
بسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيْمِ، اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّد..
لا يبالغ الإنسانُ حينما يقولُ بأنَّ الحضارة الإسلاميَّة هي الأساسُ في صناعةِ الإنسانِ وعلى كلِّ المستويات، وأنَّ الحضارةَ المقابلةَ لذلك(إنْ صحَّ تسميُتها حضارة) هي الأساسُ للفسَادِ في الأرض، للظُّلم، لاعتداء الإنسانِ على بني جنسِه،
للكوارث البشريَّة، للانحراف الأخلاقي، للضَّلال الفكري، للخروج عن الفطرة السَّليمة، للخوفِ والقلقِ والرُّعب.
والوقائع التَّاريخية وما يجري في العصر الحاضر كلُّه شاهدٌ على ذلك، وللأسف الشَّديد استطاع الإعلام المكثَّف، والمأجور، والمموَّل أن يؤثِّر على الفكر البشريِّ بشكلٍّ عامٍّ ويقلب الحقائقَ رغم وضوح المسألة للمنصف والمتأمِّل.
فحينما نسأل: كيف تغيَّرَ المجتمعُ الجاهليُّ الذي سبَقَ النُّبوَّةَ المحمديَّةَ من مجتمعٍ متوحِّش، قاتلٍ للنَّفس المحترمة، متفكِّك، متحارب، جاهل، ضعيف، عابدٍ للأحجار، يأد البنات، ويأتي بالموبقات، وكما تقول الصِّديقة الزَّهراءj: >وكنتم على شفا حفرةٍ من النَّار، مذقَّة الشَّارب، ونهزةَ الطَّامع، وقبسةَ العجلان، وموطئ الأقدام، تشربونَ الطَّرَق، وتقتاتون القِّدَّ، أذلَّة خاسئين، تخافون أنْ يتخطَّفكم النَّاسُ من حولكم، فأنقذكمُ اللهُ تبارك وتعالى بمحمَّدe([1])< إلى مجتمعٍ متماسكٍ، قويٍّ، متعلِّم، عابدٍ لله تعالى، رافضٍ للظُّلم، ناشرٍ للعدالة، فاعلٍ للخير والمعروف؟!
أليس الإسلامُ ونبيُّهe وفكره وتعاليمه هو من غيَّر ذلك؟! وإذا كان ثمَّة خللٌ أو نقصٌ أو رجوع من بعض المجتمعات الإسلامية إلى الحضارة الجاهلية فإنمَّا هو بسببِ الإنسان نفسِه وليس بسببِ الإسلام.
قارنوا بين مكانةِ المرأة في أيَّام الجاهلية وبعدها، ثمَّ قارنوا أيضاً بين مكانة المرأة المسلمة اليومَ وبين نظرةِ الحضارة الغربيَّة إليها، أليست الحضارةُ الغربيَّةُ كالحيَّة والثَّعلب والذِّئب، متلوِّنةً ماكرةً ومتوحشِّة؛ حيث تنظرُ إلى المرأة كسلعةٍ رخيصة، قيمتها في جسدها وجمالها، وإذا لزم الأمر وانتفت الحاجة إليها سحقت واستضعفت؟!
قارنوا بين تماسك العائلة المسلمة _بشكلٍ عامٍّ_ وبين تفكُّك العائلة الغربية، وقارنوا بين تديُّن المجتمع المسلم وانسلاخ المجتمع الغربي من الدِّين!
قارنوا بين حرص المسلمين على الدَّم والعرض وبين ما تصنعه الحضارةُ الغربيَّة اليوم في غزَّة، وقبلها في أفغانستان، وفي سجن أبو غريب العراق، وقبلها في البوسنة والهرسك، بل فيما بينها في الحربين العالميتين الأولى والثَّانية؟!
من الذي ينشرُ الرُّعب اليومَ في العالم؟ ومن الذي سرق خيرات الشُّعوب بالاستعمار؟ ومن الذي استعبد الأفارقة وجعلهم أفقرَ النَّاس؟ من الذي يتاجر بالسَّلاح الفتَّاك اليوم وإن كان على حساب سفكِ الدِّماء البريئة؟! ومن الذي يتلاعب بالاقتصاد العالمي وإن ماتت بقيَّةُ الشُّعوب جوعاً؟
من الذي يتلاعبُ بالحقائق؟ من الذي يستحلُّ الكَذِبَ؟ من الذي يرى أنَّ القوَّةَ هي أساسُ الحكم كما تصنعُ الوحوش في الغابات؟ من الذي ينشرُ الشُّذوذ والانحلال بين البشر ويسلبهم فطرتَّهم، بل ويحارب من يعارض تلك المحاولات الخسيسة؟
وإذا كانت بعضُ الحكومات والجماعات المحسوبة -ظاهراً- على المسلمين تفعل تلك الأمور، فإنَّ ورائَها نفس هذه الحضارة الغربيَّة المتوحِّشة.. فمن الذي يدافع اليوم عن حكَّام الجور والظَّلم ويحميهم من الشُّعوب المظلومة؟ ومن الذي يدعم هؤلاء بالسَّلاح الفتاك؟ ومن الذي أوجد القاعدة؟ ومن خلق داعش ودعمها بالسَّلاح وبالاقتصاد وبالسِّياسة؟
هي الحضارة الغربية نفسُها التي تدعم اليومَ شُذَّاذَ الأرضِ من الصَّهاينة اليهودِ لقتلِ الأطفال والنَّساء والشُّيوخ، وهدمِ المدارسِ والمستشفيات!! وتهجير أصحاب الأرض، وكلُّ تلك الجرائم الواضحة والجليَّة تحمل نفسَ الشِّعارات التي كانوا يخدعون بها النَّاس، وهي الدِّفاع عن الحقوق!! فالصَّهاينة لهم الحقُّ في سلبِ أرض غيرِهم بالقتل وسرقة البيوت، ولهم الدِّفاع عن أنفسهم فيما لو دافع المسلم عن أرضه؟!
أليست هذه السِّياسات القائمة هي التي تنطلق منها الحضارة الغربية؟
إذاً: ماذا قدَّمت لنا الحضارة الغربية غير الدَّمار والفساد والانحطاط والانحلال؟!
ووجودُ بعض التَّقدُّم التكنولوجي عند الغرب -لو فرض أن نيَّتهم خدمة الإنسانية بذلك- هل يمحي عار ما يصنعونه بالبشريَّة؟! ثمَّ ما هو الرَّبط بين التقدُّم المادِّي الذي يخدم جسدَ الإنسان وجانبه الحيواني وبين كون ذلك حضارة مرغوبة وممدوحة؟!
وأمَّا الحضارة الإسلامية فإنَّه ولو افترضنا -جدلاً- أنَّها لم تقدِّم للبشرية شيئاً في هذا الجانب -مع أنَّها قدَّمت الكثير، والحضارة الغربية تمنعها من ذلك بشتَّى الوسائل- فإنَّها قدَّمت للبشريَّة ما هو أعظمُ من ذلك؛ فإنَّها صنعت الإنسانَ صناعةً حقيقيةً جعلتَه يتميَّز عن الحيوان.
جعلتُه في مصافِّ الملائكة من ناحية الرُّوح والنَّفس العظيمة، أوجدت فيه صفاتٍ هي خيرٌ للبشرية جمعاء، فقد أوجدت فيه التَّضحية بالنَّفس والمال، خلقت فيه روحَ الإيثار والجود والكرم العظيم، علَّمته الغيرةَ والحميةَ على العِرض، صنعت فيه الشَّجاعة والإباء ورفض الظُّلم والدِّفاع عن المظلوم.
الحضارةُ الإسلاميَّة صنعتْ مجتمعاً من أكثر المجتمعات البشريَّة تماسكاً واتحاداً، وعطاء وبذلاً.
الحضارة الإسلامية هي التي خلقت شيئاً من التوازن عند البشريَّة؛ فإنَّها لو كانت تنتهج نفس النَّهج الذي تنتهجه الحضارة الغربية لكان لنا أن نتصوَّر كيف سيكون حال البشرية من الفوضى والدَّمار والانحلال والانحطاط أكثر ممَّا هو عليه اليوم؟!
وبعد هذا كلِّه لنا أن نتعجَّب ممَّن لا زال في سكرةِ الاغترارِ بالغرب وحضارتِه المتوحِّشة!! مفتوناً بشعارتِها المزيَّفة!! ولنا أنْ ندَّعي بأنَّ كلَّ من يتمسَّك بمثلِ هذه الحضارة المنحطَّة أو يروِّج لها -بشتَّى الجوانب- فكرياً، وسلوكياً، وأخلاقياً، وسياسياً فإنَّ مثلَ هذا الشَّخص مخدوع جاهل، بل هو بلا ذوقٍ ولا ثقافةٍ قويمة، والطُّيور على أشكالها تقع..
نسأل الله تعالى أن يثبِّتنا على دينِه، ويأخذَ بأيدنا لسبيل مرضاتِه، إنَّه كريم حكيم، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآلِه الطَّيبين الطَّاهرين..
([1]) الاحتجاج، الطبرسي، ج1، ص135.
0 التعليق
ارسال التعليق