زوايا من امتحان كربلاء

زوايا من امتحان كربلاء

ما زلتُ أتنفس كربلاء ـ شهيقاً وزفيراً ـ غير أني هذه المرة تنفستها زوايا تتشكل بتشكل شخوصها ومدى ارتضاعهم منها، فصارت ـ وهي زوايا ـ تعكس مدرسة كربلاء التي ما زلت ولا زالت ولن تنتهي تُشكل ذلك النبع المعطاء الذي يسقي كل شخص بقدره فيعود متشكلاً بمقدار ما ارتضع..

زاويةٌ حادةٌ: تكون البصيرة فيها بدرجة ساذجة إلى حد تقديم بعض الوهم على اليقين، فتتمثل في أمثال عمر بن سعد تتنفس أحلام الصغار (أأترك ملك الري؟):

 

لغة الشرر تُطوى يُكفنها دثار الخزي والبهوت

وزورقٌ يـعبـر نـهـرَ الـحـلـمِ فــي تـابــوت

يزهو وما درى بأنه من نسجِ عـنـكبوت

تـلاقـفتـه جـثـةٌ لـذاهـلٍ مــبـهـوت

وأوقـفـتــه سـكـرة الـسـكوت

فـكـان فـي الــنـتـيـجة

الـعــاوي الممقوت

 

زاويةٌ قائمةٌ: تتذبذب هبات كربلاء في صنفٍ كهذا، يأبى الخزي لكنه يميل للهروب، يخشى العار لكنه أوشك أن يكون عاراً وخزياً، تناولته أيدي الرحمة الإلهية ليكتب في تاريخ الأجيال (هيهات هيهات أن أقدّم على الجنة شيئاً):

 

أحجيةٌ تردد الدفء وتخفي الحر؛ في الخجل المهول

تنفسته لحظةُ الـصراع والـعمل؛ فأيقن الهطول

لـم يتـوارى بـل أطـل وقـبـّل الـنـصـول

لـيصبغ الأجـل بصبـغـة الـذهـول

بلون توبة تكـون لا تـزول...

مبتسماً غفى وصدره

وكراً إلى الورود

معانقاً للحور

كي يعود

 

زاوية منفرجة: تستقطب بكلِّ إمكانها لغة كربلاء، عرفت خطابها فلم تزل ولن تزول تعانق أهداف السماء، وتنتشي من كربلاء خمرة الشهادة، وتتمايل طرباً مع أهدافها لدرجة الإسكار، فتصدح بزغردات الفوز (لا نبالي وقع الموت علينا أم على الموت وقعنا):

 

مدرسـةٌ شاخـصةٌ

(هي) تُـكرر الشخـوص

فمن إباء حمزة للفارس العبوس

ومـن جهـاد مالـك لـلقـائـد العـجـوز

فـكربـلاء صيغت بــ(كـن ولا تكـون)

تنـاثـرت فـالتـُقِـفَـتْ من مـؤمـنـي الجنـون

فهـمسـةٌ مـن كـربـلاء قد أعـلمتهم مـا الجـنـون

فـأصـبحـوا وهـم عـراة كـــ(كـن ولا تـكـون)

وأصبحوا مدرسةً تـُعـلم الإباء تُـكرر الشخـوص

 

الأصل: أعطى كربلاء الحياة، استنشقها... فسعى يفرشها بأنواع الفلِّ والياسمين لتضارع جنان الخلد في أن الناس تتشهى وصالها، فكان هو القمة يُخجل السحاب ليهرب ويهطل (هو) (يا سيوف خذيني):

 

وهكذا كان

تناثروا على دثاره يحتقنوا الإباء

حجّوا إلى الله تعالى، ثمّ قربّوا نشيد كربلاء

وهـكذا، تسالـموا أن يسحـقوا القـلادة ليمتطـوا السماء

مضوا بلا هوادة، فصار وجه الله وجههم يأخذ للسعادة

فاستـعـذبتـهـم هـا هـناك، أنـشودة الـشـهـادة

رددهـا فـارسهم وكـان كـالإرادة

فــكان هكذا

 

فهكذا هي كربلاء، سبحان جودها، فرغم قساوة امتحانها إلا أنها تتجدد مع أنفاس الخلائق وتُعطي لكلٍّ بمقداره، فطوبى لمن ينالها بجودها لا بما يستحقه...


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا