الخطاب الدّينيّ المرتجل دوافعه - آثاره - الحلول

الخطاب الدّينيّ المرتجل دوافعه - آثاره - الحلول

الملخّص:

تعرّض الكاتب إلى مسألة الخطاب المرتجل وما هي الأسباب التي تؤدي إلى ممارسة البعض لهذا الخطاب دون تهيئة وتخصّص، ثمَّ ركَّز على الآثار السلبيّة المترتبة على هذه المسألة، وختم بذكر بعض العلاجات التي إذا التزم بها قد تفيد في التغلب على هذه المسألة.

المقدمة

إنَّ من أهمِّ الأبحاث مسألة الخطاب الدّينيّ، وتكمن أهمّيّته وخطورته في أنَّه خطاب للأرواح والنُّفوس والعقول، فعندما يتكلَّم الخطيب -الّذي يخطُب في النّاس- باسم الدّين فكلٌّ يصغي له ويستمع؛ باعتبار أنّه يتكلّم بلسان الدّين، بل وكثير قد يطبّق كلامه ويرتّب الأثر على أنّه هو الدّين؛ وما ذاك إلّا لأجل مكانة الدّين في نفوس النّاس، فقد يستمع الشّخص لمحاضرات كثيرة في عدّة تخصّصات، ولكن كثيراً ما تدخل من أذن وتخرج من الأخرى -كما يُقال- أو يدخل السّمع ولا يدخل القلب، وأمّا بالنّسبة للخطاب الدّينيّ فتجد أتباع كلِّ دين أو مذهب أو ملّة، يستمعون لمن يتكلّم باسم الدّين ويصغون إليه، لمكانة الدّين في نفوس النّاس، وحاجة كلّ إنسان إلى الدّين.
وبما أنَّ الخطاب الدّينيّ هو خطاب للأرواح والنّفوس، فهنا تكمن أهمّيّة هذا الخطاب في أن يكون نقيّاً، من منبع ذي تقوى ودين ورشد وهداية، ويزيد الموضوع أهمّيّة وخطورة اتّباع النّاس لكلام المتكلّم باسم الدّين، من غير تفريق ونظر إلى قائل هذا الخطاب، وأنّه من أهل الدّين وأهل التّخصّص أم لا، فقد يهتدي خلق كثير بسبب كلمة، وعلى العكس من ذلك فقد يَضلّ خلق كثير بسبب كلمة، صدرت من غير أهل التّخصّص باسم الدّين، أو قد تصدر من أهل التّخصّص ارتجالاً من غير رويّة أو تأنٍّ، وترى آثارها من تشويه للدّين، و إبعاد للنّاس عن الدّين وتشكيكهم فيه.
ومن هنا نريد في هذا البحث أن نسلّط الضّوء على ما قد يضرّ الدّين، أكثر من ضرر الأعداء للدّين سواء كان عن التفات أو غيره، ألا وهو الخطاب المرتجل، فالكلام في محاور ثلاثة:
 1. أسباب ودوافع ومناشئ الخطاب الدّينيّ المرتجل.
 2. آثار ونتائج الخطاب الدّينيّ المرتجل.
 3. الحلول المقترحة.
وقبل الدّخول في المحاور نبيّن معنى مصطلح المرتجل، ثمّ ما يدخل في محلّ الكلام وما يخرج عنه وهو ما قد يسمّى (تحرير محلّ النّزاع)، ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في المحاور الثّلاثة تباعاً إن شاء الله.

أوّلاً: بيان معنى (المرتجل)

ارتجل على وزن (افتعل) ثلاثيّ مزيد فيه حرفان، وأصله (رجِل) يرجَل من باب فرِح، وهنا كما يذكر علماء الصّرف أنّه استعمل (افتعل) في صيغته الأصليّة وهي (فعل)، أي في غير بابه.
ورجِل اسم فاعله (راجِل) وصيغة المبالغة له (رَجيل) على وزن فَعيل، فهو راجِل ورَجُل ورَجِل ورَجِيل ورَجْل ورَجْلانُ: إذا لم يكنْ له ظَهْرٌ يَرْكَبُه، كما ذكر ذلك صاحب القاموس المحيط، فالرّاجل هو الواقف على رجله.
ولفظ مرتجل معناه اللفظ الّذي تعدّد معناه، وقد وضع للجميع كلّا ً على حدة، وكان الوضع لبعض المعاني مسبوقاً بالآخر، بلا ملاحظة المناسبة بين المعنيين، كما ذكر ذلك الشّيخ المظفّر في منطقه.
ولعلّ المناسبة في التّسمية هي أنَّ وضع اللفظ لمعنى ثانٍ، بلا ملاحظة ونظر للمعنى السّابق، فهو بمثابة الملقي للخطاب الّذي لم يلحظ في مرتبة سابقة، فلم يتهيأ ويرتّب ويهيّئ ما يطرحه.
وأمّا في الكلام تقول: كلام مرتجل أو خطاب مرتجل معناه التّكلّم والتّخاطب تلقائيّاً من غير تهيئة وتمهيد وتحضير.

ثانياً: تحرير محلّ النّزاع

 1. ما يخرج عن محلّ الكلام:
أـ التّدريب لأجل الإلقاء والخطابة؛ وذلك أنَّ المتدرّب عادة يأتي بما قد مهَّد له، وحتّى لو لم يكن ممهّداً لذلك وهو قليل، إلّا أنّه نادراً ما يكون ضرره أكثر من نفعه.
ب ـ ما لو اضطرّ المبلّغ لأجل ظرف ما أن يلقي بلا تحضير مسبق، وكان كلامه عن مفاهيم بسيطة وليس فيها إشكالات، ولم يطرح الشّبهات، وهذا لم يقصد أن يأتي بخطاب مرتجل بل صار لأمر عارض.
ج- من يستعدّ ويمهّد لما يلقيه، ولا يلقي إلّا إذا كان مستعدّاً.
هناك أصناف من النّاس من يكون دائم المطالعة، ويكون متهيّئاً في أيّ وقت؛ لكي يلقي خطابه، وهذا وإن كان قد لا يمهّد قبل خطابه مباشرة وبشكل فعليّ، إلّا أنّه قد مهّد له قبل ذلك بشكل غير مباشر وتقديريّ.
 2. ما يدخل في محلّ الكلام:
أ. وأبرز مصداق له من لا يمهِّد ولا يستعدُّ للخطاب، ويأتي ويتكلَّم أمام النّاس على ذاكرته الّتي تخونه كثيراً -كما يقال-، وهو غير دائم القراءة والاطّلاع.
ب. خطاب غير المتخصِّص في غير تخصّصه من غير رجوع إلى أهل التّخصّص؛ فإنَّه وإن كان مختصّاً في مجال ما، إلّا أنّه يجهل بعض التّخصّصات، فالمهندس مثلاً تخصّصه الهندسة، فإنَّ وادي التّفسير يكون غير واديه، إلّا أن يتعلّم العلوم الّتي يدرسها المفسّر، وكذلك الأستاذ لمادّة معيّنة غير متعلّقة بالتّفسير، فإنّه إذا ولج في التّفسير بلا تعلّم فإنّه مرتجِل في علم التّفسير.
ت. غير المتعلم العلوم الدّينيّة -باعتبار أنّه سيتكلّم عن الدّين-، وأعني بذلك من لم يدرس المتون الحوزويّة الّتي هي مفاتيح لفهم الكتب الدّينيّة والإسلام- وأمّا من أتقنها من غير دراستها وقليل ما هم، وكثير يدّعي ذلك فخارج عن محلّ الكلام- فإنّه إذا تكلّم في الموادّ الحوزويّة من فقه أو عقائد أو أصول أو فلسفة أو غيرها، فهو مرتجِل في ذلك؛ إذ لم يدرسها ويعلم ما بها وماذا يريدون باصطلاحاتهم.
ث. المتعلّم غير المتقن، فإنَّ الشَّخص قد يتعلَّم العلوم الدّينيّة، ولكن لم يكن يهتمّ بها وكان الدَّرس عنده أهون النَّاظرين، وكان الإتقان جانبيّاً ونافلة له؛ لانشغاله بما هو أقلّ منها أهمّيّة أو بغير المهمّ، فإذا تكلّم عن أمر تخصّصيّ، بلا مراجعة لأهل التّخصّص فكلامه ارتجاليّ، فمثلاً: لو تكلَّم الخطيب في إثبات سند الزّيارة الجامعة وهو غير متقن لعلم الرّجال، ومن غير مراجعة أهل التّخصّص، وعدم اطّلاعه اطّلاعاً كافياً عن المباني الرّجاليّة وأحوال الرّجال، فهو خطابُ مرتجلٍ.
ج.الخطاب الّذي قد استعدّ له ولكن في الأثناء تكلّم ببعض الكلمات اشتباهاً من غير قصد، ثمّ بعد الخطاب استدرك ما اشتبه فيه وبيّن لمن سمعه اشتباهه.
ملاحظة: الكلام يشمل الخطاب الأعمّ من كونه من خطيب المنبر الحسينيّ، أو خطب الجمعة أو الإلقاء في الأفراح، أو النّدوات العلميّة أو غيرها ممّا يلقى كخطاب باسم الدّين.
ولا نتكلّم عن التّوفيقات الإلهيّة، الّتي يتلقّاها المخلِص المبلّغ لدين الله، بل الكلام فيما بأيدينا من توفير أسباب الموفقيّة.

أسباب الخطاب المرتجل

عدم الإخلاص:

فإنَّ من أهمّ أسباب الخطاب المرتجل هو عدم الإخلاص، وقد ترجع كثير من الأسباب بنحو إليه؛ وذلك أنَّ إخلاص النّيّة تجعل الإنسان يحسب لكلّ كلمة يقولها ألف حساب قبل أن يلقيها، وتجعله يفكّر فيما يقوله قبل أن يتفوه بأيّ كلمة يقولها؛ وذلك أنَّ الكلام يمتلكه الإنسان قبل أن يلقيه فإذا تكلّم به خرج عن يده، في الرّواية عن النّبيّ الأكرم‌e: «الْكَلَامَ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ»، وسوف يحاسب عليه، وتكمن الخطورة في أنّ الكلام في دين الله تعالى؛ فقد يهدي أناساً وقد يضلّ أناساً، فقد يكون صدقة جارية لصاحب الكلمة، أو وزراً مستمرّاً على صاحب الكلمة.

الجهل (عدم العلم):

فإذا لم يتعلّم الإنسان العلوم الدّينيّة، فإنَّ هذا يعتبر مقتضياً لأنْ يتكلّم بكلام مرتجل في الدّين، فإذا جاء غير المتعلّم العلوم الدّينيّة وتكلّم في شيء من الدّين، من غير تعلّم ورجوع لأهل الاختصاص، وفهم حقيقيّ لمرادهم، فإنّ هذا يعتبر كلاماً في غير تخصّصه، حتّى لو كان هو مهندساً أو طبيباً أو غيره، إلّا أنّه متخصّص في مجاله، وهذا لا يعني أنّه متخصّص في كلّ شيء، فكلامه في الدّين هو ارتجال، والشّهادة في الهندسة في تخصّص ما، لا تعني التّخصّص في كلّ شيء، وكما هو قبيح أن يتكلّم رجل الدّين في مجال الطّبّ وهو غير متّخصص في الطّبّ، كذلك القبح في تكلّم غير المتخصّص في الدّين في الدّين، بل أقبح؛ باعتبار أنّ الّذي يتكلّم في الدّين يتكلّم عن دين الله وعن الآخرة، وأمّا غير العلوم الدّينيّة من العلوم، فهي في الغالب قد تكون دنيويّة، أو الغرض منها قد يكون عند كثير ممّن يتعلمونها يكون دنيويّاً.

الاستحياء والخجل:

وبيانه أنَّه قد يُدْعى شخص إلى إلقاء محاضرة دينيّة، ولكنّه يستحي أن يقول إنّي غير متخصّص في العلوم الدّينيّة أو إنّي غير مستعدّ، وهو ذو وجاهة في المجتمع، فيستحي أن يردّهم ويرفض طلبهم؛ فيعتقد أنّه برفضه لإلقاء الخطاب يذهب ماء وجهه أمام النّاس، وتذهب وجاهته ومكانته عند النّاس، فيقوم بإلقاء الخطاب الارتجاليّ في الدّين.

عدم التّحصيل العلميّ الرّصين(المتقن):

فبعضهم يتصوَّر-خطأً- أنَّ الخطابة لا تحتاج إلّا إلى قراءة السّيرة والأخلاق، بلا درس ولا تعليم، وهذا غير تامّ خصوصاً في عصرنا؛ وذلك أنَّه حتّى في مسألة السّيرة والأخلاق نحتاج إلى باقي العلوم، ففي السّيرة والأخلاق توجد روايات وحوادث تأريخيّة، قد تتعارض مع بعضها أو تخدش في الظّاهر ببعض مسلّمات الدّين، فكيف تعالج هذه من غير علم وتعلّم، وإتقان لعلم الأصول وغيره من العلوم؟ بل قد تقع النّاس في الشّبهات.

كثرة الانشغال المؤدّي لعدم التّحضير للخطاب:

فإذا انشغل الخطيب بأمور كثيرة، بحيث لا تجعله يستعدّ استعداداً كافياً للخطاب الذي سيلقيه، فإنّه سيلقيه من غير استعداد، وإنْ كانت الأمور الأخرى هي داخلة في خدمة الدّين والنّاس أيضاً، إلّا أنّ كثرة الانشغال تبقى عاملاً في إلقاء الخطاب المرتجل.

الثّقة المفرطة:

فقد يوفِّق الإنسان مرَّة إلى إلقاء محاضرة بلا استعداد ولا تهيئة وتكون موفّقة جدّاً، فيستمرّ هذا الخطيب لإلقاء الخطاب المرتجل، مرّة بعد أخرى؛ وذلك اعتماداً على تلك التّجربة، فيأخذ من هذه التّجربة قاعدة كلّيّة ويمضي عليها، وهذا غير الثّقة بالنّفس المطلوبة؛ فإنّه مطلوب من الإنسان أن يثق بما عنده من قدرات، ولكن هذا لا ينافي أنّه يحضّر ويستعدّ بدلا من إلقاء الخطاب المرتجل.

الاستهانة بعقول المخاطبين:

فمن يلقي الخطاب المرتجل وعادته ذلك فهو لا يهتمّ بمن يستمع إليه، فالمهمّ أنّه يلقي خطابه سمع من سمع، وليس لعقول الحاضرين تلك الأهمّيّة، فلو كانت عقول المخاطبين عنده بتلك الأهمّيّة، لكان قد أتى ببضاعةٍ علميّة لهم، وموضوعٍ يستفيدون منه في أمر دنياهم وأخراهم.

عدم الملاحظة والمراقبة من قبل المستمعين

فبعض الخطباء قد لا يستعدّ لما يلقيه؛ بسبب أنّ الجمهور الّذين يستمعون إليه لا يقدّمون إليه ملاحظات للتّطوير، بل يبقون ساكتين ولا يبدون أيّ ملاحظة للخطيب -إن وجدت-، فالخطيب يستمرّ على ذلك من غير تغيير، ولا أعني أن يقوم بعض النّاس بإحراج الخطيب أو الاستهزاء به، فهذا مرفوض قطعاً، فللتّطوير طرقه وأساليبه ومحالّه.

آثار الخطاب الدّينيّ المرتجل

إيصال المفاهيم الخاطئة:

فمن يلقي الخطاب الدّينيّ مرتجلاً فإنّه بذلك قد يوصل المفاهيم الدّينيّة، -في مقام السّلوك- خطأً واشتباهاً من قصد أو غير قصد، وبالتّالي قد يبعد المؤمنين عن دين الله شيئاً فشيئاً؛ لأنّه إذا تكلّم في الحجاب أو النّشوز أو الطّلاق أو غيرها من غير علم، فإنّه بذلك قد يضلّ خلق الله، وهو ما ينافي ويتعارض مع خطابه الدّينيّ، الّذي من المفترض أنّه من الدّين، وإذا به يعارض الدّين، فبينا هو يترقّب من خطابه البِناء فإذا به يهدم في الدّين وعقائد النّاس.

إيقاع المكلّفين في الخطأ: 

فقد يتكلّم الّذي يخطب في النّاس ويخاطبهم ارتجالاً، فيمرّ في أثناء خطابه بمسألة فقهيّة، فيقوم بإعطاء حكم فقهيّ من غير استعداد وتمهيد، فهنا قد يوقع المكلفين في الاشتباه والخطأ، فيوقِع غيره في الاشتباه ويكون عليه الوزر.

الإساءة إلى الدّين:

النّاس ليسوا سواء من ناحية الإدراك والنّاحية العلميّة، ففيهم المهندس والطّبيب والأستاذ والنجّار والزّرّاع وغيرهم، وعادة كثير من النّاس يعمّم الأحكام، فإذا ما اعتاد هذا الّذي يخاطب النّاس بخطاب مرتجل ألّا يستعدّ لما يلقيه، فيتكلّم يميناً وشمالاً ويدخل في مسألة ويخرج من أخرى بلا استعداد، فهناك من يلتفت لذلك من النّاس، فتخلق عنده صورة في ذهنه أنّ كلّ الخطباء الّذين يتكلّمون في الدّين هكذا، ولا يقال بأنّ هذا التّعميم خطأ؛ مع أنّه خطأ، ولكن الواقع هكذا فنحن نتكلّم عن توصيف حال وشرح لما يحدث.

نفرة النّاس من الخطاب الدّينيّ:

فمن يخطب في النّاس بلا استعداد وتمهيد، قد يجعل بعض النّاس يذهب إلى استماع خطاب آخر يستفيد منه، وقد يكون هذا الآخر غير دينيّ؛ إذ الجلوس والسّماع لمن لا يستعدّ لما يقوله قد يعدّونه بلا فائدة، فيستعيض عنه بخطاب غير دينيّ أو يجلس في منزله وينشغل بالهاتف أو التّلفاز؛ إذ يعدّ الجلوس والسّماع للخطاب الدّينيّ المرتجل مضيعة للوقت -بقطع النّظر عن صحّة هذه الفكرة أو عدمها، ولكنّ الكلام عن واقع ولو عند بعض النّاس-.

تفريغ الخطاب الدّينيّ عن محتواه:

الخطاب الدّينيّ هدفه هداية النّاس إلى طريق الحقّ وإرشادهم لما فيه صلاحهم، وهذا يكون بالاستعداد لما يلقيه من مادّة وأسلوب، فإذا ما جاء الخطاب بغير ذلك، فإنّ النّاس قد لا تسمع إليه، بل قد ينشغلون مع بعضهم أثناء الخطاب أو عدم حضورهم، وهذا معناه عدم الوصول للهدف وهو الهداية الإرشاد.

نحو تكذيب على الله:

قد يتكلّم الخطيب في مفهوم ما أو حكم ما، وينسبه إلى الدّين وليس من الدّين في شيء، فإذا كان الملقي للخطاب الدّينيّ يعلم أنه سيتكلّم عن أحكام الله ومفاهيم الدين، ويعلم من نفسه عدم الاطّلاع فيما سيلقيه، وقام وخطب مرتجلاً فقد يعد كاذباً على الله، فيكون إثم خطابه أكثر من نفعه.

ضعف الحضور عند منبر الخطاب الدّينيّ:

فقد يُسهم الّذي يخطب خطاباً مرتجلاً، من حيث يشعر أو لا يشعر في ضعف الحضور، والاستماع لمن يتكلّم عن الدّين ومفاهيمه؛ إذ إنّ هناك من النّاس من يلتفت لما يلقى، وقد يتنبّه المستمع إلى أنّ هذا الخطاب غير ممهّد له، فلا يأتي في الخطابات القادمة، بالنّسبة لهذا الملقي أو غيره.

إلقاء النّاس في الشّبهات وتشكيكهم:

فهناك من لا يستعدّ إلى ما يلقيه، فيتكلّم عن شبهة قد طرأت ذهنه بلا تأمّل ولا رويّة، فيلقي الشّبهة على النّاس بحجّة أنّه لم يتوصّل إلى دليل لردّها مثلاً، فتبقى النّاس في حیرة ومتاهة كما يقال، والأنكى من ذلك أنّه قد يطرأ في ذهنه أمر مسلّم عقدياًّ أو فقهيّاً أو تاريخيّاً، فيلقيه للنّاس ويشكّكهم في ذلك، بحجّة أنّه صاحب رأي وتحقيق خاصّين، أو استجد رأيه، فيبقي النّاس في الشّبهة.

الحلول المقترحة

تحصيل تقوى الله والإخلاص له

فمن يتّقي الله ويراقبه ويخلص له لا يغامر ويتكلّم في الدّين وهو غير متخصّص، ولا يتكلّم في الدّين وأحكامه ومفاهيمه وهو غير مستعدّ لذلك؛ لأنّ مخافة الوقوع في معصية الله -من الكذب أو إضلال النّاس- تنهاه عن الخطاب المرتجل الّذي قد يضلّ به النّاس، فمتى ما أخلص الإنسان لله سبحانه وتعالى لا يستحي من أن يقول لا أعلم، في الرواية عن الأميرg: «قول لا أعلم نصف العلم». أو إنّي غير متخصّص. 

طلب العلوم الدّينيّة

باعتبار أنّ الخطاب سيكون دينيّاً فإنّه لا بدَّ من دراسة العلوم الدّينيّة، ولا يقال بأنّ الدّين ليس حكراً على أحد، فلنا أن نتكلّم فيه وإن كنّا غير متخصّصين، فإنّ هذا الكلام يضحك الثّكلى المذبوح طفلها بين يديها ومخالف لما عليه العقلاء؛ فإنّ سيرة العقلاء في كلّ شيء هي الرّجوع لأهل التّخصّص ولا يتكلّم أحد في غير تخصّصه، فكما أنّ الهندسة في أمر معيّن تخصّص ويحتاج إلى دراسة، والطّبابة تخصّص يحتاج إلى دراسة، فكذلك الدّين تخصّص يحتاج إلى دراسة، ومن المؤسف أنّ تجد كثيراً من النّاس يتكلّمون في الدّين، ويناقشون نقاش المتخصّصين وهم غير متخصّصين في الدّين! مع أنّه إذا تكلّم رجل الدّين في غير تخصّصه قيل له بأنّ هذا ليس من تخصّصك!
فمن أراد أن يلقي خطاباً دينيّاً عليه أن يدرس العلوم الدّينيّة جيّداً، نعم لا يجب عليه أن يدرس كلّ الموادّ الحوزويّة أو كدراسة الفقيه، ولكن إذا درس يتكلّم بمقدار ما يدرسه، فحتّى الدّراسة الدّينيّة يوجد فيها تخصّصات، فقد يتخصّص الشّخص في علم الأصول، ولا يركّز على موادّ اللغة أو الفلسفة، فليس له أن يفتي في المسائل اللغويّة أو الفلسفيّة مثلاً، والعكس صحيح.

البناء العلميّ الرّصين

من المهمّ بالنّسبة لمن يلقي الخطاب الدّينيّ أن يتقن الدّراسة الدّينيّة جيّداً، فمن لا يتقنها فإنّه قد يعدّ خطابه مرتجلاً، فمن لا يتقن مادّة من الموادّ الحوزويّة، لا يحقّ له أن يفتي في مسائلها ويكون صاحب رأي فيها، فعليه أن يتقن الدّراسة الحوزويّة، نعم يمكن أن يتكلّم بحسب ما أوتي من علم، ولكن أن يبدي رأياً في مسألة عقديّة أو فقهيّة وهي محلّ خلاف فيضع رأيه وهو ليس أهلاً لذلك، أویقوم بالتفسیر آیة طبق فهمه الخاص وهو لیس من أهل التفسیر فمشکل جداً.

تنظيم الوقت

فكثرة الانشغال الّتي تعد عائقاً عند بعض عن الاستعداد للخطاب علاجها تنظيم الوقت، فعندما ينظّم الإنسان وقته يضع في ضمن جدوله وقتاً للاستعداد والتّهيّؤ للخطاب، ومتى ما لم ينظّم الإنسان وقته فإنّه ليس فقط لا يستعدّ للخطاب، بل يخسر كثير في هذه الحياة الدّنيا، ومن ضمن تنظيم الوقت تعلم قول كلمة (لا)، إذا لم يتسع الوقت أو عند التکلیف بأمور كثيرة ولو كانت خدمة للدّين، لأنّه خدمة الدّين أمر مطلوب ولكن إتقان العمل أهم، ففي الرّواية عن النّبيّ الأكرمe : «إذا عمل أحدكم عملا فليتقن».

احترام عقول الآخرين

إنّ احترام الآخرين من الأمور المهمّة والأخلاق الحسنة، الّتي ينبغي أن يتحلّى بها الإنسان المؤمن، وخصوصاً المبلّغ ومعلّم النّاس الدّين؛ فهو قدوة للنّاس، واحترام عقول النّاس بالإتيان لهم بموضوع قد استعد له ومهّد له يعد من صور احترامهم، فينبغي استحضار هذا المعنى بالنّسبة للخطيب، فكما يحرص على الاحترام الظّاهريّ، فنبغي أن يحرص على احترام عقول النّاس.
وما قد يقال بالنّسبة لخطيب المنبر الحسينيّ من أنّه ليس مطلوباً منه الموضوع، بل النّعي أوّلاً والموضوع نافلة، هذا لو سلّم فإنّه في الزّمن السّابق لا اليوم، على أنّه إذا كان المطلوب فقط النّعي دون إرشاد النّاس، فليقرأ المصيبة وينزل دون أن يبدأ بالخطاب المرتجل ويشرّق ويغرّب، فقد يضيّع وقته ووقت المستمعين، مع أنّه إذا كان الغرض الثّواب والدّمعة، فإنّه يحصل بقراءة المصيبة والنّزول، ولا يفهم من هذا الكلام عدم أهمّيّة ذكر المصيبة، بل هما توأمان كما أعتقد وأفهمه من خطاب المرجعيّة العليا الواضح في كلّ عام بداية شهر محرم إلى خطباء المنبر الحسينيّ أعزّهم الله وأيّدهم وسدّد خطاهم.

إبداء الملاحظات البنّاءة

ينبغي على المستمعين إبداء الملاحظات البنّاءة -إن وجدت-، وتقديمها إلى الخطيب بأسلوب لبق ومناسب، فإنّ إبداء الملاحظات والانتقادات البنّاءة، من شأنها أن تجعل الخطيب مستعدّاً ومتهيّئاً لإلقاء الخطاب الدّينيّ، فينظر فيما يطرحه من مواضيع ولا يغامر بطرح كلّ ما يخطر بذهنه.
وهنا أؤكد على الأسلوب والطّريقة والمحلّ في إبداء الملاحظات البنّاءة لا الهدّامة، وليلحظ بعين الاعتبار احترام خدّام المنبر الحسينيّ، وعدم الإساءة إليهم بأيّ شكل من الأشكال؛ لأنّ ذلك محرّم قطعاً.

سعة الصّدر

ينبغي لمن يلقي الخطاب الدّينيّ أن يكون رحب الصّدر، ولا ينزعج من انتقادات النّاس البنّاءة، فإنّ عدم سعة الصّدر تجعله لا يتطوّر، ولا يستمع لملاحظات النّاس، ويستمرّ في خطابه المرتجل، فالإنسان قد لا يلتفت لنفسه في كثير من الأمور، فينبّه على ذلك، وينبغي لمن أراد الوصول إلى الكمال أن يأخذ الملاحظات والانتقادات البنّاءة بعين الاعتبار، ففي الرواية عن الأمير: «رحم الله امرأ أهدى إليَّ عيوبي».
وفي ختام هذه المقالة أرجو أني قد أسهمت في بيان مشكلة قائمة وحلولها وهي الخطاب المرتجل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا