آية التطهير

آية التطهير

بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبرُّجْنَ تَبرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الأُولىَ‏ وَأَقِمْنَ الصَّلَوةَ وَءَاتِينَ الزَّكَوةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكمُ‏ْ تَطْهِيرًا}(1).

المقدمة

سوف نستعرض في هذا البحث بعض الأدلة العقلية والنقلية التي ذكرها العلماء والتي تفند الإشكالية المتعلقة بآية التطهير، وهي هل أنَّ هذه الآية الكريمة نزلت في نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) أو أنَّ نزولها كان مختصاً بأمر آخر؟

والبحث يتعرض لبيان الروايات من طرق الفريقين، وذلك ليكون الإشكال موضحاً وشاملاً من حيث الآية المبحوث عنها. ويدور البحث أيضاً عن مدى تلازم العصمة من عدمها للمشار إليهم في الآية الكريمة، وما هو المقصود من إرادة الله (سبحانه وتعالى) الواردة في الآية من حيث كونها تشريعية أم تكوينية.

ونتيجة البحث، هي الإجابة عمَّا إذا كانت آية التطهير تدل على الولاية لأهل البيت المشار إليهم أم لا؟

تمهيد

آية التطهير من الآيات التي اختلف فيها الشيعة مع غيرهم ممن يقول بأنها نزلت في نساء النبي (صلّى الله عليه وآله)، علماً بأنَّ ما قبل الآية وما بعدها توجد ضمائر وأفعال مؤنثة، ولكن هذه الآية خلت من أي ضمير أو فعل مؤنث، وجميع الضمائر حول الآية 27 ضمير وفعل مؤنث. فهل هذا التفاوت من واقع الصدفة أو الاتفاق، أم له حكمة خاصة؟

شرح المفردات الآية

{إِنَّمَا}: كلمة -إِنَّما- تدل على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وكلمة أهل البيت سواء كانت لمجرد الاختصاص أو المدح أو النداء فإنها تدل على اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بهم لقوله: {عَنْكُمُ}، ففي الآية في الحقيقة قصران؛ قصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير، وقصر إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت(2).

{يُرِيدُ اللَّهُ}: معنى الإرادة هل هي تشريعية أم تكوينية؟ يجب أولا أن نعرف أن هناك إرادتين عنده (سبحانه وتعالى) وسنبين معنى الإرادتين:

1. الإرادة التشريعية: وهي توجيه التكاليف إلى المكلف‏، وتعني أوامر الله تعالى ودستوراته من الواجبات والمحرمات الواردة في الشريعة المقدسة، ووردت آية في القرآن الكريم تدل على هذا المعنى، وهي قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(3)، فهذه الآية الكريمة تتكلم عن بيان وجوب صيام شهر رمضان المبارك وهذا الاستثناء تشريعي في حالة المرض والسفر فالمقصود هنا هي الإرادة التشريعية له (سبحانه وتعالى).

2. الإرادة التكوينية: وهي التي تستخدم في مقام الخلق والتكوين، مثل إرادته خلق العالم والخلق وسائر الكائنات كقوله في كتابه المجيد: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(4). فالمقصود من هذه الآية الكريمة هي الإرادة التكوينية فهي تعني قدرته على هذا الكون في جميع ذراته وهذا ما تدل عليه الآية: {يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.

وبعد ما بيَّنا معنى الإرادة بشقيها فهنا يطرح سؤال جوهري وهو، ما هي الإرادة المقصودة في هذه الآية الشريفة؟

فنقول: بما أنّ هذه الآية اختصت بأهل البيت تحديداً فلا بد أنَّ للتطهير خصوصية أيضاً لسبب الحصر بأهل هذا البيت بـ(إنما)، وتأتي اللام بعدها لتؤكد هذا الحصر والتطهير في قوله: {لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ}، ولم يعممها لعامة المسلمين أو المؤمنين، ونحن نقول بأنَّ هذه الإرادة هي إرادة تكوينية في تطهير أهل البيت، وهذه الإرادة تستلزم عصمتهم في واقعهم الروحي والعملي على جميع الأصعدة، وسنبين معنى الرجس الذي أذهبه الله عنهم من خلال الآيات الشريفة.

ويرد هنا إشكال، وهو أليست العصمة في هؤلاء تكون هنا بمثابة الجبر؟

والجواب: لا تكون هذه العصمة لهم بمثابة الجبر، ولو كانت كذلك لما كانت هذه العصمة ميزة لهم، وذلك لأنَّ المحال على قسمين:

الأول:- المحال العقلي: وهو امتناع وقوع الشيء وتحققه عند العقل، كـأن (تكون خارج البيت وداخله في نفس الزمن الذي تكون في الخارج) فهذا محال عقلاً لأنه جمع بين النقيضين.

الثاني:- المحال عادة: وهو أن يكون وقوع الشيء ممكن عقلاً، ولكنه ممتنع عادةً، مثل أنْ يوجد عالم دين كبير يخرج عاريا في شهر رمضان وهو يشرب الخمر، هذا العمل ممكن الحدوث، ولكن ممتنع على مثل هذا العالم أو على هذا الفرد من المجتمع.

وارتكاب الذنب بالنسبة للمعصوم من المحال العادي، لأنَّ المعصوم لا بد أن يعرف حقيقة هذا العمل (الرجس أو الذنب)، فالنتيجة هي أنَّ العصمة ليست أمراً جبريا، فتكون إرادة الله في التطهير وإذهاب الرجس هي إرادة تكوينية، ولا إشكال في ذلك.

{لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ}: المراد من الرجس: هو القبيح أو الشيء القذر، ويطلق هذا الرجس تارة على الأمور المادية والظاهرية في مثل قوله (سبحانه وتعالى): {قُل لا أَجِدُ في مَا أُوحِىَ إِلَيَّ محُرَّمًا عَلىَ‏ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه...}(5). وتارة على الأمور المعنوية {وَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلىَ‏ رِجْسِهِمْ ومَاتُواْ وهُمْ كَفِرُونَ}(6).

ويأتي أيضا شاملا لكلا الأمرين الظاهري والمعنوي كـقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّمَا الخَمْرُ والْمَيْسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(7)، لأن الخمر: الشراب المسكر وهو رجس معنوي، والأزلام: الأقداح التي كانت يستقسم بها مشركوا العرب في الجاهلية، والقمار: وهو أخد المال الحرام من اللعب، والأنصاب: عبادة الأصنام التي تقدم لها القرابين وهي رجس معنوي، وفي آية التطهير وردت كلمة الرجس مطلقة، وغير مقيدة؛ فتكون النتيجة، أنها تشمل جميع القبائح الظاهرية والمعنوية؛ أي في كل شيء.

{يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}: وهذا المقطع يدل على التأكيد بأنهم طُهروا تطهيرا، ومن خلال الآية نفهم بأن أهل البيت قد طُهروا من الرجس، وهي الإرادة التكوينية، فهم يتمتّعون بالعصمة المطلقة لإطلاق الآية الكريمة.

والعوامل الواردة (إنما، واللام، وعنكم، ويطهركم تطهيرا) هي عوامل تفيد الحصر والتأكيد في أهل البيت الذين سمّوا في هذه الآية بأنهم بلغوا الكمال في الطهارة المطلقة.

من هم أهل البيت المقصودين في الآية؟

{أَهْلَ الْبَيْتِ}: بعد البيان العلمي في بيان مفردات الآية وبعد أن توصلنا إلى أن أهل البيت مميزين عن باقي المسلمين في مقام الطهارة والعصمة المطلقة فنريد أن نعرف من هم أهل البيت الذين خصتهم هذه الآية بهذا المقام الكبير والرفيع؟

وللإجابة سوف نتعرض إلى نظريات المسلمين وسنكتفي بذكر أربع منها(8):

الأولى: زوجات النبي:

هذا ما ذكره بعض مفسري أهل السنة (عن عكرمة) بأن الآية تقصد زوجات النبي، وعلى طبق هذا التفسير فإنَّ أهل البيت هم من جهة السبب وليسوا من جهة النسب، أي بمعنى أن الدائرة منحصرة في الزوجات لا غير، ويخرج من هم من جهة النسب وهم البنت وآل جعفر وآل أبي طالب وغيرهم.

ودليلهم على هذا الأمر هو أنَّ آية التطهير وردت ضمن آيات تتكلم عن نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) ويرد العلماء على هذا الأمر بدليلين:

1. كما ذكرنا في التمهيد أنَّ الآية ورد قبلها وبعدها 25 ضمير وفعل مؤنث، ولكن آية التطهير لم يرد فيها لا فعل ولا ضمير مؤنث، وهذا يدل على شمولها للمذكر، إما للمذكر فقط أو للمذكر والمؤنث، فالنتيجة بأنها لا تختص بنساء النبي (صلّى الله عليه وآله) وحدهم بشكل قطعي. ونحن نعتقد بأن القرآن ورد بأبلغ بيان وأفصح عبارة فتغيير الضمائر والأفعال يراد به أمر آخر غير نساء النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولهذا جعلها مميزة عن باقي الآيات الكريمة.

2. وبما أنا أثبتنا أن أهل البيت المذكورين في الآية لديهم العصمة المطلقة، ولا نجد من علماء السنة والشيعة من يقول بعصمة نساء النبي (صلّى الله عليه وآله)، وذلك لأن بعضهن قد ارتكبن بعض المخالفات، والتاريخ يثبت ذلك كالخروج على الإمام علي (عليه السلام)، حتى لو فرضنا حصول التوبة بعد ذلك، وعائشة تقول: "أن علياً أفضل الناس وكل من أبغضه كافر"، فالآية لا تشمل نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) قطعاً. بالإضافة إلى أنَّ الآية نزلت منفردة وليست مع الآيات التي سبقتها، وبعد نزولها أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) بوضعها في هذا الموضع من القرآن الكريم.

الثانية: النبي الأكرم والإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) مع نساء النبي (صلّى الله عليه وآله):

وطبقا لهذه النظرية سينتفي أحدُ الإشكالات وهو أنَّ الآية لا يوجد فيها ضمائر للمؤنث، بل الآية تأخذ الضمير المذكر وهو شامل للمذكر والمؤنث، ولكن يبقى إشكال العصمة، لصدور المعصية من بعض نساء النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنها نزلت في وقت قبل نزول الآيات التي تتكلم عن نساء النبي، فيتبين بطلان هذه النظرية.

الثالثة: القاطنون في مكة هم أهل البيت:

أي أن أهل البيت هم أهل مكة المكرمة وهو البيت الحرام وواضح بطلان هذه النظرية؛ لأنَّه ما هو الفرق بين مكة والمدينة المنورة، مع إشكال العصمة أيضا.

الرابعة: حصرها بالنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام):

وهذه النظرية التي يقول بها جميع علماء الشيعة والتي لا يرد عليها أي إشكال من الإشكالات التي تمت مناقشتها.

1. فهذه النظرية تقول بوجود امرأة ورجال وهو مناسب لأفعال المذكر؛ لأنه يشمل الاثنين.

2. العصمة والولاية الإلهية عندهم من نص القرآن والروايات الدالة على ذلك، وهذا الأمر يدل على صحة النظرية الرابعة، ويقول العلامة الطباطبائي في الميزان بأنَّ عدد الروايات يبلغ أكثر من سبعين رواية، والملفت للنظر أن أكثر هذه الروايات مذكورة في مصادر السنة المعتبرة أمثال: صحيح مسلم: ج 4، ص 1883، صحيح الترمذي: ج 2، ص503 وهو أحد الصحاح الستة لدى أهل السنة، والدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص198، ومسند أحمد: ج 1، ص330، وغيرها كثير، وسنورد في أسباب النزول روايات وأحاديث تدعم هذا القول.

3.  أن نساء النبي هن اللاتي يروين عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بأنَّ آية التطهير نزلت في هؤلاء الخمسة، كأم سلمة، وعائشة.

فعن مجمع (جميع) التيمي قال: دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي أرأيت خروجك يوم الجمل، قالت: إنه كان قدراً من الله، فسألتها عن علي (عليه السلام)، فقالت: تسأليني عن أحب الناس كان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وزوج أحب الناس كان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهم السلام) وجمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بثوب عليهم ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي؛ فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قالت: فقلت يا رسول الله: أنا من أهلك، قال: «تنحي فإنك إلي خير»(9).

وفي أسباب النزول للواحدي عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدَّثني من سمع أم سلمة تذكر: أنَّ النبي صلى اللَّه عليه و-آله- سلم كان في بيتها، فأتته فاطمة (رضي الله عنها) بِبُرْمَة فيها خَزِيرة فدخلت بها عليه فقال لها: «ادعي لي زوجك وابنيك»، قالت: فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخَزِيرَة، وهو على مَنَامَةٍ له، وكان تحته كساء خَيْبَرِي قالت: وأنا في الحجرة أَصلي، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} قالت: فأخذ فَضْل الكساء فَغَشَّاهم به، ثم أخرج يديه فَأَلْوَى بهما إلى السماء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي [و حاميتي‏] فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً». قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول اللَّه، قال: «إنك إلى خَيْرٍ إنك إلى خَيْرٍ»(10).

وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: «نزلت هذه الآية في خمسة فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة (عليهم السلام)»(11).

وعن أبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى الله عليه و-آله- سلم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه و-آله- سلم إذا طلع الفجر، جاء إلى باب علي وفاطمة فقال:«الصلاة الصلاة، {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}»(12).

4. آية المباهلة أيضا تدل على ذلك، قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكمُ‏ْ ونِسَاءَنَا ونِسَاءَكُمْ وأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلىَ الْكَذِبِينَ}(13)، فخرج الخمسة فقط لا غير وهذه الآية دالة على أنَّهم أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويقول الفخر الرازي في ذيل الآية: "واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث"(14).

هل آية التطهير مختصة بهؤلاء الخمسة؟

الجواب: لا، ليست مختصة بهؤلاء الخمسة، لماذا؟ وذلك:

أولاً: لأنَّ الحصر في الخمسة في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله) لكونهم هم الموجودون فقط في ذلك الزمان، وإذا ثبتت إمامتهم وعصمتهم، تعيَّن قبول قولهم في تعيين بقية الأئمة من أهل البيت.

وثانياً: قوله تعالى: {النَّبىِ‏ُّ أَوْلىَ‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىَ‏ بِبَعْضٍ فىِ كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَن تَفْعَلُواْ إِلىَ أَوْلِيَائكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَالِكَ فىِ الْكِتَابِ مَسْطُورًا}(15)، فقد وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير الآية فيما يتعلّق بأولي الأرحام، حيث فسّرت في بعض منها بمسألة (إرث الأموال)، كما هو المعروف بين المفسّرين، في حين فسّرت في البعض الآخر بمسألة (إرث الخلافة والحكومة) في آل النّبي (صلّى الله عليه وآله) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

ومن جملتها ما نقرؤه‏ في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن تفسير هذه الآية، فقال: «نزلت في ولد الحسين (عليه السلام)،.. قيل: في المواريث؟ قال: لا، نزلت في الإمرة». ومن البديهي أنّه ليس المراد من هذه الأحاديث نفي مسألة إرث الأموال، بل المراد لفت الانتباه إلى أنّ للإرث معنى واسعا يشمل إرث الأموال وإرث الولاية والخلافة.

وليس لهذا التوارث أي وجه شبه مع مسألة توارث السلطنة في سلسلة الملوك والسلاطين، فإنّ التوارث هنا نتيجة للأهلية واللياقة، ولذلك فإنّه يشمل من بين أولاد الأئمّة من كانت له هذه الأهلية، ويشبه تماما ما طلبه إبراهيم (عليه السلام) من اللّه سبحانه لذريّته، فأجابه اللّه تعالى: إنّ الإمامة والولاية لا تنال الظالمين، بل هي خاصّة بالطاهرين {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.

ويشبه أيضا ما نقوله في الزيارات أمام قبور الشهداء في سبيل اللّه، ومن جملتها ما نقوله أمام قبر الإمام الحسين (عليه السلام): "السّلام عليك يا وارث آدم، ووارث نوح، ووارث إبراهيم، ووارث موسى وعيسى ومحمّد..."(16)، فإنّ هذا الإرث في الجوانب العقائدية والأخلاقية والمعنوية والروحية.

الخاتمة:

ما الحكمة من هذا العمل؟ ولم ضمهم تحت الكساء؟ ولماذا وقوفه أمام بيت الزهراء وتكراره القول بأن الله طهرهم من الرجس؟ ولماذا لم يضم أم سلمة وعائشة تحت الكساء؟

الحكمة من وراء هذا العمل هو تمييز أهل البيت وتعريفهم للناس بحيث لا يبقى أي غموض في أمر الولاية والعصمة، ويأتي في شواهد التنزيل عن أنس بن مالك الخادم الخاص لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إن رسول الله بعد الحادثة كان يأتي كل يوم قبل أذان الصبح وقبل إقامة صلاة الجماعة إلى بيت علي وفاطمة ويقف أمام البيت ويكرر هذه العبارة: «الصلاة يا أهل البيت، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكمُ‏ْ تَطْهِيرًا}» وهذا العمل استمر لمدة ستة أشهر بلا انقطاع. وفي نقل آخر عن أني سعيد الخدري: أن النبي الأكرم كان يعمل هذا العمل لمدة ثمانية أشهر(17).

وعليه فتخرج نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) عن دائرة أهل البيت المقصودين في الآية، وهذا بيان للمسلمين بأن أهل البيت المقصودين هم (النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)). والله ولي التوفيق.

 

* الهوامش:

(1) الأحزاب 33.

(2) تفسير الميزان.

(3) البقرة 185.

(4) يس 82.

(5) الأنعام 145.

(6) التوبة 125.

(7) المائدة 90.

(8) آيات الولاية.

(9) شواهد التنزيل، للحسكاني، ج2، ص62.

(10) أسباب نزول القرآن (الواحدي) ص369.

(11) مجمع البيان(ج 80، ص559).

(12) تفسير ابن كثير، ج3، ص492.

(13) سورة آل عمران 61.

(14) التفسير الكبير للرازي، ج8، ص80.

(15) الأحزاب 6.

(16)تفسير الأمثل ج13،ص 173.

(17) شواهد التنزيل ج2 ص28،13،12،11.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا