إطلالة على الشُّبهات العلميَّة حول القرآن الكريم

إطلالة على الشُّبهات العلميَّة  حول القرآن الكريم

الملخَّص:
تعرَّض الكاتب إلى الشُّبهات المُثارة حول القرآن الكريم ودعوى تعارضه مع العِلم في أربعة محاور؛ الأوَّل في ضرورة البحث وشروط العلاقة بين القرآن والعلم وتاريخ هذه العلاقة، والمحور الثَّاني في تصنيف الشُّبهات إلى خمسة تصنيفات، والمحور الثَّالث في ذِكر سبعة مناهج علمية للجواب عن هذه الشُّبهات مع مناقشة بعض هذه المناهج، وفي المحور الأخير في بعض النَّماذج لهذه الشُّبهات.

المقدِّمة
بسْمِ الله الرَّحمن الرَّحيم، والحمدُ لله، والصَّلاة على رسول الله، وآله حجج الله.
إنَّ تصيُّد التَّهافت والخطأ المتوهَّم في النَّصِّ القرآنيّ يعدُّ مقصداً ومطمعاً مركزيّاً في محاولات نقد الإسلام. ولا ريب في وضوح الرَّبط بين بطلان دعوى الوحيانيَّة ووجدان الخطأ في النَّصّ القرآنيّ؛ فالوحيانيَّة، وهي كون مصدره هو الله تعالى، تقتضي العصمة للنَّصّ القرآنيّ على جميع الأصعدة. والقرآن نفسه يعبِّر عن هذه الحقيقة في آيات عديدة، كما قال تعالى {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}‌(فُصلَّت: 42). فالخطأ صورةٌ من صور الباطل الَّتي ينفيها القرآن عن نفسه. 
وفي محلّ آخر يستند القرآن لإثبات وحيانيَّته على خلوِّه من صور الاختلاف والتَّهافت، ويطالب بالتَّدبُّر في آياته الَّذي سينتهي إلى الحكم بخلوِّه من أيّ صورة اختلاف وتهافت؛ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً}(النِّساء: 82). والباطل والخطأ صورةٌ من صور التَّهافت والاختلاف بين النَّصّ والواقع، إن عمَّمنا مفهوم الاختلاف ليكون داخليّاً وخارجيّاً.
ومن أجل ذلك كانت الشُّبهات الَّتي تَنسِب الباطل إلى القرآن ميداناً جليل الخطَرِ، عظيم الأهمِّيَّة الَّتي تُلزم بتناوله ومعالجته. وينضاف مؤكّدٌ على أهمِّيَّة البحث فيها، وهو أنَّ انتساب القرآن الكريم، وجميع ما في الدَّفتين إلى صاحب الدِّين أمر يُطبِق عليه أهل الإسلام، وتفرضه الشَّواهد الَّتي يعترف بها عديد من الباحثين في تاريخ القرآن الكريم وتدوينه، من غير المسلمين أيضاً. وهذا يعني أنَّ توجُّه الإشكال على النَّصّ القرآنيّ، توجُّهٌ قطعيّ للإشكال على الدِّين نفسه. وهذا بخلاف الإشكال الوارد على السُّنَّة مثلاً، أو القضايا والمعارف الدِّينيَّة الأخرى كالأحكام؛ فإنَّ انتسابها في الجملة قد لا يكون قطعيّاً. وهذا أيضاً بخلاف الإشكال الَّذي يتوجَّه إلى نقد الكتب الدِّينيَّة الأخرى السَّماويَّة وغيرها، إذ يوفِّق كثير من أصحابها بين الإيمان بعدم موثوقيَّة نصوصها وعدم حفظها بشكل قطعيّ، وبين الإيمان بذلك الدِّين.
ويضمّ هذا الميدان أخطاء مدَّعاة متعدِّدة: لغويَّة، وتاريخيَّة، وحقوقيَّة، وتربويَّة، وفلسفيَّة، وعلميَّة وغيرها. وقد غدت هذه الشُّبهات إحدى أسباب الخروج عن الدِّين الإسلاميّ عند بعض منتسبيه في الأيام الرَّاهنة، وأوسع أبوابها حظّاً تلك الشُّبهات العلميَّة والَّتي تعنون بـ (الأخطاء العلميَّة في القرآن). يقول الملحِد الكيميائيّ الحيويّ الرُّوسيّ الأمريكيّ إسحاق أزيموف (Isaac Asimov) "إنَّ القراءة الدَّقيقة للكتاب المقدَّس هي القوَّة الأكثر فاعليَّة للإلحاد"([1]). وهذا ينسحب على النَّصّ الدِّينيّ بشكل عامّ، فبدوُّ تعارضه مع العِلم أصبح من أهمّ سُبُلِ نقد الدِّين وإنكاره.
والمراد بمفردة العِلم هنا، العِلم بالمعنى الأخصّ، وهو العِلم الطَّبيعيّ (Science) بصورته المعاصِرة، الَّذي يتَّخذ التَّجريب والمشاهدة منهجاً، والظَّواهر المادِّيَّة موضوعاً([2]).
وفي هذا المقال المختصر، يُطَلُّ بشكل عامّ على الشُّبهات العلميَّة بشكل إجماليّ، من غير قصد إلى استقصاء شامل جامع، بل هو نظر عامّ في محاولةٍ للفرز والتَّصنيف، ولتأسيس سبل المعالجة الممكنة ونقدها، مع شيء من التَّطبيق في الختام. وقبل ذلك، يبتدئ البحثُ بمقدّمة تُبرِز أهمِّيَّة البحث في بنود علاقة النَّصّ القرآنيّ مع العِلم، حيث يكون موقع البحث في الشُّبهات من أهمِّها.
المحور الأوَّل: في العلاقة بين القرآن والعلم
أوَّلاً: إلحاح البحث حول العلاقة
العلاقة الَّتي تُقصد في المقام، هي التَّمايز أو الاتِّصال، وعلى الثَّاني التَّوافق أو التَّضادّ. والتَّمايز هو تعبير عن انعدام العلاقة بينهما، بخلاف الاتِّصال، الَّذي يعني اشتراكهما في تناول موضوع واحد. وهذا الاتِّصال قد يظهر بصورة يتَّفق فيه موقفهما إزاء موضوع ما، فيكون توافقاً، وقد يختلف، فيكون تخالفاً. ويوجد -لدى الغرب- اليوم نظريَّات أربع مشهورة لتشخيص العلاقة بين الدِّين بشكل عامّ والعلم، وهي: التَّكامل (Integration)، وعدم التَّوافق (Incompatibility)، والاستقلال (Independence)، والحوار (Dialogue)([3]). وهي لا تخرج عن ما ذكر ولو على مستوى التَّلفيق.
وعلى أيّ حال، تتعدَّد الأسباب الدَّاعية إلى النَّظر والبحث حول طبيعة العلاقة بين النَّصّ القرآنيّ والعلم الطَّبيعيّ. ومن أهمِّها ما يلي:
١. يُعدّ جدل العلاقة بين العِلم والدِّين أحد أهمّ ما أفرزته التَّحولات المعرفيَّة للحضارة الغربيَّة في القرون المتأخِّرة. والنَّاظر إلى مفاصل هذا الجدل عن كثب، يجد أنَّ أبرزها هي ما كان تساؤلاً راجعة عن العلاقة بين الدّين والنّصوص المقدّسة([4]).
فالتَّوفيق بين العِلم والدِّين في بعده الفلسفيّ والمتعلِّق بالذَّات الإلهيَّة المقدَّسة وصفاتها وأفعالها، ليس بالأمر العسير، بل إنَّه لا تقاطع مباشر بين العِلم وتلك المسائل. وأمَّا النَّصّ الدِّينيّ المتمثِل بالكتاب المقدَّس، فهو رأس الحربة في ما أسموه بالصِّراع بين العِلم والدِّين. فخذ مثلاً نظريَّة التَّطور الَّتي كانت موضوعاً للمناظرات الشَّهيرة في القرن الأخير، طرفاها الخلقيُّون (Creationists) والتَّطوُّريُّون (Evolutionists)، فإنّك لن تجد إشكاليَّات فلسفيَّة تعسر على المعالجة. لكنَّ الإشكاليَّة في ذروتها فهي بين النَّظريَّة وموقف الكتاب المقدَّس من خلق الإنسان وإمكان التَّوفيق بينهما. 
وما يُراد قوله هنا جملةً، أنَّ أهمّ مفاصل مباحث العِلم والدِّين وأصعبها حلّاً، هي ما كان راجعاً إلى العلاقة بين النَّصّ الدِّينيّ والعلم، لا إلى البعد العقديّ فيه.
٢. إنَّ حضور الظَّواهر الطَّبيعيَّة في القرآن الكريم لا تفسح مجالاً لتجاوز الحديث عن العلاقة بين موقف العِلم وموقف القرآن إزاء تلك الظَّواهر. فعلى بعض ما أحصاه بعض الباحثين([5]) هناك ما يربو على 1322 آية من القرآن الكريم يمكن أن تتَّصل موضوعاً مع العِلم، أي ما يزيد على سُدس القرآن. وهذا الحضور لهذا النَّوع من القضايا يفوق ما هو في التَّوراة والإنجيل، كما يذكر موريس بوكاي (Maurice Bucaille) صاحب كتاب القرآن والتَّوراة والإنجيل والعلم([6]).
٣. إنَّ العِلم التَّجريبيّ في حضارة اليوم يتسنَّم هرم المعرفة البشريَّة من حيث القيمة والتَّأثير. وبغضّ النَّظر عن تأييد ذلك من عدمه([7])، فإنَّ المزاج العامّ للمجتمعات البشريَّة خصوصاً الغربيَّة يعتبر العِلم الحالة المثاليَّة للحياة المعرفيَّة والإبداعيَّة البشريَّة، ويعتبره معياراً لقياس قيمة المعارف الأخرى. فمثلاً، هذا الأمر هو الَّذي جعل كثيراً من متخصَّصي العلوم الإنسانيَّة يحاولون إسباغ شيء من خصائص العلوم الطَّبيعيَّة على العلوم الإنسانيَّة. وذلك من حيث الموضوع من جهة، باختزال الظَّواهر الإنسانيَّة في أبعادها المادِّيَّة وتفسيرها بناءً على النَّظريَّات العلميَّة. ومن جهةٍ أخرى، من حيث المنهج إذ يحضر المنهج التَّجريبيّ بوضوح في تلك العلوم اليوم.
وهذه الأسباب وغيرها تفرض علينا انتهاج أسلوب علميّ موضوعيّ للتَّعامل مع نقاط الاتِّصال المفترَضة. كما أنَّ هذه الأسباب ولَّدت مادَّة خصبة لجهتَين؛ مناصري الإعجاز العلميّ في القرآن الكريم من أجل تدعيم وحيانيَّته من جهة، وأصحاب الشُّبهات العلميَّة لإثبات بشريَّة القرآن الكريم من جهة أخرى. 
والباحث هنا وفي هذا البحث يتموضع في جهة ثالثة تنفي بشريَّة القرآن ولا تلتزم بالضَّرورة بجميع بنود نظريَّات الإعجاز العلميّ.
ثانياً: شروط تحديد طبيعة العلاقة
لا يمكن أن ندرك العلاقة بين أمرَين، حتَّى تتَّضح لنا طبيعتهما بدقَّة؛ فإنَّ النِّسبة والعلاقة من المفاهيم الإضافيَّة الَّتي لا تقوم إلَّا بعد قيام طرفَيها. وكلَّما كانت درجة وضوح الطَّرفَين أعلى، كان إدراك النِّسبة ووضوحها أجلى أيضاً. فلا بدَّ من معرفة القرآن والعلم في المرتبة الأولى. 
ولا نعني بمعرفة القرآن هنا معرفة مدلولات نصوصه ومعانيه وتفسيره، بل جواب بعض السُّؤالات الَّتي يكون محورها القرآن نفسه. مثل: ما هو القرآن؟ ما هي أغراضه ومقاصده؟ ما هي طبيعة النَّصّ القرآنيّ وخصائصه؟ ما هي أدوات تحليله؟ وغيرها. ويمكن أن تُدرَج كلّ هذه المباحث تحت دائرة علوم القرآن.
ونعني بمعرفة العِلم، التَّعرف إلى المباحث المرتبطة بفلسفة العِلم (Philosophy of Science) الَّتي تجيب عن ماهيَّة العِلم، ومنهجه، وموضوعاته، والقيمة المعرفيَّة لقضاياه، وغيرها.
وهذا المبحث -أعني هويَّة القرآن الكريم وهویَّة العِلم- لو اتَّضح لانجلت سحابةٌ كبيرة من الشُّبهات عند كثيرين في هذا السِّياق. فمن باب التَّمثيل ما يلي:
١. إذا حدَّدنا السَّاحة الشَّرعيَّة لما يمكن أن يكون موضوعاً للقضايا العلميَّة - وهو المادَّة والطَّاقة وكل ما يمكن أن يكون له أثر قابل للقياس والملاحظة حسّاً - سوف يرتفع لدينا النِّقاش حول تضادِّه مع القرآن في موضوعات من قبيل: الله، الملائكة، والجنّ، والرُّوح، والنَّفس وما أشبهها. وقد يخال المرء أنَّ حدود العلوم وموضوعاتها مسألة بدهيَّة لا تحتاج إلى حمل النَّفس على إيضاحها وتأسيسها والاستدلال عليها. غير أنَّ نظرةً على مشهد البحث العلميّ اليوم كفيلة بإيضاح وجود خلل منهجيّ فلسفيّ عميق. فإنسان اليوم يطرق باب العِلم للحصول على إجابةِ كلّ تساؤلاته، غافلاً عن أنَّ من المصادرة الذَّهاب إلى العِلم مباشرة من دون تحديد دائرته، ووقوع موضوع التَّساؤل ضمنها أم لا([8]).
٢. إنَّ الإشكاليَّات المطروحة حول الظَّواهر الإعجازيَّة الَّتي يطرحها القرآن الكريم سوف لن تصنَّف على أنَّها من موارد التَّضادّ بين العِلم والقرآن. وذلك لأنَّ إمكان ارتفاع الاطِّراد في السُّنن الطَّبيعيَّة الَّتي كشف عنها العِلم، ليس موضوعاً علميّاً، بل فلسفيّ. وبعبارة أخرى القيمة المعرفيَّة للقضيَّة العلميَّة، وطبيعة العلاقة الَّتي تكشف عنها من المبادئ الَّتي تأخذها من الفلسفة. وبناءً عليها يمكن البتّ في إمكان الإعجاز من عدمه. ويأتي الموضوع في ثنايا البحث. 
٣. وأيضاً، إذا تعرَّفنا إلى أغراض النَّصّ القرآنيّ، وهو الهداية، لارتفع موضوع التَّساؤل حول عدم ذكر قضايا علميَّة ثابتة في القرآن الكريم بوضوح، يمكن أن تصنع مثلاً تحوُّلاً حضارياً، كالنَّظريَّة الذَّرِيَّة، ودوران الأرض حول الشَّمس وغيرها، ويمكن أن تُعدّ امتيازاً إعجازيّاً للقرآن الكريم. وسيُشار إلى شيء من التَّفصيل حول الإشكال ورده.
٤. وكذلك تنشأ بعض الشُّبهات لوجود خلل في أدوات القراءة وتحديد مداليله وظهوراته. فمثلاً، تلك الشُّبهات الَّتي تذهب إلى أنَّ القرآن الكريم يرى أنَّ الأرض مسطَّحة من خلال آية أو آيتَين، من دون استقراء جميع الآيات الَّتي تشير إلى الموضوع. فإنَّ النَّاظر يرى أنَّ بعضها يدلّ على خلاف ذلك. والخلاصة، أنَّ الظُّهور الحقيقيّ لا يكون إلَّا بعد بحث موضوعيّ، يستقرئ جميع الآيات حول الظَّاهرة المعيَّنة.
ثالثاً: العلاقة التَّاريخيَّة بين القرآن والعلم
هناك فرق بين العلاقة العلميَّة بين منظومتَين معرفيَّتَين، وبين العلاقة التَّاريخيَّة والاجتماعيَّة بينهما. وكثيراً ما تكون الثَّانية صدى وأثراً لطبيعة العلاقة الأولى. ونعني بالعلاقة العلميَّة ما يضمّ دخول أحدهما في مبادئ الآخر، الاستفادة بينهما في سبيل إنتاج القضايا والاستدلال عليها، والتَّداخل بين المسائل والقضايا وعدمه، والتَّوافق أو التَّخالف، وغيرها ممَّا يرتبط بالمعرفة نفسها منفصلةً عن سياقاتها التَّاريخيَّة والاجتماعيَّة. وأمَّا العلاقة التَّاريخيَّة والاجتماعيَّة، فيُبحث فيها ما إذا كان علم ما له أثر في ولادة علم آخر مثلاً، أو تراجع ممارسته، وغيرها من المسائل المتَّصلة بالآثار المتبادلة في مسير وتطوُّر العلوم تاريخيّاً وخصائصها وآثارها الاجتماعيَّة.
وحين نلاحظ القرآن الكريم كمنظومة معرفيَّة من جهة، والعلم الطَّبيعيّ كمنظومة معرفيَّة من جهة أخرى، فهل نجد هناك بصمات على الحركة التَّاريخيَّة ولادةً ونموّاً وتطوّراً؟
لا يخفى أنَّ للقرآن دوراً تاريخيّاً مؤثِّراً غير مباشر في المستوى الَّذي وصل إليه العِلم البشريّ التَّجريبيّ المعاصِر. ذلك أنَّه هو المصدر الفكريّ الأوَّل للحضارة الإسلاميَّة الَّتي لم تجد أبداً -إبَّان نموِّها- أيّ تضادٍّ بين السَّعي لكشف القوانين الكونيَّة وتوظيفها، وبين المعرفة الَّتي يقدِّمها القرآن. بل كان القرآن يحثّ ويدفع بشدَّة نحو امتلاك أسباب القوَّة، والسَّعي والنَّظر في آفاق الكون، ورفع قيمة العقل والتَّعقُّل والعلم، وغير ذلك. ولا ريب في أنَّ الحضارة الإسلاميَّة حلقة رئيسة في التَّطوُّر التَّاريخيّ للعلم.([9]) يقول غوستاف لوبون (Gustave Le Bon) في كتابه (حضارة العرب) ضمن فصل عقده لبحث تمدين العرب لأوروبا: "ودامت همجيَّةُ أوروبَّا البالغة زمناً طويلاً من غير أن تشعر بها، ولم يبد في أوروبَّا بعض الميل إلى العِلم إلَّا في القرن الحادي عشر وفي القرن الثَّاني عشر من الميلاد، وذلك حين ظهر فيها أناسٌ رَأَوا أن يرفعوا أكفان الجهل الثَّقيل عنهم فولَّوا وجوههم شطر العرب الَّذين كانوا أئمَّةً وحدهم"([10]).
وما ينبغي الإلفات له أنَّه قد يحاول البعض انطلاقاً من هذه العلاقة التَّاريخيَّة ردّ شبهة التَّضادّ بين القرآن والعلم، وليس هو مجرَّد توافق بل هي علاقة إيجابيَّة ضروريَّة؛ إذ لو لم يكن القرآن صانعاً للمحتوى الفكريّ والثَّقافيّ لتلك الحقبة التَّاريخيَّة لما تولَّدت بذور قيام الثَّورة العلميَّة الجديدة. 
ولكنََّ هذه العلاقة التَّاريخيَّة لا تكفي لردّ شبهة التَّضادّ، وذلك لأمور، منها:
١. قد يقول أصحاب الشُّبهة بأنَّ العِلم الحديث يختلف عن الممارسات العلميَّة ما قبل العصر الحديث، أي القرن السَّابع عشر. فهو يتَّخذ أسلوب التَّجريب بشكل أعمق وبصورة أكثر منهجيَّة، أضف إلى أنَّ النَّظريَّات العلميَّة المعاصرة تختلف بشكل جوهريّ عن نظريَّات تلك المرحلة. فما يُسمَّى علماً في الحضارة الإسلاميَّة، منظومة معرفيَّة مختلفة الهويَّة والنَّتائج عن العِلم الحديث. فبحث العلاقة بين القرآن وتلك الممارسات العلميَّة شيء، وبينه والعلم الحديث شيء آخر.
ونحن وإن كنَّا لا نوافق على محاولات الفصل التَّامّ بين هويَّة الممارستَين، لكنَّنا نتَّفق على الاختلاف الفارق في بنود المنهج، والنَّتائج([11]).
٢. الجهة الَّذي تتناولها شبهات التَّضادّ هي مضمون الآيات الَّتي تتناول الظَّواهر الطَّبيعيَّة ومدى توافقها مع العِلم، وليس تلك الآيات الَّتي تحثّ على طلب العِلم وغيرها، ممَّا يُعدّ أرضيَّة لبلورة التَّوجُّه العلميّ الحضاريّ والَّذي اتَّصفت به الحضارة الإسلاميَّة. فقد يسلِّم صاحب الشُّبهة بأنَّ بعض القرآن مؤسَّس لحركة وبيئة حضاريَّة علميَّة، لكنَّ بعضه الآخر -بحسب زعمه- ما هو إلَّا انعكاس للأساطير والنَّظريّات القديمة حول الطَّبيعة والَّتي لا تتَّفق مع العِلم!
المحور الثَّاني: في الشُّبهات العلميَّة وتصنيفها
إنَّ ما يمكن أن يُدرَج تحت عنوان الشُّبهات العلميَّة في القرآن الكريم ليس على نوعٍ واحدٍ. فلا بدَّ من إجراء تنويعٍ وتصنيفٍ ينوِّع طبيعة المعالجة والجواب. ومن هنا، سيحاوَل تصنيف الشُّبهات إلى مجموعات خمس: قسم متعلِّق بما وراء الطَّبيعة، وقسم متعلِّق بغرض القرآن، وقسم متعلِّق بالإعجاز، وقسم متعلِّق بالتَّاريخ، وقسم متعلِّق بالطَّبيعة فعلاً. وسيتَّضح أنَّ دائرة ما يمكن أن يدرج ضمن شبهات التَّضادّ بين القرآن والعلم ما هو إلَّا القسم الأخير.
الدَّائرة الأولى: الغَيب
وهي الشُّبهات الَّتي توَجَّهُ نحو الآيات المتناولة لظواهر غير طبيعيَّة. فمع كون العِلم الطَّريق الأمثل لإثبات حقائق الكون، إن لم يكن الوحيد الَّذي يمكن الوثوق به -بحسب دعوى صاحب الشُّبهة-، فإنَّه -أي العِلم- لا يُفلِح أن يُثبِت وجود الحقائق الَّتي تدَّعيها الكتب المقدَّسة، ومنها القرآن. هذه الحقائق من قَبيل: الله، الملائكة، إبليس والشَّياطين والجنّ، الجنَّة والنَّار والبرزخ وغيرها. وإذن لا طريق موثوق لإثباتها.
أضف إلى أنَّ القرآن يتحدَّث أيضاً عن العلاقة بين هذه الموجودات وعالم الطَّبيعة، فالله يتوفَّى الأنفس، والملائكة تدبِّر العالم، وإبليس والشَّياطين توسوس. لكنَّ العِلم يستطيع أن يفسِّر الظَّواهر الطَّبيعيَّة بلا حاجة لإضافة هذه الموجودات. 
إذاً، حتَّى لو تنازلنا عن القضايا الَّتي تكون من سنخ القضايا الغيبيَّة، لمبرِّر خروجها عن اختصاص العِلم وموضعه، فإنَّنا لا نتنازل عن القضايا الَّتي تحوي ظواهر طبيعيَّة. ودعوى ارتباطها بعناصر غيبيَّة يعني أنَّ قوانينها لا يمكن أن تُدرَك ويُتنبَّأ بها إلَّا مع أخذ تلك العناصر الغيبيَّة بعين الاعتبار. ولكنَّ العِلم يستطيع أن يفسِّر هذه الظَّواهر الطَّبيعيَّة بمعزل عن إدخال أيّ عنصر من خارج المشهد المادِّيّ والطَّبيعيّ. وبالتَّالي تُعتبَر تلك القضايا الَّتي تخلط الغيب بالشّهادة ممَّا يتضادّ مع النَّتائج العلميَّة.
المعالجة الإجماليَّة:
المحاولة الأولى:
يُقدِّم البعض إزاء ظواهر الغيب في القرآن الكريم معالجةً، تحاول أن تجرّ الغيب إلى الشَّهادة، وما وراء المادَّة إلى المادَّة ما أمكن. وذلك من خلال اعتبار تلك اللُّغة الرَّمزيَّة والمجازيَّة في المشهد، فالملائكة رمز للقوانين الطَّبيعيَّة، والجنّ رمز للكائنات الدَّقيقة، وهكذا([12]). وما يبرِّر للقرآن استعمال هذا النَّوع من التَّخاطب أنَّ المجتمع المخاطب الأوَّل لم يكن ليدرك تلك الدَّقائق والحقائق والقوانين، والتَّصريح بشيء من هذا القبيل عامل عكسيّ في الإيمان والهداية، ومن هنا كان الرَّمز. فإذاً، ليست قضايا الغيب دائماً غيباً، وكذا قضايا الغَيب-شهادةً إن صحّ التَّعبير.
وهذه الطَّريقة من التَّعامل مع النَّصّ القرآنيّ محلّ تأمُّل لأمور.
منها: أنَّ حضور الغَيب في القرآن الكريم ممَّا لا يمكن إنكاره، واستناد دعواه بوجود الغيب وضرورة الإيمان به، استناد قطعيّ. فوجدان مشكلة في الغيب لا يتناسب أبداً مع الإيمان بالقرآن، بل بالخالق نفسه لأنَّه من سنخ الغيب.
ومنها: أنَّ القراءة الرَّمزيَّة، وإن لم يوجد دليل على انتفائها تماماً عن النَّصّ القرآنيّ، إلَّا أنَّها تحتاج دائماً إلى قرائن واضحة، كونها قراءة خلاف الظَّاهر الَّذي قامت الأدلَّة على اعتباره. 
المحاولة الثَّانية:
والإجابة الدَّقيقة على هذه الإشكاليَّات تتَّصل -كما أسلفنا- بالفلسفة، وفلسفة العِلم الطَّبيعيّ. فالقضيَّة الَّتي تتَّصل بالعلم هي ما كان موضوعها ومحمولها وكلّ قيودها، محسوسةً أو ذات أثر قابل للحسّ المباشر. 
وعليه، فإنَّ أيّ قضيَّة يكون أحد أطرافها أو قيودها لامادِّيّاً أو محتمل اللَّامادِّيَّةِ، فإنَّها تكون خارجة عن منال يد العِلم، ولا يمكنه أن يبتّ فيها نفياً ولا إثباتاً. وأمَّا دعوى أنَّ إمكان التَّنبُّؤ والوصف للظَّاهرة العلميَّة بلا حاجة لإدخال عنصر آخر دليل على عدمه، فهي مردودة لأنَّ ذلك العنصر الآخر قد يكون جزءاً من العلَّة والسَّبب الَّذي يؤدِّي إلى ثبات تلك العلاقة، وغاية ما في الأمر أنَّه غير مدرَك بالحسّ. 
وقد خبر العِلم في تاريخه، كما يؤمن كثير من فلاسفة العِلم، أنَّ القدرة على التَّنبُّؤ ليست ميزاناً منطقيّاً في تقييم القضيَّة والنَّظريَّة العلميَّة، وليس نموذج بطليموس إلَّا مثالاً لعشرات القضايا العلميَّة من هذا القبيل. 
وأخيراً، لا يصحّ إدراج هذه الشُّبهة ضمن الشُّبهات العلميَّة، بل هي إشكاليَّة فلسفيَّة. فإذا ثبت بالدَّليل الفلسفيّ استحالة وجود ما وراء المادَّة كان ذلك نقضاً على القرآن وإشكاليّة فلسفيَّة عليه. وأمَّا إذا ثبت بالدَّليل الفلسفيّ الإمكان أو الوقوع أو الضَّرورة، لم يكن من شبهة في البَين.
الدَّائرة الثَّانية: الغرض والمقاصد
يمكن بيان الشُّبهة كما يلي: إذا كان غرض القرآن هو إقناع النَّاس به وهدايتهم إليه من جهة، وبناء مجتمع وأمَّة قويَّة مؤمنة به، بل حضارة إيمانيَّة، فلماذا لا نجد فيه ذكراً واضحاً وصريحاً للحقائق العلميَّة المهمَّة فيكون قد أسهم في تحقيق الغرضَين؟ 
فالتَّساؤل هو حول إعراض القرآن الكريم عن ذكر حقائق علميَّة بوضوح، يمكن أن تؤدِّي دوراً إقناعيّاً إعجازيّاً عقديّاً من جهة، ودوراً بنائيّاً حضاريّاً من جهة أخرى. فالنَّظريَّة الذَّرِيَّة (Atomic Theory)، والنَّظريَّة الخلويَّة (Cell Principle) مثلاً من القضايا العلميَّة الَّتي أصبح العِلم ودوره الحضاريّ بعدها مغايراً لما قبلها، وكان لها الدَّور الحضاريّ والصِّناعيّ الَّذي لا زالت تشهد آثاره. وإعراض مؤلِّف النَّصّ عن ذكرها الَّذي يحقِّق الأغراض الجسيمة ليس إلَّا لأنَّ قائل القرآن لا يتَّسم بالعلم المطلَق، فلا يمكن أن يكون قائله خالق الكون!
المعالجة الإجماليَّة: 
وفي الرَّدّ على هذا الإشكال، نقول: 
أوَّلاً: إنَّ القرآن عبَّر عن غرضه مبثوثاً في سوره وآياته المختلفة، وهو تحقيق هداية الإنسان، وتحقيق كماله بإيصاله إلى الهدف من إيجاده، وهو العبوديَّة، كما أراده خالقه. وإخباره بهذه الحقائق لا تتَّصل بهذا الغرض بشكل أوَّليّ، ولا تستلزم ذلك بشكل ثانويّ. 
يقول السَّيِّد الطَّباطبائيّ، في تفسيره الميزان، في تفسير قوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ}(النّحل: 89): "و إذ كان كتابٌ هدايةً لعامَّة النَّاس وذلك شأنه كان الظَّاهر أنَّ المراد بكلّ شيء كلّ ما يرجع إلى أمر الهداية ممَّا يحتاج إليه النَّاس في اهتدائهم من المعارف الحقيقيَّة المتعلِّقة بالمبدأِ والمعاد والأخلاق الفاضلة والشَّرائع الإلهيَّة والقصص والمواعظ فهو تبيان لذلك كلِّه"([13]).
وفي الكشَّاف، يذكر الزَّمخشريّ عقيب الآية نفسها: "فإن قلت : كيف كان القرآن تبياناً لّكُلّ شَيء؟ قلت: المعنى أنَّه بين كل شيء من أمور الدِّين ، حيث كان نصّاً على بعضها وإحالة على السُّنَّة ، حيث أمر فيه باتِّباع رسول اللهf وطاعته"([14]).
ثانياً: إنَّ تصدِّي الخالقa لِكشف حقائق الكون بعد أن كان قد أعطى الإنسان القدرات العقليَّة والعمليَّة للوصول إلى ذلك، تعطيل لتلك الطَّاقات، فتكون عبثاً ولغواً يجلّ عنه الحكيم. وإنَّما غرض القرآن التَّصدِّي لبيان ما لا يسع النَّاس الوصول إليه من معارف. كما أنَّه كثيراً ما يوجه الطَّاقات البشريَّة نحو النَّظر المعمَّق والمتأمِّل في الكون، منطلِقاً من الأخذ بعين الاعتبار قدرة البشر المودَعة لفهم الطَّبيعة وفهم آيَوِيَّتِها. فمرَّةً يقول انظروا([15])، وأخرى سيروا([16])، وأخرى تفكَّروا([17])، كلّ ذلك لأنَّه يبني على أنَّ أدوات النَّظر قد أوتيها الإنسان في رتبة سابقة.
ثالثاً: إنَّ قضايا من هذا القبيل غير قابلة للمحاكمة من قِبل المجتمع المخاطب الأوَّل، وسيعتبِر العجزَ عن تقييمها مبرِّراً لإنكار النَّصّ القرآنيّ. فلو قد قيل لأولئك -مثلاً- إنَّ الأرض الَّتي تظنَّونها ساكنة، تسير في الفضاء بسرعة([18]) لو أنَّ أحدكم سار بها من مكَّة إلى المدينة لوصل في مدَّة قراءة بيتَين من شعر مثلاً (10 ثوان)! لو قيل لهم ذلك، لما كان منهم إلَّا أن يرمونه بالجهل والجنون.
وببيان أسهب: إنَّ ذكر غرائب الأمور وممَّا لا يجد السَّامع عليه دليلاً من أكثر الأمور الَّتي تنفِّره، وتجعله يستخفّ بقيمة الكلام وعقل قائله. فهب أنَّ القرآن أخبرهم أنَّ الشَّمس والأرض كرتان تسبحان في الفضاء بسرعة تفوق سرعة الصَّوت، وأنَّ هناك كائنات دقيقة لا ترى بالعين المجرَّدة، وأنَّ النُّجوم شموس كشمسكم، وغيرها من الحقائق الَّتي لا تستطيع عقولهم أن تتصيَّد دليلها. كلّ ذلكم سيؤكِّد الاتِّهامات الموجَّهة لصاحب الشَّريعة بالخرافة وأساطير الأوَّلين أو الجنون، ولن تكون للدَّعوة ولادة ولا انتشار. ألا ترى أنَّ هناك العدد الغفير من النَّظريَّات العلميَّة المعروفة الآن والَّتي لها تاريخ ممتدّ، ولكن عدم وجدان دليل يعضدها جعلها مهجورة إلى أن جاء زمان أمكن إثباتها فبعثت من جديد؟
ومن المهمّ أيضاً الالتفات إلى أنَّ قدرة النَّاس عادةً على تقبُّل الغيبيَّات لها حدّ، ومن الحريّ أن تُصرف في تحقيق الأغراض الكبرى، من هداية النَّاس إلى خالقهم، وكمالهم، وما لا يفلحون فيه إلَّا بعون الوحي.
رابعاً: هذا، على أنَّ القرآن تعرَّض إلى كثير من ذلك بشكل استطراديٍّ وغير صريح، بصورة يمكن أن تعضد دليل الإعجاز والوحيانيَّة. وهو تعرُّضٌ لا يعبِّر عن إرادة جادَّة لتغيير المعرفة الطَّبيعيَّة بالضَّرورة. 
خامساً: إنَّ التَّدليل على وحيانيَّته تفي فيه مباحث الإعجاز البلاغيّ والبيانيّ والمضمونيّ، وكفى بها حجَّة. 
سادساً: ممَّا يجدر تأكيده أنَّ القرآن الكريم نزل في ظرف مليء بالأساطير والخرافات والآراء الباطلة المتعلِّقة بالطَّبيعة، وهو بعيدٌ كلّ البعد عن مراكز الحضارات الكبرى آنذاك. وإنتاج كتاب في هذه البيئة سليماً من الأساطير على نحو الصَّراحة لهو كالخروج من الماء بلا بلل، ولا يكون إلَّا إعجازاً، أو قرينة قويَّة على الوحيانيَّة!
الدَّائرة الثَّالثة: الإعجاز
من أهمّ الإشكاليَّات الَّتي قوَّضت حضور الدِّين في الغرب هي ما أثارها ديفيد هيوم. ومن جملتها إشكاليَّات عديدة تتَّصل بإمكان الإعجاز والقيمة التَّاريخيَّة للإعجاز المنقول، خصوصاً في كتابه مبحث في الفاهمة البشريَّة (An Enquiry Concerning Human Understanding)([19]).
ومجمل ما يُدَّعى في الشُّبهات الَّتي تدرج ضمن تعارض النَّصّ مع العِلم من هذه الدَّائرة، أنَّ الخبر الَّذي ينقله النَّصّ الدِّينيّ ويكون دالّاً على أمر خلاف القانون الطَّبيعيّ الَّذي كشف عنه العِلم لا يمكن التَّصديق به. حتَّى لو كانت القضيَّة العلميَّة استقرائيَّة، فإنَّها تصل إلى مستوى تجعل من احتمال صدق الخبر المنقول ضئيلاً للغاية، ويبقى الأمر دائراً بين التَّسليم بالخبر ورفض تلك المعرفة العلميَّة الَّتي أسندتها الأدلَّة التَّجريبيَّة والمشاهدات الحسِّيَّة، أو العكس، وهو الصَّحيح. وكمثال، إنَّ العِلم يكشف عن أنَّ الطَّاقة دائماً تكون محفوظة في النُّظم الفيزيائيَّة والطَّبيعيَّة (Conservation of Energy Principle)، فالطَّاقة الدَّاخلة في نظامٍ ما لا بدَّ من أن تساوي الخارجة منه. فكيف يمكننا أن نفسّر أنَّ ضربة خفيفة من عصا خشبيَّة ذات طاقة بسيطة، يمكن أن تتسبَّب بانفلاق البحر إلى فرقَين عظيمَين ما يفوق أثر طاقة قنبلة نوويَّة، كما يُنقل عن النّبيّ موسىg. فإذاً، لا يستطيع العِلم تفسير نار لا تُحرِق([20])، وعصا تفلق البحر([21])، وبشر نُوَّمٍ لمئات السِّنين([22])، وغيرها. وهي قضايا يجعل العِلم احتمال صدقها ضئيلاً لاغياً.
المعالجة الإجماليَّة: 
المحاولة الأولى:
وعلى غرار ما يصنع البعض لتضييق دائرة الغيب في القرآن كما ذكر سلفاً في دائرة الغَيب، يحاول البعض أن يفرّ من وجود الإخبارات الإعجازيَّة في القرآن الكريم. وهذه المحاولات تتمّ عبر طريقَين:
الطَّريق الأوَّل، هو محاولة تأويل الظَّاهر والالتجاء إلى اللُّغة المجازيَّة والرَّمزيَّة. ومثاله ما فعل محمَّد رشيد رضا في تفسير المنار، بياناً لآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ}(البقرة: 248)، حيث يقول: "ومعنى حياة الأمم وموتها في عرف النَّاس جميعهم معروف . فمعنى موت أولئك القوم هو أنَّ العدوّ نكَّل بهم فأفنى قوَّتهم ، وأزال استقلال أمَّتهم ، حتَّى صارت لا تُعدّ أمَّة ، بأن تفرَّق شملها ، وذهبت جامعتها ، فكان من بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ضائعين فيهم ، مدغَمين في غمارهم ، لا وجود لهم في أنفسهم ، وإنَّما وجودهم تابع لوجود غيرهم. ومعنى حياتهم هو عود الاستقلال إليهم"([23]).
الطَّريق الثَّاني، هو أن يفسِّر الإعجاز مهما أمكن وفق القوانين الطَّبيعيَّة الَّتي توصِّل إليها البشر اليوم. فمثلاً، اللهa قد تسلَّط على أبصار النَّاظرين بحيث يرون العصا أفعى، وهي في الواقع لم تتحوَّل فعلاً إلى أفعى. فهو ليس مجرَّد خداع بصريّ عاديّ، بل لا يرى يشكّ الرَّائي أدنى شكّ في واقعيَّة ما يرُاه.([24]) والتَّخيُّل والتَّوهُّم أمر لا يخرق القوانين الطَّبيعيَّة الَّتي يعرفها البشر من استحالة تحوُّل العصا إلى أفعى.
ومن أهمّ دعاة هذا النَّمط من القراءة (بكلا الطَّريقَين) السَّيِّد أحمد خان الهنديّ الَّذي أسَّس جامعةً للتَّفسير العلميّ للقرآن الكريم، وقد نفى الإعجاز-نفياً مهذَّباً بتعبير الشَّهيد مطهَّريّ-، كما نفى دخالة الدُّعاء في تغيير شيء في العالَم. فعبور موسىg البحر وقومه لم يكن لانفلاقه فعلاً، بل كان البحر في حالة جزر وانحسار طبيعيّ. وأمر الله تعالى موسى الضَّرب بالعصا وخروج الماء، إنَّما أمره بالسَّير في الجبال (وهو الحَجر في الآية)، بحثاً عن الماء. وتكلُّم عيسىg في المهد، أي في الطُّفولة، لا مهد الرَّضاعة([25]). 
وممَّا يُلحَظ على هذا النَّوع من المحاولات ما يلي:
أوَّلاً، ما تقدَّم من أنَّ اللُّغة الرَّمزيَّة والمجازيَّة تحتاج دائماً إلى قرينة كافية، وهذا ما لا نجده في الآيات محلّ النَّظر. وكلا الطَّريقَين خلاف الظَّاهر من النَّصّ القرآنيّ، وتعوزهما القرائن الَّتي لا أثر لها في النَّصّ القرآنيّ. ويخال المرء أنَّه تفسير لألفاظ أخرى غير الآيات نفسها، لفرط ما هو بعيد المحمل ومتكلَّفه.
ثانياً، إنَّ تفسير الأخبار الإعجازيَّة بطريقةٍ متوافقةٍ مع القوانين العلميَّة لا يكاد يكون مطَّرِداً في إمكانه. فقد يمكن التَّوفيق -وإن بنحوٍ مبتذل- بينهما أحياناً، لكنَّه لا يتيسَّر في أحيان كثيرة.
ثالثاً، مع أَوْلِ تلك المحاولات إلى إنكار الإعجاز، يكون لازمها إنكار ما هو مقطوع النِّسبة إلى الدِّين، وإنكار الدِّين وتكذيبه. فإنَّ حصول خوارق ما يُعلَم من سمت الطَّبيعة وجريانها المعهود، من القضايا الَّتي يدَّعيها القرآن والسُّنَّة سواء مباشرة، أو بالتَّواتر الإجماليّ. وليس المرام الاتِّهام بالتَّكذيب فعلاً، والكفر بالدِّين، بقدر ما هو تنبيه على الوقوع في التَّناقض والتَّهافت.
وأمَّا ما يمكن أن يُقال في مقام معالجة الإشكاليَّات المتعلّقة بالإخبارات الإعجازيَّة هو -كما مرّ سلفاً- أنَّ القيمة المعرفيَّة للنّتائج العلميَّة، وطبيعة العلاقات الَّتي يكشف عنها من مسائل قبل العِلم، الَّتي تبحث في الفلسفة وفلسفة العِلم.
فالعلم كما يسجِّل ذلك فلاسفته المشهورون المعاصرون لا يقدِّم نتائج مطلقة شاملة للزَّمان الماضي والمستقبَل بحيث يستحيل أن يرتفع في آن من آنات الزَّمان الماضي، كحالات الإعجاز. فالقانون العلميّ ينصّ على أنَّ الحيّ يتولَّد من الحيّ، ولكنََّه ليس من شأنه إثبات استحالة ارتفاع هذا القانون أو نفيها. وبالتَّالي فإنَّ خروج النَّاقة من صخرة لا يُعدّ أمراً متضادّاً مع العِلم، والبتّ في استحالته أو عدمه راجع إلى الفلسفة. والعلَّة في ذلك أمران: 
الأمر الأوَّل: إنَّ العلِّيَّة من المعقولات الثَّانية الفلسفيَّة، والعلم لا يطالها نفياً ولا إثباتاً. وغاية ما يثبته العِلم التَّقارن بين ظاهرتَين طبيعيَّتَين، وأمَّا وجود رابطة العلِّيَّة بينهما فهو أمر تتكفَّل الفلسفة بتبريره. فمثلاً، إنَّ العِلم يمكنه أن يثبت وجود تقارن بين ظاهرة النَّار والإحراق، وبالاستعانة بمفهوم العلَّة ووجوده فلسفيّاً، يمكن استفادة وجود رابطة علِّيَّة بين الظَّاهرتَين. غير أنَّ حدود تلك العلِّيَّة، وهل هي علَّة تامَّة، أم ناقصة، وحقيقيَّة أم مُعدَّة، وغيرها، كلُّها أمور راجعة إلى بحث فلسفيّ لا علميّ.
الأمر الثَّاني: وحتَّى لو سلَّمنا جدلاً أنَّ العِلم بصدد الكشف عن العلِّيَّة التَّامَّة بين الظَّواهر، لكنَّ المنهج الَّذي يوظِّفه لا يوصل إلى اليقين. فالقضيَّة العلميَّة الَّتي تقول (الظَّاهرة أ علّة للظّاهرة ب) ليست قطعيَّة المطابقة للواقع. وعليه، فالإعجاز الَّذي ينصّ على تخلُّف الظَّاهرة ب على الظَّاهرة أ، لا يُعدّ تضاداً مع العِلم([26]).
نعم، يمكن للعلم أحياناً أن يصل إلى اليقين الاستقرائيّ، وهو ما توصل إليه التَّجربة بالمعنى الأرسطيّ الَّذي يذكر ضمن البدهيَّات، إلَّا أنَّ هذا النَّوع من القضايا العلميَّة ليس كثير الوقوع. وينبغي هنا الإشارة إلى الفارق الجليّ بين معنى التَّجربة في المنطق الأرسطيّ ومعناها حين الحديث عن المنهج العلميّ. فالتَّجربة منطقيّاً من الطُّرق الَّتي تكشف يقيناً -عند المنطق الأرسطيّ- عن الواقع، وأمَّا في العِلم فالمعنى أعمّ، فتضمّ التَّجربة الموصِلة لليقين وهو الاستقراء النَّاقص بضمّ القياس الخفيّ إليه، وتضمّ كذلك التَّجربة الَّتي تحوي استقراءً ناقصاً من دون توافر مقدّمات ذلك القياس الخفيّ. هذا بناءً على تحليل المنطق الأرسطيّ للتَّجربة وللاستقراء، وأمَّا بناءً على المنطق الاستقرائيّ فالأمر مختلف([27]). 
الدَّائرة الرَّابعة: التَّاريخ
تقع هذه الشُّبهة ضمن الشُّبهات الَّتي تحشد شواهد على أنَّ القرآن الكريم ما هو إلَّا وليد تجربة بشريَّة معرفيَّة وعمليَّة في مرحلة تاريخيَّة محدَّدة. فكلّ نتاج بشريٍّ ما لا يخرج عن سياقه السُّوسيولوجيّ والتَّاريخيّ الخاصّ، ولا بدَّ من أن تكون بصمات المجتمع واضحة شاخصة على كلّ نتاج فرديّ أيضاً. فالنِّتائج لا تكون أكبر من مقدّماتها. وهذا ما كان عليه القرآن؛ فلم يكن منسلخاً عن ما عليه المعرفة والثَّقافة في زمن حدوثه. وهذا مؤشِّر على بشريِّته، وإلَّا لو كان وحياً فلا بدَّ من أن يكون بريئاً من هذا النَّوع من التَّأثيرات.
والبعد التَّاريخيّ العلميّ في الشُّبهة أن يُقال: إنَّ الأنظار والآراء العلميَّة المثبَتة في القرآن الكريم ليست سبقاً، بل هو تدوين لما كان معاصراً من معرفة طبيعيَّة. صحيح أنَّ المجتمع العربيّ في مكَّة والمدينة لم يكن له أيّ ممارسات علميَّة، فهو لا يعرف شيئاً عن تكوُّن الجنين مثلاً ومراحله، غير أنَّ اللَّمسات الحضاريَّة للمشرق الفارسيّ وللمغرب الرُّومانيّ واليونانيّ، لم تكن بعيدة عنهم، ولم تكن مستحيلة الوصول. فمثلاً، توجد أكاديميَّات نسطوريَّة ويعقوبيَّة على شمال الجزيرة العربيَّة يُدرَس فيها التُّراث اليونانيّ الطِّبِّيّ والعلميّ والفلسفيّ، ومن بين عرب وسط الجزيرة ممَّن درس هناك، كالطَّبيب الحارث بن كلدة. ولا يخفى أنَّ في الفلسفة اليونانيّة قسطاً كبيراً من الفلسفة الطَّبيعيَّة والطَّبيعيّات الَّتي تناولت ظواهر طبيعيَّة كثيرة، منها مثلاً مراحل تكوُّن الجنين([28]). 
والخلاصة: أنَّ المعرفة العلميَّة في القرآن حتَّى لو كانت صائبة، فهي ليست سبقاً، بل هي ممَّا تسرَّب إليه بشكل ما من المعارف البشريَّة المعاصرة له.
المعالجة الإجماليَّة:
يمكن نقد الإشكاليَّة السَّالفة في نقاط متعدَّدة:
أوَّلاً: إنَّ حضور القضايا المتعلِّقة بالطَّبيعة بهذا الحجم في القرآن الكريم حتَّى لو كانت تتوافق مع ما ذكر في الطَّبيعيَّات اليونانيّة، لا بدَّ له من مبرِّر تاريخيّ يوازيه في الحجم. فهذا الزَّعم نظير ما يُدَّعى من أنَّ اتّصالاً عابراً للنّبيّe مع راهب في الشَّام، أو اتِّصالات محدودة مؤقَّتة ومحتمَلة براهب في بلاد العرب، أو عبد روميّ، يمكن أن يفسِّر المعارف والقصص التَّاريخيَّة الَّتي يمتلئ بها النَّصّ القرآنيّ، فقط بذريعة وجود توافقات بين القرآن والكتاب المقدَّس!
ثانياً: إنَّ دعوى وجود شخصيَّات مطَّلعة على الفلسفة اليونانيَّة، وعلى اتِّصال قريب من النّبيّe يتيح صيرورتها قناة معرفيَّة ومؤثِّرة، دعوى تاريخيَّة ليست لمجرَّد قضيَّة تاريخيَّة أو قضيَّتَين، بل مشهد تاريخيّ كامل، مع النَّظر إلى لوازمها وما تفرز بحسب طبيعية الأشياء والأحداث. والمشهد يقضي بوجود شخص أو أشخاص لديهم إحاطة بالفلسفة اليونانيّة وطبيعيّاتها، وهؤلاء لديهم مستوى من القرب الَّذي لا يمكن للتَّاريخ أن يغفله، مع ما تمّ تدوينه من تفاصيل دقيقة عن حياة النّبيّe، ولا بدَّ من أن يُعدُّوا من كبار الصَّحابة ما داموا بذلك القرب. وهذا مشهد ليس له أثر في ما دُوِّن في التَّاريخ.
ثالثاً: هناك عدد محدود جدّاً من الشَّخصيَّات الَّتي يمكن عدُّها أطبَّاء في زمن النَّبيّe. أهمُّهم الحارث بن كَلَدَة الثَّقفيّ، وهو ينقل أنَّه سافر ودرس في فارس، حيث تقع أكاديمية جُندَيسابور الَّتي تُدرِّس التُّراث اليونانيّ الفلسفيّ والطِّبِّيّ. ثمّ رجع إلى الطَّائف وشرع في تطبيب النَّاس. وقد اختلف المحدِّثون في صحبته، وأنَّه قد التقى النّبيّe أم لا. وقد نُقل أنَّ النّبيّe أرسل سعد بن أبي وقَّاص إليه في علَّة أصابته، أي سعداً. وبصرف النَّظر عن دقَّة التَّفاصيل التَّاريخيَّة، فإنَّها لا توازي الدَّعوى المذكورة، الَّتي يتطلَّب أن يكون لها صدى أكثر وضوحاً في التُّراث التَّاريخيّ. هذا إضافة إلى أنَّ تناول الظَّواهر الطَّبيعيَّة في القرآن لم ينحصر في الفترة المدنيَّة، بل ترافق ذلك منذ نزل القرآن الكريم. وهذا التَّواصل الباهت المنقول تاريخيّاً كان في العصر المدنيّ. 
رابعاً: إنَّ الاتِّصال بمنظومة فلسفيَّة شاملة كالفلسفة اليونانيَّة لا يمكن أن يكون أثرها منحصراً في إشارات في الظَّواهر الطَّبيعيَّة هنا وهناك. فالفلسفة اليونانيَّة تناولت الوجود وبراهين الخالق وقضايا كثيرة في الإلهيَّات، وهي أدعى بالحضور بالنَّظر إلى أغراض الدَّعوة. وكذلك الآراء المتعلِّقة بالأخلاق والنَّفس البشريَّة أيضاً. فدعوى الاتِّصال يلازمها حضور الفكر اليونانيّ بشكل واضح وجليّ، لا يوجد له عين ولا أثر في النَّصّ القرآنيّ. وحضوره الجزئيّ منحصراً في الآراء الطَّبيعيَّة أمر تأباه طبيعة الأحداث ويستبعده النَّظر المتأنّي.
خامساً: ليس هناك تطابق تامّ بين الآراء الطَّبيعيَّة اليونانيّة، وبين القضايا العلميَّة في القرآن الكريم([29]). ومنها مسألة مراحل تكوّن الجنين كما يكشف التَّتبّع([30]). 
الدَّائرة الخامسة: الطَّبيعيَّات
وهي الشُّبهات الَّتي تتناول الآيات المتحدِّثة عن الموضوعات والظَّواهر الطَّبيعيَّة وتدَّعي تعارضها مع العِلم. فالقرآن تعرَّض كثيراً لموضوعات من قبيل: السَّماء، الأرض، النُّجوم، الرِّياح، الماء، النَّبات، الحيوان، الإنسان من بعده المادِّيّ، وغيرها. وبعض هذه الآيات قد يُفهم منها ما لا يتلاءم مع النَّظر العلميّ. فمثلاً، بينا يتحدَّث القرآن عن خلق كل شيء زوجَين([31])، يثبت العِلم وجود كائنات حيَّة لا زوجيَّة، تتكاثر بطريقةٍ لا زوجيَّة.
ويستمرّ صاحب الشُّبهة قائلاً: ولا يمكن أن يُقال إنَّ في القرآن الكريم كثيراً من أوجه التَّوافق بينه وبين الاكتشافات الحديثة ممَّا يُعتبَر سبقاً علميّاً ونوعاً من الإخبار بالغَيب. وذلك لأنَّ الدَّعوى أنَّ الخطأ منفيّ، فهي قضيَّة سالبة كلِّيَّة، ويكفي لنقضها موجبة جزئيَّة. وبعبارة أخرى، لو وجدنا مورداً واحداً يتضادّ فيه القرآن مع العِلم لكان كافياً لإثبات بشريَّته، لأنّكم تقولون (لا يأتيه الباطل) أبداً، على أنَّ إسناده إلى الله تعالى وعلمه المطلَق يُعدّ وحده مبرِّراً لعصمة النَّصّ القرآنيّ. أضف إلى أنَّ أبحاث التَّوافق بين النَّصّ الدِّينيّ والعلم لا يوجد عند المسلمين وحدهم، فالإعجاز العلميّ في التَّوراة والإنجيل والفيدا الهنديّ جارية على قدم وساق، وفيها من التَّوافقات ودعوى التَّوافقات الكثير. والخلاصة هي أنَّ وجدان بعض التَّوافق ليس دليلاً على وحيانيَّة النَّصّ، بل عدم وجدان الخلاف هو ما يمكن أن يعتبر دليلاً على الوحيانيَّة.
وهذا الصّنف من الشُّبهات هو الأصعب حلّاً من بين ما تمّ التَّعرُّض له هنا، لأمور، أهمُّها أنَّ الأصناف الأخرى كان يمكن إجمال الحلّ فيها ليكون جواباً واحداً. وأمَّا شبهات التَّضادّ فلا بدَّ فيها من النَّظر في الظَّاهرة العلميَّة والموقف العلميّ المُدَّعى حصول التَّضادّ في وصفها. وهذا ما يجعل إجمال الجواب عنها غير ممكن. واحتواء الأدوات الشَّرعيَّة والعقلائيَّة في قراءة النَّصّ، مع النَّظر الدَّقيق للنَّظريَّات العلميَّة في مورد ما، أمر عزيز المنال. وكثير من محاولات المعالجة كانت تفتقد إلى أحد هذَين العنصرَين على الأقلّ.
ويراد في الفصل اللَّاحق من البحث أن يُسلَّط الضَّوء على هذا النَّوع من الشُّبهات من خلال عرض ما يمكن من مناهج مختلفة للمعالجة، عرضاً مشفوعاً بالنَّقد والتَّرجيح.
المحور الثَّالث: مناهج التَّعاطي مع الشُّبهات العلميَّة من الصِّنف الأخير
وقبل عرض مناهج المعالجة ونقدها نشير إلى مسائل مهمَّة توطئةً: 
المسألة الأولى: إنَّ هناك ثلاث مواقف وخلفيَّات محتمَلة لدى من تُستثار لديه إشكاليَّة التَّعارض البدويّ. الموقف الأوَّل هو موقف المنكر لكون القرآن وَحياً، ومن اتَّخذ موقفاً مسبقاً بذلك بناءً على أدلَّته. وهذا الموقف خارج عن محلّ الكلام، ومناهج المعالجة لا تستهدفه. وينبغي أن يعمد بالإبطال إلى تلك الأدلَّة الَّتي أفرزت لديه موقف الإنكار نفسها. وهذه نكتة يحسن الالتفات إليها في سياق الحديث عن الشُّبهات العلميَّة؛ إذ إنَّ كثيراً من الشُّبهات يقدِّمها مستشرقون وغيرهم قد انطلقوا فيها من موقع إنكار القرآن الكريم قبل إثارة تلك الشُّبهات. فرفع الشُّبهة وإن كان ضروريّاً، إلَّا أنَّه لا يؤثِّر في موقفه السَّابق. وأمَّا الموقف الثَّاني فهو المؤمن بوحيانيَّة النَّصّ في رتبة سابقة بناءً على أدلَّة الإعجاز وغيرها، فهو في موقف المفسِّر للنَّصّ والمعالج لتلك الشُّبهات. وأمَّا الموقف الثَّالث فهو الشَّاكّ والمتردِّد والمحتمل لوحيانيَّة النَّصّ وعدمها. وإلى كلا الموقفَين السَّابقَين يمكن أن تُوجَّه المعالجات بشكل مباشر. 
المسألة الثَّانية: إنَّ المناهج الَّتي تمَّت محاولة عرضها، بعضها قد قُدِّم فعلاً كمعالجة في هذه السِّياقات، وبعضه قُدِّم بشكل نظريّ عامّ من دون تطبيقه مباشرة، وبعضه الآخر يمكن افتراضه معالجة على مستوى نظريّ وتطبيقيّ من دون أن يظفر ربَّما بمن صرَّح به. فهي محاولة لاستقراء المناهج الكلِّيَّة العامَّة ولو بحسب الاحتمال العقليّ.
المسألة الثَّالثة: إنَّ عرض المناهج -هنا- ونقدها بناءً على كونها منهجاً عامّاً وحيداً للتَّعاطي مع الشُّبهات العلميَّة. غير أنَّه على المستوى العمليّ، قد نجد الواحد يلفِّق بين المناهج، فمرَّةً يعتمد الرَّفض مثلاً مُتَّخذاً مبرِّراته الَّتي ستذكر بعد قليل، ومرَّةً أخرى التَّوفيق. وحينذاك قد يؤثِّر التَّلفيق على توجُّه بعض بنود النَّقد من عدمها. وحينذاك أيضاً، من الصَّعب أن تصنِّف الباحث المعيَّن ضمن منهج واحد.
المنهج الأوَّل: رفض النَّتائج العلميَّة
يتمسَّك أصحاب هذا المنهج بظاهر النَّصّ وحَرفيَّته، رافضين التَّضحية به أمام النَّظريَّات والكشوفات العلميَّة. إنَّ القرآن نصّ قطعيّ الصُّدور قد تُعُبِّدنا به، وأمَّا العِلم الَّذي يستند إلى الاستقراء والتَّجريب لا ينتج إلَّا معارف ظنِّيَّة مهما ارتقت. وإذ ذاك، فليس من الإنصاف أن نتنازل عن الوحي في سبيل قضايا قد تتبدَّل مع مرور الزَّمن. هذا حتَّى مع حكمنا بظنِّيَّة الدّلالة. وإنَّ إجراء قراءة أخرى للنَّصّ بما يتوافق مع النَّظريَّات العلميَّة لهو تنازل غير مبرِّر، وقد يوقعنا في حرج لو تمّ تبدُّل النَّظريَّات مستقبَلاً. فلا قراءة أخرى ولا تأويل ولا تنازل عن الظَّاهر. 
ويقوى توظيف هذا المنهج خصوصاً عند من يعتبر أنَّ القرآن تبيانٌ لكلّ شيء بالمعنى الحرفيّ([32])؛ فطريق المعرفة الحقّ في كلّ باب هو القرآن.
ونُسجِّل ههنا ملاحظات نقديَّة على هذه الرُّؤية:
١. إنَّ العِلم وإن كان لا يستطيع إثبات قضيَّةٍ ما بدرجة اليقين، لكنَّه قادر على تكذيب القضايا. فمثلاً، قد لا نستطيع أن نثق بنظريَّة الجاذبيَّة بدرجة يقينيَّة، لكنَّنا نحكم ببطلان القضيَّة: الأجسام على الأرض لا تسقط للأسفل. وقد لا نستطيع أن نثبت سعة الكون أو النِّظام الشَّمسيّ، لكنَّنا نحكم باستحالة صدق تصوُّر بطليموس عن الكون([33]).
٢. إنَّ العِلم لا يقدِّم يقيناً ريَّاضيَّاتيّاً، لكنَّه يُقدِّم درجات اطمئنان عُليا جدّاً في كثير من قضاياه. وهذه الدَّرجة أعلى بكثير من الدّلالة الظَّنِّيَّة من القراءة الظَّاهرية للنَّصّ. بل إنَّ حجِّيَّة الاطمئنان ثابتة له كما لليقين، عقلاً أو تعبّداً.([34])
٣. إنَّ جزءاً من المعطيات العلميَّة مبنيٌّ على الحسّ لا الاستقراء. والحسّ كاشف يقينيّ عن الواقع. فمثلاً، إذا اختلّ يقيننا بأنَّ كل نار حارَّة، فإنَّنا لا نشكّ في أنَّ النَّار الَّتي أمامنا هي حارَّة، لأنَّنا نحسّ بها.([35])
المنهج الثَّاني: وظيفيَّة لغة الدِّين
ظهرت في القرن المنصرم نظريَّات لُغويَّة عديدة، من أهمِّها نظريَّة الألعاب اللُّغويَّة لفتنجشتاين (1951م). ونُسجَت على أساسها نظريَّات عدَّة تفرز النُّصوص بحسب وظيفتها، والغرض الَّذي تتوخَّاه.
فالدِّين والعلم والفنّ والأدب، حقول ليست تتّفق في وظيفتها، والنّصوص الَّتي تنتجها تُعامَل بأدوات مختلفة. إنَّ وظيفة النُّصوص العلميَّة هي الإخبار عن حقائق الوجود، وأمَّا الدّين فهو الإنشاء والحثّ والتّحريض وتوليد العاطفة والمشاعر، وليس الإخبار عن حقائق العالم. 
فمثلاً، حينما يخبر النَّصّ الدِّينيّ عن قصَّة ما فإنَّ هدفه أن يولِّد سلوكاً لدى القارئ، لا أن يخبر بحقائق تاريخيَّة. وحينها لا يكون هناك مبرِّر لمحاكمة النَّصّ تاريخيّاً. وبالنَّسق نفسه، حينما يخبر النَّصّ الدِّينيّ عن العالَم ظاهراً، فإنَّ غرضه توليد شعور وعاطفة ما لتولّد سلوكاً يبتغيه النَّصّ. وبالتَّالي فمجال العالَمين -العِلم والدِّين- مختلف، ولا محلّ للاتِّفاق أو الاختلاف([36]).
وفي مقام النَّقد نورد النَّكات التَّالية:
النُّكتة الأولى: إنَّ كثيراً من نظريَّات قراءة النَّصّ الدِّينيّ الحديثة تولَّدت ضمن ظروف مختلفة عن ظروف النَّصّ القرآنيّ، ومن الخطأ تعميمها بلا عناية. فالكتاب المقدَّس يفترق عن القرآن كثيراً، ما جعل التَّوفيق بينه وبين النَّظريَّات العلميَّة الحديثة أمراً في غاية الصُّعوبة. من أجل ذلك يجد المفكِّر الغربيّ نفسه بين تقديم الدِّين قرباناً للحضارة المادِّيَّة، وبين التَّنازل عن القراءة اللُّغوية التَّقليديَّة، الحرفيَّة وغيرها. وإنَّا ندَّعي أنَّ القرآن الكريم في خلوّ من كثير من الإشكالات الَّتي تُوجَّه إلى الكتاب المقدَّس.
النُّكتة الثَّانية: إنَّ تحديد وظيفة الدِّين بما ذُكِر يفتقر إلى دليل، بل إنَّ أغلب التَّعاريف الَّتي تُقدَّم للدِّين تشتمل على كونه رؤى وأفكاراً، وسلوكيَّات. فكما أنَّه يبتغي التَّأسيس لسلوك ما، هو أيضاً يقدِّم أسساً فكريَّة ونظرة عن الواقع والعالم الخارجيّ([]37).
النُّكتة الثَّالثة: بناءً على ذلك لن يكون هناك فاصل وفارق وميزان للتَّفاضل بين الأديان، وهذا مآله للتَّعدُّديَّة الدِّينيَّة، والَّتي لا تصمد أمام النَّقد الفلسفيّ([38]).
النُّكتة الرَّابعة: إنَّ هذا النَّوع من القراءة يُعدّ تجاوزاً كبيراً لظواهر الخطاب، ومن عبئه أنَّه يلزمه ردّ كلّ الأدلَّة الَّتي تُشَرْعِن اعتماد ظواهر الخطاب، وهو أمر بعيد المنال. نعم، لو كانت الدَّعوى أنَّ القرآن يوجد ما فيه المجاز والرَّمز على نحو الموجبة الجزئيَّة فلا محذور، لكنَّ الأصل هو خلافها، وإثباتها في كلّ موضع يحتاج إلى قرينة.
المنهج الثَّالث: جدليَّة النَّصّ القرآنيّ
يذهب أصحاب هذا المنهج إلى أنَّ القرآن الكريم، حيث إنَّ غرضه تحصيل الهداية والإقناع بمعارف عقديَّة معيَّنة، فإنَّه قد يستعين ببعض القضايا المسلَّمة عند المخاطب الأوَّل وهو مجتمع زمن النَّصّ، على نحو ما يُفعل في الإقناع الجدليّ. ومن أجلى مصاديق ذلك توظيف المعرفة الطَّبيعيَّة الكونيَّة عند المخاطبين من أجل الإقناع بقضايا حقَّة. فعلى سبيل المثال، لا يختلف الحال حين تصوُّر أنَّ الأرض مركز الكون والأجرام تدور حولها فعلاً، وبين كونها تدور حول الشَّمس، من جهة أنَّ كلا التَّصورَين يدلَّان على عظمة الخالق وقدرته، وهذا ما يراد إقناع المخاطب به. ولكنَّ التَّصوُّر الثَّاني وإن كان واقعيّاً إلَّا أنَّه لا يمكن توظيفه، وذلك لأنَّ المخاطب لا يسلِّم به، بخلاف الأول.
وهذا المنهج يشترك مع منهج وظيفيَّة لغة الدِّين من جهة أنَّ مدلولات القضايا العلميَّة في القرآن ليست مرادات جدِّيَّة، لكنَّه يختلف معه في تصنيفه للنَّصّ الدِّينيّ على أنَّه نصّ أدبيّ فنِّيّ إنشائيّ صِرف. 
ويمكن إيراد ملاحظات نقديَّة على هذا المنهج:
الملاحظة الأولى: مع التَّسليم بأنَّ الأسلوب الجدليّ لا محذور عقليّ فيه، حتَّى على مثل النَّصّ الدِّينيّ، إلَّا أن اتِّخاذه أسلوباً عامّاً ولو في مورد الحديث عن الظَّواهر الطَّبيعيَّة، خلاف الحكمة. والنُّكتة في ذلك أنَّه يوجِد مبرّراً واسعاً لإيراد النَّقض عليه.
الملاحظة الثَّانية: خصوصاً مع عدم تعيُّن تلك الطُّرق الجدليَّة. وذلك لأنَّ المعرفة الطَّبيعيَّة لدى المجتمع الأوَّل يوجد ما فيها الواقعيّ، وغيره. ويمكن توظيف الواقعيّ منه دون غيره، وهو يفي بالغرض، كما قد فعل القرآن الكريم حين وظَّف المعارف البدهيَّة الحسِّيَّة.
الملاحظة الثَّالثة: هذا إضافة إلى أنَّ ظاهر الخطاب الجدِّيَّة، والأصل الحمل عليه، والحمل على الخطاب الجدليّ يحتاج إلى قرينة في كل مورد. وهو أمر لا تقتدر دعواه.
الملاحظة الرَّابعة: على أنَّ المحذور الَّذي يورد على الجدل أيضاً أنَّه قد يُعدّ صورة من صور الباطل الَّذي نفاه القرآن عن نفسه. فالباطل مرَّةً بحسب النَّتيجة والغاية، ومرَّةً أخرى بحسب الطَّريق والوسيلة([39]).
المنهج الرَّابع: عدم حجِّيَّة الظُّهور
برغم أنَّ أحداً لم يشر إلى هذا النَّوع من المعالجة ولم يوظِّفها عمليّاً، إلَّا أنَّها مترتِّبة ولازمة لبعض المواقف أمام طبيعة النَّصّ القرآنيّ وكيفيَّة فهم مداليله. فبعضٌ من المواقف الأخباريَّة ترى أنَّ الظُّهور ليس كافياً في معرفة المراد الجدِّيّ للقرآن الكريم، وليس هو وسيلة شرعيَّة للوصول إلى معانيه. ولو لاحظنا الآيات الَّتي تتحدَّث عن الظَّواهر الكونيَّة، لا نظفر بما هو نصّ وقطعيّ الدّلالة بالمعنى المنطقيّ، وإنَّما جلُّها دلالات ظنِّيَّة. وهذا الظَّنّ ليس معتبراً ما لم يرفد بالسُّنَّة. وعليه، فالآيات الَّتي تتضادّ والعلم، ليست من المحكم في شيء، أوْ ليست ممَّا يعلم انتسابها للقرآن الكريم وإسنادها إليه، فالتَّضادّ مجرَّد أمر ظاهر لا يجوز الاعتماد عليه. نعم، لو كان ذلك نصّاً، أو ظاهراً عضدته السُّنّة لسلَّمنا، لكن هل شبهات التَّضادّ من هذا القبيل؟!
وللنَّقد أبواب واسعة على هذا المنهج، منها:
١. الإشكاليَّات المبنائيَّة، والأدلَّة العقليَّة والشَّرعيَّة الَّتي تذكر لتبرير حجِّيَّة ظواهر القرآن الكريم.
٢. على التَّسليم به، تبقى هناك مساحتان تحتاجان إلى علاج. الأولى: ما يدّعى أنَّ التَّعارض فيه بين نصّ قرآنيّ وقضيَّة علميَّة. وهو ليس أمراً مستحيل الحصول كما سيشار إليه لاحقاً. وحينئذ لا بدَّ من تقديم صيغة للعلاج. والثَّانية: ما تكون السُّنَّة فيه واضحة ومؤيَّدة لظاهره ويُدَّعى أنَّ بينه وبين النَّتائج العلميَّة تضادّاً. وهو ليس أمراً عزيز المنال.
المنهج الخامس: التَّشكيك في حفظ نصّ القرآن الكريم
وهذا الوجه أيضاً ممَّا لا نجده في ما يُقدَّم من معالجات، لكنَّنا قدَّمناه كاحتمال على بعض الأقوال الشَّاذَّة جدّاً. ومفاده أنَّ النَّصّ القرآنيّ لو كان مقطوع النِّسبة إلى صاحب الدِّين، فإنَّ الخلل فيه يُعدّ خللاً قطعيّاً فيه، ولكنَّه كالسُّنّة، من حيث احتمال وقوع الزِّيادة فيه والنَّقيصة، وإن بدرجة أقلّ احتمالاً جدّاً. وعليه، فإنَّه لا يعتبر التَّضادّ والخلل في القرآن الكريم خللاً قطعيّاً في الدِّين، لأنَّه ليس ممَّا يقطع بانتسابه له. فعلى صاحب الشُّبهة ليحتفظ بموضوعيتها أن يثبت أوَّلاً أنَّ الآية محلّ التَّعارض صادرة بلا زيادة ولا نقيصة لصاحب الدِّين، وذلك لأنَّ كلا الأمرين مؤثَّران في فهم دلالتها. وأمَّا إن تطرق الاحتمال إلى ذلك، فقد كانت الشُّبهة محتمَلة الورود أيضاً. وإن ادَّعى صاحب الشُّبهة أنَّ تجويز الزِّيادة والنَّقيصة يُعدّ بحدّ نفسه شبهة على الدِّين، فيُقال له أنَّ ذلك لا يستلزِم منطقيّاً بطلان الدِّين، كيف والنَّصّ الدِّينيّ (السُّنَّة) أيضاً فيه ما هو ثابت وما هو محتمَل. فالتَّوفيق بين لزوم التَّحقيق التَّاريخيّ في صدور النَّصّ الدِّينيّ، والإيمان به ممكن عقلاً.
وهذه المعالجة هي الأبعد عن حريم القبول، كما لا يخفى، لأمور. منها:
١. إنَّ سلامة النَّصّ القرآنيّ ممَّا ثبت بالأدلَّة الاستقرائيَّة الموجِبة لليقين. وقد شهد بذلك من غير المسلمين كثير.
٢. ولم يقل أحد يُعتدّ به في الإسلام بوجود الزِّيادة في النَّصّ القرآنيّ([40]). وأمَّا النَّقيصة، فحتَّى لو قيلت على شذوذ فهي لا ترفع إشكاليَّة التَّضادّ؛ لأنَّ الموجود مقطوع النِّسبة لصاحب الدِّين.
٣. وفي مشابهة القرآن بالسُّنَّة من حيث سلامة النَّقل قياس مع الفارق. فإنَّ السُّنَّة لم يدَّعِ أحدٌ سلامتها من التَّحريف، وأمَّا القرآن فدعوى سلامته أمر قد يقطع استناده إلى صاحب الدِّين بالتَّواتر.
المنهج السَّادس: التَّأويل والتَّوفيق
أصحاب هذا المنهج يحاولون تطويع الآيات وجرِّها لأي دلالة مهما كانت بعيدة عن الظَّاهر، من أجل أن توافق النَّظريَّات والكشوفات العلميَّة. وهم وإن لم يصرِّحوا نظريّاً بهذا المنهج، لكنَّهم يوظِّفونه عمليّاً. وغايتهم الحؤول دون تصادم العِلم والدِّين، فهي مواجهة غير متكافئة مع موقعيَّة العِلم في العصر الرَّاهن([41]).
ولا يخفى افتقاد هذا المنهج للدَّعائم العلميَّة، وهو ليس أكثر من موقف عاطفيّ انهزاميّ أمام منصب العلوم الطَّبيعيَّة. 
إنَّ النَّصّ اللُّغويّ بطبيعته متعدِّد الدّلالات بالإمكان. ومن خلال التَّأويل يمكن التَّوفيق بينه وبين أيّ حقيقة تخالف ظاهره. ولذلك، فإنَّ اتِّفاق القرآن مع العِلم من خلال التَّأويل لا يُعدّ امتيازاً للقرآن، إذ كلّ كتاب دينيّ مقدَّس آخر يمكن ممارسة العمليَّة ذاتها معه.
إنَّ النَّظريَّات العلميَّة ليست على مستوى واحد في القيمة المعرفيَّة وفي درجة الوثوق في المجتمع العلميّ. وعليه، ليس من الصَّواب التَّعامل بأسلوب واحد مع كل القضايا العلميَّة الَّتي يُتراءى تنافيها والقرآن.
مع التَّبدُّل الحتميّ للنَّظريِّات العلميَّة تغدو محاولات التَّأويل بعد التَّأويل باهتة وشكليَّة، ولا يكون للقرآن أيّ نوع من المرجعيَّة المعرفيَّة، ولا يبقى من فائدته إلَّا عبء تأويله إرضاءً للمزاج العامّ للحضارة المعاصرة.
المنهج السَّابع: الموازنة الإبستميَّة
تبتني هذه المحاولة على ترتيب القضايا القرآنيَّة، والقضايا العلميَّة على أساس القيمة المعرفيَّة (الإبستميَّة([42])) ودرجة الكشف. وطبيعة المعالجة تتوقَّف على الموازنة في هذه الدَّرجات حال التَّعارض.
يمكن تقسيم القضايا العلميَّة من الدَّرجة الأعلى انكشافاً إلى الأقلّ كالتَّالي:
١. قضايا حسِّيَّة مباشرة: من قبيل كرويَّة الأرض لمن شهد ذلك، وحرارة أشعَّة الشَّمس، وحصول الكسوف أمس، وغيرها من القضايا الجزئيَّة بالتَّعريف المنطقيّ، والَّتي شهدها الحسّ المباشر. وكما أسلفنا فإنَّ هذه القضايا تكتسب درجة اليقين والقطع (إلَّا على مذاهب السَّفسطائيِّين والمثاليِّين). 
٢. الحقائق العلميَّة من غير الصِّنف الأوَّل: وهذه تُستفاد من التَّجربة أو المشاهدة، أي ضميمة الحسّ مع الاستقراء. وهذا الاستقراء يكون غفيراً كثيراً يوجب اليقين وإن لم يوجب اليقين الرِّياضيّ([43]). مثل أنَّ الشَّمس تشرق من الشَّرق، وأنَّ النَّار الَّتي نعرف تحرق، وأنَّ الأجسام تسقط للأسفل، أو ظاهرة الجاذبيَّة، أو أنَّ الأجسام تحتوي على خلايا. ولا يخفى أنَّ هذه القضايا ليست محسوسة إلَّا في جزئياتها وليس في قضاياها المعمِّمة، فالحسّ يدرك أنَّ الشَّمس قد طلعت اليوم من الشَّرق، ولا يدرك تحقُّق ذلك في كلّ آنات المستقبل. وكذلك فإنَّه يدرك أنَّ هذه النَّار حارَّة، من دون أن يمتلك حقّ التَّعميم. ومع إضافة الاستقراء نصل إلى النَّتائج تلك. 
٣. القضايا العلميَّة الَّتي تحظى بقرائن تجريبيَّة ومشاهداتيَّة (مباشرة وغير مباشرة) كثيرة، ولكنَّها أقلّ انكشافاً من السَّابقة. مثل نظريَّات نيوتن للحركة (للأجسام الكبيرة والبطيئة الحركة)، والنَّظريَّة الذَّرِّيَّة، ونظريّة الجينات الوراثيَّة، والمبدأ الخلويّ، والمخلوقات اللَّاجنسيَّة.
٤. القضايا العلميَّة الَّتي تحظى أيضاً بأدلَّة استقرائيَّة، ولكن أقلّ ممَّا سبقها، كنظريَّة الانفجار العظيم، ونظريَّة التَّطور.
٥. القضايا العلميَّة الَّتي لم تغادر ميدان الفرضيَّات، ولا زالت تنتظر مزيداً من الأدلَّة العلميَّة. مثل وجود المخلوقات الفضائيَّة، والأكوان المتوازية، والأوتار الفائقة، وغيرها.
وقد تكون الأمثلة الَّتي ذكرت محلّ جدل، إمَّا لإعطائها قيمة وثوق أعلى وإمَّا أقل. غير أنَّ ثبوت أصل التَّقسيم غنيّ عن النِّقاش في الأمثلة. وقد تجنَّبنا التَّقسيم على أساس المصطلحات العلميَّة المعروفة: حقيقة، قانون، فرضيَّة، نظريَّة. وأحد أهمّ الأسباب عدم الاتِّفاق في تحديد مداليلها، وكذلك عدم كونها مقسَّمة بشكل دقيق بناءً على السُّلَّم المعرفيّ. 
وأمَّا القضايا القرآنيَّة فنتوسَّل بالتَّقسيم الأصوليّ المعروف:
١. قطعيّ الصُّدور والدّلالة، أي النَّصّ من القرآن الكريم. ودرجة كشفه قطعيَّة يقينيَّة (ذاتيّاً أو موضوعيّاً). من قبيل أنَّ الله تعالى قد خلق السّماوات والأرض. ومن هذا الباب ما لو تكثّرت نصوص قرآنيَّة ظنِّيَّة الدّلالة على معنى واحد، فإنَّها ترقى بقانون الاحتمال إلى درجة القطع الذاتيّ.
٢. قطعيّ الصُّدور ظنِّيّ الدّلالة، أي الظَّاهر من القرآن الكريم، ويمثِّل النِّسبة العظمى منه.
٣. قطعيّ الصُّدور محتمل الدّلالة، أي المجمل.
صور التَّعارض المحتملة:
ونأتي الآن إلى صور التَّعارض المفترضة بين القضايا العلميَّة والقضايا القرآنيَّة، والَّتي تصل بالضَّرب إلى 15 صورة محتمَلة. غير أنَّه مع اعتبار أحكامها ودلالاتها يمكن إجمالها في ستّ صور، كما يلي:
الصُّورة الأولى: النَّصّ القرآنيّ قطعيّ الدَّلالَةِ مع القضيَّة العلميَّة من القسم الأوَّل أو الثَّاني:
وهذا النَّوع من التَّعارض لو كان حاصلاً، فهو تعارض مستحكم ومستقرّ، يُعدّ دليلاً على بطلان وحيانيَّة النَّصّ القرآنيّ. وذلك لأنَّ العقل مع حكمه بالعلم المطلق والخيريَّة المطلقة للذَّات الإلهيَّة المقدَّسة يحكم بلزوم صدقه من جهة، كما أنَّه يحكم بصدق القضايا العلميَّة من القسمين الأوَّلين، وهذا مآله إلى التَّناقض. فثبوت القضيَّة العلميَّة حيث هي ثابتة بصورة مستقِلَّة وفي مرحلة سابقة سيعتبر بنفسه مقدّمة في دليل إثبات بشريَّة النَّصّ. وبعبارة أخرى افتراض واحتمال وحيانيَّة النَّصّ يلغيها ثبوت القضيَّة العلميَّة على النَّحو المذكور.
وإذا ثبت بدليل ما كون القرآن وحياً، ساغ لنا أن نحكم باستحالة إتيان قضيَّة علميَّة من القسمين الأوَّلين تتضادّ ودلالة نصِّيِّة، وذلك لمحذور التَّناقض. 
يقول السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر في المعالم الجديدة للأصول: الدَّليل اللَّفظيّ القطعيّ لا يمكن أن يعارضه دليل برهانيّ أو استقرائيّ قطعيّ ؛ لأنَّ دليلاً من هذا القبيل إذا عارض نصّاً صريحاً من المعصومg أدّى ذلك إلى تكذيب المعصومg وتخطئته، وهو مستحيل. ولهذا يقول علماء الشَّريعة : "إنَّ من المستحيل أن يوجَد أيّ تعارضٍ بين النُّصوص الشَّرعيَّة الصَّريحة وأدلَّة العقل القطعيَّة"([44]). 
وهذا النَّوع من التَّعارض هو ما يلزم مدَّعي الخطأ العلميّ في القرآن الكريم الإتيان به. وهذا ما ندَّعي استحالته، وخلوّ القرآن منه، ولا توجد في أيّ ممَّا قدم شبهةٌ تدرج ضمن هذا النَّوع.
الصُّورة الثَّانية: النَّصّ القرآنيّ ظاهر الدّلالة مع القضيَّة العلميَّة من القسم الأوَّل أو الثَّاني:
وهو ممكن الوقوع عقلاً، ولا تضادّ بينه وبين ثبوت وحيانيَّة النَّصّ بدليل آخر. وتعتبر حينئذ القضيَّة العلميَّة قرينة منفصلة للتَّصرف في الظَّاهر، إمَّا لرفع اليد عنه فحسب، وإمَّا تأويل دلالته بحسب مقتضاها.
وهذا النَّوع لا يعتبر دليلاً أبداً على إثبات بشريَّة القرآن. فمن لم يثبت لديه انتساب القرآن إلى الله تعالى بدليل ما، لا يمكنه اعتبار التَّضادّ هنا دليلاً على العدم؛ إذ يبقى احتمال عدم إرادة الظَّاهر قائماً. نعم، لو كان ذلك أمراً متكرِّراً، لأمكن اعتباره دليلاً استقرائيّاً قد يوصل إلى اليقين الاستقرائيّ. وذلك لأنَّ احتماليَّة البشريَّة تزداد في كلّ مرَّة نجد فيها تضادّاً بين الظَّاهر والقضيَّة العلميَّة، وهكذا. 
وهذا النَّوع يمكن دعوى حصوله فعلاً في عدّة من الموارد، لكنَّها لا تصل أبداً إلى هذه الكثرة والتَّكرار. من تلك الموارد ما يفهم من ظاهر بعض الآيات من سكون الأرض وحركة الشَّمس، وكذلك كون الأرض مسطَّحة([45]).
وننقل شاهداً مؤيِّداً من كلام السَّيِّد الطَّباطبائيّ في الميزان. ففي مقام الحديث عن كون طوفان النَّبيّ نوحg عامّاً لكل الأرض أم لا، يقول: فالحقّ أنَّ ظاهر القرآن الكريم -ظهوراً لا ينكر- أنَّ الطّوفان كان عامّاً للأرض، وأنَّ من كان عليها من البشر أُغرِقوا جميعاً ، ولم يقم لهذا الحين حجَّة قطعيَّة تصرفها عن هذا الظُّهور([46]). وبصرف النَّظر عمّا إذا كان هناك دليل تجريبيّ أو تاريخيّ فعلاً أم لا حول هذه القضيَّة، فإنَّ المراد هو التَّصرُّف في الظُّهور على تقدير وجوده.
ومثل هذا المبدأ جارٍ في التَّعامل مع الأحاديث الَّتي تتعارض مع ما علم من العِلم، بل ردِّها وليس التَّصرف في ظهورها فحسب. بل حتَّى لو كانت المعرفة من القسمَين الثَّالث والرّابع فإنَّها تُعدّ قرينة مؤثِّرة في فهم النُّصوص الرِّوائيَّة([47]). ومثال ذلك ما تعقَّب به السَّيِّد الخوئيّ روايةً([48]) تدلّ على أنَّ لبن الجارية يختلف عن لبن الصَّبي من حيث محلّ تكوُّنه: الرِّواية لا تُحتمل صحَّتها ومطابقتها للواقع أبداً، للقطع بعدم اختلاف اللَّبن في الجارية والغلام من حيث المحلّ، بأن يخرج لبن الجارية من موضع ويخرج لبن الغلام من موضع آخر، لأنَّ الطَّبيعة تقتضي خروج اللّبن عن موضع معيَّن في النَّساء بلا فرق في ذلك بين كون الولد ذكراً أو أُنثى([49]).
الصُّورة الثَّالثة: النَّصّ القرآنيّ قطعيّ الدَّلالَةِ مع القضيَّة العلميَّة من القسم الثَّالث والرَّابع:
لا يُعتبر هذا النَّوع من التَّضادّ دليلاً لإثبات البشريَّة كما هو واضح. نعم، لو كان ذلك متكرِّراً لجرت فيه النّكتة الواردة في القسم السَّالف. فإذا كانت القراءة لم تُحسم بعد أنَّ القرآن وحي، فالقضيَّة معلِّقة حتَّى تتحوَّل القيمة المعرفيَّة للقضيَّة العلميَّة نحو القسمَين الأوَّلين وبالتَّالي يعتبر هذا دليلاً مبطَلاً. وأمَّا إذا كانت القراءة ثبت لها الوحيانيَّة بدليلٍ سابق، فسيُعتبر النَّصّ دليلاً على بطلان القضيَّة العلميَّة ولا شكّ، للنُّكتة نفسها الَّتي مرَّت في النَّوع الأوَّل من التَّعارض من أنَّ الاحتفاظ بالقضيَّتَين مآله إلى التَّناقض.
ومع أنَّ هذا النَّوع ممكن وقوعاً، ولكن لا نظفر بمثال واضح له. فلم يجد الكاتب قضيَّةً قرآنيَّةً قطعيَّة تصف ظواهر طبيعيَّة، تتعارض مع قضيَّة علميَّة من الأقسام المقترَحة. نعم، يدَّعي البعض أنَّ نظريَّة التَّطور تخالف قضيَّةً قرآنيَّةً قطعيَّةً؛ فالتَّطور يفترض التَّدريج في الخلق، والقرآن ينصّ على الدَّفعيَّة([50]). ولكنَّ نصِّيَّة هذه القضيَّة محلّ تأمُّل([51]).
الصُّورة الرَّابعة: النَّصّ القرآنيّ ظاهر الدّلالة مع القضيَّة العلميَّة من القسم الثَّالث أو الرَّابع:
وهذا النَّوع لا محذور في وقوعه، ولا يمكن أن يعتبر مبطِلاً للنَّصّ القرآنيّ أيضاً. ويستمرّ الحال إلى أن ترتفع قيمة القضيَّة العلميَّة معرفيّاً، وحينئذ ستعتبر قرينة متصرِّفة في ظهور النَّصّ القرآنيّ في حال ثبت لدينا أنَّه وحي منزل بدليل آخر. وأمَّا إذا لم يكن النَّصّ ثابتاً في رتبة سابقة، فسيبقى الحال من الشَّكّ كما ذكر في الحالة الثَّانية من التَّعارض.
وينبغي التَّنبيه على أنَّنا من جهة لا يصحّ أن نتنازل عن الظَّاهر القرآنيّ واعتباره، ومن جهة أخرى لا ينبغي رفع اليد عن اعتبار الأدلَّة العلميَّة الَّتي أسندت القضيَّة العلميَّة لتكون بالقيمة المعرفيَّة المذكورة. وذلك لأنَّ منهج العِلم محاولة كشف العلاقات بين الظَّواهر الطَّبيعيَّة وجداناً لا تعبّداً.
وهذا النَّوع من التَّعارض يمكن ادّعاء حصوله فعلاً، ولعلّ من أمثلته نظريَّة التَّطور. 
الصُّورة الخامسة: النَّصّ القرآنيّ القطعيّ أو الظَّاهر مع القضيَّة العلميَّة من القسم الخامس:
وهذا النَّوع والنّوع الَّذي يليه هما الأكثر وقوعاً في دعاوى حصول التَّعارض بين القرآن والعلم، وتحديداً ما كان طرفه ظاهر الدّلالة. وواضح أنَّه لا يعتبر دليلاً على بطلان النَّصّ القرآنيّ. 
الصُّورة السَّادسة: النَّصّ القرآنيّ محتمل الدّلالة مع القضيَّة العلميَّة مطلقاً:
وهذا أيضاً لا يُعدّ دليلاً موضوعيّاً لإبطال القرآن. وفي حال قد ثبتت وحيانيَّة النَّصّ بدليل آخر، ستعتبر القضيَّة العلميَّة من القسمين الأوَّلين قرينة نافية تماماً للدّلالة المحتملة، بينما تكون القضيَّة العلميَّة من القسمَين الَّذين يليان قرينة تستبعد تلك الدّلالة.
ونجمل فی ختام الفصل ملاحظات مهمَّة عامَّة وبناءً على ما تقدَّم:
١. إنَّه لا محذور في تعارض القرآن الكريم مع القضايا العلميَّة، بمعنى تنافي المدلول القرآنيّ مع نتيجة علميَّة ما. وليس هذا النَّوع من التَّعارض موجباً لإبطال النَّصّ القرآنيّ، إلَّا في صوَر محدَّدة. 
٢. صوَر التَّعارض والتَّنافي الَّتي تؤدِّي إلى إثبات بشريَّة القرآن الكريم مباشرة تنحصر فيما لو تعارضت القضيَّة القرآنيَّة القطعيَّة، مع القضيَّة العلميَّة من القسم الأوَّل والثَّاني. وهذا ما لم يتحقَّق أبداً. وما يُقدَّم من تنافي يكون غالباً من القسمين الأخيرين([52]). 
٣. تراكم بعض صور التَّنافي يمكن أن يُولِّد يقيناً استقرائياً ببطلان وحيانيَّة القرآن، كما لو تكرَّر تنافي الظَّاهر مع القضايا العلميَّة من القسم الأوَّل. وهذا ما لم يتحقَّق أيضاً.
٤. بعض صور التَّنافي بين العِلم والقرآن واقعة فعلاً ولو بدواً، وبعضها يستحيل وقوعه، ولم يظفر بوقوعه. وعليه، فإنَّ جواب سؤال (هل العِلم يتعارض مع القرآن؟) ليس له جواب واحد إن كان المقصود من العِلم كلّ القضايا العلميَّة مهما كانت قيمتها المعرفيَّة، والمقصود من القرآن كذلك كلّ ما يسند للقرآن الكريم قطعاً وظنَّاً واحتمالاً. 
٥. في بعض صور التَّعارض يمكن اعتبار القضيَّة العلميَّة قرينة في فهم الدّلالة القرآنيَّة فيما لو ثبتت وحيانيَّة النَّصّ سلفاً. كما يمكن في بعضها اعتبار الدّلالة القرآنيَّة مقيَّمة للقضيَّة العلميَّة. ومردّ ذلك إلى أنَّ كل قضيَّة معلومة تدخل مبدأ تصديقيّاً في فهم الدّلالة القرآنيَّة، أو الاستدلال على القضيَّة العلميَّة المحدّدة.

القضيَّة
العلميَّة

 

القضيَّة القرآنيَّة  

 

دلالة قطعيَّة 

دلالة ظنِّيَّة 

دلالة محتمَلة

القسم الأوَّل (حسّ) 

الصُّورة الأولى 

الصُّورة الثَّانية 

الصُّورة السَّادسة 

  القسم الثَّاني (يقين استقرائيّ) 

القسم الثَّالث 

 الصُّورة الثَّالثة 

الصُّورة الرَّابعة

  القسم الرَّابع 

القسم الخامس (فرضيّة)

الصُّورة الخامسة 

المحور الرَّابع: نماذج من الشُّبهات العلميَّة ومناقشتها
وسنذكر بعضاً من الشُّبهات كنماذج([53]):
الشُّبهة الأولى: غروب الشَّمس في عين
{فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً}‌(الكهف: 86).
ثبت علميّاً أنَّ الأرض تدور حول الشَّمس، وتدور حول نفسها. وإثرَ الدَّوران الثَّاني يتبدَّى للنَّاظر على الأرض حركة الشَّمس شروقاً وغروباً، فهي حركة ظاهريَّة لا واقعيَّة. وثبت أيضاً أنَّ الشَّمس أكبر قطراً من الأرض بـمِائة وتسع مرَّات، وأثقل بـ 333000 مرَّة. وهذا لا يتناسب أبداً مع ما يتَّضح من الآية من أنَّ الشَّمس تغيب في بئر أو عين حارَّة في الأرض!
ويمكن تصنيف هذه الشُّبهة ضمن القسم السَّادس الَّذي سلف ذكره، أي الاعتماد على دلالة محتملة للنَّصّ وليست ظاهرة. فإنَّ الآية أظهر في كون ذي القرنَين قد وصل إلى منطقة تنتهي إلى الماء، وأنَّ الشَّمس قد بدت غائبة في الماء، وذلك كما يبدو الغروب على ساحل البحر. وإن لم ينعقد الظُّهور في ذلك فلا أقلّ من كون الآية مجملة في الدّلالتَين. 
وهذه القراءة ليست حديثة وإنَّما نجدها عند أعلام القرون السَّالفة، وقبل عصر العِلم الحديث. يقول الرَّازي (606هـ) في تفسيره الكبير في ذيل الآية: "أنَّه ثبت بالدَّليل أنَّ الأرض كرة وأنَّ السّماء محيطة بها، ولا شكّ أنَّ الشَّمس في الفلك، وأيضاً قال {وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً} ومعلوم أنَّ جلوس قوم في قرب الشَّمس غير موجود، وأيضاً الشَّمس أكبر من الأرض بمرَّات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض، إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: {تغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ} من وجوه.."([54]). ويبدو أنَّ الرَّازي قد اعتبر دلالة الآية الحرفيَّة من الظَّاهر، وعدَّ القضيَّة الفلكيَّة قرينة على التَّصرُّف فيه. ويقول الطَّبرسيّ (548هـ) في تفسيره مجمع البيان: "معناه وجدها كأنَّها تغرب في عين حمئة وإن كانت تغرب في ورائها، عن الجبائيّ، وأبي مسلم، والبلخيّ، لأنَّ الشَّمس لا تزايل الفلك، ولا تدخل عين الماء."([55])
الشُّبهة الثَّانية: نجوم مصابيح ورجوم
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ}(الملك: 5).
إنَّ علم الفيزياء الفلكيَّة يصف النُّجوم بأنَّها كرات غازيَّة ملتهبة ومُشعَّة، ووجودها يسبق وجود الكواكب الَّتي تدور حولها. كما أنَّ المسافات الزَّمانيَّة والمكانيَّة هائلة بين النُّجوم، ولا علاقة تربطها ببعضها البعض. والقرآن يعتبر النُّجوم مصابيح -أي سرج-، وزينة للسَّماء، كما أنَّ النُّقاط المضيئة الثَّاقبة في السَّماء اعتبرها نجوم مع أنَّها شهب، وبقايا أجسام تصطدم بالغلاف الجوِّيّ للأرض فتحترق مولِّدة مساراً ضوئيّاً، وهي أصغر بما لا يقاس من النُّجوم. كما أنَّه اعتبرها رجوماً للشَّياطين، مع أنَّ القوانين والعلل الَّتي تحكمها طبيعيَّة ولا ضرورة لإدخال عنصر غيبيّ.
وفي مقام الرَّدّ نقول:
١. أمَّا كونها مصابيح فهي كذلك إذ المصباح ليس هو السِّراج فقط، وهذا قول معاجم اللُّغة([56]). وجامع الإضاءة مصحِّحٌ واضح لإطلاق اللَّفظ عليها. 
٢. وأمَّا كونها زينة، فلا يخفى ما لمنظر السَّماء من جمال حين تلمعها النُّجوم والأجرام المضيئة. فهي بالنِّسبة إلى أهل الأرض كذلك، حتَّى لو لم تكن مخلوقة لذلك، وهذا يكفي لإطلاق اللَّفظ عليها([57]). 
٣. أمَّا كونها رجوماً وشهباً، فأوَّلاً لا يطلق العرب مفردة النَّجم على النَّجم بالاصطلاح الحديث، وإنَّما أعمّ من ذلك، فهي تشمل حتَّى الكواكب. فصحيح أنَّ النُّجوم ليست هي الشُّهب، لكنَّ بقايا الكواكب يمكن أن تُشكِّل شهباً([58]).
٤. وأمَّا كونها رجوماً للشَّياطين فهي قضيَّة ليس من اختصاص العِلم نفيها وإثباتها. وكما قسَّمنا هذه الشُّبهات، فهي من دائرة الغَيبيَّات؛ لأنَّ أحد أطراف القضيَّة وهو الشَّياطين ليس في تناول العِلم([59]).
وهكذا تبيَّن أنَّ معظم أجزاء الشُّبهة من الصِّنف السَّادس، وتعتمد ترجيحاً لمعنى ما لا يتوافق والعِلم([60]).
الشُّبهة الثَّالثة: تَخلُّق العظام قبل اللَّحم
{فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً}(المؤمنون: 14).
أصحاب الشُّبهة يقولون إنَّ تخلُّق العظام يجيء متوازياً أو تالياً لتخلُّق اللَّحم، وهذا يتضادّ والآية الَّتي تشير إلى أنَّ العظام هي السَّابقة!([61])
ولكنَّ الأبحاث الحديثة قد خلصت إلى أنَّ العظام سابقة للَّحم. وقد كتب رئيس قسم جراحة العظام في جدَّة بحثاً بهذا الصَّدد([62]) مؤكِّداً أنَّ النَّتائج الأخيرة تتوافق مع القرآن. ويمكن مراجعة بحث علميّ حول هذه الآية قام به باحث في جامعة (جورج تاون)، وباحثان من جامعة الملك عبد العزيز حول الدّلالات العلميَّة للآية بما فيها مورد الإشكال([63]). وقد ذكرَت ما يشير لذلك المتخصِّصة من قسم التَّشريح بجامعة ساسكتشوان، (جوليا بجنر)، والمتخصِّص في قسم الأحياء المقارن بجامعة (كالجاري)، (كامبل روليان) بكتابهما (Developmental Approach to Human Evolution)([64]). بل إنَّ هذه الآية بالذَّات -بعيداً عن دعوى الإعجاز العلميّ في ما يتعلّق بذكر مراحل الجنين- كانت محلّاً للتَّأمُّل والتَّوقُّف لكثير من العلماء. يقول الكَنديّ المتخصِّص في التَّشريح، الدُّكتور (كيث مور)، "كنت مندهشاً لدقّة التّعابير الَّتي دوّنت في القرن السَّابع الميلادي (القرآن) قبل أن يتأسّس علم الأجنّة"([65]).
الشُّبهة الرَّابعة: زوجيّة الكائنات الحيّة
{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذّاريات: 49).
إنَّ العِلم قد أثبت أصنافاً للحياة لا توجد بزوجين، وتتكاثر بطريقة لا جنسيّة كالبكتيريا، بينما القرآن يقول إنَّ كلّ المخلوقات تأتي زوجيّة، وهذا يتضادّ صريحاً مع العِلم. هذا مفاد الشُّبهة.
وفي مقام الرَّدّ يمكن أن يُقال:
١. إنَّ الشُّبهة تتوقَّف على إثبات أنَّ الزَّوجيَّة المقصودة هي الذُّكورة والأنوثة، ولكنَّ مفردة الزَّوج في اللُّغة مشترِكة في ذلك وغيرها، كالصِّنف([66]). وكذلك يمكن حمل الزَّوجيَّة على التَّرابط والتَّضايف الوجوديّ الَّذي يُعدّ حقيقةً في ظواهر الطَّبيعة، كمفهوم الشُّحنة، والمغناطيس، والجُسيم والجُسيمِ الضِّد وغيرها. ذلك خصوصاً مع كون الآية أَسندت الزَّوجيَّة إلى الأشياء، لا إلى الكائنات الحيَّة. وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال([67]).
٢. كما يمكن أن يُقال أنَّ القضيَّة خارجيَّة وليست حقيقيَّة، بمعنى أنَّ كلّ ما يمكن للمخاطب في عصر النَّصّ لحاظه من نبات وحيوان يخضع لهذه الحقيقة، دون ما لا يحيط به خُبراً كالبكتيريا والأميبا.
وعلى أيّ حال فإنَّ التَّفاسير تذكر أوجهاً عديدة محتملة لمعنى الآية، فلا يعود التَّعارض بين القضيَّة العلميَّة ومفاد الآية مستحكِماً ولا مستمسَكاً للطَّعن في الكتاب الكريم.
الخاتمة
وقبل الختام نورِد خلاصة ما مرَّ في هذا البحث الموجز كما يلي:
١. البحث حول العلاقة بين القرآن الكريم والعلم بالغ الأهمِّيَّة لأمور، منها كون النَّصّ الدِّينيّ محور جدليَّة العِلم والدِّين، ومنها حجم حضور القضايا الطَّبيعيَّة فيه، ومنها موقع العِلم في حضارة اليوم. ويعتبر بحث شبهات التَّعارض من أهمّ مفاصل البحث عن العلاقة.
٢. تحديد هويَّة العِلم وفلسفته وهويَّة القرآن الكريم ومقاصده هي الخطوة الأولى لجواب سؤال العلاقة. وحصول تشويش في تصوُّرهما كان سبباً لإشكاليَّات منهجيَّة متعدَّدة.
٣. يوجد علاقة تاريخيَّة بين القرآن الكريم والحركة العلميَّة في التَّاريخ باعتباره النُّواة الأهمّ في تشكيل ثقافة الحضارة الإسلاميَّة، ولما احتوى على العديد من المضامين الَّتي يمكن أن تدفع بهذا الاتجاه. لكنَّ هذه العلاقة التَّاريخيَّة لا تصلح للإجابة على إشكاليَّات التَّعارض بين القرآن الكريم والعلم.
٤. إنَّ تصنيف الشُّبهات خطوة أساسيَّة للمعالجة، وذلك لأنَّ صورها تتنوَّع بحسب طبيعة تلك الشُّبهات. وتمّ تصنيف ما يمكن أن يورَد على أنَّه شبهة علميَّة إلى خمس دوائر؛ دائرة الغَيب، ودائرة الغرض والمقاصد، ودائرة التَّاريخ، ودائرة الإعجاز، ودائرة الطَّبيعيَّات. وقد تمَّت المعالجة الإجماليَّة على الأقسام الأربعة الأولى، وتبيَّن أنَّ القسم الأخير فقط حقيق بأن يُدرج تحت الشُّبهات العلميَّة حول القرآن الكريم.
٥. هناك سبعة مناهج بحسب الفرض والاحتمال لعلاج الإشكاليَّات من القسم الأخير، أي الطَّبيعيَّات. وهي، منهج رفض النَّتائج العلميَّة، ومنهج وظيفيَّة لغة الدِّين، ومنهج جدليَّة النَّصّ القرآنيّ، ومنهج عدم حجِّيَّة الظُّهور، ومنهج التَّشكيك في حفظ نصّ القرآن الكريم، ومنهج التَّأويل والتَّوفيق، ومنهج الموازنة الأبستميّة. وتمّ التَّعرُّض لغير القسم الأخير بملاحظات نقديَّة. وأمَّا القسم الأخير فهي ما يُرَّجحه البحث.
٦. يبتني منهج الموازنة الأبستميَّة على ترتيب القضايا القرآنيَّة والعلميَّة بحسب القيمة المعرفيَّة، الَّتي ستؤثِّر في طبيعة علاج التَّنافي المحتمل بين القضيَّتَين.
٧. التَّنافي بين القضيَّة العلميَّة والقرآنيَّة ستكون دليلاً على بطلان النَّصّ القرآنيّ وفق شروط، منها أن تكون الأولى يقينيَّة حسّاً أو استقراءً، والثَّانية دلالة نصِّيَّة قطعيَّة. وهذه الشُّروط لم تتحقَّق في أيّ شبهة تعارض تمّ إثارتها.
٨. تمّ التَّعرُّض إلى نماذج متعدّدة من الشُّبهات الَّتي تُقدَّم، مع نقدها وردِّها. ومُجمَل ما يقدَّم من الشُّبهات يقع ضمن صور محدَّدة من صور التَّنافي، وهي ما كان طرفها دلالة قرآنيَّة محتمَلة، أو فرضيَّة علميَّة غير ثابتة.
وفي الختام نشير إلى جملة من نواقص البحث وتحدِّياته وما في المنظور أن يُعمل عليه. ومن أهمِّها توسعة البحث ليشمل النَّصّ الدِّينيّ قرآناً وسنَّةً. ومنها الافتقار إلى تتبُّع نماذج تُعبِّر عن المناهج وأصحابها، وهذا يلزمه سبرٌ وتتبُّعٌ لأقوال المفسِّرين والعلماء إزاء الآيات والشُّبهات المطروحة. ومنها أنَّ البحث يفتقر إلى نقله من عالم التَّنظير إلى التَّطبيق، ولا يكفي في ذلك نماذج معدودة مع وفرة مقدار ما يقدِّم من شبهات في هذا السِّياق. 
يحتمل تعارضها مع السِّياق القرآنيّ وذلك بعد تقديم مقدّمتَين للتَّأمين عن اللَبس في الحالات؛ أولاهما: عدم دخول التَّنافي -الظَّاهريّ- بين السِّياقَين القرآنيَّين، وثانيهما: أنَّ أقصى ما تفيده القرينة السِّياقيَّة هو الظَّنّ. والحالات الَّتي ذكرها هي: المعارضة مع السِّياق القرآنيّ من قِبَل الدَّليل العقليّ القطعيّ، والمعارضة من قِبَل المدلول اللُّغويّ المتبادر، والمعارضة من قبل الرِّوايات، والمعارضة من قِبَل أسباب النُّزول. ثمَّ استعرض عدداً من الأسس المؤثِّرة في المقام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّد وأهل بيته الطَّيِّبين الطَّاهرين.

 


[1] Atheist Universe, Mills.D, p.27, Ulysses Press, 2006.

[2]معجم العربيَّةالمعاصِرة، أحمد مختارعمر، ج2 ص1386.انظر أيضاً:

Britannica, The Editors of Encyclopaedia. "science". Encyclopedia Britannica, 20 Apr. 2023, https://www.britannica.com/science/science. Accessed 21 April 2023.

[3] De Cruz, Helen, "Religion and Science", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2022 Edition), Edward N. Zalta  Uri Nodelman (eds.), URL  https://plato.stanford.edu/archives/fall2022/entries/religion-science.

[4] Science and Religion A very short introduction, Dixion.T, p.1, Oxford University Press, 2008.

[5] تعاملقرآنوعلوم، محمَّد عليّ رضائيأصفهانيّ، ص144، آثار دانشوران، قم، إيران.

[6]انظر: القرآنالكريموالتَّوراةوالإنجيلوالعلم، موريسبوكاي، ص16.

[7]مظنّ هذاالبحثهوعلمالمعرفةأونظريَّة المعرفة. وكثيرةهيالمصادرالَّتيتثبتأنَّ العِلممفتقِر إلىالمعرفةالفلسفيَّة. انظرمثلاً: فلسفتنا، السَّيِّدمحمَّدباقرالصَّدر، ص123.

[8] ومنشواهدذلكمحاولةتفسيرظاهرةالرُّوح، وظاهرةالوعيمنخلالالعلومالعصبيَّة فقط.

[9] ألَّفت المستشرقة الألمانيَّة زيغريدهونكة (Sigrid Hunke) (1999م) كتابها المشهور (شمس العرب تسطع على الغرب) لتوثِّق أثر الحضارة الإسلاميَّة على الحضارة الغربيَّة. انظر: المقدّمة.

[10] حضارةالعرب، غوستافلوبون، ص586، مؤسَّسة هنداويّ، المملكة المتَّحدة، 2017م.

[11]انظر، مثلاً: د. حسيننصرفيكتابه (العِلمفيالحضارةالإسلاميَّة) يتعرَّض إلىخصائصالممارسةالعلميَّة فيها: Science and Civilization in Islam, Seyyed Hossien Nasr, Preface, P.v. 

[12]الإعجازوالتفسيرالعلميّ للقرآن (القسمالأوَّل)، محمَّدعليّ رضائيّ الإصفهانيّ، مجلَّة نصوصمعاصرة، العدد47، ص54. انظر، أيضاً: عظيمهريحانيأردبيلي؛درياانتظارشبستري، (ديدگاهعلماوانديشمندانشيعهدربارهانديشههايسيدأحمدخانهنديّ)، هفتمينکنفرانسبينالملليپژوهشهايمديريتوعلومانسانيدرايران، ص960.

[13]الميزانفيتفسيرالقرآن، السَّيِّدالطَّباطبائيّ، ج12، ص168 .

[14]الكشّاف، الزَّمخشريّ، ج3، ص89.

[15] كما في قوله تعالى:{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} يونس: 10.

[16]كمافي قوله تعالى: }قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} العنكبوت: 20.

[17] كما في قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الجاثية: 13.

[18] تسيرالأرضحولالشَّمس بسرعة30 كم/ث، أي أكثرمن100000 كم/س.

[19] براهينالنُّبوةوالرَّدّ علىاعتراضاتالمستشرِقينوالمنصِّرين، محمَّد العمريّ، ص50.

[20]كمافيقولهتعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}. الأنبياء: 69.

[21]كمافيقولهتعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فَانْفَلَقَ}. الشُّعراء: 63.

[22]كمافيقولهتعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً}. الكهف: 25.

[23] تفسيرالمنار، محمَّدرشيدرضا، ج2، ص458. 

[24] إزالةالحصىعن معجزات موسىg والعصا (الجزءالأوَّل)، أيمنعودة، موقعللفرقةالأحمديَّة: https://www.ahmadiyya-islam.org/

[25]نقدوبررسيديدگاهسيداحمدخانهنديدرموردمعجزه، گلي، مهرناز، مجلهمطالعاتشبهقاره، شماره٢2 رتبه، ص75.

[26]باتمنالواضحجداًلدىالفلاسفةوفلاسفةالعِلمالغربيِّين أنَّالعِلممهماارتفعتقيمتهالمعرفيَّةفإنَّهلايوفِّر لنااليقين، ذلكأنَّمنهجهاستقرائيّ لااستنباطيّ. انظرمثلاً: الأسسالمنطقيّة للاستقراء، السَّيِّدمحمَّدباقرالصَّدر، المقدّمة. وكذلك: مقدّمة قصيرةلفسلفةالعِلم

 (Philosophy of Science. A very short introduction) لسامرعكاشة (Samir Okasha)، الفصل الثَّاني.

[27]الأسسالمنطقيَّة للاستقراء، السَّيِّدمحمَّدباقرالصَّدر، ص28.

[28]پيشفرضهايمستشرقاندررابطهباتعارضقرآنوعلم، محمَّدعليرضايياصفهانيّ وعلياکبرفراهيبخشايش، نشريهقرآنپژوهيخاورشناسان، شماره13، ص33. وانظرأيضاً: قرانوعلومتجربي، الأصفهاني، ص108. أيضاً: في دحضمزاعمعلميَّةالقرآن (الحلقةالرابعة)، أحمدالقاضي، موقعالحوارالمتمدن:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=49202.

[29]انظر: نقدديدگاههايمستشرقاندررابطهباتعارضقرآنوعلومطبيعي ، سيد عيسى مسترحمي وعلياکبر فراهيبخشايش، نشريهقرآنپژوهيخاورشناسان، شماره12، ص103.

[30]انظر: نقدديدگاهاقتباسقرآنازيافته‌هايارسطووجالينوسدربارهمراحلتکوينجنين، حسنرضا رضاييزرنديني، مجلهقرآنپژوهيخاورشناسان، عدد28، ص31.

[31]كمافيقولهتعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. الذَّاريات: 49.

[32]الإعجازوالتَّفسيرالعلميّ للقرآن (القسمالأوَّل)، محمَّدعليّ رضائيالإصفهانيّ، مجلَّة نصوصمعاصرة، العدد47، ص53.

[33]هذابناءً علىفلسفةكارلبوبروالَّتي تذهبإلىأنَّالعِلملايمكنهإثباتالقضايا، لكنيمكنهتكذيبها (Falsification Principle). وبرغم عدماتِّفاقنامعهاتماماً، إلَّاأنَّهيمكنأنيُقالالتَّكذيببشكلعامّ أعلىقيمةمعرفيَّةمنالإثبات. انظر:

 Theory and Reality, Godfrey-Smith.P, p.57, The University of Chicgo Press, 2003.

[34]انظر: دروسفيعلمالأصول، السَّيِّدمحمَّدباقرالصَّدر، ج1، ص251. 

[35]انظر: المنطق، محمَّدرضاالمظفَّر، ج3، ص281. وأيضاً: نظريَّةالمعرفة، الشَّيخجعفرالسُّبحانيّ، ص40.

[36]انظر: منطقالخطابالقرآنيّ، محمَّدباقرسعيدروشن، الفصلالرَّابع، ص99. أيضاً انظر: تبيين موضع تعارض ظاهري نظرية تکامل وآيات آفرينش وآراي قرآنپژوهان در حل آن، کلانتري، إبراهيم، نشرية قبسات، شماره59، ص19.

[37]انظر: دراساتفيعلمالكلامالجديد، حسنيوسفيَّان، ص22.

[38]لمزيدمنالنَّقد، انظر: منطقالخطابالقرآنيّ: منطقالخطابالقرآنيّ، محمَّدباقرسعيدروشن، ص112.

[39]پيشفرضهايمستشرقاندررابطهباتعارضقرآنوعلم، محمَّد عليّ رضاييأصفهاني، عليّ اکبر فراهيبخشايش، نشريهقرآنپژوهيخاورشناسان، شماره13، ص47.

[40]وأمَّامناعتبرأنَّبعضالمدوَّن في المصحفليسقرآناًبلدعاء، كماينسبإلىعبداللهبنمسعود، فهوعلىشذوذه، لايغيَّر في المعادلةشيء، لأنَّهمامنالنُّصوصالَّتي تُنسبإلىالدِّين علىأيّ حال، وكونهاقرآناًأودعاءومنالسُّنَّة المتواترةلايغيِّر من حجِّيَّتهاشيء.

[41]تبيينموضعتعارضظاهرينظريةتکاملوآياتآفرينشوآرايقرآنپژوهاندرحلآن، إبراهيم کلانتري، نشريةقبسات، شماره59، ص26.

[42]نسبةإلىالمصطلحالمعرَّب إبستمولوجيا (Epistemology) والَّذي يشيرإلىعلمالمعرفة، أونظريَّةالمعرفة. وحينهاتعنيإبستميا، معرفيّاً، أو الشًّيء باعتبارهمصدراًمعرفيّاً. انظر: المعجمالفلسفيّ، د. جميلصليبا، ج1، ص33.

[43]استوعبالسَّيِّدمحمَّدباقرالصَّدرالقيمةالمعرفيَّةللاستقراءفيكتابه (الأسسالمنطقيَّة للاستقراء)، فراجع.

[44]المعالمالجديدةللأصول، السَّيِّدمحمَّدباقرالصَّدر، ص219.

[45]قرآنوعلومتجربي، رضاييأصفهانيّ، محمَّد عليّ، ص43. ويوظّف السَّيِّد الطَّباطبائيّ مثلاً العِلم كأداة من أدوات قراءة النَّصّ، فيقول في موضع: "وربّما يؤيِّد هذا النَّظر: ما وجده التَّجارب العلمي أن ..."، المصدرنفسه: ج2، ص224. ويذكرفيموضعآخراستنادهعلىبحثعلميّ فيترجيحرأيٍ ما، ج10، ص266.

[46]الميزانفيتفسيرالقرآن، السَّيِّدالطَّباطبائيّ، ج10، 266.

[47]مبانينقدالحديث، قاسمالبيضانيّ، ص149.

[48]تفصيلوسائلالشّيعةإلىتحصيلمسائلالشَّريعة (مؤسّسة آل البيت)، الحرُّ العامليّ، ج3 ص398، باب3، حديث4.

[49]موسوعةالإمامالخوئيّ، السَّيِّدالخوئيّ، ج4, ص72.

[50]تبيينموضعتعارضظاهرينظريةتکاملوآياتآفرينشوآرايقرآنپژوهاندرحلآن ،إبراهيم کلانتري، نشريهقبسات، شماره59، ص19.

[51]الميزانفيتفسيرالقرآن، السَّيِّدالطَّباطبائيّ، ج4، ص5.

[52]يقولموريسبوكاي: "وبفضل الدِّراسة الواعية للنَّصّ العربيّ استطعت أن أحقِّق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أنَّ القرآن لا يحتوي على أيَّة مقولة قابلة للنَّقد من وجهة نظر العِلم في العصر الحديث". القرآنالكريموالتَّوراةوالإنجيلوالعِلم، موريسبوكاي، ص17.

[53]لمزيدمنالشُّبهاتوردِّها، انظر: شؤونقرآنيَّة، الشَّيخمحمَّدصنقورعليّ البحرانيّ، ج1. أيضاً: القرآن ونقض مطاعن الرُّهبان، د. صلاح عبدالفتَّاح الخالديّ. أيضاً: قرآن وعلوم تجربي، محمَّد عليّ الرِّضائيّ الأصفهانيّ، نسيم-حيات، قم، إيران. أيضاً: الأخطاء العلميَّة في القرآن الكريم، السَّيِّد منير الخبَّاز، 2020، الموقعالرّسميّ:.https://www.almoneer.org/?act=artc&id=1748

[54]مفاتيحالغَيب، فخرالدِّين الرَّازيّ، ج21، ص167.

[55]مجمعالبيان، الشَّيخفضلبنحسنالطَّبرسيّ، ج6، ص380.

[56]انظر: العين، الخليلبنأحمدالفراهيديّ، ج3، ص126. 

[57]انظر: مفاتيحالغَيب، فخرالدِّين الرَّازيّ، ج26، ص120.

[58]انظر: العين، الخليلبنأحمدالفراهيديّ، ج6، ص154.

[59]انظر: الأخطاءالعلميَّةفيالقرآنالكريم، السَّيِّدمنيرالخبَّاز، 2020، موقعهالرّسميّ: 

https://www.almoneer.org/?act=artc&id=1748.

[60]انظرأيضاً: نقدديدگاههايمستشرقاندررابطهباتعارضقرآنوعلومطبيعي، سيدعيسى مسترحمي، وعلياکبر فراهيبخشايش، نشريهقرآنپژوهيخاورشناسان، شماره12، ص48.

[61]انظر: تبيينموضعتعارضظاهرينظريةتکاملوآياتآفرينشوآرايقرآنپژوهاندرحلآن، إبراهيم کلانتري، نشريه قبسات، شماره59، ص5. أيضاً: مقايسه مراحل تکامل جنين إنسان از ديدگاه قرآن حديث وعلم جنين شناسي، زهرهکامکار، شهناز رضوي، نشريهپژوهشهايعلمودين، شماره2، ص139.

[62]الإعجازالعلميّ فيقولاللهتعالى {فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا}، د. محمَّدالدِّيب ود. وائلالشِّيمي، المؤتمرالعالميّ الثَّامنللإعجازالعلميّ فيالقرآنوالسُّنَّة، ص270. انظر: https://www.eajaz.org.

[63] Description of Human Development: ‘Izam and Lahm Stages, G.C Goeringer, A. Zindani & A. Ahmed:..https://www.academia.edu/3810897/Embryology_in_the_Qur_an_Bone_and_Muscle_Development

[64] Developmental Approach to Human Evolution, Boghner.J & Rolian.C, p.122, Wiley Blackwell, 2016.

[65] Islam and Modern Scince: Contemporary Issues, Muzaffar Iqbal, p.163, Greenwood Press, 2007.

[66]انظر: لسانالعرب، ابنمنظور، ج2، ص292.

[67]انظر: الميزانفيتفسيرالقرآن، السَّيِّدالطَّباطبائيّ، ج18، ص 382. الأمثلفيتفسيركتاباللهالمنزل، ج17، ص124.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا