الأمر الإلهي يوم الغدير

الأمر الإلهي يوم الغدير

الملخّص:

استعرض كاتب المقالة الأمر الإلهي المتمثّل بأمر النبيّe بالتبليغ مشيراً إلى بعض الأبعاد في هذا الأمر وأهمّ تلك الأبعاد (مسألة القيادة الرّبانية الإلهية) التي يثبتها هذا الأمر الإلهي، ثم عطف الحديث حول التنصيب لعليّ بن أبي طالب أميراً للمؤمنين وما يتطلّبه هذا التنصيب من مقدّمات معدّة من النبيe ونتائج تنعكس على الأمّة الإسلامية.

 

إن الأمر الإلهيّ العظيم في يوم الغدير المتمثّل بالولاية، لهو أمر استراتيجيّ يحكي فلسفة القيادة الإلهيّة الشّرعيّة في الحياة للبشريّة جمعاء.

حيث كان الأمر الإلهيّ في نهجه النّظري يعبّر عن نظريّة معنويّة، ويعبّر عن قانون ودستور إلزاميّ وجبريّ سماوي رفيع، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} يلخّص نظريّة طلب تكميل الخير وإتمام الدّين؛ لكي يتحوّل هذا الطّلب المبارك، بعد تبليغه من قبل النّبيّe، إلى قانون استراتيجيّ من قوانين الحياة القرآنيّة الولائيّة الطيّبة.

فهذا النّداء الإلهيّ العظيم للرّسولe بالتبليغ، ولأمّته الإسلاميّة باتّباعه يقتضي الوقوف المسؤول والصّادق، الذي يكون مثبّتاً لمقدار الطاعة والمحبّة للرسولe ولله .

فهو نداء يدعو بلطف ربانيّ لفتح مفاتيح القلب ومناسم الروح للاستماع إليه بوعي وبصيرة، لما يمثّله من لطفِ الله وكرمه بعباده وحبّه لهدايتهم.

فنسأل الله الجليل أن نكون ممن يلبّي هذا النّداء الإلهي قولاً وعملاً، ونعايشه دوماً وأبداً بآذاننا وقلوبنا، وتلبيته تتمثل في الإيمان الحقيقي الصادق.

وعلينا التأمل كثيراً في نداء يوم الغدير؛ لما له من عطاءات ترجع على الأمّة الإسلامية في تقوية العقيدة والفكر وتقويم السلوك.

ولقد أدخل هذا النّداء والهتاف الإلهي المبارك الرّعب في قلوب الظالمين والمنافقين، منذ انبثاقه حتى عصرنا الحاضر، فهو نداء يزلزل جنود الشيطان ويهزمهم.

ولكي تعرف البشرية أنّ الله الخالق اللطيف بعباده لم يجعلها تعيش الحياة عبثاً، جاء النّداء الإلهي لكلّ نفس عن طريق نبيّ الإسلام الرسول محمدe بأن يعلن للأمّة بكلّ صراحة جليّة وواضحة الأمر الإلهي الذي يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}([1]).

فلتكون البشرية كلّ البشرية على طريق السعادة عليها أن تلتزم بهذا الأمر الإلهي، وألا تحيد عنه.

والمؤمن الحقيقي والواقعي هو الذي يلتزم بهذا الأمر ويعضّ عليه بالنّواجذ، مهما اعترضته العوائق والأشواك التي لا يمكنها أن تكون مانعة وصادّة له أمام الحقّ الجارف وهذه الموانع هي في الواقع زبد يذهب جفاء، وهذه الموانع في بعض صورها موضوعة ومصطنعة من الطواغيت الذين لا يريدون للإسلام والمسلمين خيراً.

لهذا على المؤمن ألا يخاف ولا يأبه مما يتحدّث به الأعداء سلبياً من إيجاد الشبهات واختلاق الأكاذيب، تجاه القضية المفصلية والاستراتيجية ألا وهي مسألة القيادة الرّبانية الإلهية، فهي ليست قضية هامشية أو عابرة تحتمل الجدل والتنازل، بكلّ ما لهذه العبارة من معنى.

 فهي قضية من القضايا المهمة والأساسية التي لابد وأن يضحّى من أجلها والدفاع عنها في مختلف المواقع والأزمنة التي تقتضي المواجهة بالصبر والصمود والقوّة والتّضحية في سبيلها، على أساس أنّها مبدأ لا يمكن التنازل عنه أبداً، وذلك يجعل الأمّة تعيش في المسار الصحيح الصائب حياة ربّانية طيّبة وراقية على مدى الدهور والأزمان.

تعيين القيادة في الإمام عليg

فالتعيين الرّباني لقيادة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالبg كوليّ للأمّة الإسلاميّة -من بعد النبيّe بلا فاصل- تقتضي من المؤمنين الانصياع والامتثال لهذه القيادة، فهو يملك من العلم الواسع والمتجدّد ما يستطيع من خلاله إغناء الأمّة في كلّ أبعادها المختلفة، وفيما تحتاجه في المسائل الواردة من هنا وهناك، وفي مواجهة التحدّيات العدائية القادمة من مواقع وأزمنة مختلفة.

وانطلاقاً من هذا التعيين الإلهي المهم لعليg يقتضي من رسول اللهeأن يؤكّد للأمّة أنّ الإسلام العظيم بحاجة إلى مدير وقائد ووليّ يمتاز عن غيره بمواصفات الكمال القريبة منه، فكان يقول بأعلى صوته في مواقع وأزمنة مختلفة: >أنا مدينة العلم وعليّ بابها<([2])، وكان النبي محمدe يريد من تصريحه بهذه الحقيقة والتأكيد عليها أن تتعمّق في وجدان الناس بكلّ بصيرة ووعي. والظروف الزّمانية والمكانية وإن اختلفت في كلّ عصر إلا أنّه يلزم أن تكون الأمّة تحت إشراف ومراقبة القائد الولي، الذي لا غنى عن وجوده في مواقع الحقّ مهما كانت الظروف والأوضاع سواء كانت أوضاع سِلمٍ أم حرب؛ لأنّه يحفظ دين الأمّة ورسالة الدين ومبادئه، فيحرّكها حراكاً صائباً نحو تحقيق أهدافها التي رسمها القرآن لهذه الأمّة.

ويحتاج هذا إلى تفعيل نشط في أوساط الأمّة الإسلامية وإن اختلفت في عرفها المناطقي أو الزماني ولكن توجد مشتركات وطاقات واسعة ولديها كوادر مختصّة في القانون والقضاء والإدارة وغيرها، وهذا العمل المهم يقتضي تارة تفعيل اللقاءات وتبادل الأفكار والآراء في مختلف المجالات ودراستها، لما للقاءات على مختلف المستويات من دور مهم في تعزيز وترسيخ الإيمان، وإنّ الدائرة الرّبانية -المتمثّلة برئاسة وقيادة النبيّ محمدe، وأهل البيتi، ونوّابهم من العلماء الصالحين العاملين،- ترحّب بمثل هذه اللقاءات المنتجة، ومن جملة النتائج الطيبة هو إمكان الشعوب عبر تفعيل هذه اللقاءات الرقي في مستوياتها الفكرية.

يوم التصدّي والمواجهة

إنّ يوم الغدير هو يوم تعيين القيادة الرّبانية للتصدّي لجميع شؤون الدين وأتباعه، وانطلاقاً من هذا المعنى يتّضح لنا أنّ تهديدات الأعداء للحقّ ما هي إلا زبد وترهات.

والعداء لهذه الإرادة يقتضي منّا في عصرنا الالتفات والتهيؤ والاستعداد لموجة التحدّيات وما يثار لغرض إضعاف الإسلام والمسلمين.

وكما يعلم قارئ الكريم أنّ أعداء القيادة الإلهية قد منو في الكثير من المواقع والأزمنة بالهزيمة أمام الحقّ، وأينما حاولوا وسعوا من خلال أساليبهم العدائية الإجرامية خلق المتاعب والمشاكل كان النّصر حليفاً للمؤمنين؛ لأنّهم تمسّكوا بالصبر والصمود.

ولا شك ولا ريب في أنّ الأعداء يعملون على ضرب وتشتيت وفك تلاحم المؤمنين حول القيادة التي نصّبها الرسولe من أجل خلق المتاعب والأشواك والعوائق أمام نشر الدعوة الإلهيّة.

ولكن والحمد لله لم يستطع العدو تحجيم انتشار هذه الدعوة فقد تمدّدت إلى أكثر من موقع في العالم الواسع.

يوم استمرارية القيادة القرآنية الولائية

إنّ الإرادة الرّبانية اتخذت إجراءات وخطط قانونية ودستورية يلزم تنفيذها وتحقيقها بعد رحيل نبي الإسلامe احترازاً وتغلباً على ما يجري من مصاعب ومؤامرات حولها. ومن هنا يلزم على المؤمنين السعي لمواجهة هذه العوائق والاستفادة من الطاقات الشبابية مما يساهم في الحدّ من الإرباك في الساحة الإسلاميّة.

كما يلزم دراسة مؤامرات وتهديدات العدو من قبل المختصين دراسات منتجة في كشفها وسبل مواجهتها بالبصيرة العقدية المستفادة من القيادة الإلهية المنصّبة في يوم الغدير المبارك، فالأعداء يحاولون -منذ التعيين الإلهي لها في يوم الغدير- بث الفرقة بين المؤمنين وإيجاد الخلافات والفتنة لتفكيك الأمّة الواحدة.

وكما يعرف قارئ الكريم أنّ بركات يوم الغدير متحققة على المستوى الننظري والخارجي على مر العصور والدهور في مواقع جغرافية مختلة من العالم، فلم تحجّم العطاءات الغديرية في موقع ضيق وخاص ولا ينبغي أن تكون كذلك.

وهذا الأمر الحساس والمصيري يستلزم من الأمّة أن تصنع روابط وعلاقات تجمع بين أصنافها وأحزابها ووجوب تمتينها وتقويتها حتى تكون عنصراً إستراتيجياً في ردع واجتثاث ضغوطات العدو المختلفة على المؤمنين.

وهنا أودّ إلفات قارئي الكريم إلى أنّ أعداء الغدير وبعد مضي عدّة عقود من الزمن على تاريخ الإعلان كنداء ربّاني سماوي لا زالوا يخطّطون ويعدّون المؤامرات الواحدة تلو الأخرى.

إنّ الذّوبان في يوم الغدير ومواجهة المؤامرات العدائية بحاجة إلى رصّ الصفوف والوحدة بين أهل الإيمان ليكونوا كتلة واحدة وكبيرة ومتراصّة تعمل من خلال قواها الفاعلة بحيويّتها لاستمرار ديمومة الحقّ المصادَق عليه يوم الغدير، وكسر حصار العدو وأهدافه الخبيثة.

ومنذ إشراق النّور الإلهي يوم الغدير المبارك حتى يوم عصرنا، هناك عدو يعتقد خاطئاً أنّ بإمكانه إرغام المؤمنين على الاستسلام والتخلّي عن مبادئهم الرّبانية الراسخة في وجدانهم وقلوبهم، وفي كلّ انطلاقاتهم القرآنية الولائية، وهم يمتلكون عزماً وصبراً وصموداً راسخاً وثابتاً وقد تخطى الكثير من الأمواج والظروف الصعبة بأشواكها وعوائقها المختلفة، وقد أصبحت من الماضي وقد ولت، وسيتجاوز محدثاتها في قادم الأيام وفي ما نعاصرها فعلاً بإذن الله القوي الكريم.

وكما يعرف قارئ الكريم بتباين الظروف المعاصرة عن سابقتها في الأزمنة الماضية، فإنّ عدو الصحوة القرآنية نزل إلى ساحة المواجهة بشكل جليّ ومكشوف لاسيما بعد تنوّع وازدياد أدوات التواصل، فمع تطوّرها المستمر الذي أدّى إلى تكثيف فاعليّتها أكثر من أيّ وقت مضى. إلا أنّ أهل الإيمان بيوم الغدير صابرون وثابتون أمام الشبهات والمغالطات التي يثيرها الأعداء ومستمسكون بالولاية لأمير المؤمنينg مهما اختلفت الظروف وتكالب الأعداء، والنصر على أعداء الدين يرفرف فوق رؤوس الصابرين العاملين.

  

([1]) المائدة: 67.

([2]) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص655، المجلس الثالث والثمانون، ح2.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا