الشيخ محمَّد علي العكري (رحمه الله)  الآمر بالمعروف والنَّاهي عن المنكر

الشيخ محمَّد علي العكري (رحمه الله)  الآمر بالمعروف والنَّاهي عن المنكر

المقدمة

نقف في هذه الصفحات القليلة مع شخصية فذَّة عرفت بالجهاد بالكلمة، وبالجهر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم تأخذها في الله لومة لائم، حتى عرفت بـ(أبي ذر البحرين).

"ومن شبّهه بأبي ذر في إقدامه وجرأته وإصحاره بالحقِّ وصراحته لم يخلف التشبيه" بهذه الكلمات كان تأبين آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسمB للمرحوم الشيخ محمَّد علي بن ملا منصور بن محمَّد بن منصور العكري البحرانيN، وليست من عادة آية الله قاسمB أن يثني على أحدٍ لا سيَّما في خطبة الجمعة، إلا أنَّه لمَّا رأى إيمان هذا الرجل وتقواه وورعه وهمَّته التي لا تقاس في نصرة الدين وأهله وسعيه الدؤوب في إماتة الباطل وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر الذي قلَّ نظيره كان ذلك وغيره داعياً إلى أن يبرز هذا الجانب في شخصيَّة الشيخ العكري ليكون قدوة للغيارى من المؤمنين.

وتخليداً لمثل هذه الشخصيات التي لا تعمل إلا بعيداً عن الأضواء والشهرة، وتعمل خالصة لله تعالى كانت هذه الكلمات المسطَّرة في حقِّ الشيخ العكري، لا لاستعراض حياته الشخصية فحسب، بل لاستعراض الجوانب الإيجابية في شخصيَّته وأعماله التي قام بها في حياته، ولإبرازها للاقتداء به واقتفاء أثره، مستعرضين نبذةً مختصرة من حياته مع بيان أدواره المختلفة التي مارسها في المجتمع مع التركيز على الوظيفة الأهمِّ التي عرف بها وهي أمرُه بالمعروف ونهيه عن المنكر. والختام بذكر بعض الصِّفات التي ينبغي توفرُّها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

نبذة مختصرة من حياة الشَّيخ العكريّ

ولد الشيخ محمَّد علي بن ملا منصور بن محمد بن منصور العكريN عام 1941م في البحرين في قرية الديه، وبعد أن أكمل دراسته النَّظامية عمل موظَّفاً في وزارة الصِّحة، وبمطلع السبعينات استقال من عمله وأكمل دراسة العلوم الدينية، وتخصّص في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعُرف بصراحةِ خطابه التوجيهي الديني والسياسي.

* في يناير 1979م حضر تشييع سماحة الشَّيخ باقر العصفورN في مقبرة الشاخورة ورفع صوتَه بين الجماهير الحاشدة بحضور بعض كبار المسؤولين في الدولة مهاجماً الحكومة آنذاك وسياستها ومطالباً بإصلاحات ملموسة ومباشرة.

* وفي يوليو 1979م عُقد بالتعاون مع الشيخ محمَّد علي العصفور بقرية الديه ندوات ليلية حاشدة، واختتمت الندوات بكتابة عريضة تضمَّنت عدداً من المطالب من بينها إطلاق سراح السجناء السياسيين وتطبيق النِّظام الإسلامي في الحكم، وتوظيف العاطلين، غير أنَّ الحكومة لم تستجب لهم.

* وفي أغسطس 1979م اعتقل الشيخ العكري وآخرين من مطار البحرين فور عودتهم من قم المقدَّسة وذلك بعد أيام من خروج المظاهرات وإقامة الاحتفالات في مختلف مناطق البحرين إحياء ليوم القدس العالمي الذي أعلن عنه الإمام الخمينيN في ذلك الشَّهر.

* وفي 23-24 أغسطس 1979م شهدت البحرين خروج مظاهرات مطالبة بالإفراج عنه ومن معه ووقّع علماء البحرين على عريضة احتجاج، غير أنّ الحكومة عمدت إلى تطبيق قانون أمن الدولة عليه وأبقته قيد الاحتجاز.

* في سنة 1983م أفرج عن الشيخ بعد أن سجن لمدَّة أربعة أعوام، ولكنّه سرعان ما عاد إلى رفع سماعته المعهودة ليخطب في الناس في مختلف المحافل، ما أدّى إلى تعرّض الشيخ للكثير من المضايقات والاستهداف، غير أنَّه لم يكلّ ولم يملّ، حتى أقعده المرض.

* وفي 2010م رحل الشيخ إلى جوار ربّه في يوم الجمعة الموافق 24 ديسمبر 2010م ووري الثرى بمقبرة الإمام بمدينة جد حفص، وشيعته الألوف بالبكاء والعويل، والحزن الشديد، مستحضرين مناقبه ومآثره، وما خلَّفه من أثرٍ على نفوس المؤمنين.

أدواره وما قيل فيه

كان الشيخ العكري رجلاً استثنائياً؛ فكان عطاء الشيخ في المجال الديني بلا حدود، فقد وقف نفسَه لتبليغ الدين ونصحِ المؤمنين، وأدواره المختلفة قد أنتجت وأثمرت جيلاً يحفظ الدين، وجيلاً متديّناً متمسّكاً بأهل البيتi.

وله أدوار بارزة في العمل المؤسساتي؛ فقد كان الشَّيخ بمفرده مؤسسة متنقّلة في التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه بعض أدواره التي كان يقوم بها: 

- التحرّك الشخصي للقضاء على بؤر الفساد والانحراف في كلّ موضع يمكنه الوصول إليه.

- التَّعليم الديني في قرية الديه والقرى المجاورة لا سيّما تعليم الصلاة.

- مقاومة المدّ الفكر الشيوعي في فترة السبعينات.

- تأسيس الجمعية الحسينية التعاونية في قرية الديه بمبنى الحسينية، واستهدف من تأسيسها إطلاق مشروع خيري اجتماعي يعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجمع التبرُّعات لمساعدة غير القادرين مالياً على الزَّواج، ومارَسَ خلالها نشرَ الوعي الديني في أوساط الشَّباب.

ناهيك عن تحرّكاته السياسية للسعي في مصالح الناس.

بناء الجماعة المؤمنة:

وعلى صعيد بناء الأفراد والجماعات الإيمانية فقد كان "يستحثُّ العاملين على العمل على ما يحافظ على تماسك المجتمع وسلامة الجوِّ الإيماني، وكان آنذاك بداية انتشار سكن العمَّال الأجانب [حيث كانوا يسكنون في مجاميع في القرى ممَّا له من آثار سلبية على الأمن الاجتماعي والأخلاقي كما اتضح فيما بعد] فكان من الرافضين لوجودهم وسكنهم في القرى خوفاً على الجوّ الإيماني فيها من التأثُّر من سلوكياتهم ] وثقافاتهم الدخيلة على المجتمع الإيماني"، وأمَّا الآن ونحن في عام(2024م) لو جاء الشيخ العكري لرأى المصائب من هذه الظاهرة التي اكتسحت قرى البحرين، ممَّا يحملنا جميعاً مسؤولية التصدِّي وإبداء الاعتراض.

وهكذا كان الشيخN عندما فتحت محلَّات الخياطة [حيث يكون الخيَّاط رجلاً من الآسيويين فيريد أن يأخذ المقاسات على النساء] فكان يكثر من الحديث عن هذا الأمر وينهى عن ذهاب النساء [إلا إذا كانت الخياطة أو من يأخذ القياسات امرأة]".

الجرأة في الصَّدح بالحقِّ:

تميَّز العكري بجرأته وتعامله مع كافة الأوساط الاجتماعية والسياسية والشعبية إضافة إلى اهتمامه الكبير بالقضايا الاجتماعية ورعاية الفقراء والحثّ على الحشمة والعفاف وتقديم المساعدات في مجال الزواج، وكان للفقيد حضوره في الأزمات التي عاصرت البلاد في جميع مراحل حياته ولم يتهاون يوماً عن أداء واجبه، ولم يمرّ يوماً إلا وهو مشغول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مشروع التزويج:

ومن أدواره المهمة التي ركَّز عليها وسعى إليها عمليا، مشروع تزويج العزاب، فأنّه "أسَّس مشروع التزويج، وكان مشروعاً مهمّاً في تلك الفترة حيث كان يسعى إلى التوفيق بين المؤمنين للزَّواج، وقد يحدِّد مهراً وشروطاً تصبّ في صالح الزوجين، ومهراً يكون مناسباً؛ فكان ممَّا يقصد الشيخ إليه هو التزويج من قبل الشباب، بل النساء أيضاً ممَّن يتأخرنَ عن الزواج.. وهذا من مشاريعه النافعة والكثير قد استفاد من هذه المشروع". 

وقد رأيناه ونحن صغار يتجول في كل مكان في مظان وجود الشباب، ويسألهم عن كونهم متزوجين أم لا، وذلك لحثِّهم على الزَّواج ومساعدهم في ذلك، فكان طبيباً دوَّاراً بطبِّه.

ممّا قيل في الشيخ ودوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا بدَّ من تخليد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ليكونوا قدوات تسير الأجيال على منهاجها وطريقها، ويكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممَّا يتعبَّد الله به فقد ورد عن الإمام الصادقg: >ويلٌ لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر<([1])، وليتحمّل هذه الوظيفة كلّ من كانت لائقة به، ولا يتواكل المؤمنون في أدائها، لا سيَّما مع الالتفات إلى كونها وظيفة لازمة وليست نفلاً كما ورد في قوله تعالى: {وَلْتَكُن مّنكُمْ أُمَّةُ ُ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104). 

ومن هنا نعرض عدداً من الكلمات التي وردت في شأن الشَّيخ العكريN مستلهمين منها عدداً من الصِّفات التي لا بدَّ من توافرها في المتصدّي إلى هذه الوظيفة، وهذا لا يعني الإقعاد عن أدائها ممَّن لم تتوفّر عنده هذه الصفات، بل هو بيان الوظيفة الكفائية التي لا بدَّ من تحقيق مقدِّماتها لامتثالها.

1. آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم B:

فقد قال في حقّه في خطبة الجمعة التي اعتاد الجميع على أنّها خطب موزونة دقيقة في معانيها راقية في مضامينها، كما أنّه لا يثني على أحدٍ في خطبه إلا من كانت له جهات إيمانية بارزة وأعمال صالحة، فقد جاء في خطبة الجمعة بعنوان: إيمان وإرادة، قال فيها: "شيخنا العكري تمتَّع بإيمان وإرادة؛ إيمان قوي بالإسلام، وإرادة ماضية في طريقه، وكانت حيويَّته كبيرة، ونشاطه نشاطاً دفَّاقاً، وله نَفَسٌ طويل في العمل، وصبر على المقاومة.

رأى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة تستحق العناء والعَنَتَ والحياة، وواصل هذا الطريق بعد أن جرَّب صعوبته، وذاق طعم تحدّياته، وتلقّى دروساً قاسية رآها حلوة مستساغة، وهو يخوض معاركه، وإنَّما حَلَت له الدروس القاسية في ظلِّ إيمانه ورساليَّتِه.

ومن شبَّهه بأبي ذرٍّ في إقدامه وجرأته وإصحاره بالحقّ وصراحته لم يُخطئ التشبيه"([2]).

2. العلامة السيد عبد الله الغريفيB:

فقد قال عنه: "فقدنا شخصاً كان يشكل تاريخاً من العمل والجهاد والعطاء، والمواقف الصلبة في سبيل إيصال كلمة الحق، والدفاع ومواجهة الفساد والمنكر، وكان قوياً في ذات الله، كان صلبا في ذات الله فيما يعتقد أنه حق، وأنه في دفاع عن الإسلام وعن قيم الدين، وكان كان لا يجامل ولا يساوم، كان جرئياً، كان صلب المواقف، كان شديد الوطأة على المنكر وعلى الفساد، وكان مخلصاً للمبادئ التي آمن بأنها تمثِّل الحقَّ ومبادئ الدين والإسلام في محاربة الفساد، القضية التي آمن بها وكان متحركا دائماً، كان لا يسمح لنفسه أن يستريح إلا قليلاً، كان يخدم الناس، كان له دور اجتماعي وله حضور إسلامي وحضور اجتماعي، حشره الله مع النبيين والصديقين".

3. سماحة السيد مجيد المشعل:

وهو رئيس المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين، قالB: "برحيل العالم الفاضل المجاهد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الشيخ محمد علي العكري نرفع التعازي لعلماء الأمة والبلد ولأهله وأسرته، وفي الحقيقة كان هذا الشيخ الجليل مثالاً حيّاً للرسالة المحمدية والجهاد والنهي عن المنكر وتحمل المسئولية الدينية ونشر الخير والصلاح للأمة، ومواجهة جهات الخلل، كان لساناً ناطقا وكان يعتبر أبا ذر الغفاري قدوة له في جهاده ومساعيه، وكان له تأثيره البالغ في مجتمعه طوال سنوات حياته".

4. سماحة الشَّيخ رضي ملَّا خليل:

وهو ممَّن عرف بقربه من الشيخ العكري، وكان قد أعانه على كثيرٍ من شؤونه يقول في حقّه: "الشيخ العكري ترك آثاراً كثيرة، فكان يركِّز على جوانب مهمَّة، وقد يحسب الناظر إليه أنّه يتصرّف بلا هدف.. ولكنَّه كانت له أبعاد وأبعاد.. فكان ينطلق من مبدأ وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتنقّل بين المدن والقرى والطرقات وفي الشوارع ويدخل المدراس والمستشفيات فيأمر رجلاً هنا بالمعروف وينهى هناك امرأة عن المنكر، ويدخل على المسؤولين في الدولة ويلقي عليهم كلمات المعروف -بلا تردُّد أو خوف- ولا يتأبَّى أن يدخل على تاجر أو وجيه أو عالم ليقي عليه ما ألقاه الله عليه من مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد يستعين بهذا وذاك في أداء مهمَّته وقد تجده ينشر العفاف والستر ولو ببذل المال في شراء وتوزيع اللباس المحتشم، وفي ذلك هدف كان يرنوا إليه وهو تنقية البيئة الفاسدة والوصول إلى الطمأنينة والأمان الديني، فقد ورد عن أهل البيتi بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر >تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم<([3]).

كان عند الشيخ التفاتات بعيدة لا تخطر على البال فقد أخبرني أنَّ أؤخِّر صلاة الظهرين لكي أقيمها إلى الأطفال بعد رجوعهم من المدارس، وهذه عناية بهذا النشئ، ولعلَّ أوَّل من بدأ مشروعا عامّاً في تعليم الصلاة في البلد كان هو الشيخ العكري.

ومن أنشطته الأنشطة السياسية، فكانت له عزيمة التغيير والإصلاح، ولذا كان يطالب بتغيير الواقع السياسي إلى الأحسن والأفضل، ويعتبر الشيخ سبَّاقاً في هذا الوقت، فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان يحاور الشخصيات السياسية، وكان يطالب بالحقوق الاجتماعية والسياسية وكان دؤوباً في ذلك.

الشيخ العكري لا يمكن أن تختزل حياته في مثل هذه الكلمات المختصرة".

5. سماحة الشَّيخ علي بن أحمد الجد حفصي:

قال في ضمن كلام له عن الشيخ العكري: "كان من المجاهدين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، فلم يسكت عن كلمة حقٍّ، ولم يغفل عن عمل فساد يستشري في بلده أو خارج بلده، وكان مهتماً بذكر الله، حتى أنّه إذا حصل وقت الأذان وهو في سيارة أجرة أو باص فإنّه يرفع صوته بالأذان ذاكراً لله تعالى ومذكّراً به، وثابتاً رغم استخفاف البعض.

كان دائماً ما يتكلَّم بالوعظ، ويبيِّن أهداف ثورة الإمام الحسينg التي تجعل الإنسان حراً، والحرُّ لا يمكنه أن يشترى أو يباع".

"كان يبحث عن بيوت الضعفاء ويساعدهم خفية اقتداء بأمير المؤمنين وباقي المعصومينi، فكان يستحقّ أن يُذكر لهذا الرجل فضله ويخلّد.. فكان ناكراً لنفسه لدرجة أنّه يدخل المأتم أحياناً بلا عمامة ويجلس بين الناس..".

"الشيخ وإن رحل إلا أنّ كلّ من عاش في زمانه فإنّه لا يذكره إلا بخير، فرحمك اللهُ يا شيخنا المجاهد، المصلح، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، الذي لم يسكن ولم يتوانَ عن مواصلة كلمة الحقّ والصدح بها.. وكان كثيراً ما يكرِّر: (الساكت عن الحقّ شيطان أخرس)".

"من التحدّيات التي واجهت الشيخ هي المعارضة من البعض ممَّن يتوقّع منه الدعم للشيخ فنسبوه إلى الجنون، ولم يحصل على الاحترام اللائق به عند البعض".

6. سماحة الشَّيخ بشار العالي:

"لا يخاف في الله لومة لائم، رغم استخفاف واستهزاء الكثير به، ولكنَّه لم يكن ليعبأ بهذا الاستهزاء فكان مستمراً في الدرب الذي اختطّه لنفسه في سبيل نشر الوعي بين الشباب والكبار بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن جانب آخر كان له حضور في المعترك السياسي منطلقاً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قاسى ظروف السجن والتحقيق كما يقاسي الكثيرون ممَّن يسيرون في هذا الطريق".

"عرفتُه منابر البحرين أنّه أحد الخطباء، ومع ذلك عرفته البحرين كلَّها؛ لأنّه شخصية كانت دائمة الحضور في مجالس العلماء وأماكن تجمّع الناس، لا يثنيه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبوح بما هو خطأ في المجتمع، لذلك حيثما أذكر هذه الشخصية فإنّي أستحضر  قوله تعالى {الذين يبلِّغون رسالات الله ولا يخشون أحداً إلا الله}".

"شخصية الشيخ العكري شخصية كانت تقتحم كلَّ الميادين وكلّ الأصعدة، فتراه في الأسواق وبين المدارس، وتراه في الحوزات والمساجد وأيّ تجمّع يكون محلّا لنشر الوعي وتثقيف النَّاس تجده سبَّاقاً إلى هذه الأماكن".

6. سماحة الشيخ عبد علي إسماعيل:

في كلمة ألقاها بتاريخ 3-1-2017م قال فيها: "من كان مؤمناً قد يتقاعس أحياناً عن بعض التكاليف لخوف أو مداهنة أو حرج وما إلى ذلك ممَّا يمنعه من التحدُّث وإبراز الجرأة في قول الحقّ، ويندر أن يأمر بالمعروف بالشكل الذي قام به أبو ذر الغفاري كما فعل الشيخ العكري.

كان رجلاً لا يستثني أحداً صغيراً أو كبيراً، ولا يفوّت مناسبة إلا ويأمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر، ومثله من الطبيعي أن يواجهه تحديّاً كبيراً، ويهان وتتولَّد الكراهية ضدَّه حتى عن بعض الناس ولكنَّه لم يكترث ولم يتنازل عن موقفه حتى لو كان وحيداً، في الوقت الذي يتحاشى الكثير الوقوف بمثل المواقف التي كان يقوم بها.

ويشهد الناس بأنّه قد أعان الكثير من الناس على حصانة أبنائهم لا سيّما في هذا الزمان الذي أثقل عليهم العالم بشكل فظيع فكان مؤثِّراً إيجابياً في المجتمع.. ولم يشعر بأدواره في المجتمع إلا بعد أن فارق الدينا وبقي مكانه خالياً".

7. سماحة السيد عباس شبر:

"كان تميّزه بعدّة أمور منها الصراحة، والصفاء والتقوى، وعدم الحرص على الدنيا فقد عُرضت على هذه الشخصية الكثير من الأموال حتى يتنازل ويتراجع عن تلك المطالب سواء كانت مطالب وطنية أو غيرها، أو يحاول أن يُشترى فيها هذه الشخصية التي أبت إلا أن تكون رسالية، أبت إلا أن تكون في طريق أهل البيتi، وهذه الشخصية هي التي ضحّت حتى دخلت السجن لكونها تصدح بالحق ولا تخاف في الله لومة لائم".

8. سماحة الشيخ علي سلمان(فرج الله عنه):

"بذل ما في يده، تحرَّك بحسب إمكانياته، وطاقته بإصلاح ما يعتقد من أمور في أمّته، اشتغل بشكل فرديّ على عدد من المشاريع؛ كالتزويج، وبرامج التدريس، وبرامج تتعلَّق بالعفة والحجاب، وأدَّى هذا الواجب بكلِّ صورة يستطيع أداءها.. ونتعلَّم منه أنَّ الإنسان يبذل ما في يدِه ويترك نتائج الأمور بيد الله".

9. الأستاذ. مهديّ العكريّ (ابنُ الشَّيخ العكريّ):

"الوالد كان ينطلق من كلمة الإمام عليg: >ألا إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يؤخران أجلاً، ولا يقطعان رزقاً<([4]ولذا كان الوالد لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان يلاقي الشيء الكثير؛ إذ ليس من السهل أن تسبح على عكس التيار

الشيخ الوالد لم يكن تصادميّاً مع الناس، ولم يكن حاداً كما قد يتصوِّره البعض، بل كان يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان هذا أسلوبه الذي يسير عليه..". 

"كان يحرص على عيادة المرضى في كلِّ ليلة جمعة.. وإذا ذهب فإنَّه يحمل معه الهدايا لهم؛ لما في ذلك من إدخال السُّرور عليهم".

١٠. آخرون:

والكلمات في حقه كثيرة جداً، ومن مختلف الشخصيات التي عاصرت الشيخ، ورأت فيه الرجل الغيور على دينه، فمنهم من يقول: "كان إخلاصه في عبادته وخدمته للناس ممَّا لا ينكره أحد".

وآخر يعبر بأنَّ الشيخ "لم يترك أهمّ محطّة عبادة ورسالة وهي الدعوة إلى الله  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يخجل ولا يستحي من الحقِّ، ينطلق في كلِّ زاوية من زوايا الحياة لكي يقدِّم ما يستطيع، ولكي يغيّر من السلب إلى الإيجاب، ومن القاصر إلى العالي، ومن القبيح إلى الجميل من أجل رضا الله ، ومن أجل إحياء أمر الله، إنَّ جئت في العزاء فهو حاضر ينصح هذا ويبثّ الدعوة إلى تلك من أجل الدعوة إلى الإسلام".

وآخر يقول في تأبينه: "من المهمّ أن نؤكِّد أنَّ الشيخ محمَّد علي العكري لم يكن ينطلق من مصالح ضيِّقة ولم يسعَ إلى مناصب.. وقد بدأ بنفسه، واستحقّ أن يسمّى بأبي ذر البحرين لحياته المتقشّفة، وعدم سعيه إلى أيِّ مكسب مادي، بل كان يقوم بما يؤمن به من الحثِّ على الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإيجاد وتنفيذ البرامج التعليمية الدينية والإصلاح الاجتماعي، بمعنى مساعدة الرَّاغبين في الزَّواج وتسهيل أمورهم، ولم يقتصر في ذلك كلِّه على منطقة دون أخرى، بل سعى إلى أن يعمَّ جميع مناطق البحرين، وكان له مواقف على مستوى الإصلاح السياسي..

الشيخ العكري هو إنسان نزيه، ينطلق من حرص لما يؤمن بهم إصلاح للعباد ولدينهم ودنياهم..".

ما قيل في حقه من الشِّعر

وحقٌّ ما قيل فيه من شعر في قول الشاعر

شيخ الجهاد هو العكريّ صرخته          الله أكبر هزّت ظالماً سمِجا

ضحّى وأنشأ جيلاً وكان لنا       نوراً مضيئاً إذ ليل الفساد دجى

لا يختشي محنة أو طاغياً آثماً         مناضل مخلص لم يسلك العوجا

شيخ الجهاد حباك الله مكرمةً   لسان أهل الحجى أمسى بها لهجا

لله صبرك والأحداث شاهدةٌ على نزاهة ما في قلبك اختلجا

شيخ الجهاد نصرت الحقّ محتسباً            فنم هنيئاً قرير العين مبتهجا

وقال الآخر:

عند اشتداد الدجى كنت كالبدر            وكنت نعم الذي قد صال بالفكر

جزاك ربّ السماء جزاء من عملوا        فنم قرير عيونٍ شيخنا العكري

صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر

في هذه الكلمات في حقِّ الشيخ العكري يتكشَّف لنا أنَّه قد توافرت فيه جملة من المواصفات التي ينبغي توافرها في كلِّ آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، نذكر خمساً منها:

الصِّفة الأولى: قوّة الإيمان بالإسلام والإرادة الصلبة على العمل:

لا شكَّ في أنَّ المتولّي إلى هذه الوظيفة لا بدَّ أنْ يحمل إيماناً بما يدعو إليه ممَّا يجعل عمله خالصاً لله تعالى، ولا يبتغي في ذلك إلا وجه الله، وأنّه سيعمل على وفق التكليف الإلهي الذي يرى نفسه مسؤولاً تجاهه.

وبما أنَّ هذه الوظيفة يكون المتصدّي فيها معرَّضاً إلى سهام النقد اللاذع، والإسقاط في المجتمع بغية إخماد صوته الذي هو صوت الحقّ ممَّا يستدعي إرادة صلبة، ووقوفاً عزيزاً في وجه الباطل لا يستكين ولا ينهزم في نفسه، ولا يخشى أيّة نظرة سلبية قد توجّه تجاهه ما دام مؤمناً بما يحمل وما يعمل، ولا يعطي للعوائق المتصوَّرة وزناً ويسعى جاهداً لتذليلها.

وممَّا يعزِّز ذلك هو أن يكون عنده إيمان بعظمة هذه الوظيفة وأثرها من أنَّ بها >تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء..<([5]) كما ورد في الخبر الشريف.

الصِّفة الثانية: توطين النَّفس على الصبر:

لمَّا كان هذا الطريق الذي فيه ما فيه من المخاطر والتحدّيات، فإنّ كلّ ذلك يتطلّب مقداراً كبيراً من الصبر على التجاوب السلبي -عادة- من المأمورين بالمعروف، والتثبيط الذي قد يصل إليه بصور مختلفة وبشكل مكرّر، ناهيك عن الاستهزاء أحياناً.. هذا كلّه وغيره يشكّل ضغطاً نفسياً ما دام مشتغلاً بهذه الوظيفة. فمن ابتلي بما ذكر فليتذكّر قوله تعالى: {وَاصبِر عَلى مَا أصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الاُمُورِ} وكذا قوله تعالى: ﴿وَاصبِر عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهجُرهُم هَجراً جَمِيلاً}. 

الصِّفة الثالثة: اللين في أداء هذه الوظيفة:

لا يخفى أنّ نفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثقيل على القلوب حتى لو ألقي بألين ما يمكن أن يكون، وهذا يؤكِّد ضرورة مراعاة هذا الأمر لما له من أثر إيجابيّ على المأمور يؤثِّر في تقبّل ما يلقى إليه -ولو بتثاقل- إلا أنَّ مآله إلى القبول. ولا بدَّ من الالتفات إلى أنّ الفرد بطبيعته قد يمارس سلوكاً لا يلتفت إلى مخالفته للشارع لجهله بالحكم مثلاً أو غفلته أنّ فعله هذا يمثّل مصداقاً إلى ذلك الحكم بحيث لو نبّه لتنبّه وتراجع، وهذا بحدِّ ذاتِه يستدعي اللين، فما بالك بما إذا كان يمارسه بعناد وإصرار على المعصية مثلاً، فهذا أدعى في أخذه باللين كي لا يتمادى فيما هو فيه، ومن هنا نعي قول أمير المؤمنينg: >الرِّفق ييسِّر الصِّعاب، ويسهِّل شديد الأسباب، من استعمل الرِّفق لان له الشَّديد<([6]).

الصِّفة الرَّابعة: الشَّجاعة في أداء الوظيفة:

هذه الوظيفة ممَّا تستدعي توفُّر عنصر الشجاعة عند الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؛ فإنَّه بأقلّ مراتبه سيكون مواجهاً لأهل الباطل -وباطلهم ولو بلحاظ هذا المقدار من الفعل الذي سينهاهم عنه- في باطلهم فضلاً عن المراتب الأعلى، فإنَّ هذا يتطلَّب شجاعة في المواجهة، مواجهة خالية من التخوُّف من أيِّ ضررٍ قد يصل إليه -وهذا يقدّر بقدره فقهيّاً-، وفي هذا ما ورد عن النبيe كمحفّزٍ لتوليد الشجاعة هنا قوله: >إنّ الله يبغض المؤمن الضعيف الذي لا زبر له [أي: لا عقل له]، وقال: هو الذي لا ينهى عن المنكر<([7])، وكذا ورد التأمين على الآمر والناهي أنّ ما يصله من ضرر جرّاء ممارسته إلى هذه الوظيفة فإنّه مقسوم، وما لم يقدّر أن يصل إليه من ضرر فإنّه لن يصل، وقد ورد عن الإمام الصادقg: >أيّها الناس، مروا بالمعروف وانهو عن المنكر، فإنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقرّبا أجلاً، ولم يباعدا رزقاً<([8]). 

الصِّفة الخامسة: التأهيل العلمي والمعرفي:

ممَّا تتطلُّبه هذه الوظيفة هي أن يكون الممارس لها عالماً بالمعروف والمنكر، ومشخّصاً المستوى المناسب للأمر والنهي، سئل الإمام الصادقg عن الحديث الذي جاء عن النبيe: >إنَّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر< ما معناه؟ قال: >هذا على أن يأمره بعد معرفته، وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا<([9])، وقالg: >لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال: رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه<([10]).

وختاماً نقول: يجب على كلّ أفراد المجتمع الإيماني أن يجعلوا المعروف والآمر به عزيزاً في المجتمع كيما تنتشر الفضيلة فيه.

ونكتفي بهذا المقدار كي لا يخرج المقال عن غرضه. ورحم الله شيخنا العكري برحمته الواسعة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


([1]) وسائل الشيعة، ب1 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح1.

([2]) خطبة الجمعة (435) 24 محرم الحرام 1431هـ – 31 ديسمبر 2010م.

([3]) الكافي، الكليني، ج5، ص56.

([4]) الزهد، حسين بن سعيد الكوفي، ص106. 

([5]) وسائل الشيعة، ب1 من أبواب الأمر بالمعروف، ح6.

([6]) تصنيف غرر الحكم، ص244.

([7]) وسائل الشيعة، ب1 من أبواب الأمر بالمعروف، ح23.

([8]) ن ف ح24.

([9]) ن ف ب2، ح1

([10]) مستدرك الوسائل، النوري، ب2 من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح1.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا