أدلَّةُ أصالةِ اللُّزوم في المعاملات

أدلَّةُ أصالةِ اللُّزوم في المعاملات

الملخَّص:
تناول الكاتب في مقالته أصلاً مهمَّاً من الأصول الَّتي تبتني عليها المعاملات، وتعرَّض إلى الأدلَّة الَّتي يذكرها الأعلام في الاستدلال على هذه الأصالة، من أدلَّةٍ لفظيَّةٍ وغيرها، مستعرِضاً بعض الإشكالات الَّتي أُوردَت على الأدلَّة، محاولاً ردَّ الإشكالات، وتقوية الأدلَّة، بالاستعانة بكلام الأعلام.

مقدِّمة
إنَّ إصالة اللُّزوم من القواعد الفقهيَّة المهمَّة الَّتي استعملها الفقهاء في موارد متعددة، وقد اختلفوا في تفسير معنى اللُّزوم، فمن ذاهب إلى أنَّ معناه هو الرُّجحان الحاصل من غلبة كون البيع لازماً([1])، إلى ذاهب إلى كونه القاعدة المستفادة من العمومات والإطلاقات، الَّتي يرجع إليها عند الشَّكِّ([2])، إلى قائل بأنَّ اللُّزوم هو الاستصحاب([3]) ، إلى قائل أنَّه بناءُ العرف والشَّرع في المعاملات المعاوضيَّة([4]).
وكيف كان، فقد ذُكرت عدَّة أدلَّة على أصالة اللُّزوم، فنذكرها تباعاً مع تبيانها:
الدَّليل الأوَّل: آية الوفاء بالعقود
وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ}(المائدة: 1).
وقد استدلَّ بها الشَّيخ الأعظمN، على أصالة اللُّزوم.
مقدّمات:
وقبل بيان كلامه نحتاج أن نوضِّح ثلاث مقدّمات؛ كي يكون كلامه أكثر وضوحاً: 
المقدّمة الأولى: الأحكام الوضعيَّة غير قابلة للجعل المسقلّ
ذهب الشَّيخ الأعظم في أصوله([5]) إلى أنَّ الأحكام الوضعيَّة غير قابلة للجعل المستقلِّ، بل الأحكام الوضعيَّة منتزَعة من الأحكام التَّكليفيَّة، وبالتَّالي الآية المتقدَّمة {أَوْفُوا} محمولة على الحكم التَّكليفيِّ.
المقدّمة الثَّانية: الأصل هو الأخذ بالظُّهور العرفيِّ للفظ
وذلك في جميع الألفاظ (مادَّةً وصيغةً)، ما لم تَقم قرينة على الخلاف، ومع عدم قيام القرينة لا يصحُّ رفع اليد عن الظُّهور الأوليِّ شرعاً وعرفاً وعقلائيَّاً، ومن الواضح أنَّ صيغة (افعل) ظاهرة في الأمر التَّكليفيِّ المولويِّ، وأمَّا الإرشاد إلى الحكم الوضعيِّ فهو خلاف الظَّاهر.
المقدّمة الثَّالثة: موضوع الآية هو مطلق العهود
فالموضوع الَّذي انصبَّ عليه الحكم في الآية هو (العقود)، والمُراد من العقد مطلق العهد، كما في الرِّواية عن ابن سنان([6])، و(العقود) جمع محلَّى بالألف واللَّام فهو يفيد العموم أي جميع العهود، ومن الواضح أنَّ وجوب الوفاء في بعض الحكم هو وجوب تكليفيٌّ، كما في وجوب الوفاء بالنَّذر وشبهه، فلو أريد أنَّ {أَوْفُوا} في المقام تفيد الإنشاء للزم استعمال الصِّيغة في معنيَين؛ الحكم التَّكليفيّ والحكم الوضعيّ، وهو باطل.
المستفاد من الآية:
وبعد اتِّضاح المقدّمات الثَّلاث نقول: المستفاد من الآية بالدِّلالة المطابقيَّة هو الحكم التَّكليفيُّ أي وجوب الوفاء بالعقود، وأمَّا الحكم الوضعيُّ وهو اللُّزوم فيستفاد بالدِّلالة الالتزاميَّة، فالحكم التَّكليفيُّ يقتضي حرمة التَّصرُّف فيما ملَّكه الغير، حتَّى بعد الفسخ وهو مقتضى الملكيَّة، ولازم الحكم التَّكليفيِّ هو الحكم الوضعيُّ وهو لزوم العقد.
فالوفاء بالعقد أي الوفاء والالتزام بجميع المعاملات، وتسليم العوضَين من قبل المتعاملَين عرفاً ولغةً، فيوجد عنصران: عنصر اعتباريٌّ، وعنصر خارجيٌّ.
وبيان ذلك: أنَّ العقد في الآية إمَّا يراد به:
-مطلَق العهد كما نقل عن ابن سنان.
- أو ما يُسمَّى عقداً لغةً وعرفاً، أي الالتزام المربوط بالتزام آخر.
والمُراد بوجوب الوفاء، هو العمل بما اقتضاه العقد في نفسه.
وبيان الحكم اللُّزوميِّ في المقام بخطوات:
١. إذا دلَّ العقد على تمليك العاقد ماله للغير، وجب العمل بما يقتضيه هذا التَّمليك، من ترتيب آثار ملكيَّة ذلك الغير له، ومن عدم جواز التَّصرُّف فيه بغير إذنه.
٢. مقتضى الإطلاق عدم جواز التَّصرُّف فيه بغير إذنه في جميع الأوقات والأحوال، ومنها التَّصرُّفات الواقعة بعد فسخ المتصرِّف من دون رضا صاحبه.
٣. لازم حرمة التَّصرُّف حتَّى بعد الفسخ عدم وقوع الفسخ؛ إذ لا يعقل وقوعه ورجوع المال لصاحبه الأوَّل، ومع ذلك يحرم عليه التَّصرُّف فيه.
٤. معنى عدم وقوع الفسخ هو الحكم باللُّزوم أي لزوم العقد، وعدم انفساخه بمجرَّد فسخ أحدهما دون رضا الآخر، وهو الحكم الوضعيُّ.
وبعبارة أخرى: إنَّ مقتضى عموم العقود وجوب الوفاء بكلِّ عقدٍ، ومقتضى الإطلاق الأحواليّ والأزمانيّ وجوب الوفاء في كلِّ حال وزمان حتَّى بعد الفسخ، بمعنى حرمة التَّصرُّف فيما انتقل عنه إلى الغير، حتَّى بعد الفسخ من قبل المالك الأوَّل، فالدِّلالة المطابقيَّة قامت على الحكم التَّكليفيِّ، والدِّلالة الالتزاميَّة على الحكم الوضعيِّ.
محاذير عدم قبول دلالة الآية على الحكم التَّكليفيّ بوجوب الوفاء
وهناك محاذير ثلاثة تلزم إذا لم نقبل بدلالة الآية على الحكم التَّكليفيِّ بوجوب الوفاء، وقلنا بأنَّ الآية إرشاد إلى اللُّزوم.
المحذور الأوَّل: رفع اليد عن أصالة الظُّهور
مع أنَّه لا توجد قرينة على خلافها؛ فإنَّ صيغة الأمر (افعل) تدلُّ على البعث والتَّحريك، والظَّاهر من صيغة الأمر هو الأمر التَّكليفيُّ، وإذا حُملت على الإرشاد إلى اللُّزوم يكون خلاف الظَّاهر، ولا توجد قرينة على ذلك.
المحذور الثَّاني: مخالفة الدِّلالة المطابقيَّة
فإنَّ ما ذُكر من حمل الآية على الإرشاد إلى اللُّزوم ابتداءً، مُنافٍ ومخالفٌ للدِّلالة المطابقيَّة؛ إذ إنَّ الأحكام الوضعيَّة غير مجعولة بالجعل المستقلِّ؛ فهي ليس لها قابليَّة للجعل المستقلِّ، بل هي منتزَعة من الأحكام الوضعيَّة.
المحذور الثَّالث:لزوم استعمال الصِّيغة في معنيَين
فإذا قلنا بأنَّ الآية محمولةٌ على الإرشاد إلى اللُّزوم مباشرةً، فإنَّه يلزم استعمال الصِّيغة في معنيَين؛ الحكم التَّكليفيّ والحكم الوضعيّ؛ لأنَّ العقود إذا كانت بمعنى العهود، فهي كما تشمل الحكم الوضعيَّ، تشمل أيضاً غير الحكم الوضعيِّ، من قبيل النَّذر والعهد واليمين، وبالتَّالي يلزم أن تكون صيغة (أوفوا) مستعملةً في معنيَين: الحكم الوضعيّ والحكم التَّكليفيّ، وهو باطل.
وليس المُستفاد حكمَين، وضعيّ وتكليفيّ، بل حكم تكليفيٌّ واحد يستلزم حكماً وضعيَّاً.
وليس واضحاً ما ذكره بعض العلماء، من أنَّ الآية غاية ما تدلُّ عليه العمل بما يقتضيه العقد، فإن كان العقد جائزاً كالهبة فيجوز الفسخ، وإن كان لازماً كالصُّلح فلا يصحُّ العقد([7]).
وسبب عدم الوضوح أنَّ الجواز واللُّزوم ليسا من مقتضيات العقد نفسه، بغض النَّظر عن الحكم الشَّرعيِّ، بل هما من الأحكام الشَّرعيَّة للعقد، نعم وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه، يكون ببركة دلالة الآية حكماً شرعيَّاً للعقد مساوياً للزوم([8]).
تعميق كلام الشَّيخ الأعظم:
وقد عمَّق بعض الأعلام([9]) كلام الشَّيخ الأعظمN،
وتوضيحه: 
بعد ما ثبت أنَّ الأمر تكليفيٌّ لا وضعيٌّ، نبيِّن هنا المُراد في الآية بشكلٍ أوضح، في مطالب:
المطلب الأوَّل: المراد من الوفاء بالعقد في الآية ليس عدم جواز التَّصرُّف في مال الغير بدون إذنه فقط، والَّذي هو مقتضيات الملكيَّة.
فالوفاء بالعقد لا ينحصر في الأمر الاعتباريّ وهو البقاء على التزام العقد، وعدم نقضه، بل الوفاء عرفاً ولغةً وعقلائيَّاً بجميع المعاملات يأتي بمعنى خارجيٍّ، وهو تسليم وتسلُّم العوضَين من قبل المتعاملَين.
أمَّا العرف فيرى أنَّ البائع مثلاً قد وفى بالتزامه عند تسليمه المُثمَن للمشتري، وعدم تسليمه يعدُّه العرف خُلفاً للوفاء.
وأمَّا اللُّغة فحقيقة الوفاء هو إنهاء الأمر، وإنهاء البيع يتمُّ بتسليم البائعُ المبيعَ، والمشتري الثَّمنَ.
وأمَّا العقلاء بحسب ارتكازهم يرون أنَّ كلَّ عقدٍ يقتضي تسليم المعوَّض، ويؤاخَذ عندهم صاحبُ المال لو لم يسلِّمه للآخر؛ لتخلُّفه عن الشَّرط الارتكازيّ، ويرون أنَّ للآخر خيار عدم التَّسليم.
والشَّاهد على ذلك أنَّ التَّسليم إذا تعذَّر كان للطَّرف الآخر الخيار، وهو خيار تعذُّر التَّسليم، فلو لم يكن التَّسليم من مقتضيات العقد لما تُعقِّل الخيار عند تعذُّره. 
والتَّسليم الَّذي هو من مقتضيات العقد كما هو واضح أمر خارجيٌّ، ومصداقٌ للوفاء يصحُّ أن يتعلَّق به التَّكليف، فلا نرفع اليد عن إرادة الحكم التَّكليفيِّ فنحمل اللَّفظ على الحكم الوضعيِّ؛ إذ ذلك خلاف القاعدة.
واقتضاء العقد التَّسليمَ أمرٌ استمراريٌّ لا آنيٌّ، أي أنَّ المتعاقدَين مأموران بتسليم متعلَّق العقد في كلِّ آنٍ، فإذا أوقع العقد وجب عليه التَّسليم، وإذا فسخه توجَّه الأمر إليه بوجوب التَّسليم أيضاً بمقتضى الآية، ووجوب تسليم المال عليه مع كونه في ملكه غير معقول، فيكشف عن عدم نفوذ الفسخ، وأنَّ المال باق تحت ملك طرف العقد.
أضف إلى ما تقدَّم من أنَّ (العقود) في الآية قد فُسِّرت في صحيحة ابن سنان المتقدِّمة بالعهود، فالرِّواية أمَّا لبيان أنَّ العقود في الآية هي العهود، وأمَّا لبيان أنَّ العهود من مصاديق العقود، وعلى كِلا التَّقديرَين فالأمر بالوفاء بالعهد هو أمر تكليفيٌّ.
وما يؤكِّد أنَّ الأمر تكليفيٌّ لا إرشاديٌّ هو الشَّواهد من القرآن والرِّوايات.
أمَّا من القرآن مثل قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً}(الإسراء: 34).
والظَّاهر من الأمر بالوفاء هو الأمر التَّكليفيُّ.
وأمَّا من السُّنَّة المطهَّرة، فتوجد عدَّة نصوص، تدلُّ على وجوب الوفاء بالعهد بطريق مباشر، أو أنَّها تدلُّ بطريق غير مباشر ببيان أنَّ نقض العهد غدر وهو ممنوع، ومن تلك النُّصوص:
الرِّواية الأولى: ما رواه الكافي عن عَلِيّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ‌ أَبِيهِ ومحمَّد بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمَّد جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍg قَالَ‌: >ثَلاثٌ‌ لَمْ‌ يَجْعَلِ‌ اللهُ‌aَ‌ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ‌ رُخْصَةً‌ أَدَاءُ‌ الأَمَانَةِ‌ إِلَى البَرِّ والفَاجِرِ والوَفَاءُ‌ بِالعَهْدِ لِلْبَرِّ والفَاجِرِ وبِرُّ الوَالِدَيْنِ‌ بَرَّيْنِ‌ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ<([10]).
وهذه الرِّواية من ناحية سنديَّة، هي موثَّقة؛ باعتبار وجود إبراهيم بن هاشم في السَّند، ولا يوجد توثيقٌ صريحٌ في حقِّه، وأيضاً عنبسة فهو ناووسيٌّ.
ويمكن توثيقهما، فالأوَّل باعتبار إكثار الجليل ابنه عنه -وهو مبنى عامٌّ في التَّوثيق-، والثَّاني يمكن توثيقه باعتبار أنَّ أحد الثَّلاثة الَّذين لا يروون ولا يرسلون إلَّا عن ثقة -وهو أيضاً مبنى عامٌّ رجاليٌّ- قد نقل عنه.
وأمَّا من ناحية دلاليَّة، فإنَّها تنفي العذر كما هو واضح، والأمر الوضعيُّ ليس مورداً لتعلُّق العذر والمؤاخذة به؛ حيث إنَّ موضوع التَّنجيز والتَّعذير هي التَّكاليف، فالرِّواية تدلُّ على أنَّ وجوب الوفاء أمر تكليفيٌّ لا وضعيٌّ.
وبالتَّأمل في الرِّواية يظهر أنَّ الرِّواية في فقراتها ناظرة إلى الآيات الكريمة الظَّاهرة في التَّكليف.
فإذا جئنا إلى فقرة (أداء الأمانة)، فهي ناظرة إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ}(النِّساء: 58).
وإلى فقرة (الوفاء بالعهد)، فهي ناظرة إلى قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً}(الإسراء: 34).
وإلى فقرة (برّ الوالدَين)، فهي ناظرة إلى قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي}(النِّساء: 36).
الرِّواية الثَّانية: ما رواه الكافي عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ ومحمَّد بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمَّد جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرg قَالَ: >ثَلَاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللهُa لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُخْصَةً؛ أَدَاءُ الأَمَانَةِ إِلَى البَرِّ والفَاجِرِ، والوَفَاءُ بِالعَهْدِ لِلْبَرِّ والفَاجِرِ، وبِرُّ الوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ<([11]).
أمَّا من النَّاحية السَّنديَّة، أيضاً كالسَّابقة موثَّقة، فلا يوجد ما قد يُتوقَّف فيه إلَّا شخصَين؛ إبراهيم بن هاشم، وعنبسة، وتقدَّم إمكان توثيقهما.
وأمَّا من ناحية الدِّلالة: فإنَّ الرِّواية جعلت مصبَّ النَّفي هو الرُّخصة، ومن الواضح أنَّ التَّرخيص وعدمه مرتبطان بالتَّكاليف، والأحكام الوضعيَّة ليست موضوعاً للرُّخصة وعدمها، ونفي الرُّخصة يُثبت الوجوب، فالأمر بالوفاء بالعهد كالأمر بأداء الأمانة، فهو تكليفيٌّ.
الرِّواية الثَّالثة: عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ شُعَيْبٍ العَقَرْقُوفِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِg قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِe مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَفِ إِذَا وعَدَ»([12]).
وهذه الرِّواية صحيحة من النَّاحية السَّنديَّة.
وأمَّا من النَّاحية الدِّلاليَّة، فيمكن الاستدلال بها على وجوب الوفاء بالعهد على رأي؛ إذ ربطت الوفاء بالعهد بالإيمان بالله والمعاد.
الرِّواية الرَّابعة: ما رواه الكلينيّ عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِg يَقُولُ: >عدَّة المُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ لَا كَفَّارَةَ لَهُ، فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللهِ بَدَأَ ولِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ، وذَلِكَ قَوْلُهُ- {يٰا أَيُّهَا الَّذين آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أنَّ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ}<([13]). 
وهذه الرِّواية صحيحة من النَّاحية السَّنديَّة.
وأمَّا النَّاحية الدِّلاليَّة، فيمكن القول بدلالتها على الحرمة على رأي؛ بتقريب أنَّ التَّعرُّض إلى مقت اللهa يساوق الحرمة. 
إذاً لا يمكن رفع اليد عن ظهور الآية في الحكم التَّكليفيِّ لوجود المقتضي وعدم المانع، فلا وجه لحمل الآية على الحكم الوضعيِّ بالخصوص كما تقدَّم، ولا يمكن حملها على الحكم التَّكليفيِّ والحكم الوضعيِّ معاً، فيدلُّ الأمر في الآية على الحكم التَّكليفيِّ، وفي عرضه يدلُّ الأمر على الإرشاد إلى اللُّزوم؛ إذ هو استعمال للَّفظ في أكثر من معنى؛ إذ الحكم الوضعيّ (اللُّزوم) قوامه عدم اقتضاء التَّخيير والإلزام، وأمَّا الحكم التَّكليفيُّ، فقوامه اقتضاء التَّخيير والإلزام بالفعل أو التَّرك.
واستعمال اللَّفظ إمَّا محال على رأيٍ؛ لامتناعه الذَّوبان في معنيَين، وإمَّا أنَّه خلاف الظَّاهر، أضف إلى أنَّه جمع بين نقيضَين.
وكذلك لا يمكن حمل الآية على إرادة الجامع بين الحكم التَّكليفيِّ والوضعيِّ؛ إذ لا جامع حقيقيَّاً بين المعنيَين المتباينَين ذاتاً؛ فلا يتصوَّر الجامع بين البعث أو ما فيه اقتضاء البعث وعدمهما، أو الزَّجر وما فيه اقتضاء الزَّجر وعدمهما.
الدَّليلان الثَّاني والثَّالث: آيتا حِلُّ البيع، والتِّجارة.
استدلُّ الشَّيخ الأعظم على اللُّزوم في المعاملات بالآية {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ}(البقرة: 275)، وبعقد المُستثنى من آية {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}(النِّساء: 29).
وباعتبار أنَّ الاستدلال كان بنسق واحد تقريباً، ولذا جيء بهما معاً.
توضيح الاستدلال بآيتي الحلِّ والتِّجارة:
المطلب الأوَّل: في مرتبة إثبات المقتضي
تقريب الاستدلال بآية الحلِّ:
يقول تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ}(البقرة: 275).
الآية مطلَقة من ناحية حلِّيَّة البيع، حلِّيَّة جميع التَّصرُّفات المترتِّبة على البيع، ومنها التَّصرُّفات الواقعة بعد الفسخ من أحد المتعاقدَين، وحرمة تصرُّف الفاسخ، وهذا يعني لَغويَّة الفسخ وعدم تأثيره، ولازم ذلك أنَّ البيع لازم.
تقريب الاستدلال بآية التِّجارة: 
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمٍْ}(النِّساء: 29).
مقتضى إطلاق حلِّيَّة أكل المال بالتِّجارة عن تراضٍ حلِّيَّة أكل المال حتَّى بعد فسخ أحدهما وعدم رضا الآخر، ولازم ذلك عدم تأثير الفسخ، فيكون الفسخ لَغويَّاً، وهذا هو معنى اللُّزوم، فالحلِّيَّة مطلَقةٌ سواء كان الأكل والتَّصرُّف قبل فسخ من انتقال المال عنه أو بعده، ولو كان الفسخ مبطِلاً للتِّجارة لعاد المال إلى الفاسخ ولم يحلَّ تصرُّف المفسوخ عليه بعده.
وبتقريب آخر: إنَّ الآية تحصر السَّبب المرخِّص للأكل في (التِّجارة عن تراض)، فهي غير صادقة على فسخ أحد الطَّرفَين؛ لأنّ التِّجارة هي البيع والشِّراء بقصد الاسترباح.
المطلب الثَّاني: في مرتبة دفع الموانع
المانع الأوَّل: عدم وجود إطلاقٍ في الآية
قد يُقال([14]) بعدم وجود إطلاق في الآية؛ لأنَّ الآية في مقام بيان نفي الممماثلة بين البيع والرِّبا؛ حيث قالت: {وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ}، بأنَّ البيع مُمضى لم يردع عنه الشَّارع، والرِّبا غير مُمضى وقد ردع عنه الشَّارع ، فالبيع حلال، لا أنَّه كالرِّبا الَّذي هو حرام، فلا إطلاق لها في الحلِّيَّة المزبورة. 
فآية الحِلِّ مثل قول الطَّبيب للمريض: اشرب الدَّواء؛ فلا يتمسك بالإطلاق فيقال الشَّرب يشمل كلَّ دواء.
والجواب على ذلك: 
أوَّلاً: مقتضى أصالة البيان هو صحَّة التَّمسُّك بإطلاق الآيات، وإلَّا فلو قلنا أنَّ إطلاقات الكتاب واردة في مقام بيان أصل التَّشريع، لما صحَّ التَّمسُّك بأي إطلاق.
والشَّاهد على ما ذكرناه أنَّ روايات التَّرجيح في باب التَّعارض الَّتي تأمر بالأخذ بما وافق الكتاب؛ إذ الموافقة والمخالفة إنَّما تأتيان مع إطلاقات الكتاب؛ حيث إنَّ المخالف للنَّص لا يوجد له مقتضٍ للحجِّيَّة من أوَّل الأمر لكي تصل النَّوبة إلى التَّعارض.
ولنذكر بعض الرِّوايات على ذلك، منها ما قالهg: >مَا لَمْ يُوَافِقْ مِنَ الحَدِيثِ القُرْآنَ فَهُوَ زُخْرُفٌ»([15]). 
ومنها >وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله..<([16]).
وإذا اتَّضح ذلك، فإنَّ الأصل الأوَّلي هو التَّمسك بالإطلاق، ما لم يحرز وجود المانع، وما ذكر لا يصلح للمانعيَّة؛ إذ لا مانع من أن يكون المتكلِّم في مقام بيان مطلبَين: بطلان مساواتهم البيع والرِّبا، وإثبات حلِّيَّة البيع مطلقاً.
ثالثاً: الإمامg طبَّق الإطلاق في الآية؛ وذلك بتصحيحه بالآية بيع المضطرِّ ففي الصَّحيحة: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ بَيَّاعِ السَّابِرِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِg: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أنَّ الرِّبْحَ عَلَى المُضْطَرِّ حَرَامٌ وهُوَ مِنَ الرِّبا؟ فَقَالَ: >وهَلْ رَأَيْتَ أَحَداً اشْتَرَى غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ يَا عُمَرُ! قَدْ {أَحَلَّ اللّٰهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبٰافَارْبَحْ ولَا تُرْبِهِ..<([17]).
المانع الثَّاني: الآية أجنبيَّة عن اللُّزوم في المعاملات
وهو ما أفاده بعض أعاظم العصر، وحاصله: أنَّ الحلِّيَّة المستفادة من الآية متعلِّقة بالبيع، لا على التَّصرُّفات كما هو ظاهر الآية، فإذا كان كذلك فالآية أمَّا تريد الحلِّيَّة الوضعيَّة فقط، ومعناه نفوذ البيع وصحَّته وضعاً، ولا علاقة للنُّفوذ باللُّزوم.
وأمَّا تريد الحلِّيَّة التَّكليفيَّة، أي الجواز وعدم الحرمة، وأيضاً لا علاقة للجواز باللُّزوم.
وأمَّا يراد الجامع بين الحكم التَّكليفيِّ والوضعيِّ، أي نافذ وغير محرَّم، وأيضاً لا علاقة لهذا المعنى باللُّزوم.
إذاً على كلِّ التَّقادير لا ربط للآية باللُّزوم([18]).
والجواب عن ذلك:
أوَّلاً: نختار الشِّقَّ الأوَّل وهو أنَّ المراد من الحلِّيَّة في الآية الحلِّيَّة الوضعيَّة بمعنى النُّفوذ والصِّحَّة، ولكن الحلِّيَّة بهذا المعنى تستلزم حلِّيَّة التَّصرُّفات المترتِّبة عليها، والنِّسبة بينهما نسبة الملزوم إلى اللَّازم، والموضوع والحكم، يستحيل انفكاكهما، وبالتَّالي لا يعقل الحكم بالنُّفوذ. 
ثانياً: نسلِّم أنَّ الظَّاهر منها تعلُّق الحلِّيَّة بالبيع لا بالتَّصرُّفات، ولكن هذا الظُّهور ظهور أوَّليٌّ، ولكن بعد إبراز القرائن على إرادة مطلَق التَّصرُّفات، فلا معنى للتَّشبُّث بالظُّهور الأوَّليّ.
من القرائن: أنَّ البيع بمعنى إنشاء الملكيَّة بالعوض، ولا تُتوهم حرمته التَّكليفيَّة، حتَّى تتعلَّق به الحلِّيَّة وعدم الحرمة، فيبعد إرادة الحلِّيَّة التَّكليفيَّة، فيكون المراد هو الحلِّيَّة الوضعيَّة.
ومن القرائن: أنَّ الظَّاهر من الآية أن لا موضوعيَّة للبيع، بل الحلِّيَّة تعلَّقت بالبيع بما هو معاملة، والمُراد نفوذ المعاملات وإمضاء تأثيرها؛ إذ هذا هو المطلوب غالباً فيها. 
ومن القرائن: بملاحظة مبنى الشَّيخ الأعظم في الأحكام الوضعيَّة، أنَّها غير قابلة للجعل المستقلِّ، والنُّفوذ حكم وضعيٌّ.
إذاً متعلق الحلِّيَّة هي التَّصرُّفات المترتِّبة وينتزع منها صحَّة البيع، ومن إطلاق الحلِّيَّة لما بعد الفسخ ينتزع اللُّزوم.
الدَّليل الرَّابع: آية أكل المال بالباطل
وهي قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ}(البقرة: 188).
وتقريب الاستدلال بها على لزوم المعاملة وعدم تأثير فسخ أحد المتعاملَين، في مطالب:
المطلب الأوَّل: إثبات الموضوع
لا بدَّ من إثبات الموضوع أوَّلاً، وهو أنَّ المالَ هو مال الغير؛ فإذا علمنا وقطعنا أنَّ المبيعَ فعلاً هو ملك للبائع والثَّمن فعلاً للمشتري، فمن الواضح انفساخ البيع أو عدم وقوعه من رأس، ولو علمنا أنَّ المبيع فعلاً ملكٌ للمشتري والثَّمن ملكٌ للبائع فعلاً فلا نزاع، ومع الشَّكِّ في ذلك قد يُقال بأنَّه لا يصحُّ الاستدلال بالآية؛ لأنَّه من قبيل التَّمسُّك بالعامِّ في الشُّبهة المصداقيَّة، فالتَّصرُّفات المترتِّبة على الفسخ لم يُعلم بقاء موضوعها؛ لاحتمال رفع الفسخ الموضوعَ الَّذي هو إضافة المال إلى الغير، فلا بدَّ من إحراز الموضوع في المرتبة الأولى.
ويمكن إحراز الموضوع بأحد طريقَين: 
الأوَّل: استصحاب بقاء المبيع على ملك البائع، وبقاء الثَّمن في ملك المشتري.
الثَّاني: نوسِّع الموضوع؛ وذلك بأنَّ نقول إنَّ الموضوع هو التَّصرُّف في مال الغير، بل هو مطلق التَّصرُّف بما يشمل الخارجيَّ والاعتباريَّ، فيشمل الفسخ، فالفسخ بغير إذن نحو تصرُّف في مال الغير([19]).
المطلب الثَّاني: الاستدلال بالآية
في مرتبة إثبات المقتضي:
التَّقريب الأوَّل: النَّهي يدلّ على اللُّزوم
دلَّت الآية –كما أفاد الشَّيخ الأعظمN- على حرمة أكلِ المال بما يسمَّى باطلاً عرفاً، وأمَّا الموارد الَّتي أمضاها الشَّارع المقدَّس ولم يردع عنها، سواء هي غير باطلة عند العرف كخيار الشَّرط والعيب والغبن، أو الباطلة عندهم كأكل المارَّة من ثمرة الأشجار الَّتي يمرُّ بها، وكأخذ الشَّريك بالشُّفعة، وكالخيارات التَّأسيسيَّة مثل خيار المجلس وخيار الحيوان، فما جوَّزه الشَّارع يخرج عن كونه باطلاً، وما لم يجوِّزه الشَّارع فهو باطل ومتعلَّق للنَّهي، والنَّهي هنا يقتضي الفساد؛ لأنَّ النَّهي عن تملِّك مال الغير بالطَّريق الباطل غير مؤثِّر، فتدلُّ الآية على عدم تأثير الفسخ ولزوم المعاملة([20]).
التقريب الثَّاني: مجموع المُستثنى والمُستثنى منه
وذلك إمَّا بالاستثناء المنقطع أو المتَّصل.
بيان الاستثناء المنقطع: أنَّ المولى سبحانه قد نهى عن الأكل بالباطل، واستثنى من ذلك التَّملَّك بالتِّجارة المرضيَّة بالاستثناء المنقطع؛ إذ التِّجارة المرضيَّة ليست من الباطل وحكمها بخلافه، فالتِّجارة المرضيَّة خارجة عن الباطل حكماً وموضوعاً، فهنا الدَّليل نفسه ناظر إلى خروجها.
فيكون المعنى أنَّ التَّملَّك بغير التِّجارة المرضيَّة داخل في الأكل بالباطل، والتَّملُّك بالفسخ ليس تملُّكاً مرضيَّاً، بل هو تملُّك باطل([21]). 
وبيان الاستثناء المتَّصِل: يكون المعنى أنَّه لا تتملَّكوا أموالكم بينكم بالباطل، ولكن تملَّكوها بالتِّجارة المرضيَّة، وبالتَّالي الآية لا تنفي الغير، وحينئذٍ يكون الحكم ببطلان الفسخ بلا دليل.
وبعبارة أخرى: لا تتملَّكوا أموالكم بينكم بأي سبب من الأسباب؛ فإنَّه باطل إلَّا أن يكون السَّبب تجارة مرضيَّة، والفسخ ليس من التِّجارة المرضيَّة، فالانحصار تامٌّ فيتمُّ الاستدلال؛ لأنَّ الفسخ داخل في عقد المستثنى منه([22]).
في مرتبة رفع المانع: 
قد يُقال بأنَّ ما أفاده الشَّيخ الأعظم ممنوعٌ كبرى وصغرى.
وأمَّا الكبرى؛ فإنَّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيَّة، فلا وجه لتقييد الباطل بالباطل العرفيِّ؛ إذ المعنى الموضوع له اللَّفظ هو الباطل الواقعيُّ، فيكون هو المراد، كما أنَّه المراد من الحق هو الحقُّ الواقعيُّ، فحمل لفظ الباطل على الباطل العرفيِّ لا وجه له، وبالتَّالي يسقط الاستدلال عن الحجِّيَّة.
وأمَّا الصغرى -بعد فرض التَّسليم بالكبرى- ، فإنَّه لا دليل على كون الفسخ من الباطل العرفيِّ موضوعاً أو حكماً.
وموضوع الحكم بحرمة الأكل بالباطل هو الباطل العرفيُّ، بقيد عدم التَّرخيص من الشَّارع، لا أنَّه الباطل العرفيُّ بمجرَّده، بل يحتمل كون الفسخ حقَّاً للفاسخ، فلا يكون من الباطل العرفيِّ أصلاً، وفرض كلامنا في حالة الشَّكِّ، فالتَّمسُّك بالآية لإثبات عدم مؤثِّريَّة الفسخ، هو تمسُّك بالعامِّ في الشُّبهة المصداقيَّة؛ لأنَّ ما دلَّت عليه الرِّواية هو عدم أكل مال الغير بالباطل الواقعيِّ، والفسخ غير معلوم أنَّه من الباطل الواقع كما هو الافتراض.
وحتَّى لو قلنا إنَّ موضوع الآية هو الباطل العرفيِّ، الَّذي لم يُرخِّص الشَّارع بتركه، فنحن نناقش في كون الفسخ منه أو لا([23]).
والجواب: 
أوَّلاً: نسلِّم أنَّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيَّة، ولكن هنا أريدَ من الموضوع الباطل العرفيُّ؛ وذلك أنَّ الشَّارع صبَّ الأحكام على الموضوعات، وكان خطابه موجَّها للعرف العامِّ، فلو لم يكن مراد الشَّارع ما عند العرف لزمه البيان وإلَّا يلزم اللَّغويَّة في خطابه؛ إذ لا فائدة من كلامه في حال عدم إرادته ما عند العرف وعدم بيانه لمراده. 
فلو أراد الشَّارع غير المعنى العرفيِّ لنصب قرينة على إرادة خلافه، فالشَّيخ الأعظم لم يدَّعِ وضع الباطل للمعنى العرفيِّ، بل المراد هو المعنى العرفيُّ.
ثانياً: الشُّبهة الَّتي يمكن تصوُّرها في العرفيَّات هي الشُّبهة المفهوميَّة فقط، فعند العرف يشكُّ في ضيق وسعة معنى اللَّفظ كما في لفظ الماء، وأمَّا من ناحية المصداق، فإنَّ العرف لا يشكُّ في صدق الباطل على الفسخ بدون الشَّرط والعيب والغبن.
والشَّاهد على ذلك أنَّك إذا بعت متاعك، ولم يكن به عيب ولا غبن ولم يشترط فيه الخيار، فبعد أسبوع مثلاً جئتَ وقلت للمشتري: فسختُ، هنا يلومك العقلاء على ذلك، فهنا لو كان المورد من موارد الشُّبهة الموضوعيَّة للباطل لما كان لملامته معنى.
وأمَّا مقامنا فهو شبهة موضوعيَّة، وما ينفع المستشكِل هو الشُّبهة المفهوميَّة، فما هو موجود لا ينفعه وما ينفعه غير موجود([24]). 
المانع الثَّاني: أنَّه لا يمكن حمل النَّهي في الآية على الإرشاد إثباتاً، وإن أمكن ثبوتاً؛ لأنَّه بالنِّسبة إلى سائر التَّصرُّفات حرامٌ تكليفيٌّ، فلا يمكن حمله على الوضع بالنِّسبة إلى خصوص الفسخ([25]). 
الجواب: أنَّ الأكل في الآية كناية عن التَّملُّك، وبالتَّالي تخرج التَّصرُّفات التَّكوينيَّة من الأكل والشُّرب ونحوهما تخصُّصاً، والاستدلال مبنيٌّ على هذا الأمر الكنائيِّ المستعمل في الإطلاقات العرفيَّة؛ إذ العرف يقولون فلان أكل مال الآخر، مع أنَّ المقصود من ماله المأكول منه قطعة أرض مثلاً، والأكل بما هي أرض غير قابلة للأكل، فإضافة الأكل إلى الماء كناية عن التَّملُّك، وبالتَّالي يكون النَّهي وضعيَّاً بل تكليفيَّاً([26]).
الدَّليل الخامس: روايات عدم حلِّ التَّصرف في مال الغير
استدلَّ الأعلام على أصالة اللُّزوم على المعاملات بما دلَّ على عدم حلِّ التصرف بمال الغير، وقد وردت عدَّة روايات بهذا المضمون.
منها ما رواه الكافي عن سَهْل عَنْ أَحْمَدَ بْنِ المُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي محمَّد بْنُ زَيْدٍ الطَّبَرِيُّ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الحَسَنِ الرِّضَاg يَسْأَلُهُ الإِذْنَ فِي الخُمُسِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: >بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* إنَّ اللهَ واسِعٌ كَرِيمٌ، ضَمِنَ عَلَى العَمَلِ الثَّوَابَ- وَعَلَى الضِّيقِ الهَمَّ-، لَا يَحِلُّ مَالٌ إلَّا مِنْ وجْهٍ أَحَلَّهُ اللهُ<([27]). 
والكلام في هذا الدَّليل من النَّاحية السَّنديَّة تارةً، ومن النَّاحية الدّلالية تارةً أخرى.
أوَّلاً: النَّاحية السَّنديَّة
أمَّا الجهة الأولى: فإنَّه قد يُقال بأنَّه نقلت عدَّة روايات بهذا المضمون، ولكنََّها غير معتبَرة سنداً فبين ضعيفة السَّند –كهذه الرِّواية-، وبين مرسلة([28])، وبين ما لم يصل إلينا سندها([29])، وما هو معتبَر سنداً وقد ذكروه في هذا المبحث ولكنََّه لا ينفعنا([30]). 
وقد يُقال: يمكن جبر الحديث بالشُّهرة؛ حيث إنَّه قد نقله صاحب عوالي اللآلئ في عواليه، وصاحب البحار في بحاره، وأيضاً عدَّة من الكتب الفقهيَّة الاستدلاليَّة لعلمائنا، فقد ذكر العلَّامة الحلِّيُّ في المختلف([31]) ، وفي التَّذكرة([32])، والأردبيليّ في مجمع الفائدة والبرهان([33])، والشَّهيد الثَّانيّ في المسالك([34])، وفخر المحقِّقين في إيضاح الفوائد([35]). 
والجواب:
أوَّلاً: من بين الكتب الحديثيَّة تفرَّد صاحب عوالي اللآلئ، وأمَّا صاحب البحار قد نقل عن العوالي، فلم تشتهر في الكتب الحديثيَّة، فدعوى الشُّهرة الرِّوائية عهدتها على مدَّعيها.
ثانياً: حتَّى الشَّهرة الفتوائيَّة غير متحقِّقة هنا؛ باعتبار أنَّها متوقِّفة على عمل الطَّبقة المتقدِّمة من علمائنا بهذه الرِّواية.
إلَّا أنَّ كلَّ ما ذكر يتمّ لو لم توجد روايات أخرى تامَّة السَّند تدلُّ على المطلب.
ونحن نشير إلى رواية واحدة تامَّة السَّند وهي ما رواه الكلينيّ في الكافي عن عَلِيِّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِg قَالَ: >إِنَّ رَسُولَ اللهِe وَقَفَ بِمِنًى حِينَ قَضَى مَنَاسِكَهَا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَe: أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ واعْقِلُوهُ عَنِّي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ فِي هَذَا المَوْقِفِ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا، ثُمَّ قَالَe: أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذَا اليَوْمُ، قَالَe: فَأَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذَا الشَّهْرُ، قَالَe: فَأَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذَا البَلَدُ، قَالَe: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَe: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَلَا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ولَا مَالُهُ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ، ولَا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ ولَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً»([36]). 
فهذه الرِّواية صحيحة السَّند.
وغيرها من الرِّوايات([37]) الَّتي يمكن الاستدلال بها على المطلب.
ثانياً: النَّاحية الدِّلاليَّة
البحث يقع في دلالة الرِّواية على اللُّزوم.
ويمكن الاستدلال بالحديث، بأنَّ يُقال: إنَّ المُراد من الحلِّيَّة المستفادة من الحديث هي عدم المنع الشَّامل للتَّكليف والوضع، لا أنَّ المُراد الحلِّيَّة التَّكليفيَّة فقط، والمُراد من متعلَّق الحلِّيَّة مطلق التَّصرُّفات، فيكون المُراد كون مال المسلم ممنوعاً عنه مطلقاً إلَّا عن طيب نفسٍ، ومن جملة الممنوع عنه التَّملُّك بالفسخ بدون رضا الطَّرف الآخر، فنكون قد استدللنا بالمستثنى والمستثنى منه.
فالمستفاد من الرِّواية انحصار حلِّيَّة مال المسلم بكونه عن طيب نفس، وتملُّك المال بالفسخ لا يعدُّ عن طيب نفسه، وبالتَّالي يدخل في عموم(لا يحلُّ...).
الدَّليل السَّادس: حديث «النَّاس مسلَّطون على أموالهم».
والكلام في ناحيتَين:
أوَّلاً: النَّاحية السَّنديَّة
وحاصل الكلام فيها: أنَّ النَّبويّ المذكور رواه العلَّامة المجلسيّN في البحار([38]) عن عوالي اللَّئاليّ([39])، ورواه ابن أبي جمهور في مواضع أربعة من عواليه: فرواه تارةً عن كتب بعض الأصحاب، وأخرى عن بعض كتب الشَّهيد، وثالثةً عن الفاضل المقداد، ورابعةً عن ابن فهد الحلِّيّ. والواسطة بين ابن أبي جمهور وهذه العدَّة من الفقهاء هم من الأعلام الثُّقاة المذكورين في مقدِّمة الكتاب في عداد مشيخته.
إلَّا أنَّ الحديث مرسل؛ إذ لم يذكر له في كتبهم سند حتَّى يفحص عن رجاله، فالتَّعويل عليه في استنباط الحكم الشِّرعيّ منوطٌ بإحرازِ عمل المشهور به؛ حتَّى يطمأنّ بصدوره عنهe، بناءً على مبنى كون عمل المشهور برواية ضعيفة يعدُّ سنداً جابراً لضعفها، وإعراضهم عن رواية صحيحة موهِناً كاسراً لها.
وقد يُقال يمكن توثيق الرِّواية؛ وذلك باعتماد الفقهاء على هذه الرِّواية وإسنادها إليه‌e بعنوان (قال) لا (روي عنه)، حتَّى من دأبه نقد أسناد الأحاديث وتمييز صحيحها عن سقيمها.
ولعلَّ أوَّل من أسند الحديث الى المعصومg هو العلَّامةN في المختلَف، حيث قال في مسألة جواز تفضيل بعض الأولاد في العطيَّة- ردّاً على ابن الجنيدN-: "فإن قصد بذلك التَّحريم فهو ممنوع، للأصل، ولقولهg: «النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ» .." إلخ([40]).
وقريب منه قوله في التَّذكرة في كراهة‌ الاحتكار: "و لأنَّ الإنسان مسلّط على ماله"([41]).
وتكرَّر ذكر الحديث في كتب من تأخَّر عن العلَّامة الحلِّيّ كالمحقِّق الأردبيليّN، ففي شرح الإرشاد: "والنَّقل مثل قولهe: >النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ<"([42]).
وجعله من القواعد المسلَّمة في مواضع([43]).
وكذا الشَّهيد الثَّانيN، حيث ذكر الحديث كدليل على الحكم في مواضع([44])، ورماه في موضع آخر بضعف السَّند([45]). 
وقال الشَّيخN في المبسوط([46])، والحلِّيّN في السَّرائر([47]): "وأمَّا إذا أراد أن يحفر بئراً في داره وأراد جاره أن يحفر لنفسه بئراً بقرب ذلك لم يمنع منه، بلا خلاف في جميع ذلك، وإن كان ينقص بذلك ماء البئر الأولى، لأنَّ النَّاس مسلّطون على أملاكهم".
وأمَّا في كلمات القدماء قد لا نجد استنادهم إلى هذا الحديث، نعم نسب فخر المحقِّقين‌N في موضعَين من الشرح إلى جماعة كالمفيد وابن البرَّاج وابن إدريس الاستدلال به، فقال في كراهة التَّفرقة بين أمّ الولد وولدها قبل الاستغناء: "احتجَّ القائلون بالكراهة وبالأصل، وقولهg: >النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ<"([48]).
وكذلك نسب الفاضل الآبيN إلى ابن إدريسN استدلاله في هذه المسألة بحديث السَّلطنة([49]). وقد أخبر فخرُ المحقِّقين عن احتجاجهم على الحكم بالحديث في مسألة خروج منجزات المريض من الأصل أو الثُّلث: "واحتجَّ القائلون بالثَّاني -أي بالخروج من الأصل- بأنَّه مالك، والأصل جواز تصرُّف المالك في ملكه، لعموم قولهe: >النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ<. والجواب أنَّ العامّ يخصَّص بالخاص"([50]).
ويمكن دعوى([51]) حصول الاطمئنان من مجموع ما ذُكر من كلمات الفقهاء، بعمل المشهور بهذا الحديث في أبواب عديدة من الفقه.
وما ذكر يمكن تماميَّته على مبنى الوثوق بالصُّدور.
وأمَّا من كان مبناه في حجِّيَّة الخبر على الوثوق المخبِريّ خاصَّة في الأخبار الآحاد كصاحب المدارك لا يقبل ما ذكر.
فقد يقول أصحاب هذا المبنى:
أوَّلاً: لو سلَّمنا بكبرى الجبران إلَّا أنَّ صُغراها غير متحقِّقة؛ لأنَّ المقصود من الشُّهرة هنا أمَّا الرِّوائيَّة وإمَّا الفتوائيَّة، وكلاهما غير تامٍّ في المقام.
أمَّا الشُّهرة الرِّوائيَّة: فإنَّما تتمُّ صُغراها إذا اشتهرت الرِّواية في كتب الحديث لا في كتب الفقه، وهنا تفرَّد صاحب عوالي اللآلئ بالرِّواية. 
وأمَّا الشُّهرة الفتوائيَّة: فإنَّما تتمُّ صغراها إذا ثبت عمل القدماء بها واستندوا في إفتائهم عليها، ولكنََّ هذه الدَّعوى عهدتها على مدَّعيها.
نعم هناك من يثبت قاعدَّة السَّلطنة، بغير هذا الحديث، من قبيل السِّيرة المتشرعيَّة وسيرة العقلاء([52]).
ثانياً: النَّاحية الدِّلاليَّة
تقريب الاستدلال: أنَّ الرِّواية تثبت السَّلطنة المطلقة، للمالك على أمواله، وتنفي مزاحمة الغير له، فلا يجوز لأحد أخذه من يده وتملُّكه من دون رضاه، وإذا بني على جواز الفسخ من طرف المعاملة الَّذي انتقل عنه المال، كان ذلك تقييداً لسلطنة المالك المطلَقة وخلافاً لظاهر الرِّواية، فالرِّواية تدلُّ على عدم جوازه، فتدلُّ على اللُّزوم.
فهناك ملازمة عرفيَّة في أمثال هذه الموارد بين الدِّلالة على السَّلطنة المطلَقة للملَّاك وبين نفي سلطنة الغير؛ لأنَّه من الواضح تنافي السَّلطنة المطلَقة للملَّاك مع سلطنة الغير على الفسخ وأخذ المال، فالسَّلطنة المطلَقة للمالك لا تتحقَّق إلَّا إذا كانت يد الغير مقطوعة([53]).
الدَّليل السَّابع: الأصل العمليُّ
وممَّا استدِلَّ به على أصالة اللُّزوم هو الاستصحاب.
وقد قُرِّب بتقريبَين: 
التَّقريب الأوَّل: استصحاب العقد نفسه
إذ العقد بمعنى الالتزام المربوط بالتزام آخر قد تحقَّق يقيناً بمقتضى المعاملة بين  الطَّرفَين، ثمَّ لمَّا فسخ أحدهما شكَّ في انحلاله وارتفاعه فيستصحب بقاؤه، أو عدم انحلاله، فمثلاً: لو التزم كلٌّ من طرفي العقد تمليك الآخر، فيلتزم البائع بتمليك المبيع للمشتري، والمشتري يلتزم بتمليك الثَّمن للبائع، لا الإيجاب والقبول اللَّفظَيين المتصرِّمين نفسيهما، فهذا الالتزام باقٍ حتَّى يتيقَّن زواله([54]).
التَّقريب الثَّاني: استصحاب بقاء الأثر
وذلك أنَّه إذا تحقَّق البيع تحقق النَّقل والانتقال، وصار المبيع ملكاً للمشتري، والثَّمن ملكاً للبائع، فإذا ما فسخ أحدهما شككنا في بقاء ملكيَّة البائع للثَّمن والمشتري للمبيع، وبالتَّالي نستصحب ملكيَّتهما معاً([55]). 
الدَّليل الثَّامن: بناء العقلاء
إنَّ العقلاء قد بنوا معاملاتهم وعقودهم على اللُّزوم، فنراهم في مثل البيع والإجارة والنَّكاح وغيرها يبنون على اللُّزوم وعدم الفسخ، نعم يرفعون اليد عن هذا اللُّزوم إذا قام الدَّليل على الفسخ والخيار، فهم يرون أنَّ القاعدَّة والأصل هو اللُّزوم، ولا يرفعون اليد عنه إلَّا مع الدَّليل على خلافه.
بل نترقَّى ونقول إنَّ هذا البناء من صميم العقد، فطبيعة العقد وروحه البناء على اللُّزوم، والشَّاهد على ذلك أنَّه لو لم يكن العقد لازماً مراعاته لم يكن بمنزلة العهد الَّذي يعتمدون عليه، فلو رجعنا إلى حقيقة العهود والعقود فهي تعهُّدات في مقابل تعهُّدات تلزم طرفَي العقد مراعاتها وعدم نقضها، فلو كان لكلِّ واحد نقضها ورفضها وتركها كيف شاء، لا فائدة من هذه التَّعهُّدات، بل ليست تعهُّدات حقيقيَّة، وأمَّا اشتراط الخيار فهو استثناء للزوم العقد في مدَّة معيَّنة.
ولا يُقاس ذلك بالعقود الإذنيَّة كالوكالة والعارية والهبة والوديعة والأمانة وما أشبهها؛ فإنَّ لها حقيقة وراء البيع وشبهه، فهي إعطاء من أحد الجانبَين مع الاحتفاظ بحقِّ المنع كلَّما أراد منعه، لا إعطاء شيء في مقابل شيء يتعهَّد الطَّرفان بمراعاته([56]). 
هذا تمام ما أردنا بيانه من الأدلَّة الَّتي ذكرها الأعلام على أصالة اللُّزوم، وتبين أنه توجد عدة أدلَّة على أصالة اللُّزوم في المعاملات، وقد وقعت -هذه الأدلة أي تقريبات الاستدلال بها على أصالة اللُّزوم- موضعاً للأخذ والرَّدِّ والنَّقض والإبرام.
والحمد لله ربِّ العالمين.


[1]جامع المقاصد، الكركيّ،ج4، ص282.

[2]المكاسب، الشَّيخ الأعظمالأنصاريّ،ج5، ص14.

[3] المكاسب، الشَّيخ الأعظمالأنصاريّ،ج5، ص14.

[4] المكاسب، الشَّيخ الأعظمالأنصاريّ،ج5، ص14.

[5] فرائدالأصول، الشَّيخ الأعظمالأنصاريّ، ج3، ص128.

[6]تفسير القمِّيّ،عليّ بن إبراهيم القمِّيّ، ج1، ص160.

[7] مختلَف الشِّيعة، العلَّامة الحلِّيّ، ج6، ص255.

[8]المكاسبالمحرمة،الشَّيخالأعظم الأنصاريّ، ج5، ص18.

[9]بغية الرَّاغب، الوحيد الخراسانيّ، ج1، ص78.

[10]الكافي، الكلينيّ، ج2، ص162.

[11]الكافي، الكلينيّ،ج2، ص162.

[12]الكافي، الكلينيّ،ج2، ص364. 

[13]الكافي، الكلينيّ،ج2، ص363. 

[14]حاشيةالمكاسب، الشيَّيخالآخوند، ص147.

[15]الكافي، الكلينيّ،ج1، ص69.

[16]الكافي، الكلينيّ،ج1، ص69.

[17]منلايحضرهالفقيه، الشَّيخ الصَّدوق، ‌ج3، ص278.

[18]مصباحالفقاهة، السَّيِّد أبو القاسم الخوئيّ، ج6، ص30-31.

[19]هدى الطالب، الجزائريّ، ج9, ص237.

[20]بغية الرَّاغب، الشَّيخ الوحيد، ج1، ص109.

[21]منية الطالب، الخونساريّ النَّجفيّ، ج3، ص13.

[22] مصباحالفقاهة، السَّيِّد أبو القاسم الخوئيّ، ج6، ص40.

[23]مصباحالفقاهة، السَّيِّدأبو القاسم الخوئيّ،ج6، ص40.

[24]بغية الرَّاغب، الشَّيخ الوحيد، ج1، ج113.

[25]حاشيةالمكاسب، اليزديّ، ج2، ص376.

[26]بغية الرَّاغب، الشَّيخ الوحيد، ج١، ص120.

[27]الكافي، الكلينيّ،ج1، ص547.

[28]بحارالأنوار، المجلسيّ، ج80، ص283.

[29]الاحتجاج، الطَّبرسيّ، ج2، ص480.

[30]الكافي، الكلينيّ، ‌ج7، ص273.

[31]مختلف الشِّيعة، العلَّامة الحلِّيّ، ج6، ص278.

[32]تذكرة الفقهاء، العلَّامة الحلِّيّ، ج1، ص489.

[33]مجمع الفائدة والبرهان، الأردبيليّ، ج9، ص358.

[34]مسالك الأفهام، الشَّهيد الثَّاني، ج6، ص28، وص135وص314.

[35]إيضاحالفوائد، فخرالمحقِّقين، ج2، ص594.

[36]الكافي، محمَّد، الكلينيّ، ‌ج7، ص273.

[37]الكافي، محمَّد، الكلينيّ، ج7، ص273.

[38]بحارالأنوار، المجلسيّ، ج2، ص272.

[39]عوالياللآلئ، ابنأبيجمهور، ج1، ص222.

[40]مختلف الشِّيعة، العلَّامة الحلِّيّ، ج6، 278.

[41]العلَّامة الحلِّيّ، تذكرة الفقهاء، ج1، ص489.

[42]مجمعالفائدةوالبرهان، الأردبيليّ، ج9، ص358.

[43]المصدر نفسه، ج9، ص214، وص243، وص380، وص390.

[44]مسالك الأفهام، الشَّهيد الثَّاني، ج6، ص28، وص135، وص314.

[45]المصدر نفسه، ج6، ص310.

[46]المبسوطفيفقهالإماميَّة، الطُّوسيّ، ج3، ص272.

[47]السَّرائر، الحلِّيّ، ج2، ص382.

[48] إيضاح الفوائد، فخر المحقِّقين، ج1، ص444.

[49]كشفالرُّموز، الحسن الآبي، ج1، ص514.

[50]إيضاحالفوائد، فخرالمحقِّقين، ج2، ص594.

[51]هدىالطالبفيشرحالمكاسب، الجزائريّ، ج1، ص399.

[52] القواعدالفقهيَّة، الإيروانيّ، ج2، ص72.

[53]بغيةالرَّاغب، الوحيدالخراسانيّ، ج1، ص125، وص126.

[54]بغيةالرَّاغب، الوحيدالخراسانيّ، ج1، ص139.

[55]القواعد الفقهيَّة، مكارم الشِّيرازيّ، ج2، ص330.

[56]القواعد الفقهيَّة، مكارم الشِّيرازيّ، ج٢، ص٨٦. وفقه العقود، السَّيِّد كاظم الحائريّ، ص88.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا