
الملخَّص:
تعرض الكاتب في مقالته إلى مسألة الأمر بالمعروف -بعد بيان أن هنا مسألتان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-؛ فبين معنى المعروف والمنكر، وموقعية هذه الفريضة في الإسلام، وكيفية نصرة المعروف وأثره على المجتمع، ثم بين معيار المعروف والمنكر، ثم ذكر أن هناك ولاية بين المؤمنين هي أساس هذه الفريضة، وختم ببعض النصائح([1]).
مقدِّمة
الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من أعظم الوظائف في الإسلام. ولم يكن المخاطب به فرداً بعينه وإن تأكّد في بعض الأفراد أحياناً لتوفّرهم على بعض اللياقة الخاصّة بهم، مضافاً إلى تحقّق شروطه فيهم، ومعرفتهم بأحكامه مع حكمتهم.
ولا شكّ في أنّ من يتصدّى إلى هذه الوظيفة فإنّه يكون من أهل الفلاح إذ قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([2]).
معنى المعروف والمنكر
قبل الخوض في طيَّات هذا البحث تحسن الإشارة إلى أنَّا نتحدّث عن فريضتين وليست فريضة واحدة؛ أولاهما هي عبارة عن الأمر بالمعروف، والأخرى هي النَّهي عن المنكر. فمن لا يقدر على النَّهي عن المنكر قد يكون قادراً على الأمر بالمعروف أو العكس فلا بدَّ من التنبّه بأنَّ إحدى الوظيفتين لا تسقط بسقوط الأخرى.
فالمعروف: هو ما كان معروفاً على سبيل الوجوب أو الاستحباب فيكون الأمر به واجباً أو مستحبّاً، مع توفّر الشرائط.
ويدخل فيه ما كان معروفاً بحكم العقل وإن كان مباحاً فيحسن الأمر به.
والمنكر: هو ما كان منكراً يحرم الإتيان به في الشريعة سواء من المحرّمات الكبيرة أم الصغيرة في حكم الإسلام.
ويدخل فيه ما كان مرجوحاً يكره فعله في الشريعة وإن لم يكن محرّماً كبيراً ولا صغيراً.
موقعيّة هذه الفريضة في الإسلام
شرّع الإسلام بابين لحفظ المجتمع الإسلامي:
الباب الأول: هو الجهاد المعبّر عنه من قبل سيّد الشريعةe بالجهاد الأصغر ويُبحث في الكتب الفقهية بعنوان كتاب الجهاد، وهذا فيه حفظٌ للمجتمع الإسلامي من العدو الخارجي.
الباب الثاني: هو الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وهذا يحارب فيه أنواع الفساد الموجودة أو التي قد توجد داخل المجتمع الإسلامي.
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر هما السبيل الذي يسَّرهُ اللهُ لعباده وأمرهم باتباعه ليكون نهجاً في الدعوة إلى الحقّ ولتبيين المعارف إلى الناس, وهو منهاج الصالحين كما ورد في بعض الأخبار. وهو فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر([3]).
وورد عنهمi: >لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهو عن المنكر، وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركة، وسلّط بعضَهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء<([4]).
بلحاظ ما تقدّم يتضح تأكّد وظيفة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أيّما تأكيد، لا سيّما إذا كان ارتكاب الفعل المحرَّم في الأماكن والأوقات الشريفة كالمساجد أو الأضرحة المقدّسة، وشهر رمضان أو يوم الجمعة، أو كان ترك الواجب الذي به يقوم الدين ويحافظ عليه كالجهاد في سبيل الله، كما يلحظ فيه نوع المرتكب ذلك من كونه من المتظاهرين بالعلم والتديّن، ويكون الأمر على أشدّه إذا اجتمع ذلك كلّه كما لو ارتكب من يتظاهر بالتديّن جرماً في يوم الجمعة الواقع في شهر رمضان وفي المسجد مثلاً.. فكلَّما اشتدّت الحرمة وما يحوم بها أشتدّ التأكيد على أداء هذه الوظيفة -الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر-.
نصرة المعروف
كما أنَّ المعروف يجب الأمر به فإنَّه يجب نصرته وعدم التَّخاذل في ذلك فقد ورد في الخبر عن الإمام الصادقg: >الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر خلقان من خلق الله، فمن نصرهما نصره الله، ومن خذلهما خذله الله<([5]) ووقت وكيفية النصرة متروك إلى الله تعالى، وما على الفرد إلا أن يخلص النية ويتقن العمل ويتوكَّل على الله تعالى، ونصرة الله تعالى من ينصره من العباد لهو وعد إلهي كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([6])، وهذا قانون إلهي واضح بيّن.
كي لا نترك المنكر يتعاظم:
وعلى ما تقدَّم يتضح ضرورة عدم التخاذل في نصرة المعروف وأهله، وإذا ما تقاعس المؤمنون عن وظيفتهم هذه فإنَّ ذلك مدعاة لأن يتعاظم المنكر والباطل، وكما هو ديدن الباطل فإنَّه لا يكفّ عن نشر الدعاوى التي فيها تغيير وتحريف المفاهيم الدينيّة الصحيحة لغرض حرف المؤمنين وحرف المسلمين بصورة عامّة عن هذا الدّين الحنيف، وللأسف الشديد فإنَّ هذه الدعاوى تجد لها مجالاً لأن تستشري بين الناس نتيجة إلى وجود قدر من التغافل تجاهها، فترى البعض يرى الخطأ إلا أنّه يشيح بوجهه عنه كي لا يشغل به نفسه مع قدرته على نصرته.
ولعدم نصرة الحقِّ والمعروف -ولو بنصرة من يتصدّى إلى المعروف وعدم تركهم في مواجهة الباطل لوحدهم- فإنَّ الباطل يتعاظم يوماً بعد يوم، ويتغرّب المعروف وأهله في المجتمع -أي: يصيرون غرباء في المجتمع- بينما ينبغي أن يكون الأمر على العكس تماماً فالمعروف هو الذي ينبغي أن يكون عزيزاً والمنكر غريباً ذليلاً.
ومع تركِ الباطل يتعملق في المجتمع فإنّه يصل إلى حدٍّ لا يمكن اجتثاثه من المجتمع بعد أن ترسَّخ فيه أو يصعب ذلك.
ولهذا أسباب كثيرة، منها التساهل من قبل المربِّين، وأقصد بهم الأبوين والأساتذة في المدارس النظامية أو مراكز التعليم الديني، ومن يتصدَّى من النّخب في المواقع الاجتماعية خصوصاً الدينية منها، فمن يرى منهم أمراً منكراً خطأ في المجتمع لا بدَّ من أن يتحرَّك لإصلاحه وإلا فإنّه يكون من الذين يتغافلون عن المنكر والباطل.
هنا أذكر بعض الأمثلة من واقع الحياة اليومية لنرى كيف يوجد الباطل في المجتمع ويستشري، بسبب التساهل في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وكذا بسبب عدم نصرة المعروف وأهله.. وقلّ من يصمد في أداء هذه الوظيفة نتيجةً للضغط الاجتماعي الذي يمارَس -بقصد أو بدونه- على المتصدّي.
المثال الأوَّل: الغناء، وتحريمه من أوضح الواضحات في الشريعة الإسلامية حيث لا يوجد أحدٌ يقول بحلّيته، ومع ذلك يصل المجتمع إلى مستوى من تقبّل استماع الغناء أو الموسيقى الصاخبة كما لو وصل إليه مقطع في أحد برامج التواصل الاجتماعي كالواتساب وغيره فيشاهد هذا المقطع وصوت الغناء أو الموسيقى الصاخبة منه تتعالى، وعندما ينبَّه على ذلك يجيب بأنّه يشاهد موقفاً مضحكاً مثلاً، وتراه يغمض نظره عن صوت الغناء المحرَّم الذي يخرق مسامعه.
ولك أن تسأل عن سبب استساغة هذا الأمر وتقبّله!
لنجيبك أنَّ مثل هذا الإنسان تراه قد تربّى وكبر على أنغام الموسيقى والغناء التي تُنفث من الألعاب الإلكترونية وأمثالها، فضلاً عن أفلام الكارتون والمسلسلات وغيرها. ولذا فإنّه بعد هذا كلِّه يصعب إقناعه بحرمة الغناء وهو قد ترعرع على استماعها وألفها وسط تغافل أبويه.
مثال آخر: هو وضع مساحيق التجميل من قبل الفتيات -والمكياج الخفيف كما يعبِّرون- وقد تربّت هي على وضع المكياج منذ صغرها لتخرج خارج البيت به من دون إرشادها وتعليمها بحرمة الخروج بالزينة أمام الأجانب ومن دون بيان حدود ذلك كلّه.
إذاً المسألة تتدرّج شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى ما لا يحمد عقباه.
مثال ثالث: وهو أشدُّ من سابقيه بأن يأتي أحدهم ويقول: أريد أن أفعل ما أشاء، وليس لأحدٍ الحقّ في معارضتي ومنعي.
هذا تعبير عن الحرية الشخصيّة وإن لم يكن قد التفت إلى هذا المعنى لكون المفهوم قد تسرّب إلى عقله بصورة أيسر عليه لفهمه وبطرق لا تستخدم لغة الاصطلاحات والاستدلالات، بل عن طريق المسلسلات والأفلام وأمثالها ممَّا يتمّ تضمينها هذه الأفكار المختلفة..
وقد تستمع إلى عبارة أخرى تؤدي إلى نفس المعنى كأن يقول: هذا جسدي لي أن أفعل به ما أريد.
مثال رابع: في التسامح والتساهل على مستوى التعابير اللفظية، وعدم استخدام المصطلح الصحيح وعدم تسمية الأشياء بمسمّياتها.. وهذا ما يتجلّى في مثل استخدام (الشذوذ الجنسي) بدلاً عن (اللواط، والسحاق، والزنا)، فإنَّ التساهل في ذلك يستتبع تساهلاً آخر وهو تقبّل مثل هؤلاء المنحرفين واعتبارهم أصحاب أمراض نفسية ممَّا يعني أنَّ أحدهم مصاب بمرض نفسي فلا بدَّ من أن نتعاطف معه، ولا بدَّ من السعي إلى علاجه، فله احترام، ولشذوذه الجنسي احترام، وينبغي أن تكون له حقوق يتمتَّع بها!!! ومع مرور الوقت تصير هذه الكلمة غير مستساغة أيضاً فلا بدَّ من تغييرها بكلمة أخرى هي (المثلية) بأن يميل فلان إلى مثله، وكذا فلانة تميل إلى مثلها، والعلاقة التي بينهما تسمى بالعلاقة الحميمية بدلاً من السحاق واللواط!!
وعندما نستسيغ هذه التعابير ونستسيغها في المجتمع فهذا يعقّد مسألة استقباح هذه الأفعال، بل ستكون عند البعض أفعالاً طبيعية؛ فيستشري الفعل في المجتمع الإسلامي شيئاً فشيء، لأنَّ المفهوم قد تغيَّر.
كيف أنصر المعروف؟
لنصرة المعروف صور متعدّدة، وهذه موارد عملية لنصرته:
١. الإكثار من فعل المعروف: وهذه نصرة عمليّة للمعروف بحيث يكثر فاعلوه ممَّا يجعله أمراً غالباً في المجتمع، وبهذا تتوفَّر البيئة الآمنة للممارسة الأفراد للمعروف؛ إذ إنَّ بعض الناس -من ضعاف الإيمان أو من لا يملكون جرأة ممارسة المعروف خشية استنقاص الناس منهم- إذا ما رأوا غيرهم يمارس المعروف فإنّه يطمئن ويمارسه بلا تكلّف.
وهكذا في جهة الباطل والمنكر فإنَّ بعض الناس لا يملك جرأة ممارسة الباطل وهو يعيش في المجتمع الصالح، فتراه ينتهز الفرصة للممارسة باطله فيما إذا تجرّأ غيره وصار الأمر مستساغاً بين الناس، أو ينسلخ عن هذا المجتمع ويبحث له عن بيئة فاسدة ليأنس فيها بباطله.
٢. الإكثار من الحديث عن المعروف: وهذه جهة أخرى غير الممارسة العملية الصامتة التي قد لا تتوفَّر لكلّ أحد، بل إنَّ هذه النصرة للمعروف أليق بفئة من الناس تكون صاحبة كلمة مؤثِّرة في المجتمع؛ فإذا ما تحدَّثت هذه الفئة عن فلان المرتكب للمعروف والناصر له وكالت له ما يستحق من الإطراء والمدح فضلاً عن بيان فضل هذه الوظيفة وثوابها العظيم، وفي ذات الوقت الوقوف بالكلمة -على الأقل- في وجه القائمين على المنكر في المجتمع ممَّا يجعلهم يتريّثون كثيراً قبل ارتكاب باطلهم في وسط المجتمع الإيماني، لعلمهم بأنّ ألسنة المصلحين المدافعين عن المعروف -فضلاً عن المباشرين في الأمر بالمعروف- لن تتركهم في باطلهم يعيثون في المجتمع فساداً.
٣. الإكثار من نشر المعروف: وهذه جهة أخرى أيضاً غير ما تقدَّم حيث يكون نفس نشر المعارف التي بها يتقوّم سلوك المجتمع، من خلال نشر الفضائل وكيفية التحلّي بها وأثر ذلك -إيجاباً- على الفرد والمجتمع ممَّا يجعل من المعروف جزءاً من المنظومة الفكرية للفرد المؤمن. ولا يخفى أنَّ هذه تمثِّل جهة وقاية للمجتمع.
٤. الإنكار على الباطل وأهله: هذه الجهة وإن كانت تقرب ببعض اللحاظات من بعض ما تقدَّم -الثانية- إلا أنّ التركيز عليها وإبرازها أمر في غاية الأهمية؛ فإنَّ الممارس للباطل لو تُرك في المجتمع الصالح بلا إنكار عليه فإنّه يشعر بالأمان ممَّا يدفعه إلى المجاهرة في باطله، في سبيل الحصور على مكتسبات أكثر في الباطل، وليحقق أهداف الشيطان بنشر الرذيلة في المجتمع الصالح، ومن هنا لا بدَّ من أن يلاحق الباطل في المجتمع الصالح -بالحكمة والموعظة الحسنة- لتضيق الدائرة عليه فلا يسعه إلا أن يكون متقيَّداً في باطله.
وهنا مسألة حَريٌّ التنبّه إليها وهي أنّي قد لا أكون صاحب مشروع لإنكار المنكر والباطل وقد لا أقدم على نصرة المعروف إلا أنّ ثَمّت من تصدّر في نصرة المعروف فتكون وظيفتي هي المساهمة في تقويتهم والاصطفاف معهم في جبهة الحق ليكون لهم الموقف القويّ، -ولا أقلّ من عمل يسير أقوم به لا سيّما في هذه الأيام والتكنلوجيا ووجود وسائل التواصل الاجتماعي ليكون لي دور في النصرة بكلّ ما له مدخلية في ذلك.
وللأسف هناك من يتخاذل عن نصرة المعروف وأهله، بل قد يقف موقفاً سلبياً لا سيّما إذا ما دخل شيء من الأذى على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فبدلاً من أن ينصر المعروف ينصر الباطل -والعياذ بالله- خوفاً من ضرر أو رغبة في جلب مصلحة، وهذا ممَّا لا شكّ في كونه مخالفاً لما ورد في الروايات الشريفة، فمنها ما عن الأميرg: >فأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واعلموا أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر لن يقرِّبا أجلاً ولن يقطعا رزقاً<([7]).
آثار نصرة المعروف على المجتمع:
إنّ من يساهم في هذه الوظيفة فإنّه يساهم في تطهير المحيط الاجتماعي من أجواء الانحراف والفساد، وتكوين فرصة أكبر لتحقيق إرادة الإنسان الصالح، فلن يكون محكوماً بفكر أو جماعة فاسدة، ممَّا يساهم في استمرار صلاح الفرد المؤثِّر على الاستمرار في صلاح المجتمع.
كما أنّه يمثّل حصانة داخلية للمجتمع الإسلامي، من خلال هذه الفئة التي تمثّل جانباً رقابياً في المجتمع إذ تتحسس أيّ خلل أو علّة يمكن أن تنخر فيه فتبادر إلى الإصلاح.
النصرة بالحكمة في كلّ الأحوال:
ولا بدَّ من اختيار الأسلوب الأنفع مع مراعاة المستوى الذي يتحصّل به امتثال المعروف، والاجتناب عن المنكر فيكتفي به، وفي ما ذكره الشيخ محمَّد أمين زين الدين كفاية في هذا بقوله في المسألة السَّابعة والعشرون: "الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر علاج شرعي لبعض المنحرفين في أعمالهم وسلوكهم عن الاستقامة التي أرادها الله للمؤمنين، وعن لزوم العمل الصحيح الذي حدَّدته شريعة الحقِّ وبيّنته في أحكامها، ومن أجل ذلك فلا بدَّ من أن يأخذ الآمر والناهي في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بمقدار ما تتأدَّى به الضرورة، ويحصل به العلاج النافع، ولا يجوز له أن يأخذ بالمرتبة الشديدة إذا أمكن العلاج بما هو أخفّ وأيسر منها..
فإذا فعل الفاعل المنكر وأصرَّ على فعله أو ترك المعروف الواجب وأصرَّ على تركه، ولم يمكن علاجه إلا بإظهار أمره بين الناس وتعريف حاله للآخرين، جاز إعلان أمره إذا كان متجاهراً بارتكابه في ما يقول وما يفعل، ولا يبالي بكشف ستره، وجاز إعلان أمره على الأقوى إذا كان تأثير الأمر والنَّهي في إصلاحه يتوقَّف على تبيين حاله والتشهير به، فإذا كفَّ عن فعله وارتدع عن منكره وعن إصراره عليه، وجب ترك ذلك، بل وجب إكباره وإجلاله لسيطرته على نفسه، وإحلاله الموضع اللائق به من المجتمع المسلم السليم. ولا يجوز إعلان أمره والتشهير به إذا كان متسترا بفعله، وأمكن علاجه بما هو أيسر وأخف وألين، ومن الله التوفيق والعون للآمر والمأمور، ولنا وللمؤمنين على الأخذ بأحكامه واتباع منهاجه وهداه في ما نقول وما نعمل"([8]).
معيار المعروف والمنكر
هل يمكن أن يكون هناك شيء خير ومعروف عند فئة وشرّ عند أخرى؟ أو في زمن آخر.
هنا آراء ثلاثة:
الأوَّل: هناك من يرى عدم وجود معيار للخير والشرِّ وهذا يعني اعتماد الفوضى في تقييم الأعمال والأفعال، وكلٌّ سيدّعي أنّ فعله هو الخير وأنّ فعل غيره هو الشر؛ لأنَّ كلّ فردٍ لا يحبّ ولا يرضى أن تنسب أفعاله إلى الشرِّ والظلم، فلذا هو مستعِدٌّ لتبريرها ولو بأن يجعل نفسه معياراً للحقّ والصواب، ويغضب لكلّ من يصفه بأنّه ظالم أو فاعل للشرّ.
وهذا المعيار يعتمده من يدّعي الحرية الشخصية فإذا أمرته بالمعروف أو نهيته عن المنكر تمسَّك بالحرية الشخصية وأنّ فعله داخل في إطارها، وأرجع فهمك للخير والشر إلى الجانب الاجتماعي ليقول لك: بأنّك قد تعوّدت على هذا الفعل وألفته فصار عندك أمراً مستحسناً([9]).
الثَّاني: رأي الأشاعرة وحاصله: أنَّ معيار الخير والشرِّ هو الله فما أمر به الله فهو خير وما نهى عنه فهو شرّ، وما لم يرد فيه أمر أو نهي فالإنسان عاجز عن تمييزه.
وهذا ما يؤدّي إلى تعطيل العقل، وأنَّ العقل عاجز من الأساس عن أن يميّز الخير من الشرّ! وهذا ما ينكره الوجدان فالإنسان في أيِّ بقعة في العالم يدرك حسن الأمانة وقبح الخيانة مثلاً. فكيف يعجز العقل عن تمييز الخير من الشرّ.
ولو افترضنا أنَّ صاحب هذا الفكر انفصل عن الاعتقاد بالله فإنّه سيرتكب أفظع الأعمال وأقبحها لأنَّ القبح والشرّ لا يعني عنده شيئاً من أوّل الأمر؛ لأنّ ما جعله يلتزم بالخير ويترك الشرَّ هو اعتقاده بلزوم إطاعة الله تعالى، فإذا انتفى هذا الاعتقاد كانت الطامّة.
الثَّالث: رأي الإمامية وهو أنَّ الخير والشرَّ والحسن والقبح يمكن للإنسان أن يميّزهما عن طريق معرفته الفطرية قبل أن يلجأ إلى الوحي، فعلى هذا يتّضح أنَّ الله تعالى يدخل الصالحين الجنّة والفاسقين النار على وفق هذا المعيار فمن يعمل من الصالحات فله الجنّة وإلا فالنار مثواه.
فالإنسان يستطيع بوعيه وبصيرته الفطرية أن يميّز بين الحسن والقبح والخير والشرّ ليأتي دور الوحي بعد ذلك ليلعب دور المكمّل لكلّ ما يعجز العقل عن إدراكه فهو يلعب دور المعين على ذلك.
فلذا نجد القرآن واضحاً إزاء هذا الأمر؛ فيصف الحسنة بالمعروف لإمكانية التعرّف عليها، وأنَّ الحسنة لها معالم فيستطيع الجميع أن يعرفها بمعالمها.
ويطلق على الأفعال القبيحة كلمة المنكر لما لها من معالم يمكن أن يتعرّف عليها الجميع فينكرونها.
نعم، قد يصعب على البعض الالتفات إلى المنكر ومعرفته أو المعروف ومعرفته؛ لأنَّ فطرته قد تلوّثت فيحتاج إلى المنبّهات لتستيقظ فيه هذه الفطرة.
وهنا أمران:
الأوَّل: أنَّ المعروف والمنكر تشخيصهما سهل في بعض الموارد كما في الصدق والأمانة والخيانة والبخل وما إلى ذلك، وبعض الأحيان يصعب تشخيصهما كما لو حصل تعارض بين الأمانة وحفظ دم المسلم (كما لو أعطاني أحدهم سيفه لأحتفظ به ليجرح بها أحداً، فهنا بين حفظ الأمانة التي ستتسبب في إيذاء مؤمن (المجني عليه)، وبين عدم حفظها حفاظاً على دم المسلم.
الثَّاني: قد يكون التشخيص صعباً على الفرد فيرجع في ذلك إلى العارف بهذا التشخيص.. فلذا قد يكون التشخيص على عاتق النخبة أو الفرد العارف كالإمام والمرجع لا أيّ فرد من عامّة الناس.
فإذا شخّص العارف كان له أن يأمر بهما أو ينهى عنهما في ظرف، وفي آخر يرى أنَّهما قد أصبحا منكراً، وتلعب الظروف السياسية والاجتماعية دوراً مهمّا في هذا التشخيص.. والويل للأمّة التي لا ترجع إلى قادتها في تشخيص المنكر والمعروف في مثل هذه المواطن لأنّها ستعيش حالة الفوضى.
وبعض المنكر يبقى منكراً في كلّ الظروف والأوقات وكذا بعض المعروف.
ولاية المؤمنين على بعض تسوّغ لهم الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
لعلّ من أبرز التحدّيات التي يمرّ بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هي أنَّ الناس ترفض الاستماع إليه مع معرفتهم عادة أنّ ما يقوم به إنّما هي وظيفة إلهيّة قد سبقه إليها الأنبياء والأئمة المعصومونi، ومع ذلك فإنّهم يعترضون على ذلك الآمر بأنّ لا ينبغي أن يتدخّل في خصوصيات الآخرين، وأنّ الله لم يجعله وليّاً عليهم، وأنّهم مسؤولون عن أفعالهم فينبغي أن يتركهم.. وما إلى ذلك من التعابير التي غرضها صرف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عن أداء وظيفته بغية أن يتفسّحوا في باطلهم.
والحال أنّهم علموا أو تغافلوا عن أنّ الله تعالى قد نصّبه وليّاً كما نصّبهم هم أولياء عليه.. فكلّ واحد من أفراد المجتمع الصالح قد نصّبه الله على آخرين وليّاً لممارسة هذه الوظيفة على نقاء هذا المجتمع وسدّ أبواب الفساد المانعة من تكامله، وفي هذا ينصص الله تعالى فيقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([10])، فالله تعالى جعل هذه الوظيفة عامَّة على كلّ قادر على أدائها وبالمقدار الذي يتمكّن منه ولو على مستوى القلب كما ورد في الخبر الشريف الداعي إلى لزوم إنكار المنكر ولو بأدنى الدرجات فعن النبيe: >إنّ الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له، فقيل له: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قالe: الذي لا ينهى عن المنكر<([11]).
نصائح في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
١. احرص أوَّلاً في أداء هذه الوظيفة على الجانب العملي فإنّ له تأثيراً عجيباً، لا سيّما إذا كنت تمارس ذلك بإيمان صادق؛ بأن تبدأ بنفسك وتقوّي معتقدك، وتعرف تكاليفك الإلهية وتعمل بها، وينعكس حرصك -على تطبيقها- على سلوكك وقولك ممَّا يجعلك تكون مثالاً للمتديّن الصالح. قال أمير المؤمنينg: >من نصَّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدّبهم<([12]).
ولا يخفى أنَّ أثر هذه الدعوى إلى الحقّ أعظم من الدعوى القولية التي قد لا تمثّل شيئاً مقايسة مع الفعل.
ولا بدَّ من أن تقتدي بالمعصومينi في ذلك كما في مثال الإمام الحسن المجتبىg والرجل الذي سحب ثوبه مطالباً بمقدار من الأموال، وكذا ما ورد عن الإمام الباقرg مع الرجل الذي كان يهزأ به وبعمل أمّه وكيف تعاطى الإمامg معه، وفي هذه الرواية أنموذجاً لذلك فقد ورد عن محمَّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ علي بن الحسينg يدع خلفاً أفضل منه حتى رأيت ابنه محمَّد بن عليg، فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأيّ شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارَّة فلقيني أبو جعفر محمَّد بن عليg وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله! شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا، أما إنّي لأعظنّه.
فدنوت منه فسلّمت عليه، فردّ عليّ وهو يتصابّ عرقاً، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا؟!! أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة ما كنت تصنع؟ فقال: >لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله a، أكفُّ بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنّما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله a<. فقلت: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني([13]).
ولا يخفى ما لهذه الكلمات من وقع على قلب هذا الرجل مع ما عليه الإمامg من حال. فتمثّل المعروف في واقع الآمر له أثره في التأثير، كما أنّ من يأمر ويرتكب ما يأمر به فإنّ له ذمّا شديداً في الروايات الشريفة فقد ورد عن الرسولe في وصيته لأبي ذر: >يطلع قوم من أهل الجنّة إلى قوم من أهل النار، فيقولون: ما أدخلكم النار وإنّما دخلنا الجنّة بفضل تعليمكم وتأديبكم؟ فيقولون: إنّا كنّا نأمركم بالخير ولا نفعله<([14])، وورد في بعضالخطب لأمير المؤمنينg: >لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به<([15]). ورد في وصية الإمام أمير المؤمنينg لولده محمَّد بن الحنفية: >كن آخذ الناس بما تأمر به وأكفّ الناس عمَّا تنهى عنه، وأمر بالمعروف تكن من أهله<([16])، وعنهg في بعض خطبه: >وأمروا بالمعروف وأتمروا به وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، وإنّما أمرنا بالنَّهي بعد التناهي<([17])، وعن علي بن الحسينg في حديث له وصف فيه المؤمن والمنافق، قال: >والمنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي<([18]).
٢. لا تيأس من عدم تحقيق الهدف، وهذا يحتاج إلى قوّة إيمان فالمؤمن لا يصاب بالإحباط واليأس والقنوط فوعد الله مجازاته ومجازاة من يأمرهم متحقِّق، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}([19]). وهذا ما يتطلّب قدراً من الصبر في أداء هذه الوظيفة، يقول الله تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}([20]) هذه وصيّةٌ من لقمان لابنه يدعوه إلى الصبر على المصاب ممَّا يعني أنَّ طريق الأمر بالمعروف ليس طريقاً سهلاً معبّداً بالرياحين، بل هو طريق صعب مليء بالعقبات والمصاعب التي لا بدَّ من الصبر عليها. واللطيف أنّه قرن الأمر بالمعروف بالصلاة لأنَّها تعدّ شاحناً وعاملاً ضروريّاً لتعبئة الفرد المسلم بالصبر وتربيته على نبذ الظلم والمنكر والفساد.
٣. السعي إلى تهيئة أجواء المعروف وجعله حاضراً بين المؤمنين بحيث لا يكون من يفعله أو يدعو إليه يكون شاذّاً، بل ينبغي من خلال هذه الإشاعة للمعروف أن نصل إلى مستوى يكون المنكر غريباً -كما تقدَّمت الإشارة إليه-.
٤. ضرورة التمييز للمعروف والمنكر، وهذا ما يعرف في كلماتهم من لزوم أن يكون عالماً بالمعروف والمنكر حتى يعرف بما يأمر وعن ماذا ينهى([21]). وممَّا ينبغي معرفته أنّ المكلّف الذي يقوم بفعلٍ ما لعلّه قد اعتمد على حجّة شرعية كالتقليد الصحيح وأمثالها فلا ينبغي الإنكار عليه، أو ممَّا يحتمل في حقّ مثله الجواز فهو بلحاظ نفسه لا يفعل المنكر فلا مجوّز حينئذٍ بأمره أو نهيه.
ضرورة استثمار الزمان والمكان المناسبين للأمر بالمعروف، فعند فقد ذلك قد يعطي نتيجة عكسية كالعناد والإصرار على الباطل، وهذا يعني تولّد مفسدة أخرى غير المفسدة الأولى. وقد تلزم الحاجة إلى اختيار الشخص المناسب لأمره بأن يأمر بالمعروف لقدرته الخاصة على التأثير -مثلاً- ولو لمكانته الاجتماعية.
في خاتمة هذه السطور أختم بضرورة أن لا يقصّر أحدنا في أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ولا ينبغي أن يتواكل المؤمنون في أداء هذا التكليف فقد ورد عن الإمام الرضاg: >كان رسول اللهe يقول: إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاع من الله<([22]).
والحمد لله ربّ العالمين.
([1]) أصل هذا الموضوع هو محاضرة ألقيت على جمع من المؤمنين، فاستُحسن نشرها في هذه المجلة المباركة بعد إضافة شيء من التتميم من الكاتب نفسه لتعم الفائدة.
([2]) سورة آل عمران: 104.
([3]) الكافي، الكليني، ج5، ص55، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح1.
([4]) عوالي اللئالئ، أبن أبي جمهور الأحسائي، ج3، ص188، باب الجهاد، ح22.
([5]) الكافي، الكليني، ج5، ص59، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح11.
([6]) سورة محمد: 7.
([7]) الكافي، الكليني، ج5، ص57، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح6.
([8]) كلمة التقوى، الشيخ محمد أمين زين الدين، ج1/3، ص431.
([9]) وجذر هذه الفكرة هو القول بنسبية الأخلاق وهذا خارج عن المراد في البحث هنا.
([10]) سورة التوبة: 71.
([11]) الكافي، الكليني، ج5، ص59، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح15.
([12]) وسائل الشيعة، ج16، ص151، باب10، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح6.
([13]) الكافي، الكليني، ج5، ص73، باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة في التعرّض للرزق، ح1.
([14]) الأمالي، الطوسي، مجلس 19، ح1.
([15]) وسائل الشيعة، ج16، ص151، باب10، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح9.
([16]) ن ف، ح2.
([17]) ن ف، ح5.
([18]) ن ف، ح8.
([19]) سورة الأعراف: 164.
([20]) سورة لقمان: 17.
([21]) يقول الشيخ محمد أمين زين الدين¤ ببيان رائع وواضح ما نصّه: "يشترط في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الشخص (أولاً) : أن يكون عالماً بالمعروف الذي يأمر به وعالماً بالمنكر الذي ينهى عنه، فلا يجب عليه الأمر أو النهي إذا كان جاهلاً لا يعلم بحكم ما يأمر به أو ينهى عنه، ويكفي في حصول هذا الشرط أن يكون المكلف عالماً بالحكم بحسب اجتهاده أو تقليده إذا كانا صحيحين، فيجب عليه الأمر بما يعلم بأنّه واجب بمقتضى تقليده الصحيح ويجب عليه النهي عما يعلم بأنّه محرم كذلك، بل ويجب الأمر بالمعروف إذا علم على وجه الإجمال بأن الشخص قد ترك أحد شيئين واجبين عليه في الشريعة، ويجب عليه النهي عن المنكر إذا علم بأن الشخص فعل أحد شيئين يحرم فعلهما وإن لم يعلم به على وجه التعيين، وسيأتي بيان الحكم في ما إذا كان الشخص الذي يأمره أو ينهاه مخالفا له في الاجتهاد أو التقليد". انظر: كلمة التقوى، (1/3)، ص420.
([22]) الكافي، الكليني، ج5، ص59، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح13.
0 التعليق
ارسال التعليق