نظرةٌ أوليّة حول فقه النَّظريَّة في فكر السيِّد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)

نظرةٌ أوليّة حول فقه النَّظريَّة في فكر السيِّد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)

مقدّمة

عُرِض في هذه المقالة مصطلح فقه النَّظريَّة بشكلٍ عام، وبيان مراد السيِّد الشهيدSمنه بشكلٍ خاص، مع بيان التطبيقات المهمَّة التي تعرَّض إلیهاS، حيث إنِّهS لم يكتفِ بالتنظير إلى فكرته البكر، بل أرانا كيف يتمُّ تطبيقها في مختلف الحقول المتصلة بها، وهذا من النادر أن يجتمع في مفكِّر. 

وكأنّهS يقول لنا: لقد أسّستُ لفقه النَّظريَّة، وطبقتها عملياً في الجوانب التي تهمُّ إنسان عصري، من تأريخٍ، واجتماعٍ، وسياسة، واقتصاد، بل وطبَّقتها في الجانب العقدي أيضاً، وكلّي أملٌ بأن تواصلوا الطريق في تطويره، وتجدوا عناصره المشتركة في كلِّ حقل، التي ستساعد الفقيه في هذه الأبحاث المعقَّدة، فالظفر بروح الإسلام بعيد المنال، يحتاج إلى تكاتفٍ من الجميع لإزالة بعضٍ من الغمام عنها.

وتكمن أهميَّة هذه المقالة في أنَّها تسلط الضوء على إعادة العلوم الإسلاميّة إلى مسارها الطبيعي، حيث إنَّ الهدف منها مساعدة الإنسان لتطبيق الشريعة الإسلاميّة في جميع جوانها، لا في جانبٍ أو جانبين، فمن عقائد المسلمين الأوليَّة تجاه الشريعة أنَّ لكلِّ واقعةٍ حكمٌ لله فيها، سواء كانت الواقعة عباديّة، اجتماعيّة، سياسيّة، اقتصاديّة أم غيرها من الجوانب المتصلة بحياة الإنسان الداخلة ضمن نطاق التشريعات الإسلاميّة.

والذي دعا الكاتب لاختيار هذا العنوان، ردُّ بعضٍ من الجميل للسيَّد الشهيدS بقدر طاقته المحدودة، حيث إنَّك تعتصر ألمـاً عندما تقرأ كتاباتهS، وترى أنَّ بعضها لا يلقى الاهتمام المطلوب، فخذ على سبيل المثال كتاب اقتصادنا، بل وفلسفتنا، لا نرى لها حساً ولا أثراً في الخطط الدراسيَّة لجلِّ المدارس والجامعات العلميّة!

وكانت أمام الكاتب عددٌ من الكتابات المهمَّة التي تعرَّضت لفكر السيِّد الشهيد بشكل عام، ولفقه النَّظريَّة بشكل خاص، منها: 

1. كتاب فقه النَّظريَّة عند الشهيد الصدر، رسالة ماجستير، لباقر برِّي.

2. المنهج الفقهي عند الإمام الشهيد الصدر، محمَّد الحسيني.

3. الشهيد محمد باقر الصدر من فقه الأحكام إلى فقه النظريات، د. صائب عبد الحميد.

هذا فضلاً عن كتب السيِّد الشهيدS نفسها التي تعرَّضت إلی المسألة مثل: فلسفتنا، اقتصادنا، الإسلام يقود الحياة، المدرسة الإسلاميّة، المدرسة القرآنيّة، البنك اللَّاربوي في الإسلام، إضافةً إلی مقالاتهS المنشورة في المجلات العلميّة والثقافيّة.

وتعتبر هذه المقالة فتحَ بابٍ للكاتب والقارئ للتعمُّق في فقه النَّظريَّة، والظفر ببعض العناصر المشتركة فيه، ودفع عجلة هذا البحث للأمام، وعلى الله التكلان.

المبحث الأول: تعريف فقه النَّظريَّة لغة واصطلاحاً

النُّقطة الأولى: فقه النَّظريَّة لغةً

أولاً: الفقه لغةً

الفقه في أصل اللغة تارة يأتي بمعنى الفهم:

ففي كتاب العين: "فَقِهَ يَفْقَهُ فِقْهاً إذا فَهِمَ"[1]، وفي الصِّحاح: "الفِقْهُ الفهمُ"[2]، ومنه قوله تعالى حكايةً عن قوم شعيب: ﴿قالوا يا شُعَيبُ ما نَفقَهُ كَثيراً مِمّا تَقولُ﴾(هود: ٨٧) أي: ما نفهم.

وتارة ثانيَّة يأتي بمعنى العلم وزيادة:

ففي كتاب مقاييس اللغة: "الْفَاءُ وَالْقَافُ وَالْهَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى إِدْرَاكِ الشَّيْءِ وَالْعِلْمِ بِهِ.. وَكُلُّ عِلْمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فِقْهٌ"[3]، وفي لسان العرب: "الفقه العلم بالشيء والفهم له"[4]، وفي القاموس المحيط قال: "الفِقه بالكسر العلم بالشيء والفهم له والفطنة"[5].

وتارة ثالثة يأتي بمعنى الشقِّ والفَتْح،

ففي كتاب الفائق: "والفقه حقيقةً الشَّق والفتح، والفقيه الْعَالم الَّذِي يشقُّ الْأَحْكَام ويفتِّش عَن حقائقها وَيفتح مَا استغلق مِنْهَا"[6].

والمعنى المناسب للفقه هنا أنَّه: الفهم والعلم والفطنة بالشيء.

ثانياً: النَّظريَّة لغةً

عندما نراجع كتب المعاجم اللغويّة الأساسيّة مثل: العين، والصحاح، بل حتى الكتب الثانية التي أتت بعدها ككتاب لسان العرب، والقاموس المحيط، لا نجد فيها تعريفاً للنظريّة؛ وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّها معنًى مستحدث، ومعناه في الكتب المعجميّة الحديثة كما يلي:

في كتاب المعجم الوسيط: "النَّظريَّة ... هي طَائِفَة من الآراء تُفسّر بهَا بعض الوقائع العلميّة أو الفنيّة"[7].

 وفي معجم اللغة العربيّة المعاصرة أُورد لها ثلاثة معانٍ: "الأول: قضيَّة تُثْبَت صحَّتُها بحجَّةٍ ودليل أو برهان، الثاني: بعض الفروض أو المفاهيم المبنيّة على الحقائق والملاحظات تحاول توضيح ظاهرة مُعيَّنة، الثالث: مجموعة المسلَّمات التي تُفسِّر الفروضَ العلميّة أو الفنيَّة"[8].

والمعنى المناسب للنظريّة هنا أنَّها: بعض الفروض أو المفاهيم المبنيّة على الحقائق والملاحظات تحاول توضيح ظاهرة مُعيَّنة.

ونستطيع أن نستنج كيف تُوُصِّل لذلك المعنى بالتحليل التالي: 

1. النَّظريَّة مفردٌ جمعها نظريات، وهي مصدر صناعي مأخوذٌ من النظر.

2. والنظر في اللغة: كما جاء في الصحاح "تأمّل الشيء بالعين"[9]، وجاء في معجم مقاييس اللغة "النون والظاء والراء، أصلٌ صحيح ترجع فروعه إلى معنى واحد، وهو تأمّل الشيء ومعاينته، ثم يُستعار ويُتَّسع فيه، فيقال: نظرت إلى الشيء أنظر إليه: إذا عاينته"[10]، ومنه قوله تعالى: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ﴾ (الصافات: ٨٨) أي تأمّل وعاين.

3. ثمَّ أنَّ التأمُّل يرادف التفكُّر، وبالعكس، فقد جاء في الصحاح "التفكّر [هو] التأمّل"[11].

4. والتفكُّر: "تردُّد القلب في الشيء، يقال: تفكَّر، إذا رَدَّدَ قلبه معتبراً"[12]، والتفكير: "إِعْمَال الْعقل فِي مشكلة للتوصل إِلَى حلِّهَا"[13].

5.إذاً لـمَّا كان النَّظر في اللغة يأتي بمعنى التأمُّل والفكر، وهما يشملان الأمور الكليّة والجزئيّة من جهة، وفيهما معنى البحث وحركة الذهن بين المعلومات من جهة ثانيّة، صِيغَ من النَّظر مصدر صناعي خُصّ بالأمور الكليّة المأخوذة من الحقائق التي تجتمع في خصائص مشتركة، وتحاول تفسير ظاهرة معيّنة.

وممَّا تقدَّم يظهر أنَّ معنى فقه النَّظريَّة في اللُّغة هو: العلم والفطنة بالمفاهيم المبنيَّة على الحقائق والملاحظات تحاول توضيح ظاهرة مُعيَّنة.

النُّقطة الثَّانيّة: فقه النَّظريَّة اصطلاحاً

عند المراجعة السريعة لمَّا كُتِب في فقه النَّظريَّة، نرى نوعاً من الغموض في هذا المصطلح، بل قد لا تجد كتاباً تحت عنوان فقه النَّظريَّة، وكأنَّ هذا العنوان من ابتكار السيِّد الشهيدS، نعم توجد كتابات متعدِّدة بدأت في الظهور أواخر القرن العشرين لعلماء أهل السنَّة، خصوصاً أساتذة الجامعات، تحت عنوان النظريّات الفقهيّة، حيث ظهر هذا النمط من الكتابات للأساتذة الذين جمعوا بين دراسة الفقه والقانون، حيث أرادوا أن يعيدوا تبويب وجمع مسائل الفقه بحيث يسهل على طالب القانون أن يدرسه ويقارنه بالدراسات القانونيّة الحديثة[14].

وعند مراجعة بعض تلك الكتب نرى بعضها عرّف النَّظريَّة الفقهيّة وبعضها لم يعرِّفها، بل نراه مباشرة شرع في دراسة بعض العناوين الفقهيّة، حيث يُدرس عنوانٌ واحد من عدَّة جوانب، فيُبدأ بتوضيح معنى العنوان، ثمَّ أنواعه -إذا كان له أنواع، ثمَّ أحكامه، وأخيراً الآثار المترتبة عليه، وهكذا تتمُّ الإحاطة بجوانب العنوان جميعها في مكانٍ واحد، فمثلاً نرى كتاب المدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا -وهو من أقدم ما كُتب في هذا العنوان- درسَ عدَّة عناوين، منها: عنوان الأهليّة والولاية، فبدأ بتعريفهما، ثمَّ تعرَّض إلی أنواعها، ثمَّ إلی أحكامها، ثمَّ إلی  عوارضها، وأخيراً الآثار المترتبة عليها[15].

ويمكننا تلخيص تعريف النَّظريَّة الفقهيّة كالتالي:

1. عرَّفها الدكتور مصطفى الزرقا بأنَّها: "تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى التي يؤلِّف كلٌّ منها على حِدَة نظاماً حقوقيّاً موضوعيّاً منبثّاً في الفقه الإسلامي"[16].

2. وعرّفها علي الندوي بأنَّها: "موضوعات فقهيّة أو موضوع يشتمل على مسائل فقهيّة أو قضايا فقهيّة. حقيقتها أركانٌ وشروطٌ وأحكام، تقوم بين كلٍّ منها صلة فقهيّة، تجمعها وحدة موضوعيّة تحكم هذه العناصر جميعاً"[17].

أمَّا مراد السيِّد الشهيدS من فقه النَّظريَّة فمختلفٌ تماماً عن المصطلح السابق، فالشهيدS يريد من فقه النَّظريَّة: استنباط البناءات الأساسيّة الثابتة، من القرآن والسنّة مباشرةً أو من البناءات العلويّة المتحرِّكة، في أبواب الشريعة المتنوعة.

والتعريف السابق تجده مبثوثاً في كتابات السيِّد الشهيد ككتاب اقتصادنا، المدرسة القرآنيّة، الإسلام يقود الحياة، والمدرسة الإسلاميّة.

وإليك على سبيل المثال ما قالهS في:

1. كتاب اقتصادنا -الذي يهتمُّ باكتشاف النَّظريَّة والبناءات الأساسيّة الثابتة للاقتصاد الإسلامي الداخلة ضمن فقه المعاملات، وتمييزها عن البناءات العلويّة المتحرِّكة-: "وأمَّا حين يريد هذا الفقيه أن يتخطَّى فقه الأحكام إلى فقه النظريّات، ويمارس عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي.. فإنْ استطاع أن يجد هذه المجموعة فيما يضمّه اجتهاده الشخصي من أحكام، وينطلق منها في عملية الاكتشاف لفهم الأسس العامَّة للاقتصاد الإسلامي.. فهي فرصة ثمينة تتَّحد فيها شخصية الممارس بوصفه فقيهاً يستنبط الأحكام، مع شخصيته بوصفه مكتشفاً للنظريّات"[18].

2. كتاب المدرسة القرآنيّة -قسم التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي-[19]: "يحاول [التفسير الموضوعي] أن يصل إلى مركب نظريٍّ قرآنيّ، وهذا المركب النظريّ القرآنيّ يحتلُّ في إطاره كل واحد من تلك المدلولات التفصيليَّة موقعه المناسب،  وهذا ما نسميه  بلغة اليوم  بالنَّظريَّة، يصل إلى نظريّة قرآنيّة عن النبوة، نظريّة قرآنيّة عن المذهب الاقتصادي، نظريّة قرآنيّة عن سنن التاريخ، وهكذا عن السموات والأرض"[20].

3. كتاب المدرسة القرآنيّة -قسم التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي- أيضاً: "لا بدَّ أن يتوغَّل هذا الاتجاه الموضوعي في الفقه،.. [لا بدَّ و] أن يصل إلى النظريَّات الأساسيّة، وأن [لا] يكتفي بالبناءات العلويّة والتشريعات التفصيليّة،  لا بدَّ وأن ينفذ من خلال  هذه البناءات  العلويّة إلى النظريّات الأساسيّة التي تمثل وجهة نظر الإسلام؛ لأنَّنا نعلم أنَّ كلَّ مجموعة من التشريعات في كلِّ باب من أبواب الحياة ترتبط بنظريات أساسيّة، ترتبط بتطورات رئيسيّة"[21].

4. كتاب الإسلام يقود الحياة: "وهذه الأحكام تشمل على قسمين من العناصر، أحدهما العناصر الثابتة: وهي الأحكام المنصوصة في الكتاب والسنّة فيما يتَّصل بالحياة الاقتصاديّة. والآخر العناصر المرنة والمتحرِّكة: وهي تلك العناصر التي تستمدُّ -على ضوء طبيعة المرحلة في كلِّ ظرف- من المؤشَّرات الإسلاميّة العامَّة التي تدخل في نطاق العناصر الثابتة"[22].

5. كتاب الإسلام يقود الحياة أيضاً: "وهذا المؤشِّر يعني أن تتواجد في الشريعة وضمن العناصر الثابتة من الاقتصاد الإسلامي أحكام منصوصة في الكتاب والسنّة، تتجه كلُّها نحو هدفٍ مشترك على نحو يبدو اهتمام الشارع بتحقيق ذلك الهدف،  فيعتبر هذا الهدف  بنفسه  مؤشِّراً ثابتاً، وقد يتطلَّب الحفاظ عليه وضع عناصر متحرِّكة لكي يضمن بقاء الهدف أو السير به إلى ذروته الممكنة"[23].

المبحث الثَّاني: نظرة عامَّة على فقه النَّظريَّة كما قرَّرها السيد الشهيدS

النُّقطة الأولى: خلاصة فقه النَّظريَّة

أولاً: نظرة عامَّة على فقه النَّظريَّة

يظهر من تعريف فقه النَّظريَّة السابق، ومن كتابات السيِّد الشهيدS، أنَّ فقه النَّظريَّة عبارة عن محاولة لفهم وتحصيل المبادئ الأساسيّة التي ترتكز عليها الشريعة الإسلاميّة في مجالات الحياة المختلفة المرتبطة بالجانب التشريعي، أو بتعبير آخر الوصول لروح الشريعة، وذلك يكون عبر دراسة: التجربة البشريّة.  القرآن الكريم.روايات أهل البيتi.

ومن ثَمَّ يمكننا الوصول إلی النظريّة الإسلاميّة في الجوانب المختلفة: كالجانب العقدي، التاريخي، الجانب الاجتماعي، وهو إمَّا علاقة الإنسان بالإنسان، وإمَّا علاقة الإنسان بالدولة، الجانب الفقهي سواء كان فقه العبادات كالخمس والزكاة، أم فقه المعاملات، والجانب السياسي والإداري، ومع تمييز تلك المبادئ الأساسيّة، يمكننا معرفة حدود المبادئ العلويّة أو الثانيّة، وأهدافها، ومجالات تطبيقها.

وهذا كلُّه يعتمد على أساس كلامي مفاده أنَّ أحكام الشريعة الإسلاميّة قائمة على أسس موحدة، ومنطلقات ثابتة، فمن خلال هذا الأصل انطلق السيِّد الشهيد في بناء فكرته فقه النَّظريَّة.

ولتوضيح الفكرة نأتي بمثال مختصرٍ في الجانب الاقتصادي: 

توصل السيِّد الشهيدS إلى أنَّ أهمَّ أهداف تشريع الأحكام والمبادئ العلويّة هو المحافظة على المبادئ الأساسيّة[24]، فاستعرضS أولاً مجموعة من الأحكام التفصيليّة والجزئيّة المرتبطة بالاحتكار، ثمَّ استنتج منهاS العنصر الثابت الذي ترجع إليه جميع تلك الأحكام الجزئيّة وتحاول المحافظة عليه، وهو الحفاظ على سير الاقتصاد الإسلامي بطريقة طبيعيّة والمحافظة على العدالة الاجتماعيّة مثلاً، فعمَّم مصاديق الاحتكار إلى غير التسعة المعروفة فقهيّاً، وقالS إنَّ ذلك من حقِّ وليِّ الأمر للمحافظة على السير الطبيعي للاقتصاد في الدولة الإسلاميّة[25].

ثانياً: مميّزات المبادئ الثَّابتة، والمبادئ المتحرِّكة

تختلف البناءات الأساسيّة عن العلويّة بأنّها:

1ـ ثابتة لا تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمجتمعات؛ لأنّها تعبِّر عن الجانب الثابت في الجوانب المختلفة من تاريخٍ، اجتماعٍ، فقهٍ، وسياسة، ذلك الجانب الذي أخبر به الخالق العليم[26]، أمَّا البناءات العلويّة فهي قد تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمجتمعات، فهي تُعبِّر عن الجانب المتحرِّك والمرن من جوانب الحياة التي تتأثَّر بتطوُّر سيطرة الإنسان على الطبيعة أو بطريقة تفكير الإنسان الاجتماعيّة، وغيرها من الأمور.

2ـ تحتاج إلى عمليّة فكريّة مقعدة تبدأ بـ[27]:

أ. تحليل التجربة البشريّة بشكل عميق في حقلٍ من الحقول المرتبطة بالشريعة؛ للوقوف على مبادئها الأساسيّة[28].

ب. عرض التناقض الموجود في تلك التجربة على القرآن الكريم والروايات الشريفة؛ للوصول إلى رأي الإسلام الإجمالي في ذلك الموضوع.

ت. محاولة تمييز الآيات والروايات الشريفة وتقسيمها إلى آيات وروايات تعبّر عن المبادئ المتحرِّكة للشريعة الإسلاميّة، وإلى آيات وروايات تعبِّر عن المبادئ الأساسيّة للشريعة[29].

ث. سبر الروايات التي تعبِّر عن المبادئ المتحرِّكة وتقشيرها؛ للوصول إلى المبادئ الأساسيّة التي من خلالها يمكن تفسير كلِّ أو بعض الأحكام العلويّة المتحرِّكة.

أمَّا المبادئ المتحرِّكة فهي تقع في طريق الوصول إلى المبادئ الأساسيّة كما اتضح.

يتَّحدان في أمور عديدة منها:

1. صعوبة استخراجهما من الآيات والروايات، بشكلٍ يضمن للفقيه بأنَّه لم يتأثَّر بالعوامل المحيطة به من أفكارٍ اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة خاطئة[30].

2. إمكان تسرُّب نظرة الفقيه القبليّة إلى تلك المبادئ، بحيث يفسِّرها بطريقة خاطئة[31].

وهذا ما سنبيّنه بشيء من التفصيل في المبحث الثالث.

النُّقطة الثَّانيَّة: بيان فوائد فقه النَّظريَّة 

ظهر ممَّا تقدَّم أنَّ فقه النَّظريَّة هو عبارة عن إعادة العلوم الإسلاميّة إلى مسارها الطبيعي، وعدم حصرها بالجانب الفردي، خصوصاً في أوضاعنا الراهنة، حيث نرى أنَّ هناك فصلاً بين الشريعة الإسلاميّة ووقائع الحياة، وهذا الفصل لم يكن بهذه الصورة قبل قرنين أو أكثر من الزمن، بل اتّسع شيئاً فشيئاً خصوصاً مع التقدُم العلمي، والغزو الثقافي.

ففي بداية الأمر تمَّ ترويجُ فصل السياسة بمعنى إدارة الدولة عن الدِّين، ثمَّ فصل الاقتصاد عن الدِّين، ثمَّ فصل الفهم الاجتماعي عنه، والآن نراهم يحاولون فصل التربية عنه أيضاً، وحينئذ يبقى الدِّين علاقة قائمة بين الفرد وربِّه كما هو عليه الغرب اليوم.

ولفقه النَّظريَّة فوائد أخر منها:

1. بيان عظمة الدِّين، واتساعه، وشموله لجميع جوانب الحياة، وهذا سيساعد في زيادة الثقة بالنفس لدى المسلم الحرّ خصوصاً في هذا العصر.

2. الوصول للنظريّة الإسلاميّة في جوانب الحياة المختلفة، سيساهم في معرفة حدود الأحكام المتحرِّكة أو الولائيّة أو الأحكام التي صدرت من النبيe بما هو حاكم للدَّولة، لكيلا تعمّم لوقائع الحياة المتغيِّرة[32].

3. مساندة المنظومة الفقهيّة والوقوف في وجه انهيارها؛ لأنَّ التوغل في الجانب الفردي في الفقه الإسلامي، يؤدِّي لعدم تلبية حاجات المجتمع من النظريات الإسلاميّة في الجوانب المختلفة[33]، وهذا يؤدِّي إلى أخذ النظريات من مصادر أخرى قد لا توافق 

مبادئ الإسلام الأساسيّة.

النُّقطة الثَّالثة: استعراض تطبيقات فقه النَّظريَّة

أولاً: الجانب العقائدي 

طرح السيِّد الشهيدS عدَّة أسئلة محوريّة تتَّصل بالجانب العقائدي، ومن خلال تلك الأسئلة توصَّل لنظريّة الإسلام فيه، أي توصَّل للبناءات الأساسيّة التي تبتني عليها التشريعات والأحكام الفقهيّة، والتي من خلالها يُحافَظ على تلك البناءات الأساسيّة، ويمكن القول أنَّ النَّظريَّة التي خرج بهاS وصل صداها لجميع الجوانب الأخرى التي تعرَّض لهاS في أبحاثه من تاريخٍ، واجتماعٍ، وغيرهما من أمور.

بدأS بالسؤال عن هدف الإنسان في هذه الحياة، ولماذا خُلق، وما مسؤولياته، ثمَّ بعد ذلك استعرض الآيات التي تُجيب على هذه الأسئلة، وفي الحقيقة نستطيع القول أنَّ هذه الأسئلة تُعدّ أساساً لجميع تصرُّفات الإنسان الصادرة منه.

الإنسان الخليفة:

 توصَّل السيِّد الشهيدS إلى أنَّ الإنسان -أيَّ إنسانٍ- خُلق ليكون خليفةً لله على هذه الأرض، والخلافة معناها أنَّ الإنسان حَمل مسؤوليّة تطبيق الأهداف التي وضعها الله تعالى لهذا الخلق، "واستخلاف الله تعالى خليفةً في الأرض، لا يعني استخلافه على الأرض فحسب،  بل يشمل هذا الاستخلاف كلِّ ما للمستخلِف من أشياء تعود إليه. والله هو ربُّ الأرض والخيرات، وربُّ الإنسان والحيوان، وكلُّ دابَّة تنتشر في أرجاء الكون الفسيح، وهذا يعني أنَّ خليفة الله في الأرض مستخلَفٌ على كلِّ هذه الأشياء"[34].

ومن خلال ما تقدَّم نستطيع تقييم كلِّ حركة من تحرُّكات الإنسان، هل تسير في الاتجاه الصحيح أم لا، فالقرآن الكريم تعرَّض إلی عددٍ من الضوابط والقيم الأساسيّة التي تبتني عليها أساس الخلافة، كالضوابط العقائديّة، التاريخيّة، وغيرهما، وحدَّد أيضاً بضوابطَ وتشريعات متحرِّكة للمحافظة عليها، قال السيِّد الشهيدS: "وكلّما استطاع الإنسان من خلال حركته أن يتصاعد في تحقيق تلك المثل ويجسّد في حياته بصورة أكبر فأكبر عدالة الله، وعلمه، وقدرته، ورحمته، وجوده، ورفضه للظلم والجبروت،  سجّل بذلك انتصاراً في مقاييس  الخلافة  الربانيّة، واقترب نحو الله في مسيرته الطويلة التي لا تنتهي إلا بانتهاء شوط الخلافة على الأرض"[35]، فالعدالة والظلم مثلاً موجودان في العلاقات الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة، وغيرها من الجوانب المختلفة للحياة، وسيظهر في الأبحاث التاليّة بعضاً من العناصر الثابتة التي يحافظ على مبدأ الخلافة.

الإنسان الشَّهيد:

ولعلم الله تعالى بتركيبة الإنسان النفسيَّة، وأنَّه يمتلك قابليّات الانحراف عن هذا الخطِّ، عزَّز خطَّ الخلافة بخطٍّ آخر هو خطُّ الشهادة كما أسماه السيِّد الشهيدS، المتمثّل بالأنبياء، والأئمة، ثمَّ المرجعيّة، الذين يراقبون، ويوجِّهون، ويذكِّرون ذلك الإنسان بهدفه الذي خُلق من أجله، أي أنَّه سبحانه وضع "إلى جانب خطِّ الخلافة، خطَّ الشهادة الذي يمثِّل التدخل الربّاني من أجل صيانة الإنسان الخليفة من الانحراف وتوجيهه نحو أهداف الخلافة الرشيدة"[36]، "ومن هنا أمكن القول بأنَّ خطَّ الشهادة يتمثَّل أولاً في الأنبياء،  وثانياً في الأئمَّة الذين  يعتبرون امتداداً ربّانياً للنبيe في هذا الخطّ، وثالثاً في المرجعيّة التي تعتبر امتداداً رشيداً للنبي والإمام في خطِّ الشهادة"[37].

ومع كلِّ هذا الوضوح والتناسق في بحث السيِّد الشهيدS العقائدي، الذي قد يُظنّ أنَّهS أدلى بكلِّ ما يملك فيه، إلا أنَّهS يفاجئنا بتحديد هدف جديد للمرجعيّة مبنيّة على نظريّته السابقة للخلافة والشهادة وتتناسق معهما، حيث قالS أنَّ من واجبات المرجعيّة بما هي شهيدة على خطِّ الخلافة "أن يكون هذا المرجع في بيان أحكام الإسلام ومفاهيمه مجتهداً، ويكون اجتهاده هو المقياس الموضوعي للأمَّة من الناحيّة الإسلاميّة، وتمتد مرجعيّته في هذا المجال إلى تحديد الطابع الإسلامي لا العناصر الثابتة من التشريع في المجتمع الإسلامي فقط،  بل العناصر المتحرِّكة الزمنيّة أيضاً، باعتباره هو الممثّل الأعلى للإيديولوجيّة الإسلاميّة"[38]، ومن هذا الأساس نلاحظ سريان فكرة تحديد المفاهيم الإسلاميّة، والعناصر الثابتة في كلِّ أبحاثهS من تأريخٍ، واجتماعٍ، وغيرهما.

ثانياً: الجانب التَّاريخي 

بعد أن حدَّد السيِّد الشهيدS النَّظريَّة الإسلاميّة في الجانب العقائدي، توجّه للإجابة على السؤال الثاني من حيث الأهميّة في حياة الفرد، وتكمن هذه الأهميّة في كونه برزخاً بين الجانب العقائدي، والجانب التطبيقي، أي ينقل الفرد من ناحيّة الاعتقادات النَّظريَّة، إلى ناحية تطبيق تلك الاعتقادات في الخارجيّة، فبعد أن آمن الإنسان بأنَّه خليفةُ الله في هذه الأرض، فهل له دور في صناعة الحاضر والمستقبل أي صناعة التاريخ؟ وبتعبير آخر هل القوانين التي تتحكَّم في التاريخ ثابتة ويكون الإنسان فيها كالآلة أم إنَّه يستطيع تغيير بعض الأحداث التاريخيّة؟ وإذا كان يستطيع فهل هناك قوانين محدَّدة نستطيع استكشافها لهذا التَّغيير أم لا؟[39]

وانطلاقتهS لتحديد الجواب على ذلك السُّؤال، كانطلاقته السابقة في الجانب العقديّ، ولكن هنا بدأت تتجلَّى خطوط فكرته في كيفيّة الوصول إلی النظريّة بشكلٍ أكثر، فإنَّه في الجانب العقديّ لم يبرز الأسئلة المستوحاة من التجربة البشريّة التي طرحها على القرآن الكريم والروايات التي ساعدته على التوصّل لنظريّة الخلافة بمفهومها السابق، ولكنَّه هنا عندما أراد استنباط نظريّة الإسلام في السنن والقوانين التاريخيّة، أبرز تلك الأسئلة المستوحاة التي انطلق منها بشكل واضح وصريح، بل يمكننا القول: إنَّه لولا التجربة البشريّة لما توصّل لنظريّته، قالS عندما تعرّض للفرق بين التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي للقرآن، والذي من خلاله توصَّل إلى نظريّة القرآن في السنن التاريخيّة: "التفسير الموضوعي.. يبدأ بالواقع الخارجي، بحصيلة التجربة البشريّة، يتزوَّد بكلِّ ما وصلت إلى يده من حصيلة هذه التجربة،  ومن أفكارها ومضامينها. ثمَّ يعود إلى القرآن الكريم؛ ليحكِّم القرآن الكريم، ويستنطق القرآن الكريم"[40].

فمن خلال ما تقدَّم تتجلَّى أهميَّة التجربة البشريّة في فقه النَّظريَّة للسيّد الشهيدS، ففي الجانب التاريخي، حيث نرى أنَّ التجربة البشريّة زاخرة بالآراء والاتجاهات فيه، فهيَ على سبيل المثال قد تفسّر القوانين والسنن التاريخيّة على أنّها سنن لا يمكن الفرار منها؛ أي كالقوانين الطبيعيّة، كقوانين الفيزياء والكيمياء مثلاً، وبتعبير آخر تجعل الإنسان كالآلة في هذا الكون، وفي تفسيرٍ آخر قد تلغيها من الأساس، وتوكل الأمر كلَّه لإرادة الإنسان، وأنّه يستطيع تغيير أيِّ شيء، وبعضها موغلٌ في الاتجاه المادي لتفسير التاريخ، إلى غيرها من الاتجاهات.

نماذج من السنن والعناصر الثابتة التاريخيّة التي توصل إليها السيد الشهيد‌S بواسطة استنطاق القرآن:

1. توجَّه السيِّدS بسؤال القرآن عن السنن والعناصر الثابتة التاريخيّة التي تجري على الأمم بما هي أمم، أي بما هي وجود مجموعي من الأفراد، فتوصَّل من خلال استنطاق مجموعة من الآيات، أنَّ للأمم آجالاً مضبوطةً لا مفرَّ منها، والأجل قد يكون نوعاً من العذاب الجزئي،

وقد يكون أمراً آخر، وهذا السؤال استیحاءٌ من التجربة البشريّة، حيث ترى تجارب البشر المعاصرة إمَّا كون الأمم تسير على نحوٍ ديالكتيكيّ يوجد التناقض في داخله، وإمّا تسير وفق تجاربها الخاصَّة التي تتطوَّر في الزمن.

فيرى السيِّد الشهيدS، أنَّ الأمَّة إذا سلكت -بإرادتها الجمعية- طريقاً معيناً، طريقاً إلى الانحدار والهلاك، تستحقُّ عذاباً جامعياً لا يستثني الصالح من الطالح، بل الذي يشمل حتى المعصوم نفسه ، فهذه إحدى السنن التكوينيّة للتاريخ، قال السيِّد الشهيد‌S: "والحقيقة أنَّ هاتين الآيتين[41] تتحدَّثان عن عقاب دنيوي، لا عن عقاب أخروي، تتحدَّث عن النتيجة الطبيعيّة لما تكسبه أمَّة عن طريق الظلم والطغيان، هذه النتيجة لا تختص حينئذٍ بخصوص الظالمين من أبناء المجتمع، بل تعمٌّ أبناء المجتمع على اختلاف هوّياتهم، وعلى اختلاف أنحاء سلوكهم، [فـ]حينما وقع التيه على بني إسرائيل.. لم يختص بخصوص الظالمين من بني إسرائيل، وإنمَّا شمل موسىg، شمل أطهر الناس وأزكى النَّاس، واشجع الناس في مواجهة الظلمة والطواغيت، شمل موسى؛ لأنَّه جزء من تلك الأمَّة"[42].

وقد نستطيع من خلال هذا العنصر الثابت تفسير حثّ الشريعة الإسلاميّة بشكلٍ كبير جداً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وإشاعة الكلمة الحسنة في المجتمع، والتصدِّي للكلمة القبيحة فيه.

2. السنة والعنصر الثَّابت الثَّاني الذي توصل إليه السيِّد الشهيدS هو العلاقة بين النصر ومجموعة من الشرائط التي منها: الصبر والثبات، أيَّ أنَّ الأمة أي أمّة إذا استكملت شروط النصر، ستنتصر لا محالة، والعكس صحيح، فالأمَّة حتى إن كانت مؤمنة بالله لن تنتصر

على المستكبرين ما لم تستكمل شروط النصر[43].

فظهر ممَّا تقدَّم دخالة الإنسان في تغيير مجريات التاريخ، ولكن هذا التغيير يجري وفق قوانين محدَّدة، أي أنَّه لا يستطيع تغيير المجريات إلا بعد الوقوف على الأسباب الحقيقيّة لها، فهنا تكمن أهميّة دراسة هذه السنن والعناصر الثابتة، فلا مجال للصدفة فيها.

مميّزات السنن والعناصر الثابتة كما توصل إليها السيد الشهيدS:

من مميّزات هذه السنن أنَّها تتخذ أشكالاً محدَّدة منها:

1. شكل القضيّة الشرطيّة، أي يكون هناك علاقة موضوعيّة بين الشرط والجزاء، وهذا الشكل من السنن يقدِّم "خدمة كبيرة للإنسان في حياته الاعتياديّة، ويلعب دوراً عظيماً في توجيه الإنسان؛ لأنَّ الإنسان ضِمْنَ تعرُّفه على هذه القوانين يصبح بإمكانه أن يتصرَّف بالنسبة إلى الجزاء، ففي كل يرى أنَّه بحاجة إلى الجزاء يُعمل هذا القانون، يوفر شروط هذا القانون، يحاول الحيلولة دون توفُّر شروط هذا القانون"[44]، ومثال هذا الشكل من السنن العلاقةُ بين "تغيير المحتوى الداخلي للإنسان، وتغيير الوضع الظاهري للبشريّة والإنسانيّة، [و] مفاد هذه القضيّة الشرطيّة، أنّه متى ما وجد ذاك التغيير في أنفس القوم،  وجد هذا التغيير في بناء القوم وكيان القوم،  هذه القضيّة قضيّة شرطيّة بيّن القانون فيها بلغة القضيّة الشرطيّة"[45].

2. شكل القضيّة الفعليّة الناجزة، فلا يستطيع الإنسان أن يتدخَّل في هذا النوع من السنن والعناصر الثابتة، لا من ناحية الشروط ولا من ناحية الظروف، وهذا الشكل لا يقبل التحدِّي بأيّ نحوٍ من الأنحاء.

3. شكل الاتجاه الطبيعي، ويتخلَّف هذا الشكل عن سابقه أنّه ليس قانوناً صارماً حدياً، أي أنّه يقبل التحدِّي على شوطٍ قصير، لا على الشوط الطويل، ومثال هذا الشكل تحدِّي قوم لوط للاتجاه الطبيعي للعلاقة بين الذكر والأنثى، وهذا التحدِّي استمر "فترة من الزمن ... إلا أنَّ تحدِّي هذه السنَّة يؤدِّي إلى أن يتحطَّم المتحدِّي، المجتمع الذي يتحدَّى هذه السنّة يكتب بنفسه فناء نفسه؛ لأنَّه يتحدَّى ذلك عن طريق ألوان أخرى من الشذوذ التي رفضها هذا الاتجاه الموضوعي، وتلك الألوان من الشذوذ تؤدي إلى إفناء المجتمع، وإلى خراب المجتمع"[46].

ومن المميِّزات أيضاً أنَّ هذه السنن تتميَّز بالاطراد الذي يتميَّز به القانون العلمي، وهي في الوقت نفسه ذات طابع ربّاني؛ لأنَّها تمثِّل حكمته تعالى، وحسن تدبيره[47].

ثالثاً: الجانب الاجتماعي

ظهر من بحث سنن التأريخ أهميَّة دراسة المجتمع وعناصره؛ لأنَّ هناك سنن وقوانين تتصل بهما، فمن خلال هذه الدراسة أيضاً نستطيع التوصل إلى القوانين والعناصر الثابتة فيه من وجهة نظر الشريعة الإسلاميّة، ولا ننسى الإشارة أيضاً إلى أنَّ المادة الاجتماعيّة التي تقوم عليها العلاقات بين أفراد المجتمع تعتمد على نظرتهم إلى واقع الحياة، فدراسة الجانب الاجتماعي في الحقيقة لا تتمُّ قبل دراسة الجانب العقائدي؛ لذلك سنرى أنَّ الدراسة الاجتماعيّة تبتني على مسلَّمات سابقة، وتبني عليها.

والملاحظ أيضاً أنَّ المشكلة الاجتماعيّة أرّقتِ الفكر البشري بشتّى مذاهبه، وكان في "جهادٍ مرهقٍ يضجّ بالمآسي والمظالم، ويزخر بالضحكات والدموع، وتقترن فيه السعادة بالشقاء، كلُّ ذلك لما كان يتمثّل في تلك الألوان الاجتماعيّة من مظاهر الشذوذ  والانحراف  عن الوضع الاجتماعي الصحيح، ولولا ومضات شعّت في لحظاتٍ من تاريخ هذا الكوكب لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساةٍ مستمرّة، وسبحٍ دائمٍ في الأمواج الزاخرة"[48]؛ لذلك لا بدَّ من معرفة وجهة النظر الإسلاميّة في ذلك، ومعرفة العناصر الثابتة فيه.

مراحل الوصول للنظريّة الإسلاميّة في الجانب الاجتماعي:

أولاً: لا بدَّ في البداية أن نطرح الأسئلة الأساسيّة البدويّة التي سننطلق منها للوصول لنظريّة الشريعة الإسلاميّة، ومن الأسئلة المهمَّة ما يلي[49]:

1. ما النِّظام الاجتماعي الذي يصلح للإنسانيّة وتسعد به في حياتها الاجتماعيّة؟

2. هل في مقدور الإنسانيّة أن تقدّم هذا الجواب؟

3. ما الضمانات التي تكفل للإنسانيّة نجاحها في هذا الجانب؟

ثانياً: الاستفادة من التجربة البشريّة في هذا المجال، وللبشريّة في الجانب الاجتماعي العديد من التجارب التي آخرها النظام الديمقراطي الرأسمالي، والنظام الديكتاتوري البروليتاري الاشتراكي، وللاستفادة من التجربتين السابقتين لا بدَّ من استعراضهما بشكلٍ مفصَّل جداً، للوقوف على المرتكزات والبناءات الأساسيّة لهما، وهذا ما فعله السيِّد الشهيدS في كتابه المدرسة الإسلاميّة، وبشكلٍ أكثر تفصيلاً في كتابه اقتصادنا وفلسفتنا.

وفي هذه المقالة سيتم التعرُّض بنظرة خاطفةٍ على هذين النظامين، وسيُترك المجال للمطالعة للقارئ العزيز بإحالته لكتب السيِّد الشهيد نفسها.

رأي الاشتراكيّة الماركسيّة للنَّظام الاجتماعي: 

ترى الماركسيّة وفق نظر السيِّد الشهيدS، أنَّ الإنسان يتكيّف روحياً وفكرياً وفقاً لطريقة الإنتاج، ونوعيّة القوى المنتجة، أي أنَّ الطاحونة، ووسائل إنتاج الكهرباء مثلاً هي التي تحدِّد أنَّ نظاماً ما هو الأصلح، وهو حينها النِّظام الرَّأسمالي، والذي يضمن صحَّة هذا الرأي هو حركة التأريخ السائر إلى الأمام بصورة تصاعديّة دائماً، أي أنَّ الإنسانيّة في تطوُّر مستمر وهذا ما يضمن تطوُّر الإدراك، وأنَّ الإدراك الجديد هو الأصلح، والإدراك الأصلح في هذه المرحلة أنَّ النظام الديكتاتوري البروليتاري الشيوعي هو المناسب للبشريّة[50].

رأي الغربيين بشكلٍ عام للنَّظام الاجتماعي: 

يرى الغربيون بشكلٍ عام أنَّ الذي يحدِّد النظام الأصلح هو التجربة البشريّة، كما في التجارب الطبيعة، فإنَّنا نرى الإنسان بالتجربة يستطيع اختيار أفضل النظريات التي تحاول تفسير ظاهرةٍ طبيعيّة ما، وأنَّ النظام الاجتماعي لا يخرج عن نطاق التجربة البشريّة، وأفضل ما توصَّل إليه البشر من خلال تجاربهم الاجتماعيّة هو النظام الديمقراطي الرأسمالي، أمَّا ما يضمن صحَّة هذا الإدراك هو التجربة البشريّة نفسها[51] [52][53].

ثالثاً: نقد النظريات السابقة، ومحاولة التوصُّل للتناقضات الداخليّة فيها -إن وجدت- بشكلٍ موضوعي وعلمي، وهذا ما فعله السيِّد الشهيدS بشكلٍ مفصَّل في المرحلة الثالثة، ولكن لا مجال لذكره في هذه المقالة[54].

رابعاً: التوجه إلى القرآن الكريم، والروايات المأثورة عن المعصومينi؛ للإجابة عن الأسئلة والتناقضات الموجودة في الأنظمة السابقة، والوصول للنظريّة الإسلاميّة في الجانب الاجتماعي.

والحلُّ في نظر السيِّد الشهيدS يتمثَّل في التوحيد بين المقياس الفطري للعمل والحياة، وهو من أهمِّ البناءات الأساسيّة في النَّظريَّة الإسلاميّة، وللحفاظ على هذا البناء قام الإسلام بتشريع العديد من الأحكام أو البناءات العلويّة، وهذا التوحيد رسّخته الشريعة بأسلوبين:

الأوَّل: تركيز الشريعة "على التفسير الواقعي للحياة، وإشاعة فهمها في لونها الصحيح كمقدِّمةٍ تمهيديّة إلى حياةٍ أخرويّة، يكسب الإنسان فيها من السعادة على مقدار ما يسعى في حياته المحدودة هذه في تحصيل رضا الله، فالمقياس الخُلقي -أو رضا الله تعالى- يضمن المصلحة الشخصيّة في الوقت الذي يحقِّق فيه أهدافه الاجتماعيّة الكبرى"[55].

الثَّاني: تعهّد الدين "بتربيّةٍ أخلاقيّة خاصَّة، تعني[56] بتغذيّة الإنسان روحياً، وتنميّة العواطف الإنسانيّة والمشاعر الخُلقيّة فيه"[57]، عن طريق قيادةٍ معصومة تُنتَخب من قبل الله تعالى.

وهذه هي الميزة الأساسيّة للنظام الإسلامي الاجتماعي، فهي "تتمثَّل فيما يرتكز عليه من فهمٍ معنويٍ للحياة وإحساس خُلقي بها، والخطِّ العريض في هذا النظام هو: اعتبار الفرد والمجتمع معاً، وتأمين الحياة الفرديّة والاجتماعيّة بشكل متوازن، فليس الفرد هو القاعدة  المركزيَّة في التشريع والحكم، وليس الكائن الاجتماعي الكبير هو الشيء الوحيد الذي تنظر إليه الدولة وتشرّع لحسابه"[58].

وهناك قيمٌ اجتماعيّة عديدة أكّدت عليها الشريعة الإسلاميّة من خلال القرآن الكريم وروايات أهل البيتi مثل المساواة، الأخوّة، وغيرها، وهي تدلّ على أهداف وعناصر ثابتة بشكل مباشر، و"تشكّل أساساً لاستيحاء صيغٍ تشريعيّةٍ متطوّرة ومتحرّكة تكفل تحقيق تلك القيم"[59].

أمّا فيما يتعلّق بعلاقة الفرد والدولة، أو بتعبير آخر وظائف الدولة، فسنشير إليها في الجانب السياسي إن شاء الله تعالى، لما له من ربطٍ وثيق به.

رابعاً: الجانب السِّياسي 

تعتبر السياسة وإدارة الدولة من الأمور المتأخّرة رتبةً على وجود العقيدة والمجتمع، والسياسي يريد إدارة أفراد الأمّة بما يتلاءم مع نظرة النظام العقائديّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، إلّا أنَّ ذلك لا يعني أنّنا لا يمكن أنَّ توصّل إلى عناصر ثابتة من التشريعات السياسيّة التي أقرّها الإسلام بواسطة النبي محمَّدe أو بواسطة خلفائهi.

ركّز السيّد الشهيدS في الجانب السياسي عندما كتب نظرته الأوليّة عن دستور الجمهوريّة الإسلاميّة على ترسيخ وإيجاد روح الإسلام في المجتمع الإسلامي، وذلك عن طريق المحافظة على العناصر الثابتة التي توصّل إليها في الجانب العقائدي، التاريخي، الاجتماعي، والاقتصادي.

وفي نظر السيّد الشهيدS أنَّ "الدولةَ ظاهرةٌ اجتماعيّة أصيلة في حياة الإنسان، وقد نشأت هذه الظاهرة على يد الأنبياء ورسالات السماء، واتّخذت صيغتها السويّة ومارست دورها السليم في قيادة المجتمع الإنساني وتوجيهه من خلال ما حقَّقه الأنبياء في هذا المجال  من تنظيم  اجتماعي قائم على أساس الحقِّ والعدل، يستهدف الحفاظ على وحدة البشريّة وتطوير نموّها في مسارها الصحيح"[60].

فمن خلال هذا النَّص نرى بوضوح أنَّ العدالة الاجتماعيّة للأفراد هي من العناصر الثابتة التي يجب أن يُحافظ عليها، وذلك عن طريق تشريعات فوقيّة متحرِّكة تضمن بقاء ذلك العنصر الثابت.

ويرىS أنَّ للأمَّة دوراً مهمّا في الحفاظ على استمرار الدولة الإسلاميّة، فبعد أن نقَّح‌S موضوع السنن التاريخيّة ورأى أنَّ هناك سننا مرتبطة بالأمّة، وكيف يمكن للأمّة أن تؤثِّر في سير الدولة الإسلاميّة، نراه يقولS: "وبهذا ترتفع الأمّة وهي تمارس السلطة [يقصد السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة] إلى قمّة شعورها بالمسؤوليّة؛ لأنَّها تدرك بأنّها تتصرَّف بوصفها خليفةً لله في الأرض، فحتى الأمّة ليست هي صاحبة السلطان، وإنّما هي المسؤولة أمام اللهa عن حمل الأمانة وأدائها"[61].

ويرىS أيضاً أنَّ المرجعيّة التي تدير هذا الكيان هي حقيقة اجتماعيّة لا بدّ منها، والمرجعيّة لا بدّ أن تقوم على أساس الموازين الشرعيّة العامّة، وعلى صفات خاصّة[62]، وعلى الحاكم الشرعي أن يسير في اتجاهات تحافظ على العناصر الثابتة، وذلك بتشريع صيغٍ تشريعيّة متحرّكة تتسع لها صلاحيّاته ولا تصطدم مع عنصر ثابت في التشريع[63].

ويمكن الملاحظة من خلال تشريعات السيّد الشهيدS عندما كتب لمحة عن دستور الجمهوريّة الإسلاميّة كتشريعه إنشاء المحكمة العليا التي تحاسب مخالف القانون، أو إنشاء ديوان المظالم الذي يكون دوره دراسة شكاوى المتظلمين، وغيرها من الأمور[64]، كلّ ذلك إنّما للمحافظة على العدالة الاجتماعيّة، وتطبيق شرائع الإسلام التي من خلالها يسير المجتمع نحو تحقيق خلافة الله في الأرض.

ويمكن اختصار وظائف الدولة الإسلاميّة المتمثّلة في سلطاتها التشريعيّة وأمّتها التي تعيش فيها بما يلي:

1. تربيّة الإنسان على القاعدة الفكريّة الإسلاميّة، وطبعه في اتجاهه وأحاسيسه بطابعها.

2. مراقبة الإنسان من الخارج وإرجاعه إلى القاعدة الفكريّة إذا انحرف عنها عمليّا.

ويظهر ممَّا تقدّم أنَّ "الوعي السياسي للإسلام [ليس] وعياً من الناحية الشكليّة من الحياة الاجتماعيّة فحسب، بل هو وعيّ سياسيّ عميق مردّه إلى نظرةٍ كليّةٍ كاملةٍ نحو الحياة، والكون، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والأخلاق، فهذه النظرة الشاملة  هي الوعي  الإسلامي الكامل"[65].

خامساً: الجانب الاقتصادي

عندما نريد أن نعرف الأسس التي بنى عليها السيّد الشهيدS فكرته في فقه النظريّة لا بدَّ أن نرجع إلی كتاب اقتصادنا، فهو الكتاب الذي بيَّن فيهS تلك الأسس بشكلٍ مفصَّل جداً في قرابة الـ ٩٠٠ صفحة، فاستنتج العديد من العناصر الثابتة في الجانب الاقتصادي، الذي استفاد منها في نظريّته الاقتصاديّة الإسلاميّة الجديدة.

وسيتّم التركيز في هذه المقالة على نموذجٍ عامّ يناسب اختصارها، وهو النموذج الاقتصادي الإسلامي العام الذي أتى به السيّد الشهيدS في كتاب الإسلام يقود الحياة، وإلّا فهناك نماذج معقّدة تحتاج إلى تأمّلٍ ودراسة دقيقة، ومن تلك النماذج نموذجُ طريقة توزيع ما بعد الإنتاج الذي خالف فيهS كلّاً من النظريّة الرأسماليّة والنظريّة الاشتراكيّة، وأتى بنموذج إسلامي جديد، يلبّي حاجة الإنسان في هذا العصر[66].

اتجاه التشريع الإسلامي في الجانب الاقتصادي:

يوجد في الشريعة الإسلاميّة كما اتضح مجموعة من الأحكام تصبّ في أهداف محدّدة وثابتة، بحيث يُلاحَظ اهتمام الشارع بتلك الأهداف الرئيسيّة أو بتعبير آخر العناصر الثابتة، وعلى أساسها يشرّع مجموعة من العناصر المتحركة التي تتناسب مع عصرٍ من العصور.

أولاً: نلاحظ أنَّ الإسلام أتى بعدّة تشريعات متحرّكة تصبّ في عنصر ثابت فارد، ومن هذه التشريعات[67]:

1. شرّع عدم الملكيّة الخاصّة لمصادر الثروة الطبيعيّة من قبل الأفراد، وحصر الحقّ الخاصّ في حيازة تلك المصادر عن طريق إحيائها والعمل فيها.

2. الجهد الذي يقوم به العامل لإحياء الثروة الطبيعيّة لا يجعله يتملّكها، بل تجعل له حقّ الأولويّة فيما أحياه.

3. استخدام الأدوات الصناعيّة في الإحياء لا تجعل الحق لصاحب الأدوات في تملك المحيى، بل تعود ملكيته للعامل في تلك الثروة الطبيعيّة.

4. لا يمكن لرأس المال أن يُنتج أرباحاً من دون عمل حقيقي ومخاطرة، وبتعبير آخر لا يمكن أن يقرض صاحب المال العامل، ثم يعيده له بربح معيّن.

5. لا يمكن للمستأجَر أن يؤجِّر العمل الذي استؤجر عليه لآخر بقيمةٍ أقل، ويأخذ هو فارق القيمتين من دون بذل أي جهد وعمل.

نلاحظ أنَّ هذه الأحكام كلّها تتّجه نحو هدف واحد فارد وهو "استئصال الكسب الذي لا يقوم على أساس العمل ورفض الاستثمار الرأسمالي، أي تنميّة المال بالمال وحده، وهذا الاتجاه يشكّل مؤشّراً ثابتاً وأساساً للعناصر المتحرّكة في اقتصاد المجتمع الإسلامي"[68].

ثانياً: نلاحظ تارة أخرى أنَّ هناك بعضاً من الآيات القرآنيّة أو روايات أهل البيت‌i نصّت على هدف وعنصر ثابت، وتدلّ هذه الآيات أو الروايات وفق نظر السيّد الشهيد‌S على ملء "الجانب المتحرّك من صورة الاقتصاد الإسلامي بصيغٍ تشريعيّة تضمن تحقيقه..  ومثال ذلك النصّ القرآني الآتي: ﴿ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسولِهِ مِن أَهلِ القُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ كَي لا يَكونَ دولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهوا وَاتَّقُوا اللَّهَ أنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ(الحشر:7)،  فأنَّ الظاهر من هذا النصّ الشريف أنَّ التوازن وانشار المال -بصورة تشبع كلِّ الحاجات المشروعة في المجتمع- وعدم تركّزه في عددٍ محدود من أفراده، هدف من أهداف التشريع الإسلامي، وهذا الهدف يعتبر مؤشّراً ثابتاً فيما يتّصل بالعناصر المتحرّكة"[69].

وبالجملة نستطيع تقسيم عناصر اقتصاد المجتمع الإسلامي إلى ثلاثة أقسام[70]:

عناصر ثابتة، وهي العناصر التي تنظم علاقات التوزيع وفقاً لمبادئ العدالة الاجتماعيّة، والخلافة العامّة للإنسان على الأرض.

عناصر متحرّكة، وهي العناصر التي تدعو الضرورة إليها بسبب المستجدات والمتغيّرات في عمليّة الإنتاج وملابساتها.

عناصر متحرّكة زمنيّة في مجال الإنتاج وتحسينه وتطوير أدواته وتنمية محصوله، وهذا القسم متروك للدراسات العلميّة وأحدث ما تتوصّل إليه الخبرة البشريّة في هذا المجال.

المبحث الثَّالث: استعراض بعض التحديّات التي تواجه الفقيه عند الخوض في بحث فقه النظريّة

تواجه الفقيه عدّةَ مطبّات وتحديّات للوصول للنظريّات الإسلاميّة العامّة لجهةٍ من جهات الحياة المختلفة، فلا بدَّ للباحث من التعرّف على هذه التحديّات؛ لكي يستطيع تجاوزها ولا تقف حائلاً دون الوصول للنظريّات العامّة، وهذه التحديّات كثيرة، وكلمَّا توّغل الباحثون في بحثهم عن النظريّات الإسلاميّة بشكلٍ موّسع ستتنقح مجموعةٌ من التحديّات والمطبّات الجديدة، ومن جملة هذه التحديّات التي تطرق إليها السيّد الشهيد‌S ما يلي[71]:

تبرير الواقع:

حيث يُحاوَل فيه تفسير بعض الآيات القرآنيّة أو الروايات وفق النظريّة الاقتصاديّة أو العلميّة السائدة، حيث لاحظ السيّد الشهيدS أنَّ بعض الباحثين توّصل إلى حليّة الرِّبا إذا كان بنسبةٍ قليلةٍ لا تجحف بحقِّ الدَّائن والمدين، حيث جعله من مقوِّمات الاقتصاد، بل لا يمكن إنشاء اقتصادٍ من دون القروض الربويّة، فالباحث "ممَّن استسلم للواقع الاجتماعي الذي يعيشه وحاول أن يُخضع النصّ للواقع بدلاً عن التفكير في تغيير الواقع على أساس النصّ، فتأوّل أدلّة حرمة الرِّبا والفائدة، وخرج من ذلك بنتيجة تواكب الواقع الفاسد، وهي:  أنَّ الإسلام يسمح بالفائدة إذا لم تكن أضعافاً مضاعفة، وإنّما ينهى عنها إذا بلغت مبلغاً فاحشاً، يتعدّى الحدود المعقولة كما في الآية الكريمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران:130)، والحدود المعقولة هي الحدود التي ألفها هذا المتأوّل من واقعه في حياته ومجتمعه. وقد منعه واقعه عن إدراك غرض هذه الآية الكريمة، التي لم تكن تستهدف السماح بالفائدة التي لا تضاعف القرض، وإنّما كانت تريد لفت نظر المرابين إلى النتائج الفظيعة التي قد يسفر عنها الرِّبا إذ يصبح المدين مثقلاً بأضعاف ما استقرضه؛ لتراكم فوائد الرِّبا، ونموّ رأس المال الرَّبوي نموّاً شاذّاً باستمرار، يواكبه تزايد بؤس المَدِين وانهياره في النهاية"[72].

دمج النَّص في إطارٍ خاص:

ومقصود السيّد الشهيدS منه هو أن يقومَ الباحث بدراسة النصّ الشرعي في إطارٍ فكريٍّ غير إسلامي؛ أي لا يُحاول الوصول للمرتكزات المتشرعيّة المعاشة من النصوص الشرعيّة، "وهذا الإطار [الفكري غير الإسلامي] قد يكون منبثقاً عن الواقع المعاش،  وقد لا يكون،  فيحاول الممارس أن يفهم النصّ ضمن ذلك الإطار المعيّن، فإذا وجده لا ينسجم مع إطاره الفكري أهمله، واجتازه إلى نصوص أخرى تواكب إطاره، أو لا تصطدم به على أقلّ تقدير.. وقد كتب فقيه -معلّقاً على النصّ القائل: بأنَّ الأرض إذا لم يعمرها صاحبها أخذها منه  ولي الأمر واستثمرها لحساب الأمّة- : "أنَّ الأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية؛ فإنّها تخالف الأصول والأدلّة العقلية". وهو يعني بالأدلّة العقلية: الأفكار التي تؤكِّد قدسيّة الملكيّة، بالرغم من أنَّ قدسيّة الملكيّة ودرجة هذه القدسيّة يجب أن تؤخذ من الشريعة،  وأمّا حين تقرّر بشكلٍ مسبق، وبصورة تتيح لها أن تتحكَّم في فهم النصِّ التشريعي.. فهذا هو معنى الاستنباط في إطار فكري مستعار، وإلاّ فأيُّ دليل عقليّ على قدسيّة الملكيّة بدرجة تمنع عن الأخذ بالنصّ التشريعي الآنف الذكر ؟!"[73].

تجريد الدَّليل الشَّرعي من ظروفه وشروطه:

ويقصد منها السيِّد الشهيدS أنَّها "عمليّة تمديد للدَّليل دون مبرِّر موضوعي، وهذه العمليّة كثيراً ما ترتكب في نوع خاصّ من الأدلَّة الشرعيّة، وهو ما يطلق عليه فقهياً اسم التقرير.. ففي بعض الأحيان يجد الممارس نفسه يعيش واقعاً عامراً بسلوك اقتصادي معيّن،  ويحسُّ بوضوح هذا السلوك وأصالته وعمقه إلى درجة يتناسى العوامل التي ساعدت على إيجاده، والظروف المؤقّتة التي مهّدت له، فيخيّل له أنَّ هذا السُّلوك أصيل، وممتدٌ في التَّأريخ إلى عصر التشريع، بينما هو وليد عوامل وظروف معيّنة حادثة، أو من الممكن أن يكون كذلك على أقل تقدير. ولنذكر لذلك على سبيل المثال: الإنتاج الرأسمالي في الأعمال والصناعات الاستخراجيّة، فإنَّ الواقع اليوم يغصُّ بهذا اللون من الإنتاج، الذي يتمثّل في عمل أُجراء يستخرجون المواد المعدنيّة من ملح أو نفط، ورأسمالي يدفع إليهم الأجور، ويعتبر نفسه لأجل ذلك مالكاً للمادّة المستخرجة، وعقد الإجارة -هذا الذي يقوم بين الرأسمالي والعمّال- يبدو الآن طبيعياً في مضمونه ونتائجه الآنفة الذكر؛ أي تملّك العامل للأجرة، وتملّك الرأسمالي للمادّة إلى درجة قد تتيح للكثير أن يتصوّروا هذا النَّوع من الاتفاق قديماً، بقدم اكتشاف الإنسان  للمعادن واستفادته منها، ويؤمنون على أساس هذا التصوّر بأنَّ هذا النوع من الإجارة كان موجوداً في عصر التشريع. ومن الطبيعي أن ينتج عن ذلك التفكير في الاستدلال على جواز هذه الإجارة، وتملّك الرأسمالي للمادّة المستخرجة؛ بدليل التقرير، فيقال: أنَّ سكوت الشريعة عن هذه الإجارة وعدم نهيها عنها دليل على سماح الإسلام بها، فأنَّ هؤلاء الذين يستدلُّون بدليل التقرير على صحَّة تلك الإجارة ومقتضياتها لم يعيشوا عصر التشريع ليتأكّدوا من تداول هذا النوع من الإجارة في ذلك العصر، وإنّما شهدوا تداولها في واقعهم المعاش وأدَّى رسوخها في النظام الاجتماعي السائد إلى الإيمان بأنَّها ظاهرة مطلقة، ممتدَّة تأريخياً إلى عصر التشريع. وهذا هو الذي نعنيه بتجريد السلوك من ظروفه وشروطه دون مبرِّر موضوعي، وإلَّا فهل نملك دليلاً حقّاً على أنَّ هذا اللون من الإجارة كان موجوداً وشائعاً في عصر التشريع الإسلام؟! وهل يعلم هؤلاء الذين يؤكِّدون على وجوده في ذلك العصر أنَّ هذا الإجارة هي المظهر القانوني للإنتاج الرأسمالي، الذي لم يوجد تأريخياً على نطاق واسع -خصوصاً في ميادين الصناعة- إلاّ متأخراً؟!"[74].

اتّخاذ موقف معيَّن بصورة مسبقة تجاه النَّص:

ويقصد منه السيّد الشهيدS الاتجاه النفسي للباحث، ولتوضيح ذلك ذكر السيّد مثالاً مهماً، حيث افترضS "شخصين يمارسان دراسة النصوص، يتّجه أحدهما نفسياً إلى اكتشاف الجانب الاجتماعي وما يتّصل بالدولة من أحكام الإسلام ومفاهيمه، بينما ينجذب الآخر  لاتجاه نفسي نحو الأحكام التي تتّصل بالسلوك الخاص للأفراد، فإنَّ هذين الشَّخصين بالرغم من أنّهما يباشران نصوصاً واحدة، سوف يختلفان في المكاسب التي يخرجان بها من دراستهما لتلك النصوص، فيحصل كلّ منهما على مكاسب أكبر فيما يتّصل باتجاهه النفسي وموقفه الخاص، وقد تنطمس أمام عينيه معالم الجانب الإسلامي الذي لم يتّجه إليه نفسياً. وهذا الموقف النفسي الذي تفرضه ذاتيّة الممارس لا موضوعيّة البحث، لا يقتصر تأثيره على إخفاء بعض معالم التشريع، بل قد يؤدّي أحياناً إلى التضليل في فهم النصّ التشريعي، والخطأ في استنباط الحكم الشرعي منه، وذلك حينما يريد الممارس أن يفرض على النصِّ موقفه الذاتي الذي اتخذه بصورة مسبقة، فلا يوفَّق حينئذٍ إلى تفسيره بشكلٍ موضوعي صحيح"[75].

الخاتمة

اتضح من هذه المقالة عدّة أمور من أهمُّها:

1. فقه النظريّة كما يراه السيّد الشهيد هو عبارة عن استنباط البناءات الأساسيّة الثابتة، من القرآن والسنّة مباشرةً أو من البناءات العلويّة المتحرّكة، في أبواب الشريعة المتنوعة.

2. تنقسم الأدلّة الشرعيّة إلى أدلّة تدُّل على عناصر ثابتة وأساسيّة في الشريعة الإسلاميّة، وإلى أدلّة تدُّل على عناصر متحركة مرنة.

3. للوصول إلى العناصر الثابتة لا بدّ من الاستفادة من التجربة البشريّة، من ناحية دراستها، واستخراج التناقضات الموجودة فيها -إن وجدت-.

4. أنَّ الشريعة الإسلاميّة تغطّي جميع الجوانب المهمّة لحياة الإنسان، ولم تهمل جانباً دون جانب، فقد توصّل السيّد الشهيدS إلى أهم نظريّات الإسلام التأريخيّة، الاجتماعيّة، السياسيّة، والاقتصاديّة.

5. النبي أو الوصي له جنبتان في شخصيّته، الأولى بما هو مشرّع، والثانيّة بما هو وليّ أمر وحاكم للمسلمين.

6. هناك عدّة تحديّات تواجه الباحث عند الخوض في فقه النظريّة، من أهمها طغيان الجانب الذاتي أو النفسي لدى الباحث.


[1] العين، الفراهيدي، الخليل بن أحمد، دار ومكتبة الهلال، ج٣، ص٣٧٠.

[2] تاج اللغة وصحاح العربيّة، الجوهري، إسماعيل بن حماد، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، ج٦، ص٢٤٣.

[3] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، أحمد بن فارس، دار الفكر، ج٤، ص٤٤٢.

[4] لسان العرب، ابن منظور، محمد بن مكرم، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، ج١٣، ص٥٢٢.

[5] القاموس المحيط، الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثامنة، ص٢٥٠.

[6] الفائق في غريب الحديث والأثر، الزمخشري، محمود بن عمرو، دار المعارف، لبنان، الطبعة الثانية، ج٣، ص١٣٤.

[7] المعجم الوسيط، مجموعة من المؤلفين، دار الدعوة، ج٢، ص٩٣٢.

[8] معجم اللغة العربيّة المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد، عالم الكتب، الطبعة الأولى، ج٣، ص٢٢٣٣.

[9] تاج اللغة وصحاح العربيّة، مصدر سابق، ج٢، ص٨٣٠.

[10] معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٥، ص٤٤٤.

[11] تاج اللغة وصحاح العربيّة، مصدر سابق، ج٢، ص٧٨٣.

[12] معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج٥، ص٤٤٦.

[13] المعجم الوسيط، مصدر سابق، ج٢، ص٦٩٨.

[14] القواعد الفقهيّة، الندوي، علي أحمد، دار القلم، دمشق، الطبعة الثالثة، ١٩٩٤م، ص٦٣.

[15] المدخل الفقهي العام، الزرقا، مصطفى أحمد، دار القلم، الطبعة الثانيّة، ٢٠٠٤م، ج٢، من ص٧٧٩.

[16] المصدر السابق، ج١، ص٣٢٩. 

[17] القواعد الفقهيّة، مصدر سابق، ٦٣. 

[18] اقتصادنا، الصدر، السيد محمد باقر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الأولى، ١٤٢٤هـ، ص٤٦٦.

[19] كلام السيِّد الشهيد& في الكتاب حول القرآن الكريم، ولكن لا ضير في تعميم الأمر إلى الروايات، كما فعل& في بقيّة أبحاثه كما سيتضح من ثنايا البحث.

[20] المدرسة القرآنيّة -التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي، والسنن التاريخيّة وعناصر المجتمع في القرآن الكريم-، الصدر، سيد محمد باقر، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الثانية، ٢٠١٣م، ص٢٢.

[21] المدرسة القرآنيّة، مصدر سابق، ص٢٦.

[22] الإسلام يقود الحياة، الصدر، السيد محمد باقر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الرابعة، ١٤٢٩ هـ، ص٤٣.

[23] المصدر السابق، ص٤٣.

[24] الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص٤٣.

[25] المصدر السابق، ص٥٣.

[26] الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص٤٥،

[27] المصدر السابق، ص٤٥- ٥٠.

[28] لاحظ القسم الأول من كتاب اقتصادنا للسيد الشهيدO، فقد خصصه لتحليل النّظام الرأسمالي والاشتراكي، ولاحظ كتاب المدرسة الإسلاميّة الصدر، السيد محمد باقر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الرابعة، ١٤٢٩ ه، ص٦٤-٧٥.

[29] الآيات والروايات التي تشير إلى الأهداف الثابتة، نستطيع استخدامها بشكل مباشرة في تشريع مجموعة من الأحكام المتحركة للمحافظة على ذلك المبدأ.

[30] اقتصادنا، مصدر سابق، عنوان تبرير الواقع، ص٤٤٨-٤٤٩.

[31] المصدر السابق، ص٤٥٧-٤٥٩.

[32] اقتصادنا، مصدر سابق، ص٨٠٥.

[33]  مقالة للسيد الشهيد تحت عنوان الاتجاهات المستقبلة لحركة الاجتهاد، وهذا نص كلامه: "وأما المثال الفقهي فنأخذه من الاعتراض الشهير الذي أثاره الفقهاء حول قاعدة «لا ضرر ولا ضرار"، إذ قالوا: إن هذه القاعدة تنفي وجود أي حكم ضرري في الإسلام بينما نجد في الإسلام أحكاماً ضرريّة كثيرة كتشريع الديات والقصاص والضمان والزكاة، فإنّ في تشريع هذه الأحكام إضراراً بالقاتل الذي يكلف بالدية وبالقصاص، وإضراراً بالشخص الذي يتلف مال غيره إذ يكلف بضمانه، وإضراراً بصاحب المال الذي يكلف بدفع الزكاة. إن هذا الاعتراض يقوم على أساس النظرة الفردية إلى التشريع، فإن هذه النظرة هي التي أتاحت لهم أن يعتبروا هذه الأحكام ضرريّة، بينما لا يمكن أن تعتبر هذه الأحكام ضرريّة في شريعة تفكر في الفرد بوصفه من جماعة ومرتبطاً بمصالحها، بل أن خلو الشريعة من تشريع الضمان والضرائب يعتبر أمراً ضررياً. وقد كان من نتائج ترسخ النظرة الفردية قيام اتجاه عام في الذهنية الفقهية يحاول دائماً حل مشكلة الفرد المسلم عن طريق تبرير الواقع وتطبيق الشريعة عليه بشكل من الاشكال). أنظر: مجلة فقه أهل البیت، العدد الأول، ص 35.

[34] الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص١٢٨.

[35] المصدر السابق، ص١٣٣.

[36] الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص١٣٥.

[37] المصدر السابق، ص١٣٦.

[38] المصدر السابق، ص١٥٩-١٦٠.

[39] المدرسة القرآنيّة، مصدر سابق، ص٣٢.

[40] المصدر السابق، ٢١.

[41] ﴿وَرَبُّكَ الغَفورُ ذُو الرَّحمَةِ لَو يُؤاخِذُهُم بِما كَسَبوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذابَ بَل لَهُم مَوعِدٌ لَن يَجِدوا مِن دونِهِ مَوئِلًا﴾، ﴿وَتِلكَ القُرى أَهلَكناهُم لَمّا ظَلَموا وَجَعَلنا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا﴾، الكهف: ٥٨ - ٥٩. ﴿وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِما كَسَبوا ما تَرَكَ عَلى ظَهرِها مِن دابَّةٍ وَلكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم فَأنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصيرًا﴾، فاطر: ٤٥.

[42] المدرسة القرآنيّة، مصدر سابق، ص٤٤.

[43] المصدر السابق، ص٤٧، لاحظ أيضًا ص٥٠-٥٢.

[44] المدرسة القرآنيّة، مصدر سابق، ص٧٨.

[45] المصدر السابق، ص٨٠.

[46] المدرسة القرآنيّة، مصدر سابق، ص٨٦.

[47] المصدر السابق، ص٦٣.

[48] المدرسة الإسلاميّة، الصدر، السيد محمد باقر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الرابعة، ١٤٢٩ هـ، ص١٦.

[49] المدرسة الإسلاميّة، الصدر، السيد محمد باقر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصيّة للشهيد الصدر، الطبعة الرابعة، ١٤٢٩ هـ، ص١٨.

[50] المدرسة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص١٩-٢٠.

[51] المصدر السابق، ص٢٢-٢٣.

[52] راجع المصدر السابق أيضاً للحصول على نظرة أكثر تفصيلًا للفكر الديمقراطي الرأسمالي، ص٣٧-٤٠، وللحصول على نظرة أكثر تفصيلًا للنظام الاشتراكي الماركسي راجع ص٥٣-٥٨.

[53] بدأت في الآونة الأخيرة تتجلى نظريّة اجتماعيّة جديدة في روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، وهي جديرة بالدراسة، ألقِ نظرة على كتاب أسس الجيوبوليتيكا، مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي، للكتاب ألكسندر دوغن، تعريب عماد حاتم، دار الكتاب الجديد المتحدة، ٢٠٠٤م.

[54] المدرسة الإسلاميّة، مصدر سابق، نقد السيِّد الشهيدS النَّظريَّة الغريبة في جانب مساواتها للتجربة البشريّة بين العلوم الطبيعيّة والعلوم الاجتماعيّة ص٢٣-٣٢، ونقد المذهب الرأسمالي من جهاتٍ متعددة، منها الجانب الأخلاقيّ وغيره من الجوانب التي تقوم على أساسها النَّظريَّة الاجتماعيّة، راجع ص٤١-٥٠، ونقد النَّظريَّة الماركسيّة والشيوعيّة ص٥٨-٦١، وراجع أيضاً ص٦٥-٧٢.

[55] المصدر السابق، ص٧٦.

[56] في المصدر تعني، والصحيح سياقًا تُعنى.

[57] المدرسة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص٧٨.

[58] المدرسة الإسلاميّة، ص٧٩-٨٠.

[59] الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص٤٩.

[60]  الإسلام يقود الحياة، ص١٣.

[61]  مصدر سابق، ص٢٠.

[62] المصدر السابق، ص٢١-٢٢.

[63] المصدر السابق، ص٤٧و٤٩.

[64] المصدر السابق، ص٢١، ٢٣.

[65] المدرسة الإسلاميّة، مصدر سابق، ص٨١-٨٢.

[66] اقتصادنا، مصدر سابق، ص٦٣٩-٧١٧.

[67] الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص٤٥-٤٧.

[68] الإسلام يقود الحياة، ص٤٧.

[69] المصدر السابق، ص٤٨.

[70] المصدر السابق، ص٦٧-٦٨.

[71] اقتصادنا،  ص٤٤٨.

[72] اقتصادنا، ص٤٤٨-٤٤٩.

[73] مصدر سابق، ص٤٤٩-٤٥٠.

[74] اقتصادنا،ص٤٥٥-٤٥٦.

[75] المصدر السابق، ص٤٥٧-٤٥٨.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا