جهود الإمام الباقر عليه السلام في بناء المجتمع

جهود الإمام الباقر عليه السلام  في بناء المجتمع

مقدّمة
الإمام الباقرg رجلٌ من أفذاذ العترة الطاهرة، ورجل من رجالات العلم والفكر والثقافة، له دور كبير وإيجابيّ في بناء المجتمع الإسلاميّ بناءً قويّاً متماسكاً، مرمِّماً للنواقص من جميع أنحائها وأبعادها؛ العلميَّة، والفكريَّة، والعقديَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، وغيرها، وقد بذل جهوداً عظيمة من أجل وضع الأمَّة الإسلاميَّة على المسار الصَّحيح، محاولاً إمساكها حتى لا تميل عن الصِّراط الحقّ.
من هنا لا بأس في أن نلقي نظرةً على تلك الجهود المبذولة، وعلى سيرة الإمامg ووصاياه الَّتي تضمن للمجتمع الحياة الطَّيبة والسَّعادة والعيش الهنيء، وذلك من خلال الأمور التالية:
الأمر الأوَّل: الاهتمام بإحياء العلم
الأمَّة إنَّما تحيا بالعلم، فالمجتمع الناجح هو المجتمع المتعلّم، وبالعلم يستطيع المجتمع أن يرتقي ويتطوّر في شتَّى المجالات، ولذلك قام الإمام الباقرg بإحياء الحركة العلميّة في الإسلام، في الوقت الَّذي كان الجمود الفكريّ يسيطر على العالَم الإسلاميّ؛ حيث انشغلت الأمَّة الإسلاميَّة آنذاك بعالم السِّياسة والحروب، حيث الثَّورات المتلاحقة والانتفاضات الشَّعبية ضدَّ بني أُميَّة، فانبرى الإمام الباقرg لإعادة الحياة العلميَّة في جسد الأمَّة الإسلاميَّة وبناء حضارتها من خلال بسط بساط العلم.
وقد قام الإمامg في سبيل تحقيق ذلك بعدَّة خطوات:
الخطوة الأولى: إقامة حلقات الدروس
كان الإمام الباقرg يعقد حلقات الدروس العلميَّة، ويعلّم الناس ويربّيهم، فكلَّما حلَّ بمكان انبرى لعقد الجلسات والحلقات العلميَّة.
ويمكن أن نذكر على ذلك شاهدين:
الشاهد الأوَّل: إقامة حلقات الدرس بجوار الكعبة
ما ورد عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ الثُّمَالِيِّ وَأَبِي مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍg فِي السَّنَةِ الَّتِي كَانَ حَجَّ فِيهَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ، وَكَانَ مَعَهُ نَافِعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَنَظَرَ نَافِعٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍg فِي رُكْنِ البَيْتِ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ نَافِعٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ تَدَاكَّ عَلَيْهِ النَّاسُ؟ 
فَقَالَ: هَذَا نَبِيُّ أَهْلِ الكُوفَةِ، هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ. 
فَقَالَ: اشْهَدْ لآتِيَنَّهُ فَلأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسَائِلَ لا يُجِيبُنِي فِيهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ. 
قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ وَسَلْهُ لَعَلَّكَ تُخْجِلُهُ. 
فَجَاءَ نَافِعٌ حَتَّى اتَّكَأَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍg فَقَالَ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، إِنِّي قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ، وَقَدْ عَرَفْتُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَقَدْ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسَائِلَ لا يُجِيبُ فِيهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوِ ابْنُ نَبِيٍّ. 
قَالَ: فَرَفَعَ أَبُو جَعْفَرٍg رَأْسَهُ فَقَالَ: >سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ<. 
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَمْ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ مُحَمَّدٍe مِنْ سَنَةٍ؟ 
قَالَg: «أُخْبِرُكَ بِقَوْلِي أَوْ بِقَوْلِكَ؟». 
قَالَ: أَخْبِرْنِي بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعاً. 
قَالg:‏ «أَمَّا فِي قَوْلِي فَخَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَأَمَّا فِي قَوْلِكَ فَسِتُّمِائَةِ سَنَةٍ». 
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِa لِنَبِيِّهِ: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}، مَنِ الَّذِي سَأَلَ مُحَمَّدٌe وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ؟ 
قَالَ: فَتَلا أَبُو جَعْفَرٍg هَذِهِ الآيَةَ: >{سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا}، فَكَانَ مِنَ الآيَاتِ الَّتِي أَرَاهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُحَمَّداًe حَيْثُ أَسْرَى بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ أَنْ حَشَرَ اللهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ أَمَرَ جَبْرَئِيلَg فَأَذَّنَ شَفْعاً وَأَقَامَ شَفْعاً، وَقَالَ فِي أَذَانِهِ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ مُحَمَّدٌe فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُمْ: عَلَى مَا تَشْهَدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا<. 
فَقَالَ نَافِعٌ: صَدَقْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِa: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما}. 
قَالَg: >إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَكَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقاً لَا تَمْطُرُ شَيْئاً، وَكَانَتِ الأَرْضُ رَتْقاً لَا تُنْبِتُ شَيْئاً، فَلَمَّا أَنْ تَابَ اللهُa عَلَى آدَمَg أَمَرَ السَّمَاءَ فَتَقَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فَأَرْخَتْ عَزَالِيَهَا، ثُمَّ أَمَرَ الأَرْضَ فَأَنْبَتَتِ الأَشْجَارَ، وَأَثْمَرَتِ الثِّمَارَ، وَتَفَهَّقَتْ بِالْأَنْهَارِ، فَكَانَ ذَلِكَ رَتْقَهَا وَهَذَا فَتْقَهَا<. 
قَالَ نَافِعٌ: صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِa: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماواتُ}، أَيُّ أَرْضٍ تُبَدَّلُ يَوْمَئِذٍ؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >أَرْضٌ تَبْقَى خُبْزَةً، يَأْكُلُونَ مِنْهَا حَتَّى يَفْرُغَ اللهُa مِنَ الحِسَابِ<. 
فَقَالَ نَافِعٌ: إِنَّهُمْ عَنِ الأَكْلِ لَمَشْغُولُونَ! 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >أَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَشْغَلُ أَمْ إِذْ هُمْ فِي النَّارِ؟<. 
فَقَالَ نَافِعٌ: بَلْ إِذْ هُمْ فِي النَّارِ. 
قَالَg: >فَوَ اللهِ مَا شَغَلَهُمْ إِذْ دَعَوْا بِالطَّعَامِ فَأُطْعِمُوا الزَّقُّومَ، وَدَعَوْا بِالشَّرَابِ فَسُقُوا الحَمِيمَ<. 
قَالَ: صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، وَلَقَدْ بَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ. 
قَالَg: >وَمَا هِيَ؟<. 
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَتَى كَانَ؟ 
قَالَg: >وَيْلَكَ! مَتَى لَمْ يَكُنْ حَتَّى أُخْبِرَكَ مَتَى كَانَ، سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَزَلْ ولا يَزَالُ فَرْداً صَمَدا،ً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً<. 
ثُمَّ قَالَg: >يَا نَافِعُ أَخْبِرْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ<. 
قَالَ: وَمَا هُوَ؟ 
قَالَg: >مَا تَقُولُ فِي أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ؟ فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَتَلَهُمْ بِحَقٍّ فَقَدِ ارْتَدَدْتَ، وَإِنْ قُلْتَ: إِنَّهُ قَتَلَهُمْ بَاطِلًا فَقَدْ كَفَرْتَ<. 
قَالَ: فَوَلَّى مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ وَاللهِ أَعْلَمُ النَّاسِ حَقّاً حَقّاً. 
فَأَتَى هِشَاماً فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: دَعْنِي مِنْ كَلَامِكَ هَذَا، وَاللهِ أَعْلَمُ النَّاسِ حَقّاً حَقّاً، وَهُوَ ابْنُ رَسُولِ اللهِe حَقّاً، وَيَحِقُّ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَتَّخِذُوهُ نَبِيّاً.
نلاحظ في هذه الرِّواية كيف أنَّ الإمام الباقرg كان يقيم حلقات الدَّرس حتى عند الكعبة، وكان النَّاس يلتفّون حوله، بل ويتداكّون عليه، ويستنيرون بضياء نوره، وينتهلون من علومه، حتى تعجّب نافع من ذلك.
الشَّاهد الثَّاني: إقامة حلقات الدَّرس والمناظرة في الشَّام
عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: أَخْرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ أَبَا جَعْفَرٍg مِنَ المَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ، فَأَنْزَلَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يَقْعُدُ مَعَ النَّاسِ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَبَيْنَا هُوَ قَاعِدٌ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ إِذْ نَظَرَ إِلَى النَّصَارَى يَدْخُلُونَ فِي جَبَلٍ هُنَاكَ، فَقَالَg: >مَا لِهَؤُلَاءِ، ألَهُمْ عِيدٌ اليَوْمَ؟<. 
فَقَالُوا: لا يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ، وَلَكِنَّهُمْ يَأْتُونَ عَالِماً لَهُمْ فِي هَذَا الجَبَلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي هَذَا اليَوْمِ، فَيُخْرِجُونَهُ فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَ وَعَمَّا يَكُونُ فِي عَامِهِمْ. 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >وَلَهُ عِلْمٌ؟<. 
فَقَالُوا: هُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ الحَوَارِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَىg.
قَالَg: >فَهَلْ نَذْهَبُ إِلَيْهِ؟<. 
قَالُوا: ذَاكَ إِلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ. 
قَالَ: فَقَنَّعَ أَبُو جَعْفَرٍg رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ، وَمَضَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَوُا الجَبَلَ، فَقَعَدَ أَبُو جَعْفَرٍg وَسْطَ النَّصَارَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَخْرَجَ النَّصَارَى بِسَاطاً، ثُمَّ وَضَعُوا الوَسَائِدَ، ثُمَّ دَخَلُوا، فَأَخْرَجُوهُ ثُمَّ رَبَطُوا عَيْنَيْهِ، فَقَلَّبَ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَيْنَا أَفْعًى، ثُمَّ قَصَد إِلَى أَبِي جَعْفَرٍg فَقَالَ: يَا شَيْخُ أَمِنَّا أَنْتَ أَمْ مِنَ الأمَّة المَرْحُومَةِ؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >بَلْ مِنَ الأمَّة المَرْحُومَةِ<. 
فَقَالَ: أَفَمِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنْتَ أَمْ مِنْ جُهَّالِهِمْ؟ 
فَقَالَg: >لَسْتُ مِنْ جُهَّالِهِمْ<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَسْأَلُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >سَلْنِي<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، رَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَلْنِي، إِنَّ هَذَا لَمَلِي‏ءٌ بِالْمَسَائِلِ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ سَاعَةٍ مَا هِيَ مِنَ اللَّيْلِ وَلا مِنَ النَّهَارِ، أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >مَا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَلا مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فَمِنْ أَيِّ السَّاعَاتِ هِيَ؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >مِنْ سَاعَاتِ الجَنَّةِ، وَفِيهَا تُفِيقُ مَرْضَانَا<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فَأَسْأَلُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >سَلْنِي<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، إِنَّ هَذَا لَمَلِي‏ءٌ بِالْمَسَائِلِ، أَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الجَنَّةِ كَيْفَ صَارُوا يَأْكُلُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ؟ أَعْطِنِي مَثَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >هَذَا الجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ أُمُّهُ وَلا يَتَغَوَّطُ<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَلَمْ تَقُلْ: مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ: مَا أَنَا مِنْ جُهَّالِهِمْ<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: فَأَسْأَلُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >سَلْنِي<. 
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، وَاللهِ لأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَرْتَطِمُ فِيهَا كَمَا يَرْتَطِمُ الحِمَارُ فِي الوَحَلِ. 
فَقَالَ لَهُ: >سَلْ<. 
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ دَنَا مِنِ امْرَأَتِهِ فَحَمَلَتْ بِاثْنَيْنِ، حَمَلَتْهُمَا جَمِيعاً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَة، وَوَلَدَتْهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَاتَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَدُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، عَاشَ أَحَدُهُمَا خَمْسِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَعَاشَ الآخَرُ خَمْسِينَ سَنَةً، مَنْ هُمَا؟ 
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍg: >عُزَيْرٌ وَعَزْرَةُ، كَانَا حَمَلَتْ أُمُّهُمَا بِهِمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ، وَوَضَعَتْهُمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ، وَعَاشَ عُزَيْرٌ وَعَزْرَةُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، ثُمَّ أَمَاتَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عُزَيْراً مِائَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ بُعِثَ وَعَاشَ مَعَ عَزْرَةَ هَذِهِ الخَمْسِينَ سَنَةً، وَمَاتَا كِلَاهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ<. 
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى، مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، لا تَسْأَلُونِي عَنْ حَرْفٍ وَهَذَا بِالشَّامِ، رُدُّونِي. 
قَالَ: فَرَدُّوهُ إِلَى كَهْفِهِ، وَرَجَعَ النَّصَارَى مَعَ أَبِي جَعْفَرٍg.
الخطوة الثَّانية: الحثّ على طلب العلم
كان الإمام الباقرg يحثّ كثيراً على طلب العلم، وتعلُّم الأحكام والتفقّه، ويبيّن فضل العلماء وموقعيّتهم الرَّائدة؛ وذلك لما للعلم من أهمِّيَّة كبيرة في ارتقاء الفرد وارتقاء المجتمع، فهناك روايات كثيرة للإمام الباقرg يحثُّ فيها شيعتَه على طلب العلم. 
عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِg قَالَ: >الْعِلْمُ خَزَائِنُ، والْمَفَاتِيحُ السُّؤَالُ؛ فَاسْأَلُوا يَرْحَمْكُمُ اللهُ؛ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِي العِلْمِ أَرْبَعَةٌ، السَّائِلُ، والْمُتَكَلِّمُ، والْمُسْتَمِعُ، والْمُحِبُّ لَهُمْ<.
وقد ورد عنهg: >لو أُتيتُ بشاب من شباب الشِّيعة لا يتفقّه لأدّبته<، وفي رواية أخرى: >لأوجعته<. 
وكانg يقول: >تفقّهوا وإلَّا فأنتم أعراب<. 
وورد عن أبي حمزة عن الإمام الباقرg أنَّه قال: >عالمٌ يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد<.
وعنهg: >الْكَمَالُ كُلُّ الكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ، وَتَقْدِيرُ المَعِيشَةِ<.
ومن أروع ما ورد من الرِّوايات في شأن طلب العلم وبيان فضله هو ما ورد عنهg حينما قال: >تَعَلَّمُوا العِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعَلُّمَهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، وَالْعِلْمُ ثِمَارُ الجَنَّةِ، وَأُنْسٌ فِي الوَحْشَةِ، وَصَاحِبٌ فِي الغُرْبَةِ، وَرَفِيقٌ فِي الخَلْوَةِ، وَدَلِيلٌ عَلَى السَّرَّاءِ، وَعَوْنٌ عَلَى الضَّرَّاءِ، وَدِينٌ عِنْدَ الأَخِلَّاءِ، وَسِلَاحٌ عِنْدَ الأَعْدَاء،ِ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ قَوْماً فَيَجْعَلُهُمْ فِي الخَيْرِ سَادَةً، وَلِلنَّاسِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ، وَيُقْتَص آثَارُهُمْ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَحِيتَانُ البَحْرِ وَهَوَامُّهُ، وَسِبَاعُ البَرِّ وَأَنْعَامُهُ<.
الخطوة الثَّالثة: الاعتناء بخواص الأصحاب
كان الإمام الباقرg يعتني بخواصّ أصحابه، ويربّيهم علميّاً وأخلاقيّاً وغير ذلك، حتى يمكّنهم بعد ذلك من تبليغ الدِّين، وفعلاً بعد ذلك نهض هؤلاء الثّلة من الأصحاب وتصدّوا لنشر العلم، وحفظوا أحاديث أهل البيتi، ولولاهم لضاعت تلك الأحاديث، وهم أمثال أبي بصير، محمَّد بن مسلم، وزرارة بن أعين، وجابر بن يزيد الجعفيّ، وأبان بن تغلب، وغيرهم. 
فقد ورد مثلاً عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِg يَقُولُ: >بَشِّرِ المُخْبِتِينَ بِالْجَنَّةِ بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ العِجْلِيُّ، وَأَبُو بَصِيرٍ لَيْثُ بْنُ البَخْتَرِيِّ المُرَادِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَزُرَارَةُ، أَرْبَعَةٌ نُجَبَاءُ، أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى حَلالِهِ وَحَرَامِهِ، لَوْلا هَؤُلاءِ انْقَطَعَتْ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَانْدَرَسَتْ<.
حتى قال عنهم الإمام الصادقg: >إِنَّ أَصْحَابَ أَبِي كَانُوا زَيْناً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً<.
ومن الأمور الَّتي قام بها الإمام الباقرg في سبيل تحقيق ذلك هو التَّالي:
الأمر الأوَّل: تفريغهم لطلب العلم
كان الإمام الباقرg يهتمّ ببعض الأصحاب كثيراً، ويقوم بتسديد نفقاتهم وما يحتاجون إليه في حياتهم؛ ليتفرّغوا لتحصيل العلم، فقد ورد عَنْ عُتَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَجْلَانَ السَّكُونِيِّ قَالَ: قُلْتُ لأبِي جَعْفَرٍg: إِنِّي رُبَّمَا قَسَمْتُ الشَّيْ‏ءَ بَيْنَ أَصْحَابِي أَصِلُهُمْ بِهِ فَكَيْفَ أُعْطِيهِمْ؟ فَقَالَ: >أَعْطِهِمْ عَلَى الهِجْرَةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَالْفِقْهِ<.
بل إنّ الإمام الباقرg قد أوصى ابنه الإمام الصادقg برعايتهم أيضاً والإنفاق عليهم، فعَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِg أنه قَالَ: >لَمَّا حَضَرَتْ أَبِيg الوَفَاةُ قَالَ: يَا جَعْفَرُ أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَاللهِ لَأَدَعَنَّهُمْ وَالرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي المِصْرِ فَلا يَسْأَلُ أَحَداً<.
الأمر الثَّاني: حثّهم على التصدّي لتبليغ الدِّين
كان الإمام الباقرg يحثّ أصحابه على التصدّي لتبليغ الدين، وكان يمتدحهم على ذلك، فمثلاً كان يقول لأبان بن تغلب: >اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس؛ فإني أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك<، وهذا درس لنا نتعلّمه من الإمام الباقرg وهو أن نشجّع بعضنا بعضاً على فعل الخيرات، ونأنس حينما نرى أخانا المؤمن قد بلغ من العلم ما يؤهّله للتصدّي للتبليغ أو أي فعل حسن، لا أن يدخلنا الحسد، وتنال منّا الغيرة، والعياذ بالله.
وقد ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍg أنَّه قَالَ: >إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ العِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ المُتَعَلِّمِ، وَلَهُ الفَضْلُ عَلَيْهِ، فَتَعَلَّمُوا العِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ العِلْمِ، وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ العُلَمَاءُ<، فإنَّ زكاة العلم تعليمه، فما فائدة العلم إذا كان محبوساً في عقل الإنسان وقلبه؟! العلم لا بدَّ من أن يُفعّل، ولا بدّ من أن يُعمَل به، ولا بدَّ من أن يُنقل إلى الغير ليستفيد منه ولتتواصل المسيرة العلمية.
الخطوة الرَّابعة: تنوُّع العلوم
فالإمام الباقرg لم تقتصر بحوثه على الفقه الإسلاميّ، بل شملت أنواع العلوم المختلفة، كتفسير القرآن، وعلم الكلام، والطبِّ، وغيرها. وبذلك قد أثرى الأمَّة الإسلاميَّة بهذه العلوم الَّتي أدّت إلى ارتقائها وتطوّرها في شتّى المجالات.
فمّما ورد عنه من روايات في الطبِّ ما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ قَالَ سَمِعْتُ البَاقِرَg يَقُولُ: «إِخْرَاجُ الحُمَّى فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ فِي القَيْ‏ءِ، وفِي العَرَقِ، وفِي إِسْهَالِ البَطْنِ».
عَنْ حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِg قَالَ: >مَنْ تَقَيَّأَ قَبْلَ أَنْ يُتَقَيَّأَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ سَبْعِينَ دَوَاءً، ويُخْرِجُ القَيْ‏ءُ عَنْ هَذَا السَّبِيلِ كُلَّ دَاءٍ وعليلة [عِلَّةٍ]<.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِg: >طِبُّ العَرَبِ فِي سَبْعَةٍ؛ شَرْطَةِ الحِجَامَةِ، والحُقْنَةِ، والحَمَّامِ، والسُّعُوطِ، والْقَيْ‏ءِ، وشَرْبَةِ عَسَلٍ، وآخِرُ الدَّوَاءِ الكَيُّ، ورُبَّمَا يُزَادُ فِيهِ النُّورَةُ».
الأمر الثَّاني: الاهتمام بالجانب الاقتصادي للمجتمع
من الأمور المهمَّة الَّتي تساهم في استقرار المجتمع هو تحسين المعيشة للناس، وقد اهتمَّ الإسلام بهذا الموضوع اهتماماً بالغاً؛ لأنَّ له انعكاساته المباشرة على المجتمع، ولذا تجد العديد من الاحتجاجات الشعبيَّة يكون منشأها المطالبات المعيشيَّة وتحسين الاقتصاد، ممَّا يؤدّي إلى حصول الاضطرابات في المجتمع وفقدان الأمن.
فما الَّذي قام به الإمام الباقرg في هذا المجال؟
الإمامg قام بمجموعة من الخطوات في سبيل تحقيق ذلك، منها:
الخطوة الأولى: الحثُّ على العمل وتحسين المعيشة
إنَّ العمل والجدّ في تحسين المعيشة يوفِّر للإنسان حياة اقتصاديَّة حافلة بالرَّخاء والنِّعم، وهدوء البال والاستقرار، ولذا كان يقولg: >من تسلَّح لطلب المعيشة خفَّت مؤنتُه، ورخا بالُه، ونَعِمَ عيالُه..<. 
وورد عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >مَنْ طَلَبَ الرِّزْقَ فِي‏ الدُّنْيَا اسْتِعْفَافاً عَنِ النَّاسِ، وَتَوْسِيعاً عَلَى أَهْلِهِ، وَتَعَطُّفاً عَلَى جَارِهِ، لَقِيَ اللهَa يَوْمَ القِيَامَةِ وَوَجْهُهُ مِثْلُ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ<.
فمطلوب من الإنسان أن يسعى لتحسين المعيشة، لا أن يعيش حياة البؤس والشَّقاء، ولكن بشرطها وشروطها؛ فلا بدّ من تحصيل المعيشة بالطُّرق المشروعة، ولكن من دون أن ينغمس في الدُّنيا ويغفل عن الآخرة، بل عليه الإجمال في الطَّلب كما في الرِّوايات.
فقد ورد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >قَالَ رَسُولُ اللهِe: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَدَعْ شَيْئاً يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ، أَلا وَإِنَّ رُوحَ القُدُسِ [وقَد] نَفَثَ فِي رُوعِي وَأَخْبَرَنِي أَلَّا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَa وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ شَيْ‏ءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِa فَإِنَّهُ لا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ إِلَّا بِطَاعَتِه<‏.
الخطوة الثَّانية: الحثّ على الزِّراعة
من أهمِّ الموارد الاقتصاديَّة الَّتي تعطي قوَّة للمجتمع والدَّولة هي الثَّروة الزِّراعية، فكما أنَّ هناك ثروة حيوانيَّة وثروة في المعادن والأحجار وغيرها من الثَّروات التِّي تعطي قوة للمجتمع والدَّولة، فكذلك الثَّروة الزِّراعية تغني المجتمع والدَّولة عن الحاجة للدُّول الأخرى في هذا الجانب، ويكون لها استقلال وقدرة وسيطرة، فلذا اهتمَّ أهل البيتi بمسألة الزِّراعة، ومنهم الإمام الباقرg الَّذي كان يحثُّ على الزِّراعة، وكان يروي للناس سيرة آبائه في ذلك؛ استنهاضاً لهم للقيام بهذا الدَّور الكبير.
فقد ورد عن زرارة أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >لَقِيَ رَجُلٌ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَg وَتَحْتَهُ وَسْقٌ مِنْ نَوًى، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا يَا أَبَا الحَسَنِ تَحْتَكَ؟ فَقَالَ: مِائَةُ أَلْفِ عَذْقٍ إِنْ شَاءَ اللهُ. قَالَ: فَغَرَسَهُ فَلَمْ يُغَادَرْ مِنْهُ نَوَاةٌ وَاحِدَةٌ<.
وقد ورد أيضاً أنّ النبيe كان >يَمَصُّ النَّوَى بِفِيهِ وَيَغْرِسُهُ فَيَطْلُعُ مِنْ سَاعَتِه‏<.
وسيأتي في الخطوة الخامسة أنّ الإمام الباقرg كان يقوم بنفسه بإصلاح الأرض والزراعة.
الخطوة الثَّالثة: التَّحذير من الكسل والضَّجر
من الأمور الخطيرة والَّتي توجب الشلل في الحركة الاقتصادية، وتُجمّد الطاقات الإنسانية، الكسل والضجر؛ فإنَّهما يجلبان للإنسان الشَّقاء والعناء في الدُّنيا والآخرة، فقد ورد عن الإمام الباقرg التحذير منهما، يقولg: >الكسل يضرُّ بالدِّين والدُّنيا<؛ أمَّا أنَّه يضرّ بالدين فلأنَّ الكسلان لا يقوم بالتزاماته الدينية ولا يعتني بها، فيضرّ بدينه، وأمَّا أنَّه يضرّ بالدنيا، فلأنَّ الكسلان لا يسعى لتحسين معيشته، ويبقى على حاله من الفقر وضيق العيش، فيضرّ بدنياه، وتصبح حياته بائسة تسودها الحاجة والفقر، ولذا يقولg في وصيّته لابنه: >يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ؛ فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، إِنَّكَ إِنْ كَسِلْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقّاً، وَإِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ<.
وكذلك ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >إِنِّي لَأُبْغِضُ الرَّجُلَ أَوْ أُبْغِضُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ كَسْلاناً عَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ، وَمَنْ كَسِلَ عَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ فَهُوَ عَنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ أَكْسَلُ<؛ والوجه في كونه عن آخرته أكسل هو أنَّ الإنسان بطبعه قد يميل إلى الدنيا، ويميل لتحصيل ما يوسّع عليه حاله، فإذا كسل هذا الإنسان عن تحصيل ما تميل إليه نفسه ورغباته فمن الطَّبيعيّ أن يكون بالنسبة لتحصيل الآخرة -الَّتي لا يحسّ بها- أكسل.
الخطوة الرَّابعة: مقتُ تارك العمل
ترك العمل يؤدّي إلى ضعف الإنتاج في المجتمع، وزيادة البطالة، وانتشار الأزمات الاقتصاديَّة في البلاد، فكان الإمام الباقرg يُظهر استياءه تجاه الشَّخص البطّال الَّذي يترك العمل مع قدرته عليه، يقولg: >إنِّي أَجِدُنِي أَمْقُتُ الرَّجُلَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ المَكَاسِبُ فَيَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَيَقُولُ: اللهُمَّ ارْزُقْنِي، وَيَدَعُ أَنْ يَنْتَشِرَ فِي الأَرْضِ وَيَلْتَمِسَ مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَالذَّرَّةُ تَخْرُجُ مِنْ جُحْرِهَا تَلْتَمِسُ رِزْقَهَا<، فهوg يعيّر الإنسان البطّال بأضعف المخلوقات، فأضعف المخلوقات وأصغرها لا تترك العمل لتحصيل معيشتها، فما بال الإنسان الَّذي أعطاه الله تعالى العقل والقوَّة والقدر يترك العمل ولا يسعى لتحصيل أو تحسين معيشته؟!
ومن هنا قد يطرأ هذا التَّساؤل: هل مطلوبيَّة العمل ومقت تاركه يقتصران على فئة عمريَّة معيَّنة أو يشمل كلَّ الفئات العمريَّة عند الاستطاعة؟
نقول: الرِّوايات الحاثّة على العمل، والرِّوايات الَّتي تذمّ ترك العمل، هي في الحقيقة مطلقة، لم تُقيَّد بفئة عمريَّة محدَّدة، فلا تقتصر على فئة عمريَّة دون أخرى، فالكلُّ مطالَب بالعمل والإنتاج ما استطاع، فلا يوجد في الرِّوايات ما يصطلح عليه بـ (التَّقاعد)، وهو أن يعمل الإنسان مدَّة معيَّنة في حياته ثم يترك العمل ويجلس في منزله! بل قد يكون في ضيق من العيش إلَّا أنَّه مع ذلك يترك العمل مبرّراً ذلك بأنَّه في سنّ التقاعد! فلماذا يترك العمل والحال هذه؟ لماذا لا يزاول عملاً آخر؟! لماذا يعطّل طاقاته من أن يستفيد منها المجتمع ويستفيد هو منها؟!
الإمام الباقرg قدوتنا، فإنَّه حتى مع كبر سنّه، وانشغالاته الكثيرة، والتزاماته المترتِّبة على منصب الإمامة، إلَّا أنَّه لم يترك العمل وكسب المعيشة.
انظر إلى هذه الرِّواية المرويةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِg قَالَ: >إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِg يَدَعُ خَلَفاً أَفْضَلَ مِنْهُ حَتَّى رَأَيْتُ ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّg، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِظَهُ فَوَعَظَنِي. 
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ وَعَظَكَ؟ 
قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ نَوَاحِي المَدِينَةِ فِي سَاعَةٍ حَارَّةٍ، فَلَقِيَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ،ٍ وَكَانَ رَجُلًا بَادِناً ثَقِيلاً، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى غُلَامَيْنِ أَسْوَدَيْنِ أَوْ مَوْلَيَيْنِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: سُبْحَانَ اللهِ، شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى هَذِهِ الحَالِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا! أَمَا لأَعِظَنَّهُ. 
فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِنَهْرٍ، وَهُوَ يَتَصَابُّ عَرَقاً. 
فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى هَذِهِ الحَالِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا! أَرَأَيْتَ لَوْ جَاءَ أَجَلُكَ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الحَالِ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ؟ 
فَقَالَ: لَوْ جَاءَنِي المَوْتُ وَأَنَا عَلَى هَذِهِ الحَالِ جَاءَنِي وَأَنَا فِي طَاعَةٍ مِنْ‏ طَاعَةِ اللهِ ، أَكُفُّ بِهَا نَفْسِي وَعِيَالِي عَنْكَ وَعَنِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ أَنْ لَوْ جَاءَنِي المَوْتُ وَأَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللهِ. 
فَقُلْتُ: صَدَقْتَ يَرْحَمُكَ اللهُ، أَرَدْتُ أَنْ أَعِظَكَ فَوَعَظْتَنِي<.
فانظر كيف كان الإمام الباقرg يعمل ويكتسب حتى مع كبر سنِّه؛ حيث جاء وصفه في الرِّواية أنَّه كان بادناً ثقيلاً، وهو متّكئ على غلامين أسودين، فلماذا لم يترك العمل مع ما يمرّ به من حال عصيب؟ ولماذا لم يترك العمل مع انشغالاته الكثيرة، ومسؤوليات الإمامة الكبيرة؟ لماذا لم يأمر الغلامَين مثلاً بالعمل بدلاً عنه؟ هذا كلّه يعطينا درساً في أنّ العمل لا ينبغي أن يقتصر على فئة عمريَّة محدَّدة. 
الخطوة الخامسة: تحرير النَّقد الإسلاميّ
الإمام الباقرg قام بخطوة مهمَّة في تحرير النَّقد الإسلاميّ، واستقلال العملة الإسلاميَّة عن العملة الرُّوميَّة، وبهذا استطاع الإمامg أن يحرّر النقد من التبعيِّة للإمبراطوريَّة الرُّوميَّة.
وذلك أنَّه حصل خلاف بين ملك الروم وبين عبد الملك بن مروان في بعض الأمور، فكتب ملك الرُّوم كتاباً لعبد الملك بن مروان هَدَّدَهُ فِيه، وَكَانَ فِيهِ: "وَلآمُرَنَّ بِنَقْشِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُنْقَشُ شَيْ‏ءٌ مِنْهَا إِلَّا مَا يُنْقَشُ فِي بِلَادِي، وَلَمْ تَكُنِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ نُقِشَتْ فِي الإِسْلَامِ، فَيُنْقَشُ عَلَيْهَا شَتْمُ نَبِيِّكَ". 
إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا قَرَأَ عَبْدُ المَلِكِ الكِتَابَ صَعُبَ عَلَيْهِ الأَمْرُ وَغَلُظَ، وَضَاقَتْ بِهِ الأَرْضُ، وَقَالَ: أَحْسَبُنِي أَشْأَمَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ؛ لِأَنِّي جَنَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِe مِنْ شَتْمِ هَذَا الكَافِرِ مَا يَبْقَى مِنْ غَابِرِ الدَّهْرِ، وَلا يُمْكِنُ مَحْوُهُ مِنْ جَمِيعِ مَمْلَكَةِ العَرَبِ إِذَا كَانَتِ المُعَامَلَاتُ تَدُورُ بَيْنَ النَّاسِ بِدَنَانِيرِ الرُّومِ وَدَرَاهِمِهِمْ. 
فَجَمَعَ أَهْل‏ الإِسْلَامِ وَاسْتَشَارَهُمْ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ رَأْياً يُعْمَلُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ المُخْرِجَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ وَلَكِنَّكَ تَتَعَمَّدُ تَرْكَهُ. 
فَقَالَ: وَيْحَكَ، مَنْ؟ 
فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالْبَاقِرِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّe. 
قَالَ: صَدَقْتَ، وَلَكِنَّهُ ارْتَجَّ عَلَيَّ الرَّأْيُ فِيهِ. 
فَكَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنْ أَشْخِصْ إِلَيَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِh مُكَرَّماً، وَمَتِّعْهُ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِجَهَازِهِ، وَبِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِنَفَقَتِهِ، وَأَرِحْ عَلَيْهِ فِي جَهَازِهِ وَجَهَازِ مَنْ يَخْرُجُ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ. 
وَحَبَسَ الرَّسُولَ قِبَلَهُ إِلَى مُوَافَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّh، فَلَمَّا وَافَاهُ أَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌg: >لا يَعْظُمُ هَذَا عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ جِهَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا أَنَّ اللهَaلَمْ يَكُنْ لِيُطْلِقَ مَا يُهَدِّدُ بِهِ صَاحِبُ الرُّومِ فِي رَسُولِ اللهِe، وَالأُخْرَى وُجُودُ الحِيلَةِ<. 
فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ 
قَالَg: >تَدْعُو هَذِهِ السَّاعَةَ بِصُنَّاعٍ فَيَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ سِكَكاً لِلدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَتَجْعَلُ النَّقْشَ عَلَيْهَا سُورَةَ التَّوْحِيدِ، وَذِكْرَ رَسُولِ اللهِe، أَحَدَهُمَا فِي وَجْهِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ، وَالآخَرَ فِي الوَجْهِ الثَّانِي، وَتَجْعَلُ فِي مَدَارِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ ذِكْرَ البَلَدِ الَّذِي يُضْرَبُ فِيهِ، وَالسَّنَةِ الَّتِي يُضْرَبُ فِيهَا تِلْكَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ، وَتَعْمِدُ إِلَى وَزْنِ ثَلَاثِينَ دِرْهَماً عَدَداً مِنَ الأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ؛ الَّتِي العَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ، وَعَشَرَةٌ مِنْهَا وَزْنُ سِتَّةِ مَثَاقِيلَ، وَعَشَرَةٌ مِنْهَا وَزْنُ خَمْسَةِ مَثَاقِيل،َ فَتَكُونُ أَوْزَانُهَا جَمِيعاً وَاحِداً وَعِشْرِينَ مِثْقَالاً، فَتُجَزِّئُهَا مِنَ الثَّلَاثِينَ، فَتَصِيرُ العِدَّةُ مِنَ الجَمِيعِ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ، وَتَصُبُّ صَنَجَاتٍ مِنْ قَوَارِيرَ لا يَسْتَحِيلُ إِلَى زِيَادَةٍ وَلا نُقْصَانٍ، فَتُضْرَبُ الدَّرَاهِمُ عَلَى وَزْنِ عَشَرَةٍ، وَالدَّنَانِيرُ عَلَى وَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ<. 
وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ إِنَّمَا هِيَ الكَسْرَوِيَّةُ، الَّتِي يُقَالُ لَهَا اليَوْمَ بَغْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ رَأْسَ البَغْلِ ضَرَبَهَا لِعُمَرَ بِسِكَّةٍ كَسْرَوِيَّةٍ فِي الإِسْلَامِ مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا صُورَةُ المَلِكِ، وتَحْتَ الكُرْسِيِّ مَكْتُوبٌ بِالْفَارِسِيَّةِ نُوشْ خُورْ، أَيْ كُلْ هَنِيئاً، وَكَانَ وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْهَا قَبْلَ الإِسْلَامِ مِثْقَالاً، وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي كَانَ وَزْنُ العَشَرَةِ مِنْهَا سِتَّةَ مَثَاقِيلَ هِيَ السُّمْرِيَّةُ الخِفَافُ، وَنَقْشُهَا نَقْشُ فَارِسَ. 
وَأَمَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِh أَنْ يَكْتُبَ السِّكَكَ فِي جَمِيعِ بُلْدَانِ الإِسْلَامِ، وَأَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ بِهَا، وَأَنْ يَتَهَدَّدَ بِقَتْلِ مَنْ يَتَعَامَلُ بِغَيْرِ هَذِهِ السِّكَّةِ مِنَ الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا، وَأَنْ تُبْطَلَ وَتُرَدَّ إِلَى مَوَاضِعِ العَمَلِ حَتَّى تُعَادَ إِلَى السِّكَكِ الإِسْلَامِيَّةِ. 
فَفَعَلَ عَبْدُ المَلِكِ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ مَا قَالَ.
إذاً، هذه مجموعة من الخطوات الَّتي قام بها الإمام الباقرg نحو تصحيح الوضع الاقتصادي في البلاد، ناهيك عن الخطوات الأخرى كمساعدة المحتاجين والسعي نحو رفع الفقر، والحث على الإعانة والتعاون، وغيرها من الأمور.
الأمر الثَّالث: الاهتمام بالوحدة المذهبيَّة والوحدة الإسلاميَّة
لا يخفى عليكم ما للاختلافات والنِّزاعات من آثار سلبيَّة تؤدّي إلى ضعف الأمَّة ووهنها، وما هذه الحروب والاقتتالات الحاصلة إلَّا جرّاء تلك الفتن والاختلافات، وقد كان الوضع في زمن الإمام الباقرg مشحوناً بالاختلافات والنزاعات، فلذا تصدَّى الإمامg للحفاظ على الوحدة المذهبيَّة والإسلاميَّة، والَّذي من شأنه أن يجعل المجتمع متماسكاً، ويكون في فسحة من أمره تجاه الإبداع والبناء، أمَّا لو انشغل المجتمع في الاحتراب والتَّناحر فإنَّه لن يتقدَّم ولن يكون لديه المجال للتَّطوير والبناء والتقدُّم.
فممَّا كان يوصي به الإمامg شيعته:
الوصيَّة الأولى: الإعانة والتَّلاقي 
عن خيثمة الجعفيّ قال: دخلت على أبي جعفرg أودُّعه فقال: >يا خيثمة، أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيُّهم على فقيرهم، وقويُّهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيُّهم جنازةَ ميّتهِم، وأن يتلاقَوا في بيوتهم؛ فإنَّ لقيا بعضهم بعضاً حياةٌ لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا..<. 
فهذه الأمور الَّتي ذكرها الإمامg لو التزمنا بها فإنَّ من شأنها أن تعطي قوَّة للتَّشيّع، أمَّا لو تفرّقنا واختلفنا فهذا يسبّب الوهن والضَّعف، فلا بدَّ من أن نلتفّ جميعاً تحت راية الولاية لأهل البيتi.
الوصيَّة الثَّانية: التَّواصي والنُّصح
يقول جابر بن يزيد الجعفيّ: كنَّا جماعة فدخلنا على أبي جعفرg بعدما قضينا مناسكنا، فودّعناه وقلنا له: أوصنا بشيء يا بن رسول الله، فقالg: >لِيُعِنْ قويُّكم ضعيفَكم، وليعطف غنيُّكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصيحته لنفسه..<. 
النصيحة للإخوان مهمَّة جدّاً، فإنّ الدِّين النَّصيحة كما ورد في الخبر، فإذا رأيتُ أحدَ إخواني المؤمنين قد أخطأ فعليَّ أن أبادر إلى نصيحته، مع ملاحظة شرطها وشروطها، فأبيِّن له آفات ذلك الفعل، وفوائد تركه، وأنبِّهه على عيوبه، فأقبّح القبيح له، وأحسّن الحسن في عينه، ولا بدّ من أن يراعى في ذلك الحال وبحسب ما يقتضيه من الإسرار والإعلان، فإذا كانت النَّصيحة تؤدّي غرضها سرّاً فلا يُصار إلى الإعلان، كما ورد في الخبر عن أمير المؤمنينg: >من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظه علانيةً فقد شانه<، ولكن لا ينبغي السُّكوت عن الخطأ. 
ثمَّ إنَّه على الإنسان المنصوح أن يصغي للنَّصيحة ويتقبَّلها ولا ينزعج، هكذا أدَّبنا الإسلام، يقول أمير المؤمنينg: >يا أيَّها النَّاس، اقبلوا النصيحة ممّن نصحكم، وتلقّوها بالطَّاعة ممَّن حملها إليكم<. 
ويقولg: >إنّ معصية النَّاصح الشَّفيق العالِم المجرّب تورث الحسرة وتعقّب الندامة<.
اليوم للأسف الشَّديد لا تُقبل النَّصيحة في بعض الأجواء العامَّة، فكلٌّ يريد أن يتبّع هواه، وعندما تقول له بأنَّ روايات أهل البيتi تخالف الفعل الَّذي تقوم به، فإنَّه يهاجمك وينعتك بالتخلّف والتَّشدُّد، وقد يصل به الحال أن يشهّر بك في مواقع التواصل الاجتماعيّ!! ما هكذا أدّبنا الإسلام.
إذاً، الإمام الباقرg يريد أن يوقظ حسَّ المسؤوليَّة المجتمعيَّة عندنا، وذلك من خلال الحثّ على التَّواصل والتَّواصي والتَّناصح، يقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر: ١-٣).
هذا فيما يرتبط بالوحدة المذهبيَّة، والتَّكاتف والتَّعاضد بين أبناء المذهب الواحد.
الوصيَّة الثَّالثة: الوحدة الإسلاميَّة
فيما يرتبط بالوحدة الإسلاميَّة نجد أنّ إمامنا الباقرg كان يحثّ شيعته على نبذ الخلافات مع أبناء المذاهب الأخرى، فقد ورد عن جابر الجعفيّ قال: سألت الباقر‌g: إنّ لي جيراناً بعضهم يعرف هذا الأمر وبعضهم لا يعرف [يعني أمر الولاية]، وقد سألوني أن أؤذّن لهم وأُصلّي بهم، فخِفْتُ ألَّا يكون ذلك موسَّعاً لي، فقالg: >أذّن لهم، وصلّ بهم، وتحرَّ الأوقات<. 
وقد ورد عنهg أنَّه قال: >كَانَ أَوْلِيَاؤُنَا وَشِيعَتُنَا فِيمَا مَضَى خَيْرَ مَنْ كَانُوا فِيهِ، إِنْ كَانَ إِمَامُ مَسْجِدٍ فِي الحَيِّ كَانَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُؤَذِّنٌ فِي القَبِيلَةِ كَانَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ كَانَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ أَمَانَةٍ كَانَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ عَالِمٌ مِنَ النَّاسِ يَقْصِدُونَهُ لِدِينِهِمْ وَمَصَالِحِ أُمُورِهِمْ كَانَ مِنْهُمْ، فَكُونُوا أَنْتُمْ كَذَلِكَ، حَبِّبُونَا إِلَى النَّاسِ، وَلا تُبَغِّضُونَا إِلَيْهِمْ<.
وكذلك ابنه الإمام الصادقg كان يقول لزيد الشحّام: >يَا زَيْدُ، خَالِقُوا النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ، صَلُّوا فِي مَسَاجِدِهِمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَكُونُوا الأَئِمَّةَ وَالْمُؤَذِّنِينَ فَافْعَلُوا؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا: هَؤُلَاءِ الجَعْفَرِيَّةُ، رَحِمَ اللهُ جَعْفَراً مَا كَانَ أَحْسَنَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ، وَإِذَا تَرَكْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا: هَؤُلَاءِ الجَعْفَرِيَّةُ، فَعَلَ اللهُ بِجَعْفَرٍ مَا كَانَ أَسْوَأَ مَا يُؤَدِّبُ أَصْحَابَهُ<.
الأمر الرَّابع: الاهتمام بالجانب الأخلاقيّ في المجتمع
بالأخلاق يرتقي الفرد، ويرتقي المجتمع، بالأخلاق يسود الأمن والأمان، وتسود المودّة، ويسود العطف، مسألة الأخلاق مسألة مهمَّة جدّاً، وقد اهتمّ المفكِّرون بعلم الأخلاق وبالنظريَّات الأخلاقيَّة على شتّى دياناتهم ومذاهبهم وتيّاراتهم. 
وقد سعى الإمام الباقرg لتوطين الأخلاق الفاضلة في المجتمع، سواء كان من النَّاحية النَّظريَّة المتمثّلة بنصائحه ومواعظه ووصاياه، أم من النَّاحية العمليَّة المتمثّلة بسلوكه العمليّ وسيرته العطرة، والرُّوايات في ذلك كثيرة جدّاً، نذكر منها بعض النَّماذج:
النُّموذج الأوَّل: الدَّعوة إلى العفو عن الآخرين وصلتهم
عن أبي جعفرg قال: >ثَلَاثٌ لا يَزِيدُ اللهُ بِهِنَّ المَرْءَ المُسْلِمَ إِلَّا عِزّاً: الصَّفْحُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَهُ، وَالصِّلَةُ لِمَنْ قَطَعَه‏<. 
الإعطاء والإنفاق سمة جميلة حسنة، وصلة الرَّحم صفة أخلاقيَّة فاضلة، ولكن حينما يكون الإعطاء لمن منعني، وحينما تكون الصِّلة لمن قطعني، فهذا يحتاج إلى مجاهدة نفس كبيرة، وأخلاق عالية سامية، فليس من السَّهل على النَّفس أن تتقبّل ذلك، وكذلك ليس من السَّهل عليها أن تصفح عمن ظلمها، فلذا من كانت لديه هذه الخصلة فهي تزيد في رفعته وعزّته؛ لأنَّها تكشف عن توفّر على أخلاق عالية جدّاً، وروح مهذّبة غاية التَّهذيب.
ثم إنّ مقابلة الإساءة بالحسنة لها آثار عجيبة في تليين القلوب وتطويعها، يقول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت: 34)، فهذا الَّذي كان بالأمس عدوّي، ويحاربني، ويكيد بي، وإذا به يصبح وليّاً حميماً لأنّني قابلته بالإحسان.
وهكذا كان إمامنا الباقرg حينما جاء له ذلك النَّصرانيّ يشتمه ويستهزئ به، ولكنَّه‌g قابله بالإحسان حتى أسلم النَّصرانيّ، قال له النَّصراني: أَنْتَ بَقَرٌ! قَالَ: >أَنَا بَاقِرٌ»، قَالَ: أَنْتَ ابْنُ الطَّبَّاخَةِ، قَالَ: «ذَاكَ حِرْفَتُهَا». قَالَ: أَنْتَ ابْنُ السَّوْدَاءِ الزِّنْجِيَّةُ البَذِيَّةُ، قَالَ: «إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اللهُ لَكَ»، قَالَ: فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِي.‏
النُّموذج الثَّاني: الدَّعوة إلى صنع المعروف والإحسان
عن الإمام أبي جعفرg: >صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ، وَأَهْلُ المُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ المُنْكَرِ فِي الآخِرَةِ، وَأَوَّلُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً إِلَى الجَنَّةِ أَهْلُ المَعْرُوفِ، وَإِنَّ أَوَّلَ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً إِلَى النَّارِ أَهْلُ المُنْكَرِ<. 
العمل الصَّالح وصنع المعروف طريق للوصول إلى السَّعادة، طريق للوصول إلى الله تعالى، ولكن إذا توفّرت شرطيَّة الإيمان والإخلاص، يقول الله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(الكهف: 110)، فتشير الآية المباركة إلى أنّ الوصول إلى لقاء الله تعالى مرهون بالعمل الصَّالح والإيمان.
وكذلك يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}(النَّحل: 97)، فهنا تشير الآية المباركة إلى أنّ الوصول إلى السَّعادة والحياة الطَّيِّبة مرهون أيضاً بالعمل الصَّالح والإيمان.
فافعل الخير، واصنع المعروف، وأحسن إلى الآخرين، وساعد الآخرين؛ فإنّ في هذا سعادتك في الدُّنيا والآخرة، وفيه سعادة الآخرين أيضاً. 
النُّموذج الثَّالث: قضاء حوائج الإخوان
الرُّوايات الواردة في فضل قضاء حاجة الأخ المؤمن مستفيضة، والَّذي يقرؤها يتحيّر من كثير الثَّواب المترتّب عليها، فهذا يكشف عن أهمِّيَّة هذه المسألة؛ لأنَّها تساهم في تقوية أفراد المجتمع، وتساهم في رفع الفقر والحاجة، وتوطّن العلاقات الحميمة بين الإخوان المؤمنين، وقد ورد عن الإمام الباقرg مجموعة من الرِّوايات في هذا الجانب.
منها: قال الإمام أبو جعفرg: >مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ المُسْلِمِ أَظَلَّهُ اللهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَلَمْ يَرْفَعْ قَدَماً إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَيَرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ كَتَبَ اللهُa لَهُ بِهَا أَجْرَ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ<.
ومنها: عَنْ الإمام أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >أَوْحَى اللهُa إِلَى مُوسَىg أَنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالْحَسَنَةِ فَأُحَكِّمُهُ فِي الجَنَّةِ. فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، وَمَا تِلْكَ الحَسَنَةُ؟ قَالَ: يَمْشِي مَعَ أَخِيهِ المُؤْمِنِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ قُضِيَتْ أَوْ لَمْ تُقْض‏<.
ومنها: عَنْ الإمام أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ: >إِنَّ المُؤْمِنَ لَتَرِدُ عَلَيْهِ الحَاجَةُ لِأَخِيهِ فَلا تَكُونُ عِنْدَهُ، فَيَهْتَمُّ بِهَا قَلْبُهُ، فَيُدْخِلُهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَمِّهِ الجَنَّةَ<.
النُّموذج الرَّابع: التَّحلّي بالصِّفات الفاضلة
ويكفيك في ذلك قراءة وصيَّة الإمام الباقرg لتلميذه جابر بن يزيد الجعفيّ، فهي وصيَّة خالدة حافلة بجميع القيم الكريمة والمثل العليا الَّتي يسمو بها الإنسان لو طبَّقها على واقع حياته، وهي وصية طويلة، ننقل منها التَّالي:
>يَا جَابِرُ، اغْتَنِمْ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكَ خَمْساً: إِنْ حَضَرْتَ لَمْ تُعْرَفْ، وَإِنْ غِبْتَ لَمْ تُفْتَقَدْ، وَإِنْ شَهِدْتَ لَمْ تُشَاوَرْ، وَإِنْ قُلْتَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُكَ، وَإِنْ خَطَبْتَ لَمْ تُزَوَّجْ. 
وَأُوصِيكَ بِخَمْسٍ: إِنْ ظُلِمْتَ فَلَا تَظْلِمْ، وَإِنْ خَانُوكَ فَلَا تَخُنْ، وَإِنْ كُذِّبْتَ فَلَا تَغْضَبْ، وَإِنْ مُدِحْتَ فَلَا تَفْرَحْ، وَإِنْ ذُمِمْتَ فَلَا تَجْزَعْ. 
وَفَكِّرْ فِيمَا قِيلَ فِيكَ، فَإِنْ عَرَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ مَا قِيلَ فِيكَ فَسُقُوطُكَ مِنْ عَيْنِ اللهِ(جَلَّ وَعَزَّ) عِنْدَ غَضَبِكَ مِنَ الحَقِّ أَعْظَمُ عَلَيْكَ مُصِيبَةً مِمَّا خِفْتَ مِنْ سُقُوطِكَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى خِلَافِ مَا قِيلَ فِيكَ فَثَوَابٌ اكْتَسَبْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْعَبَ بَدَنُكَ. 
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لا تَكُونُ لَنَا وَلِيّاً حَتَّى لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْكَ أَهْلُ مِصْرِكَ وَقَالُوا إِنَّكَ رَجُلُ سَوْءٍ لَمْ يَحْزُنْكَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالُوا إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ يَسُرَّكَ ذَلِكَ. 
وَلَكِنِ اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كُنْتَ سَالِكاً سَبِيلَهُ، زَاهِداً فِي تَزْهِيدِهِ، رَاغِباً فِي تَرْغِيبِهِ، خَائِفاً مِنْ تَخْوِيفِهِ، فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ، فَإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ مَا قِيلَ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُبَايِناً لِلْقُرْآنِ فَمَاذَا الَّذِي يَغُرُّكَ مِنْ نَفْسِكَ؟ 
إِنَّ المُؤْمِنَ مَعْنِيٌّ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ لِيَغْلِبَهَا عَلَى هَوَاهَا، فَمَرَّةً يُقِيمُ أَوَدَهَا ويُخَالِفُ هَوَاهَا فِي مَحَبَّةِ اللهِ، وَمَرَّةً تَصْرَعُهُ نَفْسُهُ فَيَتَّبِعُ هَوَاهَا فَيَنْعَشُهُ اللهُ فَيَنْتَعِشُ، وَيُقِيلُ اللهُ عَثْرَتَهُ فَيَتَذَكَّرُ، وَيَفْزَعُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَخَافَةِ فَيَزْدَادُ بَصِيرَةً وَمَعْرِفَةً لِمَا زِيدَ فِيهِ مِنَ الخَوْفِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُون‏}<، إلى آخر الوصية.
هذا تمام الكلام في الأمور الَّتي أحببنا أن نسلِّط الضَّوء عليها من حياة الإمام الباقر‌g، وهذه قطرة من بحر فيما ورد عن سيرة سيِّدنا ومولانا الإمام الباقرg، وإلَّا فالكلام يطول في الاستضاءة من سيرته العطرة والنيّرة، ولا يسعه هذا المختصر.
نسأل الله تعالى أن يكون ما دوَّناه نافعاً لي وللقارئ الكريم يوم لا ينفع مال ولا بنون، والحمد لله ربِّ العالمين. 


 

[1] الكافي، الكليني، ج8، ص120، (طالإسلامية).

[2] الكافي، الكلينيّ، ج8، ص122، (طالإسلاميَّة).

[3] الخصال، الصَّدوق، ج1، ص245.

[4] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج1، ص214، (طبيروت).

[5] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج1، ص214، (طبيروت).

[6] المصدر نفسه.

[7] الكافي، الكلينيّ، ج1، ص33، (طالإسلامية).

[8] المصدر نفسه، ص32.

[9] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج75، ص189.

[10] وسائل الشِّيعة، الحرُّ العامليّ، ج27، ص142.

[11] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج2، ص309.

[12] حياة الإمام الباقرg، الشَّيخ باقر شريف القرشيّ، ج1، ص10.

[13] الكافي الكلينيّ، ج3، ص549، (طالإسلاميَّة).

[14] المصدر نفسه، ج1، ص306.

[15] رجال النجاشيّ - فهرست أسماء مصنفي الشِّيعة، النجاشيّ، ص10‌.

[16] الكافي، الكلينيّ، ج1، ص35، (طالإسلاميَّة).

[17] طبُّ الأئمَّةi، ابنا بسطام، عبد الله وحسين، ص50.

[18] طبُّ الأئمَّةi، ابنا بسطام، عبد الله وحسين، ص67.

[19] المصدر نفسه، ص55.

[20] حياة الإمام الباقرg، القرشيّ، ج1، ص232.

[21] الكافي، الكلينيّ، ج5، ص78، (طالإسلاميَّة).

[22] المصدر نفسه، ص83.

[23] الكافي، الكلينيّ، ج5، ص75.

[24] الكافي، الكلينيّ، ج5، ص74.

[25] تحف العقول، ابن شعبة الحرَّانيّ، ص300.

[26] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج75، ص187.

[27] الكافي، الكلينيّ، ج5، ص85، (طالإسلاميَّة).

[28] أي النَّملة الصَّغيرة.

[29] من لا يحضره الفقيه، الصَّدوق، ج3، ص158.

[30] من رجال العامّة.

[31] الكافي، الكلينيّ، ج5، ص73، (طالإسلاميَّة).

[32] مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، المحدِّث النِّوريّ، ج7، ص84.

[33] سفينة البحار، الشَّيخ عبَّاس القمِّيّ، ج2، ص565.

[34] الأماليّ، الطُّوسيّ، ص:232.

[35] مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، المحدِّث النِّوريّ، ج13، ص327.

[36] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج71، ص166.

[37] عيون الحكم والمواعظ، اللَّيثيّ الواسطيّ، ص552.

[38] نهج البلاغة (صبحي صالح)، ص79.

[39] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج85، ص109.

[40] دعائم الإسلام، نعمان بن محمَّد بن حيون المغربيّ، ج1، ص57.

[41] وسائل الشِّيعة، الحرُّ العامليّ، ج8، ص430.

[42] الكافي، الكلينيّ، ج2، ص109، (طالإسلاميَّة).

[43] مناقب آل أبي طالبi، ابن شهرآشوب، ج4، ص207.

[44] الأمالي، الصَّدوق، ص254.

[45] الكافي، الكلينيّ، ج2، ص197، (طالإسلاميَّة).

[46] المصدر نفسه، ص195.

[47] الكافي، الكلينيّ، ج‏٢، ص196.

[48] تحف العقول، ابن شعبة الحرَّانيّ، ص284.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا