ملامح الرِّجال (القسم الثَّاني)

ملامح الرِّجال (القسم الثَّاني)

الملخّص

تعرّض الكاتب في هذا القسم -من بحثه المخصّص للرواة الذين لم يتم التطرق لأحوالهم بشكل مفصّل- إلى أبي مخنف، حيث ذكر الاختلاف في مذهبه ومال إلى عدم كونه إمامياً بالمعنى الأخص، ثمَّ ذكر ما يدلُّ على توثيقه، ثمَّ أهمّ من روى عنه أبو مخنف ومن روى عن أبي مخنف، مستبعداً أن يكون أبو مخنف معاصراً لأمير المؤمنين‌g بل الحسنينh، وختم بذكر أهمِّ كتبه.

بسم الله الرَّحمن الرحيم، اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد..
هذا هو القسم الثَّاني من المقال المعنون بـ«ملامح الرِّجال»، ويتناول ملامح المؤرِّخ والمحدِّث أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي الغامدي.

الهمزة
أبو مِخنَف لوط بن يحيى

هو أبو مِخْنَف - بكسر الميم وسكون الخاء وفتح النُّون- لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخنف بن سليم الأزدي الغامدي، شيخ أصحاب الأخبار في الكوفة ووجههم.

مذهبه:

اختلف العُلماء في مذهب أبي مِخنَف، فمنهم مَن عَدَّه شيعياً بالمعنى الأعم، أي يحبُّ علياًg ويناصره في قِبال معاوية، وبين مَن عدَّه شيعياً بالمعنى الأخص.
ويبرز في مقدِّمة ما استُدِلَّ به على الرَّأي الثَّاني تصريح الفيروزآبادي في القاموس المحيط؛ إذ قال: "وكمِنبَر: أبو مِخنَف لوط بن يحيى، أخباريٌّ شيعيٌّ تالفٌ متروك"، إلا أنَّ ذلك غير ناهض؛ إذ «الشيعيّ» عندهم أعمًّ من كونه إماميّاً، يكفي مَيله ومحبّته لأمير المؤمنينg في قِبال مَن كانوا في قِباله -كمعاوية- لإطلاق لفظ «شيعيّ» على أحدهم عندهم، قال ابن حجر: "والتشيُّع: محبة عليٍ وتقديمه على الصَّحابة"، نعم يمكن أن يُضَمَّ إلى ذلك نصوص أخرى ليكون الاستدلال أقرب، وستأتي إنْ شاء الله (تعالى).
من جهةٍ أخرى استشهد من التزم أنَّ أبا مِخنَف شيعيٌّ بالمعنى الأعمّ -أي يميل لعليٍّg في قِبال غيره كما تقدَّم- بعدم إدراج النديم وابن قتيبة له في الشِّيعة رغم عقد كلٍّ منهما باباً في كتابه للشِّيعة، ويمكن أن يُرَدَّ ذلك بأنَّ البابَين (الفنَّين) اللذَين خصَّصهما النديم إنّما كان أحدهما لمتكلّمي الشيعة والآخر لفقهائهم، وواضحٌ عدم اندراج أبي مِخنَف في أيٍّ منهما، وقد ذكره في الباب (الفنّ) المناسب له أي في الفنِّ الأوَّل من مقالة (في أخبار الأخباريين والنسَّابين و...)، وأمَّا ابنُ قتيبة، فلم يُذكر إلّا بعضاً مِن أبرز أعلام الشِّيعة بالمعنى الأعمّ مِمَّن صدق عليهم (الترفُّض) أو (التشيُّع)، ولم يكن على سبيل الاستقصاء، فلا يُحتَج بعدم ذكره لأبي مِخنَف، وقد ذكره في الباب الذي هو من أبرز أعلامه أي (النسّابون وأصحاب الأخبار)، أضِف لذلك أنَّ عدَّه من غير (الشيعة) مُعارَضٌ بنصوص بعض رجاليّي العامّة الصريحة في تشيُّعه ولو بالمعنى الأعمّ؛ إذ عدم ذكره في (الشيعة) نافٍ لتشيُّعه بالمعنى الأعمّ كما هو اصطلاحهم.
وقد استدلَّ من نفى عنه تشيُّعه -بالمعنى الأخصّ- أيضاً بتصريح ابن أبي الحديد في شرحه للنَّهج حيث قال: "وأبو مخنف من المحدِّثين، ومِمَّن يرى صحَّة الإمامة بالاختيار، وليس من الشِّيعة ولا معدوداً من رجالها"، وهذا أصرح دليلٍ، ولا يمكن النِّزاع في دلالته إلاَّ أنَّك قد تتساءل عن كيفية التَّوفيق بين هذا الكلام وبين تصريح ابن عديٍّ بأنَّه "[شيعيٌّ] محترق"، بل تصريح الذَّهبي بأنَّه "رافضيّ"؛ فإنَّ مُرادهم من (الرافضي) هو من أحبَّ عليّاً وقدَّمه على الصَّحابة وعلى أبي بكر وعمر، قال ابن حجر: "والتشيُّع محبَّة علي، وتقديمه على الصَّحابة، فمن قدَّمه على أبي بكر وعمر، فهو غالٍ في تشيُّعه، ويُطلَق عليه رافضي، وإلاَّ فشيعيّ، فإنْ انضاف إلى ذلك السبُّ أو التَّصريح بالبغض، فغالٍ في الرفض"، فقد تظنُّ أنَّ اجتماع القول بالاختيار مع تقديم أمير المؤمنينg على أبي بكر وعمر غريب! لا سيَّما في أيام إمامنا الصادقg.
والظَّاهر أنَّ التَّوفيق ممكنٌ بافتراض انتماء أبي مِخنَف لإحدى الفرق التي عاصرت الإمام الصَّادقg والتزمَت بأفضلية عليٍّg وجواز الخلافة بالاختيار، ولعلَّ أقربها لذلك الزَّيدية البترية؛ فإنَّهم يُقَدِّمون عليّاًg ويُفَضِّلونه ويجيزون بيعة غيره.
نعم، ليس من الممتنع حَمْلُ تصريح ابن أبي الحديد على الأخذ عن حِسّ، وحمل تصريح الذَّهبي وابن عدي وغيرهما على الحَدس والأخذ عن الحادس، وأنَّ الحدس ناشٍ عن متابعة روايات الرَّجل وملاحظة اشتمالها على القدح في الصَّحابة وأبي بكر وعمر، وهذا غير عزيزٍ في كتب رجاليِّيهم، ونقل الراوي مضمونًا معيّناً لا يعني التزامَه بثبوته بالضرورة.
وتأييد عدم إماميِّته بما صرَّح به شيخنا المفيد في كتاب (الجمل) تأييدٌ في محلِّه؛ فإنَّه قالO: "فهذه جملةٌ من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها، وقد أوردناها على سبيل الاختصار، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامَّة دون الخاصَّة، ولم نثبت في ذلك ما روته الشِّيعة في إنكاره..."، وكان قد ذكر رواياتٍ لأبي مخنف، بل آخر روايةٍ قبل هذا التَّصريح كانت له أيضاً.

ثقته:

قال النَّجاشي(عليه الرحمة) عن أبي مِخنَف: "شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يُسكَن إلى ما يرويه"، ولم أجِد من نازعَ في اعتباره -في نفسه- من أصحابنا الماضين سوى صاحب رياض العلماء‌O ، نعم ذهب بعضٌ -كالمامقاني‌O - إلى استفادة المدح من العبارة المتقدِّمة، بينما ذهب آخرون -كالخوئيO - لاستفادة التَّوثيق منها. واستفادة المامقاني غير بعيدة.
رغم ذلك، إلاَّ أنَّ المعاصر السيّد سامي البدريّB لم يلتزم ما التزموه، فقال: "وقد وثَّق أبا مخنف في النَّقل عددٌ من أعلام الشِّيعة، إلاّ أنَّ ذلك قابلٌ للمناقشة، ونحن نتئّد على الأقل، بل نرفض قبول فقرات مبثوثة في رواياته التي ترتبط بسيرة بعض الأئمّةi أو سيرة شيعتهم في الكوفة أو علاقة الأئمّة بهم في الفترة الواقعة من سنة حكم عليٍّgسنة 35 هجرية وحروبه إلى مقتل المختار سنة 67 هجرية؛ وذلك لأنَّها تعطي رؤية تخالف الثَّابت عن أهل البيتi، أو الثَّابت من التَّاريخ عن شيعتهم في الكوفة وعلاقتهم بهم"، وذكر من روايات أبي مخنف شاهدَين على ما ذهب إليه، أحدهما رواية "لا يبعد ابن عباس".
وزاد على ذلك فقال في موردٍ آخر: "بل وضع [أي أبو مِخنَف] كتابه في المقتل على ما يبدو في قبال كتاب جابر بن يزيد الجعفيّO لتطويقه واحتوائه؛ إرضاءً للعباسيين في خطَّتهم التي استهدفت وصف أهل الكوفة خاصَّة بأنَّهم خذلوا الحسينg، وأنَّهم المسؤولون عن قتل الحسين دون يزيد، وقد نجح أبو مِخنف في تحقيق ما أرادوا وصار كتابه أفضل الكتب المؤلّفة في بابه، وتبنَّاه المؤرِّخون بعده".
لكن يمكن أن يُقال: إنَّ ما التزمَه السيِّدB -فضلاً عن ما خمَّنه من نوايا لأبي مخنف- لا موجِبَ له إلّا إنْ ثبت أنّ منشأ الخلل في هذه النَّماذج هو أبو مِخنَف نفسه لا مَن روى عنهم أو مَن رووا عنه؛ إذ أنَّ ما التزمه الأعلام هو حُسنُه أو ثقته في نفسه، وقد يُعرَف الثِّقة -في نفسه- بالرِّواية عن الضِّعاف كما اتَّفق لأكثر من راوٍ، أضِف إلى ذلك أنَّ هذا الكلام إنمَّا في الرِّوايات التي ثبت الخلل المذكور فيها فعلاً، لا ما لم يثبت أو كان للأخذ والردِّ فيه مجالٌ مُعتَدٌّ به.
نعم، قد يُقال إنَّ نقاش السيد البدريB إنِّما هو للاستفادة من "يُسكَن إلى ما يرويه"، بمعنى أنَّ العبارةَ ناظرةٌ لمضامين رواياته لا له هو في نفسه، حينها يمكن أن يُقال أيضاً: إنَّ العبارةَ تحتمل وجهَين -كما هو حال كلِّ مصدر أو ما أُوِّل بالمصدر-: أمَّا الأول فأداؤه للرِّواية، وأمَّا الثَّاني فنفس الرِّوايات المروية، ولا يتَّجه الإشكال بالمَروي على الأوَّل إلا مع إحراز أنَّ الخلل قد وقع منه لا مِمَّن سبقه أو مَن لحقه -كما تقدَّم-، وأمَّا على الثَّاني، فيمكن أن يُقال إنَّ المفهوم من النَّجاشي(عليه الرحمة) هو النَّظر إلى رواياته في الجملة لا بالجملة، وعليه فإنَّ كلام النَّجاشي إنّما يختلُّ لو كان ما أشكل به السيّد ثابتاً في عموم روايات أبي مِخنَف، لا في بعضها فحسب.
أمَّا العامَّة، فقد سلك أغلبهم مسلك الطَّعن والقدح في أبي مِخنَف، قال ابن حجر في لسان الميزان: "لوط بن يحيى، أبو مِخنَف، أخباريٌّ تالفٌ لا يوثَق به، تركه أبو حاتم وغيره، وقال الدارقطنيّ: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مُرَّة: ليس بشيء، وقال ابن عدي: شيعيٌّ محترقٌ، صاحب أخبارهم، قلت: روى عن الصقعب عن زهير، وجابر الجعفيّ، ومجالد، روى عنه المدائني، وعبد الرحمن بن مغراء، ومات قبل السَّبعين ومائة. انتهى. وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه، فنفض يده وقال: أحدٌ يسأل عن هذا؟! وذكره العقيلي في الضعفاء".
إلّا أنَّ تضعيفهم يُحتمَل أن يرجع إلى أحد أمور:
الأوَّل: روايته عن الضُّعفاء، إذ يقول الذهبي: "أبو مِخنَف، لوط بن يحيى الكوفيّ، صاحب تصانيف وتواريخ، روى عن: جابر الجعفيّ، ومجالد بن سعيد، وصقعب بن زهير، وطائفةٌ من المجهولين". 
الثَّاني: ثلبه بعض الخلفاء وقدحه فيهم أو روايته ما يشتمل على ذلك، فإنَّهم يعدُّون ذلك مسقطاً للرَّاوي؛ إذ يقول الذَّهبيّ في مقام تبيين من يُؤخَذ عنه ومَن لا يؤخَذ عنه من أهل البدعة -على حدِّ تعبيره-: "ثمَّ بدعةٌ كبرى، كالرَّفض الكامل والغلوّ فيه والحطِّ على أبي بكر وعمر(رض) والدُّعاء إلى ذلك، فهذا النَّوع لا يُحتَجُّ بهم ولا كرامة"، وقد صرَّح الذَّهبيّ نفسه بترفُّض أبي مِخنَف، إذ قال في تاريخ الإسلام: "لوط بن يحيى، أبو مِخنَف الكوفيّ الرَّافضيّ الأخباريّ".
ورجوع ذلك لرواياته يمكن أن يُستَشعَر مِمَّا قاله ابن عدي عنه، قال: "حدَّث بأخبار مَن تقدَّم من السَّلف الصَّالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم، وهو شاعي [شيعيّ ظ] محترق، صاحب أخبارهم، وإنَّما وصفته لا يستغنى [ليستغنى/لأستغني ظ] عن ذكر حديثه؛ فإنِّي لا أعلم له من الأحاديث المسندة ما أذكره، وإنّما له من الأخبار المكروه الذي لا أستحب ذكرَه"، وتُعرَف طبيعة ما لا يستحب ابن عدي ذكرَه من خلال ملاحظة عناوين بعض كتب أبي مخنف، ومنها: (كتاب السِّقيفة)، (كتاب الجمل)، (كتاب صفِّين)، (كتاب مقتل عثمان).
وما تقدَّم إنَّما هو شأن محدِّثيهم، أمَّا أهل الأخبار عندهم، فقد يبدو اعتمادهم عليه واعتباره عندهم، كما قد يلوح من الطَّبري وابن الأثير وغيرهما.

روى عن:

دفْعُ صحبتهِ أميرَ المؤمنين وروايته عنهg:

قال الكشيّO -على ما نُسِب له- إنَّه صحب أمير المؤمنين والحسن والحسين، إلا أنَّ الطوسيّO قد نفى عنه صحبة أمير المؤمنين ونسبها لأبيه، ومن غير البعيد وجود الخلل في نسبة القول المتقدِّم للكشيّ؛ إذ يُحتَمَل أنَّه إنَّما أراد نسبة صُحبة الأمير‌g لجدِّه مِخنَف كما يؤيده قول النديم في فهرسته: "لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخنَف بن سُلَيم الأزدي. وكان مِخنَف بن سليم من أصحاب عليٍّg وروى عن النبيّe وصَحِبَه"، لا سيَّما مع الالتفات إلى صلاحية صحبة الجدِّ للحسنَينh أيضاً؛ إذ أنَّه تُوفي في الرَّابع والسِّتين للهجرة خلال معركة التَّوابين (عين الوردة)، بل يمكن أنْ يؤيَّد ذلك أيضاً بنصِّ الطوسيّO نفسه في رجاله على صحبة مِخنف للأميرg.
نعم، تأمَّل الشيخ المامقانيO في نفي الطوسيّO صحبة الأميرg عن لوط وعارضه، وعضد تأمُّله بأمرَين:
الأوَّل: إمكان لقائه بأمير المؤمنينg وتحمُّله منه وهو ذو 15 عاماً، بل حتى دون ذلك، مُعَلِّلاً ذلك بأنَّ العبرة بزمان الأداء لا التحمُّل.
الثَّاني: ما رواه الكلينيُّO بإسناده عن أبي مِخنَف أنَّه قال: "أتى أميرُ المؤمنينg رهطٌ من الشِّيعة..."؛ إذ ارتأى أنَّ الحديث ظاهرٌ في لقائه أمير المؤمنينg، وحمله على خلاف ظاهره من دون قرينة لا وجه له.
إلّا أنَّ لفظ الرِّواية يحتمل الرفع، والقرينة ليست معدومة في المقام؛ إذ من البعيد كونه صاحباً لأمير المؤمنين وابنَيه الحسنَين ثمّ يُسكَت عن صحبته للسَّجادg ويُناقَش في روايته عن أبي جعفر الباقرg، أضف إلى ذلك أنَّه قد نُصَّ على وفاته عامَ سبعٍ وخمسين ومائة، وهذا يقتضي -إنْ بنينا على صحبته للأميرg- تعميره لمقدارٍ لافتٍ من السِّنين، لا يمرّ في العادة -لا سيما للشخصيّات المعروفة- من غير تنويه أو قرائن واضحة، بل يدعم هذا حتى احتمال الاشتباه في نسبته لصحبة الحسنَينh وأنَّ كلام الكشيّO -أو من أخذ عنه الكشيّ- إنَّما كان عن أحد آبائه -كجدِّه مِخنَف- لا عن لوط نفسه.
وقد نبَّه السِّيد الخوئيO أيضاً على شواهد أخرى على عدم دركِه أمير المؤمنين‌g، فقال: "لم يثبت دركه أميرَ المؤمنينg، بل إنَّ روايتَه لخطبة الزهراء عنه‌g بواسطتَين -على ما مَرَّ- يدلُّ على عدم دركه إيَّاهg، وكذلك روايته خطب أمير المؤمنينg بواسطتَين على ما تقدَّم في ترجمة زيد بن وهب"، ثمَّ أورد رواية الكافي المتقدِّمة وأشكل عليها بعدم ثبوتها وإرسالها، وأردف على عدم ثبوت روايته حتى عن الحسنَينh .

يَحْيَى بنُ سَعِيد بنِ مِخْنَف:

وهو أبوه، ومِن المواضع التي رُصِدَت روايته عن أبيه فيها ما رواه الطَّبريّ في تاريخه عند ذكر صفّين والقتال على الماء فيها، قال: "قال أبو مخنف: وحدَّثني أبي يحيى بن سعيد، عن عمِّه محمّد بن مخنف"، ويُحتَمَل أن يكون ما في الغارات من ذلك أيضاً؛ إذ قال: "قال: وحدَّثني ابن أخي محمّد بن مخنف، عن أبيه، عن عمِّه".
احتمال سقط:
وقد توسَّط أبوه في روايته عن عمِّ أبيه محمد بن مخنف، وورد في موردَين روايته عن عمِّه مباشرة، دون توسِّط أبيه، ومنها ما ورد في الطبري عند ذكر أحداث وقعة الجمل؛ إذ قال: "حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن أبي مخنف، عن عمِّه محمَّد بن مخنف"، ولا أعلم مدى استقامة ذلك.

الصَّقْعَبُ بنُ زُهَيْر:

هو الصَّقْعَب بن زهير بن عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي الكوفي، وهو خال أبي مِخْنَف، فقد أورد المزيّ روايةٍ في ترجمة جندب الخير الأزديّ كان من سندها: "حدَّثنا أبو المنذر هشام بن محمّد، قال: حدَّثنا أبو مِخنَف لوط بن يحيى، قال: حدَّثني خالي الصَّقْعَبُ بن زهير بن عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي".
وقد أكثر في الرِّواية عنه، ورُصِدَ العديد منها في تاريخ الطبريّ، ومنها عند ذكر الأخبار الواردة في اليوم الذي توفّي فيه رسول اللهe، قال الطبريّ: "اختُلِف في أيِّ الأثانين كان موتهe فقال بعضهم في ذلك ما حُدِّثتُ عن هشام بن محمّد بن السائب، عن أبي مخنف، قال: حدَّثنا الصَّقْعَب بن زهير، عن فقهاء أهل الحجاز".

مجالد بن سعيد الهَمْدَاني:

هو مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام الهَمْدَاني، ومِمَّا رُصِد في روايته عنه ما رواه الطبري في ذكر بناء البصرة، قال: "حدَّثنا عليُّ بن محمّد، عن أبي مخنف، عن مجالد".

جابر بن يزيد الجعفي:

وهو الكوفيّ الإماميّ المعروف، من أصحاب أبي جعفر الباقرg، وقد رُصِدَت روايته عنه في تاريخ الطبريّ عند إيراده خبر وقعة الجمل، قال: "حدَّثني عمر، قال: حدَّثنا أبو الحسن، قال: حدَّثنا أبو مخنف، عن جابر".

عبد الملك بن نوفل بن مساحق:

هو عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة، أبو نوفل القرشيّ العامريّ المدنيّ.
ومن موارد روايته عنه ما أورده ابن شبة في تاريخ المدينة عند ذكر كلام عمرو بن العاص في عثمان، قال: "حدّثنا عليّ بن محمّد، عن أبي مخنف، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق".

نمير بن وعلة

وقد نصَّ الذَّهبيّ في الميزان على أنَّ الرِّواية عن نمير انحصرت بأبي مخنف، قال: "نمير بن وعلة، عن الشعبيّ، وعنه أبو مخنف لوط فقط".
ومن موارد روايته عنه، ما في الطَّبريّ عند ذكر مراسلة الكوفيّين للحسين g، قال: "قال أبو مخنف: حدّثني نمير بن وعلة، عن أبي الوداك".
وروى كذلك عن الكثير من أهل الأخبار غير هؤلاء.

روى عنه:

هشام بن محمَّد الكلبيّ:

هو هشام بن محمّد بن السَّائب بن بشر بن زيد بن عمرو الكلبيّ، أبو المنذر، يُستفاد من قول النجاشيّ: "كان يختصُّ بمذهبنا" إماميته.
وهو أشهر الرُّواة عن أبي مخنف، روى عنه في مختلف المواضيع التي صنَّف فيه، ويظهر أنَّه روى عن أبي مخنف في كتبه كثيراً كما أنَّه وقع في الأسانيد إلى كتبه أيضاً، ومن الموارد البارزة روايته عنه في مقتل الحسينg ، ووقوعه في طريقَي النَّجاشي والطوسي إلى كتب أبي مخنف في فهرستَيهما، بل الظَّاهر أنَّ نقل الطبريّ لروايات أبي مخنف في مقتل الحسينg إنَّما كان بتوسُّط كتاب هشام، وكذا الشَّيخ المفيد لكن بضميمة كتبٍ أخرى.

رجحان سقط

ورد في أنساب الأشراف سندان ظاهرهما رواية عبّاس بن هشام بن محمّد الكلبيّ عن أبي مخنف مباشرةً من غير واسطة، وهما: عند ذكر بيعة أمير المؤمنينg: "وحدَّثني عبّاس بن هشام بن محمّد الكلبيّ، عن لوط بن يحيى أبي مخنف، عن أبي روق الهمدانيّ"، وعند ذكر عامر بن عبد قيس: "وحدَّثني عبَّاس بن هشام الكلبيّ، عن لوط بن يحيى".
لكن يحتمل راجحاً سقوط "عن أبيه" فيهما، ويشهد لذلك السَّند المعروف الذي يروي به عبّاس الكلبيّ روايات أبي مخنف، لاحظ -مثلاً- نفس أنساب الأشراف عندما كان في ذكر مقتل الزبير بن العوّام، قال: "حدّثني عبّاس بن هشام الكلبيّ، عن أبيه، عن لوط بن يحيى" وفي موارد أخرى متعدِّدة من نفس الكتاب أيضاً، وأضف إلى ذلك ما ورد في كتاب مكارم الأخلاق للخرائطيّ، قال: "حدَّثنا أبو الفضل العبَّاس بن الفضل الربعيّ، حدَّثنا العبَّاس بن هشام الكلبيّ، عن أبيه، عن أبي مخنف".

عليّ بن محمّد المدائنيّ:

هو عليّ بن محمّد بن عبد الله بن أبي سيف المدائنيّ، أبو الحسن، وهو عامّي المذهب كمّا نصَّ الشيخ في فهرسته صريحاً.
ولعلَّه أبرز راوٍ عن أبي مخنف بعد الكلبيّ، والظَّاهر أيضاً رواية العديد من روايات أبي مخنف بتوسّط كتبه لا من كتب أبي مخنف نفسه، كما هو ظاهرٌ في رواية الشيخ المفيد للمقتل؛ إذ صرَّح باسم الكلبيّ والمدائنيّ، قالO: "فمن مختصر الأخبار التي جاءت بسبب دعوتهg، وما أخذه على النَّاس في الجهاد من بيعته، وذكر جملةٍ من أمره، وخروجه، ومقتله ما رواه الكلبيّ والمدائنيّ وغيرهما من أصحاب السِّيرة"، وكذا كان المدائنيّ في سند قسمٍ من مرويَّات أبي الفرج الإصفهانيّ في مقتل الحسينg في مقاتل الطالبيين، وإن كان المستظهر روايته هنا مشافهةً لا من كتاب المدائني نفسه.

عمر بن سعد بن أبي الصيد

وقد رُصِدَت روايته عنه في موارد عدَّة، منها ما في مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الإصفهانيّ، قال: "حدَّثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجليّ، قال: حدَّثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا عمر بن سعد، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزديّ"، ومنها ما في وقعة صفَّين عند ذكر خطبة أمير المؤمنينg حين الخروج إلى صفّين؛ إذ فيه: "نصرٌ: عمر بن سعد، عن أبي مخنف".

خلل النسخ:

ورد في توحيد الصدوق -من طبعة جماعة المدرّسين- في باب ذكر عظمة الله(جلَّ جلاله) قوله: "عن نصر بن مزاحم المنقريّ، عن عمرو بن سعد، عن أبي مخنف"، وقد احتمل المحقِّق كون الاسم مصحّفاً عن "عمرو بن سعيد" ويكون المراد منه المدائنيّ، والظَّاهر وقوع الخلل هنا، وأنَّ الصَّحيح "عمر بن سعد" وكونه ابن أبي الصيد، لا ما احتمله محقّق الكتاب.

خللٌ آخر في النسخ:

ورد في مقاتل الطالبيّين عند ذكر محمّد بن جعفر بن أبي طالب روايةٌ اشتمل سندها على التالي: "حدَّثنا الحسين بن نصر بن مزاحم المنقريّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدَّثنا عمر بن سعيد البصريّ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزديّ"، والظَّاهر وقوع الخلل هنا، وتصحيحه «عمر بن سعد».

نصر بن مزاحم المنقريّ

هو نصر بن مزاحم المنقريّ العطّار، أبو المفضِّل، كوفيٌّ إماميٌّ مستقيم الطَّريقة كما نصَّ النَّجاشيّ صريحاً.
ونصر بحسب الظَّاهر يروي عن أبي مخنف تارةً روايةً مباشرة، وتارةً أخرى بتوسِّط عمر بن سعد بن أبي الصيد، ومن موارد روايته المباشرة المرصودة ما في الأمالي الخميسيّة عند ذكر مقتل الحسينg ، وما في فهرست الشَّيخ من طريقٍ لخطبة أمير المؤمنينg المسماة بـ(الخطبة الزهراء).
ولعلَّ هؤلاء أبرز من روى عنه، وقد روى عنه آخرون غيرهم.

كتبه:

له كتبٌ عديدة، وأبرزها:
مقتل الحسينg:
ولم تصلنا نسخةٌ من هذا الكتاب، وأما ما عُنوِنَ به، فيُقطَع بانتفاء نسبته له، نعم، بلغنا عددٌ يُعتَد به من روايات الكتاب عبر بعض الكتب كالإرشاد وتاريخ الطبري ومقاتل الطالبيين، وقد جرى تناول ذلك مفصَّلاً في مقال (أضواء على مقتل أبي مخنف).
أخبار الجمل:
وقد عُثِر في السِّنين الأخيرة على نسخةٍ يمنيّةٍ وَثق بانتسابها للكتاب الشيخُ قيس العطّار، فحقَّقها وطبعتها العتبةُ الحسينيّة.
أخبار زيد:
وقد طبع الزَّيدية مؤخّراً كتاباً قالوا إنَّه هو، وكان بتحقيق يوسف عبد الإله الضحيانيّ، والله أعلم بواقع الحال.
وإذ وصلت مجموعةٌ من روايات كتبه الأخرى عبر بعض المصادر التاريخيّة، صدرت مجموعةٌ من الاستخراجات لكتبه، ككتاب أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفيّ.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا