بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
يعدّ التشيع في إقليم البحرين -ونقصد هنا بالبحرين الأعم من أوال بل يشمل القطيف وهجر- قديماً بقدم وجود القبائل العربية فيه، وبهذا الأمر تشهد جميع المصادر التاريخية التي أرَّخت عن التشيع في البحرين، وكان لهذا التشيع أسبابه وجذوره التاريخية عبر بعض الولاة الذين كانوا يتشيعون لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكذلك هجرات بعض القبائل -المتابعة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)- إلى هذا الإقليم.
ولكلِّ هذا تجذر التشـيع في هذا البـلد وما تابعه من مـدن وقـرى، وتواصل التشيع في هذا البلد عبر ترسيخ الأجيال المتتالية على هذا الإقليم عبر انتشار مظاهر التشيع وعلماء هذا المذهب وما أسسوه من مدارس علمية ومحافل لإحياء مظاهر أهل البيت في هذا الإقليم مما جذر هذه الحالة في هذا الإقليم حتى عدّ وجود من كان على غير هذا المذهب في هذا البلد طارئاً كما ذكر ذلك ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان(1).
وفي هذا البحث أحاول أن أتحدّث عن إقليم البحرين في عدّة أبحاث:
الأول: البحرين في العهد النبوي.
الثاني: ما ذكره المؤرخون عن القبائل العربية التي سكنت إقليم البحرين ونوعية ولائها.
الثالث: ولاة البحرين عبر التاريخ وتثبيتهم لمذهب أهل البيت.
الرابع: شهادات تاريخية بتشيع أهل البحرين.
الأول: البحرين في العهد النبوي
لقد كانت البحرين خاضعة للسيطرة الفارسية في العهد النبوي حيث كان واليها من قبلهم المنذر بن ساوى فكاتبه النبي (صلَّى الله عليه وآله) بعدة مكاتبات وإليك نصها.
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى العبدي عامل كسرى على البحرين، أما بعد: سلام على من اتبع الهدى.
فإنّي أدعوك إلى الإسلام، فأسلِم تسلَمْ يجعل الله لك ما تحت يديك. واعلم أن ديني سيظهر إلى مُنتهى الخفّ والحافر»(2).
رسالة أخرى إلى المنذر:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى: سلام عليك. فإنّي أحمد الله إليك الذي لا إله غيره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإنّي أُذكّرك الله عزّ وجلّ، فإنّه من ينصح فإنّما ينصح لنفسه، وإنّه من يُطع رُسُلي ويتّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي. وإنّ رُسُلي قد أثنوا عليك خيراً. وإنّي قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه. وعفوت عن أهل الذنوب، فاقبل منهم. وإنّك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك. ومن أقام على يهوديّته أو مجوسيّته فعليه الجزية»(3).
مكتوب المنذر إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله):
أما بعد يا رسول الله: فإنّي قرأتُ كتابك على أهل بحرين، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه. وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث في ذلك أمرك.
ردّ النبي على مكتوب المنذر:
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى: سلام الله عليك، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن كتابك جاءني وسمعتُ ما فيه، فمن صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ما لنا، وعليه ما علينا. ومن لم يفعل، فعليه دينار من قيمة المُعافريّ. والسلام ورحمة الله، يغفر الله لك».
كتابه (صلَّى الله عليه وآله) إلى المنذر في مجوس هَجر:
«... اعرض عليهم الإسلام، فإن أسلموا، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا. ومن أبى، فعليه الجزية في غير أكلٍ لذبائحهم ولا نكاح لنسائهم».
من الرسول إلى المنذر في موضوع الجزية:
«أما بعد: فإنّي قد بعثت إليك قُدامة وأبا هريرة. فادفع إليهما ما اجتمع عندك من جزية أرضك. والسلام».
الثاني: ما ذكره المؤرخون عن القبائل العربية التي سكنت إقليم البحرين ونوعية ولائها
لقد كان لوجود القبائل العربية الموالية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في إقليم البحرين الدور الفاعل في نشر التشيع وتثبيته مثل قبيلة عبد القيس وبكر ابن وائل؛ حيث كان لهم الدور الريادي في الولاء لأهل البيت فبرزت منهم شخصيات تبنت أدواراً ومواقف مشهودة مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومن تلك المواقف أسهمت إسهاماً فاعلاً في تثبيت التشيع في إقليم البحرين.
القبائل العربية في إقليم البحرين:
لقد سكن في إقليم البحرين قبائل عبد القيس وبكر بن وائل وقد نص المؤرخون على تشيعهم وولائهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
1- يقول الشيخ المفيد: "أنّ عبد القيس جاءت بأجمعها لنصرة الإمام علي يوم الجمل وأنّه لم يتخلف منها سوى رجل واحد"(4).
2- وقال ابن قتيبة: "وكانت عبد القيس تتشيع"(5).
3- وقال في ترجمة صحار العبدي: "وكان عثمانياً وكانت عبد القيس تتشيع فخالفها."(6).
4- وقال محمد بن إبراهيم الثقفي: "وكانت عبد القيس تتشيع"(7).
5- يقول الجاحظ: "إن ربيعة كانوا في طاعة علي مجتهدين وعلى معاوية مطيعين"(8).
الشخصيات القبلية ودورها في تثبييت التشيع:
برزت شخصيات من أصول قبلية معروفة كقبيلتي عبد القيس وبكر بن وائل كانت لهما بصمة واضحة وأثر كبير في نشر التشيع في هذا الإقليم فمن تلك الشخصيات ما يلي:
1- الصحابي الجليل حكيم بن جبلة العبدي، استشهد في معركة الجمل هو وابنه وأتباعه، تولى إمارة السند في خلافة عثمان بن عفان، يقول فيه الإمام علي (عليه السلام): «قتلوا شيعتي وقتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا لا ننكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم»(9).
2- زيد بن صوحان العبدي، قتل يوم الجمل، وقد قال فيه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «زيد وما زيد تسبقه يده إلى الجنة ثم يتبعها جسده، ووقف على مصرعه أمير المؤمنين وكان به رمق فقال له: رحمك الله يا زيد فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة»(10).
3- الصحابي صعصعة بن صوحان العبدي، أسلم على عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وقاتل مع الإمام علي في جميع معاركه وقد قتل أخواه مع علي وهما سيحان وزيد، مات في زمن معاوية.
4- صحار بن العياش العبدي، قاتل مع علي (عليه السلام) في معاركه.
5- حويرثة بن سمي العبدي، قال في أعيان الشيعة: حويرثة تصغير حارثة، والعبدي نسبة إلى عبد القيس.
كان حويرثة من أصحاب علي (عليه السلام) الذين شهدوا معه صفين وقال بعد انقضاء حرب صفين -أورده نصر في كتاب صفين-:
سائل بنا يوم التقينا الفجرة
والخيل تعدو في قتام الغبرة
ثبنا بأنا أهل حق نعره
كم من قتيل قد قتلنا تخبره
ومن أسير قد فككنا مأسره
بالقاع من صفين يوم عسكره(11)
6- قدامة بن مسروق العبدي، من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم صفين(12).
7- عمرو بن المرجوم العبدي، قال ابن حجر:" قال ابن سعد قدم في وفد عبد القيس، قلت: وقد تقدم ذكره في عمرو بن عبد قيس وذكر الخطيب في المؤتلف أنه نقل من ديوان المسيب بن علس صنعة ثعلب النحوي أن المسيب مدح مرجوما بالجيم بن عبد مر بن قيس بن شهاب بن رياح بن عبد الله بن زياد بن عصر وكان من أشراف عبد القيس ورؤسائها في الجاهلية وكان ابنه عمرو بن مرجوم سيداً شريفاً في الإسلام، وهو الذي جاء يوم الجمل في أربعة آلاف فصار مع علي ولم يقف الخطيب على ما نقله ابن سعد من وفادته وإسلامه"(13).
8- الحارث بن منصور العبدي، كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين وكان ابن عمه ذو نواس بن هذيم بن قيس العبدي ممن لحق بمعاوية فخرج ذو نواس يوماً يسأل المبارزة فخرج إليه ابن عمه الحارث بن منصور فاضطربا بسيفيهما وانتسبا إلى عشائرهما فعرف كل منهما صاحبه فتتاركا، قاله نصر بن مزاحم في كتاب صفين.(14)
9- الحارث بن مرة العبدي، قال في أعيان الشيعة: قتل سنة،37 قتله الخوارج كما في مروج الذهب، وقال ابن الأثير وياقوت قتل سنة 42.
(العبدي) نسبة إلى عبد القيس وهي معروفة بولاء أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: "جعل علي (عليه السلام) يوم صفين الحارث بن مرة العبدي على رجالة الميسرة". وقال ابن الأثير في حوادث سنة 39: "وفيها توجه الحارث بن مرة العبدي إلى بلاد السند غازياً متطوعاً بأمر أمير المؤمنين علي، فغنم وأصاب غنائم وسبياً كثيراً وقسم في يوم واحد ألف رأس، وبقي غازياً إلى أن قتل بأرض القيقان هو ومن معه إلا قليلاً سنة 42 أيام معاوية اهـ". وفي معجم البلدان: "قيقان بالكسر بلاد قرب طبرستان، قال: وفي كتاب الفتوح في سنة 38 وأول سنة 39 في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب توجه إلى ثغر السند الحارث بن مرة العبدي متطوعاً بإذن علي، فظفر وأصاب مغنماً وسبياً وقسم في يوم واحد ألف رأس، ثم إنّه قتل ومن معه بأرض القيقان إلا قليلاً وكان مقتله في سنة 42 اه". وفي مروج الذهب عند ذكر وقعة النهروان: "فسار علي إليهم -أي الخوارج- حتى أتى النهروان فبعث إليهم بالحارث بن مرة العبدي رسولاً يدعوهم إلى الرجوع فقتلوه اه". وكانت وقعة النهروان سنة37.(15)
10- هرم بن حيان العبدي، أحد الزهاد الثمانية من أصحاب أمير المؤمنين وعُدَّ في الصحابة.(16)
الثالث: ولاة البحرين عبر التاريخ وتثبيتهم لمذهب أهل البيت
لقد كان للولاة الذين تعاقبوا على البحرين دوراً في تثبيت مذهب أهل البيت (عليه السلام) وذلك من خلال ولائهم لأهل البيت (عليه السلام) وعكس ذلك في المحيط الذي كانوا يعيشون فيه فمن أولئك الولاة ما يلي:
1- أبان بن سعيد بن العاص الأموي حيث ولاه الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على بيت المال في البحرين، وكان أبان هذا شيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبعد أن توفي النبي (صلَّى الله عليه وآله) وأخذ الخلافة أبو بكر لم يبايع لأبي بكر، فكان هذا السبب الرئيس لعزله من منصبه.
2- الربيع بن زياد الحارثي، قال السيد محسن الأمين: في الاستيعاب: "لما بلغ الربيع بن زياد الحارثي من بني الحارث بن كعب وكان فاضلاً جليلاً وكان الحسن بن أبي الحسن كاتبه، فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عدي دعا الله (عزَّ وجلَّ)، فقال: اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات. ونحوه في أسد الغابة، وفي الدرجات الرفيعة: روى الشيخ في الأمالي قال: أخبرنا محمد بن محمد أخبرني أبو الحسن علي بن مالك النحوي حدثنا الحسين بن عطاء الصواف حدثنا محمد بن سعيد البصري، قال: كنت غازياً زمن معاوية بخراسان، وكان علينا رجل من التابعين فصلى بنا يوماً الظهر ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيّها الناس، إنّه قد حدث في الإسلام حدث عظيم لم يكن منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مثله، بلغني أن معاوية قتل حجراً وأصحابه، فإن يك عند المسلمين غير فسبيل ذلك وإن لم يكن عندهم غير فاسأل الله أن يقبضني إليه وأن يعجل ذلك، قال الحسن بن أبي الحسن: فلا والله ما صلى بنا صلاة غيرها حتى سمعنا عليه الصياح"(17).
3- عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسود بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، ربيب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، أمّه أم سلمة المخزومية أم المؤمنين، يكنى أبا حفص. ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة.
وقيل: إنّه كان يوم قبض رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ابن تسع سنين، وشهد مع عليّ (رضيَّ الله عنه) الجمل، واستعمله عليّ (رضيَّ الله عنه) على فارس والبحرين.
وتوفى بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وثمانين. حفظ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وروى عنه أحاديث. وروى عنه سعيد بن المسيب، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وعروة بن الزبير وعمر بن أبي قتادة(18).
وقال محمد علي الأردبيلي: "عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة ربيب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولاه البحرين، وقتل بصفين وروى فيما كتب (عليه السلام) إليه فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وأحببت أن تشهد معي فإنّك ممن أستظهر به على جهاد - العدو إقامة عمود الدين إن شاء الله تعالى"(19).
وقال السيد علي خان المدني: "(عمر بن أبي سلمة) ابن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة يكنى أبا حفص أمه أم سلمة زوجة النبي وهو ربيب رسول الله مات (صلَّى الله عليه وآله) وهو ابن تسع سنين وحفظ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الحديث وروى عنه سعيد بن المسيب وغيره وشهد هو وأخوه سلمة مع عليّ (عليه السلام) حروبه وروى أنّ أمهما أتت بهما إليه (عليه السلام) فقالت: عليك بهما صدقة فلو يصلح لي الخروج لخرجت معك، وذكر الشيخ في رجاله والعلامة في الخلاصة بدل عمر محمداً فقالا محمد بن أبي سلمة وما ذكرناه هو الصحيح"(20).
(وروى) هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي من مكة: أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة ويذكرون أن عثمان قتل مظلوماً وأنهم يطلبون بدمه والله كافيكهم بحوله وقوته ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج وأمرنا به من لزوم البيوت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أمير المؤمنين خيراً، قال: فلما قدم عمر على أمير المؤمنين (عليه السلام) أكرمه ولم يزل مقيماً معه حتى شهد مشاهده كلها، ووجهه علي أميراً إلى البحرين وقال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إليّ من شعره فبعث إليه بأبيات له أولها.
جزتك أمير المؤمنين قرابة رفعت بها ذكرى جزاء موقراً
ولم يزل عمر المذكور عاملاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) على البحرين حتى عزله واستعمل النعمان بن عجلان الرزقي على البحرين مكانه ولما أراد عزله كتب إليه (عليه السلام): «أما بعد فإني وليت النعمان بن عجلان الرزقي على البحرين نزعت يدك بلا ذمّ لك ولا تثريب عليك فقد أحسنت الولاية وأديت الأمانة فاقبل غير ظنين ولا ملوم ولا متّهم ولا مأثوم فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام وأحببت أن تشهد معي فإنّك ممن أستظهر به على جهاد العدو وإقامة عمود الدين إن شاء الله تعالى». وذكر هذا الكتاب السيد الرضى (رحمه الله) في نهج البلاغة، قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب: توفي عمر بن أبي سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك سنة ثلاثة وثمانين. وقال صاحب منهج المقال: قتل مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين وهو غلط وما ذكره ابن عبد البر هو الصحيح والله أعلم(21).
4- النعمان بن العجلان الأنصاري، قال السيد محسن الأمين: "النعمان بن العجلان بن النعمان الأنصاري كان مع علي (عليه السلام) بصفين فقال:
وسائل بصفين عنّا عند وقعتنا
وكيف كنّا غداة المحك نبتدر
واسأل غداة لقينا الأزد قاطبة
يوم البصيرة لما استجمعت مضر
لولا الإله وقوم قد عرفتهم
فيهم عفاف وما يأتي به القدر
لولا الإله وعفو من أبي حسن
عنهم وما زال منه العفو ينتظر
لما تداعت لهم بالمصر داعية
إلا الكلاب وإلا الشاء والحمر
كم مقعص قد تركناه بمقفرة
تعوي السباع لديه وهو منعفر
ما أن يؤوب ولا ترجوه أسرته
إلى القيامة حتى ينفخ الصور
وقال النعمان عجلان أيضاً:
كيف التفرق والوصي أمامنا
لا كيف إلا حيرة وتخاذلا
لا تعتبن كذا عقولكم لا خير في
من لم يكن عند البلابل عاقلا
وذروا معاوية الغوي وتابعوا
دين الوصي لتحمدوه آجلا
وقال الزبير بن بكار في الموفقيات: أنّها اجتمعت جماعة من قريش بعد بيعة أبي بكر وفيهم ناس من الأنصار وأخلاط من المهاجرين وذلك بعد أن انصرفت الأنصار عن رأيها وسكون الفتنة وجاء إليهم عمرو بن العاص فأفاضوا في ذكر يوم السقيفة فقال عمرو: والله لقد دفع الله عنّا من الأنصار عظيمة ولما دفع الله عنهم أعظم كادوا والله أن يحلوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه ويخرجوا منه من أدخلوا فيه والله لئن كانوا سمعوا قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): الأئمة من قريش ثم ادعوها لقد هلكوا وأهلكوا وإن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين ولا سعد كأبي بكر ولا المدينة كمكة ولقد قاتلونا أمس فغلبونا على البدء ولو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة فلم يجبه أحد وانصرف فقال:
ألا قلْ لأوس إذا جئتها
وقلْ إذا جئت للخزرج
تمنيتم الملك في يثرب
فأنزلت القدر لم تنضج
وأخدجتم الأمر قبل التمام
واعجب بذا المعجل المخدج
تريدون نتج الحيال العشار
ولم تنتجوه فلم ينتج
عجبت لسعد وأصحابه
ولو لم يهيجوه لم يهتج
رجا الخزرجي رجاء السراب
وقد يخلف المرء ما يرتجي
وكان كمسخ على كفه
بكف يقطعها أهوج
فلما بلغ الأنصار مقالته وشعره بعثوا إليه لسانهم وشاعرهم النعمان ابن العجلان وكان رجلاً أحمر قصيراً تزدريه العيون وكان سيداً فخماً فأتى عمراً وهو في جماعة من قريش فقال: والله يا عمرو ما كرهتم من حربنا إلا ما كرهنا من حربكم وما كان الله ليخرجكم من الإسلام بمن أدخلكم فيه إن كان النبي (صلَّى الله عليه وآله) قال: الأئمة من قريش، فقد قال: لو سلك النّاس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، والله ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا منّا أمير ومنكم أمير وأمّا ما ذكرت فأبو بكر خير من سعد لكن سعداً في الأنصار أطوع من أبي بكر في قريش فأمّا المهاجرون والأنصار فلا فرق بينهم، ولكنك يا ابن العاص وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة لقتل جعفر وأصحابه ووترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد ثم انصرف فقال:
فقل لقريش نحن أصحاب مكة
ويوم حنين والفوارس في بدر
وأصحاب أحد والنضير وخيبر
ونحن رجعنا من قريظة بالذكر
ويوم بأرض الشام إذ حل جعفر
وزيد وعبد الله في طلق نجري
وفي كل يوم ينكر الكلب أهله
نطاعن فيه بالمثقفة السمر
ونضرب في نقع العجاجة أرؤسا
ببيض كأمثال البروق إذا تسري
نصرنا وآوينا النبي ولم نخف
صروف الليالي والعظيم من الأمر
وقلنا لقوم هاجروا قبل مرحباً
وأهلاً وسهلاً قد أمنتم من الفقر
نقاسمكم أموالنا وبيوتنا
كقسمة أيسار الجزور على الشطر
ونكفيكم الأمر الذي تكرهونه
وكنّا أناساً نذهب العسر باليسر
وقلتم حرام نصب سعد ونصبكم
عتيق بن عثمان حلال أبا بكر
وأهل أبو بكر لها خير قائم
وإن علياً كان أخلق بالأمر
وكان هوانا في علي وأنه
لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدرِ
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى
وينهي عن الفحشاء والبغي والنكر
وصي النبي المصطفى وابن عمه
وقاتل فرسان الضلالة والكفر
وهذا بحمد الله يهدي من العمى
ويفتح آذانا ثقلن من الوقر
نجيّ رسول الله في الغار وحده
وصاحبه الصدّيق في سالف الدهر
فلولا نبي الله لم يذهبوا بها
ولكن هذا الخير أجمع في الصبر
ولم نرض إلا بالرضا ولربما
ضربنا بأيدينا إلى أسفل القدر
فلما انتهى شعر النعمان إلى قريش غضب كثير منها وألفى ذلك قدوم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن فجرى منه ما ذكر في ترجمته.
وفي أسد الغابة: كان شاعراً فصيحاً سيداً في قومه أتاه النبي (صلَّى الله عليه وآله) يعوده فقال: كيف تجدك يا نعمان؟ فقال: أجدني أوعك. فقال: اللهم شفاء عاجلاً إن كان عرض مرض أو صبراً على بلية إن أطلت أو خروجاً من الدنيا إلى رحمتك إن قضيت أجله. وفي الإصابة ذكر المبرّد أنّ عليّ بن أبي طالب استعمل النعمان هذا على البحرين فجعل يعطي كل من جاء من بني زريق فقال فيه الشاعر وهو أبو الأسود الدؤلي:
أرى فتنة قد ألهت الناس عنكم
فندلا زريق المال من كل جانب
فإن ابن عجلان الذي قد علمتم
يبدد مال الله فعل المناهب
وكأنّه يشير إلى قول الشاعر يصف لصاً اسمه زريق:
يمرون بالدهنا خفافاً عيابهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهي الناس جلهم أمورهم
فندلا زريق المال ندل الثعالب
ويمكن أن يستفاد تشيعه من استعمال علي (عليه السلام) إياه على البحرين فيدل على أنّه رجع إليه كما رجع إليه كثير من الصحابة ومن قوله: "وأنّ علياً كان أخلق للأمر وكان هواناً في علي البيت وإن كان في شعره ما قد يستشم منه خلاف التشيع"(22).
الرابع: شهادات تاريخية بتشيع أهل البحرين
1- يقول ابن بطوطة في رحلته: "ثم سافرنا إلى مدينة القطيف كأنه تصغير قطف وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب وهم رافضية غلاة يظهرون الرفض جهاراً لا يبقون أحداً ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين: أشهد أن علياً ولي الله ويزيد بعد الحيعلتين: حي على خير العمل ويزيد بعد التكبير الأخير محمد وعلي خير البشر ومن خالفهما فقد كفر"(23).
2- يقول ياقوت الحموي في (عمان): "وأكثر أهلها أيامنا خوارج أباضية ليس بها من غير هذا المذهب إلاّ طارئ غريب وهم لا يخفون ذلك، وأهل البحرين بالقرب منهم بضدهم كلهم روافض سبائيون لا يكتمونه ولا يتحاشون وليس عندهم من يخالف هذا المذهب إلاّ أن يكون غريباً"(24).
الاستنتاجات:
من خلال ما توصلنا إليه في البحث نورد هنا أهم الاستنتاجات:
1- لقد أسهمت القبائل العربية إسهاماً فاعلاً في نشر التشيع في إقليم البحرين.
2- كان للشخصيات القبلية الدور الريادي في نشر التشيع حيث تبوّءوا الدور في الأساس من الدور الفاعل لقبيلتهم وبالتالي كان دورهم مكملاً لدور القبيلة.
3- بروز شعراء من هذه القبائل كان لهم الدور في ترسيخ حالة الولاء لأهل البيت عبر أشعارهم وانتشارها.
4- أطبق المؤرخون عامة على تشيع قبائل إقليم البحرين المتمثلة في ربيعة وتشعباتها.
5- مساهمة القبائل في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) من خلال مشاركتهم الكبيرة معه في حروبه.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطاهرين.
* الهوامش:
(1) معجم البلدان، ياقوت الحموي 5/150.
(2) نصب الراية لجمال الدين الزيعلي ج4 ص243.
(3) نصب الراية لجمال الدين الزيعلي ج6 ص562.
(4) كتاب الجمل، الشيخ المفيد/158.
(5) المعارف، ابن قتيبة/339.
(6) المعارف، ابن قتيبة/339.
(7) الغارات، ابراهيم بن محمد الثقفي 2/787.
(8) رسائل الجاحظ، رسالة الحكمين، الجاحظ/348.
(9) سير أعلام النبلاء، الذهبي 3/531، الاصابة، ابن حجر 2/181.
(10) الاستيعاب لابن عبد البر 1/555، خلاصة الأقوال /148، الطبقات لابن سعد 6/123.
(11) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين 6/258.
(12) مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي 6/276.
(13) الإصابة، ابن حجر 4/563.
(14) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين 4/375.
(15) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين 4/374.
(16) أسد الغابة، ابن الأثير 5/57.
(17) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين 4/585.
(18) الاستيعاب، ابن عبد البر 3/1160.
(19) جامع الرواة، محمد علي الأردبيلي 1/630.
(20) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي خان المدني ص197.
(21) الدرجات الرفيعة، السيد علي خان المدني/198.
(22) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين 10/224.
(23) رحلة ابن بطوطة/ 270.
(24) معجم البلدان، ياقوت الحموي 4/150.
0 التعليق
ارسال التعليق