بسم الله الرّحمن الرّحيم، اللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآله الطّيّبين الطّاهرين..
التّشريعات الإلهيّة جاءت لتنظِّم حياةَ الإنسان في هذه الدّنيا، ولترسم له طريقاً واضحاً ومأموناً من الخطأ والزّيغ والضّلال أو الانحراف عن جادّة الصّواب، ولم يترك الله سبحانه خلقه سدىً ليتيهوا في الأرض.
وحيث إنّ الإنسان اجتماعيٌ بالطّبع، وله ميولٌ ورغباتٌ وشهواتٌ تتضارب مع رغباتِ الآخرين، وهو جهولٌ، ظلومٌ، وخُلِقَ من عجلٍ، ولا يتمكّنُ من رسمِ الطّريق لنفسِه فلا يمكن حينئذٍ أن يكون هو المشرِّع لنفسه طريق السّعادة.
بل التّشريع -في مختلفِ مجالات الحياة- منحصرٌ بالخالق الحكيم سبحانه، ولا حقَّ لأحدٍ من البشر التبرُّع والاقتراح لتشريع حكم من الأحكام حتى الأنبياءi إلّا بما أذن لهم في ذلك كما ثبت في بعض الأحكام لخصوص النبيّ الأكرمe.
وهذا المعنى من المفترض أن يكون من البديهيّات الواضحةِ عند الإنسان المؤمن، بل عند كلِّ عاقلٍ منصفٍ، ولكن حيثُ إنّ حصر التّشريع بالله تعالى يمنع أصحاب الأهواء والأطماع من تمكينهم من تنفيذ هذه الأهواء والأطماع، ويقيِّد حريَّتهم في ذلك راحوا يبحثوا عن طرقٍ تعتمد على المغالطات، وقد خدعوا بها بعض النّاس، حتى من المتديِّنين.
والناس في محاولة مخالفة التّشريعات الإلهيّة على أقسام
فمنهم: من ينكر أصلَ وجودِ الإله، وبالتّالي يكون متحرِّراً من أيِّ تشريعٍ أو حكمٍ شرعيّ، وهم المشركون الذين حاربوا الأنبياء والأوصياء.
ومنهم: من ينكر النبوَّة، حتى لا يلتزم بما جاء به ذلك النّبيّ، كأهل الكتاب من اليهود والنَّصارى.
ومنهم: من ينكر الإمامة الثّابتة لأهل البيتi، فلا يتقيّد بما جاءوا به.
ومنهم: من ينكر صلاحيّة الأحكام الشّرعية التي جاء بها النّبيّe بحجّة كونها قديمة لا تصلح لهذا العصر.
ومنهم: من يحصر التّشريع في القرآن الكريم؛ هروباً ممّا جاءت به السُّنّة الشّريفة صريحاً، والقرآن حمَّالٌ ذو أوجه.
ومنهم: من يرى بأنَّ الشريعة حيث ينبغي أن تكون صالحة لكلِّ زمان، فنحن نفسِّر القرآن بما يناسب هذا الزّمان، وقصدهم من ذلك -عمليّاً- ليُّ عنق الآيات الشّريفة لما يتوافق مع أهوائهم.
ومنهم: من ينكر حصر الاجتهاد وفهم الأحكام الشّرعية بالفقهاء، بل لكلِّ شخص يمتلك العقل أن يستنبط بنفسه، وهذا يعني أنَّ كلَّ فردٍ غير ملزم بكلام الفقهاء، بل يعتمد على فهمه الخاص. وغيرهم الكثير من أهل الأهواء، بشكل واضح أو خفيّ.
فانتشرت كثيرٌ من الشُّبهات حول الشّريعة الإسلاميّة، والأحكام الشّرعيّة، وهناك من يخطِّط بشكلٍ مدروسٍ كيفيّة إبعاد النّاس عن الدِّين، وجعلهم يتعلّقون به بشكلٍ سطحيٍّ أو يتركونه بشكلٍ كليّ.
وهذه المسألة من المسائل الخطيرة في زماننا؛ حيث رأينا البعض من الشّباب ممّن يرفض اتّباع الفقهاء من خلال بعض هذه الحجج، ومن يقتحم التّفسير، ومجال الاستنباط الفقهيّ!!
وهذا إنّما هو ناتج عن خلل في الوعي، والبصيرة لما يريده الله تبارك وتعالى من الإنسان في هذه الحياة..
وأهمُّ ما ينبغي أن يلتفت إليه الفرد المؤمن في ظلّ هذه الشّبهات والفتن المظلمة، هو ضرورة التّعلّم والتّفقّه، وطلب المعرفة الدِّينيّة النّاصعة والواضحة، والمعتمدة على اليقين لا الشّكّ.
ولا طريق للوصول إلى ذلك إلّا طريقَ الفقهاء الأمناء على الدِّين والدُّنيا، وترك أصحاب الشُّبهات والتّشكيكات، والوسيلة إلى ذلك إنّما هو الحضور المباشر لمجالس العلماء وأهل المعرفة، والقراءة للكتب المعتبرة والموثوقة، والسّؤال، والأخذ والعطاء، حتى تكون العقيدة عن علم ويقين، لا عن تقليد تهتزُّ بمجرد سماع شبهة هنا أو هناك.
يقول الإمام الخامنائيB في إحدى لقاءاته بالجامعيّين ما مضمونه:
"الفكر الصّحيح يحتاج إلى أستاذ ومرشد، ومثل المرحوم الشّيخ المصباح اليزديّO هو نموذج للأستاذ والمرشد في المسائل الفكريّة ومرجع في ذلك".
ومن المهمّ للمؤمن اتّخاذ طريق التّسليم الذي هو جوهر التّوحيد الحقيقيّ لله تعالى، فقد ورد عن الإمام الصادقg أنّه قال: «لو أنّ قوماً عبدوا اللهَ وحدَه لا شريك له، وأقاموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، وحجُّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيءٍ صنعه اللهُ أو صنعه رسولُ اللهe ألا صنع خلاف الذي صنع؟! أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين»، ثمّ تلا هذه الآية ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(النساء:65)، ثمّ قال الإمامg: «عليكم بالتّسليم»[1].
ثبّتنا الله على دينه، والتّسليم لأمره، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على خيرِ خلقِه محمّدٍ وآلِه الطّيّبين الطّاهرين.
رئيس التّحرير
[1] الكافي، الكلينيّ، ج1، ص390.
0 التعليق
ارسال التعليق