البعد الثوري والسياسي للبكاء على الحسين (ع)

البعد الثوري والسياسي للبكاء على الحسين (ع)

لكل فعل حث عليه أئمة أهل البيت (ع) أبعاد وآثار، هذه الآثار مرهون استحصالها بالفطرة السليمة والقلب السليم إضافة إلى المنطلق الفكري الأصيل لممارسة هذا الفعل أو ذاك. ولما كان الكلام جارياً حول ظاهرة البكاء على سيد الشهداء، فإن الكلام يدور ها هنا حول أبعادها وآثارها الجوهرية، وأي تجريدٍ وإنكارٍ لهذه الأبعاد والآثار يعد بمثابة التهجين والتسطيح لمثل هذه الشعيرة.

إن من أعظم الآثار والأبعاد المترتبة والنابعة من شعيرة البكاء، هما البعد الثوري والسياسي والبعد المعنوي، ومحط كلامنا ها هنا هو البعد الثوري والسياسي الذي يشعل في النفس والقلب روح الثورة ويجعلها متقدة على الدوام طالبة عاشقة لسوح الجهاد والشهادة، منتظرة للثأر بين يدي إمام منصور من أهل بيت محمد (ص) ومن لا يدرك هذا البعد في هذه الشعيرة المباركة فهو محروم من تلك الآثار والأبعاد الجوهرية، وهذا لا يعني سلب شعيرة البكاء أصلها وكل آثارها الأخرى في حال عدم إدراك البعد السياسي والثوري، لكن يبقى الفرق واضحاً بين من يدرك ذلك من عدمه. 

ولإدراك هذا المعنى ينبغي التأمل جيداً في فقرات زيارة عاشوراء المباركة، وجو قارئ هذه العبارات لا شك أنه البكاء، بعد ذلك لنرى أي جوٍ يعيشه هذا الباكي؟ وأي عبارات تلك هي التي تبكيه؟ إنها تتضمن طلب الثأر «وأن يرزقني طلب ثأر مع إمام هدىً ظاهرٍ ناطق بالحق منكم» وتتضمن كذلك «إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة» فقارؤها يستشعر الحرب والرغبة في الثورة على كل من يحارب نهج الحسين(ع) وعلى كل سلاطين الجور على مرّ الأزمان.

ولنا أن نسأل كذلك: ماذا يكون حال من يسمع ويتصور سلب بنات الرسالة حُليهن، وتصفح الأعداء لوجوههن؟ وماذا يكون حال من يسمع ويتصور أحوال زينب عليها السلام وما أدرانا ما زينب؟ أيكون حاله مجرد الحزن وكفى أم تكون نفسه متقدة وروحه مشتعلة طالبة للثأر لبنات الرسالة.

 بعد ذلك نقف قليلاً مع وارث  الحسين(1) إمام الأمة الراحل(رض) ومع ثورته المباركة وكيف استمد من جده الروح الثورية، وكيف وظّفها وأطلق لها العنان لتدحر أحد أكبر الطواغيت في هذا العصر، وليقيم دولة، فماذا يقول إمام الأمة الراحل  عن ثورته المباركة وعلاقتها بشعيرة البكاء على الحسين(ع) ؟

إنه يقول: «إن البكاء على الشهيد يحدّ ابقاءاً على إتقاد جذوة الثورة وتأججها»(2). 

وهل هناك شهيد أعظم من أبي عبد الله الحسين (ع) ويقول (رض) في موضع آخر مخاطباً فئة من الفئات قالت بترك مجالس العزاء: «إنهم لا يعون أن البكاء على الحسين (ع) يعني إحياءاً لقضية إمكانية نهوض ثلة قليلة بوجه إمبراطورية كبرى»(3)، ويتضح البعد السياسي بشكل أكثر جلاءاً في حديث آخر لإمام الأمة (رض) حيث يقول: «إنهم يخافون من البكاء ـ يقصد الجبابرة والطواغيت ـ... إنها شعائرنا الدينية التي ينبغي أن تصان وهي شعائر سياسية»(4)، ويستمر الإمام رضوان الله تعالى عليه في خطابة إلى أن يقول: «فأسيادهم وكبرائهم يخشون  هذا البكاء، والدليل على ذلك أن رضا خان أقدم على منع كل تلك المواكب والمآتم»(5) 

وهناك كلام كثير لسماحة الإمام ولكن نكتفي بذكر هذا المقدار. 

بعد ذلك لا مجال لإنكار هذا البعد الثوري والسياسي لشعيرة البكاء والذي يلامس بشكل لا يقبل الانفكاك الجانب المعنوي في روح الإنسان حيث يشعل فيها روح الثورة والجهاد وتكون على اثر ذلك مشتاقة إلى لقاء الله. والى الشهادة أشد الاشتياق أو كما يعبر الفقيه المتأله عبد االله الجوادي الآملي عن تلك الحالة الشعورية ويجعلها في قالبٍ وصفي جميل ومشهود حيث يقول: «لقد شهدت بنفسي كيف يلتهب شعور المقاتلين في الخطوط الأمامية عندما ترتفع في الفضاء مراثي عاشوراء إن من يذرف الدموع على الحسين يشتاق إلى الشهادة»(6)

ولنا أن نقف بعد ذلك مع أنفسنا لنجعل من هذا البكاء جذوة تشعل روح الثورة والجهاد في أنفسنا، وليكون دافعاً قوياً لممارسة الجهاد السياسي والاجتماعي والثقافي وكل ذلك يكون بحرقة قلبٍ، وقلب مفطور على آلام الأمة، ولنسأل أنفسنا أيضاً هل أدركنا هذا البعد أم لا وهل سعينا بعدها لتكسير الأصنام الظاهرية والباطنية؟ 

إنه سؤال يحتاج إلى جواب، وثمرة هذا الجواب كبيرة إنشاء الله تعالى.

والحمد لله أولاً وآخرا

 

* الهوامش:

(1) هكذا ومن آية الله جوادي آملي للإمام الخميني ـ من كتاب ثورة العشق الإلهي ص: 233.

(2) نهضة عاشوراء ـ الإمام الخميني ص: 8.

(3) المصدر السابق ص:10.

(4) نهضة عاشوراء ص:10.

(5) المصدر السابق ص:11، مع الإشارة أنه قد حصل هذا المنع الذي أشار إليه الإمام عام 1941 م.

(6) ثورة العشق الإلهي ص:226.

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا