أسس الأمن الاجتماعيّ في القرآن الكريم

أسس الأمن الاجتماعيّ  في القرآن الكريم

الملخَّص:
تعرَّض الكاتب إلى الأسس الَّتي اتَّخذها القرآنُ الكريم لتحقيق الأمن الاجتماعيّ؛ فبيَّن أوَّلاً مفهوم الأمن الاجتماعيّ، ثمَّ ذكر أحد عشرة أسّاً للأمن الاجتماعيّ في القرآن الكريم، وختمها بأساس التَّواصي الَّذي يُعدّ الأساس الحامي لبقيَّة الأسس.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة والسَّلام على النَّبيّ وآله..
المقدّمة
أولى القرآن الكريم الاهتمام الكبير بتنشئة المجتمع الصَّالح، الَّذي تحكمه العلاقات الإنسانيَّة السَّليمة، والرَّوابط الاجتماعيَّة العادلة، بما يحقِّق الأمن في هذه العلاقات الاجتماعيَّة، بحيث يطمَئنُّ الفردُ عند تعاملِه مع الآخرين، على نفسه، وماله، وأهله، وعرضه.
وقد وضع القرآن أسساً تضمن -بتطبيقها- قيام الأمن الاجتماعيّ، سواء عند الفرد أو في المجتمع، وهي أحد عشر أساساً.
وقبل الشروع في بيان هذه الأسس، لا بأس في أن نتعرَّض إلى بيان بعض مصطلحات البحث.
أوَّلاً: مفهوم الأساس
تعريف الأساس لغةً:
في كتاب العَين: الأسّ "أصل تَأْسِيسِ‌ البناء"([1])، وفي الصِّحاح الأسّ: "أصل البِناء، وكذلك الأساسُ، والأَسَسُ مقصورٌ منه"([2]).
وفي الاصطلاح:
عرَّفه عبد العزيز لبديّ أنَّه: "القاعدة الَّتي يقام عليها البناء، أصل كل شيء ومبدؤه"([3]).
ثانياً: مفهوم الأمن
تعريف الأمن لغةً:
"الأَمْن ضدّ الخوف"([4]).
و"أمِن الرَّجلُ: اطمأنَّ ولم يخف (يأمن النَّاسُ عندما تسود العدالة). أمِن البلدُ: اطمأنَّ به أهلُه {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ ءَامِناً}(البقرة: ١٢٦). أمِن الشَّرَّ: أمِن من الشَّرِّ: سَلِم"([5]). "وأَمِن أمنا وأمانا وَأَمَانَة وَأمنا وإمنا وأمنة اطْمَأَنّ وَلم يخف"([6]).
و"أصل الأَمْن: طمأنينة النَّفس وزوال الخوف"([7]).
تعريف الأمن اصطلاحاً:
لم يحظَ مصطلح الأمن قديماً بتعريفٍ محدَّد، والتَّعريفات الموجودة آنذاك أقرب للمعنى اللُّغَويّ منها للمعنى الاصطلاحيّ، حتَّى أنَّه ذُكر في موسوعة المفاهيم الإسلاميَّة للمجلس الأعلى للشُّؤون الإسلاميَّة بمصر أنَّ الأمن "لا يخرج استعماله عند الفقهاء عن المعنى اللُّغَويّ له"([8]). وقد عرَّفه الجرجانيّ آنذاك بأنَّه "عدم توقُّع مكروه في الزَّمان الآتي"([9])، وتبعه في ذلك القنويّ([10]) والمِناويّ([11]).
وأمَّا المتأخّرون فتعريفاتهم متباينة في مفرداتها، مختلفة في مضامينها، فيعرّفه بعضهم من جهة كيفيَّة تحقُّقه، وآخرون من جهة النَّتيجة، وآخرون من جهة حالة ووضع النَّاس، ويمكن تعريف الأمن اصطلاحاً بما عرَّفه به محمَّد عمارة، إذ يعرِّف الأمن بأنَّه "الطَّمأنينة الَّتي تنفي الخوف والفزع عن الإنسان، فرداً أو جماعةً، في سائر ميادين العمران الدُّنيَويّ، بل وأيضاً في المعاد الأخرَويّ فيما وراء هذه الدنيا"([12]).
ويعرِّفه فهد الشَّقحاء بتعريف مشابه بأنَّه: "شعور الإنسان بالاطمئنان؛ لانعدام التَّهديدات الحسِّيَّة على شخصه وحقوقه، ولتحرُّره من القيود الَّتي تحول دون استيفائه لاحتياجاته الرُّوحيَّة والمعنويَّة، مع شعوره بالعدالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}(النُّور: 55)"([13]).
ويظهر من تعريف الشَّقحاء أنَّ الأمن لا يكون إلَّا بتحقق العدالة الاجتماعيَّة، والَّتي هي أحد أركان الأمن حسب تعريفه، وذلك أنَّ مفهوم الأمن لا يتحقق إلَّا مع القضاء على كلّ ما يهدد الطَّمأنينة والسَّلامة كما تقدَّم ذكره في مفهوم الأمن لغةً.
الأمن في القرآن
وردت مفردة الأمن ومشتقاتها في السِّياق القرآنيّ على عشرين صيغة وهي: (أمن، أمنتكم، أمنتم، أمنوا، أمنكم، تأمنا، تأمنه، يأمن، يأمنوا، يأمنوكم، آمناً، آمنة، آمنين، آمنون، الأمن، أمناً، أمنة، مأمنه، مأمون، آمنهم).
إنَّ تعدّد مشتَّقات مفردة الأمن يؤدِّي في نهاية الأمر إلى تعدُّد معانيه، ولكن يبقى معنى الأمن في صورته العامَّة ضدَّ الخوف والفزع، فيوافق في ذلك المعنى اللُّغَويّ للأمن.
ثالثاً: مفهوم الاجتماعيّ
مفهوم الاجتماعيّ لغةً:
"أصله من الجمع، والجَمْع: ضمّ الشَّيء بتقريب بعضه من بعض، يُقال: جَمَعْتُهُ فَاجْتَمَعَ"([14]). "وجمع الشَّيء المتفرِّق فاجتمع وبابه قطع، وتجمَّع القوم اجتمعوا من هنا وهنا"([15]).
"والجمعُ مصدر جمعت الشَّيء. والجَمْعُ أيضاً: اسم لجماعة النَّاس، والجموع: اسم لجماعة النَّاس. والمجمع حيث يُجْمَعُ النَّاس، وهو أيضاً اسم للنَّاس والجَمَاعَةُ: عدد كل شيء وكثرته. والجِماعُ: ما جمعَ عَدداً، فهو جِماعُهُ، كما تقول لجماع الخباء: أخبية"([16]). فمعنى الاجتماعيّ قائم على وجود علاقة بين فردَين أو أكثر ولا يكون في فرد واحد.
مفهوم الاجتماعيّ اصطلاحاً:
اجتماعيّ: اسم منسوب إلى اجتماع: "(العُرف الاجتماعيّ- إعانات اجتماعيَّة) الأعباء الاجتماعيَّة: الضَّرائب والرُّسوم الَّتي تفرضها الدَّولة- السُّلَّم الاجتماعيّ: المراتب الاجتماعيَّة، العقد الاجتماعيّ: جملة الاتفاقات الأساسيَّة في الحياة الاجتماعيَّة وبمقتضاها يضع الإنسانُ نفسَه وقواه تحت إرادة المجتمع"([17]).
والاجتماعيّ: "أيّ سلوك أو اتجاه بين الأشخاص يتأثَّر بالخبرة الحاضرة أو الماضية لسلوك أشخاص آخرين، أو هو السُّلوك الَّذي يتجه نحو الآخرين بطريقة شعوريَّة، ويُطلَق الاجتماعيّ بمعناه العامّ على الكائنات البشريَّة"([18]).
فالاجتماعيّ اصطلاحاً هو السُّلوك والتفاعل الَّذي يحصل بين فردَين أو أكثر.
رابعاً: تعريف الأمن الاجتماعيّ
الأمن الاجتماعيّ كغيره من مصطلحات العلوم الإنسانيَّة لا يمكن الوصول لتعريف لها متفَّق عليه بين الباحثين، وذلك بسبب اختلاف المشارب والتَّأثير النِّسبيّ للزَّمان والمكان والأشخاص، بل واختلاف المدارس بين شرقيَّة وغربيَّة وعربيَّة، واختلاف المذاهب بين فلسفيَّة وواقعيَّة، واختلاف المنظور الشَّرعيّ والقانونيّ والاجتماعيّ والنَّفسيّ وغيرها، وكذلك اختلاف الزَّاوية الَّتي يُتناول منها الموضوع، فمنهم من يتناوله من جهة النَّتيجة، ومنهم من يتناوله من جهة المسؤوليَّة المُلقاة على عاتق الفرد والمجتمع والحكومة ودور كلّ منهم في تحقيقه، ومنهم من يتناوله من جهة الأهداف والوسائل والأساليب والإجراءات الَّتي تُتبع لتحقيقه.
وعلى أيِّ حال، يمكن تعريف الأمن الاجتماعيّ بأنَّه (طمأنينة تحصل للفرد والجماعة في إطار العلاقات الاجتماعيَّة، وذلك بتوفير سبلِ الاستقرار النَّفسيّ والمادِّيّ بين الفرد والفرد، وبين الفرد والجماعة، وبين الجماعة والجماعة).
والمُراد بالعلاقات الاجتماعيَّة هو: "نمط التَّفاعل الاجتماعيّ بين شخصَين أو أكثر"([19]).
الأساس الأوَّل: حرمة حياة الإنسان
يقول تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ۗ}(الإسراء: ٣٣).
صرَّحت الآية بالنَّهي عن قتل النَّفس المحترَمة، والنَّهي يدلّ على الحرمة، فحرَّمت الآيات قتل النَّفس المحترَمة، ووضعت بذلك أساس حرمة حياة الإنسان.
أن يأمن الإنسان على حياته في علاقاته الاجتماعيَّة مع الآخرين فهو يتحرَّر من سجن الخوف والاضطراب، إلى حريَّة راحة البال والاستقرار، ويتفرَّغ للعبادة والعمل، وغيرها من الأمور الَّتي لو كان خائفاً على حياته لم يكن ليؤدِّيها على وجهها الأكمل، هذا لو أدَّاها من الأساس.
وأمَّا في القرآن الكريم فإنَّ للإنسان مكانة كبرى، حتَّى حظي بعناية خاصَّة في تشريعاته، فاعتبرَت حياة الإنسان قيمةً عظمى، وأمراً مقدَّساً لا يحقّ لأحد أن يتعرَّض لها بأذى، أو حتَّى أن يقلِّل من قيمتها إلَّا عبر أحكام الله تعالى. والكلام فيما ذكره القرآن الكريم حول هذا الأمر في نقاط:
١. حرمة القتل لنوع الإنسان:
يقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ * قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ}.
إلى قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً * وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(المائدة: ٢٧-٣٢).
تُفيد الآية تحريم قتل الإنسان بما هو إنسان، يقول الشَّيخ محمَّد جواد مغنيةN: "لقد كشفت قصَّة وَلدَي آدم أنَّ في النَّاس نوعَين: معتدياً ومعتدىً عليه... ولحماية هذا من ذاك، وصيانة الحياة ونظامها جعل الله لكلّ معتدٍ عقوبة يستحقها... والَّذي نفهمه من الآية أنَّ الفرد في نظر الإسلام هو غاية بنفسه، لا وسيلة إلى غيره، وأنَّه ظاهرة إنسانيَّة، له ما لها من الحرمة والكرامة، وأنَّ العدوان عليه عدوان على الإنسانيَّة الَّتي تتمثَّل به وبالنَّاس جميعاً، وأنَّ الإحسان إليه إحسان إلى النَّاس جميعاً"([20]). فاحترام النَّفس الإنسانيَّة في الإسلام ليس مهمّاً من جهة أنَّه فلان، بل من جهة الحياة نفسها، فلا فرق بين كبير وصغير، وحاكم ومحكوم، ومؤمن وفاسق، وعدوّ وصديق، الحياة نفسها محترَمة ومن استهان بحياة فقد استهان بكلّ الحيوانات المحترَمة. والغرض عدم التَّفريق بينهم -كما ذكر في كنز الدَّقائق- هو "تعظيم قتل النَّفس وإحيائها في القلوب، وترهيباً عن التَّعرُّض لها، وترغيباً في المحاماة عليها"([21]).
ويذكر الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّB-مبيِّناً مكانة النَّفس الإنسانيَّة في المجتمع- "إنَّ المجتمع يشكل في الحقيقة كياناً واحداً، وأعضاؤه أشبه بأعضاء الجسد الواحد، وإنَّ أيّ ضرر يصيب أحد أعضائه يكون أثره واضحاً -بصورة أو بأخرى-في سائر الأعضاء، ولأنَّ المجتمع البشريّ يتشكَّل من الأفراد، لذلك فإنَّ فقدان أيّ فرد منهم يعتبر خسارةً للمجتمع الإنسانيّ الكبير، لأنَّ هذا الفقدان يترك أثراً بمقدار ما كان لصاحبه من أثر في المجتمع، لذلك يشمل الضَّرر جميع أفراد المجتمع. ومن جانب آخر فإنَّ إحياء فرد من أفراد المجتمع، يكون-لنفس السَّبب الَّذي ذكرناه-بمثابة إحياء وإنقاذ جميع أفراد المجتمع، لأنَّ لكلّ إنسان أثراً بمقدار وجوده في بناء المجتمع الإنسانيّ وفي مجال رفع احتياجاته، فيكون هذا الأثر قليلاً بالنِّسبة للبعض وكثيراً بالنِّسبة للبعض الآخر"([22]).
٢. تشديد القرآن في أمر القتل:
يقول تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}(النِّساء: ٩٣).
أكدَّت الآية على حرمة حياة النَّاس وذلك عبر بيان جزاء القاتل المتعمِّد، فأيّ جزاء بعد الخلود في جهنَّم وغضب الله تعالى ولعنته والعذاب العظيم، كل هذه الجزاءات تدلُّ على التَّشديد في أمر القتل، وقد أرسل الله الأنبياء تقريراً لهذا التَّشديد وتأكيداً له، فكان الأنبياء يحذِّرون النَّاس القتلَ وما يترتَّب عليه من فساد ودمار للعلاقات الاجتماعيَّة والإنسانيَّة‌([23]).
وقد تعددَّت أساليب آيات القرآن الكريم الَّتي تُبيِّن أهمِّيَّة النَّفس الإنسانيَّة، وعدم قبول الدِّيانات السَّماويَّة إهدار دم هذه النَّفس، فوضعت الآخرين موضع النَّفس، وحرَّمت المساس بها، وذكرت أنَّ عباد الرَّحمان طاهرون من دماء الأبرياء، فذكرت الآيات القرآنيَّة أنَّ:
أ. قتل لنفس الواحدة بمثابة قتلِ الجميع:
وكان قتل نفسٍ واحدة -في القرآن الكريم- كقتل جميع النُّفوس، وإنقاذ نفسٍ واحدة كإنقاذ جميع النُّفوس، يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ * إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة: ٣٢-٣٥).
وتتأكَّد حرمة قتل النَّفس المحترَمة أشدّ تأكيدٍ لو كان كلا الطَّرفَين مؤمنَين، يقول السَّيِّد السَّبزواريّN في تفسيره مواهب الرَّحمن: "قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً} بيان لأهمّ حكم من الأحكام الإلهيَّة في أبلغ أسلوب وأفصح عبارة، فإنَّها تدلّ على نفي الشَّأن الَّذي هو أبلغ من نفي الفعل، أي: لا يوجد في المؤمن بعد دخوله في حريم الإيمان اقتضاء لقتل مؤمن أبداً، بل لا يليق بحاله، ولا ينبغي له قتل من تشرَّف بالإيمان باللّه ورسوله مطلقاً، أيّ قتلٍ كان، ولو صدر منه في حالات خاصَّة، كحالة الحرب وفي ساحة القتال ... وإنَّما ذكرa المؤمن لبيان أنَّ الإيمان جنَّة واقية من كلّ ظلم وجريمة، وهو يمنع صاحبه من قتل أخيه المؤمن بعد أن دخل في حريم الإيمان وحماه. والآية الشَّريفة وإن كانت لنفي الشَّأن والاقتضاء، لكنَّها متضمِّنة للحكم التَّكليفيّ، فتنهى عن القتل، فيكون النَّفي بمعنى النَّهي للمبالغة وشدَّة التَّنزيه عن ارتكاب القتل"([24]).
ب. وضع الآخر موضع النَّفس:
أن يقتل المؤمن مؤمناً كأنَّه قتل نفسه، فأهل الدِّين الواحد في ولاية بعضهم بعضاً بمنزلة الرَّجل الواحد، فعن رسول اللهe أنَّه قال: «المُؤْمِنُونَ فِي تَبَارِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى تَدَاعَى لَهُ سَائِرُهُ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»([25]).
ولذلك حذَّرت الآية المؤمنين من أن يقتلوا أنفسهم، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}(النِّساء: ٢٩-٣٠). فجميع نفوس المجتمع الدِّينيّ المأخوذة كنفس واحدة، نفس كلّ واحد هي نفس الآخر([26]). والتَّعبير بالنَّفس زيادة في الزَّجر، فإنَّ من قتل غيره فقد قتل نفسه([27]).
ووردت حرمة سفك الدِّماء في جملة من المنهيَّات الَّتي أخذ اللهa العهدَ من بني إسرائيل باجتنابها، يقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ}(البقرة: ٨٤)، ويذكر السَّيِّد السَّبزواريّN أنَّ قوله تعالى: {دِمَاءَكُمْ} إنَّما هو من باب "جعل غير الشَّخص كأنَّه نفسه، وذلك مبالغةً في النَّهي وتأكيداً في الترك، ولأنَّهم أمَّة واحدة بينهم روابط القرابة والمصلحة والدِّين، فما يصيب واحداً منهم كأنَّما يصيب الأمَّة، وأرادa بذلك تعليم حفظ الوحدة بين الأفراد مهما أمكنهم كقوله تعالى: {فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ}(النُّور: ٦١)"([28]).
ج. طهارة عباد الرَّحمن من دم الأبرياء:
يقول تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً}(الفرقان: ٦٨).
ذكرت الآيات القرآنيَّة عدداً من صفات عباد الرَّحمن، وذكرت في سابع هذه الصِّفات أنَّهم لا يقتلون النَّفس المحرَّمة إلَّا بالحقّ، فإذا كانوا على مفترق طريقَين؛ الكفر والإيمان، يختارون الإيمان، وعلى مفترق طريقَين؛ الأمان واللَّا أمان في الأرواح، يختارون الأمان، وعلى مفترق طريقَين؛ الطُّهر والتَّلوُّث، يختارون النَّقاء والطُّهر. إنَّهم يهيِّئون المحيط الخالي من كلّ أنواع الشِّرك والتَّعدّي والفساد والتَّلوُّث، بجِدِّهم واجتهادهم([29]).
٣. وجوب حفظ النَّفس الإنسانيَّة:
وقد بلغ هذا الاهتمام درجة جعل الإسلام فيها حفظ نفس الإنسان واجباً على كلّ مسلِم، يقول الشَّهيد الثَّانيN في المسالك: "حفظ النَّفس من التَّلف واجب وتركه محرَّم"([30])، وإذا دار الأمر بين حفظ النَّفس المحترَمة وارتكاب المحرَّم أو ترك الواجب، جاز ارتكاب المحرَّم أو ترك الواجب، حفاظاً على النَّفس الإنسانيَّة من الهلاك - بالحدّ الَّذي يتوقف عليه حفظ النَّفس المحترَمة-، بل وجب ذلك، يقول الوحيد البهبهانيّN: "لا يوجد تكليف يُقدَّم على حفظ النَّفس وإن كان وجوبه شديداً، بل لا يكون أوجب الفرائض مثل الفريضة اليوميَّة أشدّ منها، بل وأصول الدِّين يجب فيها التَّقيَّة حفظاً للنَّفس، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِوورد: >لا دِينَ لِمَنْ لا تَقِيَّةَ لَهُ<([31])، و>التَّقِيَّةَ [مِنْ] دِينِي ودِينِ آبَائِي<([32])، إلى غير ذلك من التَّشديدات فيها"([33]). ويذكر السَّيِّد روح الله الخمينيّN أنَّه لا فرق في شدَّة حرمة المحرَّمات الَّتي يجوز ارتكابها لحفظ النَّفس الإنسانيَّة من الهلاك فيقول: "في كلّ مورد يتوقَّف حفظ النَّفس على ارتكاب محرَّم يجب الارتكاب، فلا يجوز التَّنزُّه والحال هذه، ولا فرق بين الخمر والطِّين وبين سائر المحرَّمات، فإذا أصابه عطش حتَّى خاف على نفسه جاز شرب الخمر، بل وجب. وكذا إذا اضطرّ إلى غيرها من المحرَّمات"([34]).
كلّ ذلك لحفظ النَّفس الإنسانيَّة، وتحقيق الأمن الاجتماعيّ بحيث يطمئنُّ الإنسان على نفسه من تصرُّفات الآخرين، بل يطمئنُّ أنَّه إذا وقع فيما يؤذيه فإنَّه يجب على الآخرين إنقاذه بحسب التَّشريع الإسلاميّ.
٤. عظم الجريمة يستدعي عظم العقاب:
ولعظيم جريمة التَّعدّي على النَّفس الإنسانيَّة وأثرها كان العقاب عليها عظيماً كذلك، يقول الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ: "وبما أنَّ جريمة قتل الإنسان من أعظم وأكبر الجرائم وأخطر الذُّنوب، وأنَّ التَّهاون في مكافحة مثل هذه الجريمة يهدِّد أمن المجتمع وسلامة أفراده، الأمن الَّذي يعتبر من أهمّ متطلَّبات المجتمع السَّليم، لذلك فإنَّ القرآن الكريم قد تناول هذه القضيَّة في آيات مختلفة بأهمّيّة بالغة، حتَّى أنَّه اعتبر قتل النَّفس الواحدة قتلاً للنَّاس جميعاً،... [فإذا تجاهل الإنسان هذه التحذيرات والتأكيدات فقتل نفساً محترمةً، فإنَّ الآية قد قرّرت] أربع عقوبات أخرويّة لمرتكب القتل العمد، وعقوبة أخرى دنيويّة هي القصاص، والعقوبات الأخرويّة هي:
1. الخلود والبقاء الأبديّ في نار جهنَّم، حيث تقول الآية: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا}.
2. إحاطة غضب الله وسخطه بالقاتل: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ}.
3. الحرمان من رحمة الله: {وَلَعَنَهُ}.
4. العذاب العظيم الَّذي ينتظره يوم القيامة: {وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.
والملاحظ هنا أنَّ العقاب الأخرَويّ الَّذي خصَّصه الله للقاتل في حالة العمد، هو أشدّ أنواع العذاب والعقاب، بحيث لم يذكر القرآن عقاباً أشدّ منه في مجال آخر أو لذنب آخر"([35]).
فالمجتمع الَّتي تكثر فيه جريمة القتل مجتمع غير مستقِرّ، فهو بعيد عن الحياة الهانئة، والقيم الرَّفيعة، وقريب إلى الانهيار، وهذا ما نراه اليوم في المجتمعات الغربيَّة الَّتي رفضت الإسلام، بل رفضت تعاليمه الَّتي توافق الفطرة الإنسانيَّة، فصارت هذه المجتمعات كالغابة تتقاتل فيها الحيوانات لأجل لقمة عيشها، ويقتل فيها القويُّ الضعيفَ.
٥. القتل الخطأ:
يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُ وَمْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}(النِّساء: ٩٢).
إنَّ أثر قتل الإنسان والتَّعدّي على النَّفس الإنسانيَّة من دون حقّ لا يختلف إذا كان القتل عمدّياً أو خطأً، ولهذا لو قتل الإنسان إنساناً آخر خطأً فإنَّ الخطأ لا يعفي هذا الإنسان من المسؤوليَّة، فبارتكاب القتل ولو خطأً فقد حصلت خسارات لا بدَّ من تعويضها، وقد "ذكرت الآية ثلاثة أنواع من التَّعويض عند حصول قتلٍ عن خطأ، وكلّ نوع في حدّ ذاته تعويض عن الخسارة النَّاجمة عن هذا القتل.
فتحرير رقبة عبد مسلم يعتبر تعويضاً عن خسارةٍ اجتماعيَّةٍ ناتجةٍ عن القتل الواقع على إنسان مسلم؛ [...] وذلك بدخول إنسان نافع آخر بين أفراده عن طريق التحرير.
وأمَّا التعويض المادِّيّ (الدِّية) فهو مقابل الخسارة المادِّيَّة اللَّاحقة بأهل القتيل نتيجة فقدهم إياه [...].
وأمَّا الخيار الثَّالث الوارد في حالة تعذُّر تقديم التَّعويض المادِّيّ، فيتمثَّل في صيام شهرين متتابعين يقوم به القاتل، فهو تعويض أخلاقيّ ومعنويّ لخسارة معنويّة لحقت بالقاتل نفسه بسبب ارتكابه لحادث قتل، ..."([36]).
وهذه الغرامات الَّتي تجب لوقوع القتل ولو خطأً إنَّما هي لكون القضيَّة بالغة الأهمِّيَّة في الإسلام؛ وهي قضية الدَّمّ المُراق، والنَّفس والحياة الإنسانيَّة المسلوبة، فلهذا يوجب الإسلام غرامات تدفع المسلمين إلى الحيطة والحذر الدَّقيقَين، لكيلا يتورَّطوا في ارتكاب القتل ولو خطأً، وحتى لا يكون الخطأ عذراً عند بعض الأفراد لاستسهال القتل وإهدار دم الأبرياء، والإخلال بالأمن الاجتماعيّ([37]).
الأساس الثَّاني: كرامة الإنسان
بعد أن أمِن الإنسان على نفسه، فإنَّ الخطوة التَّالية هي أن يأمن على كرامته وعرضه، وصورته الاجتماعيَّة بين النَّاس، ليكون ذلك وقايةً له من الانعزال، والاضطراب النَّفسيّ، وأماناً له عند تعامله مع الآخرين.
يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(الإسراء: ٧٠).
الآية في سياق بيان التَّكريم لعامَّة البشر، بِغضّ النَّظر عن أديانهم وشِرعهم. وتكريم الإنسان تخصيص له بالعناية وتشريفه بما يختصّ به ولا يوجد في غيره، فهو شريف ذا كرامةٍ في نفسه.
فكرامة الإنسان في ذاته تُملي عليه أن يحترم غيره من البشر بما هم بشر، ولا يتعرَّض له، ويظهر ذلك في قول أمير المؤمنينg: >.. صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ<([38])، فالنَّظر إلى الإنسان بما هو إنسان، بما هو نظير في الخلق على الأقلّ، فتتمثَّل كرامة الإنسان وحرمته عند التَّعامل معه([39]).
الأساس الثَّالث: محاربة الطَّبقيَّة
الإنسان مجبول على طلب ما يتميَّز به ويختصّ به بين أقرانه من شرف وكرامة، ويسعى بجهد لاكتساب ما يظنّ أنَّ به التَّميُّز، من نسب أو مال أو مقامات سياسيَّة واجتماعيَّة؛ ليتفاخر بذلك ويستعلي على غيره.
وكان الافتخار بالقبيلة والانتساب إليها من أكثر الأمور الوهميَّة رواجاً في الجاهليَّة، فكانت كلّ قبيلة تَعُدّ نفسها أشرف القبائل، حتَّى كانت حياتهم تدور مدار التَّفاخر بالآباء والأولاد، ثمَّ ظهر القرآن في هذا المحيط وحطَّم هذه الوثنيَّة وحرَّر الإنسان من رقّ العِرق والدَّم والقبيلة واللَّون، وقاده إلى معرفة نفسه وصفاتها العليا.
فإذا انتشرت الطَّبقيَّة بين النَّاس، وكبرت الفجوة بينهم، أحسّ الدَّاني منهم -بحسب نظرة المتكبِّر- بالغبن وعدم الاستقرار، والخوف من معاملة المتكبِّر، لكيلا يستهزأ به أو يهينه، وفي المقابل أحسّ العالي المتكبِّر بالخوف من معاملة الدَّاني، فإنَّه يراه تهديداً لمكانته الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة وغيرها من المقامات الَّتي يضعها الإنسان لنفسه.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النِّساء: ١).
أشارت الآيةُ إلى واحدة من أهمّ أسس الوحدة الاجتماعيَّة، وهي اتحاد حقيقة النَّفس الإنسانيَّة، يقول تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} فكلّ النَّاس مُتَّحدون في الحقيقة الإنسانيَّة من غير تمايز فيها بين الرَّجل والمرأة والصَّغير والكبير، الغنيّ والفقير، والعاجز والقويّ، فلا يجحف الرَّجل المرأة، ولا يظلم الكبير الصَّغير...، ومن هنا توَّجَه الخطاب إلى مجمل النَّاس في قول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ولم يتوَّجه الخطاب إلى خصوص المسلمين([40]).
فإذا اتضح أنَّ مبدأ كلّ النَّاس من نفس واحدة، فلا مبرِّر حينئذ للتَّميِّيز بشتَّى أنواعه، والَّذي يسبِّب في عالَمنا الرَّاهن الكثير من المشاكل الاجتماعيَّة، وكذلك لا مجال للأمجاد الكاذبة والتَّفوُّق الموهوم، فإنَّ كافَّة البشر يرجعون إلى أب واحد وأمّ واحدة([41]).
هذا، وقد ذكر القرآن الكريم بعض الآيات الَّتي تبيِّن أنَّ اختلاف طبقات الإنسان لا يُراد منه الطَّبقيَّة، بل يُراد منه التَّعارف، وأنَّ الميزان بينهم هو العمل الصالح، وأنَّ الله يرزق من يشاء من العباد، ولا كرامة للغنيّ على الفقير من هذه الجهة.
١. الاختلاف للتَّعارف لا للتَّفاخر:
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات: ١٣).
فكلّ النَّاس من آدم وحوَّاء، فهم إخوة سواسية في الحقوق والواجبات، وقوله تعالى: {لِتَعَارَفُوا} أي أن تتعاطفوا وتتعاونوا على ما فيه خيركم وصلاحكم، ويتمّ بذلك اجتماعكم. لا أن تتفاخروا بالأنساب وتتفاضلوا بأمثال البياض والسَّواد، فيستعبد بذلك بعضكم بعضاً ويستخدم إنسان إنساناً، ويستعلي قوم على قوم، فينجر إلى ظهور الفساد في البرّ والبحر وهلاك الحرث والنَّسل فينقلب الدَّواء داءً([42]). "فهذه دعوة من القرآن الكريم إلى أمَّة إنسانيّة واحدة وعالَم واحد يجمعه العدل والمحبَّة، وهذا العالَم أمل الصَّفوة من المفكّرين وحلم المصلِحين"([43]).
٢. الميزان هو العمل الصَّالح:
يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ}(سبأ: ٣٤-٣٧).
المال هو تفكير المترفين ولغتهم، ولا يريدون التَّفريط فيه، فإنَّ ذلك -في نظرهم- تفريط في السُّلطة والنُّفوذ والتَّحكم في الأسواق والأقوات، والسَّيطرة على مختلف مستويات الحياة، ولهذا يربطون كلّ شيء بمكاسبهم وأرباحهم، فالعِلم ليس شيئاً إلَّا إذا زاد في ثرواتهم، والدِّين عندهم أداة للتَّخريب إلَّا إذا كان حارساً لهم ولمصالحهم، والسِلم عندهم أن يسلبوا وينهبوا ولا يزجرهم زاجر أو يسألهم سائل.
وفوق كلّ هذا يظنُّون أنَّ لهم كرامة على اللهa بما أوتوا من كثرة أموال، فيظنُّون أنَّ اللهa لا يعذِّبهم لكرامتهم هذه عليهa، يقول تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنٰاهُ رَحْمَةً مِنّٰا مِنْ بَعْدِ ضَرّٰاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هٰذٰا لِي ومٰا أَظُنُّ السّٰاعَةَ قٰائِمَةً ولَئِنْ رُجِعْتُ إِلىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنىٰ}‌(يونس: ٢١).
وأمَّا مع النَّاس فإنَّهم يتمسَّكون بكثرة الأموال لإثبات أفضليَّتهم على غيرهم من النَّاس، ويستغفلون العوامّ بأنَّ الله يحبُّهم، لِما أعطاهم من المال الوفير والقوَّة البشريَّة، وهذا دليل على مقامهم عند الله، ولذا يجب ألَّا يساوَوا بغيرهم من النَّاس، ويجب أن يكونوا متميِّزين عنهم بذلك.
ولكنَّ القرآن يردّ على المترفين بعدَّة إجابات تفنِّد ما يظنُّون؛ فيذكر أنَّ أمر الأموال والسَّعة والقدرة إنَّما هو بيد اللهa بما تقتضي الحكمة والمصلحة، وما هيأ من الأسباب ليس بيد الإنسان، ولا لكرامة له عند اللهa.
والأهمّ من ذلك أنَّ مقياس الخير والفضيلة عند اللهa ليس بالأموال والأولاد، ولا بالمناصب والأنساب، بل بالإيمان والعمل الصالح، فبهما يكون العبد مرضيّاً عند الله‌a، فعن أمير المؤمنينg: >لَيْسَ الخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ ووَلَدُكَ ولَكِنَّ الخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ ويَعْظُمَ حِلْمُكَ وأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ الله وإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ الله ولا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِرَجُلَيْنِ رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ ورَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الخَيْرَاتِ ولا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى وكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ<([44])، فالمدار في الخير على التَّقوى والعمل الصالح، فأمَّا الأموال والأولاد فليسا مقياساً عند اللهa([45]).
٣. الله هو المغني:
إنَّ من المفاهيم الاجتماعيَّة الطَّبقيَّة الَّتي تحتاج إلى علاج هو النَّظر إلى الحالتَين الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للخاطِب، وغضّ النَّظر عن دينه وأخلاقه، فيُقبَل الغنيّ من دون النَّظر إلى كفاءته ويُردّ الفقير مهما كانت درجة إيمانه وأخلاقه، وهذا جزء ممَّا يعالجه القرآن، يقول تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(النُّور: ٣٢)، فندَّد القرآن بمن ينظر إلى الحالتَين الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ويغفل دين الخاطِب وأخلاقه، وحثّ على قبول خِطبة الصَّالحين، فإنَّ الفقر ليس عيباً، ولا صفةً لازمة، بل هي حالة طارئة، وقد وعد الله سبحانه بإغناء الفقراء من فضله([46]).
وقد جاء عن النَّبيّ محمَّدe أنَّه قال: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ {إِلاّٰ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسٰادٌ كَبِيرٌ}»([47])، وهذا ممَّا يؤكد استحباب تزويج الصَّالحين وإن كانوا فقراء، بل ويشير إلى خطورة الاستغراق في الجانب الماليّ، ويوجب الابتعاد عن الطَّبقيَّة، فإنَّ في ذلك فتنة وفساد كبير.
٤. موجِب الرِّفعة هي الأعمال لا المال والبنون:
إنَّ كثيراً من النَّاس يُصابون بالغرور عندما يحصلون على الإمكانات المادِّيَّة والمناصب، وهذا الغرور من ألدّ أعداء سعادة الإنسان، وقد يؤدِّي إلى الشِّرك والكفر، ولأنَّ القرآن يهتمّ بالجانب الاجتماعيّ والتَّربويّ فإنَّه يبيّن لنا أنَّ هذه الثَّروات سريعة الزَّوال مهما تعلَّقت بها القلوب وتاقت إليها النُّفوس، بل إنَّ هذه الثَّروات قد تتحوَّل إلى عدوٍّ للإنسان، خاصَّة إذا استعملها في ما لا يرضي اللهa من قبيل تركيز الطَّبقيَّة بين أفراد المجتمع([48])، يقول تعالى: {المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}(الكهف: ٤٦).
ومن جهة أخرى بيَّن القرآن أنَّ ما يوجب الرِّفعة والخير إنَّما هو الباقيات الصَّالحات لا المال والبنون، فالباقيات الصَّالحات([49]) باقية محفوظة عند اللهa، وهي أصدق أملاً من زينة الدُّنيا وزخارفها الَّتي لا تفي الإنسان، ولذا لا يكون المال والبنون محلّاً للتَّفاخر والتَّمايز بين النَّاس([50]).
الأساس الرَّابع: المساواة بين الأنثى والذَّكر في الحقوق الإنسانيَّة
يقول الدكتور محمود عبّاس العقّاد في بيان مكانة المرأة عند اليونان: "لقد كانت المرأة عند اليونان الأقدمين، مسلوبة الحرِّية والمكانة، في كلّ ما يرجع إلى الحقوق الشَّرعيَّة، وكانت تحلّ في المنازل الكبيرة محلّاً منفصلاً عن الطَّريق، قليل النَّوافذ، محروس الأبواب، واشتهرت أندية الغواني في الحواضر اليونانيَّة، نظراً لإهمال الزَّوجات، وأمَّهات البيوت، وندرة السَّماح لهنّ بمصاحبة الرِّجال في الأندية والمحافل المهذَّبة، وخلت مجالس الفلاسفة من جنس المرأة، ولم يشتهر منهنّ امرأة نابهة إلى جانب الشَّهيرات من الغواني، أو الجواري الطَّليقات"([51])، ولهذا كانت المرأة تعيش حياة التَّهميش، والانزواء، والتَّحقير، ولا أمان لها في هذه الحياة الحقيرة.
وقد ساوى القرآن بين الأنثى والذَّكر في الحقوق الإنسانيَّة، وسبق الشَّرائع والقوانين كلَّها في تحرير المرأة، وإقرار حقوقها وتقنين القوانين المناسبة لذلك، ولم يجعل تفاضلاً بين الذَّكر والأنثى من حيث كونهما أنثى وذكراً، يقول تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}(آل عمران: ١٩٥)، فالقرآن يرى المرأة والرَّجل فردَين من نوع جوهريّ واحد، وهو الإنسان، فإنَّ جميع الآثار المشهودة في صنف الرَّجل مشهودة في صنف المرأة من غير فرق، وبروز آثار النَّوع يوجب تحقُّق موضوعه بلا شكّ، نعم يختلف الصِّنف بشدَّة وضعف في بعض الآثار المشترَكة وهو لا يوجب بطلان وجود النَّوعيَّة في الفرد، وبذلك يظهر أنَّ الكمالات النَّوعيَّة الميسورة لأحد الصِّنفين ميسورة في الآخر، ومنها الكمالات المعنويَّة الحاصلة بالإيمان والطَّاعات والقربات، وبذلك يظهر أنَّ أحسن كلمة وأجمعها في إفادة هذا المعنى قوله سبحانه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}([52])، فالرَّجل والمرأة بعضهما من بعض، فالنِّساء من الرِّجال، والرِّجال من النِّساء، فلا تفاوت بينهما في الإنسانيَّة، وعليه لا تفاوت في الأجر([53]).
بل وبيَّن القرآن أنَّ الأنوثة والذُّكورة لا دخالة لها في الثَّواب، أو الحقوق والواجبات:
١. الإيمان والعمل الصَّالح مدار ثواب الذَّكر والأنثى:
يقول تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً}(النِّساء: ١٢٤).
ويقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النَّحل: 97).
ويقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ }(غافر: ٤٠).
لقد عمَّم القرآن جزاء العمل الصالح والإيمان للذَّكر والأنثى من غير فرق بينهما، خلافاً لِما كانت تزعمه القدماء من أنَّ النِّساء لا عمل لهنّ ولا ثواب، بل ذكرت الآية أنَّ جزاءهما الجنَّة ولا يُظلم منهم أحد شيئاً حتَّى بمقدار الخيط في بذرة الرُّطب، فالجزاء واحد ولا ينقص ثواب أحد منهما([54]).
وبهذا نبذ القرآن كلّ العصبيَّات ومحى كلّ الصُّوَر النَّمطيَّة عن المرأة، وبيَّن خواء الاعتبارات الاجتماعيَّة والعرقيَّة والجنسيَّة في قبال الرِّسالة الدِّينيَّة، فالإيمان بمبادئ الرِّسالة والعمل بأحكامها هو الأساس([55]). ومهما قيل بعد ذلك في الفرق بين الرَّجل والمرأة في الحقوق والثواب إنَّما هو من التخيّلات والأوهام، فلا فرق بينهما يوم الحقّ والفصل([56]).
٢. التَّساوي في الحقوق والواجبات:
يقول تعالى: {وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحاً ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}‌(البقرة: ٢٢٨).
إنَّ بناء الإسلام للشَّريعة يقوم على الفطرة، ومن الأحكام الاجتماعيَّة المبنيَّة على الفطرة أن يتساوى كلّ النَّاس في الحكم، فيكون للإناث مثل ما للذُّكور من الحقوق، وعليهنّ مثل ما على الذُّكور من الواجبات، نعم يحفظ مع ذلك ما لكلٍّ من الأفراد من وزن في المجتمع، وهذا ما جرى عليه الإسلام في أحكام المرأة، فلها مثل ما عليها من الحقوق، مع حفظ وزنها في الحياة الاجتماعيَّة([57]).
الأساس الخامس: البرّ والتقوى
أن يكون الإنسان بارّاً متقياً للهa ليس معناه التَّهجُّد والتَّنسُّك فقط، بل معناه أرفع وأسمى من ذلك، فلا بدَّ للإنسان من التَّوافر على خصال حتَّى يكون بارّاً متقياً للهa، ومن هذه الخصال أداء الوظائف الاجتماعيَّة بل والإحسان فيها، من قبيل إنفاق المال في الموارد الَّتي يحبّ الله، والوفاء بالعهود الإلهيَّة مع الخلق؛ فلا يعاملهم بالظُّلم بل بالعدل، وتتجلَّى تقوى العبد في التزامه بواجبه تجاه اللهa وتجاه المحتاجين والمحرومين، وكلّ المجتمع الإنسانيّ -مسلمين كانوا أو غير مسلمين- على الصَّعيد العباديّ والماليّ والاجتماعيّ، فيرتقي بذلك بنفسه عن حضيض الحيوانيَّة، ومتابعة الشَّيطان ويوصلها إلى أوج مقام الإنسانيَّة، ويحفظ بذلك كيان المجتمع والوحدة بين الأفراد والثِّقة بينهم، ويحفظ حالة الأمن عند الفرد والمجتمع([58]).
يقول تعالى: {لَّيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَىٰ وَاليَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}(البقرة: ١٧٧).
ويقول تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(الممتحنة: ٨).
١. التَّعاون على البِرّ والتَّقوى:
يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}(المائدة: ٢).
مبدأ التَّعاون على البِرّ والتَّقوى من المبادئ الإسلاميَّة الَّتي دعا إليها القرآن، ويُعتبر قاعدة من القواعد الَّتي تبتني عليها سعادة المجتمع الإنسانيّ، وركن من أركان الهداية الاجتماعيَّة، فإنَّ هذا المبدأ يشمل المجالات العباديَّة، والأخلاقيَّة، الاجتماعيَّة، والحقوقيَّة، غيرها، فيجتمع النَّاس على الصَّلاح والعمل الصَّالح الاجتماعيَّين على أساس تقوى الله، وينتهون عن الاجتماع على التَّعدي على حقوق النَّاس بسلب الأمن من نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم، فإذا عمل النَّاس بهذا المبدأ زالت كثير من النَّواقص الاجتماعيَّة، وارتقى المجتمع حتَّى يكون المجتمع الَّذي يتمناه النَّاس لما فيه من الأمن والأمان والاستقرار.
وهذا المبدأ الإسلاميّ على النَّقيض تماماً من المبدأ السَّائد في الجاهليَّة، والَّذي يقوم على التَّعاون على أساس القرابة والقَبليَّة بغض النَّظر عن كون التَّعاون على الخير أو على الباطل، وممَّا يؤسف له أنَّ هذا المبدأ الجاهليّ ما زال سارياً في عصرنا عند البعض، مع تقدُّم النَّاس العلميّ والصِّناعيّ وغيره، فأدى ذلك إلى تفكُّك المجتمع وتباغض أفراده وشقائهم وحرمانهم([59]).
٢. التَّقوى أساس إصلاح المجتمع:
يقول تعال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النِّساء: ١).
تَعتبر الآية التَّقوى أساساً لبرنامج إصلاح المجتمعات، فإذا اتَّقى الإنسان أدَّى الحقوق وحمى الأيتام، ورعى الحقوق العائليَّة والاجتماعيَّة([60]). والتَّقوى هي الأساس الَّذي يجب أن تقوم عليه كلّ علاقة؛ بين أفراد الأسرة، أو الزَّوجَين أو بين أفراد المجتمع([61]).
وقد بيَّنت الآيات كثيراً من الأخلاق في التَّعامل مع المؤمنين وغير المؤمنين، وربطت بينها وبين التَّقوى، من قبيل كظم الغيظ، العفو، الإحسان، يقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ١٣٣ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ }(آل عمران: ١٣٣- ١٣٤).
والصِّدق والإنفاق في سبيل الله بدفع الصَّدقات وإيتاء الزَّكاة، والوفاء بالعهد، يقول تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}(الزُّمر: ٣٣).
ويقول تعالى: {لَّيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَىٰ وَاليَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}‌(البقرة: ١٧٧).
ويقول تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}‌(آل عمران: ١٥-١٧).
وسوء الظَّنّ والتَّجسُّس والغِيبة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً  ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ  ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(الحجرات: ١٢).
والابتعاد عن الرِّبا، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: ١٣٠).
والعدل والإنصاف، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا  ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ  ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة: ٨).
وسيأتي مزيد كلامٍ عن بعض هذه الصِّفات في مقال آليَّات الأمن الاجتماعيّ في القرآن إن شاء الله تعالى.
الأساس السادس: الأخوَّة
إنَّ الطبيعة الإنسانيَّة الاجتماعيَّة تقتضي أنَّه ما من إنسان يستغني في حياته عن إخوانه، ولا يمكن له وحده أن يقوم مقام الإخوان في بناء ونهضة حاجات الحياة.
ولو أنَّ مجتمعاً من المجتمعات تفتَّت واستقلّ كلّ فرد من أفراده عن إخوانه في بناء حياته، وتوفير متطلّبات الحياة من دون تعاون وتبادل وقضاء حاجة لاستحالت حياة الفرد في هذا المجتمع، ولم يمكن لهذا المجتمع أن يتجاوز حدّ الحياة البدائيَّة، ولم يأمن الفرد فيهم من الأفراد الأخرى، لما وقعوا فيه من حياة الفردانيَّة الَّتي تقوم على أساس البقاء للأقوى، فتكون حياتهم حياة الغاب الَّتي يفتك القويُّ فيها بالضَّعيف، ويتحيَّن الضَّعيفُ فيها الفُرَص ليغدر بالقويّ.
ومن هنا يبرز دور الإسلام والقرآن، فإنَّ الإسلام يستهدف أن يكون المجتمع متماسكاً، ومتفاعلاً إيجاباً، ومتعاوناً ومناصراً في الخير.
فحرصَت النُّصوص على تأصيل وتجذير الرُّوح الأخويَّة الَّتي تدفع بهم إلى "قضاء حاجة المحتاج منهم، والنُّهوض بالضَّعيف، وتفريج الكرب عن مكروبهم، والمبادرة إلى تعليم جاهلهم، وهداية ضالِّهم، ونصرة مظلومهم في حسن نيَّة، وسلامة قصد، وشكر للهa على ما أنعم، ووفَّق إليه من عمل صالح، ودور بنَّاء، من غير منٍّ ولا استعلاء، أو استطالة على أحد من ذوي الحاجات.
وفي هذا التَّعاون، والتَّعاضُد، والتَّناصر، والقضاء على مواطن الحاجة، وبؤر الجهل، والضَّعف نهوض بمستوى المجتمع كلّه، وبناء لعلاقات إنسانية كريمة قويَّة متينة، وتصحيح للنُّفوس، وتفعيل لأكبر قدر ممكن من الطَّاقات، وزيادة للإنتاج، وفتح لفرص الإبداع، فرُبّ موهبة كبيرة أقبرها الفقر، ورُبّ عبقريَّة متوقِّدة قلَّل من عطائها الإهمال"([62]).
١. الأخوَّة الإيمانيَّة:
"أخوّة الإيمان تعني روابط روحيَّة متينة، ورؤية فكريَّة مشترَكة، تعني قلبَين التقيا على خطّ اللهa واهتديا بهديه فتوحَّد منهما الهدف وهو أكبر هدف، واشترك عندهما المنطلق وهو أصدق منطلق- أي منطلق التَّوحيد- وصارت حياتهما منشدَّة إلى منهج واحد وهو منهج الرِّسالة والأنبياء والرُّسل والأولياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
إنَّها أخوّة قلبَين تعارفا على طريق الله وتآلفا وقد يلتقي أحدهما وهو في المشرق بالآخر وهو في المغرب، أخوَّة تتجه بالأخوَين إلى الله(سبحانه وتعالى) وتوحِّد بينهما على مستوى العقل والإرادة والنفس بكلّ مشاعرها، وعلى مستوى الإرادة على مستوى السُّلوك"‌([63]).
يقول تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}‌(الحجرات: ١٠).
إنَّ الأخوَّة الإيمانيَّة واحدة من الشِّعارات المتجذِّرة في الإسلام، فالإنسان عندما يريد بيان العلاقة الوثيقة بينه وبين غيره فإنَّه يعبِّر عنه بالرَّفيق، إلَّا أنَّ الإسلام يرى المسلمين جميعاً -على اختلاف قبائلهم وقوميَّاتهم ولغاتهم وأعمارهم، وتفرقهِّم في البلدان بين الشَّرق والغرب- كالأسرة الواحدة، ويخاطبهم جميعاً بالإخوان، وليس ذلك باللَّفظ والشِّعارات فقط، بل في العمل والحقوق كذلك([64]).
وقد ورد عن أمير المؤمنينg عن النبيّ محمَّدe رواية جامعة لثلاثين حقّاً للمسلم على أخيه المسلم تبيِّن لنا كيف كانت الأخوَّة أساساً من أسس الأمن الاجتماعيّ:
>لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ ثَلاثُونَ حَقّاً لا بَرَاءَةَ لَهُ إِلَّا الأَدَاءُ أَوِ العَفْوُ؛ يَغْفِرُ زَلَّتَهُ، وَيَرْحَمُ عَبْرَتَهُ، وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ، وَيَقْبَلُ مَعْذِرَتَهُ، وَيَرُدُّ غِيبَتَهُ، وَيُدِيمُ نَصِيحَتَهُ، وَيَحْفَظُ خُلَّتَهُ، وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ، وَيَعُودُ مَرْضَتَهُ، وَيَشْهَدُ مَيْتَتَهُ، وَيُجِيبُ دَعْوَتَهُ، وَيَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ، وَيُكَافِئُ صِلَتَهُ، وَيَشْكُرُ نِعْمَتَهُ، وَيُحْسِنُ نُصْرَتَهُ، وَيَحْفَظُ حَلِيلَتَهُ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ، وَيَشْفَعُ مَسْأَلَتَهُ، وَيُسَمِّتُ عَطْسَتَهُ، وَيُرْشِدُ ضَالَّتَهُ، وَيَرُدُّ سَلامَهُ، وَيُطَيِّبُ كَلامَهُ، وَيُبِرُّ إِنْعَامَهُ، وَيُصَدِّقُ إِقْسَامَهُ، وَيُوَالِي وَلِيَّهُ، وَيُعَادِي عَدُوَّهُ، وَيَنْصُرُهُ ظَالِماً وَمَظْلُوماً فَأَمَّا نُصْرَتُهُ ظَالِماً فَيَرُدُّهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَأَمَّا نُصْرَتُهُ مَظْلُوماً فَيُعِينُهُ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ، وَلا يُسْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، وَيُحِبُّ لَهُ مِنَ الخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهُ لَهُ مِنَ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ»، ثمّ قالg: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِe يَقُولُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَدَعُ مِنْ حُقُوقِ أَخِيهِ شَيْئاً يُطَالِبُهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقْضِي لَهُ وَعَلَيْهِ<([65]).
فإذا التزم النَّاس بحقوق الأخوَّة استتبّ الأمن الاجتماعيّ، واستقرّ المجتمع والفرد في تعاملاته مع الآخرين، ووُطّئت الأرضيّة المناسبة لانطلاق الفرد في التكامل الدنيويّ والأخرويّ.
٢. الأخوَّة الإنسانيَّة:
في ضوء الإسلام لا تقف الأخوَّة عند النَّسب أو الأرض أو الدِّين، فما يريده الإسلام هو أن تمتدّ الأخوَّة كلّ الامتداد لتستوعب أفراد العالَم كلِّه، إنَّها الأخوَّة الإنسانيَّة الَّتي لا تعرف شيئاً من الحدود([66])، يقول تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}( الممتحنة: ٨).
يجمع المسلمين مع الَّذين لا يقاتلونهم إطارُ السَّلام والإنسانيَّة، فيبرُّوا بهم وهو عموم الإحسان، والتَّواصل، وتبادل الاحترام، ويقسطوا إليهم بأن يحكموا بينهم بالعدل، فالهدف هو حماية الإنسانيَّة وحقوق الإنسان من الظُّلم من حيث هو إنسان، بصرف النَّظر عمَّا يدين به([67]). وهو مفاد قوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ}(المائدة: ٤٢).
الأساس الثامن: اللِّين
لما للأسلوب من أثر إيجابيّ في المعاملات الاجتماعيَّة أوصى القرآنُ النَّبيَّe أن يكون ليِّناً ويبتعد عن الفضاضة وغلظة القلب، أي يبتعد عن الخشونة والشَّراسة في الأخلاق فإذا ابتعد عن ذلك فقد ابتعد عن قسوة القلب، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران: ١٥٩). وكذلك أوصى موسى وهارونh بالقول اللَّيِّن لفرعون، إذ يقول تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}(طه: ٤٤). وتأكيد القرآن إنَّما هو لكون الفضاضة وغلظة القلب ممَّا تتبعها كل الصِّفات الذَّميمة خصوصاً الاجتماعيَّة منها([68])، فلا يأمن النَّاس على أنفسهم من الغلظة والتَّقريع وجرح المشاعر والتَّعدي اللَّفظيّ عليهم، والَّذي قد يتطوَّر إلى. التَّعدي الجسديّ إذا لم تكن للمتعدِّي حدوداً يقف عندها.
الأساس التَّاسع: حسن الظَّنّ
إنَّ حسن الظَّنّ وسوؤه أمران لا إراديَّان، فهما إدراك نفسانيّ يفاجئ النَّفس لا عن اختيار، والمطلوب هنا هو عدم ترتيب الأثر على سوء الظَّنّ، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(الحجرات: ١٢)، وعن رسول اللهe أنَّه قال: «ثَلاثٌ لا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ وَالحَسَدُ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ؛ إِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ ...»([69]). فالمطلوب هو عدم ترتيب الأثر، أو على التَّعبير الحديث (المتَّهمّ بريء حتَّى تثبت إدانته)، فلا يُهان المظنون به ولا يُقذف، وغير ذلك من الآثار السَّلبيّة، فيحتاط في ترتيب الأثر توقيّاً من الوقوع في الإثم([70])، فإذا كان ذلك أمِن الفرد في معاملاته مع الآخرين على نفسه من سوء الظَّنّ، وما قد يترتَّب عليه من الأخطار الاجتماعيَّة والجسديَّة.
ولأنَّ القرآن ينطلق من قواعد إيمانيَّة أخلاقيَّة في العلاقات الاجتماعيَّة، وحركة السُّلوك تترقّى في الأمر بالحمل على الصِّحَّة، ويجسِّد في ذهنه الاحتمالات الصَّحيحة، بل ذهب إلى مرحلة الدِّفاع عن المؤمنين ويدفعوا التُّهمة عنهم، إذا كنتم مطمئنِّين من عدم صدق هذه التُّهمة وفق الدَّلائل المتوافرة، إذ يقول تعالى: {لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}(النُّور: ١٢). وقد ورد عن أمير المؤمنينg: «ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ وَلا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الخَيْرِ مَحْمِلاً»([71])، فلا يكون المؤمنون أداةً بيد مروّجي الشَّائعات([72]).
الأساس العاشر: ستر عيوب النَّاس
ثمّ ترقَّى القرآن إلى مرتبة اجتماعيَّة أخرى فحتَّى لو ثبتت التُّهمة فلا يجوز كشف ستر النَّاس، فالإسلام لا يبيح كشف أسرار النَّاس، حتَّى يكون النَّاس آمنين في حياتهم الخاصَّة، فإنَّ كرامة النَّاس تزول بكشف العورات، ويؤدي ذلك إلى تمزُّق المجتمع وصعوبة العيش فيه([73]).
فعن أبي عبد اللهg أنَّه قال: «وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُؤْمِنٍ عَوْرَةً يَخَافُهَا سَتَرَ الله عَلَيْهِ سَبْعِينَ عَوْرَةً مِنْ عَوْرَاتِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»([74]).
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(الحجرات: ١٢).
ولم يكتف القرآن بالنَّهي عن التَّجسُّس، بل أكدّ على حرمة النَّاس وحفظ العفَّة، بأن أوصى باتقاء عورات النَّاس بالاستئذان قبل الدُّخول إلى بيوت غيرهم من النَّاس، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النُّور: ٢٧).
وذلك لتنبيه أصحاب البيت فيستعدُّوا لذلك ويرتِّبوا أنفسهم ويُخفوا ما لا يريد أن يطلِّع عليه أحد غير ساكني البيت، ولا يلزم أن يكون ذلك حراماً حتَّى يكرهوا ظهوره بين النَّاس، فإذا استأذن واستأنس قبل دخول بيت غيره فقد أخبر صاحب البيت بدخوله وأعانه على ستر عورته، وأعطاه الأمان، فإذا كان ذلك استحكمت الأخوَّة والألفة والتَّعاون على إظهار الجميل وستر القبيح، وأدَّى ذلك إلى المساعدة الاجتماعيَّة([75]).
الأساس الحادي عشر: التَّواصي
لا بدَّ -بعد معرفة الأسس المتقدِّمة والعمل بها- من تثبيت هذه الأسس، لضمان الفلاح الاجتماعيّ، فإنَّه إذا اهتزت نفس الإنسان، وتزلزل فكره وشعوره، وبدأ النَّاس في التَّساقط أمام الأهواء والعقائد المنحرِفة، والسِّياسات الَّتي تهاجم نوع الإنسان، حتَّى لا يكاد الإنسان يبصر الحقّ، فلا بدَّ حينئذ من واقٍ وحامٍ يحمي الإنسان وقيَمه الاجتماعيَّة، فتأتي هنا قيمة التَّواصي بين النَّاس والمؤمنين، ليوحِّد فكر المجتمع وموقفه تجاه الانحرافات الاجتماعيَّة، ويقوِّي موقف المجتمع في الحقّ، ويثبِّته على الطَّريق، يقول تعالى: {وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}‌(العصر: ١-٣).
التَّواصي بالحقّ:
إنَّ الأصل في الإنسان هو الخسران، ما لم يفعل شيئاً يخرجه من هذا الخسران إلى النَّجاح والنَّجاة، وأحد هذه الأمور هو التَّواصي بالحقّ، وهي دعوة من القرآن للإنسان بالتَّراصّ والتَّعاون على الحقّ، بحيث يميِّز كلّ أفراد المجتمع الحقّ من الباطل، ولا ينحرفوا عنه.
وصار التَّواصي بالحقّ أساساً من أسس الأمن الاجتماعيّ لأنَّه معنىً واسع يشمل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتعليم الجاهل وإرشاده، وتنبيه الغافل، والدَّعوة إلى جميع الأسس المتقدِّمة، بحيث إذا اختلّ عضو وفرد من أفراد المجتمع سارع المجتمع إلى جبر هذا الخلل، والسَّيطرة على استقرار المجتمع وترابطه([76]).
التَّواصي بالصبر:
وممَّا يُخرِج الإنسان من الخسران إلى النَّجاح والنَّجاة التَّواصي بالصَّبر، فإنَّ طريق الحقّ طويل محفوف بالمخاطر والمزالق والموانع، وبدون الصَّبر لا يمكن الثَّبات على هذا الطَّريق، فإذا تحرَّك المجتمع بحركة عامَّة وعزْم اجتماعيّ للوقوف في وجه التَّحديَّات تمكَّن من سدّ الخُلَل، وجبر الخَلل في نسيجه، ووقى أفراده من الزَّلل وارتكاب المعاصي الاجتماعيَّة.
والمسلمون لو طبَّقوا هذه الأسس في حياتهم لتغلَّبوا على ما يعانون من تدهور أخلاقيّ وفكريّ وشعوريّ، ولبدَّلوا هزائمهم الفرديَّة والاجتماعيَّة انتصارات، ولاقتلعوا الشَّرّ من على ظهر الأرض([77]).
النَّتائج
١. الأمن الاجتماعيّ هو: طمأنينة تحصل للفرد والجماعة في إطار العلاقات الاجتماعيَّة، وذلك بتوفير سبل الاستقرار النَّفسيّ والمادِّيّ بين الفرد والفرد، وبين الفرد والجماعة، وبين الجماعة والجماعة.
٢. للأمن الاجتماعيّ في القرآن أحد عشرة أسّاً، تشمل جميع نواحي حياة الإنسان.
٣. أسس الأمن الاجتماعيّ ناظرة إلى أصل الحفاظ على حياة الإنسان، وإلى تحسين جودة حياته واستقراره النَّفسيّ، وتحسين جودة علاقاته الاجتماعيَّة مع الآخرين.
٤. يحفظ القرآن كرامة الإنسان كما يحفظ حياته.
٥. العمل الصَّالح هو الميزان في قبول عمل الذَّكر والأنثى.
٦. يحثّ القرآن على الأخوَّة الإنسانيَّة كما حثّ على الأخوَّة الإيمانيَّة.
٧. التَّواصي هو الأساس الحامي لبقيَّة أسس الأمن الاجتماعيّ في القرآن الكريم.
٨. الالتزام بالأسس الَّتي وضعها القرآن الكريم للأمن الاجتماعيّ يضمن الاستقرار والطَّمأنينة الفرديَّة والمجتمعيَّة.
والحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على محمَّد وآله الطَّيّبِين الطَّاهرين.


[1] كتاب العَين، الخليل بن أحمد الفراهيديّ البصريّ،ج٧، ص٣٣٤.

[2] الصِّحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ، ج٣، ص٩٠٣.

[3] القاموس الطِّبِّيّ العربيّ، عبد العزيز لبديّ، ص٤٦.

[4] كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيديّ البصريّ،ج٨، ص٣٨٨. ولسان العرب، محمَّد بن مكرم ابن منظور، ج١٣، ص٢١. ومختار الصِّحاح، محمَّد بن أبي بكر الرَّازيّ، ج١، ص٢٥.

[5] معجم اللُّغة العربيَّة المعاصرة، أحمد مختار عمر، ج١، ص١٢٢.

[6] المعجم الوسيط، مجمع اللُّغة العربيَّة بالقاهرة، ج١، ص٢٨.

[7] المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمَّد بن مفضَّل، الرَّاغب الأصفهانيّ، ج١، ص٣٥.

[8] موسوعة المفاهيم الإسلاميَّة العامَّة، المجلس الأعلى للشُّؤون الإسلاميَّة - مصر، ص٩٥.

[9] التَّعريفات، عليّ بن محمَّد الجرجانيّ، ج١، ص٣٧.

[10] انظر: أنيس الفقهاء، قاسم بن عبد الله بن أمير عليّ القنويّ، ج١، ص١٨٥.

[11] انظر: التَّعاريف، عبد الرؤوف بن تاج الدِّين زين الدِّين المناويّ، ص٦٣.

[12] الإسلام والأمن الاجتماعيّ، محمَّد عمارة، ص12.

[13] الأمن الوطنيّ: تصوُّر شامل، فهد بن محمَّد الشَّقحاء، ص١٣.

[14] المفردات في غريب القران، الحسين بن محمَّد بن مفضَّل الرَّاغبالأصفهانيّ، ج١، ص٢٠١.

[15] مختار الصِّحاح، محمَّد بن أبي بكر الرَّازي، ج١، ص٦٥.

[16] كتاب العَين، الخليل بن أحمد الفراهيديّ البصريّ،ج١، ص٢٣٩.

[17] معجم اللُّغة العربيَّة المعاصرة، أحمد مختار عمر، ج١، ص٣٩٤.

[18] الشَّامل: قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعيَّة، مصلِح الصَّالح، ص٤٩٦.

[19] الشَّامل: قاموس مصطلحات العلوم الاجتماعيَّة، مصلِح الصَّالح، ص٥٠٥.

[20] التَّفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٣، ص٤٧-٤٨.

[21] تفسير كنز الدَّقائق وبحر الغرائب، محمَّد بن محمَّد رضا القمِّيّ المشهديّ، ج٤، ص٩٥.

[22] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٦٧٨.

[23] انظر: مواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج١١، ص١٨٧. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٥، ص٣١٦.

[24] مواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٩، ص١٤١.

[25] بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمَّة الأطهار، العلَّامة محمَّد باقر بن محمَّد تقيّ المجلسيّ، ج٥٨، ص١٥٠.

[26] انظر: التِّبيان في تفسير القرآن، محمَّد بن الحسن الطُّوسيّ، ج١، ص٣٣٢. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٤، ص٣٢٠.

[27] انظر: مواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٨، ص١٠٨.

[28] مواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج١، ص٣١٢.

[29] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج١١، ص٣١١.

[30] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشَّهيد الثَّاني زين الدِّين بن عليّ العامليّ، ج١٢، ص١٢٧.

[31] الكافي، محمَّد بن يعقوب الكلينيّ، ج٢، ص٢١٧.

[32] الكافي، محمَّد بن يعقوب الكلينيّ، ج٢، ص٢٢٣.

[33] حاشية مجمع الفائدة والبرهان، محمَّد باقر بن محمَّد أكمل البهبهانيّ، ص،730.

[34] تحرير الوسيلة، روح الله الخمينيّ، ج2، ص،182.

[35] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٣٨٦.

[36] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٣٨٢. ومجمع البيان في تفسير القرآن، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطَّبرسيّ، ج٣، ص١٣٩. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٥، ص٣٩. والتَّفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٢، ص٤٠٨.

[37] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٣٨٤.

[38] نهج البلاغة، شرح صبحيّ صالح، ج١، ص٤٢٦.

[39] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١٣، ص١٥٥.

[40] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٤، ص١٣٤.

[41] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٧٨.

[42] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج١٦، ص٥٦٠. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ١٨، ص٢٤٦. ومجمع البيان في تفسير القرآن، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطَّبرسيّ، ج٩، ص٢٠٦.

[43] التَّفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٧، ص١٢٤.

[44] غرر الحكم، عبد الواحد بن محمَّد الآمديّ، ص٧٩١.

[45] انظر: التَّفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٦، ص٢٦٧. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١٦، ص٣٨٣. والأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، ج١٣، ٢٥٩.

[46] انظر: التَّفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٥، ص٤٢٠.

[47] الكافي، محمَّد بن يعقوب الكلينيّ، ج٥، ص٣٤٧.

[48] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٩، ٢٨٤.

[49] المفهوم من الرِّوايات أنَّ الباقيات الصَّالحات هي الأعمال الَّتي يتقرَّب بها الإنسان من ربِّه؛ كالتَّسبيحات الأربع، والصَّلاة، ومودّة آل البيتi. انظر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمَّة الأطهار، العلَّامة محمَّد باقر بن محمَّد تقيّ المجلسيّ،ج٨٣، ص٣٠. وتفسير القمِّيّ، عليّ بن إبراهيم القمِّيّ ، ج٢، ص٥٣.

[50] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١٣، ص٣١٨. والتِّبيان في تفسير القرآن، محمَّد بن الحسن الطُّوسيّ، ج٧، ص٥٣. ومجمع البيان في تفسير القرآن، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطَّبرسيّ، ج٦، ص٧٣١.

[51] المرأة في القرآن، محمود عبَّاس العقَّاد ص٤٨.

[52] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٤، ص٨٩. (بتصرُّف).

[53] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٥٤. وتفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٢، ص٢٣٣. وج١، ص٣٤٣. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٧، ص١٨١.

[54] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٥، ص٨٨.

[55] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٤٦٥.

[56] انظر: تفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٢، ص٤٤٦. وج٤، ص٥٥٠. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٩، ص٣١٢. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١٢، ص٣٤١. وج١٧، ص٣٣٢.

[57] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٣، ص٢٣٢. والأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، ج٢، ص١٤٨. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٤، ص٩.

[58] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١، ص٤٢٩. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج١، ص٤٩٧. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٢، ص٢٩١.

[59] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٥٨٠. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٣، ص١٦٣. ومجمع البيان في تفسير القرآن، أبو عليّ الفضل بن الحسن الطَّبرسيّ ج٣، ص٢٤٠. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج١٠، ص٢٦٣.

[60] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج٣، ص٧٨.

[61] انظر: مواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٧، ص٢٢٦.

[62] الأخوَّة الإيمانيَّة، آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم،ج1، ص١٦.

[63] الأخوَّة الإيمانيَّة، آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم،ج1، ص16.

[64] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج١٦، ص٥٤٠. والميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج٩، ص٣٣٨

[65] كنز الفوائد، الكراجكي، ج١، ص٣٠٦.

[66] انظر: الأخوَّة الإيمانيَّة، آية الله. الشَّيخ عيسى أحمد قاسم، ج1، ص19.

[67] انظر: التَّفسير المبين، محمَّد جواد مغنية، ص٧٣٦.

[68] انظر: مواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، السَّيِّد عبد الأعلى السَّبزواريّ، ج٧، ص٧.

[69] مجموعة ورّام، مسعود بن عيسى ورّام، ج١، ص١٢٧.

[70] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١٨، ص٣٢٣. وتفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٧، ص١١٨. والأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، ج١٦، ص٥٤٨.

[71] الكافي، محمَّد بن يعقوب الكلينيّ، ج٢، ص٣٦٢.

[72] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج١١، ص٤٤. وتفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٥، ص٤٠٥.

[73] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج١٦، ص٥٥٠. وتفسير الكاشف، محمَّد جواد مغنية، ج٧، ص١٢٠.

[74] الكافي، محمَّد بن يعقوب الكلينيّ، ج٢، ص٢٠٠.

[75] انظر: الميزان في تفسير القرآن، العلَّامة السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ، ج١٥، ص١٠٩. والأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، ج١١، ص٦٧.

[76] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ج ٢٠، ص٤٣٨. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، مرتضى المستنبِط الغرويّ، ج٣٠، ص٢٩٠.

[77] انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشَّيخ ناصر مكارم الشِّيرازيّ، ٢٠، ص٤٣٨. ومواهب الرَّحمن في تفسير القرآن، مرتضى المستنبط الغرويّ، ج٣٠، ص٢٩٠.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا