وظيفة المؤمن في الصراع بين الحق والباطل

وظيفة المؤمن في الصراع بين الحق والباطل

بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد..
الصِّراع بين الحقِّ والباطل بدأ مع مجيء الإنسان على هذه البسيطة، فكان آدمg في جبهة الحقِّ، وإبليس في جبهة الباطل، واستمرَّ الصِّراع (ولا يزال) في كلِّ الأجيال، والبلدان، وفي كلِّ مكان تطأه قدمُ الإنسان.
ولا يتمكَّن الإنسانُ أنْ ينأى بنفسه عن هذا الصِّراع، فهو مجبور بشكلٍ وآخر أن يكون معنياً ومنتمياً لإحدى الجبهتين، وهذا جزءٌ من البلاء والامتحان الذي لا مفرَّ منه، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
وزماننا هذا -المليء بالفتن- ليس مستثنى من هذا الأمر، فهناك جبهتان متقاتلتان، جبهة تمثِّل الحقَّ، وجبهة أو جبهات تمثِّل الباطل، وعلى المؤمن الواعي أن يشخِّص بشكلٍ دقيقٍ وواضحٍ جبهةَ الحقَّ لكي يقف معها ويتبع قادتها، وأن يعرف جبهة الباطل لمواجهتها والحذرِ منها.
خطوات اختيار الجبهة الصحيحة
وحتى يفلح المؤمن في اختيار الجبهة الصحيحة التي تمثل الحق بشكل واضح أن يخطو بعض الخطوات:
الأمر الأول: معرفة الحق
فإنَّ «الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحقَّ تعرف أهله»، فقد يرتبط الإنسانُ عاطفياً بشخصية معينة ويتعلَّق قلبُه بها ولا يرى فيها إلا الحقَّ، وأنَّ كلَّ ما خالفها فهو باطل، فحتى لو كان جانب الباطل فيها واضحاً وبارزاً فإنَّه لا يرى ذلك. ويأتي السؤال هنا: وهل يمكن معرفة الحقِّ قبل معرفة أهله؟ 
وفي الجواب نقول نعم ولا، بمعنى: أنَّ هناك أموراً عامَّة تمثِّل الحقَّ يعرفها كلُّ النَّاس، كالعدل والتقوى والتدين والزهد في الدنيا، فهذه الأمور تمثِّل الحق، ومن تلبس بها «صادقا» كان من أهل الحق، وهناك أمور تفصيلية لا يعرفها عامة النَّاس، وعليهم أن يتبعوا فيها أهل الحقِّ العارفين بتفاصيل الأمور. 
وهل يجري هذا في أهل البيتi؟ نقول: نعم، فإننا لم نتبع أئمة الهدىi إلا بعد أن دلت الأدلة الواضحة أنهم يمثلون الحق.
الأمر الثاني: معرفة أهل الحق وقادته
وهم قسمان: معيَّنون كالأنبياء والأئمةi الذين دلَّت الأدلة القطعية على نبوتهم وإمامتهم. وغير معينين وعلى رأسهم الفقهاء والمراجع المخلصين والمصلحين في الأرض، إذا توفَّرت فيهم الشُّروط العامة.
الأمر الثالث: تشخيص التكليف الملقى على عاتق المكلف
فإنه يختلف من شخص لآخر، فالظرف والمكان والإمكانيات، والمكانة، وطبيعة الشخصية وغيرها من الأمور، لها دخل في تشخيص التكليف للفرد، فالعالم يختلف تكليفه عن غيره، والشاب قد يختلف تكليفه عن الشيخ الكبير، والغني لديه تكاليف موضوعة عن الفقير، وتكليف الرجل يختلف عن تكليف المرأة، وهكذا. وقد يكون تكليف شخص أن يتعلم أو يتخصص في مجال معين، ويكون تكليف آخر أن يترك طلب العلم ليعمل في مكان ما. وجبهات المواجهة المختلفة كلها تصب في هدف واحد وهو نصرة الإسلام، ولكن يحتاج المؤمن إلى تهذيب النفس والتسلح بسلاح الصَّبر لتحمل المشاق، والوعي والبصيرة، والإخلاص ليستمر العمل.
ومن المهم التنبه إلى أنه -بعد معرفة الحق وقادته الإلهيين- ينبغي مراجعتهم (مهما أمكن) في تشخيص التكليف الشرعي الملقى على عاتق المؤمن.
طبيعة الصِّراع الموجود في الزمن الحاضر
هناك قوى للباطل في زماننا تعمل بكل جهدها وتسخِّر كلَّ ما لديها من وسائل لمجابهة الحقِّ وأهله، من دول، وسلاطين، ومؤسسات، وعلماء سوء، وشخصيات مختلفة، وفي كلِّ المجالات، وترأسها القوى المستكبرة في الأرض.
وهذه القوى لا تختلف عن القوى التي حاربت الأنبياء والرسل، فلا يمكن القول إنَّ الغايات التي كانت عند الفراعنة والمفسدين في الأرض أقل من فراعنة هذا الزمان، وكذلك المفسدون والضالون والمنحرفون عن الحق، نعم الأساليب والطرق تبدَّلت وتغيَّرت ولكن المواجهة هي نفسها.
وجبهات الباطل متعددة:
الجبهة العقائدية: وهذه الجبهة مع الجبهة الفكرية أساس الصِّراع، وتشمل ما يثيره أعداء الدين من شبهات على الدين أو المذهب وتوهين العلماء والمقدسات والأحكام الشرعية، وقد يكون الفرد في جبهة الباطل من حيث يشعر أو لا يشعر فيطرح الشبهات ومن داخل البيت الشيعي. وقد تخرج في كل فترة شخصيات لها شيء من المكانة في قلوب الشباب فتبث من أفكارها الباطلة، وهناك من يتعمد طرح كلَّ ما يرتأيه وإن كانت آراءً شاذة وهو يعلم بأنَّ ذلك يثير الشك والريب في نفوس المؤمنين، وقد ورد عن إمامنا الصادقg: «علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم». 
الجبهة الفكرية: وتشمل الشبهات التي تطرح من المثقفين والحداثيين، ومن أهم الشبهات ما يرتبط بمكانة العلماء وقيادتهم الفقهية فضلا عن الاجتماعية والسياسية، فقد حوَّل هؤلاء -تبعا لغير المتدينين- السفور إلى ثقافة، والانحلال الأخلاقي إلى تقدم، والتحرر من الدين علامة على قوة الشخصية والاستقلال، ومواجهة علماء الدين والتمرد عليهم -عند هؤلاء- هو الطريق السليم للتغيير.
ووظيفة المؤمن هنا في هاتين الجبهتين العقائدية والفكرية -بعد الوعي وتشخيص أن بعض الشخصيات انضمت إلى جبهة الباطل-: أن يتسلَّح أولاً بسلاح العلم والوعي الصافي النَّظيف، وأن يقرأ لمن شهدت لهم الأوساط العلمية بصفاء علمهم، كالشهيد المطهري، والشهيد الصدر، والمصباح اليزدي وغيرهم من عمالقة الفكر. وثانياً أن يمتنعوا عن نشر وترويج الأفكار المشكوكة أو الشخصيات التي يكثر اللغط حولها ولم يثبت صحة أفكارها المطروحة.
الجبهة الأخلاقية: وهو الجانب الأهم بعد العقيدة، وله ارتباط بالجوانب الأخرى، فالدعوة إلى الله تعالى وطاعته، وإلى التقوى والورع، والطاعات، والبعد عن المحرمات، كلها لها جوانب اجتماعية وسياسية، وهذه الجبهة من أخطر الجبهات، وأسهلها على أهل الباطل، حيث الوسائل لنشر المنكر قد دخلت في كل مكان لدى الكبار والصغار. وكما أن العقيدة لها أثر على الجانب الأخلاقي، فكذلك العكس، فكثير ممن انحرف أخلاقيا راح ينكر العقيدة الصحيحة.

ثمَّ إنَّ أساس كثير من الانحرافات الأخلاقية هي الغريزة الجنسية التي توضع في غير موضعها، وقد وضعت جبهة الباطل ثقلاً كبيراً في إغواء شبابنا وشاباتنا من خلال ترويج الفاحشة والفجور وما يثير الشهوة من خلال الأفلام والمسلسلات والبرامج والألعاب والإعلانات، وسهَّل ذلك توفر الأدوات ووسائل التواصل، إلى درجة أصبح الحرام سهلا يسيرا في مجتمعاتنا. 
الجبهة الاجتماعية والثقافية: وهذه الجبهة متاحة لأكثر الناس من حيث المشاركة، وأضعف الإيمان فيها هو التواجد والحضور بكثافة في كل الفعاليات والمؤسسات الدينية، وتقوية العلاقات مع الأهل، مع الجيران، مع بقية أفراد المجتمع فإنَّ هذا مما يقوي الجبهة الاجتماعية ويجعلها متماسكة قوية وصلبة أمام التحديات.
الجبهة السياسية: وليست هي الجبهة الأقوى، بل الجانب السياسي المتعلق بالحكم والسلطة وحقوق النَّاس وما شاكل هو الهدف الضيِّق عند أهل الباطل، فيحاربون الجوانب العقائدية والأخلاقية والاجتماعية ليتمكنوا من السيطرة السياسية. بينما هدف أهل الحق بالعكس، فيستعملون الجانب السياسي لخدمة الأهداف الإلهية الحقة، وهذا يمثِّل تحدياً للقوى المستكبرة، وإلا لماذا يُحارَب الإسلامُ كل هذه الحرب ومن قبل الشرق والغرب، وتُنفَق المليارات لكي يبتعد الناس عن التدين؟؟ ببساطة، لأنَّ ذلك يمثل تحدياً للباطل وأهله، وظيفة المؤمنين في هذه الجبهة هي اتباع العلماء الأتقياء والواعين ومساندتهم في مواجهة جبهة الباطل. 
الابتعاد عن الصراع لا يبعد الإنسان عن المواجهة
يتصوَّر البعض أنَّ كلَّ ما يجري على هذه الجبهات فهي فتنة ينبغي الابتعاد عنها، والحياد فيها، وهو خطأ كبير جداً، فإنَّ المؤمن مسؤول عن دينه، وعن مذهبه، وعن عقائده، ولا يتصوَّرنَّ أحدٌ أنَّه بالابتعاد عن ذلك سيسلم من التبعات، فإنَّ جبهة الباطل لا تترك أحداً بحاله، خصوصاً أصحاب المكانة والتأثير.
ولا ينبغي أن يكون المؤمن معطلا لما وهبه الله تعالى من إمكانيات للمشاركة في نصرة الحق، بالمال والدم والجهد والقلم وبكل وسيلة متاحة.
فلتعرف أيها المؤمن أين موضعك من الإعراب؟ وأين دورك في نصرة الحق وأهله؟ وهل أن من المساهمين أم من المتفرجين؟ 
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّد وآله الطيبين الطاهرين..


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا