رسالة في: أماريّة الخوف على الضّرر

رسالة في: أماريّة الخوف على الضّرر

الملخّص:

أجاب الكاتب في هذه الرسالة على مسألة مختلف فيها عند علماء الأصول وهي إمكانيّة قيام الخوف مقام الضرر من عدمه، فخلص إلى أنّ الضّرر المأخوذ في الأدلّة كرافع للأحكام الأولية هو  خصوص الضّرر الواقعيّ؛ لظهور الدّليل في ذلك.

ثم استعرض الأدلّة في كون الخوف طريق للكشف عن الضرر الواقعي –وهي أربعة أدلّة- ليخلص إلى عدم تماميّتها على المطلوب.

المقدمة:

عنوان الضّرر من العناوين التي يكثر دورانها في الفروع الفقهية، وممّا لا إشكال فيه أنّ هذا العنوان متى ما تحقق أثّر على الأحكام الأوليّة.

وقد اختلفت كلمات الأعلام في إمكان تحقق هذه الآثار بمجرّد خوف الضّرر من عدمه، أي: في قيام الخوف مقام الضّرر، وقد سرى هذا الاختلاف على جملة وافرةٍ من الفروع الفقهيّة، وهذه وجيزة تتولّى عرض كلماتهم مع أدلتها، محاولةً الجمع بينها، وتبيان الأقرب منها.

الكلمات المفتاحية

الضّرر، الخوف، الكاشفيّة، قاعدة لا ضرر، الأمارات، خوف الوضوء، خوف الصوم، خوف الحجّ.

تأسيس الأصل العملي في المسألة

لا إشكال في أنّ الحجّيّة مجعولةٌ لكلّ ما عدا القطع من الأمارات؛ ومن هنا فكلّما شككنا في أنّ الشّارع قد جعل الحجّيّة لأمرٍ ما أو لم يجعلها كان مقتضى الوظيفة العملية الجري على وفق الوظيفة السابقة، وعدم جواز رفع اليد عنها.

وهذا معنى ما اشتهر على ألسنة الأصوليين من أنّ الأصل عند الشّكّ في الحجّيّة هو عدم الحجّيّة.

 تأسيس الأصل اللفظي في المسألة

وكما اتفقت كلمتهم على أنّ الأصل عند الشّكّ في الحجّيّة عدم الحجّيّة، اتفقت على أنّ الأصل في العناوين هو الحمل على الفعليّة، والموضوعيّة؛ بمعنى: كون العناوين الواردة من الشّارع ظاهرة في أنّ ترتب الحكم عليها منوطٌ بتحقّقها خارجاً بالفعل، وأنّها ملحوظة بكلّ ما تحويه من خصوصيات؛ فلا يقوم شيءٌ مقامها.

نعم، قد يستثنى من ذلك بعض العناوين؛ كعنوان اليقين أو التبيّن وما شابههما من العناوين الاستطراقيّة، أي: التي يظهر منها محض الطريقيّة إلى الواقع؛ وبالتالي لا يرى العرف أنّ لخصوصياتها دخالة في ترتّب الحكم.

نتيجة الأصلين

وقضية ذلك كون الأصل في تمام العناوين الواردة في النّصوص هو الموضوعيّة إلا ما دلّ الدّليل على خلافه، وبالتالي: لا تكون قاعدة لا ضرر المستفادة من قول النبيe: >لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ<[1] حاكمةً على الأدلّة الأوليّة –بحسب الأصل- إلا في صورة إحراز الضّرر وتحقّقه واقعاً.

تحرير محلّ النّزاع

ومحلّ النّزاع هو المورد الذي لا يقوم دليل على رفع الحكم الأوّلي سوى قاعدة لا ضرر، أو المورد الذي يقوم فيه دليلان أحدهما موضوعه الضّرر والآخر موضوعه الخوف، فهل يكون الخوف طريقاً كاشفاً عن تحقق الموضوع في الموردين؟ أم لا تكون له دخالة في المورد الأول ويكون موضوعاً مستقلًا في المورد الثاني؟

وممّا يخرج عن محلّ النّزاع أيضاً ما كان تحمّل الخوف في مورده موجباً للضرر أو الحرج، بمعنى: كون تحمّله حرجياً أو ضرريّاً؛ فإنّه مشمول حينئذٍ لدليل القاعدتين بلا إشكال.

الأقوال في المسألة

القول الأول: المنع من التّمسّك بالقاعدة في مورد خوف الضّرر

وقد ذكر المحقق العراقيI أنّ دليل لا ضرر "كسائر الأحكام لا يتمسّك به إلّا فيما أُحرز موضوعه، وفي المشتبه تمسّك العامّ أو المطلق في الشّبهة المصداقيّة الذي منعه واضح"[2]، واستثنى من ذلك موارد ورود الضّرر على النّفس، كما سيأتي بيانه.

بل عدّ سيد المحققين الخوئيI الاستدلال بالقاعدة في مورد الخوف من عجائب الكلام؛ وذلك لأنّ التّمسّك بها مع عدم إحراز الضّرر من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف العامّ، وهذا ممّا لا يقول به أحد[3].

وبيان ذلك: أن التّمسّك بالعامّ في مورد الشّبهة على نحوين:

الأول: التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف الخاصّ، وهو الذي وقع الكلام في جوازه من عدمه، وملاكه: "الشّكّ في دخول فردٍ من أفراد ما ينطبق عليه العامّ في المخصّص، مع كون المخصّص مبيَّناً لا إجمال فيه وإنّما الإجمال في المصداق، فلا يُدرى أنّ هذا الفرد متّصف بعنوان الخاصّ فخرج عن حكم العامّ، أم لم يتّصف فهو مشمول لحكم العامّ"[4].

وبعبارة أخرى: موردها "ما إذا كان المخصّص خفياً غير مانع من انعقاد ظهور العامّ في العموم"[5].

الثاني: التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف العامّ، وهو ممنوع بلا كلام بينهم، وملاكه –على ما يظهر من بعض الأعاظمD-: الشّكّ في دخول فرد من الأفراد لا يحرز شمول العامّ له[6]؛ ومورد ذلك "ما إذا كان المخصّص جليّاً مانعاً من انعقاد العموم"[7].

وفي محلّ كلامنا يقال: إنّ تردّد المصداق الرافع للتكليف بين كونه ضرراً أو مجرّد خوفٍ من الضّرر، وعدم ظهور عنوان الضّرر في أكثر من الضّرر الواقعيّ يجعل التّمسّك بالقاعدة من موارد التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة مع عدم انعقاد ظهور في العامّ يشمل مورد التردد.

القول الثاني: قيام الخوف مقام الضّرر

وفي قبال ذلك قد يقرّب قيام خوف الضّرر مقام الضّرر في الحكومة على الأدلّة الأوّليّة وذلك بتقريبين:

التّقريب الأول: وهو التفصيل بين الضّرر على النّفس وغيره

فقد يقال –كما ذكر المحقق العراقي- بلزوم التفصيل بين موارد الضّرر؛ فإن كان على المال مثلًا لم يُفد مجرّد حصول الخوف في رفع الحكم الضّرري أو في حرمة العمل الضّرري[8]؛ وذلك وفقاً لما تقدّم من كونه من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة، وأما إن كان خوف الضّرر وارداً على النّفس فذكر بأنّ في"أدلّة حرمة إضرار النّفس دلالة على كفاية مجرّد الخوف؛ حيث تعلّل حرمة الوضوء على من في عينه الرمد، وكذلك حرمة الصوم في بعض الموارد، وأمثال ذلك بمجرّد معرضيّة الضّرر وخوفه"، وقال: "المستفاد من سائر أدلّة حرمة إضرار النّفس منجّزيّة احتماله؛ لأهميّة النّفس"[9].

ومقصوده مما ورد في الصوم خبر حريز: >الصَّائِمُ إِذَا خَافَ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الرَّمَدِ أَفْطَرَ<[10]، ولم أجد ما يدلّ على ذلك في باب الوضوء، ولعلّ مقصوده ما ورد في معتبرة كليب: >إِنْ كَانَ يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَى جَبَائِرِهِ ولْيُصَلّ<[11].

تعميمه  إلى الخوف على العرض

ثم إنّه  عمّم المسألة إلى الخوف على العرض أيضاً، وذلك في باب الوضوء، وبنى على أنّ "الأقوى بطلانه ـ الوضوءـ مع خوف الضّرر نفساً أو عرضاً؛ لأنّ الخوف طريق إليه شرعاً فيتنجز الحرمة في مورده، فلا يصدر العمل منه قربياً حتى مع فرض عدم مصادفة خوفه للواقع"[12].

ومثله ما ذكره في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؛ حيث ذكر "إنّ في إلحاق خوف الضّرر بصورة اليقين به، حتى في المال إشكال.

نعم لا يبعد الإلحاق في النّفسي والعرضي، لأنّه يجب حفظ نفسه عن المضارّ المزبورة، ومع الشّكّ فيه فقاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الحفظ"[13].

وقال –بعد ذلك-: "نعم لو قلنا بأنّ الهتك حرامٌ[14]، لا يبعد المصير إلى البراءة، ولكن في الجواهر: إنّ ظاهر الأصحاب إلحاق الظّنّ بالضّرر باليقين، وقوّى إلحاق مطلق الخوف واستبعد عدم مساعدة العقل عليه كما توهم.

وعليه فيحتاج إثباته إلى دليل متيقن، فإن كان في البين إجماع -ولو بتسرية مناط خوف الضّرر من باب الوضوء والصوم وأمثالهما إلى المقام- فهو، وإلّا فللنّظر فيه مجال"[15].

تعميمه إلى الخوف على المال أيضاً

بل عمّم المسألة في كتاب الحجّ إلى الضّرر المالي أيضاً جاعلًا المناط في ذلك هو حكم العقل بترك العمل الذي يخاف الإنسان فيه الضّرر؛ فذكر أنّ "الظّاهر من جميع موارد تعلّق الحكم بالخوف، إنّما هو من باب الطريقيّة إلى الواقع، وحينئذٍ فإن كان له خوف ضرر النّفس، أو العرض فلا شبهة في وجوب مراعاته، إلا إذا كان عن احتمال غير عقلائي"، إلى أن قال: "وكذا لو كان له خوف ضررٍ ماليّ بالغٍ إلى حدّ التضييع والإسراف، فإنّه حرام أيضاً، وتجرّيه موجبٌ للعقوبة، فلا يكون حينئذٍ قادراً على إتيانه واقعاً؛ لإلزام عقله بتركه"[16].

الملاحظة على بيان المحقق العراقي

والملاحظ على ما أفاده: –علاوة على اختلاف كلماته في تحديد مورد قيام الخوف مقام الضّرر- عدم اتضاح الوجه في جعل أحد العنوانين يقوم مقام الآخر؛ فإنّ له في مجموع هذه الكلمات ثلاثة وجوه، فتارة جعله بمناط حكم العقل، وأخرى بمناط الجعل الشّرعيّ، وثالثة علّقه على الإجماع.

أمّا حكم العقل فهو -على فرض ثبوته-إنّما يثبت بشكلٍ مستقلّ دون النّظر إلى دليل حكم شرعي آخر لكي يتمكّن من توسعته؛ وبالتالي فلا يستفاد منه سوى أن الرافع لموضوع الأحكام الأولية عنوانان أحدهما الخوف والآخر الضّرر، وهذا خارج عن محلّ النّزاع.

وبعبارة أخرى: إنّ حكم العقل ليس له شأنيّة توسعة أو تضييق مفاد الدّليل الشّرعيّ في حدّ نفسه، إلا أن يكون من الأحكام الواضحة جداً فيكون قرينة لبيّة متصّلة تحدد ظهور الدّليل ابتداءً.

وأمّا الإجماع فإنّ ثبوته محلّ إشكال؛ حيث لم يتعرّض الفقهاء إلى المسألة بشكلٍ واضح يستكشف من خلاله اتفاقهم على الحكم[17]، وعلى فرض ثبوته فلم يتحقق معقدٌ للإجماع يمكن من خلاله تسرية الحكم إلى جميع الموارد؛ فيجب الاقتصار فيه على القدر المتيقّن، ولو تمّ الإصرار على ثبوت سعته فهو مدركيّ أو محتمل للمدركيّة؛ فلا يصلح لإثبات الحكم بصورة مستقلّة.

وأما دعوى كونه طريقاً للضرر بالجعل الشّرعيّ فستأتي مناقشتها.

التّقريب الثاني: كونه أمارة شرعيّة على الضّرر مطلقاً

هذا، والمستفاد من كلمات السّيد الفقيه الحكيمO[18] أنّ الشّارع جعل الخوف طريقاً وأمارة إلى الضّرر الواقعيّ على نسق طريقيّة الحكم الظاهريّ إلى الحكم الواقعيّ، وبيانه –بعد جمع ما تفرّق من كلماته- في مقدّمات:

الأولى: إنّ الوارد في روايات وضوء الجبيرة عنوانان، عنوان الأذى –المساوق للضرر-وهو الوارد في صحيح الحلبي "إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ الْمَاءُ فَلْيَمْسَحْ عَلَى الْخِرْقَة"[19]، وعنوان الخوف وهو الوارد في معتبرة كليب "إِنْ كَانَ يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَى جَبَائِرِهِ ولْيُصَلّ"[20].

الثانية: إنّ الجمع بين هذين اللسانين يمكن أن يكون بثلاثة وجوه:

الوجه الأول: تقييد أحدهما بالآخر؛ فتكون النتيجة أنّ موضوع وضوء الجبيرة مركبٌ من وجود الأذى الواقعيّ وحصول الخوف على النّفس؛ فلو انتفى أحدهما لم يسغ له وضوء الجبيرة، ومبنى ذلك هو الجمع بين منطوق كلٍ منهما مع مفهوم الآخر.

الوجه الثاني: جعل الموضوع كلاً منهما؛ فتكون النتيجة كفاية أحدهما في تحقق موضوع وضوء الجبيرة، ومبنى ذلك هو المحافظة على أصالة الموضوعيّة في كلٍ منهما.

الوجه الثالث: أن يكون عنوان الخوف طريقاً ظاهريّاً إلى تحقق الأذى؛ فيكون الموضوع الواقعيّ هو تحقق الأذى إلا أنّه يمكن تحصيله من خلال طريق ظاهريّ وهو حصول الخوف، فللموضوع فردان: واقعيّ وظاهريّ، ومبنى ذلك ما ذكره نفس السّيد في موضع آخر من المستمسك على نحو الكبرى، حيث قال: "ظاهر التّوقيع الشريف المرويّ عن الاحتجاج اعتبار الإذن الظّاهر في الإذن الإنشائي، وعدم الاكتفاء بالرّضا النّفسي، وظاهر مثل موثّق سماعة اعتبار الرّضا النّفسي، ومقتضى الجمع العرفي اعتبارهما معاً.

 لكن لما كان الإذن من قبيل الطريق العرفي إلى الرّضا كان الجمع العرفي بين الدّليلين حمل الأول على الحكم الظاهريّ، والثاني على الحكم الواقعيّ، فيكون الموضوع للحكم الواقعيّ هو الرّضا الباطني، والموضوع للحكم الظاهريّ هو الإذن، كما هو الحال في كلّ ما كان من هذا القبيل مما علق فيه الحكم تارة على الطريق وأخرى على ذي الطريق‌"[21].

الثالثة: إنّ الأولى من هذه الوجوه بمقتضى المرتكز العرفي في الجمع بين النّصوص هو ثالثها، أمّا أولويته على الأول فباعتبار عدم استلزامه للتصرّف في ظهور أيٍّ منهما حتى بالتقييد، وأمّا أولويته على الثاني فباعتبار أنّ النّوبة لا تصل إلى أصالة الموضوعيّة حين كون النسبة بين العنوانين نسبة الطريق إلى ذي الطريق.

الرابعة: لا خصوصيّة لهذا المورد على سائر الموارد الأخرى المشابهة له.

ويشبه هذا ما ذكره سيد المحققين الخوئيI من ظهور بعض روايات التيمّم في "أنّ موضوع وجوب التيمم إنّما هو خوف الضّرر ولكن لا على وجه الموضوعيّة بل على وجه الطريقيّة إلى الضّرر الواقعيّ أعني به الضّرر الواصل للمكلّف"[22].

وأصرح منه ما ذكره في كتاب الصوم؛ حيث حُكي عنه قوله: "لا يبعد أن يكون هذا -أي: الخوف ـ طريقاً عقلائيّاً في باب الضّرر مطلقاً، كما يفصح عنه ما ورد في مقامات أُخر غير الصوم، مثل ما ورد في لزوم طلب الماء وفحصه للمتيمّم على الخلاف في مقدار الفحص في الفلاة من أنّه يكفّ عن الفحص إذا خاف من اللصّ أو السبع، فيدلّ على سقوطه لدى كونه في معرض الخطر، وإلّا فلا علم ولا ظنّ بوجود اللصّ أو السبع، ولذا عبّر بالخوف، ومثل ما ورد في صحيحتين في باب الغسل من أنّه إذا خاف على نفسه من البرد يتيمّم؛ فيكون هذا الخوف بمجرّده محقّقاً للفقدان المأخوذ في موضوع‌ وجوب التيمّم، ومعلومٌ أنّه ليس بمعنى الخوف من الهلاك فقط، بل الغالب فيه خوف المرض والضّرر ونحو ذلك.

فمن استقصاء هذه الموارد يكاد يطمئنّ الفقيه بأنّ الاعتبار بمجرّد الخوف، وهو كافٍ في إحراز الضّرر المسوّغ للإفطار، ولا يعتبر الظّنّ فضلًا عن العلم"[23].

وعضّد بعض محققي العصر هذا الوجه بذكر مجموعة كبيرة من النّصوص من أبواب متفرقة يمكن أن يستفاد منها أماريّة الخوف على الضّرر الواقعيّ[24].

ثم ذكر ملاحظتين:

الأولى: -وخلاصتها- إنّ موارد الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على الأماريّة مختلفة "أي: إنّ الخوف في بعضها ملحوظ على نحو الموضوعيّة، وفي بعضها الآخر على نحو الطريقيّة –على ما ادّعي-؛ فلا يمكن اصطياد كبرى كلية بأنّ الشّارع المقدّس جعل الخوف طريقاً إلى الضّرر مطلقاً"[25].

ومقصوده من الموارد التي أُخذ فيها خوف الضّرر على نحو الموضوعيّة المواردُ التي لم يرد فيها دليل آخر ينيط الحكم بالضّرر نفسه[26].

ويلاحظ عليه: إنّ هذه الموارد خارجة عن محلّ النّزاع كما تقدم، مضافاً إلى كفاية قيام الدّليل في موردٍ أو موردين على أماريّة الخوف على الضّرر في تعميم الحكم بعد إلغاء العرف لخصوصية المورد؛ كما تقدّم بيانه في تقريب كلام السّيد الحكيم I.

وبعبارة أخرى: إنّ المحقّق المذكور انطلق من فرضيّة وهي "أنّ جميع الموارد التي أخذ فيها خوف الضّرر موضوعاً للحكم الترخيصي في ألسنة الروايات توجد أدلّة أخرى قد أخذ فيها الضّرر نفسه موضوعاً للحكم الترخيصي"[27] مع أنّ هذه الفرضية لم يدّعها القائلون بالأماريّة الشّرعيّة، ومع فرضها فإنّ الذي يضر بالاستدلال هو ورود دليلٍ بعنوان الضّرر ويمتنع في مورده قيام الخوف مقامه؛ إذ المدّعى جعل الخوف أمارة على الضّرر في المورد الذي لم يرد فيه إلا دليل الضّرر أو المورد الذي يجتمع فيه العنوانان، كما تقدم ذلك في تحرير محلّ النّزاع، وأمّا ورود دليلٍ يكون الخوف مأخوذاً فيه على نحو الموضوعيّة فليس بضائر فيما هو محلّ الكلام.

الثانية: إنّ هذا الاستظهار متوقّف على ظهور عنوان الخوف في الموضوعيّة؛ إذ هو المصحّح للجمع بينه وبين الأدلّة الظّاهرة في موضوعيّة الضّرر، أمّا لو قلنا ابتداءً بأنّ عنوان الخوف من العناوين الاستطراقية فستكون تمام الأدلّة السابقة ناظرة إلى إمضاء الشّارع لنظر العرف في كون عنوان الخوف استطراقياً؛ وعلى ذلك فلا مجال للقول بكونه أمارة شرعيّة بل سيكون أمارة عقلائيّة ممضاة من قبل الشّارع.

ويلاحظ عليه: بأنّ مبنى هذا الإشكال أنّ الشّارع تتمحّض وظيفته في الإمضاء في المورد الذي يتّحد نظره مع نظر العقلاء، مع أنّ الأمر ليس كذلك، ومجمل الأمر أن يقال: إنّ ما يتّحد فيه نظر الشّارع مع العقلاء تارة يفترض فيه أنّ تدخّل الشّارع لا يعطي أيّ نُكتة إضافية ففي مثله يصحّ هذا الإشكال، وتارة أخرى يُفرض أنّ تدخّل الشّارع من جهة تنبيهه للعرف على نُكتة إضافيّة؛ كما لو فرضنا أنّ العرف يحصر أماريّة الخوف على الضّرر في الأمور المهمة كالنّفس والعرض والمال، فيأتي الشّارع لبيان أنّ هذه الأماريّة لا تختصّ بهذه الموارد بل هي سارية في غيرها أيضاً؛ وحينئذٍ فتكون أصالة الموضوعيّة في العنوان هي المحكّمة ابتداءً، ونرفع اليد عنها ببركة الجمع بين الدّليلين.

إشكال السّيد الخوئي، وجوابه

وأمّا ما يظهر من سيّد المحققين الخوئيI من الإشكال بكون التّمسّك بالقاعدة مع عدم إحراز الضّرر من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف العامّ، وهذا ممّا لا يقول به أحد[28]، فمندفعٌ؛ وذلك لأن الضّرر سيكون محرزًا بالتعبد الشّرعيّ حينئذٍ، ولن يكون التّمسّك بالقاعدة من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف العامّ.

وهذا الجواب ذكره السّيدI نفسه في كتاب الصلاة؛ حيث ذكر ما نصّه: "إنّ ظاهر الحديث وإن كان هو الضّرر الواقعيّ كما هو الشأن في كل حكم مترتب على موضوعه، فلا بدّ من إحرازه بدليل قاطع من علم وجداني ونحوه، فلا سبيل للتمسك به مع الشّكّ وخوف الضّرر، بل إنّ مقتضى الأصل عدمه، فيستصحب بقاء الوظيفة الاختياريّة، ولا ينتقل إلى الاضطرارية إلّا عند الضّرر المقطوع.

إلّا أنّا استفدنا التعميم لصورة الخوف من الموارد المتفرّقة كالصوم والتيمّم ونحوهما من الموارد التي استشهد الإمامg على سقوط الوظيفة الأوّلية، والانتقال إلى البدل عند مجرّد الخوف بدليل نفي الضّرر أو العسر والحرج"[29].

والصحيح في الملاحظة على المطلب: إنّ قِوام لسان الأماريّة بنظر العرف هو كون الدّليل ناظراً إلى مفاد الدّليل الآخر ومبرزاً لمصداقٍ من مصاديقه؛ فحينئذٍ يقال: إنّ نسبة أحدهما للآخر نسبة الطريق إلى ذي الطريق، وهذا ما لا يتوفّر في الأدلّة التي أخذت الخوف كموضوعٍ لحكمٍ شرعي وإن ورد في عرضها أدلّة جعلت تمام الموضوع هو الضّرر، كما في أدلّة التيمّم المتقدّمة؛ فإنّ النّظر العرفيّ حاكمٌ بإمكان كون كلّ واحد منهما موضوعاً مستقلاً للحكم، فيحافظ في موردها على أصالة الموضوعيّة ويرفع اليد عن ظهورها في الاستقلاليّة في رفع الحكم[30].

التّقريب الثالث: كون الخوف أمارة عقلائية على الضّرر

وقد يقرّب قيام الخوف مقام الضّرر بدعوى كونه كاشفاً عقلائياً عن الضّرر، وهذا ما ذكره سيّد المحققين الخوئيI في موضع من كتاب الصلاة، ونصّه: "إنّ خوف الضّرر أمارةٌ نوعيّة وطريق عقلائيّ لاستكشاف الضّرر الواقعيّ، فإنّ العقلاء لا يزالون يتعاملون مع خوف الضّرر معاملة الضّرر ‌المقطوع، فكأنّ الضّرر محرزٌ بمجرّد الخوف"[31].

وكأنّه استشهد على هذه السّيرة المدّعاة بما ذكره في كتاب الصوم[32] من شاهدين، ويمكن تقريبهما بما يلي:

الأول: أنّ الغالب عدم إمكان إحراز الضّرر الواقعيّ، وكلما رأى العقلاء موضوعاً يغلب عدم إحرازه جعلوا له طريقاً بديلاً يمكنهم استكشافه منه بصورة نوعيّة، بحيث يكون هذا الطريق غالب المطابقة مع ذيه، والطريق الذي يمكن أن يحرز من خلاله الضّرر بصورة نوعيّة غالبة المطابقة هو الخوف.

الثاني: أنّ العقلاء يتخذون مواقف عند خوف الضّرر هي عينها التي يتّخذونها عند الضّرر الواقعيّ، فكما يمتنعون من السفر عبر طريق مُحرَزٍ خطرُه كذلك يمتنعون من السفر عبر الطريق الذي يخافون وقوع الخطر فيه؛ فهم يتعاملون مع الخوف كتعاملهم مع الضّرر، وليس ذلك إلا من جهة عدّهم للخوف كطريق لإحراز الضّرر.

الملاحظة على هذا التّقريب

وما ذكره من أنّ العقلاء يتّخذون مواقف احترازية من الخوف مما لا شبهة فيه ولا ريب؛ إذ المشاهد بالوجدان اختلاف حالة الإنسان عند خوفه عنها حالة عدمه، إلا أنّ المهم في ذلك هو تحليل النُكتة التي على أساسها يتعاملون مع الخوف هذا التعامل.

فقد يتم تفسير هذا السلوك على أساس اعتناء الإنسان بدفع الضّرر عنه؛ فإنّ كل مورد يحتمل الإنسان فيه العقوبة تراه يلزم جادّة الاحتياط، وقد يكون لأجل توفّر قوّة محتملٍ في المورد، وقد يكون لأجل أصالة الاحتياط بمعنى أنّهم يتّخذون بشأن الخوف إجراءات الحيطة والحذر من دون البناء على تحقّقه[33]، وقد يكون لأصل عقلائي مستقلّ في مورد الخوف [34].

وهذه الاحتمالات بأجمعها في عرض واحد مع احتمال جعله عند العقلاء كاشفاً عن الضّرر الواقعيّ؛ فلا بدّ من تمحيص هذه المحتملات.

إشكال بعض المحققين على دعوى الكاشفية والملاحظة عليه

فقد يقال: إنّ دعوى أنّه كاشفٌ وطريقٌ عن الضّرر الواقعيّ غير مسموعة، يكشف عن ذلك الفرق الواضح بين قيام أمارة عقلائية واضحة كخبر الثّقة على وجود الضّرر، وبين محض وجود الخوف؛ إذ لا شكّ أنّ المرتكز العقلائي حاكمٌ بالفرق بينهما [35].

ويلاحظ عليه: إنّ الفرق بينهما قد يكون ناشئاً من تفاوت مقدار الكشف فيهما، ومن طبع الأمارات أن تتفاوت سعة كشفها عن الواقع؛ فلا يصحّ أن يجعل هذا الفرق بمجرده دليلاً على عدم الكاشفية؛ لأنّه أعمّ من عدم كاشفية الخوف.

تفسير منشأ السّيرة

والصحيح: أنّ السّيرة الملاحظة قائمة على أمرٍ فطريٍ هو حفظ ما يهتمّ الإنسان بأمره من النّفس والعرض والمال؛ ولذا فإنّ المشاهدَ جري كلِّ من يشترك مع الإنسان في هذه الفطرة على هذا السلوك، وما قضية دفع الضّرر المحتمل إلا صغرى من صغريات هذه النكتة، وهذا الاشتراك هو الشاهد على عدم لحاظ أمر الكاشفية[36].

وأمّا المحتملان الأول والثاني فهما أخصّ من مورد البحث؛ وبالتالي لا يمكن إرجاع نُكتة هذه السّيرة العقلائيّة إلى واحدٍ منهما.

وكذا لا يمكن تفسير السّيرة بالمحتملين الأخيرين؛ لما تبيّن من عدم كونها عقلائية بالمعنى الذي يتناسب مع أصالة الاحتياط أو كونها أصلاً عقلائياً في مورد الخوف.

والحمد لله ربّ العالمين.

الملحق: التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف العامّ

لمّا كان هذا المصطلح ممّا لم ينقّح في كلماتهم بشكل جلّي، وقد أكثر السّيد الحكيم السّبطO من ذكره في كلماته بشكل ملفت، فلا بأس في نقل بعضها روماً لزيادة الإيضاح.

فمنها: الرّدّ على استدلالٍ على لزوم الاحتياط والاتّقاء والتّورع بقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ}، حيث قال: "يشكل الاستدلال بها مع عدم العلم بالتّكليف، إذ الجهاد في اللّه تعالى إنّما هو بالقيام والامتثال لتكليفه، فيكون التّمسّك بها مع الشّكّ في التّكليف من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من‏ طرف‏ العامّ‏، الذي لا شبهة في عدم صحته"[37].      

ومنها: ردّ الاستدلال على لزوم الاحتياط بقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}؛ وذلك لأنّ "الاستدلال بها مع احتمال التّكليف مبني على كون المراد من الإلقاء في التهلكة التعرّض لها، لا مباشرتها، أو كون المراد من الهلكة الضياع والتفريط، لا التلفّت والوقوع في الضّرر، وإلا كان التّمسّك بها مع احتمال التّكليف المستلزم لاحتمال الضّرر من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من‏ طرف‏ العامّ"[38].

ومنها: ردّ ما ذكره السّيد الفقيه الحكيم من الاستدلال بعموم دليل التّكليف في حالة الشّكّ في قدرة المكلّف على الإتيان بالعمل من عدمه؛ بناء منه على أنّ العامّ حجة في الشّبهة المصداقيّة من طرف الخاص إذا كان التخصيص لُبّياً، كما في المقام حيث إنّ تقييد التّكليف بالقدرة بحكم العقل.

فاستشكل عليه بعدم تمامية المبنى المذكور "ولو تمّ فهو مختصّ بما إذا كان الخاصّ خفياً محتاجاً للبحث، دون مثل المقام مما يكون التخصّيص فيه من الوضوح بحدٍّ يكون من سنخ القرائن المتصلة المانعة من انعقاد ظهور العامّ في العموم؛ إذ تكون الشّبهة حينئذٍ من طرف العامّ التي لا يكون العامّ حجة فيها بلا كلام"[39].

ومنها: ردّ الاستدلال الذي نقله في الكفاية عن بعضهم من تصحيح الوضوء فيما لو شك في أنّه هل أتى به بماء مطلق أم بماء مضاف مثلاً بعمومات أدلّة الأحكام الثانوية حيث ذكر إمكان أن "يستكشف صحّته بعموم مثل أوفوا بالنّذور فيما إذا وقع متعلقاً للنّذر، بأن يقال: وجب الإتيان بهذا الوضوء وفاء بالنّذر للعموم، وكلّ ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحاً، للقطع بأنّه لو لا صحّته لما وجب الوفاء به".

فذكر السّيدp: "أنّ الاستدلال بعموم الحكم الثانوي -كوجوب الوفاء بالنّذر وبالشرط، وإطاعة المولى والزّوج والوالدين- فرع إحراز موضوعه، وحيث فرض تقييده بالحكم الأولي- كالرجحان في الوفاء بالنّذر، وعدم مخالفة الكتاب في الوفاء بالشرط وعدم معصية اللّه سبحانه في إطاعة المخلوق- فإن كان التقييد به مستفاداً من قرينة متّصلة كان التّمسّك بالعموم مع الشّكّ في القيد تمسّكاً بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من‏ طرف‏ العامّ‏ الذي لا يصح بلا كلام، وإن كان تقييده به مستفاداً من قرينة منفصلة كان التّمسّك به مع الشّكّ المذكور تمسّكاً بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف الخاص الذي سبق أنّ التحقيق عدم جوازه‏"[40].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الكليني، أبو جعفر، محمد بن يعقوب، دار الحديث للطباعة والنشر، ط1/1429ه‍،ج 10، ص436.

[2] المحقق العراقي، آقا ضياء الدين، قاعدة لا ضرر، مكتب التبليغ الإسلامي للحوزة العلميّة في قم، ط1/1418 ه‍، ص  216.

[3] الخوئي، السّيد أبو القاسم الموسوي، موسوعة الإمام الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، ط1/ 1418 ه‍، ج 10، ص112.

[4] المظفر، الشّيخ محمد رضا، أصول الفقه، مؤسسة الانتشارات الإسلامية التابعة لجماعة المدرسين، ط1/ 1430 ﻫ، ج1، ص202.

[5] الحكيم، السّيد محمد سعيد الطباطبائي، المحكم في أصول الفقه، مؤسسة المنار، ط1/ 1414 ﻫ، ج6، ص380.‍

[6] الحلّي، الشّيخ حسين، أصول الفقه، مؤسسة آل البيتi، ط1/ 1432 ﻫ، ج5، ص139، قال: "ولو كان التردّد بين عالم وجاهل وكانت الشّبهة مصداقيّة بأن اشتبه العالم بالجاهل، فلا ريب في عدم الرجوع إلى أصالة العموم في كلّ منهما لكونه من الشّبهة المصداقيّة في ناحية العامّ. فتأمّل".

[7] المحكم في أصول الفقه، ج6، ص380.‍[للمزيد لاحظ الملحق 1 لهذه الرسالة]

[8] الوجه في الترديد هو عرض المحقق العراقي لمبنيين في مفاد القاعدة، هما: حرمة الضّرر تكليفًا، حكومتها على الأدلّة الأولية.

[9] المحقق العراقي، آقا ضياء الدين، قاعدة لا ضرر، مكتب التبليغ الإسلامي للحوزة العلميّة في قم، ط1/1418 ه‍، ص 215 .

[10] العامّلي، الحرّ، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، مؤسسه آل البيتi، ط1/ 1409 ه‍، ج    10، ص218، باب 19 أبواب من يصح منه الصوم، ح1.

[11] المصدر المتقدم: ج‌1، ص465، باب 39 من أبواب الوضوء، ح8.

[12] المحقق العراقي، الآقا ضياء الدين، تعليقة استدلالية على العروة الوثقى، مؤسسّة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1/ 1415ﻫ، ص43، مسألة 36: "ففي صحة الوضوء. إلخ".

[13] المحقق العراقي، الآقا ضياء الدين، شرح تبصرة المتعلّمين، مؤسسّة النّشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1/ 1414 ه‍، ج 4، ص454.

[14] أي: الحكم الشّرعيّ ليس هو وجوب حفظ النّفس أو وجوب حفظ العرض، بل الحكم هو حرمة تعريضهما للهتك.

[15] المصدر المتقدم.

[16] تعليقة استدلالية على العروة الوثقى؛ ص225، قوله في كتاب الحجّ: "في الضّرر الخوف... إلخ".

[17] بل ظاهر عبارة الجواهر عدم انعقاد الإجماع في محلّ الكلام، وإنّما قيامه على كفاية الظّنّ بالضّرر، ونصّها هو: "ثم إنّ ظاهر الأصحاب اعتبار العلم أو الظّنّ بالضّرر، ويقوى إلحاق الخوف المعتدّ به عند العقلاء". انتهى [النّجفي، صاحب الجواهر،الشّيخ محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، دار إحياء التراث العربي، لبنان، ط7/ 1404 ه‍، ج‌ ، ص373].

[18] الحكيم، السّيد محسن الطباطبائي، مستمسك العروة الوثقى، مؤسسة دار التفسير، ط1/ 1416ه‍، ج 2، ص 549، ونصّ عبارته "أما لو كان طريقاً إلى الضّرر الواقعيّ الذي هو الموضوع -كما هو الظّاهر، ويقتضيه الجمع العرفي بين خبر كليب وبقية النّصوص الظّاهرة في كون تمام الموضوع هو الضّرر الواقعيّ، فإنّ الجمع بينهما بذلك أولى عرفاً من تقييد أحدهما بالآخر، أو جعل الموضوع كلا منهما. ويؤيّده ما في ذيل المروي‌ عن تفسير العياشي عن عليg >قلت: فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟ فقرأ رسول اللّهe: {وَلٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً}< فإنّ موضوع المنع في الآية هو الضّرر الواقعيّ، فتطبيقها عند الخوف لا يكون إلا لكونه طريقاً إليه، وموردها وإن كان هو التيمّم، إلا أنّ الظّاهر عدم الفرق بينه وبين المقام"، وصرّح في [ج‌10، ص178] بكون الخوف من الطرق الشّرعيّة.

[19] العامّلي، الحرّ، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، مؤسسه آل البيتi، ط1/ 1409ه‍، ج1، ص463، باب 39 من أبواب الوضوء، ح2.

[20] المصدر المتقدم: ج‌1، ص465، باب 39 من أبواب الوضوء، ح8.

[21] مستمسك العروة الوثقى، ج5‌، ص438.

[22] الخوئي، السّيد أبو القاسم الموسوي، موسوعة الإمام الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، ط1/ 1418ه‍، ج‌5 ، ص356.

[23] موسوعة الإمام الخوئي، ج21‌، ص487-488.

[24] السيستاني، السّيد محمد رضا، بحوث في شرح مناسك الحجّ، نسخة محدودة التداول، ج2، ص462، قال: "ومن الظّاهر أنّ ذلك ليس من جهة دلالة نصّ خاص عليه بل اصطياداً من النّصوص الواردة في مختلف الأبواب الفقهية من الطهارة والصلاة والصيام والحج واليمين والأطعمة والأشربة وغيرها حيث إنّه قد ورد الترخيص للمجنب في التيمّم إذا خاف العطش، أو خاف على نفسه من البرد، ولصاحب الجبيرة في المسح عليها في الوضوء إذا خاف الضّرر من كشفها، وللمصلي في قطع صلاته إذا خاف ضياع متاعه، وللخائف في الصلاة إيماءً إذا خاف من سبُع أو لصّ، وللراكب على الدابّة في الصلاة عليها إذا خاف اللصوص أو السبُع لو نزل عنها، وللصائم في الإفطار في شهر رمضان إذا خشي الرّمد، وللمحرم في قتل السباع والحيّات إذا خاف على نفسه منها، وله في تغطية رأسه إذا خاف البرد، وفي سدّ إذنيه بالقطن إذا خاف المرض، وفي حمل السلاح إذا خاف العدو، وورد الترخيص في الحلف كذباً إذا خاف الشخص على ماله ودمه، وفي شرب الخمر لمن خاف على نفسه من العطش، وهكذا في كثير من الموارد الأخرى التي يمكن إحصاؤها بالتتبع". أقول: يأتي نقل تمام هذه الروايات وملاحظة نسبتها إلى دليل الضّرر في الملحق الثاني للرسالة.

[25] المصدر المتقدم، ص464.

[26] قال: "ولكن الملاحظ أن هناك موارد أخذ فيها خوف الضّرر موضوعا للحكم الترخيصي أو ما بحكمه من دون أن يرد دليل آخر على إناطته بالضّرر نفسه، ومن أمثلته صلاة الخوف ...". المصدر المتقدم.

[27] السيستاني، السّيد محمد رضا، بحوث في شرح مناسك الحجّ، نسخة محدودة التداول، ج2، ص462.

[28] موسوعة الإمام الخوئي، ج10‌، ص112، والملاحظ أنّه له ثلاث كلمات متباينة في المسألة، فمرّة يعدّها من عجائب الاستدلال لكونها من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة من طرف العامّ، وأخرى: يعدّها أمارة شرعية، وثالثة: يعدّها أمارة عقلائية.

[29] ‌موسوعة الإمام الخوئي، ج14‌، ص246.

[30] فعمدة المناقشة في المقدمة الثالثة التي ذكرت في تقريب كلام السّيد الحكيم.

[31] موسوعة الإمام الخوئي، ج14‌، ص246.

[32] نفس المصدر، ج21‌، ص486، قال: "لأنّه مضافاً إلى أنّ الغالب عدم إمكان الإحراز، والخوف طريق عقلائي، كما في السفر الذي فيه خطر"، وبهذا يظهر أنّ ما ذكره بعض المحققين من أنّ السّيد الخوئي لم يقِم شاهداً على ما ادّعاه [بحوث في شرح مناسك الحجّ، ج2، ص466] ليس في محلّه.

[33] كما ذكر بعض المحققين، لاحظ: بحوث في شرح مناسك الحجّ، ج2، ص467.

[34] كما يظهر من بعض الأعلام، لاحظ: اللنكراني، الشّيخ محمد فاضل، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، لبنان، ط2/ 1418 ه‍، ج 1، ص253.

[35] بحوث في شرح مناسك الحجّ، ج2، ص467.

[36] وهذا نظير ما أورده بعض الأصوليين على الاستدلال على الاستصحاب بالسّيرة العقلائيّة.

[37] الحكيم، السّيد محمد سعيد، التنقيح، ط1/ 1431 ﻫ، ج3، ص98.

[38] المصدر المتقدم، ج3، ص99.

[39] نفس المصدر، الكافي في أصول الفقه، ط4/ 1428 ﻫ، ج2، ص230.

[40] الحكيم، السّيد محمد سعيد، المحكم في أصول الفقه، ط1/ 1414 ﻫ، ج2، ص124.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا