الأثر التَّكويني للدُّعاء

الأثر التَّكويني للدُّعاء

الملخص:

(تعرض الكاتب في مقالته إلى مسألة الالتزام بنص الأدعية الواردة عن أهل البيتq وعدم التغيير فيها، بعد أن بيَّن ما يدل على جواز إنشاء الدعاء إذا لم ينسب إليهمi، ثمَّ ذكر ما يدلُّ على الحثِّ على الالتزام الحرفي بنصِّ الأدعية، محاولاً استكشاف السِّر وراء ذلك، وذكر احتمالات مرجحاً أن يكون السَّبب الأساس هو ما لهذه الأدعية من أثرٍ تكويني يرتبط بسر التراكيب في اللغة وعلم الحروف الذي ورثه الأئمةi من جدهمe)

 

الحمد لله ربَّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على المبعوث رحمة للعالمين محمَّدٍ وآلِه الطَّيبين الطَّاهرين.

{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، ويَسِّرْ لِي أَمْرِي، واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي}([1]).

تصدير

يعيش العالم هذه الأيام محنة الوباء المعروف بكورونا، وقد أرانا الله به عجائب صنعه وعظيم قدرته، حيث قلب كيان النَّاس -فيروس لا يُرى بالعين المجردة- فَعَطَّلَ الأعمال والأسواق والمصالح والمدارس وما سواها، وأبقى النَّاس في بيوتها خشية الإصابة بهذا المرض الفتَّاك، والهموم التي خيَّمت على النُّفوس وأذهبت البسمة من الشِّفاه، فصار النَّاس يتطلَّعُون إلى اليوم الذي يُرفع فيه هذا البلاء عن رؤوس العباد.

وقد أمر الله) عبادَه بالدُّعاء والتَّضرع والفزع إليه وضمِن لهم الإجابة، فقال تقدَّست أسماؤه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}([2])، وقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}([3])، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}([4]) إلى غيرها من الآيات مضافاً إلى الرِّوايات الدَّاعية إلى التَّوجه إلى الله بالدُّعاء والمناجاة. 

شروط قبول الدُّعاء

ومع ذلك فقد لا يستجاب الدُّعاء ولا يرى الأثر المرجو منه، وليس ذلك إلا لفقد بعض شروطه أو لوجود المانع، وقد ذكر العلماء جملة من الشُّروط والمقتضيات والآداب المستفادة من هَدْيِّ المعصومينi التي من شأنها تعجيل استجابة الدُّعاء والتَّأثير في قبوله كمثل التَّوسُّل بالمعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، واختيار الأيام والأماكن المقدَّسة، وتقديم الصلاة والصوم، والصدقة، والتوبة وغيرها. 

روى يونس بن عمار قال: "شكوت إلى أبي عبد اللهg رجلًا كان يؤذيني، فقال: >أدع عليه<، فقلت: قد دعوت عليه، فقال: >ليس هكذا، ولكن اقلِعْ عن الذُّنوب، وصُمْ وصَلِّ وتَصَدَّق، فإذا كان آخر الليل فأسبغ الوضوء، ثمَّ قُمْ فَصَلِّ ركعتين، ثمَّ قل وأنت ساجد..<([5]) إلى آخر الخبر. 

فمتى ما تحقَّقت الشُّروط والمقتضيات، وارتفعت الموانع والعقبات تحقَّقت النَّتيجة؛ لعدم انفكاك الأثر عن المؤثِّر. نعم قد يظهر للدَّاعي أنَّه أتمَّ جميع المقدَّمات ورفع جميع الموانع، إلا أنَّه تبقى هناك مساحة مجهولة لديه لا يعلمها إلا الله الذي هو أعلم بالمصالح والمفاسد، ولذلك فقد يُؤَجِّل الاستجابة له إلى حين تحقق المصلحة أو رفع المفسدة، وقد لا يُستَجَابُ له أصلًا؛ لأنَّ في ذلك صلاحه وخيره، ونحن في هذه الأسطر نحاول تسليط الضَّوء بشكلٍ مختصرٍ على أحد الأمور المؤثِّرة في استجابة الدُّعاء، وهو الالتزام بصيغة الدُّعاء كما ورد.

جواز الدُّعاء بما جاء على اللسان

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الدُّعاء بأيِّ شكلٍ كان ولو كان مخترعاً وممَّا جرى به اللسان جائز في نفسه؛ للأصل وللعمومات الحاثَّة على الدُّعاء، بل لصريح جملة من النُّصوص، فعن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللهg عن القنوت وما يقال فيه، فقال: >ما قضى الله على لسانك ولا أعلم له شيئاً موقتاً<([6]).

وعنه قال: سألت أبا عبد اللهg عَمَّا أقول في وِتْري فقال: >ما قضى الله على لسانك وقدَّره<([7]).

وعن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللهg: عَلِّمْنِي دُعاء، فقال: >إنَّ أفضل الدُّعاء ما جرى على لسانك<([8]).

فهذه النُّصوص واضحة الدَّلالة في جواز الدُّعاء بما يجول في خاطر الدَّاعي، وبأي أسلوب كان، إلا أنَّ الأمر لا يسلم دائماً من الشَّائبة، فقد يقع الدَّاعي من حيث لا يشعر في أخطاء ناتجة عن قُصُورِهِ المَعرفي بالمُخاطَب، أو قِصَرِ بَاعِه في اللُّغة وأدبِ الخطاب، ومن هنا يُفهَمُ النَّهي عن الاستعاضة بالدُّعاء المخترع عن التَّمسك بما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارةi.

 فعن عبد الرحيم القصير قال: دخلت على أبي عبد اللهg فقلت: جعلت فداك إنِّي اخترعت دعاء قال: >دعني من اختراعك! إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وَصَلِّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله<، قلت: كيف أصنع؟ قال: >تغتسل، وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة، وتشهَّد تشهُّدَ الفريضة، فإذا فرغت من التشهد وسلَّمت قلت: اللهمَّ أنت السَّلام، ومنك السَّلام، وإليك..<([9]) إلى آخر الخبر. ولا شَكَّ أنَّ هذا النَّهي ليس إلزامياً؛ لصراحة الأدلَّة المجوِّزة، بل إرشادياً لما هو الأولى والأفضل.

وقوع أخطاء في الدُّعاء المخترع

من الطَّبيعي بمقتضى عدم عصمة الإنسان عروض الأخطاء الفعلية والقولية عليه، بل إنَّ أحد دواعي الدُّعاء هو طلب الصَّفح والمغفرة من الله تجاه ما يعتري الإنسان من تقصيرٍ في حقِّ الله أو حقِّ النَّاس أو حقِّ نفس الدَّاعي، ولذا كان من المُعيبِ والمُستهجَنِ أَنْ يُطلبَ غفران التَّقصير بخطابٍ يشوبه التَّقصير في الجنبة المعرفية أو اللغوية. وهذا ما يمكن أن يحصل كثيراً في الأدعية المخترعة.   

فعن أبي علي القصَّاب قال: كنت عند أبي عبد اللهg فقلت: >الحمد لله منتهى علمه< فقال: >لا تقلّ ذلك فإنَّه ليس لعلمه منتهى<([10]).

وعن صفوان عن الكاهلي قال: كتبتُ إلى أبي الحسن موسىg في دعاء "الحمد لله منتهى علمه"، فكتب إليَّ: >لا تقولنَّ منتهى علمه؛ فليس لعلمه منتهى، ولكن قل منتهى رضاه<([11]).

وعن بكر الأرقط، أو عن شعيب، عن أبي عبد اللهg -في حديث- أنَّه قال له: ادع الله أن يغنيني عن خلقه، قال: >إنَّ اللهَ قسَّم رزق من شاء على من يشاء، ولكن سل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرُّك إلى لئام خلقه<([12]).

وسَمَعَ أمير المؤمنينg رجلًا يقول: اللَّهُمَّ إنّي أعوذ بك من الفتنة، قال: >أراك تتعوَّذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}([13])، ولكن قل: اللهم إنّي أعوذ بك من مضلَّات الفِتَن<([14]).

وَوَرَدَ في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينg أنَّه قال: >لا يقولنَّ أحدُكم: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الفتنة، لأنَّه ليس من أحدٍ إلا وهو مشتملٌ على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلَّات الفتن، فإنَّ الله يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}([15])<([16]).

فهذه وأمثالها أمثلةٌ على وقوع الأخطاء في الخطاب النَّاتجة عن القصور المعرفي من المخاطِب -بالكسر- نحو المخاطَب -بالفتح-، وهي نتائج طبيعية بعد أن كانت معرفة الذات المُقَدَّسة من الأمور المستعصية على الأذهان، وكان الدُّعاء مرتكزاً على التزلُّف إلى الله  بذكر صفاتِه وعظيم آلائه وتنزيهه عمَّا لا يليق بقدسه، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}([17])، ولذلك ورد النَّهي عن التفكُّر في ذات الله؛ لأنَّه بحرٌ عميق يغرقُ فيه من يلجه. 

فعن أبي جعفرg قال: >تكلَّموا في خلق الله ولا تتكلَّموا في الله، فإنَّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيُّراً<([18])، وفي رواية أخرى عن حريز قال: >تكلَّموا في كلِّ شيء ولا تتكلَّموا في ذات الله<([19])، وعن محمَّد بن مسلم عن أبي جعفرg قال: >إياكم والتفكُّر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه<([20]).

هذا إضافة إلى ما يعتري الدُّعاء المخترع من أخطاءٍ لغوية وإنشائية في كثير من الأحيان، ومن الواضح أنَّ الذَّهن العرفيّ يدرك أنَّ الخطاب من الدَّاني إلى العالي يجب أن يكون في أبهى صورة وأجمل حلَّة، خالياً من جميع الثَّغرات التي يمكن أَنْ تُؤْخَذَ عليه، فالنَّاس في خطاباتهم الرَّسمية إلى الدَّوائر والمؤسَّسات -مثلًا- يسعون جاهدين أن يكونَ خطابهم وفق الأدبيات المعروفة ويراجعون في ذلك أهلَ الاختصاص من الكُتّابِ والمحاميين ليكون خطابهم خطاباً رسمياً بعيداً عن اللغو والحشو، مستخدمين في ذلك العبارات المعهودة والمعروفة لدى الجهة التي يُرفَعُ لها الخطاب.

ولذلك ورد الحَثُّ على تَعَلُّم اللُّغة العربية التي هي لغة الخطاب مع الله، فعن رسول اللهK أنّه قال: >تعلَّموا القرآن بعربيته<([21]). وعن أبي عبد اللهg أنَّه قال: >تعلَّموا العربية، فإنَّها كلام الله الذي يكلِّم به خلقَه<([22]).

بل ورد أنَّ الدُّعاء الملحون -أي الذي يحوي أخطاءً لغوية- لا يصعد إلى السَّماء، فعن أبي جعفر الجوادg قال: >ما استوى رجلان في حسَب ودين قطّ إلا كان أفضلهما عند الله عزَّ وجل آدَبهُما<، قال الرَّاوي: قلت: قد علمت فضله عند النَّاس في النادي والمجلس، فما فضله عند الله؟ قال: >بقراءة القرآن كما أُنزل، ودعائه من حيث لا يلحن، وذلك الدُّعاء الملحون لا يصعد إلى الله<([23]).

وعدم صعود الدُّعاء ليس بمعنى عدم قبوله، فإنَّ الله تبارك وتعالى أَجَلُّ وأَرحَمُ من أنْ يَرُدَّ دعوة عبده لأجل ذلك، وخصوصاً إنْ كان اللَّحن ناتجاً عن القُصور لا التَّقصير، بل المعنى أنَّه لا يصعد بصورته الملحونة ويتم رفعه بصورته الصَّحيحة، ويشهد لذلك ما ورد عن النَّبيe: >إنَّ الرَّجل الأعجميّ من أمتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه الملائكة على عربيته<([24]). 

لكن مع ذلك يفهم من هذه الرِّوايات وأضرابها أنَّ تعلُّم اللغة العربية مطلوب في الجملة؛ ليتأدَّى بها الخطاب الصَّحيح مع الله. نعم، ليس المقصودُ بذلك هو الاستغراق في اللغة بحيث يطغى على الجانب الرُّوحي والتَّوجه القلبي كما أبتُلي مجتمعنا ببعض المتشدّقين بها؛ بحيث يظنُّون أنَّ كلَّ من لا ينطق بالحروف بالصورة التي ينطقون فعمله فاسد غير مجزٍ ولا مبرئ للذِّمة! فعن الإمام موسى بن جعفر عن آبائهq قال: قال رسولe: >من انهمك في طلب النَّحو سُلِب الخشوع<([25]). وعن أبي عبد اللهg قال: >تجد الرَّجل لا يخطئ بلامٍ ولا واوٍ خطيباً مصقعاً، ولَقلبه أشدُّ ظلمةً من الليل المظلم، وتجد الرَّجل لا يستطيع يعبِّر عمَّا في قلبه بلسانه، وقلبُه يزهرُ كما يزهر المصباح<([26]).

الدُّعاء في مدرسة أهل البيتi:

إنَّ النَّاظر في تراث أهل البيتi يجده مشحوناً بالأدعية والمناجيات والأوراد والأحراز وما إلى ذلك في أبهى صورةٍ وأجمل تعبير، فهم أهلُ البلاغة واللغة، وكلامهم كما يشهد بذلك كلَّ مَن جال فيه أنَّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، فدونكم نهجُ بلاغةِ سيِّد البلغاء أمير المؤمنينg الذي هو تالي القرآن في العظمة وسحر البيان، وهاكم صحيفة سيِّد السَّاجدين وزين العابدينg زبور آل محمد وإنجيلهم، فكلماتهم وأدعيتهم تطفح بالبلاغة والبيان والبديع حتى صار العلماء يميِّزون بين أدعيتهم وأدعية من سواهم بسبك العبارات، وقوَّة التَّعبير، وجزالة الألفاظ، وتوافقها مع الأصول والأسس الدِّينية، وليس ذلك إلا لأنَّهم زُقُّوا العلمَ زقًّا، معصومون مطهَّرون، ومنزَّهون عن العيب والخطأ والشَّائبة، مضافاً إلى أنَّهم أعلم بلغة الخطاب مع الله عمن سواهم، ففعلهم معصوم، وقولهم معصوم، ودعاؤهم معصوم، يقرؤه الدَّاعي متلذِّذاً بمضامينه، مترقياً بمراقيه، متعلِّماً من مفاهيمه، فهو ليس كأيِّ دعاء يخطر على ذهن الدَّاعي، بل يمكن أن يقال إنَّ أدعيتهمi مدرسة متكاملة الفصول، متنوعة الدُّروس، يَرِدُ زلالها الظمآن فيرجع رَوِيّاً من معارفها العذبة، وعلومها العالية، ومفاهيمها الرَّاقية، قال أمير المؤمنينg: >ألا إنَّ اللسان بضعة من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، ولا يمهله النُّطق إذا اتسع، وإنَّا لأمراء الكلام، وفينا تنشبت عروقه، وعلينا تهدَّلت غصونه، واعلموا رحمكم الله أنَّكم في زمانٍ القائل فيه بالحقِّ قليل، واللِّسان عن الصِّدق كليل، واللازم للحقِّ ذليل<([27]).

الالتزام بالدُّعاء المأثور

ومن الأمور التي تُلاحَظُ في كلماتِهمiحرصهم على الالتزام بصيغ الدُّعاء كما ورد عنهمi بلا زيادة ولا نقيصة ولا تبديل، وهذا ما نرمي الإشارة إليه في هذه المقالة.

لا شَكَّ أنَّ الزِّيادة والنَّقيصة والتَّبديل في عبارات الدُّعاء ليس بحرامٍ ما لم يُنسب ذلك إليهمi، فَيَحْرُمُ مِنْ باب الكذب عليهم، ومع ذلك فقد وَرَدَ في جملةٍ من النُّصوص النَّهي عن الزِّيادة والنَّقيصة، وتبديل فقرات الدُّعاء، مع أنَّه لا يظهر منها إرادة نسبة هذا التَّغيير إليهمq، فما هو السَّبب في ذلك؟

لنَستَعرِض بعض هذه النصوص ثُمَّ نرجع للإجابة على السُّؤال المطروح.

عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللهg عن قول الله : {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}([28]) فقال: >فريضة على كلِّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشَّمس عشر مرات وقبل غروبها عشر مرات: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلِّ شيء قدير<، قال: فقلت: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويميت، ويميت ويُحيي" فقال: >يا هذا؛ لا شكَّ في أنَّ الله يُحيي ويميت، ويميت ويُحيي، ولكن قل كما أقول<([29]).

وعن العلاء بن كامل قال: سمعت أبا عبد اللهg يقول: >واذكر ربَّك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول عند المساء لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، ويميت ويحيي وهو كلِّ شيء قدير<. قال: قلت: بيده الخير، قال: >إنَّ بيده الخير، ولكن قل كما أقول لك عشر مرات، وأعوذ بالله السَّميع العليم حين تطلع الشَّمس وحين تغرب عشر مرات<([30]).

وعن عبد الله ابن سنان قال: قال أبو عبد اللهg: >ستصيبكم شُبهة، فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق<، قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: >تقول: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك<، فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثَبِّت قلبي على دينك، فقال: >إنَّ الله عزَّ وجل مقلِّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلِّب القلوب، ثَبِّت قلبي على دينك<([31]).

فما هو سرُّ اهتمامهمi بالحفاظ على صيغة الدُّعاء كما هو بلا أيِّ تبديلٍ حتى على مستوى الكلمة الواحدة؟

قد يقال: إنَّ السَّبَبَ هو إرادةُ عدمِ وقوع التَّحريف في كلامهمi، فإذا سمح المعصوم بتبديل كلمة في الدُّعاء إلى مرادفها أو ما في معناها فإنَّه لا يُؤْمَن من تغير تركيب الدُّعاء ككل على مرور الأزمنة المتطاولة.

 فَتَشَدُّدُهم في حفظ الدُّعاء كما ورد عنهمi غَرَضُهُ حِفظ الدُّعاء من التغير والتبدل، لكن يبقى السُّؤال عن عِلَّة هذا الغرض، فما هو الضَّير في نقل الدُّعاء بالمعنى كما سمحوا بذلك في رواياتهم الأخرى؟

جواز نقل الرِّوايات بالمعنى 

فعن ابن المختار أو غيره رفعه قال: قلت لأبي عبد اللهg: أسمع الحديث منك، فَلَعَلِّي لا أرويه كما سمعته فقال: >إذا أصبتَ الصلب منه فلا بأس، إنَّما هو بمنزلة تعال، وهلمَّ، واقعد، واجلس<([32]).

وعن عبد الله السَّياري عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد اللهg قال: >إذا أصبت معنى حديثنا فأعرب عنه بما شئت<([33]).

وعن محمَّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللهg: أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: >إن كنت تريد معانيه فلا بأس<([34]).

وعن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللهg: >إنّي أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء، قال: >فتعمد ذلك؟< قلت: لا، فقال: >تريد المعاني؟< قلت: نعم، قال: >فلا بأس<([35]).

سرّ الالتزام بنص الدُّعاء

يمكن أن يقال: إنَّ السرَّ في ذلك هو أنَّ الدُّعاء الوارد عنهمi أشبه بالوصفة الطبية أو الخطَّة العلاجية التي متى ما تغيَّر فيها شيء تغيَّرت النتيجة المرجوَّة. فعن أبي عبد اللهg أنَّه قال: >إنَّ الدُّعاء يردُّ القضاء، وقد نزل من السَّماء وقد أُبرمَ إبراماً<([36]). وعنهg أنَّه قال: >الدُّعاء يرد القضاء بعد ما أُبرم إبراماً، فأكثر من الدُّعاء فإنَّه مفتاح كلِّ رحمة، ونجاح كلِّ حاجة، ولا ينال ما عند الله عزّ وجلّ إلا بالدُّعاء<([37]).

فالدُّعاء القادر على رَدِّ القَضاءِ وقد أُبرِمَ إبراماً، والذي تُنال به كلَّ حاجة، لا شَكَّ في أنَّ له نحو تأثير تكوينيٍّ في الأمور بعد أن تَتَحَقَّقَ شرائطُه وترتَفِع موانعُه كما مرَّ. وبملاحظة أنَّهمg مستودع الأسرار الإلهية ومجمع الفضائل الرَّبانية، قد أَطْلَعَهم الله  على ما لم يُطْلِعْ عليه أحداً سواهم، وأنَّ من أحد هذه المعارف والعلوم التي بين يديهم علم الحروف والتراكيب اللغوية التي يمكن من خلالها وبصياغة خاصَّة أن تتحقَّق نتائج لا تتيسر بالطرق الاعتيادية؛ يُعلم سرُّ إصرارهم على عدم تبديل صيغة الدُّعاء.

نقل القندوزي في ينابيع المودَّة عن الشيخ عبد الرحمن بن محمَّد بن عليّ بن أحمد البسطاميّ قوله: 

"ثم إنَّ الإمام علياً ورث علم أسرار الحروف من سيدنا ومولانا محمَّد رسول الله e وإليه الإشارة بقولهe: >أنا مدينة العلم وعليّ بابها<، وهو أوَّل من وضع وفق مائة في مائة في الإسلام، ثمَّ الإمامان الحسن والحسين ورثا علم أسرار الحروف من أبيهما، ثمَّ ابنه الإمام زين العابدين ورث من أبيه علم أسرار الحروف، ثمَّ ابنه الإمام محمَّد الباقر، ثم ابنه الإمام جعفر الصادق، وهو الذي حلَّ معاقد رموزه، وفكَّ طلاسم كنوزه. وقال الإمام جعفر الصادق: >علْمنا غابر ومزبور، وكتاب مسطور، في رقٍّ منشور، ونكت في القلوب، ومفاتيح أسرار الغيوب، ونقر في الأسماع، ولا تنفر منه الطِّباع، وعندنا الجفر الأبيض، والجفر الأحمر، والجفر الأكبر، والجفر الأصغر، والجامعة، والصَّحيفة، وكتاب عليٍّ<"([38]).

وفي حديث مناظرة الإمام الرِّضاg مع عمران الصَّابي قال: >وكان أوَّل إبداعِه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلاً لكلِّ شيء، ودليلًا على كلِّ مدرك، وفاصلًا لكلِّ مشكل، وبتلك الحروف تفريق كلِّ شيء من اسم حقٍ وباطلٍ، أو فعل، أو مفعول، أو معنى، أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلُّها<([39]).

الحرص على عدم حصول الأعداء على الدُّعاء

فَيُحْتَمَلُ على هذا أن يكونَ السَّبب هو حفظ هذه التَّراكيب والعبارات عن التحريف كي تتحقَّق النتائج المرجوة منها، وقد يَشْهَدُ لذلك ما ورد عنهمq من حرصهم على أن لا تقع أدعيتهم بأيدي أعدائهم فيسيئوا الاستفادة منها لما لها من أثر تكويني كما يستفاد.

فقد ورد عن متوكل بن هارون أنَّه لقي يحيى بن زيد بن الإمام زين العابدينg وهو متوجِّهٌ إلى خراسان، فدار بينهما كلام كان من ضمنه أنَّ يحيى سأل المتوكل إن كان كتب شيئاً من العلم عن الإمام الصادقg، فأخرج له وجوهاً من العلم كان من ضمنها نسخة من الصَّحيفة السَّجادية. فأخرج يحيى نسخة أخرى من الصحيفة من حفظ أبيه زيد عن الإمام السجاد وقال: إنَّ أبي أوصاني بصونها، ومنعها غير أهلها. ثمَّ دفع نسخة المتوكل إلى غلام كان معه، وقال: اكتب هذا الدُّعاء بخط بيِّنٍ حسنٍ، وأعرضه عليَّ لعلي أحفظه، (فإنّي كنت أطلبه من جعفر حفظه الله فيمنعنيه).

 ثمَّ بعد أن علم أنَّه يُقتل كأبيه زيد كما أخبر به الإمام الصادقg، قال للمتوكِّل: "والله يا متوكل، لولا ما ذكرت من قول ابن عمي إنَّني أُقتَل وأصلب لما دفعتها إليك، ولكنتُ بها ضنِّينا، ولكنَّي أعلم أنَّ قوله حقٌّ أخذه عن آبائه، وأنَّه سيصح، (فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أمية فيكتموه ويدَّخروه في خزائنهم لأنفسهم)، فاقبضها واكفنيها وتربَّص بها، فإذا قضى الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاض، فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابني عمِّي محمَّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، فإنَّهما القائمان في هذا الأمر بعدي، قال المتوكِّل: فقبضت الصَّحيفة، فلمَّا قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة، فلقيت أبا عبد اللهg فحدثته الحديث عن يحيى، فبكى واشتدَّ وجدُه به، وقال: >رحم الله ابن عمِّي وألحقه بآبائه وأجداده، والله يا متوكِّل، ما منعني من دفع الدُّعاء إليه إلا الذي خافه على صحيفة أبيه، وأين الصحيفة؟< فقلت: ها هي. ففتحها، قال: >هذا والله خطُّ عمِّي زيد، ودعاء جدِّي علي بن الحسينg<، ثمَّ قال لابنه: >قم يا إسماعيل، فأتني بالدُّعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه<. ثمَّ وجَّه الإمامg إلى محمَّد وإبراهيم فجاءا. فقال: >هذا ميراث ابن عمَّكما يحيى من أبيه، قد خصكما به دون إخوته، ونحن مشترطون عليكما فيه شرطاً<. فقالا: رحمك الله، قل فقولك المقبول، فقال: >لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة<. قالا: ولم ذاك؟ قال: >إنَّ ابن عمّكما خاف عليها أمراً أخافه أنا عليكما<. قالا: >إنَّما خاف عليها حين علم أنَّه يقتل<، فقال أبو عبد اللهg: >وأنتما فلا تأمنا، فوالله إنّي لأعلم أنَّكما ستخرجان كما خرج، وستقتلان كما قتل<"([40]).

ورُوِيَ عن الإمام الباقرg في شأن دعاء السِّمات أنَّه قال: >إنَّ يوشع بن نون وصي موسىi لما حارب العماليق وكانوا في صور هائلة، ضعفت نفوس بني إسرائيل عنهم، فشكوا إلى الله عزَّ وجل، فأمر الله تعالى يوشعg أن يأمر الخواص من بني إسرائيل أن يأخذ كلُّ واحدٍ منهم جرَّة من الخزف فارغة على كتفه الأيسر باسم عمليق، ويأخذ بيمينه قرنا مثقوباً من قرون الغنم، ويقرأ كلُّ واحد منهم في القرن هذا الدُّعاء -يعني دعاء السمات– (لئلا يسترق السمع بعض شياطين الجنِّ والإنس فيتعلَّموه)<([41]).

سبب آخر

ولقائلٍ أن يقول: إنَّ حرصهمg على عدم وقوع أدعيتهم بأيدي أعدائهم ليس من أجل هذا السَّبب، وإنَّما لأنَّ ذلك داخل في إذاعة سرِّهم إلى غير أهله التي قد وردت في حرمته روايات كثيرة. 

فعن أبي سعيد المدائني قال: قال أبو عبد اللهg: >اقرء موالينا السَّلام، وأعلمهم أن يجعلوا حديثنا في حصون حصينة، وصدور فقيهة، وأحلام رزينة، والذي فلق الحبَّة وبرأ النّسمة، ما الشاتم لنا عرضاً والنَّاصب لنا حرباً أشدُّ مؤونة من المذيع علينا حديثنا عند من لا يحتمله<([42]).

وعن أبي عبد اللهg أنَّه قال: >من أذاع علينا حديثنا هو بمنزلة من جحدنا حقنا<([43]). وقالg: >ليس منَّا من أذاع حديثنا، فإنَّه قتَلَنا قتل عمد لا قتل خطأ<([44]).

وباعتبار أنَّ أدعيتهمi مشحونة ببيان مقام النبيِّ الأعظم وأهل بيتهi عند الله، وما يستوجبونه من الاحترام والتَّقدير والانقياد والطَّاعة من الأمَّة نحوهم، إلى غير ذلك من المعارف الحقَّة التي يسلِّم بها كلُّ من وصلت إلى مسامعه؛ كان إذاعة ذلك وإشاعته بين أعداءهم الحاقدين الذين يأخذونهم بالتُّهمة والظنة ممَّا يجلب لهم ولشيعتهم المضرَّة والحرج، فحرصوا على أن لا تقع بأيدي أعداءهم وأن تتداول بين محبيهم وشيعتهمi.

وقد نُسب للإمام زين العابدينg قوله: 

إنِّي لأكتمُ من علمي جواهرَه   كيلا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنا

وقد تقدَّم في هذا أبو حسنٍ       إلى الحسينِ ووصَّى قبلَه الحسنا

وربَّ جوهرِ علمٍ لو أبوحُ به    لقيل لي أنتَ ممَّن يعبدُ الوَثنا

ولاستحلَّ رجالٌ مسلمون دمي   يرون أقبحَ ما يأتونَه حسنا([45])

عوداً على الاحتمال الأول

أقول: هذا احتمال وارد وصحيح، لولا وجود بعض النُّصوص التي تساعد الاحتمال الأوَّل. 

فعن صفوان الجمَّال قال: حملت أبا عبد اللهg الحملة الثَّانية إلى الكوفة وأبو جعفر المنصور بها فلمَّا أشرف على الهاشمية مدينة أبي جعفر أخرج رجله من غرز الرجل، ثمَّ نزل ودعى ببغلة شهباء، ولبس ثياباً بيضاً وكمَّة بيضاء، فلمَّا دخل عليه قال له أبو جعفر: لقد تشبَّهت بالأنبياء، فقال أبو عبد اللهg: >وأنَّى تبعدني من أبناء الأنبياء؟< فقال: لقد هممت أن أبعث إلى المدينة من يعقر نخلها ويسبي ذريتها، فقال: >ولم ذلك يا أمير المؤمنين؟< فقال: رفع إليَّ أنَّ مولاك المعلَّى بن خُنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال، فقال: >والله ما كان<، فقال: لست أرضى منك إلا بالطَّلاق والعتاق والهدي والمشي، فقال: >أبِالأنداد من دون الله تأمرني أن أحلف؟ إنَّه من لم يرض بالله فليس من الله في شيء<، فقال: أتتفقَّه عليَّ؟ فقال: >وأنَّى تبعدني من الفقه وأنا ابن رسول اللهe؟!< فقال: فإنَّي أجمع بينك وبين من سعى بك، قال: >فافعل<، فجاء الرجل الذي سعى به، فقال له أبو عبد الله: >يا هذا<، فقال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشَّهادة الرحمن الرحيم لقد فعلت، فقال له أبو عبد اللهg: >ويلك، تمجِّد اللهَ فيستحيي من تعذيبك، ولكن قل: برئت من حول الله وقوته، وألجئت إلى حولي وقوتي<، فحلَف بها الرَّجل، فلم يستتمَّها حتى وقع ميتاً، فقال له أبو جعفر: لا أصدق بعدها عليك أبداً، وأحسن جائزته وردَّه([46]).

وعن أمير المؤمنينg: >احلِفوا الظَّالم إذا أردتم يمينه بأنَّه برئ من حول الله وقوَّتِه، فإنَّه إذا حلَف بها كاذباً عُوجِل، وإذا حلَف بالله الذي لا إله إلا هو لم يُعاجَل؛ لأنَّه قدْ وحَّد الله سبحانه<([47]).

وعن الإمام الرِّضا عن أبيهg: >إنَّ رجلًا وشى إلى المنصور أنَّ جعفر بن محمَّدh يأخذ البيعة لنفسه على النَّاس ليخرج عليهم، فأحضره المنصور, فقال الصادقg: >ما فعلت شيئاً من ذلك<، فقال المنصور لحاجبه: حلِّف هذا الرَّجل على ما حكاه عن هذا -يعني الصَّادقg- فقال الحاجب: قل والله الذي لا إله إلا هو، -وجعل يغلِّظ عليه اليمين - فقال الصَّادقg: >لا تحلِّفه هكذا، فإنِّي سمعتُ أبي يذكر عن جدِّي رسول اللهe أنَّه قال: >إنَّ مِن النَّاس من يحلف بالله كاذباً، فيعظِّم الله في يمينه ويصفه بصفاته الحسنى فيأتي تعظيمه لله على إثم كذبه ويمينه، ولكن دعني أُحلِّفه باليمين التي حدثني أبي عن رسول اللهe أنَّه لا يحلف بها حالف إلا باء بإثمه<، فقال المنصور: فحلفه إذاً يا جعفر، فقال الصادقg للرجل قل: >إن كنتُ كاذباً عليك، فبرئت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي<، فقالها الرَّجل، فقال الصَّادقo: >اللهم إن كان كاذباً فأمته<، فما استتمَّ كلامه حتى سقط الرَّجل ميِّتاً، واحتمل، ومضى به([48]).

فيتَّضح من ذلك أنَّ للدُّعاء تأثيرٌ ولو وقع من الظَلَمة وهو ما أسميناه بالأثر التكويني للدعاء، مضافاً إلى أنَّه قد ورد المنع من بذله حتى لغير أعدائهمi، فقد ورد عن الإمام الباقرe في وصف دعاء السمات أنَّه قال: >هذا من عميق مكنون العلم ومخزونه، فادعوا به، ولا تبذلوه للنِّساء السُّفهاء، والصُّبيان، والظَّالمين والمنافقين<([49]).

وقد عَلَّقَ صاحب رياض السالكين السيد عليّ خان المدنيّ& على هذه الرِّواية بقوله: "وإنَّما أمر بمنعها هؤلاء لئلا يستعملون الدُّعاء بها فيما لا يحلّ سفهاً أو ظلماً"([50]).

الخلاصة:

على جميع الاحتمالات المتصوَّرة في الغرضِ من حفظ الدُّعاء كما ورد، والتي منها احتمالية الأثر التَّكويني للدُّعاء وإن كنَّا لا نجزم بذلك؛ لا شكَّ أن الالتزام بالأدعية المأثورة عن أهل البيتi هو الأولى والأفضل والأسرع للنتيجة، من جهة أنَّهم الأقرب والأعرف بلغة الخطاب مع الله.

 ولذلك فإنَّا نأمل من قرَّاء الأدعية المحترمين -زادهم الله توفيقاً ورضا- الالتزام بما ورد عنهمi في الأدعية المأثورة، بلا زيادة ولا نقيصة، ولا تبديل؛ لأجل حصول الغاية المنشودة من الدُّعاء.

نسأل الله)  أن ينظر إلينا بعين اللُّطف والرَّحمة، وأن يوفِّقنا لما يقربنا من رضاه، وأن يرفع هذا الوباء والبلاء عن رؤوس عباده الضُّعفاء بجاه نبيه الأعظم وآله الميامين صلوات الله عليهم أجمعين.

 

 

 


 


([1])  طه: 25 -28.

([2]) البقرة: 186.

([3]) النمل: 62. 

([4]) غافر: 60.

([5]) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص 559.

([6]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 3، ص 340.

([7]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسيّ، ج 2، ص 130.

([8]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 7، ص 139.

 

([9]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 3 ص 476.

([10]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 4، ص 1169.

([11]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 1، ص 107.

([12]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 7، ص 138.

([13])  الأنفال: 28.

([14]) الأماليّ، الشيخ الطوسيّ، ص 580.

([15])  الأنفال: 28.

([16]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 7، ص 137.

([17]) الزمر: 67. 

([18]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 1، ص 92. 

([19]) المصدر نفسه.

([20]) المصدر نفسه، ج 1، ص 93.

([21]) الخصال، الشيخ الصدوق، ص 344.

([22]) بحار الانوار، العلامة المجلسيّ، ج 1، ص 212.

([23]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 6، ص 220.

([24]) المصدر نفسه، ج 6، ص 221.

([25]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 17، ص 329.

([26]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 2، ص 422.

([27]) بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 68، ص 292.

([28])  طه: 130.

([29]) الخصال، الشيخ الصدوق، ص 452.

([30]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 2، ص 527.

([31]) بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 52، ص 148.

([32]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 27، ص 105.

([33]) المصدر نفسه.

([34]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 1، ص 51.

([35]) المصدر نفسه.

([36]) المصدر نفسه، ج 2، ص 469.

([37]) المصدر نفسه، ج 2، ص 470.

([38]) ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزيّ، ج 3، ص 198.

([39]) عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 154.

([40]) راجع الصَّحيفة السَّجَّادية، ص 619.

([41]) بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 13، ص 372.

([42]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 2، ص 79.

([43]) المصدر نفسه.

([44]) المصدر نفسه.

([45]) الوافيّ، الفيض الكاشانيّ، ج 1، ص 11.

 

([46]) الكافيّ، الكلينيّ، ج 6، ص 446.

([47]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 23، ص 270.

([48]) وسائل الشيعة، الحر العامليّ، ج 23، ص 271.

([49]) بحار الأنوار، العلامة المجلسيّ، ج 87، ص 102.

([50]) رياض السالكين، سيد عليّ خان المدنيّ، ج 1، ص 102.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا