السيدة الزهراء (ع) قدوة للإنسانية حوار مع سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي (حفظه الله)

السيدة الزهراء (ع) قدوة للإنسانية حوار مع سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي (حفظه الله)

الحمد لله كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وكما يحب أن يحمد، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد..

 هذا لقاء مع سماحة العلامة الشيخ محمد مهدي الآصفي حول أعظم شخصية نسائية على صفحة الوجود، وحريٌ بنا جميعاً وبمن في هذا العالم أن يستقي الدروس تلو الدروس من هذه الشخصية العملاقة.. فلذا عندما حاولت أن أكتب مقدمة لكي أعرِّف إمّا بالشخصية التي يدور حولها اللقاء أو أعطي صورة عن هذا اللقاء فإني أحسّ بعجزٍ لِما تحمله هذه الشخصية الفريدة في الكون كله، ولما يحمله هذا اللقاء من معان غزيرة حول هذه الحورية الإنسية، فعلى الرغم مما يتمتع به المحاور من فكرٍ سيّالٍ متبحّر، لكنه يقف حائراً وكل العقول غير المعصومة أمام هذه الشخصية المعصومة، حيث أنها- وكما ورد في الخبر عن إمامنا الحسن العسكري (ع)- ((نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة الله علينا)).. فما عسانا أن نقول في حجة الله على الحجج عليهم أفضل الصلاة والسلام...

.: اللقاء :.

■ السيدة الصديقة الزهراء (ع) هي المرأة الأولى في العالم الإسلامي بل في العالم بأسره، استشهدت سلام الله عليها وعمرها الشريف لم يتجاوز العشرين سنة، هل كانت هذه الفترة كافية لرسم معالم النموذج النسائي الكامل ؟

● بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على الصديقة الزهراء (ع) أم أبيها ؛ البنت الوحيدة من بناته (ص) التي استأثرت بهذا اللقب – لقب أم أبيها – واجهت فتنة كبيرة بعد وفاة رسول الله (ص) وعاشت هذه الفتنة بكل قلبها الكبير بكل أحاسيسها ومشاعرها، وهي كانت تعلم بما رزقها الله من بصيرة على امتداد وعمق هذه الفتنة ؛ كانت ترى تبعات هذه الفتنة عبر آلاف السنين المتمادية إلى أن يظهر الإمام المهدي حفيدها (عج)، كانت تعي وتفهم بما رزقها الله من البصيرة هذه الفتنة وامتدادها وعمقها وآثارها في تأريخ الإسلام، لذلك حملت همّ هذه الفتنة في قلبها الكبير، وعاشت ظروف هذه الفتنة واكتوت بنارها وليست معايشتها لهذه الفتنة كما يعيشها أناس ببصيرة محدودة، كانت تنظر إلى هذه الفتنة التي دخلت على المسلمين؛ برؤية ثاقبة نفّاذة وبصيرة ثاقبة بعيدة المدى، كانت تنظر التأريخ، تنظر المستقبل في امتداده الطويل، فيما كانت هذه الفتنة التي اكتوت بنارها وحملت همّها وواجهت ضغوطها ؛ كانت السبب الأساس والعامل الرئيس في قصر عمرها الشريف (ع)، وفي التعجيل بأجلها..

أمّا الشقّ الثاني من السؤال : هل تكفي هذه الفترة القصيرة التي عاشتها من عمرها الشريف وهي أقل من العشرين في أغلب الظن هل تكفي هذه الفترة لكي تكتسب المرأة المسلمة في كل العصور منها (ع) نموذجاً مضيئاً للمرأة المسلمة في كل أبعادها ؟؟

أقول : نعم، وأقول : لا ؛ أقول نعم : لأنها عاشت مع المسلمين فترة ما وعرفها المسلمون، وانعكس سلوكها وحديثها ومواقفها على صفحات السيرة والتاريخ ؛ هذه الفترة كافية، وإذا كانت المرأة المسلمة وإذا كان المسلمون يريدون في فاطمة الزهراء أن يتعرفوا من خلالها على نموذج الإنسان المسلم (أولاً) والمرأة المسلمة (ثانياً) ؛ فإن حياتها استوفت مثل ذلك.

وأقول لا؛ لأنها لو امتدّ بها العمر لكان هذا الانعكاس في التأريخ والسيرة أقوى وأشد، لأن هذا الانعكاس في التأريخ والسيرة ؛ في حديثها، مواقفها، كلامها ؛ كان سيوفق بدرجة اكبر في إيجاد النموذج الكامل للمرأة المسلمة وللإنسان المسلم، إذ أنها تشكل نموذج المعصوم نموذج الإنسان الكامل والمرأة الكاملة، والإنسان الكامل – رجلٌ أو امرأة – مهما يطول بقاؤه في المجتمع يكون انعكاساته أقوى وأكثر وأفضل ؛ فلذلك لو كان يقدّر للصديقة الزهراء (ع) أن تعيش أطول في أجواء المسلمين، في أجواء مفتوحة كان أفضل للمسلمين وأدعى لتوفير فرصة اكتساب المثال والقدوة والأسوة منها (ع)، لكن الله سبحانه وتعالى شاء- ولا راد لمشيئته- أن تحدث هذه الفتنة وأن يمتحن الله تعالى  المسلمين بهذه الفتنة التي نعيش إلى اليوم آثارها وتبعاتها، وأحب أن أضيف قبل أن أتجاوز هذه النقطة وان أعرب عن ألمنا وأسفنا لهذه الفتنة التي حدثت يومئذ بين المسلمين، ولكننا نعتقد أن الإثارة غير العلمية، الإثارة العاطفية، والإثارة الانفعالية لهذه الفتنة، لها مردود سلبي وسيء على المسلمين، ونحن نتعامل مع هذه الفتنة من موضع العلم والعقل حتى نحفظ بوحدة كلمة المسلمين ومصلحة الصف الإسلامي ومصلحة الموقف الإسلامي ونرى أن أية إثارة غير علمية؛ تؤدي إلى تشطير الصف الإسلامي وتشظّي الموقف الإسلامي وتثير المشاكل في العالم الإسلامي مما يشكل ضررا وخطرا واقعياً لهم، نعم إن الدراسة العلمية والموضوعية القائمة على العلم والعقل ليست ضارة – لا تضر ولا تثير مشكلة – كما كان هو شأن علمائنا عندما يتعرضون لموضوع الفتنة خلال تلك الفترة يدرسونها دراسة ممعنة دقيقة وواعية، من خلال العلم والمعرفة من دون انفعال ومن دون إساءة ومن دون إثارة حادة تؤدي إلى بعث الفتنة في عالمنا الإسلامي اليوم مرة أخرى..

■ السيدة فاطمة (ع) هي مركز الربط بين النبي الأعظم محمد (ص) من طرف والإمام علي أمير المؤمنين والأئمة المعصومين (ع) من طرف آخر، وهي محور الالتقاء والامتداد بين النبوة والإمامة، ما هي دلالات هذا الموقع ؟

● (سلام الله على فاطمة الزهراء) ملتقى النورين، نور النبوة ونور الإمامة، فهي تحمل نكهة كل منهما وهي تحمل إشراقة كل منهما، إذ هي معصومة، وفي العصمة نكهة وإشراقة من النبوة والإمامة، وهي معصومة بصريح آية التطهير في كتاب الله، وباتفاق أهل القبلة، شيعة وسنة؛ وباتفاق المسلمين جميعاً ؛ فاطمة الزهراء كانت من الذين غشّاهم – غطّاهم – رسول الله (ص) بالكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي؛ عندها نزلت هذه الآية.

 وهذه الآية صريحة بعصمة الزهراء (ع) وأبيها وبعلها وبنيها، وأنا كتبت كتاباً في هذه الآية المباركة وفي هذا الكتاب لم أكن أشكّ في أمرين : لم أشك أن هذه الآية نزلت في هؤلاء الخمسة خاصّة، لوجود الروايات الصحيحة الحاصرة فيهم – في الخمسة الطاهرين (ع) – من طرق الشيعة والسنة وقد تظافرت هذه الروايات الحاصرة.

أما سياق الآية الكريمة، ووقوع الآية الكريمة في سياق خطاب زواجات النبي (ص) لا ينافي ولا يصادر ولا يشكك في هذا القطع؛ لأن السياق ينقطع (أولاً) باختلاف الضمائر "راجعوا الآيات في سورة الأحزاب" ليتضح لكم ما اقول، (ثانياً) لو افتراضنا وحدة السياق – وهي ليست واحدة – فلا يزيد السياق من أن يكون اجتهاداً؛ فإن فهمنا للآية بهذا النحو لا يوصف بأنه نص وإنما هو اجتهاد، فنفهم شمول زوجات رسول الله (ص) ؛ لأمهات المؤمنين من خلال السياق، والاستفادة من السياق لا تزيد عن أن تكون اجتهاداً، وليس بنص، والاجتهاد لا يعارض النص؛ مع ورود نصوص صحيحة الإسناد صحيحة الطرق من الفريقين – من الشيعة والسنة – نقطع من خلالها بأن هذه الآية نزلت فيهم فقط ؛ لأن النصوص حاصرة، وقد ذكرت في هذا الكتاب مجموع النصوص الصحيحة الحاصرة لهذه الآية في هؤلاء الخمسة.

إذن فإن الاجتهاد لا يعارض النص، وانما نأخذ بالاجتهاد عند فقدان النص، ومع وجود النص لا نأخذ بالاجتهاد (كان هذا الأمر الأول الذي لا أشكّ فيه) وهو أن هذه الآية نزلت في أولئك الخمسة فقط، وهذا هو الحصر الأول.

والحصر الثاني : في كلمة إنما؛ إنما حاصرة للطُهر وذهاب الرجس فيهم، فهي تدل على العصمة وتدل على أن العصمة فيهم خاصة، تدل على أن العصمة فيمن نزلت فيه هذه الآية، والآية صريحة في أن الله عز وجل يعصمهم ويذهب عنهم الرجس، والإثم رجس والذنب رجس فلا يمكن أن يصدر عنهم الرجس بعد تصريح الآية الكريمة بأن مشيئة الله تعلقت بذهاب الرجس عنهم.. إذاً فاطمة الزهراء (ع) معصومة؛ عصمة الملتقى بين النبوة والإمامة.

■ متطلبات العصر حول شخصية المرأة قد تعددت وتطورت في مختلف الجوانب العلمية والاجتماعية بالإضافة إلى دورها في التربية وفي العمل والوظيفة والمساهمة في النشاط الديني، فماذا تأخذ المرأة المسلمة المعاصرة من الصديقة الزهراء عوناً وذخيرة ؟

● المرأة المسلمة تأخذ كل شيء من الزهراء (ع) ؛ في وعيها وإيمانها وعملها وتحركها في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي إدارة البيت وفي تربية الأولاد والبنات والموقف والعمل والحركة والصلاة والعبادة والتهجد والعلم والمعرفة والعمل السياسي والمعارضة تتأسى بها، الزهراء(ع) قدوة وأسوة للمرأة المسلمة في كل عصر وفي عصرنا كذلك، والمرأة المسلمة في عصرنا مدعوّة للمشاركة الفعالة الحقيقية، المشاركة في الساحة الأساسية في الحياة، المرأة لها صوت شرعي وعندما أقول شرعي، أقصد أن الله تعالى لم يلغِ صوتها في الحالة السياسية القائمة الآن على أصوات الناخبين، فنحن لا نعرف دليلاً في دين الله يسوغ إلغاء صوت المرأة، والمرأة تشكّل كفاءة علمية وكفاءة عملية وكفاءة سياسية وكفاءة إدارية.. تشكّل بدورها مجموعة كفاءات يجب توظيفها؛ وعلى المرأة أن تستثمر هذه الكفاءات في النهوض بالمجتمع وفي الانفعال في ساحات الحياة، في الساحة الإجتماعية وفي الأعمال الإنسانية وفي الأعمال العلمية: في الحوزة، وفي الجامعة، وفي المنبر الحسيني، وفي الخطابة الحسينية، وفي الكتابة والتأليف، وفي حقول العلم المختلفة : في الكيمياء، وفي الفيزياء، وفي الصيدلة، وكذلك في الأعمال الإدارية....

نعم الإسلام يشترط على المرأة شرطين أساسيين – إنما أقول يشترط يعني أننا نفهم من روح الشريعة ومن مذاق الشريعة أن الشريعة تطلب من المرأة أمرين – أحدها : منصوص، والآخر : نفهمه من مجمل الأحكام الشرعية:

 أما المنصوص : فهو أن المرأة ينبغي لها أن تحافظ على حدود الله في كل مساحات عملها، الإسلام لم يسمح بالامتزاج وإسقاط الحدود – إلغاء الحدود – بين الرجال والنساء ؛ هناك حدود بين الرجال والنساء يريدها الله لسلامة المجتمع : إذا المرأة تدخل للجامعة عليها أن تحافظ على الحجاب، إذا كانت تدخل في الدوائر عليها أن تحافظ على الحجاب، تحافظ على حجابها وتحافظ على وقارها الأنثوي وتحافظ على طريقة كلامها، حتى طريقة ضرب الأرجل ملحوظة في الشرع ومُلفت إليها في الآية (لا يضربن بأرجلهنّ.. ) حتى هذا ينهى الله عنه، حتى طريقة الكلام وأسلوب الكلام بين الرجال والنساء تكفلت الشريعة بتحديد أطرها وضوابطه الموضوعية ما لا يسوغ للمرأة أن تتحدث بطريقة مثيرة مثلاً، ولا يجوز للرجال أن يتحدثوا مع النساء بطريقة مثيرة أيضا من جانب آخر.

(الأمر الثاني) : الذي نفهمه من مجمل الأحكام الشرعية أن الله عزّ وجلّ خوّل المرأة مسؤولية الأسرة، والأسرة من دون المرأة تختل وتُربك،  والمرأة – الزوجة – هي الركن الأول في بناء الأسرة، فإذا كانت مساهماتها ومشاركتها تخلّ بسلامة الأسرة فهذا أمر لا يريده الله تعالى وهو أمر محظور، الله عزّ وجلّ يريد سلامة الأسرة ويوليها عناية خاصة، الإسلام يعطي اهتمام كبير لسلامة الأسرة، خروج المرأة من البيت ومشاركتها في ساحات الحياة إذا كانت مخلّة بسلامة الأسرة فهو أمر مرفوض ومحظور، وبهذين الشرطين : (الشرط الأول) المحافظة على حدود الله. و(الشرط الثاني) المحافظة على سلامة الأسرة، وعدم الإخلال بسلامتها.

و(المسألة الثالثة) وهي داخلة في الأولى : قيمومة الرجل على البيت، بما يعين  المرأة، فلا تنسق خروجها ومشاركاتها إلا بالتفاهم مع الرجل، وضمن عنوان قيمومة الرجل على الأسرة، ولا يعني ذلك أن الرجل يتعسّف في هذا الحق، الله معطي القيمومة  في الأسرة للرجل ولكن الله تعالى لم يأذن للرجال ان يتعسّفوا في استعمال هذا الحق، البيت حصن للمرأة وليس حبساً ولا سجناً، على الرجل أن يعرف أن الله تعالى أعطاه هذا الحق حتى تنتظم الأسرة، ولم يعطه هذا الحق ليحبس المرأة، فإن المرأة المتدينة إذا لم تشارك في المساحات الاجتماعية والعلمية والأدبية والفنية وتنزل بكفاءتها لإشغال هذه المواقع، فإنها بالتأكيد ستعطي نصيباً من حصتها للمرأة غير الملتزمة لتقوم بمثل هذه المهام المُعلقة ؛ فتكون الخسارة والحال هذه كبيرة يصعب تعويضها.

الساحة مفتوحة، إذا لم تشارك المرأة المؤمنة المتعهّدة الملتزمة بالحدود الشرعية في مساحات الحياة، تبقى الساحة فارغة تدخلها المرأة غير الملتزمة بدون عناء، إذا المرأة المؤمنة ما فتحت عيادة طبية تفتح المرأة غير الملتزمة العيادة الطبية هذه، المرأة الملتزمة إذا ما كتبت، ما خطبت، ما دخلت الآفاق العلمية والحقول العلمية فإنها تتيح للمرأة غير الملتزمة ان تدخل وتلج غمار هذه المعطيات وتكون خسارة عند ذلك كبيرة تنعكس على مشاركة هذا الوجه غير المضيء للمرأة في شؤون المجتمع، نحن نريد ان نعطي لمجتمعنا الوجه الإسلامي، والطابع الإسلامي والصبغة الإسلامية.

■ تشكل شخصية مريم العذراء (ع) مرتكزاً نموذجياً في الفكر المسيحي، فلا توجد كنيسة ولا مكان تعبد إلا ولها – مريم (ع) – العناية الكبرى فيه، فأين نموذج المرأة الكاملة في الأطروحة الإسلامية – أعم من الشيعية - ؟

ما هي الأمور التي تقف عائقاً أمام التعرف على فاطمة (ع) والتعريف بها ؟ وهل نتحمل نحن الشيعة جانباً من هذه المسؤولية – مسؤولية غياب الرمز الفاطمي في المحافل العامة - ؟

● ينبغي علينا أن نعمل الكثير لإبراز وجه المرأة المؤمنة النموذجية المتمثّلة في الصديقة الزهراء (ع)، والمتمثلة في ابنتها الحوراء زينب (ع) والمتمثلة في المؤمنات العالمات العارفات المجاهدات الواعيات، ينبغي أن نعمل عملاً كثيراً في إبراز وجه المرأة من خلال النساء المؤمنات النموذجيات المثاليات والصديقة الزهراء (ع) هي الوجه الأول والأبرز والأكثر إشراقاً للمرأة المسلمة، وعلينا أن نعمل في هذا الجانب وهو أمر تربوي ومفيد ونافع بلا شكّ..


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا