المؤمنة الرِّسالية الواعية

المؤمنة الرِّسالية الواعية

بسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيْمِ، اللهمَّ صلِّ علَى محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ..

كثُرَ الكلامُ عن المرأة، وعن حقوقها وحريَّتها، وعن دورِها في المجتمع، وهو كلامٌ قديمٌ حديثٌ متكرِّر، فإنَّنا نجدُ جبهةَ الباطل لا تفتر من تحريكِ ملفِّ المرأة وفي جوانب مختلفة، وفي المقابل يضطرُّ المؤمنون للقيام بواجبهم لتصحيح المسار تجاه الأفكار المخالفة للدين والإسلام.

وهذا الأمرُ يدلُّ على أنَّ للمرأة تأثيراً كبيراً في الحياة العامَّة سلباً وإيجاباً؛ ولهذا أصبحتْ محلَّاً للاهتمام العام، ومحلَّاً للتجاذب ومورداً للاستغلال، وحريٌّ بالمرأة المؤمنة أن تعرفَ رأيَ الإسلام فيما يطرح حولها، وعن حقوقها وحريتها وعن دورها الذي أرادَه اللهُ تعالى لها في هذه الحياة.

وهذا لا يحصلُ إلا إذا رجعتْ إلى النَّبعِ الصَّافي الزُّلال الذي لا غِشَّ فيه ولا مآرب خاصَّة، ولا يمكن الوثوقُ بأيِّ جهة مهما حلى كلامُها، وحسن ظاهرُها إلا إذا كان مرجعها القرآن الكريم وأقوال المعصومينq وما بيَّنه العلماء الثقاة الواعون، وما دونَ ذلك فإنَّه من نفْثِ الشَّيطان ومكائدِه وحبائلِه.

وهنا عدَّة نقطتين ينبغي الالتفاتُ إليهما:

النُّقطة الأولى: مصدرُ العلمِ والمعرفة 

يحتاج الإنسان إلى المعرفة والعلم الصحيح في شتى مجالات حياته، ولكلِّ مجالٍ أهلُه، والمرأة كغيرها تحتاج إلى ذلك، إمَّا على المستوى العام المشترك بينها وبين الرِّجال، وإمَّا فيما يخصُّها بشكلٍ مباشرٍ.

ولمَّا كثرت وسائل بثِّ العلم والمعرفة -سواء كانت سليمة أم سقيمة- بين الناس، وسهل الأخذ والعطاء، فكلُّ شخصٍ صَغُرَ أم كبر، عالماً كان أم جاهلاً فإنَّ بإمكانه أن يفتح إليه قناةً في وسائل التواصل الاجتماعي وهو جالس على سريره ويكوِّن إليه جمهوراً واسعاً -حسب همَّته وفنِّه وقدراتِه الخطابية-، لمَّا كان الأمر كذلك صار واجب الانتقاء لازماً وملحاً.

ولا يصحُّ أبداً أن أتابعَ من يعجبني أسلوبُه، طريقتُه، إبداعاتُه الخطابية، دون النَّظر إلى مضمونِ ما يطرح، ودون الاطمئنان بما يوجِّه به النَّاس.

وأنا مسؤول أمامَ الله تعالى بما يرسخُ في ذهني من أفكارٍ ومفاهيمَ مخالفة للشَّرع حتى لو لم أكن أعلم بفساد تلك الأفكار ما دمتُ مختاراً في أصل المتابعة.

فما دمتُ أعلم أنَّ الأكثر الأغلب ينظِّر للدين وهو غير مؤهل لذلك، أو ينظِّر للحياة الاجتماعية، أو ينظِّر لكيفية جلب السعادة، وإلى آخره من عناوين لها المساس المباشر بديني ونمط تفكيري فأنا مسؤول حينئذ عن النتائج.

ورد عن إمامنا الباقرg في تفسير قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}(عبس:24) أنَّه قال: >علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه<، وعنهg أيضاً  قال: >الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة<([1]). فالاحتياط طريق النجاة.

النُّقطة الثَّانية: المرأة الرِّساليَّة

المؤمنةُ -كما الرَّجل- تتحمَّل مسؤوليةً عظيمةً جداً في نصرة الدِّين، وتبليغِ الرِّسالة، ووعيها الرسالي يفرض عليها أن تنظر إلى ما ورد عن أهل البيتq في كيفية أداء هذه الوظيفة، وحدودها، ومواردها، ومجالاتها المختلفة.

وطبيعيٌّ أنَّ الوظيفةَ تختلفُ عن وظيفة الرَّجل، حتى يحصل التَّكامل الذي أراده الله تعالى: {إنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}(آل عمران:195)، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(التَّوبة:71).

ولهذا هنا عدِّة أمور مهمَّة للمرأة الرِّسالة:

أولاً: الصِّفات العامَّة والخاصَّة

هناك صفاتٌ ذكرَها القرآنُ الكريمُ للمؤمنِ والمؤمنةِ على حدٍّ سواء من الإيمان، والتَّقوى، والعمل الصَّالح، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر، والعبادة، وقد تكون التَّقوى أساسُ هذه الصِّفات، فبها تعملُ المرأة بوظيفتها، وبها تتجنَّب المنكرات، وبها تقبلُ ما فرضَ اللهُ تعالى عليها من أحكام خاصَّة.

فالمؤمنة الرساليَّة تتَّصفُ بأنَّها شديدةُ التقوى والحذر من الوقوع في فخِّ الشيطان، وصلبة في دينها كالجبل لا تهزُّها العواصفُ العاتية. 

وهناك صفاتٌ خاصَّة بالمرأة أو أكثر تأكيداً فيها، كصفة السِّتر والحياء والعفة، ولهذا ورد في الدعاء المنسوب للإمام الحجةl: >وتفضل.. وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة<([2])، فنلاحظ تخصيص المرأة بهذا الدعاء.

فالمؤمنة شديدة الحياء، شديدة الستر، شديدة العفة، يشار إلى عفَّتها بالبَنان.

ثانياً: البحثُ عن القدوة الصَّالحة

ما دام للمرأةِ وظيفةٌ تختلفُ في حيثياتِها عن وظيفة الرَّجل -كما أشرنا- فهي تحتاج إلى قدوة خاصَّة من النِّساء، وأعظمُ تلك القدوات من اصطفاهنَّ الله تعالى، ومدحهنَّ وارتضى سيرتهنَّ، وعلى رأسهنَّ السيدة الكبرى فاطمة الزهراءh، والسيدة مريم وخديجة والحوراء زينب والسيدة المعصومة(عليهن السلام جميعا)، فتحتاج المرأةُ إلى قراءة سيرة هؤلاء النسوة، ومعرفة سرِّ عظمتهنَّ عند الله، ويجدر التنبيه على أنَّ معرفة ذلك يحتاج إلى الرُّجوع إلى نظر العلماء الثقاة حتى لا يقع فهم خاطئ لما قام به هؤلاء النِّسوة.

ومن العجب العجاب أنْ نرى بعض النساء والفتيات المؤمنات يلهجن بذكر بعض المشهورات في وسائل التواصل الاجتماعي ممَّن ليس لديهنَّ أدنى معرفة بالدين، أو معرفتهنَّ سطحية، بل الكثير منهنَّ ليس لديهنَّ تديُّن حتى على مستوى الظاهر!! والإنسان بطبيعته يتأثَّر بمن يتابع، خصوصاً إذا لامسَ بعضَ الأمورِ التي يحتاجها فوجدها عند هذا الشخص وافتقدها من الآخرين.

ويمكن القول بأنَّ النِّساء تجاهَ هذه القدوات على أربع أو خمس أقسام:

قسمٌ يحاربُ نهجَ هؤلاء، وقسمٌ لا يعتني بهنَّ لعدمِ العلاقة بهنَّ، وهاذان القسمان بعيدان عن الدِّين.

وقسمٌ ثالثٌ يتَّخذ هؤلاء العظيمات قدوة فتحاول قدر المستطاع أن تحاكيهنَّ في صفاتهنَّ، وسيرتهنَّ، وعفتهنَّ.

وقسمٌ رابعٌ لا يكتفينَ بالاقتداء بهنَّ، بل يدعين الأخريات للاقتداء بهنَّ أيضاً.

والقسم الخامس -وهنَّ الأرقى- هنَّ اللواتي يكونون قدوة لغيرهنَّ من خلال التشبث التَّام بسيرة هؤلاء العظيمات، وتطبيق ذلك على أرض الواقع، بحيث يكونون في أرقى درجات العفة، والستر، والجهاد، والتبليغ المختص بالمرأة. 

ثالثاً: معايير نجاح المرأة

الكلُّ يبحث عن النَّجاح، ويصف منهجَه بأنَّه المنهج الناجح والموصل إلى النجاح، وقد اختلطت المفاهيمُ على كثيرٍ من النِّاس نساءً ورجال، فقد صُنعتْ أوهامٌ لنجاحِ المرأةِ من خلال التَّركيز على بعضِ الأهداف المتواضعة أو الوضيعة، كالتَّركيزِ على جمالِ المرأة من خلال إقامةِ مهرجانات (ملكة الجمال)، أو أنَّ المرأة النَّاجحة هي التي تستطيع الاعتماد الذَّاتي على نفسها، في المال، والعمل، والدراسة، والاهتمامات، والأفكار، وأنَّ المرأة الناجحة هي التي تستطيع مزاحمة الرجال في تخصصاتهم، بل والتفوُّق عليهم، فأصبحت المرأة رياضية، وعاملة متميزة، وتاجرة أعمال مستقلة، وصولاً إلى الاستغناء التَّام عن الرَّجل، بل وعن الأسرة!! وللإسلام رأيٌّ آخرَ مخالفٌ تماماً لكلِّ ذلك تعرفه المرأة المؤمنة الواعية.

ومعيار النَّجاح الحقيقي هو ما ينبغي أن يتوفَّر على أمور مهمَّة؛ لأنَّ النَّجاح ليس دنيوياً فقط، وليس فرديا فقط، بل يشمل الحياة الآخرة، كما يعمُّ ما فيه مصلحة عامَّة للمجتمع المؤمن، فالمعيار لنجاح المرأة يمكن تلخيصه في التالي:

1. أن تكونَ حريصةً كلَّ الحرص على عفَّتِها، وسترها في أيِّ مجال تخوضه. وقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: "كنَّا جلوساً مع رسول اللهe قال: فتذاكرنا النساء وفضل بعضهنَّ على بعض، فقال رسول اللهe: >ألا أخبركم بخير نسائكم؟< قالوا: بلى يا رسول الله فأخبرنا، قال: >إنَّ من خيرِ نسائكم الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان مع غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تبذَّلْ له تبذُّلَ الرَّجُل<([3]).

فمن تخسر عفَّتها بأيِّ عنوانٍ كانَ فهي تخسر أنوثتها الثَّمينة، وتخسر نفسها، وتجعل جسدها سلعة رخيصة لا قيمة لا، وهذا خسران وليس بنجاح.

2. أن تكون ضمن أسرة مؤمنة، ويكون لها التَّأثير الحسن الطيِّب على أولادها وبناتها، بل وعلى زوجها، وإليك مثال ممَّا ركَّز عليه الإسلام، فقد ورد أنَّه "جاء رجلٌ إلى رسول اللهe فقال: "إنَّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمُّك؟! إنْ كنتَ تهتمّ لرزقك فقد تكفَّل لك به غيرُك، وإن كنتَ تهتمّ بأمرِ آخرتِك فزادك اللهُ همَّا، فقال رسول اللهe: >إنَّ لله عُمَّالاً وهذه من عُمَّاله، لها نصفُ أجرِ الشَّهيد<"([4]).

فالمرأة التي تستطيع أن تؤثِّر حتى على الزوج أثراً حسنا وتقوِّي إيمانَه فهي في قمَّة النَّجاح، ويعتبرها النَّبي الأعظمe من جنود اللهِ وعمَّالِه في الأرض.

3. من معايير نجاح المرأة أنْ لا تتلفَ وقتها في التَّجارب الخاسرة كما هو الحال في المجتمعات الغربيَّة أو المجتمعات غير المتديِّنة التي أُقحمت فيه المرأة كتجربة في مجال المساواة والحرية المنفتحة، والابتعاد عن تكوين الأسرة، فقد أدرك بعض هؤلاء النسوة -بعد فوات الأوان- أنهنَّ كنَّ محلًّا للاستغلال والتجارب!! وأنهنَّ كنَّ مجرَّد ألعوبة بيدِ الرجال لا أكثر، فخسرن مستقبلهنَّ بذلك.

ولا ينبغي للمرأة المؤمنة أن تُجنَّدَ ضدَّ الإسلام والدين دون أن تعلم، فتكون مغفَّلة مخدوعة.

4. ومن معاير النَّجاح أنْ تتأقلم المرأة المؤمنة مع الأحكام الشرعية التي اختصها الله بها، حتى لو كانت أحكاماً في ظاهرها تحدُّ من حركتها وحريتها، وأنْ لا تتأثَّرَ بالحملات المستهزئة بالمرأة المتديِّنة، والعفيفة، والمتقيِّدة حرفياً بكلِّ حكمٍ شرعيّ. 

5. ومن معايير نجاح المرأة المؤمنة قدرتها على المواجهة العلمية والثقافية التي تحاك ضدَّها وضدَّ النِّساء بشكلٍ عام، وعدم التأثُّر بالدَّعوات المشبوهة التي يبثُّها أعداء الدين، وقدرتها على تمييز ما فيه صلاح دينها ممَّا فيه خسارة الدين.

6.ضرورة أنْ يكونَ للمرأةِ دوراً إيجابياً في نشر المفاهيم الإسلاميَّة المتعلِّقة بالمرأة علمياً وعملياً، وذلك من خلال: التزامها التَّام بالعفَّة والعباءة، والرِّضا بذلك، بل والافتخار به على غيرها، وأن يكون فكرُها أصيلاً، وأن تستوعب ما ورد في حقِّها في الرِّوايات وأن تأخذ فهمَه من المصدر الموثوق، وأن تسلِّم بذلك وترضى، وأن تعلمَ أنَّ اللهَ تعالى لم يظلمها، -ولا حاجة له تعالى في الظلم- حينما ميَّز الرجل عليها في بعضِ الأحكام، بل أكرمها بالإسلام، وبالعفَّة والحجاب والسِّتر. 

ثمَّ تقوم بترويج ذلك بين النِّساء بقوَّة وثقة وحزم؛ فإنَّ صوتَ المرأةِ لمثيلاتها أكثرُ تأثيراً، وأسرعُ استجابة، وأقلُّ اتِّهاما.

وهذه الأدوار هي التي قامت بها مثل الزهراءh، وابنتها الحوارء زينبh، فختم اللهُ لهما بالرِّفعة، والعزَّة، وخلودِ الذِّكر الحَسَن.

والحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآلِه الطَّيبينَ الطَّاهرين..

 


([1]) الكافي، الكليني، ج1، ص50.

([2]) المصباح، الكفعمي، ص281.

([3]) من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص389.

([4]) من لا حضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص389.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا