قضايا اجتماعية

قضايا اجتماعية

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على آعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[1].

المقصود من العنوان:

هو كلّ القضايا والأمور المرتبطة بالحالة الاجتماعية والروابط بين أفراد المجتمع المؤمن وما يكتنفها من أمور مقوّية أو مضعفة لها على مستوى الأفراد والأسر والمجتمع، ووظيفة ومهمّة طالب العلم (عالم الدين) في ذلك بما يمثّله من علم ووعي وهمّ رساليّ كبير. ولا شكّ في أنّ لطالب العلم دوراً وتأثيراً في هذا المضمار، ويمكن تقسيم  ذلك إلى قسمين: تقوية وترميم.

أولاً: التقوية:

والمراد من ذلك هو الأمور التي تقوم بترسيخ وزيادة الأواصر والعلاقات القويّة والمتينة بين أفراد وجماعات المجتمع المؤمن، وبها يعرف قوّة المجتمع وضعفه.

ويمكن تقسيمه أيضاً إلى قسمين: نظري وعملي.

1ـ القسم النظري حيث توجد كثير من المفاهيم والمبادئ والتوجيهات والإرشادات التي وردت عن طريق الشريعة الإسلاميّة من خلال الآيات القرآنية والسنّة النبوية من الأحاديث والروايات والسيرة للنبي الأعظم وأهل بيته الطاهرين^ والتي تشكّل دستوراً ومنهاجاً غنياً وقويّاً نافعاً ناجعاً للمؤمنين.

وطالب العلم باعتباره عالماً ومبلّغاً عمّا ورد من الدين فله دورٌ كبير في تعليم وإرشاد وتوجيه المجتمع وأفكاره من خلال الطرح والتبليغ المسجدي والمنبري والخطابي والكتابي وغيره، ولديه في هذا المجال كنزٌ عظيم لا ينضب مما ورد عن الشريعة يستطيع أن ينهل منه ويغترف ما يمكنه ويوصله إلى الناس بالأساليب والوسائل المفيدة والمؤثّرة.

2ـ القسم العملي وأعني به السلوك العملي والممارسة الشخصية لطالب العلم وتطبيقه العملي لتلك المفاهيم والمبادئ والتعاليم الشرعية حيث يكون له الدور الكبير والمؤثّر على المجتمع وذلك لكون طالب العلم معلّماً ومربّياً بالقول والعمل، ولأنّه يعلّم الناس التطبيق الصحيح للمفاهيم، ولأنّه بموقعه قدوةٌ حسنة يقتدي به الناس ويحذون حذوه.

والناس تنظر وتراقب طالب العلم وتقارن بين قوله وعمله وسلوكه وبمقدار ذلك يكون التأثير والقبول والاتباع.

أمثلة على الأمور المقوّية نظريّاً وعمليّاً:

1- الأخوّة الإيمانية والحقوق المتبادلة.

2ـ العلاقات الزوجية والأسرية.

3ـ صلة الأرحام والأقارب.

4ـ التواصل والتزاور بين المؤمنين.

5ـ عيادة المرضى والمسافرين.

6ـ مواساة المصابين والفاقدين.

7ـ تشييع الجنائز والمشاركة في مجالس العزاء.

8ـ التكافل الاجتماعي (المادّي والمعنوي).

9ـ دعم المشاريع الخيرية ومساندتها وتوجيهها.

10ـ صلوات الجماعة والشعائر الدينية.

11ـ الاستجابة لدعوة المؤمنين ومشاركتهم أفراحهم.

12ـ قضاء حوائج المؤمنين.

ثانياً: الترميم (الإصلاح) من طبيعة البشر الاختلاف وذلك لاختلاف الفهم والوعي والإدراك والميول والرغبات والتقديرات وغيرها، ولذا فمن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف بل ونزاع وعداوات في بعض الأحيان وحتى الفراق والمفارقة بين أفراد الأسرة والمجتمع المؤمن حاله كحال بقية البشر ولشياطين الجنّ والإنس عمل دؤوب ومساهمة في ذلك.

والإسلام لم يغفل هذا الجانب من حياة المجتمع المؤمن لأنّه دائماً يضع الوقاية والعلاج لقضايا الناس، ولذا وضع الحلول والعلاجات لحالات الاختلاف وقنّن القوانين الشرعية في ذلك وأوصل الإرشادات والتوجيهات للمؤمنين في هذا السبيل، ويمكن تقسيمها -أيضاً- إلى نظرية وعملية.

وهنا أيضاً يأتي دور طالب العلم في تربية المجتمع وتوجيهه في مسائل الاختلاف، وكذلك في الممارسة العملية والسلوكية له في هذا المجال بما يشكّله من موقع القدوة والمطبّق الصحيح لمفاهيم وتعاليم الإسلام.

أمثلة على وسائل الترميم:

1ـ إصلاح ذات البين.

2ـ فضّ النزاعات والخصومات.

3ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4ـ النصيحة والتواصي بالحق والصبر والمرحمة.

5ـ رصد ومواجهة العناصر والمشاريع الهدّامة.

موقع طالب العلم وتكاليفه:

صحيح أنّ التكليف ليس حصراً على طالب العلم وإنّما يشمل كلّ عنصر أو جهة مؤثّرة وفعّالة في المجتمع المؤمن كلٌّ بما لديه من علم ووعي وإدراك وشعور بالمسؤولية.

ولكن من الواضح من كلّ ما مضى من الكلام أنّ المسؤولية الأكبر تكون في الغالب على طالب العلم بما يمثّله من موقع وبما يحمله من علم ووعي وتكليف بتبليغ الدين ورعاية المؤمنين.

ولا شكّ في أنّ طلّاب العلوم الدينية كغيرهم من البشر تتفاوت مستوياتهم وقدراتهم وإمكاناتهم، فقد يكون التكليف عينيّاً على البعض في بعض الموارد وقد يكون التكليف كفائياً، وقد لا يناسبه في بعض الأحيان، ومن هنا تأتي ضرورة تأهيل طالب العلم نفسه وغيره من تلاميذه أو زملائه في هذه الجوانب.

لماذا يرجع الناس في كثير من قضاياهم إلى طالب العلم؟

وذلك لما لديه من صفات ومؤهلات منها:

1ـ العلم والفهم والوعي.

2ـ الثقة والإخلاص.

3ـ الوجاهة والمكانة الاجتماعية والدينية.

4ـ الخبرة والحنكة.

ولذا لا بد من أن يتمّ تأهيل طالب العلم نفسه أو غيره بهذه الصفات والمؤهلات، كما أنّه لا بد من إرشاد الناس إلى ذلك وتوجيههم إلى من يكون حائزاً على المؤهلات، وأن لا يختار الناس في قضاياهم إلا المؤهل لذلك.

كيف يكتسب الخبرة في ذلك؟

يمكن ذلك من خلال أمور منها:

1ـ المطالعة وزيادة المعرفة في هذا المجال.

2ـ الاستفادة من تجارب الآخرين.

3ـ المشاورة الكثيرة ممن يثق بهم وبخبرتهم.

لفتات مهمّة:

هناك أمور وملاحظات لا بد لأخي طالب العلم -وفّقه الله- أن يلتفت إليها أثناء ممارسته لدور الإصلاح الاجتماعي والأسري، أذكر منها:

التقييم الدقيق:

أي لا بد من أن يقوم بعمل دراسة للقضيّة والموضوع ويدقق جيداً لتقييم إمكانيّة الإصلاح أم لا، والكيفيّة والأسلوب الأفضل للعلاج والإصلاح.

المقبولية من الأطراف:

حيث إنّه (لا رأي لمن لا يطاع) وهذه تحدث كثيراً بأن يأتي أحد الطرفين أو الأطراف في المشكلة ويلجأ إلى طالب العلم الفلاني ويرتضيه مصلحاً في الموضوع، بينما الطرف الآخر قد لا يعرف هذا الطالب أو لا يرتضيه.

فلا بد من التأكّد من أنّ كلّ الأطراف تقبل وترتضي هذا العالم، بل أحياناً ينبغي التأكّد من أنّ القضيّة مطروحة عليه فقط أم وصلت إلى المحاكم الرسمية -مثلاً-.

الحيادية:

طالب العلم له حالة أبويّة لكلّ المؤمنين حتى المتنازعين والمتخاصمين، فلا بد من أن يكون منصفاً ومحايداً على مسافة واحدة في الاستماع للأطراف والتفهّم، وعليه أن لا يبدي -قدر الإمكان- رأياً مستعجلاً وارتجالياً لأحد الأطراف قبل الاستماع إلى الطرف الثاني.

وعليه أن يكون دقيقاً وملتفتاً إلى أنّ الغالب في أطراف النزاع والخلاف تريد أن يكون طالب العلم في صفّها وموافقاً لرأيها بل ومنفّذاً لما تريده، فلا بد من أن يلتفت جيداً لذلك.

الحذر والاحتياط:

الحذر والاحتياط في الدخول في أيّ قضيّة وملابساتها، أن يكون حذراً للأطراف وأسرارهم وخصوصياتهم وكيفيّة التعامل معهم وخصوصاً مع النساء أو القضايا الماليّة لحساسية المواضيع والمواقف. بل ويكون حذراً لنفسه أيضاً بأن لا يكون فخّاً منصوباً له أو أن ينزلق في أحابيل الشياطين -لا سمح الله-.

الاستعانة بالآخرين:

وذلك وفق متطلّبات الموضوع، فقد يحتاج إلى الاستعانة بقريب أو صديق لأحد الأطراف أو حتى بعالم الدين لمنطقة أحد الأطراف، بل قد يقوم بتحويل أصل الموضوع إلى طالب علم آخر أو رجل مؤمن ثقة يراه أكثر تأثيراً وفائدة في الموضوع.

وقد يستعين أحياناً بزوجته أو إحدى نسائه الأقارب إذا كانت مناسبة وذلك في قضايا النساء مثلاً.

وأحياناً قد يتطلّب الأمر تشكيل مجموعة في حلّ بعض القضايا ولا يكفي فردٌ واحد خصوصاً إذا كانت القضيّة تشكّل ظاهرة أو مشروعاً فاسداً.

الصبر والتحمّل:

حيث إنّه طريق شائك أحياناً ويحتاج إلى تحمّل الأذى فيه والصبر لتحقيق النتائج المرجوّة، فبعض القضايا تكون سريعة وبعضها تأخذ وقتاً طويلاً قد يبلغ أشهراً أو سنيناً.

لوجه الله:

وهو الأهمّ في كلّ ذلك، أنّ هذا العمل يكون خالصاً لوجه الله وهو عبادة من العبادات يتقرّب بها المؤمن إلى اللهa وبمقدار الإخلاص يكون التوفيق والقبول من اللهa {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[2].

الخاتمة:

هذه بعض كلمات وجمل مختصرة في الموضوع (ولعلّها تكون مشروع كتاب مفصّل) أسأل اللهa أن ينفعني بها وإخوتي الأعزاء في خدمة دين الله وعباده.

كما الشكر موصول لكم ولكلّ الأحبّة القائمين على هذه المجلّة المباركة أسأل الله لي ولكم جميعاً القبول والتوفيق لكل خير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة آل عمران: 104.

[2] سورة العنكبوت: 69.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا