الملخّص:
يناقش الكاتب في هذا المقال بعض الأفكار حول التفسير الموضوعي ذكرت في مقالة بعنوان (التفسير الموضوعي، مآزقه وإشكالياته) وذكر بعض الأجوبة عليها، مثل: انعدام مفهوم واضح لهذا النوع من التفسير، عرض أفكار مختلفة خارجة عن القرآن حال التفسير بحجة التفسير الموضوعي... وغيرها التي أوصلها إلى تسعة عشر مورداً وأجاب عنها بالإجمال.
مقدمة:
ليس كلّ جديد لا يمكن قبوله[1]، وليس كلّ فكرة إبداعية لا بد أن تعتورها الآفات والمشاكل وتؤدّي إلى رفضها، نعم لا يمكن أن تبدأ المحاولة الأولى كاملة تامة من جميع الجوانب.
والقرآن الكريم بحر عميق ومحيط واسع، وكلَّما ابتكرت أنحاء وتعددت أساليب لتفسيره وطرق فهمه كان ذلك سبباً لاقترابنا من آفاقه أكثر، على أن تكون هذه الأنحاء والأساليب والطرق والوسائل علميّة صحيحة، وبذلك نكون قد ظفرنا بغنيمة تدرّ علينا أنواع الفوائد.
وإنَّ علم التفسير وأقسامه وأنحائه لم يجمد على طريقة وأسلوب واحد منذ عصر نزوله إلى يومنا هذا، بل شهد تطوراً كبيراً عبر مراحل متعددة إلى أن وصل اليوم إلى ما هو عليه من السعة والتنوّع.
وإنّ تطوّر العلم ومناهجه وتجدد آلياته له دور في تطوّر فهم النص القرآني وتجدد أساليب التعامل معه، وقد اهتمّ علماء الإسلام عبر الأجيال بالقرآن الكريم اهتماماً كبيراً فتنوّعت دراساتهم حوله وكان أهمّها تفسيره إلا أنّه اقتصر على لون واحد منه وهو أشهر أنحائه أعني (التفسير الترتيبي)، إلى أن استحدث أسلوب جديد في الآونة الأخيرة سمّي بـ(التفسير الموضوعي).
وإنَّ التفسير الموضوعي لا يستغني عمّا سبقه من أنحاء التفسير خصوصاً التفسير الترتيبي التجزيئي، إذ يعدّ الترتيبي مقدّمة للموضوعي؛ (لأنّه عن طريق ذلك يمكن الحصول على كثيرٍ من القرائن الموجودة في الآيات السابقة واللاحقة للآية (السياق)، ولا يحصل هذا الأمر إذا ما أخذنا التفسير الموضوعي لوحده)[2].
وإنّنا وإن فضّلنا الموضوعي على التجزيئي إلا أنّنا لا يمكن أن نستغني عنه، ولهذا يقول رائد التفسير الموضوعي في عصرنا الحاضر وهو السيد الشهيد محمد باقر الصدر: (إذن التفسير الموضوعي في المقام هو أفضل الاتجاهين في التفسير، إلا أنّ هذا لا ينبغي أن يكون المقصود منه الاستغناء عن التفسير التجزيئي، هذه الأفضلية لا تعني استبدال اتّجاه باتّجاه... وإنّما إضافة اتجاه إلى اتّجاه؛ لأنّ التفسير الموضوعي ليس إلا خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى التفسير التجزيئي، ولا معنى للاستغناء عن التفسير التجزيئي بالاتجاه الموضوعي)[3].
حول مقالة: (التفسير الموضوعي، مآزقه وإشكالياته)[4]
المقالة من عنوانها نعرف أنّها نقديّة ونقضية، وقد تعرّض الكاتب فيها إلى مجموعة من المناقشات التي تصل إلى عشرين مناقشة حول التفسير الموضوعي، وقد تنوّعت هذه المناقشات حيث توجّهت إلى التعريف، وإلى مراحل جمع الآيات، وإلى مرحلة استخلاص النّظرية منها.
نعم، سنلاحظ أنّه وإن وجّه إشكالاته إلى التفسير الموضوعي إلا أنّها في أغلبها غير متّجهة، وإن اتجهت فإنّها لا ترد على التفسير الموضوعي نفسه وإنّما على المتصدّي له، بل على كلّ مفسِّر سواء كان موضوعياً أو تجزيئياً لم يتحلَّ ببعض الصفات العلميِّة في مقام البحث العلمي.
وقد قسّمهاعلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: حول تعريف التفسيرالموضوعي
- المناقشة الأولى: على التعريف
يقول الكاتب: (الملاحظ أنّ عدم إعطاء تعريف دقيق للمراد بالتفسير الموضوعي فتح المجال أمام إدراج بعض أنواع التفسير للقرآن، أو بعض المعارف المتعلقة بالقرآن تحت لواء التفسير الموضوعي...)[5].
-الجواب:
من أجل أن نحاكم فكرة معيّنة لا بد أن نحدد أُطُرها ونستجلي أبعادها بصورة واضحة، وهو ما يسمّى بـ-تحرير محلّ النزاع-، أمّا جعل المشترك اللفظي الذي تعدّد فيه الوضع لمعاني مختلفة من دون تعيين المعنى المراد من بينها، ومن ثَمّ توجيه الإشكال على الجميع بعدم الوضوح، فهذا يعني كون المشكلة في مرحلة التصوّر وهو عدم إدراك كونه متعدّد المعاني، فلا نصل إلى مرحلة الحكم.
ولهذا فقد غاب عن ذهن الكاتب أنَّ هناك أكثر من تعريف للتفسير الموضوعي قديماً وحديثاً، عند العامة والخاصة وهي مختلفة موضوعاً، وقد عبّر عنها بعض الباحثين بألوان التفسير الموضوعي[6]، وبناءً على الاختلاف في التعاريف تدخل بعض الموضوعات والأبحاث ضمن ما يسمّيه البعض بالتفسير الموضوعي على بعض المباني ويخرج بعض آخر.
وإذا ما أراد أن يحاكم تعريفاً من التعاريف فينبغي أن يحدّده بعينه، أو أن يعمد إلى محاكمة آخر ما توصّل إليه علماء الفن من تعريف لهذا العلم أو ذاك، أو أن يسلّط الضوء على تعاريف طائفة أو فئة أو مدرسة معينة، أو التحديد بإحدى طريقتي التفسير الموضوعي وهما: (من داخل القرآن أو من خارج القرآن)[7].
القسم الثاني: أخطاء تلحق مراحل اختيارالموضوع
- المناقشة الثانية: خروج بعض المواضيع عن النظرية القرآنية
يقول الكاتب: (اتباع التفسير الموضوعي لا يعني أن يأتي المفسر بكلّ موضوع خارجيّ من العلوم التي يتمّ ابتكارها أو اكتشافها يوماً بعد يوم، ثم يحاول أن يجعلها قرآنية بحيث يسقط عليها مدلول الآيات، ثم يدّعي في النتيجة أنّها ضمن البعد الشمولي للقرآن...)[8].
-الجواب:
لقد صرّح السيد الشهيد الصدرS بهذا الشرط المهم في طيّات بحثه حيث قال: (فنعبّر عن التفسير بأنّه موضوعي على ضوء الأمر الأول باعتبار أنّه يبدأ من الموضوع الخارجي وينتهي إلى القرآن الكريم، وتوحيدي باعتبار أنّه يوحّد بين التجربة البشرية وبين القرآن الكريم، لا بمعنى أنّه يحمل التجربة البشرية على القرآن، لا بمعنى أنه يُخضع القرآن للتجربة البشرية، بل بمعنى أنّه يوحّد بينهما في سياق بحث واحد)[9]، أمّا سعي البعض إلى تحميل الآيات ما لا تتحمّل فهذا إخضاع للآيات وتحميل للتجربة البشرية على القرآن، وهو خلل واضح في تطبيق المفهوم الصحيح للتفسير الموضوعي، ومن ذلك محاولات البعض الاستغراق في تطبيق نظريات علمية حديثة على بعض الآيات وتحميلها إياه بالقوّة.
على أنَّ القرآن غنيٌّ بالموضوعات الكلية التي يمكن الاستفادة منها في الموضوعات الجزئية هنا أو هناك، وإن كان الأمر يحتاج إلى حصافة ودقّة وعمق.
وإنَّ الخطأ في التطبيق لا يعني الخلل في المنهج أو الفكرة أو المفهوم، فالتفسير الموضوعي هو محاولة الوقوف على النظرية القرآنية لا تحميل الآيات ما لا تتحمّل.
- المناقشة الثالثة: انعدام استخلاص نظرية مقننة
يقول الكاتب:(الذهاب إلى اختيار موضوع كلي، بحيث لا يوجد نظر محدد حوله... حيث لا يمكن استخلاص نظرية مقننة لمفهوم جميع الآيات الناظرة إلى هذا الموضوع)[10].
-الجواب:
التفسير هو محاولة كشف المراد من ظاهر الكلام، وليس الوقوف على حقيقة الموضوع الكلي في نفس الأمر، أو الوقوف على المعاني الباطنية والروابط الكونية والروحية بين معاني القرآن، فالمفسّر يقف مع معاني الآيات القرآنية بحسب ظواهرها، وإلا وردَ هذا الإشكال حتى على التفسير التجزيئي الترتيبي، بل وروده على التفسير الترتيبي أوضح؛ لأنّه لا يستقصي معنى الموضوع الكلي في جميع آيات القرآن، ولذلك لا يمكنه الخروج بمفهوم واضح له كما هو الحال في التفسير الموضوعي، إلا بناءً على نظرية تفسير القرآن بالقرآن.
- المناقشة الرابعة: عدم تحديد الهدف
يقول الكاتب: (لا يكفي في مجال التفسير الموضوعي الإقرار أنّ الهدف الصرف هو توضيح جميع جوانب الموضوع، أو أنّ المسألة علمية صرفة أو نحوها، بل لا بد أن يكون الموضوع ضمن المبتلى به بين أطياف المجتمع المسلم، أو المجتمع البشري بكلّ عام، ويكون مساهماً في هداية البشرية؛ لأنّ القرآن كتاب هداية وليس مجرد كتاب نظريات علميّة...)[11].
-الجواب:
هدف نزول القرآن الكريم هو الهداية، وهو ليس كتاباً للنظريات العلميّة، لكنّه كتاب معجز، وليس بين الأمرين -الهداية والإعجاز- تنافٍ، بل بينهم تناغم وتكامل، فكلّما أثبتنا بعداً جديداً لإعجاز القرآن فإنّنا بذلك عزّزنا هدفه وقدّمنا خدمة جليلة له.
ولا يكاد يخلو بحث من البحوث القرآنية من فائدة تصبّ في طريق خدمة هدفه، ولذلك كلّ ما استطعنا أن نستفيد من فيوضات القرآن وعلومه وكنوزه فلننعم بذلك، وما الضير.
نعم، لا نخرج القرآن عن هدفه الأساس وغايته الكبرى، ولا نحوّله إلى ألعوبة في يد النّظريات الحديثة البشرية الناقصة.
- المناقشة الخامسة: تحميل القرآن ما لا يتحمل
يقول الكاتب: (في إطار التفسير الموضوعي لا يقبل من المفسر أن تكون له نظرة مسبقة لموضوع من المواضيع، ثم يأتي إلى القرآن محاولاً إيجاد سند وشاهد شرعي...).
-الجواب:
هذه لنا لا علينا، إذ إنّ هذه ليس ملاحظة سلبية على التفسير الموضوعي، وإنّما هي ميزة له، لأنّ التتلمذ على القرآن مطلوب، وليُّ عنق آياته مرفوض، ولهذا كانت الموضوعية وعدم الذاتية شرط من شروط المفسّر.
- المناقشة السادسة: عدم اختيار الاسم الجامع
يقول الكاتب: (كأن يختار المفسّر عنوان الحرب والصلح في القرآن، أو ألفاظاً أخرى، ونحو: الحرب، القتال، الضرب، الثبات، السلام، الهزيمة، الفرار... والمفروض اختيار العنوان الشامل لكلّ هذه العناوين الصغيرة.. وهو الجهاد في سبيل الله)[12].
-الجواب:
والتفسير الموضوعي يعطي الضابطة العامة على طبيعة اختيار الموضوع المبحوث، أمّا اختيار العنوان المعيّن فيخضع لطبيعة البحث وجوانبه وأبعاده.
وإنّ اختيار العنوان فنّ من الفنون، ويخضع اختيار العنوان سعةً وضيقاً لسعة وضيق المعنون، وقد ذُكر من الفوارق بين التفسير الموضوعي والتجزيئي هو سعة الموضوع في التجزيئي وضيقه في الموضوعي حيث: (يكون لكلّ آية من القرآن على حدة، بخلاف التفسير الموضوعي فإنّه لا يكون له إلا موضوع واحد)[13].
والإخفاق في اختيار العنوان من قِبل المفسّر لا يعد نقصاً ولا خللاً ولا إشكالاً على التفسير الموضوعي.
- المناقشة السابعة: إغفال العناوين المنتزعة
يقول الكاتب: (كثيراً ما تكون مواضيع في القرآن لا يوجد لها في حدّ ذاتها اسم، لذا لا بد من انتزاع اسم لها من ألفاظ قرآنية قريبة لها في الجملة...)[14].
-الجواب:
بعد تقرُّر أنَّ التفسير الموضوعي يتمحور حول الموضوع القرآني ولا يتمحور حول الألفاظ والمفردات القرآنية، وأنّه سمّي بالموضوعي لموضوعيته، حيث تدور أبحاثه حول الأفكار والرؤى والموضوعات القرآنية بغض النّظر عن ألفاظها ومفرداتها، فلا يرد إشكال الموضوعات الانتزاعية، إذ إنَّ المفسّر يتتبع كلّ ما يمس هذا الموضوع أو ذاك سواء كان ضمن لفظ خاص أو لم يكن، وسواء كان مباشراً أو انتزاعياً، و"إنّ هذه المسألة من مهمات التفسير الموضوعي في مضمار اختيار العنوان والموضوع، فإن كان مراد الباحث الاقتصار على ما في القرآن من الموضوعات فهذا غير مقبول؛ إذ توجد كثيراً من الموضوعات الحديثة في كلّ زمان ومكان تحتاج إلى موقف نظري للقرآن الكريم، ويجب على مفسّر القرآن والباحث في علومه أن يستنطق القرآن للوصول إلى نظرية قرآنية في تلك المواضيع"[15].
- المناقشة الثامنة: الاكتفاء بمعجم الآيات القرآنية
يقول الكاتب: (لا ينبغي الاكتفاء بالمعاجم القرآنية، حيث إنّه ليس بعيداً أن لا تذكر المعاجم بعض الآيات التي تدخل ضمن الموضوع؛ بسبب أنّها لا تحمل الكلمة نفسها...)[16].
-الجواب:
لا شكّ أنَّ أرباب هذا التفسير لا يعتمدون على جهود غيرهم، ولا يكتفون بما يرد باللفظ فقط، وإنّما يبذلون قصارى جهدهم في استقراء الآيات بأنفسهم ليقفوا على المعاني قبل الألفاظ المسيسة بالبحث.
- المناقشة التاسعة: التساهل في تجميع آيات الموضوع
يقول الكاتب: (أنّ المفسر يتساهل إلى حدٍّ كبير في تجميع الآيات بمجرّد احتمال مشابهتها للموضوع، أو قربها منه، ولا يتعب نفسه في دراسة الآيات على حدة...)[17].
-الجواب:
إنَّ تساهل المفسّر لا يعدّ عيباً في التفسير، بل التفسير علم قائم بذاته له قواعده وأسسه وضوابطه ومراحله، وإنَّ تقصير المفسّر في الالتزام بها لا يعد خلل في التفسير بل في المفسر.
المناقشة العاشرة: التشدد الناتج عن الوسوسة في تجميع الآيات
يقول الكاتب: (وهذه النقطة تقع على طرف النقيض بالنسبة إلى النقطة السابقة... وهو ما يصدق عليه التشدد في اختيار الآيات، لمجرد احتمال الناتج عن التخمينات، الفاقدة إلى مؤيد أو دليل...)[18].
-الجواب:
هذا الإشكال يؤكّد كون المشكل في المفسر لا التفسير.
- الإشكاليات الحادية عشرة: عدم مزاولة التفسير بالقدر المطلوب
يقول الكاتب: (كلّ من ظنّ أنّه يستطيع من دون مزاولة وسابق معرفة بالتفسير أن يجمع الآيات الموحّدة في الموضوع، وأن يضم بعضها إلى بعض، أي: أن يدخل إلى التفسير الموضوعي بهذه الشروط فقد ضلّ أو أضل...)[19].
-الجواب:
إنّ هذا الإشكال يؤكّد أنّ لهذا التفسير ضوابط وأسس، وأنَّ على من أراد أن يدخل فيه أن يطوي تلك المراحل.
- المناقشة الثانية عشرة: الأحكام المسبقة
يقول الكاتب: (وجود بعض المفاهيم والاعتقادات السابقة في خصوص موضوع من المواضيع يجعل المفسّر يبني عليها في تفسيره للآيات القرآنية، أو لا أقل يطبعها بطابعه ويغلب عليها لونه)[20].
-الجواب:
هذا الإشكال يرد على كلّ المناهج والاتجاهات التفسيرية، وإنّ وروده على غير التفسير الموضوعي أشدّ وأوضح، إذ (لمّا كان المفسّر في التفسير الموضعي يقتصر على تفسير الآية التي يواجهها، فقد يؤدّي تفسيره إلى ظهور التناقضات المذهبية، بخلاف التفسير الموضوعي فإنّ المفسّر لما خطى خطوة أخرى ولم يقتصر على الآية الخاصة تفادى كثيراً من التناقضات)[21].
- المناقشة الثالثة عشرة: عدم المعرفة بترتيب النزول
يقول الكاتب: (من شروط المفسّر معرفته بترتيب النزول، حتى يكون دقيقاً في تفسيره، لأنّه من غير هذه المعرفة قد يجعل الآية الأولى قيداً وإطلاقاً للثانية، في حين يكون العكس هو المراد)[22].
-الجواب:
إنّ من أهمّ خصائص التفسير الموضوعي: "الانسلاخ من قيود الزمان والمكان حيث يلغي الخصوصيات الزمانية والمكانية للآيات (كما هو الحال في قصص القرآن) ويستخرج لبّ المعنى من الآية ويستخدمها كقاعدة وقانون كلّي للإجابة على الأسئلة والمشاكل التي تواجه الفرد والمجتمع"[23].
على أنّ المبنى الأصولي في الروايات أنّه يصح تقييد السابق منها للاحق، فيصح أن تقيّد رواية عن أمير المؤمنين رواية أخرى مطلقة عن الإمام الصادق، فإذا كان ذلك جائز في الروايات ففي الآيات من باب أولى.
- المناقشة الرابعة عشرة: الانبهار بالعلوم
يقول الكاتب: (مال بعض المفسرين إلى تفسير القرآن وفق النظريات العلمية الجديدة، وهو أسلوب يضرب في العمق أصول التفسير الموضوعي؛ لأنّه -وبشكل تدريجي- سيعطي الأصالة للعلوم الجديدة، وبالتالي سيرفع قيمة نظريات العلوم التجريبية التي تعتمد الظنّ والاحتمال، وهذا سيلحق الأذى بمنهج التفسير الموضوعي؛ لأنّ التجربة كلّ يوم في تطوّر بينما الحقائق القرآنية ثابتة)[24].
-الجواب:
إنَّ ضابطاً من أهمّ ضوابط التفسير الموضوعي هو التلمّذ بين يدي القرآن الكريم وعدم إخضاعه للمسبَّقات الفكرية أو الآراء الذاتية أو العقائد الخاصة.
لكنّ ميل بعض المفسّرين إلى تفسير القرآن وفق النظريات العلمية ليس خاصّاً بمن خاض التفسير الموضوعي وحسب، فإنّ تعدّي هذه الضابطة قد يحصل عند أيّ منهج من مناهج التفسير واتجاهاته.
بل إنّ هذا النحو من التعاطي يعدّ مشكلة عامة يصاب بها كلّ من ابتعد عن الموضوعيّة عند خوضه في تفسير القرآن بل الاجتهاد في النصوص عموماً.
- المناقشة الخامسة عشرة: الانبهار بالغرب والتودّد إليه
يقول الكاتب: (من بين التفاسير القرآنية الحديثة تلك التي كتبت بواسطة مفسّرين إسلاميين حركيين انعطفوا إلى تفسير الآيات وفق النظريات الغربية، حيث تأثروا كثيراً بالمفاهيم الغربية وقوانينها في الأخلاق والاجتماع، وعملوا في هذه التفاسير على محاولة إيجاد نوع من الانسجام والتوافق بين المدارس الفكرية أو الفلسفية الغربية وبين المفاهيم القرآنية والوحي الإلهي...)[25].
-الجواب:
يتكرر من الكاتب النقد لبعض المفسِّرين دون نفس الاتجاه التفسيري ومنهجه، ويؤكّد بين طيّات كلامه أنّ المشكلة عند بعض المفسرين في أسلوبهم وطريقتهم، ولا تراه يوجّه إشكالاته إلى نفس التفسير الموضوعي وقواعده وأسسه.
القسم الثالث: الخلل الذي يلحق مرحلة استخلاص النظرية
- المناقشة السادسة عشرة: عدم الالتزام الكامل بكل معاني الآيات
يقول الكاتب: (في مرحلة استخلاص النظرية على المفسّر أن يلتزم باستحضار كلّ ما استخلصه من معاني ومفاهيم، بدون زيادة أو نقيصة ... وقد سلك هذا بعض المفسّرين حيث عمدوا إلى إخفاء بعض المفاهيم حتى لا تعاب على القرآن، أو تكون مورد إحراج لهم، وهم يتصوّرون أنّهم يحسنون صنعاً، كما هو الشأن في موضوع تعدّد الزوجات، والطلاق، والربا...)[26].
-الجواب:
الجواب هو الجواب، فالمشكلة ليست في التفسير الموضوعي وإنّما هي في المفسّر، وهي عدم الفهم الصحيح لحقيقة القرآن الكريم، فهو يعتقد النقص والعيب والعياذ بالله في القرآن، وأنّه يقوم في تفسيره بتغطيتها وتوجيهها بما يراه عقله صحيحاً.
- المناقشة السابعة عشرة: استبعاد القرآن والاشتغال بأمور أخرى
يقول الكاتب: (وهو أن يستغرق المفسّر في توسيع الموضوع بحيث يجري وراء أمور هامشية مما يجعله يخرج عن إطار التفسير الموضوعي..)[27].
-الجواب:
واضح جداً أنَّ إطار التفسير الموضوعي واضح ومحدّد، وأنَّه لا يخرج عن إطار آيات القرآن وما يدور حولها وما يعين في فهمها.
- المناقشة الثامنة عشرة: الاستعجال في استخلاص النظرية
يقول الكاتب: (لا بد للمفسّر وفق التفسير الموضوعي من التزام الدقة حين استخلاص النظرية القرآنية حول موضوع من المواضيع، ولا ينبغي أن يتسرّع ولا يراعي الدقة في تجميع الآيات الموحدة في موضوعها... وقد وقع في هذا المسلك الخاطئ العديد ممن اشتغل في حقل التفسير الموضوعي)[28].
-الجواب:
نعم، البحث العلمي هو البحث الذي يتحرّى الدقة والاستيعاب ويراعي الاستقراء التام قدر الإمكان للآيات القرآنية محلّ البحث.
- المناقشة التاسعة عشرة: عدم الاعتناء بخصوصيات القرآن
يقول الكاتب: (المفسّر حين يغفل خصوصيات القرآن ولا يضعها نصب عينيه حين استخلاص النظرية القرآنية فإنّ الخطأ والاشتباه سيرافقه في تحديد القواعد وإعلان الحقائق القرآنية)[29].
-الجواب:
يذكر العلماء شروطاً معينةً في المفسّر، ومن أهمّ هذه الشروط هو الاعتقاد بأمورٍ في القرآن الكريم وأنّه كتاب الله، وهو المعجزة الخالدة للنبي، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
ختاماً..
يبقى القرآن الكريم بحراً لا ينضب ومعيناً لا يجدب، ومع هذا التقدّم المعرفي والمناهجي يبقى القرآن هو القرآن المعجز ذو المكانة التي لا تمسّ والمنزلة المعلِّمية.
وحيث انتقلنا من نظرية الفقه إلى فقه النظرية فنحن كما أننا بحاجة للحصول على نظرية إسلامية لاستقصاء كلّ ما هو دخيلٌ في تكوين تلك النظرية من أدوات استنباطية ونصوص شرعية روائية كانت أو قرآنية فكذلك هنا، فلمعرفة النظرية القرآنية من حيث أسبابها وأبعادها ونتائجها حول موضوع من الموضوعات نحتاج إلى استقصاء جميع ما يتعلّق به من آيات كريمة وهو ما نستفيده من -التفسير الموضوعي-.
وإنَّ ورود بعض الإشكالات على هذا المنهج التفسيري لا يعني التنازل عنه أو نبذه، فإنّ ذلك يعدّ حرماناً لأنفسنا وللأجيال من المنهج الجديد لإثارة دفائن وكنوز القرآن الكريم.
[1] خصوصاً مع وجود أدلّة على جوازه، بل وقوعه على يد المعصوم كما هو الحال مع التفسير الموضوعي، انظر: قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة، محمد فاكر المبيدي، ص 402.
[2]دروس في المناهج والاتجاهات التفسيرية، محمد علي الرضائي الأصفهاني، ص314.
[3]المدرسة القرآنية، السيد محمد باقر الصدر، ص42.
[4]للكاتب الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة «نصوص معاصرة»، فصليّة، العدد 26، ص81.
[5]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة «نصوص معاصرة»، فصليّة، العدد 26، ص 116.
[6انظر: الميبدي، محمد فاكر، قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة، محمد فاكر المبيدي، ص419.
[7]انظر: أصول وقواعد التفسير الموضوعي للقرآن، مازن التميمي، ص 97.
[8]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة «نصوص معاصرة»، فصليّة، العدد 26، ص 117.
[9]المدرسة القرآنية، محمد باقر الصدر، ص 35.
[10]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة «نصوص معاصرة»، فصليّة، العدد 26، ص117.
[11]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة«نصوص معاصرة»، فصليّة، العدد 26، ص 118.
[12]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة «نصوص معاصرة»، فصليّة، العدد 26، ص 118.
[13]قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة، محمد فاكر المبيدي، ص 408.
[14]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 118.
[15]قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة، محمد فاكر المبيدي، ص 418.
[16]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 119.
[17]المصدر السابق.
[18]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 120.
[19]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 120.
[20]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 120.
[21]قواعد التفسير لدى الشيعة والسنة، محمد فاكر المبيدي، ص 408.
[22]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 120.
[23]دروس في المناهج والاتجاهات التفسيرية، محمد علي الرضائي الإصفهاني، ص 313.
[24]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 122.
[25]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 123.
[26]المصدر السابق، ص127.
[27]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 127.
[28]المصدر السابق، ص 128.
[29]الشيخ علي سراقي،2012م، التفسير الموضوعي مآزقه وإشكالياته، مجلة (نصوص معاصرة)، فصليّة، العدد 26، ص 128.
0 التعليق
ارسال التعليق