التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيّ لغير المتخصِّص

التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيّ لغير المتخصِّص

المقدَّمة

إنَّ مسألة التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيّ المقدَّس أصبحت من المسائل الشَّائكة والمختلف فيها بين كثيرٍ من الفئات، ونرى في الواقع العمليِّ أنَّ الفئات المهتمَّة بالنَّصِّ القرآنيِّ كمنطلق لفكرها أصبحت أكثر من السَّابق، فإذا كان في السَّابق قد اقتصر الأمر على المفسِّرين والفقهاء بمختلف مناهجهم واتِّجاهاتهم في التَّفسير فإنَّنا اليوم نشهد حركة نشطة في التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيّ من فئات أخرى غير متخصصِّة في التَّفسير، بل تتعامل معه من منطلقات فكريَّة مختلفة تماماً عن السَّابق، وهذا ما أوجد حالةً من الارتباك والفوضى في التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيّ الَّذي هو المصدر الأوَّل والمتَّفق عليه بين جميع المسلمين، ونتج عن ذلك عدم الوضوح في الضَّوابط والشُّروط الَّتي تتيح للمتصدِّي أن يتعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ، وهل أنَّ لغير المتخصِّص الخوض في كلِّ مساحات القرآن الكريم أم أنَّ هناك مساحة معيَّنة وبشروط معيَّنة يمكن لغير المتخصِّص أن يخوض فيها فيما يتعلَّق بالتَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ؟

ثمَّ إنَّ الفئات الَّتي خاضت في هذا الوادي كثيرٌ منها -إن لم يكن الغالب- لا تشكِّل جبهةً فكريَّة واضحة المعالم، بل هناك أفراد لهم مناهج خاصَّة في ذلك، وهذا ما يعقِّد المسألة بشكل أكثر وأشدَّ.

ونريد في هذا البحث المتواضع أن نبحث عن المنهج الصَّحيح الَّذي يفترض أن يسلكه غير المتخصِّص في التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيّ المبارك، وكذلك عن الشُّروط الَّتي ينبغي توفُّرها، والمساحة الَّتي يمكن له الخوض فيها، وهل هي كلُّ القرآن الكريم، أم بعض مسائله ومواضيعه؟

وتكمن ضرورة البحث في خطورة تصدِّي غير المتخصِّص في الشَّأن القرآنيِّ والخوض فيه دون ضوابط أو شروط ودون معرفة المساحة الَّتي أتاحها الشَّارع المقدَّس ودعا فيها إلى التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ، فإنَّ الخوض كذلك يؤدِّي إلى تحريف وتزييف وتغيير المنظومة الفكريَّة والعقديَّة بل والفقهيَّة للمصدر الأوَّل في الإسلام وهو القرآن الكريم.

والكلام في أربعة محاور:

المحور الأوَّل: أبحاث تمهيديَّة

ينبغي بيانُ مجموعةٍ من المفاهيم والمصطلحات الواردة في البحث حتَّى يكون الكلام سليماً وواضحاً حول محطِّ النَّظر الَّذي یهدف إليه هذا البحث، ومن أهمِّها النَّصُّ القرآنيُّ، والمتخصِّص، وقد يكون حولهما جدل أيضاً في معانيهما كما سيتَّضح إن شاء الله تعالى. 

وهنا مباحث: 

المبحث الأوَّل: بيان مفردات البحث

النَّصُّ لغة:

النَّصُّ من مادَّة نصص ويطلق على (ارتفاع الشَّيء ووصوله إلى غايته ومنتهاه)، قال في كتاب العين: "نص: نصصتُ الحديث إلى فلان نصَّاً أي رفعته.. والمنصّة: الَّتي تقعد عليها العروس. ونصصت ناقتي : رفعتها في السّير.. ونصصت الرّجل: استقصيت مسألته عن الشّيء، يقال: نص ما عنده أي استقصاه . ونص كلّ شيء : منتهاه، وفي الحديث : إذا بلغ النّساء نص الحقاق فالعصبة أولى أي إذا بلغت غاية الصّغر إلى أن تدخل في الكبر.."[1].

وقال في الصِّحاح أيضاً: "ونصصت الرّجل، إذا استقصيت مسألته عن الشَّيء حتَّى تستخرج ما عنده، ونصُّ كلّ شيء: منتهاه، وفي حديث عليّg: «إذا بلغ النِّساء نصّ الحقاق»، يعنى منتهى بلوغ العقل"[2]. وعن الأَزهريّ: "النّصُّ، أَصلُه منتهى الأَشياء ومَبْلغُ أَقْصاها"[3]. فالنَّصِّ هو الشَّيء المرفوع أو منتهى الشَّيء وبلوغ أقصاه.

وقد استنتج الجصَّاص في فصوله من كلمات اللغويِّين أنَّ "النَّصَّ هو الإظهار والإبانة"[4].

النَّصُّ اصطلاحاً:

يطلق النَّصُّ في علم الأصول مقابل الظَّاهر، وكذلك في علوم القرآن، حيث نصُّ الآية مقابل ظاهرها، ولكنَّنا هنا لا نقصد هذا المعنى المقابل للظَّاهر، بل المقصود به أصلُ الكلام، وقد ذكر هذا المعنى الزَّركشيُّ، قال: "ويطلق(النَّصُّ) باصطلاحات: أحدها: مجرَّد لفظ الكتاب والسُّنَّة فيقال الدَّليل إمَّا نصٌّ أو معقول وهو اصطلاح الجدليِّين يقولون هذه المسألة يتمسَّك فيها بالنَّصِّ وهذه بالمعنى والقياس"[5]. فالنَّصُّ هنا أي أصل الكلام المأخوذ من الكتاب أو السُّنَّة بغض النَّظر عن كونه ظاهراً أو مجملاً أو ما شاكل.

النَّصُّ القرآنيُّ:

أصبح مصطلح (النَّصّ القرآنيّ) من المصطلحات الواضحة والمستخدمة في كلماتهم دون التَّعرُّض لمفهومها، فيقال النُّصوص الشَّريفة، ونصُّ الرِّواية، وإطلاق النَّصِّ، ومنه ما ورد في كلماتهم (اجتهاد في مقابل النَّصِّ)، والظَّاهر من متابعة كلمات المتقدِّمين أنَّهم لم يذكروا هذا المصطلح، فهو مصطلح حديث، ربما ذكرت لفظة النَّصِّ المقابلة للظَّاهر في كلمات الأصوليِّين كما تقدَّم، ولكنَّه غير المقصود هنا. 

 فيعلم من ذلك أنَّ المراد من النَّصِّ القرآنيِّ -في هذه الدِّراسة- هو القرآن الكريم نفسه وهو (جميع سوره وآياته وكلماته وحروفه)، سواء كانت نصَّاً بالمصطلح الأصوليِّ أم ظاهرة، وسواء كانت محكمة أم متشابهة، بيِّنة أو مبهمة. 

المتخصِّص في اللغة:

أمَّا في اللغة: مأخوذ من مادَّة "خصص"، وهي بمعنى الاختصاص بالشَّيء والانفراد له، قال الجوهري: الصِّحاح: "خصص: خصَّه بالشَّيء خصوصاً، وخصوصيَّة، والفتح أفصح، وخصيصيّ، وقولهم: إنّما يفعل هذا خصان من النّاس، أي خواصّ منهم . واختصّه بكذا، أي خصّه به. والخاصّة: خلاف العامّة"[6]. وعبارة ابن منظور أوضح في المعنى حيث يقول: "وخصَّصَه واخْتصّه: أَفْرَدَه به دون غيره. ويقال: اخْتصّ فلانٌ بالأَمر وتخصّصَ له إِذا انفرد، وخَصّ غيرَه واخْتصّه بِبِرِّه"[7].

فالمعنى اللغويُّ للمتخصِّص هو: الشَّخص الَّذي ينفرد لشيء معين، والظَّاهر من الانفراد للشَّيء أي بذل جهده له وإعطاؤه الاهتمام الَّذي يحتاجه.

المتخصِّص في الاصطلاح: 

فيطلق لفظ المتخصِّص في كلِّ علمٍ على من ينفردْ لذلك العلم ويعطيه جهده ووقته لمعرفة تفاصيل ذلك العلم، فيقال متخصِّص في الطِّبِّ، ومتخصِّص في الفلك، ومتخصِّص في الفقه، وهكذا.. وهذا المعنى المتعارف على الألسن هو نفسه المعنى اللغويُّ المذكور ولكن مع نسبته إلى علم أو حرفة معيَّنة.

وحيث إنَّنا نتحدَّث عن القُرآن الكريم فالمتخصِّص المقصود في كلامنا (هو المتخصِّص في تفسير القرآن الكريم، والَّذي يلزم منه -كما يأتي- معرفتُه بكلِّ ما يتوقَّف عليه التَّفسير الصَّحيح والسَّليم من علومٍ مذكورة في كتبهم). 

وقد ذكر الشَّيخ السُّبحانيُّ في شروط المفسِّر عن مقدَّمة جامع التَّفاسير للرَّاغب الأصفهانيِّ، "أنَّ المفسِّر  يحتاج إلى علوم عشرة حتَّى يخرج عن كونه مفسِّراً للقرآن برأيه؛ وهي علم اللغة، والاشتقاق، والنَّحو، والقراءات، والسّير، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة"[8].

ومن هذه الشُّروط ربَّما يفهم أنَّ التَّفسير خاصٌّ بالفقيه المجتهد بالإضافة إلى العلوم الأخرى، فغير المجتهد حينئذٍ يدخل في عنوان (غير المتخصِّص) وإن بلغ ما بلغ في العلوم الأخرى.

المنهج لغة واصطلاحاً:

المنهج في اللغة هو "الطَّريق الواضح"[9].

والمنهج في التَّفسير هو الطَّريقة الَّتي يعتمدها المفسِّر في عمليَّة التَّفسير من حيث الأدوات والوسائل والمصادر، فقد يعتمد على العقل وقد يعتمد النَّقل، وفي النَّقل قد يعتمد على الكتاب العزيز وقد يعتمد على الرِّوايات والنُّصوص[10].

المبحث الثَّاني: المفردات الواردة في النُّصوص في شأن التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ

وردت مفردات كثيرة في الآيات والرِّوايات تشير إلى أنحاء التَّعامل مع القرآن الكريم ونصوصه الشَّريفة، بعضها أشبعت بحثاً كلفظة التَّأويل والتَّفسير وبعضها لم يُتطرَّق إليها في كلماتهم، وحسب الاطِّلاع القاصر لا يوجد استقصاء لهذه المفردات وبيان معانيها ووجوه الجمع بينها، والتَّطرُّق إليها جميعاً بالتَّفصيل ليس محلُّه هنا ولكن نحاول الإشارة سريعاً إلى بعض تلك المفردات.

وحسب المراجعة يمكن ذكر المفردات التَّالية: (التَّأويل، التَّفسير، الفهم، التَّدبُّر، القراءة، الحفظ، التَّعلَّم، التَّرتيل والتِّلاوة، دراسة الكتاب، وعي القرآن، جمع القرآن، حمل القرآن، العمل بالقرآن، الاستنارة بالقرآن.. الخ).

التَّفسير: 

التَّفسير لغة: هو بيان وتوضيح وكشف المراد عن الألفاظ المشكلة والغريبة، وكشف وإظهار المعنى المراد للمتكلِّم[11].

وأمَّا اصطلاحاً: فقد ذكرت تعاريف مختلفة، وحيث إنَّ موضوع التَّفسير هو القرآن الكريم الَّذي هو كلام الله تعالى فيمكن أن يكون الجامع للتّعاريف المختلفة أنَّ التَّفسير هو "بيان مراد الله تعالى"[12]، مع الاختلاف في بعض تفاصيل هذا البيان، وإليك تعريفين: الأوَّل للسَّيِّد الخوئيِّS يقول: "التَّفسير هو كشف القناع.. فلا يكون منه حمل اللَّفظ على ظاهره، لأنَّه ليس بمستور حتَّى يكشف"، و"التَّفسير هو إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز"[13]. والثَّاني للعلَّامة الطَّباطبائيِّS وعرَّفه بأنَّه: "بيان معاني الآيات القرآنيَّة، والكشف عن مقاصدها ومداليلها"[14].

التَّأويل: 

وأمَّا التَّأويل: فهو في اللُّغة من الأوْل، والأصل فيه بمعنى "الرُّجوع"[15]، وعن ابن الأثير: "هو من آلَ الشَّيء يَؤُول إِلى كذا أَي رَجَع وصار إِليه"[16]، والرُّجوع إنَّما إلى أصله و"ردُّ الشَّيء إلى الغاية المرادة منه"[17]. ويفهم من صاحب الفروق اللغويَّة الخلاف في المعنى اللغويِّ كما في المعنى الاصطلاحيّ[18].

وأمَّا في الاصطلاح: فنُسِبَ إلى عامَّة المفسِّرين القدماء القول بالتَّرادف بين مفردتي التَّأويل والتَّفسير بخلاف الاتِّجاه العامِّ عند المفسِّرين المتأخِّرين الَّذين يذهبون إلى التَّغاير[19].

ويرى الشَّهيد الصَّدر أنَّ كلَّ الآيات الَّتي ورد فيها لفظ (التَّأويل) لا تتناسب مع معنى التَّفسير، وحمَلَها على كون المراد بتأويل الشَّيء هو "ما يؤول وينتهي إليه في الخارج والحقيقة"، وأنَّ ذلك تفسير للمعنى لا للفظ "أي على تجسيد المعنى العامّ في صورة ذهنيّة معيّنة"[20].

وذكر بعض الباحثين معانٍ كثيرة لمفردة التَّأويل مستلَّة من الآيات والرِّوايات[21]، والصَّحيح حينئذٍ في التَّعامل مع هذه المفردة أنَّها راجعة إلى المصطلح المراد منها، ولا يمكن التَّعامل في كلِّ مورد ذكرت فيه هذه المفردة بمعنى واحد[22].

ومن أهمِّ المعاني الَّتي يمكن أن تطلق على مفردة التَّأويل، هو (البطن)، مقابل الظَّهر الَّذي يتعلَّق به التَّفسير، ففي الرِّواية عن فضيل بن يسار قال: سألتُ أبا جعفرg عن هذه الرِّواية: «ما من القرآن آيةٌ إلَّا ولها ظهر وبطن؟» فقال: >ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى، ومنه ما لم يكن، يجرى كما يجرى الشَّمس والقمر، كما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}(آل عمران:7)، نحن نعلمه<[23].

وعنهe من طرق العامَّة: >أكثر ما أخاف على أمَّتي من بعدي رجل يتأوَّل القرآن يضعه على غير مواضعه<[24].

وعن أمير المؤمنينg -من كتاب له إلى معاوية-: >فعدوت على الدّنيا بتأويل القرآن<[25].

التَّدبُّر:

وهي من المفردات الَّتي كثُر التَّمسُّك بها حالياً للتَّعاطي مع القرآن الكريم من فئات مختلفة، وقد وردت مرَّتين بهذه الصِّيغة في القرآن الكريم، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النساء:82)، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمد:24)، ووردت بقلبِ التَّاء دالاً مع إدغامها مع الدَّال في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ}(المؤمنون:68)، وفي قوله: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(سورة ص:29).

وورد في الحديث عن عليٍّg: >ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر<[26]،

وتحتاج هذه المفردة إلى البحث والتَّحقيق العميق في معناها، ومدى علاقتها ببقيَّة المفردات كالتَّفسير، ونجمل القول فيها هنا.

التَّدبُّر في اللغة: 

الدُّبُر: هو مؤخَّر الشَّيء وآخره، أو ظهره، والدَّابر: أصل الشَّيء وآخره[27].

والتَّدبير: "النَّظر في ما يؤول إليه عاقبة الأمر"[28]، وعرَّفه الرَّاغب، بـ"التّفكّر في دبر الأمور"[29]. ولم يذكر صيغة (التَّدبُّر) كحال كثيرٍ منهم.

والتَّدبُّر في الأمر: "التّفكّر فيه" كما في لسان العرب[30]، وقال الخليل: "وفلان يتدبَّر أعجازَ أمور قد ولّت صدورها، واستدبر من أمره ما لم يكن استقبل، أي نظر فيه مستدبراً فعرف ما عاقبة ما لم يعرف من صدره"[31].

ويستفاد من هذه الكلمات وغيرها أنَّ معنى التَّدبُّر هو: النَّظر والتَّفكُّر في عواقب الأمور الَّتي لم تكن لتعرف وتتبيَّن بمجرد النَّظر السَّاذج. 

ونلاحظ هنا تعريف التَّدبُّر بالتَّفكُّر كما في كلام الرَّاغب وابن منظور، ولكن العسكريّ في الفروق اللغويَّة ذكر فرقاً بينهما، قال: "إنَّ التَّدبُّر تصرُّف القلب بالنَّظر في العواقب، والتّفكٌّر تصرُّف القلب بالنَّظر في الدّلائل"[32]، فيشتركان في كونهما "تصرُّف القلب"، ويفترقان في محلِّ النَّظر والتَّصرُّف.

التَّدبُّر في الاصطلاح

قد يفهم من البعض مساواته بين التَّفسير والتَّدبُّر[33]، ويفهم من بعض عبارات التِّبيان أنَّ التَّدبُّر نوعٌ من التَّفسير[34]. ولكن يفهم من آخرين غير ذلك بل هو قريب من المعنى اللغويِّ: قال الطَّبرسي: "وتَدبُّرُ الآياتِ: التَفَكُّرُ فيها، والاتّعاظِ بِمَواعِظِها"[35]. وقال الزَّمخشري: "وتدبّر الآيات: التَّفكّر فيها، والتَّأمُّل الَّذي يؤدّي إلى معرفة ما يدبّر ظاهرها من التّأويلات الصّحيحة والمعاني الحسنة"[36]. وهذا هو الأقرب؛ حيث لم يثبت معنى آخر للتَّدبُّر في الآية غير المعنى اللغويِّ ولكن منضمَّاً إلى القرآن الكريم، وربما يفهم هذا من كلام العلَّامة الطَّباطبائيِّ أيضاً قال: "التَّدبُّر هو أخذ الشَّيء بعد الشَّيء وهو في مورد الآية التَّأمُّل في الآية عقيب الآية أو التَّأمُّل بعد التَّأمُّل في الآية، لكن لمَّا كان الغرض بيان أنَّ القرآن لا اختلاف فيه، وذلك إنّما يكون بين أزيد من آية واحدة كان المعنى الأوَّل -أعني التَّأمُّل في الآية عقيب الآية- هو العمدة، وإن كان ذلك لا ينفي المعنى الثّاني أيضا"[37]. وإن كان قد استنتجN من ذلك أنَّ القرآن الكريم ممَّا يناله الفهم العاديُّ[38]. فالتَّدبُّر هو نوع من الفهم.

ونكتفي في بقيَّة المفردات بذكر الآيات والرِّوايات..

التِّلاوة:

وردت مفردة التِّلاوة في الكتاب والسُّنَّة، ومن أهمِّ التَّعابير الواردة فيها قوله سبحانه: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}(البقرة:121). وقال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(البقرة:129). {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(البقرة:151). {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}(فاطر:29)، 

وفي نهج البلاغة -في صفة من يتصدَّى للحكم بين الأمَّة وليس لذلك بأهل-: "ليس فيهم سلعةٌ أبور من الكتاب إذا تلي حقَّ تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرف عن مواضعه"[39].

في المحاسن في المرسل عن أبي عبد اللهg في رسالة «وأمَّا ما سألتَ من القرآن فذلك أيضاً من خطراتك المتفاوتة المختلفة؛ لأنَّ القرآن ليس على ما ذكرت، وكلّ ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه، وإنّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حقَّ تلاوته، وهم الّذين يؤمنون به ويعرفونه، فأمَّا غيرهم فما أشدُّ إشكاله عليهم، وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول اللهe: ليس شيء بأبعد من قلوب الرِّجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحيَّر الخلائق أجمعون إلّا من شاء الله، وإنَّما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والنّاطقين عن أمره وأن يستنطقوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم..»[40].

تعلُّم القرآن:

وهو عنوان عامٌّ يحتاج إلى تمحيص المراد منه، وقد وردت فيه روايات كثيرة، منها ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينg قال: >تعلّموا القرآن؛ فإنَّه أحسن الحديث، وتفقَّهوا فيه؛ فإنَّه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره؛ فإنَّه شفاء الصُّدور، وأحسنوا تلاوته؛ فإنَّه أنفع القصص<[41].

وفي المرسلة عن الإمام الصَّادقg: >ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتَّى يتعلَّم القرآن، أو يكون في تعلُّمِه<[42].

وعي القرآن: عن النَّبيe: >لا يعذِّبُ اللهُ قلباً وعى القرآن<[43].

المبحث الثَّالث: تعامل معاصري الوحي مع النَّصِّ القرآنيِّ

كيف كان يتعامل المسلمون الأوائل مع النَّصِّ القرآنيّ خصوصاً مع وجود المعلِّم والمفسِّر الأوَّل لهم وهو رسول اللهe، والَّذي من وظائفه الأساسيَّة هي أنَّه {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(البقرة:129)  و{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:44).

لم ينقل لنا التَّاريخ تفصيلاً واضحاً عن كيفية تعاملهم مع القرآن الكريم، نعم ورد ما يدلُّ على تدوين القرآن الكريم من قبلهم في الصُّحف، وحفظهم له عن ظهر قلب، وترتيله، وحيث إنَّ النبيe كان بينهم فكان التَّعامل الأساس منهم هو تعلُّمهم القرآن من خلال بيانات النَّبيِّe وتفسيره وتبيينه كلَّ ما استشكل عليهم منه. وهذا أمر طبيعيٌّ تقتضيه مستوياتهم الذِّهنيَّة وطبيعة وظيفة النَّبيِّe.

ويرى الشَّهيد محمَّد باقر الصَّدرS أنَّ معاصري الوحي لم يكونوا يفهمون القرآن كلَّه فهماً شاملاً من حيث المفردات والمعاني، فكانوا يحتاجون إلى من يعلِّمهم، وذلك ردَّاً على قول ابن خلدون: "إنَّ القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلُّهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه"[44]، ثمَّ ذكر الشَّهيد شواهد تاريخيَّة على كلامه[45].

نعم، وردت بعضُ ما يدلُّ على تعلُّمهم القرآن وتدارسهم إيَّاه، فعن أبي عبد الرَّحمن السّلمي قال: "حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول اللهe أنَّهم كانوا يأخذون من رسول اللهe عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتَّى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قال: فيعلِّمنا العلم والعمل"[46]. ولكن الظَّاهر من الرِّواية أنَّهم كانوا يأخذون ذلك من النَّبيِّe.

وعن أنس بن مالك قال: "كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً يقال لهم القُرَّاء، قال: كانوا يكونون في المسجد فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة فيتدارسون ويصلُّون"[47].

وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: "جاء ناسٌ إلى النَّبيِّ فقالوا: أن ابعث معنا رجالاً يعلِّمونا القرآن والسُّنَّة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم القُرَّاء، فيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون"[48].

وعن ابن مسعود، قال: "كان الرّجل منَّا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتَّى يعرف معانيهن والعمل بهنَّ"[49].

ولكن من غير الواضح في هذه الرِّوايات -لو صحَّت- ماهيَّة هذه المدارسة للقرآن الكريم، نعم هي تدلُّ على أكثر من القراءة ظاهراً. نعم، ذكر أنَّه عرف عن بعضهم بتفسير القرآن الكريم وهم أربعة عليٌّg وابن عبَّاس وابن مسعود وأبيّ بن كعب[50]، وأعظمهم عليٌّg  ثمَّ تلميذه ابن عبَّاس[51].

المحور الثَّاني: المساحة الخاصَّة بالمعصوم والمتخصِّص في التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ

لا شكَّ ولا ريب بأنَّ التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ له مساحة واسعة، وهو -على أقلِّ تقدير- من العلوم الَّتي لا يمكن ولوجها بعرضها العريض دون دراية وعلم ومعرفة كحال كلِّ العلوم الدِّينيَّة وغيرها، فلا يمكن لأحدٍ أن يجرأ ويدَّعي أنَّ البابَ مفتوحٌ لكلِّ النَّاس بحجَّة كونِ القُرآن الكريم نزل بلغةٍ سهلةٍ يفهمها كلُّ النَّاس.

ثمَّ إنَّه يمكن النَّظر إلى آيات القرآن الكريم من زاويتين مهمَّتين يكون من خلالهما تحديد المساحة الَّتي تتاح لكلِّ فرد من النَّاس:

فتارة ننظر إلى الآيات من زاوية نوعيَّة الآيات وطبيعة موضوعها الَّتي تتحدَّث عنه، فهل تتحدَّث عن التَّاريخ أم الفقه أو العقيدة أم الأخلاق أم القيم والمبادئ إلخ.. 

وتارة ننظر من زاوية طبيعة التَّعامل معها، فهل نريد تأويلها أم تفسيرها، أم التَّدبُّر والتَّفكُّر في معناها، أم الفهم العامَّ لها، ننظر إلى ظاهرها أم باطنها، وهل هي محكمة أم مجملة.. نريد استخراج المعاني البلاغيَّة منها ووجه الإعجاز فيها أم استنباط حكم شرعيٍّ منها، وهكذا..

من الواضح أنَّ التَّعامل سيكون متاحاً لفئة معيَّنة دون أخرى بالنَّظر إلى هاتين الزَّاويتين.. وسنتحدَّث بشكل موجز عن المساحة الخاصَّة بالمعصومg، والمساحة الخاصَّة بالمتخصِّص من المفسِّرين.

المبحث الأوَّل: المساحة الخاصَّة بالمعصومg

ونقصد بالمعصوم هنا هو رسولُ اللهe والأئمَّة الاثنا عشرi الَّذين ثبتت عصمتهم بالأدلَّة، ويمكن الاستدلال على اختصاص المعصومg بمساحة لا يزاحمُه فيها أحدٌ فيما يتعلَّق بالتَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ، من خلال الأدلَّة النَّقليَّة والعقليَّة.

وبدءاً نقول بأنَّه لا يمكنُ لأحدٍ دعوى قدرتِه على تفسير كلِّ آية وكلمة في الكتاب الكريم بشكلٍ كامل، ومعرفة ظاهر القرآن وباطنه، والعلم بكلِّ تفاصيله؛ فإنِّها دعوى عظيمة لا أظنُّ أنَّ أحداً تجرَّأ عليها غير المعصومg. 

1ـ دلالة الرِّوايات الشَّريفة 

معرفة الباطن وحقيقة القرآن:

وردت روايات كثيرة تدلُّ على اختصاص المعصومg بعلم القرآنِ كلِّه، ففي الرِّواية عن جابر عن أبي جعفر الباقرg أنَّه قال: >ما يستطيع أحدٌ أنْ يدَّعي أنَّه جمعَ القرآنَ كلَّه، ظاهرَه وباطنَه غيرُ الأوصياء<. وعنه أيضاً قال: >ما من أحدٍ من النَّاس يقول إنَّه جمعَ القرآن كلَّه كما أنزلَ الله إلّا كذَّاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزلَ اللهُ إلا عليُّ بن أبي طالب والأئمّة من بعده<[52].

فهاتان الرِّوايتان وغيرهما أشارتا إلى اختصاص المعصومg بباطن القرآن الكريم، -وقد تقدَّم أنَّ البطن من معانيه (التَّأويل)-، ومعرفة حقيقة القرآن وواقعه >كما أنزلَ اللهُ<، وفيه إشارة إلى عصمة هذا العلم، فغيرهم علمه ومعرفته غير معصومة. 

التَّأويل:

وممَّا يدلُّ على اختصاصهم بـ(التَّأويل) ما رواه الكلينيُّ والصَّفار عن أبي الصَّباح قال: والله لقد قال لي جعفر بن محمَّدg: >إنَّ اللهَ علَّمَ نبيَّه التَّنزيلَ والتَّأويل، فعلَّمه رسول الله‌e عليّاً<، قال: >وعلَّمنا والله<[53]، بل تدلُّ على اختصاصهم بالتَّنزيل أيضاً، ومعناه حينئذٍ كلُّ القرآن. وعن أبي عبد اللهg قال: >نحن الرَّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويلَه<[54].

وقال الأميرg في نهج البلاغة: >بهم عُلِمَ الكتابُ وبه عَلِمُوا، وبهم قام الكتابُ وبه قاموا<[55].

وعن زرارة، عن أبي جعفرg قال: >تفسيرُ القرآن على سبعة أوجه، منه ما كان ومنه ما لم يكن بعد ذلك تعرفه الأئمَّة<[56]. والظَّاهر أنَّ المقصود من التَّفسير هنا ما يعمُّ التَّأويل والباطن حيث فيه >ما لم يكن<، وهو العلم بالغيبيَّات والمستقبل.

وعن بريد بن معاوية، عن أحدهماi في قوله اللهa: «{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، فرسول اللهe أفضل الرَّاسخين في العلم، قد علَّمه اللهa جميع ما أنزل عليه من التّنزيل والتّأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاُ لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه، والّذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله: {يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كلّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، والقرآن خاصّ وعامّ، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالرِّاسخون في العلم يعلمونه<[57]. وظاهره اختصاص ذلك بهم.

2ـ الدَّليل العقليُّ على اختصاص المعصوم بعلم بعض القُرآن

يمكن لنا الاستدلال على اختصاص المعصومg بمساحة معيَّنة من معرفة القرآن الكريم بالدَّليل العقليِّ، وذلك من خلال المقدَّمات التَّالية:

دلَّ الدَّليل على اشتمال القرآن الكريم على كلِّ شيء: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام:38)، وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}(النحل:89)، وفي المرسل عن المعلَّى بن خنيس قال: قال أبو عبد اللهg: >ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان إلّا وله أصلٌ في كتابِ الله، ولكن لا تبلغه عقول الرِّجال<[58]، وغيرها من الرِّوايات الَّتي تورث الاطمئنان بصحَّة هذا المضمون.

ليس من الحكمة أن يكون في القرآنِ كلُّ شيء ثمَّ يجهله الجميع بما فيه المعصوم‌g‌[59].

في القرآن باطن وتأويل-كما مرَّ- وفيه ظاهرٌ لا يفيد سوى الظَّنِّ -حتَّى على المشهور من حجيَّة الظَّاهر- والباطن لا يمكن معرفته إلَّا عن طريق النَّقل المنحصر طريقه بالمعصومg، والظَّاهر وإن كان حجَّة -لا أقلَّ في الآيات الفقهيَّة التَّعبُّديَّة- إلَّا أنَّ التَّعبُّدَّ بحجيَّته شيء والقطع بكونه هو المراد شيء آخر، ولا سبيل لمعرفة أنَّه مراد أو لا، إلَّا النَّقل المختصَّ بالمعصومg أيضاً.

وينتج ممَّا مرَّ: أنَّ بعض القرآن الكريم وهو باطنه، وحقيقة المراد من ظواهره مختصٌّ معرفته بالمعصومg وهو المطلوب. وتفصيل البحث له محلٌّ آخر[60].

المبحث الثَّاني: المساحة الخاصَّة بالمتخصِّص

ونقصد بالمتخصِّص هنا هو التَّخصُّص بلحاظ (تفسير القرآن) كما هو الحال فيمن تعرَّض لهذا المطلب، فيقال شروط المفسِّر، والعلوم الَّتي يحتاجها المفسِّر، ولا يشمل بقيَّة المفردات الأخرى المتقدِّمة.

وكذلك ليس التَّخصُّص بلحاظ معرفة علوم القرآن الكريم الَّتي هي من مقدَّمات التَّخصُّص في التَّفسير.

وهنا تثار جدليَّة واسعة حول عنوان المتخصِّص في القرآن الكريم من قبل كثير من المثقَّفين والحداثيِّين بالخصوص، فتارة تثار مسألة أنَّ معرفة القرآن الكريم وتفسيره ليس حكراً على جماعة خاصَّة من النَّاس وهم (المفسِّرون) المتوفِّرون على الشُّروط الخاصَّة المذكورة في كتبهم، بل كلُّ من يمتلك الأدوات من عامَّة النَّاس فله الاستفادة والاستزادة من معين هذا الكتاب المساوي، وتارة يصل الجدال إلى حدِّ إنكار ضرورة التَّخصُّص، فمعرفة القرآن الكريم لا يحتاج إلى تخصُّص.. وسوف نتجاوز الحديث عن الجدليَّة الثَّانية؛ لأنَّها في الحقيقة لا تحتاج إلى نقاش بالنِّسبة إلى المنصف؛ لأنَّ إنكار ضرورة التَّخصَّص هنا يعني دعوى أنَّ علمَ القرآن وتفسيره وما يتعلَّق به هو أهون وأسهل من علم الفلك والطِّبِّ والهندسة والميكانيك والنِّجارة وغيرها من العلوم العقليَّة والإنسانيَّة والمهن الحرفيَّة!!

نعم الكلام يأتي مع الجدليَّة الأولى وهي من هو المتخصِّص بعد الإقرار بضرورة التَّخصُّص؟ وهذا بحث طويل الذَّيل، وربما لم يفرد له بحثٌ بشكلٍ موسَّع وبصورة استدلاليَّة شاملة لكلِّ علم من العلوم المدَّعى ضرورة دخالتها في المفسِّر[61].

وما يسعه المقام هو الإشارة السَّريعة لأهمِّ هذه العلوم المفترض دخالتها في عمليَّة التَّفسير.

وقد ذكر بعضهم اتَّفاق المفسِّرين على ضرورة معرفة مجموعة من العلوم، وهي "العلوم الأدبيَّة، علوم القرآن، علوم الاستنباط(فقه، وأصول الفقه)، وعلوم الحديث «دراية ورجال»، وعلم الكلام، وعلم التَّاريخ، وعلم الموهبة"[62]. والظَّاهر عدم صحَّة دعوى الاتِّفاق على هذه العلوم.

وإجمالاً نقول: بأنَّ التَّفسير لمعرفة مراد الله سبحانَه في آياته يحتاج إلى النَّظر في كلِّ علمٍ يحتمل دخالتَه في ذلك؛ حيث نسبة شيءٍ إليه دون علمٍ محرَّمٌ بلا شكٍّ ولا ريب، فلا يكفي نفي دخالة علم معيَّن إلَّا عن دليل وبرهان، وكذلك إثبات دخالته. وقد ورد عن الإمام الحسينg في جوابه على سؤال أهل البصرة عن معنى (الصَّمد): >فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلّموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدّي رسول اللهe يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوّء مقعده من النّار<[63].

1ـ العلوم العربيَّة

والَّتي تشمل اللغة والنَّحو والصَّرف والبلاغة، ولا نحتاج إلى دليل في أصل الحاجة إليها؛ فإنَّ التَّفسير إنَّما هو لكلامٍ عربيٍّ جرى على نحو ما يتكلَّم به أهلُ اللُّغة بشكلٍ عامٍ، ولو ثبتَ وجودُ خصوصيَّة وبعض الاصطلاحات الخاصَّة بالقرآن الكريم فهو يؤكَد هذه الحاجة ولا ينفيها. خصوصاً أنَّنا لا نقصد بالتَّفسير شرح الكلمات فقط، بل كشف القناع كما عبَّر السَّيد الخوئيُّ، بل حتَّى شرح المفردات تحتاج إلى معرفة اللغة حيث الاختلاف في المعاني اللغويَّة في كثير من المفردات، وكذلك بلحاظ حصول التَّطوُّر على بعض المفردات في اللغة يولِّد الحاجة في معرفة أنَّ اللفظة الفلانيَّة باقية على حالها أم لا، والأخذ بأيِّ معنى كيفما اتَّفق مع وجود الاختلاف أو احتمال التَّبدُّل والتَّطوُّر على المفردة هو من القول بغير علم.

نعم، يبقى الكلامُ بالنِّسبة إلى مستوى الحاجة إلى هذا العلم، وقد ذكر الشَّهيد الصَّدر أنَّ الحاجة تختلف باختلاف الجوانب الَّتي يريد المفسِّر معالجتها من القرآن الكريم[64]، دون ذكر مزيدٍ من التَّفصيل. 

والأثرُ الواضح لمعرفة هذا العلم يتجلَّى في الموارد الَّتي حصل الاختلاف فيها، مثل قولِه تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ}(آل عمران:7)، وهل أنَّ الواو عاطفة أم استئنافيَّة؟ وما يلزم منه تبدُّل المعنى على التَّقديرين. والنَّماذج كثيرة.

2ـ علوم القرآن

والَّتي يدخل فيها معرفة النَّاسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ومعرفة أسباب النُّزول، ووجوه الإعجاز، والقراءات، والمكِّي والمدنيّ الخ، وذلك لمدخليَّة هذه العلوم في فهم القرآن وتفسيره التَّفسير الصَّحيح؛ باعتبار أنَّها تمثِّل قرائن داخليَّة أو خارجيَّة تؤثِّر في فهم المقصود من الآية، بل في كثير من الموارد لا يمكن فهم المعنى إلَّا بذلك.

بل يذهب الشَّهيد الصَّدر إلى ضرورة أن يكون للمفسِّر اجتهاد في المنهج العامِّ للتَّفسير[65]. وهو في محلِّه، حيث المنهج يترتَّب عليه الوصول إلى نتائج مختلفة في تفسير الآيات باختلاف ذلك المنهج، وحينئذٍ الأخذ بأيِّ منهج كان إمَّا هو قول بلا علم، أو هو تقليد للآخرين، وليس تفسيراً حقيقيَّاً حينئذٍ.

3ـ الفقه وأصول الفقه:

ضرورة هذين العِلْمَين واضحة لا أقلَّ في مسألة آيات الأحكام الَّتي لا تقلُّ عن خمسمائة آية، فغير المجتهد الفقيه والمتضلِّع في علم الأصول أنَّى له باستنباط الحكم الفقهيِّ من هذه الآيات دون الآليَّات المتوقِّفة عليه، فكما لا يجوز استنباط الحكم الشَّرعيِّ من الرِّوايات دون اجتهاد وفقاهة، فكذلك بالنِّسبة إلى الاستنباط من الكتاب العزيز، فإنَّ المدار واحد، ولهذا نرى أن العلَّامة الطَّباطبائيَّS -مع اعتقاده نظريَّاً بإمكانيَّة تفسير القرآن دون الحاجة إلى الرِّوايات- يحيل في كثير من الأحيان في آيات الأحكام إلى علم الفقه، يقول‌S في مقدَّمة تفسيره: "وأمَّا آيات الأحكام، فقد اجتنبنا تفصيل البيان فيها لرجوع ذلك إلى الفقه"[66]، وقال في آية الدَّين وما بعدها(البقرة: 282-283): "إنّ الآيتين تدلّان على ما يقرب من عشرين حكماً من أصول أحكام الدّين والرّهن وغيرهما، والأخبار فيها وفيما يتعلَّق بها كثيرة لكن البحث عنها راجع إلى الفقه، ولذلك آثرنا الإغماض عن ذلك فمن أراد البحث عنها فعليه بمظانه من الفقه"[67]

وقال في مورد ثالث: "وفي هذه الآية والآيات السّابقة مباحث فقهيّة جمّة ينبغي أن يراجع فيها كتب الفقه"[68].

نعم، ذكر الشَّيخ السُّبحانيُّ أنَّ الحاجة لعلم الأصول ليس في كلِّ أبحاثه بل بعضها وهي الَّتي لها دخالة بالكتاب[69].

ثمَّ إنَّ المرتبة الَّتي ينبغي الوصول إليها في هذين العلمين هي مرتبة الاجتهاد والقدرة على الاستنباط؛ فإنَّ غير ذلك لم يدلَّ الدَّليل على جوازه في التَّفسير، فيدخل في (القول بغير علم).

نعم، يفهم من عبارات بعض العلماء أنَّه حتَّى آيات الأحكام لا يشترط فيها الفقاهة إذا نظر إلى الجوانب الأخرى فيها غير الأحكام الشَّرعيَّة[70]

ونكتفي بهذه العلوم لكونها الأهمَّ.

والنَّتيجة إلى هنا: أنَّ غير المتضلِّع في العلوم العربيَّة وعلوم القرآن بتفاصيله المهمَّة والَّتي لها المدخليَّة في فهم القرآن الكريم، وغير المجتهد في علمَي الفقه وأصوله لا يحقُّ له ممارسة عمليَّة التَّفسير، وأنَّ التَّفسير من قبله حينئذٍ يدخل في القول بغير علم.

المحور الثَّالث: المساحة المتاحة لغير المتخصِّص للتَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ

نصل إلى لبِّ البحث، والسُّؤال الأساسيّ بعد كلِّ ما مرَّ، وهو ما الَّذي تبقَّى حينئذٍ إلى غير المتخصِّص في تعامله مع النَّصِّ القرآنيِّ إذا أخرجنا عنه التَّأويل الخاصَّ بالمعصوم‌g والتَّفسير الخاصَّ بالمعصوم والمتخصِّص؟

والحال أنَّ ما مرَّ من بعض الرِّوايات تحثُّ عموم المؤمنين على الارتباط بالقرآن وقت الفتن، وتدارسه وتعلُّمه، والآيات عامَّة في الحثِّ على تدبُّره والتَّفكِّر فيه، واستخلاص العبر منه.

والجواب على ذلك في نقاط عدَّة:

المبحث الأوَّل: الخوض في القرآن بغيرِ علمٍ

ينبغي أن يعلمَ أوَّلاً أنَّه ليس من الضّروريِّ التصوُّر أنَّ كلَّ فردٍ لا بدَّ أن يقتحمَ كلَّ علمٍ من العلوم ويكون له حظٌّ فيه، فكم من العلوم ليس لنا حظٌّ فيها إلَّا اسمها لكونها عميقة وصعبة. ولديك علم الفقه فغير المتخصِّص -وهو غير الفقيه المجتهد- حتَّى لو أحاط ببعض المقدَّمات ونال مقداراً من العلم فيه؛ فإنَّه يبقى ممنوعاً عليه الخوض فيه ما عدا نقل أقوال الفقهاء بعد فهمها.

وهنا كذلك فليس من الضروري أن يعتقد الإنسان بأنَّه يجب أن يكون له حظٌّ في التَّفسير مع فقدانه للأهليَّة، والتَّباكي من البعض على ذلك فيه ما فيه من الأسلوب العاطفيِّ الخالي من العلميَّة ومن التَّمسُّك بالبرهان والدَّليل.

المبحث الثَّاني: أقسام غير المتخصِّص

يمكن أن نقسِّم غير المتخصِّص في التَّفسير إلى عدَّة أقسام.

القسم الأوَّل: وهو الإنسان العامِّيُّ البحت والَّذي لا يمتلك أيَّ حظٍّ من العلوم، فهذا لا شكَّ أنَّ مساحة التَّعامل مع النَّصِّ القرآن بالنِّسبة إليه محدودة جدَّاً وربما لا تتعدَّى القراءة والتَّرتيل، والتَّأمُّل السَّاذج إن صحَّ التَّعبير، ودون استخراج أيِّ شيء من المعاني والمضامين القرآنيَّة.

القسم الثَّاني: وهو غير المتخصِّص ولكن لديه مقدار من العلم والمعرفة العامَّة والَّتي قد يقال بأنَّه يتمكَّن من عمليَّة التَّدبُّر والتَّفكِّر في آيات القرآن الكريم واستخراج بعض الأفكار والمضامين.

وينبغي هنا التَّفصيل في بيان الغرض من التَّدبُّر، ولماذا حثَّ القرآن الكريم عليه؛ لنعرف مقدار ما يتاح لهذا القسم من النَّاس من التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ العزيز. وربما يقال هنا بأنَّ المقدار المتيقَّن هي الآيات الموجبة للخشوع والخضوع وهي آيات الوعد والوعيد وما شاكل..

يقول المحدِّث البحرانيُّ في ردِّه على الاستدلال بآية التَّدبُّر في جواز العمل بالكتاب: "أنَّا- كما سيتضح لك- لا نمنعُ فهمَ شيء من القرآن بالكلّيّة، كما يدّعيه بعضهم، ليمتنع وجود مصداق الآية، فإنَّ دلالة الآيات على‌الوعد والوعيد والزّجر لمن تعدَّى الحدود الإلهيّة، والتّرغيب والتّرهيب ظاهرٌ لا مرية فيه، وهو المراد من التَّدبُّر في الآية كما ينادي عليه سياق الكلام"[71].

القسم الثَّالث: وهم الّذين تخصَّصوا -بالمعنى العرفيّ للتَّخصُّص- بعلوم القرآن، كما هو الحال اليوم في الجامعات والمعاهد العلميَّة الَّتي من ضمن فروعها التَّخصص في علوم القرآن أو التَّفسير والتَّفسير المقارن وما شاكل، وكذلك المهتمِّين بالشؤون القرآنيَّة بشكل مكثَّف قراءة وبحثاً وكتابة، وهذا القسم له حظٌّ أكثر من القسم السَّابق..

وهذا القسم ما لم يصل مرتبة الاجتهاد فمحجور عليه التَّفسير فضلاً عن التَّأويل، وأمَّا ما يتعلَّق بالتَّدبُّر فيشارك القسم السَّابق في ذلك المقدار، ولكن ما هي طبيعة هذه الاستفادة، هذا ما يحتاج إلى التَّفصيل والتَّوضيح.

ولنضرب مثالين من القرآن الكريم لبيان المطلب:

الآية الأولى: قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}(البقرة:193).

تبرز لنا عدَّةُ أسئلةٍ ونحن نقرأ هذه الآية الشَّريفة:

1. هنا أمر، ظاهره وجوب قتال الَّذين يقاتلون المؤمنين مغيَّى بانتفاء الفتنة، وكون الدِّين لله، أو انتهاء المشركين عن القتال، وهذه مسألة فيها جانب فقهيٌّ تحتاج إلى ضمِّ الأدلَّة الأخرى؛ حتَّى نعرف حقيقة هذا الوجوب إذا صحَّ كون الأمر هنا مولويَّاً.

وهذه مَهمَّة الفقيه، وأمَّا الاقتصار على التَّفسير بظاهر الآية فقط فسيكون فيه نقص في الوصول إلى النَّتيجة والمعنى النِّهائيِّ للآية.

2. ما هو المقصود من الفتنة هنا؟ وما هو المقياس في انتفائها؟ وما هو معنى أن يكون الدِّين لله؟ فعلى فرض معرفتنا بأصل الوجوب لا بدَّ من معرفة الفتنة ومقياس انتفائها، ومعرفة معنى كون الدِّين لله، فهل المتخصِّص بالمعنى المذكور له الحقُّ في ذلك أم لا؟!

3. ماذا نصنع مع الرِّواية المفسِّرة لهذه الآية الشَّريفة وهي صحيحة محمَّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفرg: قول اللهa: {وَقَاتِلُوهُمْ حتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}، فقال: >لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إنَّ رسول اللهe رخَّص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم، لكنَّهم يقتلون حتَّى يوحِّد اللهa وحتَّى لا يكون شرك<[72]. فهل نأخذ بهذه الرِّواية أم لا؟ وما معنى التَّأويل فيها؟ ثمَّ إنَّها تدلُّ على عدم وجوب القتال، بينما الآية تتحدَّث عن الَّذين يقاتلون المؤمنين كما هو حال سياق الآيات الشَّريفة، فهل يكون القتال محرَّماً معهم، أم مباحاً أم ماذا؟

4. عند مراجعة كتب التَّفسير[73]، سنجد اختلافات كثيرة في كون الآية ناسخة أو منسوخة، ومعنى الفتنة، ومعنى دين الله، ومعنى العدوان، وإلخ، فبم يأخذ المتدبِّر، بل هل يدخل هذا في التَّدبُّر أم التَّفسير؟ وهل يشمل الوجوب على فرضه الشَّهر الحرام أم لا[74]؟

5. ما هي مساحة التَّدبُّر في الآية؟ هذا يحتاج إلى مزيد تمحيص، حتَّى يعرف الشَّخص المساحة المباحة له فيها، دون اقتحام المساحات الأخرى.

وربما يمكن القول بأنَّ من موارد التَّدبُّر في الآية الشَّريفة ما يستفاد منها بعد أخذ معناها الأوليِّ من المفسِّرين كما ذكره العلَّامة الطَّباطبائيُّ في بحثٍ تحت عنوان (كيف ظهرت الدَّعوة الإسلاميَّة؟) وطريقة العلَّامة في تفسيره هو ذكر هذه البحوث بعد تفسير الآية حيث يقول فيما يقول: «يقول جلّ شأنه {وَقَاتِلُوهُمْ حتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فالقتال إنِّما هو لدفع الفتنة لا لاعتناق الدِّين والعقيدة. فالإسلام لا يقاتل عبطة واختياراً، وإنّما يحرجه الأعداء فيلتجئ إليه اضطراراً، ولا يأخذ منه إلّا بالوسائل الشِّريفة فيحرّم في الحرب والسّلم التّخريب والإحراق والسّمّ وقطع الماء عن الأعداء كما يحرّم قتل النّساء والأطفال وقتل الأسرى، ويوصي بالرّفق بهم، والإحسان إليهم مهما كانوا من العداء والبغضاء للمسلمين، ويحرّم الاغتيال في الحرب والسّلم، ويحرّم قتل الشّيوخ والعجزة ومن لم يبدأ بالحرب، ويحرّم الهجوم على العدوّ ليلاً، «فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»، ويحرّم القتل على الظّنّة والتّهمة، والعقاب قبل ارتكاب الجريمة، إلى أمثال ذلك من الأعمال الَّتي يأباها الشّرف والمروءة والَّتي تنبعث من الخسّة والقسوة والدّناءة والوحشيّة.."»[75].

الآية الثَّانية: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}(الإسراء:73-75).

تبرز هنا أيضاً مجموعة كبيرة من التّساؤلات الَّتي تحتاج إلى معرفة أنَّها من نوع التَّأويل أو التَّفسير أو التَّدبُّر أو الفهم العامِّ.

1. من هم الَّذين حاولوا فتنة النَّبيِّe؟ وما هي أسباب النُّزول؟ فقد ذكرت أسباب متعدِّدة[76].

2. ما معنى تثبيت النَّبيِّe؟ وما معنى الرُّكون إليهم؟ وهل فعلاً تأثَّر النَّبيُّe بحيث كاد أن يركن إليهم؟ ألا ينافي ذلك عصمتهe؟ وهذا بحث عقَديٌّ، يؤكد الحاجة إلى معرفة علم الكلام بالنِّسبة للمفسِّر.

3. روى القمِّيُّ في تفسيره عن الإمام الصَّادقg في قوله {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} قال: >يعني أمير المؤمنينg:< {وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} >أي صديقاً لو أقمت غيره<[77]، وهنا يبرز المنهج، فهل يعتمد المنهج الرِّوائيَّ أو لا؟ ويبرز علم الرِّجال، فهل تفسير القمِّيِّ الموجود بأيدينا ثابت النِّسبة لعليِّ بن إبراهيم أو لا؟ وعلى فرض ثبوت النِّسبة هل الرِّواية تكون صحيحة أم لا؟ وعلى فرض الصِّحة هل يكون خبر الواحد حجَّة في فهم الكتاب مطلقاً أو بشرط حصول الاطمئنان؟ وهذه مسألة أصوليَّة. ثمَّ إنَّ الرِّواية فيها تأويل حيث طبِّقت على عليِّg فهل نأخذ به أم لا؟

فنرى هنا دخالة علوم القرآن(أسباب النُّزول) وعلم الكلام والرِّجال وأصول الفقه، وكذلك منهج التَّفسير في الحصول على جواب شافٍ لهذه الأسئلة وغيرها، وغير المتخصِّص لن يكون بإمكانه الجواب على ذلك.

4. أين مورد التَّدبُّر والتَّفكِّر والوعي في الآية؟

يمكن أن يقال: من وجوه التَّأمُّل والتَّدبُّر أنَّ الإنسان مهما بلغ من المقام فهو محتاج إلى الله سبحانه لعصمته من الوقوع في الخطأ، فالآية الكريمة تطرح اسم النَّبيِّe وهو المعصوم الأعظم، فهي من باب فرض المحال ليس بمحال.

بل إنَّ الإنسان كلَّما اقترب من الله سبحانه وقامت عليه الحجَّة أكثر من الآخرين فإنَّ عقابه -عند المعصية والمخالفة- تكون أشدَّ. وهكذا يمكن التَّدبُّر في جهات أخرى في الآية.

المبحث الثَّالث: أنواع الآيات القرآنيَّة وطبيعة التَّعامل معها

قلنا في مقدَّمة المحور الثَّاني أنَّ الآيات القرآنيَّة لها موضوعات مختلفة، فبعضها فقهيَّة وأخرى عقديَّة وفكريَّة وتاريخيَّة إلخ.. وما مرَّ في التَّطبيقين السَّابقين في الآتيين يشير إلى ذلك، ونريد في هذا المبحث إشارة أخرى سريعة.

1. الآيات الفقهيَّة:

يقول الفاضلُ التُّونيُّ: "والمشهور: أنَّ الآيات المتعلّقة بالأحكام نحو من خمس مئة آية، ولم أطّلع على خلاف في ذلك"[78]. ويقول المقداد السّيوريّ: «اشتهر بين القوم أنّ الآيات المبحوث عنها نحو من خمسمائة آية وذلك إنّما هو بالمتكرّر والمتداخل»[79]. ويرى بعضٌ أنَّه لا يمكن حصرها في عددٍ معيَّنٍ للاختلاف في تفسيرها ودلالتها[80]. وفي الرِّوايات أنَّ ثلث القرآن أو ربعه >فرائض وأحكام<[81].

ومهما يكن العدد فإنَّه ليس بالقليل، ومن هذه الآيات تستنبط مئات الأحكام الشَّرعيَّة، وهذا ما يؤكِّد خطورة التَّعامل معها في جانبها الفقهيِّ لغير الفقيه المتخصِّص.

وتبقى الجوانب الأخرى في هذه الآيات محلَّاً للتَّأمُّل والتَّفكِّر، ويمكن استخراج النُّكات البلاغيَّة، ووجوه الإعجاز، والجوانب الأخلاقيَّة والرُّوحيَّة والتَّاريخيَّة، وكلُّ ذلك حسب الضَّوابط والشُّروط.

فالمساحة هنا لا تشمل نفس الحكم الشَّرعيَّ المستنبط من الآية، بل يؤخذ الحكم من الفقهاء، ولا يصحُّ بحال من الأحوال ردُّ كلام الفقهاء بحجَّة دلالة الآية على خلاف ما ذهبوا إليه؛ حيث إنَّهم حسب الفرض إنَّما ذهبوا لحكم معيَّن بعد النَّظر في هذه الآيات بالإضافة إلى الرِّوايات والأدلَّة الأخرى.

2. الآيات العقَديَّة:

مثل الآيات الدَّالة على التَّوحيد والآيات الظَّاهرة في التًّجسيم، والنُّبوة، ومعاجز الأنبياء، والمعاد، والإمامة، وتفاصيل ذلك.

وهذا النَّوع من الآيات قد لا يشترط فيه الفقاهة -على القول باختصاص شرطيَّة الاجتهاد بآيات الأحكام-، ولكن لا يعني أنَّ تفسيرها لا يشترط فيه الاجتهاد في علم الكلام والعقيدة؛ حيث ثبت بالقطع واليقين أنَّ بعض الآيات لا يمكن حملها على ظاهرها بسبب قطعيَّة بطلان الظَّاهر البدويِّ منها.

مثلاً في قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}(طه:121)، حينما نلغي علم الكلام والعقيدة الثَّابتة في عصمة الأنبياءi فسوف نفهم من ظاهر الآية الشَّريفة حصول المعصية من آدمg، ويلزم منه جواز المعصية عليه وعلى غيره من بقية الأنبياء، ومن الآثار الكبيرة لذلك هو طبيعة تعامل النَّاس مع الأنبياء حينئذٍ، فتجويز الخطأ بل المعصية يعني عدم الوثوق بما يصدر منهمi، وغيرها من الآثار السُّلوكيَّة والفكريَّة.

المحور الرَّابع: المنهج والشُّروط للتَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ لغير المتخصِّص

المبحث الأوَّل: المنهج

إذا كان منهج التَّفسير -كما مرَّ- هو ما يعتمد عليه المفسِّر من مصادر كالكِتاب والسُّنَّة أو العقل والاجتهاد أو العلم الحديث، فإنَّنا لا نتحدَّث هنا عن التَّفسير لكونه خاصَّاً بمن توفَّرت فيه شروط المفسِّر ، بل بالتَّدبُّر والتَّفكر والتَّعامل بشكل عامٍّ مع النَّصِّ القرآنيِّ، فما هو المنهج هنا؟

إذا كان معنى المنهج لغةً هو الطَّريق الواضح -كما تقدَّم- فما هو الطَّريق الَّذي ينبغي أن يسلكه غير المتخصِّص في تعامله مع النَّصِّ القرآنيِّ؟ وما هي المصادر الَّتي سوف يعتمد عليها.

هنا، لا بدَّ أوّلاً أنْ نرجع إلى الكتاب والسُّنَّة فيما بيَّنوه لنا من المصادر الصَّحيحة للتَّدبُّر والتَّفكِّر، وقد يبرز عندنا إشكال محوريٌّ وهو: كيف نرجع إلى الكتاب لتحديد المنهج ونحن غير متخصِّصين في التَّفسير، فهل سنستفيد من التَّدبُّر، فيلزم الدَّور؟

والجواب: أنَّ استخراج المنهج إذا كان معتمداً على آيات التَّدبُّر والتَّفكِّر مثلاً فلا بدَّ في الوصول إلى معناها الصَّحيح أوَّلاً، وهو متوقِّف على التَّفسير. والتَّفسير لا يصحُّ إلَّا من المتخصِّص، فيؤخذ منه المنهج. وإذا كان معتمداً على الرِّوايات الشَّريفة، فالأمر كذلك يحتاج إلى من هو متخصِّص في علم الحديث وما يتعلَّق به من ضوابط، ولا يصحُّ منطقيَّاً لغير المتخصِّص تحديد المنهج لنفسه.

فإنَّه إمَّا سيعتمد على الكتاب أو السُّنَّة أو العقل المحض أو الرَّأي، والأوَّل والثَّاني يلزم منه القول بغير علم لما تقدَّم، والثَّالث وهو العقل قد يكون له دور ولكنَّه من الطَّبيعيِّ ألَّا يورث اليقين والقطع بصحَّة المنهج في مثل هذا الأمر بكلِّ تفاصيله، بل قد يرجع العقل الأمر إلى المتخصِّص، وأمَّا الرَّأي الخاصُّ وهو الَّذي يجري عليه بعض النَّاس فإنَّه واضح القصور والخطأ، مع كونه لا ضابطة فيه لتحديد المنهج.

وهناك من الحداثيِّين من يعتمد في أصل التَّفسير فضلاً عن غيره من أنحاء التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ بالمناهج الحديثة الَّتي ينعتونها بأنَّها «عمليّة محايدة»، اعتماداً على علم اللغة واللسانيَّات والهرمنيوطيقا، بل هناك من يعترف بأنَّ منهجه مبتكر ومخالف لما عليه المفسِّرون والعلماء.

وهذه المصادر في تأسيس المنهج إذا ثبت خطؤها واشتباهها فيعني أنَّ ما أُسِّس عليه من اسنتتاجات ستكون كلُّها خاطئة أو غير حجَّة.

المبحث الثَّاني: الشُّروط

هناك كلام مهمٌّ ومحوريٌّ للشَّهيد الصَّدرS حينما يتحدَّث عن شروط المفسِّر، وما ذكره يجري أيضاً في المتدبِّر والمتأمِّل والمتفكِّر ومستخرج المعاني البلاغيَّة ووجوه الإعجاز وغير ذلك من أنحاء التّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ..

فالشَّرط الأوَّل: الَّذي أشار إليه هو أن يدرس المفسِّر القرآن الكريم ويفسِّره بـ (ذهنيَّة إسلاميَّة)، "أي ضمن الإطار الإسلاميّ للتَّفكير، فيقيم بحوثه دائماً على أساس أنَّ القرآن كتاب إلهيّ، أنزل للهداية.."[82].

ويحتاج هذا الشَّرط إلى بيان واسع لأنَّه يؤثر حتَّى على المنهج المتَّخذ للمهتمِّ بالشّأن القرآنيِّ، ومع كون النَّصِّ القرآنيِّ ثابت بالضَّرورة وأنَّه وحي إلهيٌّ سماويٌّ من الله سبحانه، إلَّا أنَّه طرأت شبهة في الفترة الأخيرة طرحها مجموعة من المتأثِّرين بالمناهج الغربيَّة ذهبوا إلى كون القرآن الكريم شيء والنَّصِّ الموجود لدينا شيء آخر، أي أنَّه من صياغة النَّبيِّe، فيكون نصَّاً بشريَّاً لا إلهيَّاً، وأخذوا يتعاملون معه كما يتعاملون مع أيّ نصٍّ بشريٍّ آخر، ويحاكمونه ويفهمونه بـ (حياديَّة وموضوعيَّة) كما يعبِّرون، وهذا ما أوقعهم في كثير من المزالق والأخطاء في فهم القرآن الكريم.

والشَّرط الثَّاني: المشترك بين كلِّ من يتعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ هو الإلمام باللغة العربيَّة بشكل متميِّز وفي جميع فروع اللغة، لكون النَّصِّ القرآنيِّ نصَّاً عربيَّاً تحكمه قواعد وأسس بدون معرفتها يحصل الاشتباه، وهناك من الحداثيِّين من استبدل ذلك بالعلوم الغربيَّة في اللغة وعلم اللسانيَّات، فوقع أيضاً في التَّخبُّط. 

الشَّرط الثَّالث: ما سمَّاه الشَّهيد الصَّدر بالاندماج مع القرآن الكريم[83]، وهو ألَّا يدخل المتعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ بذهنيَّة مسبقة، أي لا يحمِّل القرآن ما لا يحتمل[84]، وهذه هي الأولى بأن نسميها (موضوعيّة)، ولكن ليس معنى الموضوعيّة الانقطاع التّامَّ عن الخلفيَّات الأخرى الثَّابتة بالقطع واليقين. 

الخاتمة:

نتوصَّل في هذا البحث المختصر إلى مجموعة من النَّتائج المهمَّة:

1. إنَّ النَّصِّ القرآنيَّ له أنحاء مختلفة من التَّعامل لا تقتصر على التَّفسير وإن كان التَّفسير هو الحالة الغالبة للمتصدِّين للشَّأن القرآنيِّ.

2. إنَّ هناك مساحة خاصَّة بالمعصومg في شأن التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ، وهي التَّأويل ومعرفة بطون القرآن.

3. إنَّ التَّفسير بالمعنى الاصطلاحيِّ خاصٌّ بالمتخصِّص وهو الَّذي تتوفَّر فيه مجموعة من الشُّروط، أهمُّها معرفة العلوم الدَّاخلة في فهم القرآن الكريم وعلى رأسها الفقه وأصوله، والعلوم اللغويَّة.

4. إنَّ غير المتخصِّص وهو الَّذي لا تنطبق عليه شروط المفسِّر، ثلاثة أقسام ولكلِّ قسم مساحة من التَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ، ويشتركون في التَّدبُّر والتَّأمُّل.

5. إنَّ المتعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ لا بدَّ له من صياغة منهج مبنيٍّ على أسس صحيحة، ولا بدَّ أن تتوفَّر فيه مجموعة من الشُّروط؛ حتَّى يكون مؤهَّلاً للتَّعامل مع النَّصِّ القرآنيِّ، ومن أهمِّها الاعتقاد بألوهيَّة النَّصِّ القرآنيِّ، وعدم تحميله الخلفيَّات الفكريَّة المسبقة.


 


[1] كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، مؤسّسة دار الهجرة، قم، ط2، 1409هـ، ج7، ص86-87.

[2] تاج اللغة وصحاح العربيّة(الصّحاح)، الجوهريّ، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407هـ.، ج3، ص1058. وانظر: لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، قم - ايران 1405 ه‍-ق، ج7، ص98.

[3] لسان العرب، ابن منظور ج7، ص98.

[4] الفصول في الأصول، الجصَّاص، ط،1، 1409 ه‍ - 1989م، ج4، ص67. 

[5] البحر المحيط في أصول الفقه، الزّركشيّ، دار الكتب العلميّة - بيروت- لبنان، ط1،  1421 - 2000م، ج1، ص373.

[6] تاج اللغة وصحاح العربية(الصّحاح)، الجوهريّ، ج3، ص1037.

[7] لسان العرب، ابن منظور، ج7، ص24.

[8] انظر: المناهج التّفسيريّة في علوم القرآن، السّبحانيّ، مؤسّسة الإمام الصّادقg، قم، ط5، 1435هـ،، ص23.

[9] كتاب العين، الخليل، ج3، 392، ومفردات ألفاظ القرآن، الرّاغب الأصفهانيّ، انتشارات ذوي القربى، قم، 1424هـ، ط3، ص825.

[10] راجع: المناهج التّفسيريّة في علوم القرآن، السُّبحاني، ص75-76، ودروس في المناهج والاتّجاهات التّفسيريّة للقرآن، الرّضائي، مركز المصطفىe العالميّ للتّرجمة والنّشر، قم، ط3، 1436هـ- ق، 1394هـ -ش، ص18-19.

[11] راجع: كتاب العين، الخليل، ج7، ص247، وتاج اللغة وصحاح العربيّة (الصّحاح)، الجوهري، ج2، ص781، ولسان العرب، ابن منظور، ج5، ص55، ومعجم مقاييس اللغة، ابن فارس ، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 1429هـ/2008م، ص818.

[12] راجع: تفسير البحر المحيط، أبو حيان الأندلسيّ، دار الكتب العلميّة، لبنان، بيروت، 1422هـ- 2001م، ط1، ج 1 ص121، البرهان في علوم القرآن، الزّركشيّ، ج1، ص13، ومجمع البحرين، الطّريحيّ فخر الدين، مؤسسة الأعلميّ، بيروت، 1430هـ، ط1، ص998، التَّفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب، الشيخ معرفة، الجامعة الرّضوية للعلوم الإسلاميّة، 1433هـ، ط5، ج1، ص18-19.

[13] البيان في تفسير القرآن = (موسوعة الإمام الخوئيّ)، أبو القاسم الخوئيّ، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئيّ، إيران، قم، ج50، ص267 و397.

[14] الميزان في تفسير الميزان، العلَّامة الطّباطبائيّ، مؤسسة النّشر الإسلاميّ، قم، ط7، 1423هـ،، ج1، ص4.

[15] انظر: لسان العرب، ابن منظور، ج11، ص32، والمصباح المنير في الشَّرح الكبير للرّافعي، الفيّوميّ، ج1، ص29.

[16] لسان العرب، ابن منظور، ج11، ص33.

[17] انظر: مفردات ألفاظ القرآن، الرّاغب الأصفهانيّ، ص99.

[18] انظر: معجم الفروق اللغويّة، أبو الهلال العسكريّ، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ(جماعة المدرّسين)، قم، ط.5، 1431هـ، ص129.

[19] انظر: علوم القرآن، الحكيم، ص227، والتَّفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب، الشيخ معرفة، ص21.

[20] انظر: علوم القرآن، الحكيم، ص230-231.

[21] انظر: منطق تفسير القرآن(1)(أصول وقواعد التّفسير)، الرّضائيّ الأصفهانيّ، مركز المصطفى العالميّ للتّرجمة والنّشر، إيران - قم، ط2، سنة1436هـ.، ص154-157.

[22] انظر: علوم القرآن، الحكيم، ص225-226.

[23] بصائر الدّرجات الكبرى، الصفَّار، منشورات الأعلميّ، إيران، طهران، ١٤٠٤هـ ق - ١٣٦٣ش، ص216.

[24] المعجم الأوسط، الطبراني، ج2، ص243.

[25] نهج البلاغة، ج3، ص112.

[26] الكافيّ، الكليني، نشر دار الكتب الإسلاميّة، إيران، طهران، ط5، ١٣٦٢ش، ج1، ص36.

[27] انظر: لسان العرب، ابن منظور، ج4، ص268.

[28] لسان العرب، ابن منظور، ج4، ص273، وانظر: كتاب العين، الفراهيديّ، ج8، ص33.

[29] مفردات ألفاظ القرآن، الرّاغب الأصفهانيّ، ص307.

[30] انظر: لسان العرب، ابن منظور، ج4، ص273.

[31] كتاب العين، الفراهيديّ، ج8، ص33.

[32] الفروق اللغويَّة، العسكريّ، ص121.

[33] يقول السّيّد محمَّد باقر الحكيم: "يمكن أن نميِّز بين التَّفسير الصَّحيح، الَّذي يعتمد على القرآن الكريم والسُّنَّة النبويّة، والَّذي يمكن أن نسميه عمليّة (التّدبّر)، وبين التَّفسير الباطل الَّذي يطلق عليه اسم التَّفسير بالرأي"، علوم القرآن، ص232. 

[34] قال: ".. معناه أفلا يتدبّرون القرآن بأن يتفكّروا فيه ويعتبروا به أم على قلوبهم قفل يمنعهم من ذلك؛ تنبيهاً لهم على أنَّ الأمر بخلافه، وليس عليها ما يمنع من التدبّر والتفكُّر، والتدبّر في النّظر في موجب الأمر وعاقبته، وعلى هذا دعاهم إلى تدبّر القرآن، وفي ذلك حجَّة على بطلان قول من يقول لا يجوز تفسير شيء، من ظاهر القرآن إلَّا بخبر وسمع". التَّبيان في تفسير القرآن، مكتب الإعلام الإسلاميّ، قم، ط1، 1409هـ، ج9، ص303.

[35] تفسير جوامع الجامع، الطّبرسيّ، النّاشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ(جماعة المدرّسين)، قم، ط.1، 1418هـ، ج3، ص194.

[36] الكشّاف عن غوامض التّنزيل، الزّمخشري، ج3، ص372.

[37] الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطّباطبائيّ، ج5، ص19.

[38] نفس المصدر، ص20.

[39] نهج البلاغة(جمع الشّريف الرّضيّ)، (شرح: الشّيخ محمَّد عبده)، النّاشر : دار الذّخائر - قم – ايران، ط1، 1412هـ- 1370 ش، ج1، ص54.

[40] المحاسن، البرقيّ، ج1، ص268.

[41] نهج البلاغة، (جمع الشّريف الرّضيّ)، ج1، ص216.

[42] الكافيّ، الكلينيّ، ج2، ص607.

[43] الأماليّ، الطّوسيّ، ص7.

[44] تاريخ ابن خلدون، ابن خلدون، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، ط.4، ج1، ص438.

[45] علوم القرآن، الحكيم، ص247 وما بعدها.

[46] مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408هـ/1988م، ج1، ص165.

[47] مسند أحمد، ابن حنبل أحمد، دار صادر، بيروت لبنان، ج3، ص235.

[48] صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت - لبنان، ج6، ص45.

[49] جامع البيان في تأويل آي القرآن، الطبري، دار الفكر، بيروت، 1415هـ، ج1، ص56.

[50] التَّفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب، الشيخ معرفة، ج1، ص187، وانظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن، الطبري، ج1، ص56 وما بعدها.

[51] انظر: البرهان في علوم القرآن، الزّركشيّ، دار إحياء الكتب العربيّة، ط1، 1376هـ/1957م، ج2، ص157.

[52] بصائر الدّرجات، الصّفّار، ص213.

[53] الكافيّ، الكلينيّ، ج7، ص442، وبصائر الدّرجات، الصَّفَّار، ص215.

[54] الكافيّ، الكلينيّ، ج2، ص213.

[55] نهج البلاغة (باب الحكم والكلمات القصار)، ج4، ص101.

[56] بصائر الدّرجات، الصّفّار، ص216.

[57] الكافيّ، الكلينيّ، ج1، ص213، وبصائر الدّرجات، الصّفّار، ص224.

[58] المحاسن، البرقيّ، ص278.

[59] انظر في تفصيل هذه المقدَّمة، مدارس التَّفسير الإسلاميّ، بابائيّ، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ، بيروت، ط.1، 2010م، ج1، ص47-48.

[60] لمعرفة بعض التّفاصيل والأدلّة في معرفة النّبيّ والأئمّة بجميع القرآن الكريم، انظر: مدارس التَّفسير الإسلاميّ، بابائيّ، (القسم الأوّل: الفصل الأوّل، تحت عنوان: المفسِّرون المحيطون بجميع معاني القرآن). ج1، ص45، وما بعدها.

[61] انظر: بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم، محمود رجبي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ، بيروت، ط2، 2010م، ص286، ثَمَّ تطرّق الكاتب إلى تلك العلوم بالاستدلال المختصر.

[62] روش شناسي تفسير قرآن(منهج تفسير القرآن)، بابائيّ، نشر: بزوهشكان حوزه ودانشكاه، قم، ط،6، 1492هـ ش، ص329.

[63] التّوحيد، الصُّدوق، مؤسّسة النّشر الإسلاميّ(جماعة المدرّسين)، قم، ط.7، 1422هـ، ص91.

[64] انظر: علوم القرآن، الحكيم، ص254.

[65] علوم القرآن، الحكيم، ص246.

[66] الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطّباطبائيّ، ج1، ص13.

[67] الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطّباطبائيّ، ج2، ص435، وراجع: ج9، ص312، و13، ص290، 

[68] المصدر نفسه، ج15، ص113، في تفسير سورة النّور: 33.

[69] انظر: المناهج التّفسيريّة في علوم القرآن، السّبحانيّ، ص23-24.

[70] يقول الشّيخ محمَّد باقر الإيروانيّ في بعض كلماته: "إنَّ الفقيه يأخذ الجانب الأحكاميّ من الآية ويغضُّ النَّظر عن الجوانب البلاغيّة والفنّيّة والعلميّة الأخرى، وذلك ما يعطيه دقّة في بحثه، فالمفسِّر غير الفقيه لا يلتفت إلى النّكتة الَّتي يستفيدها الفقيه من مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:22)، وهي محبوبيّة الكون على الطّهارة، وأنَّ بإمكان المكلّف الوضوء أو الغسل لهذه الغاية بلا حاجة إلى ضمِّ غاية أخرى". دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام، ج1، ص13.

[71] الدّرر النّجفيّة من الملتقطات اليوسفيّة، المحدّث البحرانيّ، شركة دار المصطفى لإحياء التّراث، بيروت، ط.1، 1423هـ - 2002م، ج‌2، ص، 349-350‌.

[72] الكافيّ، الكلينيّ، ج8، ص201.

[73] انظر على سبيل المثال: التّبيان في تفسير القرآن، الطّوسيّ، ج2، ص147 وما بعدها، ومجمع البيان في تفسير القرآن، الطّبرسي، ج2، ص31 وما بعدها.

[74] انظر، فقه القرآن، القطب الرّاونديّ، نشر: مكتبة آية الله العظمى النّجفيّ المرعشيّ، قم، ط2، 1405هـ، ج1، ص338.

[75] الميزان في تفسير القرآن، العلاَّمة الطباطبائي، ج4، ص164.

[76] انظر، مجمع البيان في تفسير القرآن، الطّبرسيّ، ج6، ص277. 

[77] تفسير القمّيّ، علي بن إبراهيم القمي، (تحقيق: السّيّد طيّب الموسويّ الجزائريّ)، مؤسّسة دار الكتاب للطّباعة والنّشر، قم، ط.3، صفر 1404، ج2، ص24.

[78] الوافية في أصول الفقه، الفاضل التّونيّ، (تحقيق: محمَّد حسين الرّضويّ الكشميريّ)، مجمع الفكر الإسلاميّ، قم، ط.3، 1424هـ، ص256.

[79] كنز العرفان في فقه القرآن، السّيوريّ، (تحقيق: الشّيخ محمَّد باقر، شريف زاده)، النّاشر: المكتبة الرّضويّة - طهران، 1384هـ، ج1، ص5.

[80] دروس تمهيديّة في تفسير آيات الأحكام، الإيروانيّ،ج1، ص19.

[81] راجع: الكافيّ، الكلينيّ، ج2، ص627.

[82] علوم القرآن، الحكيم، ص243.

[83] انظر: علوم القرآن، الحكيم، ص246.

[84] انظر للتّوسعة، الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة الطباطبائي، ج1، ص6 وما بعدها.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا