض الروايات، إضافة إلى أنّ المعصومg في بعض الروايات يأمر المرأة الحاجة برفع الحجاب عن وجهها، وهذا غير مختص بمذهب من المذاهب إذ قال فقهاء المدارس بأنّ إحرام المرأة في وجهها.

تلخيص وختام

إلى هنا كانت هذه المحاولة الاستدلالية بالآية الشريفة: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[54] بغض النظر عن الأدلة الأخرى، وهذا لا يعني عدم الاستفادة منها في استنطاق آيتنا مورد البحث، والنتيجة التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث هو أنّ الآية الشريفة تدلّ على أصل مسألة الحجاب والستر والنظر، ولكنّها لا تدل على تحديد مقدار العورة (ما يحرم نظر الأجنبي إليه من جسم المرأة)، نعم يجب الاحتجاب في الجملة، وأمّا مقدار ما يجب وما يحرم فلا بد في تحديده من الاستعانة ببقية الأدلة الأخرى، ويكفينا في حدود محل النزاع الذي حددناه في أول البحث (حكم ستر وجه المرأة وكفيها) أنّ نثبت جواز كشفهما بما تقدم من أدلّة وقرائن، فالآية تدعو إلى أصل التحجب، والقرائن تدل على عدم وجوب التحجب في حدود الوجه والكفين، نعم قد نطالب بتحديد الواجب من الحجاب لأنّ إثبات وجوب أصل الحجاب من جهة، وإثبات جواز كشف الوجه والكفين من جهة أخرى لا يفيان ببيان التحديد التفصيلي للحجاب، ولكن هذا خارج عن محلّ النزاع هنا، فضلاً عن كونه من الواضحات حال التوسل ببقية الأدلة الأخرى قرآنية كانت أو روائية، إذ البحث عند عموم المسلمين -إلا ما شذّ- إنّما هو في الوجه والكفين[55].

والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة الأحزاب: 53.

[2] كتاب العين، الخليل الفراهيدي، ج‏3، ص: 86.

[3] القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، سعدي أبو جيب، ص: 76.

[4] معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمود عبدالرحمن، ج‌1، ص: 550.

[5] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، ج2، ص166.

[6] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج‌2، ص: 167‌ ـ 168.

[7] البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج‏4، ص482.

[8] الحيس: هو الطعام المتخذ من التمر والدقيق والسمن. (النهاية 1: 467)، من المصدر.

[9] الخرق: الجهل والحمق. (لسان العرب ـ خرق ـ 10: 75)، من المصدر.

[10] النّزّق: الخفة والطيش. (لسان العرب ـ نزق ـ 10: 352)، من المصدر.

[11] البرهان في تفسير القرآن، ج‏4، ص483 ـ 484.

[12] الْمَتَاعُ‏ في اللغة كلّ ما ينتفع به كالطعام والبزّ وأثاث البيت‏، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج‏11، ص11.

[13] سورة الأحزاب: 53.

[14] شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة، ج4، ص332.

[15] الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، الزمخشري، ج3، ص61.

[16] الدر المختار، الحصكفي، ج1، ص438.

[17] شرح الزرقاني على مختصر خليل، ج1، ص313.

[18] المدونة الكبرى، الإمام مالك، ج3، ص83.

[19] الأم، الشافعي، ج1، ص89.

[20] السنن الكبرى، البيهقي، ج7، ص85.

[21] الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز، الواحدي، ج2، ص762.

[22] فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب، شمس الدين الغزي، ص 73.

[23] حاشية الجمل على شرح المنهج، سليمان بن عمر الجمل، ج1، ص411.

[24] زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، ج3، ص290.

[25] الروض المربع شرح زاد المستقنع للبهوتي، مع حاشية العنقري، ج1، ص140 (اعتمادا على أرشيف ملتقى أهل الحديث 1، المكتبة الشاملة).

[26] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج22، ص115.

[27] الرسائل الفقهية، الخواجوئي، ج‌1، ص: 39‌.

[28] ورد في المسائل المستحدثة للفياض هذا الاستفتاء: >السؤال الثاني والعشرون: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الأحزاب/ 52، 53. {وقرن في بيوتكن} الأحزاب/ 32، 33. هذه الآيات هل تختص بنساء الرسول | أم يتوجه الخطاب بها ليشمل سائر نساء المسلمين؟

الجواب: إنّ هذه الآيات مختصة بنساء النبي الأكرم e< [المسائل المستحدثة، الفياض، ص: 253].

[29] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ الصلاة، الفاضل اللنكراني، ص: 577‌ ـ 578.

[30] دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر، علي أكبر سيفي المازندراني، ص: 35‌ ـ 36.

[31] دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر، علي أكبر سيفي المازندراني، ص: 45‌.

[32] سورة الأحزاب: 53.

[33] جاء في كتاب المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب g: > قال العلامة سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، ص 79: قال علماء السير:

لما بعث عليg عبدالله بن عباس‏ إلى عائشة يأمرها بالمسير إلى المدينة فدخل عليها ابن عباس بغير إذن فقالت له: أخطأت‏ السنة دخلت علينا بغير إذن!! فقال لها لو كنت في البيت الذي خلفك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما دخلنا عليك بغير إذنك، ثم قال: إن أمير المؤمنين يأمرك بالمسير إلى البيت الذي أمرك الله بالقرار فيه، فأبت عليه، فشدد عليها وقال: هو أمير المؤمنين وقد عرفتيه؛ قال هشام بن محمد: فجهزها عليg أحسن الجهاز ودفع لها مالاً كثيراً وبعث معها أخاها عبدالرحمان بثلاثين رجلاً وعشرين امرأةً من أشراف البصرة وذوات الدين من همدان وعبدالقيس، وألبسهن العمائم وقلدهن السيوف بزي الرجال وقال: لهن:

لا تعلمنها أنكن نسوة، وتلثمن وكن حولها ولا يقربنها رجل وسرن معها على هذا الوصف فلما وصلت إلى المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك؟ فقالت: بخير، والله لقد أعطى فأكثر ولكنه بعث رجالًا معي أنكرتهم، فبلغ ذلك النسوة فجئن إليها وعرفنها أنهن نسوة فسجدت وقالت: والله يا بن أبي طالب ما ازددت إلا كرماً، وددت أني لم أخرج هذا المخرج وإن أصابني كيت وكيت< [المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب g، ص422].

[34] سورة الأحزاب: 59.

[35] سورة النور: 31.

[36] يقول المرحوم آية الله العظمى الفاضل اللنكراني: >قلت: لا دلالة لها على وجوب تحصيل الأطهرية التامة وإلا لكان اللازم على النساء عدم الخروج من البيوت أصلا لتحقق الأطهرية التامة بذلك ضرورة أنّ الخروج ولو مع ستر جميع البدن يوجب التوجه إليهن والاطلاع على حالهن ولو ببعض المراتب وذلك ينافي الأطهرية التامة فالآية غير دالة على ذلك< [تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ الصلاة، ص578‌].

[37] دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر، علي أكبر سيفي المازندراني، ص: 38‌.

[38] الكافي (الطبعة الإسلامية)، ثقة الإسلام الشيخ الكليني، ج‏5، ص528.

[39] يقول صاحب دليل تحرير الوسيلة في الجواب على تصويره المتقدم: >هذا، ولكن مع ذلك كله، إنّ إحراز أصل هذه السيرة بين النساء المتشرعة مشكل بما ناقشنا آنفاً من كفاية وجود مكشفات بين نساء المؤمنين في الجملة أو من غير المتشرعة منهن في توجيه النهي عن النظر.

وأمّا تبادل الأحاديث والأشعار واستماع المواعظ والخُطب والحضور في المساجد وصلوات الجمعة والجماعات فلا يتوقف شي‌ء من ذلك على كشف الوجه والكفين بل يتحقق بعضها بالتكلم وبعضها بنفس الحضور، ولو مع الحجاب الكامل< [دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر، علي أكبر سيفي المازندراني، ص39‌].

[40] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ الصلاة، الفاضل اللنكراني، ص: 586‌ ـ 587.

[41] أنوار الفقاهة ـ كتاب النكاح، مكارم الشيرازي، ص: 66‌.

[42] يقول صاحب دليل التحرير: >والذي يخطر بالبال في مقام التحقيق التفصيل بينما إذا كان النظر عن إمعان وتأمّل ودقة بتكرار النظر أو إطالته والغور في خصوصيات الوجه وشكل المرأة وشمائلها وبين ما إذا لم يكن النظر كذلك بأن كان آنياً بدوياً وسطحياً إجمالياً من غير غور وإمعان في عين حال كونه إرادياً وإلا يخرج عن محلّ الكلام...

والوجه فيه: أنّ الإمعان في النظر والتحدُّق في وجه المرأة هو الذي يوجب انطباع صورة وجهها بما له من الخصوصيات والمحاسن في ذهن الناظر فيوجب ذلك بعداً عند توجّهه التفصيلي إلى تلك الخصوصيات إثارة شهوته وبهذا الاعتبار ورد في صحيح الكاهلي أنّ النظرة بعد النظرة تزرع الشهوة في القلب. فما دام لم يكن النظر إلى وجه المرأة عن إمعان وغور لا يستتبع أثراً سيّئاً في نفس الناظر.

وعليه فالذي يستفاد حرمته من الآية إنّما هو إمعان النظر بتأمّل ودقّة في خصوصيات وجه المرأة، وهو وإن كان غالباً بتكرار النظر ولكن وقوعه بالنظرة الأولى بمكان من الإمكان بل يمكن القطع بأن ملاك المنع هذه الخصوصية. فإنّها توجب إثارة الشهوة المبتني على دفعها الأمر بغض البصر عن الأجنبية في الآية والنهي عن النظر إليها في النصوص ومن الواضح أنّها ربّما تتحقق في النظرة الأُولى أيضاً< [دليل تحرير الوسيلةـ الستر والساتر، علي أكبر سيفي المازندراني ص: 62‌ ـ 63].

[43] الكافي (الطبعة الإسلامية)، ثقة الإسلام الشيخ الكليني، ج‏5، ص520 ـ 521.

[44] دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي، الشيخ باقر الإيرواني، ج2، ص305.

[45] الكافي (الطبعة الإسلامية)، ثقة الإسلام الشيخ الكليني، ج‏5، ص520 ـ 521.

[46] نفس المصدر.

[47] أنوار الفقاهة ـ كتاب النكاح، آية الله مكارم الشيرازي، ص: 65‌.

[48] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ الصلاة، الفاضل اللنكراني، ص: 589‌.

[49] نفس المصدر.

[50] المسك -بالتحريك-: الذبل والاسورة والخلاخيل من القرون والعاج، الواحد بهاء. والقلب -بالضم-: السوار. (القاموس)، من المصدر.

[51] الكافي (الطبعة الإسلامية)، ثقة الإسلام الشيخ الكليني، ج‏5، ص520 ـ 521.

[52] المصدر نفسه، ص534.

[53] دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي، الشيخ باقر الإيرواني، ج2، ص306.

[54] سورة الأحزاب: 53.

[55] من مصادر البحث: 1- القرآن الكريم 2- الفراهيدي، الخليل بن أحمد: كتاب العين ج‏3، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، نشر هجرت، قم، ط2، 1410 ﻫ ق. 3- أبو جيب، سعدي: القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، نشر دار الفكر، دمشق، ط2، 1408 ﻫ ق. 4- عبد الرحمان، محمود: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ج‌1. 5- المصطفوي، حسن: التحقيق في كلمات القرآن الكريم ج2، نشر دار الكتب العملية ومركز نشر تراث العلامة المصطفوي، بيروت، ط3، 1430 ﻫ ق. 6- المصطفوي، حسن: التحقيق في كلمات القرآن الكريم ج11، نشر دار الكتب العملية ومركز نشر تراث العلامة المصطفوي، بيروت، ط3، 1430 ﻫ ق. 7- البحراني، السيد هاشم: البرهان في تفسير القرآن ج‏4، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم‏، طبع في طهران، ط1، 1416 ﻫ ق. 8- ابن سلامة، أحمد بن محمد: شرح معاني الآثار ج4، تحقيق وتعليق: محمد زهري النجار، نشر دار الكتب العلمية، ط3، 1416 ﻫ ـ 1996م. 9ـ الزمخشري، محمود: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ج3، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407ﻫ ق. 10- الحصكفي، محمد علاء الدين بن علي: الدر المختار، شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة ج1، موقع يعسوب. 11- الزرقاني المصري، عبد الباقي بن يوسف: شرح الزرقاني على مختصر خليل ج 1 ومعه الفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني، دار الكتب العلمية، منشورات علي بيضون، بيروت، ط1، 1422ﻫ ـ 2002م. 12- الأصبحي، مالك بن أنس: المدونة الكبرى ج3، نشر دار إحياء التراث العربي، مطبعة السعادة، بيروت، 1323ﻫ ق. 13- الشافعي المكي، محمد بن إدريس: الأم ج1، نشر دار المعرفة، بيروت، 1393ﻫ ق. 14- البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى ج7، نشر دار الفكر. 15ـ الواحدي، علي بن أحمد: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج2، نشر دار القلم، بيروت، ط1، 1415هـ.ق. 16ـ الغزي، محمد بن قاسم: فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب، بعناية بسام عبد الوهاب الجابي، الجفّان والجابي للطباعة والنشر، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1425ﻫ - 2005م. 17- العجيلي الأزهري (الجمل)، سليمان بن عمر: فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل ج1، اختصره زكريا الأنصاري من منهاج الطالبين للنووي ثم شرحه في شرح منهج الطلاب، دار الفكر. 18- ابن الجوزي، عبد الرحمان بن علي: زاد المسير في علم التفسير ج3، تحقيق عبد الرزاق مهدي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1422 ﻫ ق. 19- أشرف بن عبد المقصود، المكتبة الشاملة:

 .

أرشيف ملتقى أهل الحديث 1، نقلا عن صحيفة المصريون. 20ـ ابن تيمية الحراني، أحمد بن عبد الحليم: مجموع الفتاوى ج22، تحقيق أنور الباز - عمار الجزار، نشر دار الوفاء، ط3، 1426 ﻫ ـ 2005م. 21- الخواجوئي، محمد إسماعيل: الرسائل الفقهية ج‌1، تحقيق وتصحيح السيد مهدي رجائي، نشر دار الكتاب الإسلامي، قم، ط1، 1411 ﻫ.ق. 22- الفياض، محمد إسحاق: المسائل المستحدثة للفياض، نشر مؤسسة المرحوم محمد رفيع حسين، الكويت، ط1، 1426 ﻫ.ق. 23- اللنكراني، محمد فاضل موحدي: تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ـ الصلاة، قم، ط1، 1408 ﻫ.ق. 24- المازندراني، علي أكبر سيفي: دليل تحرير الوسيلة ـ الستر والساتر، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، 1417ﻫ.ق. 25- الطبري (الشيعي)، محمد بن جرير: المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب g، تحقيق الشيخ أحمد المحمودي، نشر مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور، مطبعة سلمان الفارسي، قم، ط1 المحققة، 1415 ﻫ.ق. 26ـ الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي (الطبعة الإسلامية) ج‏5، تحقيق وتصحيح: غفاري، علي أكبر وآخوندي، محمد، نشر دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4، 1407ﻫ.ق. 27ـ مكارم الشيرازي، ناصر: أنوار الفقاهة ـ كتاب النكاح (الجزء الأول)، نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب g، مركز توزيع نسل جوان، قم، ط1، 1425 ﻫ.ق. 28ـ الإيرواني، باقر: دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي ج2 (العقود والإيقاعات)، دار الفقه للطباعة والنشر، قم، ط1، 1426ﻫ.ق ـ 1384ﻫ.ش.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا