ولا تعلموهن الكتابة!!

ولا تعلموهن الكتابة!!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

ورد في الأحاديث المروية عن رسول الله(ص) أنه قال: «لا تنزلوا النساء بالغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور»، فما هو المقصود من هذا الحديث؟! وهل هو صحيح؟ وكيف يمكن تعقل هذا الأمر؟ أَوَ ليس الإسلام يدعو للتقدم والعلم والعمل الصالح؟! فما باله ينهى عن تعليم المرأة الكتابة؟

سنتناول في هذا البحث هذا الحديث من حيث سنده، ومن حيث دلالته، وما يرتبط به من إشكالات، وسيكون البحث في محورين:

المحور الأول: الرواية من حيث السند.

المحور الثاني: الوجوه المتصورة في الدلالة.

المحور الأول: الرواية من حيث السند:

ويجدر بنا في البداية أن نشير إلى أن بعض المواقع الإلكترونية للتكفيريين أخذت الرواية على أنها روايةٌ شيعيةٌ، وبدأت تشنع على مذهب أهل بيت الرسول(ص) بما أوتيت من قوة ووسع، في حين أن هذه الرواية روايةٌ إسلاميةٌ قد نقلها المسلمون شيعتُهم وسنتُهم في كتبهم الروائية، وهذا ما سنوضحه في هذا المحور. فإذا ثبت أن الرواية رُوِيَتْ من قِبَلِ كلا المدرستين الإسلاميتين، أتينا بعد ذلك إلى مناقشتها من حيث رجال سندها، ومدى اعتبار قولهم في المقام.

سند الرواية عند الشيعة:

نُقلت هذه الرواية في كتب الشيعة بأكثر من طريق، فمنها:

1) كتاب الكافي الشريف: «علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص).. الحديث»(1).

2) من لا يحضره الفقيه: «وروى إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه(ع)، عن آبائه(ع)، قال: قال رسول الله(ص).. الحديث»(2).

3) وسائل الشيعة: «محمد بن علي بن الحسين قال: قال أبو عبد الله(ع).. الحديث»(3). وهو تكرارٌ لطريق الشيخ الصدوق(ره).

4) مستدرك الوسائل: «الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي(ع) قال: قال رسول الله(ص).. الحديث»(4).

هذه بعض الطرق الشيعية التي نقلت الرواية عن رسول الله(ص)، وهي وإن أمكن النقاش في بعضها، إلا أنه يكفينا للحكم باعتبار الرواية السند الأول المروي عن كتاب الكافي كما سيتضح.

البحث السندي:

وإليك شيءٌ من ترجمة رجال هذه الرواية:

ـ علي بن إبراهيم بن هاشم: «قال النجاشي: أبو الحسن القمي، ثقةٌ في الحديث، ثبتٌ، معتمدٌ، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً. وقال الطوسي: له كتب»(5).

ـ إبراهيم بن هاشم: «أبو إسحاق القمي، له كتب، أول من نشر حديث الكوفيين بقم، قال النجاشي. وقال الطوسي: ذكروا أنه لقي الرضا(ع) وله كتبٌ. وثَّقه ابن طاووس وادَّعى الاتفاق على وثاقته. وقد روى عنه في كامل الزيارات. وقال العلامة: والأرجح قبول قوله»(6)، وقد عبَّر عنه بأن مقامه فوق الوثاقة، فهو من مشايخ الإجازة والرواية، وهذا ما يغنيه عن التوثيق، بل هو دال على أعلى درجات التوثيق كما قيل. وقال السيد الخوئي: «أقول: لا ينبغي الشك في وثاقة إبراهيم بن هاشم، ويدل على ذلك أمور»(7)، ثم استعرض بعض النقاط الدالة على وثاقته، والمحصلة في إبراهيم بن هاشم هو أنهم يعتبرون رواياته بل يعدونه من الأجلاء.

ـ النوفلي: (الحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك): «قال النجاشي: النوفلي ـ نوفل النخع ـ مولاهم، كوفيٌّ، أبو عبد الله، كان شاعراً أديباً، وسكن الري ومات بها. وقال قوم من القميين: إنه غلا في آخر عمره، والله أعلم؛ وما روينا له روايةً تدل على هذا، له كتاب التقية. عدَّه الطوسي في رجال الرضا(ع). روى عنه في كامل الزيارات. روي عنه بعنوان (النوفلي) في أكثر من ثمانمائة رواية، وفي عمدتها يروي عن السكوني، وحيث إن الأصحاب اعتمدوا على روايات السكوني، استكشف كثير من ذلك اعتبار النوفلي أيضاً، ويمكن أيضاً توثيقه من ناحية أنه من المعاريف، ولم يرد فيه قدح»(8)، فالمتحصل أن رواياته معتبرة في الجملة عند علماء الشيعة؛ فبعضهم يوثقه لروايته عن السكوني، أو لكونه من المعاريف، أو لوروده في كامل الزيارات، وتوجد بحوث مستقلة تناقش وثاقته وعدمها.

ـ السكوني (إسماعيل بن أبي زياد): «قال النجاشي: إسماعيل بن أبي زياد، يعرف بالسكوني الشعيري، له كتاب..

وعده البرقي من أصحاب الصادق(ع)، قائلاً: «كوفي، واسم أبي زياد مسلم، يعرف بالشعيري، يروى عن العوام»، وقال الشيخ: إسماعيل بن أبي زياد السكوني، ويعرف بالشعيري أيضاً، واسم أبي زياد مسلم، له كتاب كبير، وله كتاب النوادر. أخبرنا برواياته ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، وأخبرنا بها الحسين بن أبي عبد الله، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم الشعيري (السكوني).

وعدَّه في رجاله من أصحاب الصادق(ع). وذكره العلامة في الخلاصة، في القسم الثاني(9)، الباب الثاني، من فصل الهمزة وقال: (كان عامياً)، ونفى الحلي الخلاف في ذلك في السرائر في فصل ميراث المجوسي، وصرح بذلك الشيخ في العدة عند البحث عن حجية الخبر عند تعارضه، ولكنه مع ذلك ذكر أن الأصحاب عملت برواياته..

وقد عُدَّ الرجلُ ممن هو متحرج في روايته، وموثوقٌ به في أمانته وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد. وعليه كانت روايته حجةً، على ما نراه من عدم اعتبار العدالة في الحجية»(10).

فتلخص مما تقدم أن رجال هذه الرواية موثّقون عند جملة من الفقهاء، ولهذا يعتبر مشهور الفقهاء رواياتهم بناءً على مبنى الوثاقة وتوثيق النوفلي بأحد الوجوه. فتكون الرواية على هذا معتبرةً سنداً عندهم، وإن أمكن الدغدغة فيها على مبنى الوثوق، وعند من لا يعتبر روايات النوفلي.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالبحث السندي للرواية عند علماء الطائفة الشيعية أعلى الله كلمتهم.

سند الرواية عند السنة:

وكما أن الرواية قد نقلت في مصادر الشيعة بأكثر من طريق، فكذلك قد رويت في كتب السنة بأكثر من طريق، ولعل في بعضها تداخلاً أو عموماً مطلقاً، ومن ضمنها:

1) تفسير السمعاني: «وروى الحاكم أبو عبد الله الحافظ فيما خرجه من الزيادة على الصحيحين برواية شعيب بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة «رضي الله عنها» أن النبي قال في النساء..الحديث»(11).

2) فتح القدير: «وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة مرفوعاً.. الحديث»(12).

3) المستدرك: «حدثنا أبو علي الحافظ، أنبأ محمد بن محمد بن سليمان، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله«صلى الله عليه [وآله] وسلم».. الحديث»(13).

4) زاد المسير: «روى أبو عبد الله الحاكم في صحيحه من حديث عائشة عن رسول الله «صلى الله عليه [وآله] وسلم».. الحديث»(14).

5) تاريخ بغداد: «يحيى بن زكريا بن يزيد، أبو زكريا الدقاق: حدث عن أحمد بن إبراهيم الموصلي وعبد الله بن المثنى أخي أبي موسى الزمن، ومحمد بن إبراهيم الشامي. روى عنه محمد بن مخلد وأبو بكر الشافعي. أخبرنا محمد بن عمر النرسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن زكريا بن يزيد أبو زكريا الدقاق ـ بسوق يحيى ـ حدثنا محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الشامي ـ بعبادان ـ حدثنا شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله «صلى الله عليه [وآله] وسلم».. الحديث»(15).

6) الموضوعات: «فأنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا إسماعيل بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف، أنبأنا أبو أحمد بن عدى، حدثنا جعفر بن سهل، حدثنا جعفر بن نصر، حدثنا حفص، حدثنا عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي «صلى الله عليه [وآله] وسلم».. الحديث»(16).

7) تفسير القرطبي: «وروى حماد بن سلمة عن الزبير بن عبد السلام، عن أيوب بن عبد الله الفهري، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله «صلى الله عليه [وآله] وسلم».. الحديث»(17).

البحث السندي:

تلك جملة من الطرق السنية التي نقلت الرواية عن رسول الله(ص)، وأما قول علماء السنة فيها فهو مختلف، فهذا الحاكم يصحح الرواية وغيره يضعف بعض رجالها، ونحن نذكر هنا شيئاً من أقوالهم بنحو سريع؛ لأنه ما دام سندها معتبراً في إحدى رواياتنا فلا داعي للإطالة في أسانيد غيرنا، إلا بما يدفع التهمة والتشنيع عن مذهب آل رسول الله(ص). فهذه بعض الأقوال في المقام:

- «والثاني حديث عائشة، رواه الحاكم وصححه البيهقي مرفوعاً»(18).

- «هذا الحديث لا يصح، وقد ذكره أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في صحيحه، والعجب كيف خفى عليه أمره. قال أبو حاتم بن حبان: كان محمد بن إبراهيم الشامي يضع الحديث على الشاميين، لا يحل الرواية عنه إلا عند الاعتبار. روى أحاديث لا أصول لها من كلام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، لا يحل الاحتجاج به»(19).

- «الحديث وفي سنده محمد بن إبراهيم الشامي، منكر الحديث ومن الوضاعين. قال الذهبي: قال الدارقطني: كذاب»(20).

- «ورواه الحاكم عنها أيضاً وقال: صحيح الإسناد وخرجه البيهقي في الشعب عن الحاكم، ثم خرجه بإسناد آخر بنحوه، وقال: هو بهذا الإسناد منكرٌ، قال المؤلف: فعلم منه أنه بغير هذا الإسناد غير منكر، وبه رد على ابن الجوزي دعواه وضعفه»(21).

والمحصلة مما تقدم أن بين علماء السنة أخذاً ورداً في توثيق رجال السند، واعتبار هذه الرواية.

وبناءً على ما تقدم من أن الرواية معتبرة السند عند بعض علماء الشيعة، وبناءً على أنها معتبرةٌ كذلك عند بعض علماء السنة، أمكن القول بأنها ثابتةٌ، ونسبتها إلى رسول الله(ص) من كلا الطريقين واقعةٌ، ولكن في الجملة لا بالجملة. وبناءً على ثبوتها سنداً لا بد من بحثها دلالةً والنظر إلى ما يمكن فهمه من الرواية.

المحور الثاني: الوجوه المتصورة في الدلالة:

وما يمكن تصوره في وجه دلالة هذه الرواية لا يخلو من أحد أمرين، فإما أن يقال بأن مفاد الرواية هو النهي عن الكتابة بما هي كتابة، وإما أن يقال بأن النهي عن الكتابة لا بعنوانها، بل بسبب أمور أخرى احتفت بالكتابة في المقام، وهذا ما يمكن أن يُدّعى ويُستقرب، ويأتي في الوجه الثاني التعرض إليه والاستدلال على كونه هو مراد هذا الحديث، فما نذكره من مناقشة في الوجه الأول الذي يقول بأن هناك موضوعية للكتابة إنما هو نقاش تنزلي، فنحن لا نسلم بوجود هذا التعارض أو التزاحم المفترضين، وعليه فإن لم يتم الاستدلال بهما، أو أمكن الخدش في أحدهما فإنه يكفينا البحث في الوجه الثاني المؤونة.

الوجه الأول: هناك موضوعية للكتابة:

وبناءً على التسليم بأن النهي عن الكتابة منصب عليها بعنوانها؛ أي أنه نهي عن الكتابة بما هي كتابة، بناءً على ذلك يمكن النقاش في أن هذا النهي هل يثبت الكراهة في هذا الزمان أيضاً؟ أم أن الكراهة مرتفعةٌ بعنوان من العناوين الثانوية التي تعرض في المقام؟

وقبل البحث عن الكراهة فإنه لا بد من السؤال عن الحرمة باعتبار أن النهي ظاهرٌ في الحرمة وأن الظهور حجةٌ، فكيف انتقل البحث إلى رتبة متأخرة وهي الكراهة دون الحرمة؟

قد يقال: إن سياق الحديث يدور حول الآداب لا الإلزاميات فلا بد من حمل النهي على الكراهة دون الحرمة. فإن ادعي استفادة الحرمة من حكم العقل، حيث أن بإمكانه أن يستفيد حرمة وكراهة من سياق واحد، قلنا إن الحديث منصرفٌ عن الحرمة ولا يوجد تبادرٌ إليها وإن كان أصل النهي في اللغة منصرفاً إلى الحرمة، إلا أن ارتكازات المتشرعة صارفةٌ لمثل هذا الظهور عرفاً، وموجبةٌ لغيره من التبادر، وحيث إن الحكم مورد ابتلاء عام وخصوصاً في هذه الأزمان فإنه لو كان النهي نهياً تحريمياً لذاع واشتهر على ألسن الفقهاء وفي الروايات، وخصوصاً وأنكم تفترضون أن الرسول(ص) كان في مقام بيان حكم تكليفي وهو الحرمة، فإنه حتى وإن كانت الكتابة في زمانه غير رائجة إلا أنها راجت فيما بعد ذلك، فهي حينئذ كانت مترقبة الرواج بنحو شديد، فلا يكفي للتحريم لمثل هذه الحالة العامة المترقبة رواية واحدة غير قطعية الدلالة في الحرمة، فلا أقل من بيان الأئمة(ع) لهذا التشريع الإلزامي في الكتابة الآخذة في الرواج يوماً بعد آخر.

وبعد ذلك نقول: إذا ثبت أن النهي ليس تحريمياً، فإما أن يحمل على الكراهة للموضوعية في تعليم الكتابة، أو أن يقال بعدمها لعدم الموضوعية. ومع التنزل إلى القول بالكراهة لذات تعليم المرأة الكتابة فإنه يمكن أن يعرض عنوان ثانوي يغير الحكم الأولي لتعليم المرأة الكتابة، وأما إذا ثبت وجود التعارض بين رواية البحث وروايات أخرى بنحو مستقر فإن أصل ثبوت الكراهة يكون موضع نظر. فيمكن لنا أن نبحث المسألة من جانبين:

أولا: التزاحم:

وهو أن يكون هناك حكمان شرعيان توجها إلى هذا المكلف ولم يكن بينهما تعارض في عالم الثبوت وجعل الحكم وإيجابه على المكلف، إلا أن قدرة المكلف ضاقت عن الإتيان بكلا هذين التكليفين معاً، فالتنافي بينهما إنما هو في عالم الامتثال والخارج، لا أنه تناف ذاتي بين نفس الحكمين بما لهما من مبادئ.

وهنا يمكن أن يدعى بأن هناك أحكاماً شرعيةً موجهة للمرأة هي أهم ملاكاً من هذا الحكم ـ كراهة تعليمها الكتابة ـ فلا بد في المقام من تقديم الأحكام ذات الملاكات الأهم.

الحكم الأول: تعلم المرأة:

ومن هذه الأحكام الأهم ملاكاً (تعلم المرأة) لأن العلم في نفسه راجح ومطلوب على أقل التقادير، بل هو واجب في بعض الصور، كما لو كان علماً بالأحكام الشرعية المرتبطة بالمرأة من صلاة وصوم وحيض. وقد يقال بأن تعلم هذه الواجبات والأمور الراجحة ليس متوقفاً على تعليم الكتابة، ويمكن أن يستشهد القائل لذلك بوجود نساء لا يُجدن القراءة والكتابة، ومع ذلك فهن على مستوى راقٍ من العلم. إلا أن هذا الإشكال غير وارد، فتشريع الشارع للأحكام لا يكون مبنياً على النظر إلى الفرد النادر والشاذ، بل هو يتناول نوع المشرع لهم، وهذا القول إن تم في عصر من العصور؛ كأن يكون عدد النساء قليلاً، بإمكانهن أن يسألن رسول الله(ص) عن مسائلهن، فإنه لا يتم في هذا العصر مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وانتشار ملايين المسلمين في شتى أقطار العالم، بما في ذلك من تعقيدات في ظروف كل شعب من الشعوب، والتي تصل في بعض الحالات إلى أن يعزل شعب من الشعوب عن العالم بأكمله، بل حتى عن العلوم ومعرفة الأحكام الشرعية، بل عن الغذاء ومستلزمات العيش الضرورية، فهل يمكن ترك الكتابة والقراءة في هذه الحالة؟! والتي قد تكون الطريق الوحيد في معرفة التكليف؟! ولا يمكننا أن نفرق بين الكتابة والقراءة في المقام لأنهما وإن تغايرا حقيقة إلا أنهما متلازمان خارجاً لدى الأعم الأغلب من الناس، ولهذا فلا معنى للقول بالتفريق في تعليم القراءة دون الكتابة، بل حتى إن قلنا بالتفريق فإن التزاحم باق على حاله، فالتكاليف الشرعية الأخرى والأهم ملاكاً ليست بقليلة، فكما أن التعلم واجب في بعض صوره، فكذلك التعليم وهداية الناس واجب في كثير من الحالات، ولا سبيل ـ مجزٍ ومؤدٍ للغرض ـ لإيصال العلم وتعليم الشريعة من دون الكتابة وتعليمها وتعلمها.

فالكتابة ليست أقل حظاً من العلوم الآلية التي تجب لغيرها من العلوم ومعرفة الأحكام الشرعية، فكما أن النحو والصرف وغيرهما من العلوم قد تجب كمقدمة للواجب، فكذلك الكتابة، بل إن تلك العلوم الآلية قائمة بالكتابة، ولا بأس هنا بالإشارة إلى بعض الجنبات التي يتلمس منها وجود هكذا تزاحم في عالم الامتثال.

1- الآيات والروايات الداعية للتعلم:

وردت عدة آيات وروايات تدعو للعلم والتعلم، وهذا مما لا يختلف عليه اثنان، وإنما الدعوى التي تدعى في المقام هي أن الكتابة هي القاعدة والأساس التي ينطلق من خلالها لتحصيل العلوم وإيصالها، ومما جاء في فضل العلم والدعوة إليه في القرآن الكريم:

1) {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(22).

2) {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}(23).

3) {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(24).

ومما روي في طرق العامة من الروايات:

1) عن رسول الله(ص): «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»(25).

2) وعنه(ص): «طلب العلم فريضة على كل مسلم»(26).

3) وعنه(ص): «اطلبوا العلم ولو بالصين»(27).

ومما روي من طرق الخاصة:

1) عن الرسول الأكرم(ص): «طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم في مظانه، واقتبسوه من أهله، فإن تعلمه لله تعالى حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة، تقتبس آثارهم ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى آرائهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلواتها تبارك عليهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، إن العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء الأبصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، ومجالس الأبرار، والدرجات العلى في الآخرة والأولى، الذكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يطاع الرب ويعبد، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال والحرام، والعلم إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله من حظه»(28).

2) عن الأمير(ع): «أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم، وقد ضمنه وسيفي لكم، والعلم مخزون عند أهله [وقد أمرتم بطلبه من أهله] فاطلبوه»(29).

3) وعن الصادق(ع): «لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا»(30).

هذه بعض الشواهد القرآنية والروائية المؤيدة لدعوى التزاحم بين استيفاء ملاك طلب العلم وملاك كراهة تعليم المرأة الكتابة ـ لو سلمت في نفسها ـ وإن كان التزاحم معلقاً على دعوى أن الكتابة هي الطريق المنحصر لتحصيل هذا العلم بنحو مجز، والتي قد يناقش أحدهم فيها. ولهذا ننبه بمثال على ما ندعيه من أن الكتابة طريق لا غنى عنه في العلم المجزي والمبرئ للذمة من التكاليف الإلزامية، أو المحقق للملاكات الأهم وإن كانت مستحبةً على أقل التقادير، وهذا المنبه هو معجزة الرسول الأكرم(ص) بما كان أميّاً؛ حيث جاء بالقرآن المليء بالمعارف والعلوم والتحديات، وهو مع ذلك لم يكن يكتب ـ بغض النظر عن النقاش الدائر في كونه حائزاً لكمال الكتابة أو لا ـ وقد علمنا أن القرآن لم ينزل من السماء مكتوباً في الصحف، فالرسول(ص) لم يتحدَّ القرشيين بكتابة، وإنما تحداهم بقرآن مليء بالعلم والمعرفة، ومع هذا استدلوا على كونه معجزةً بكون النبي(ص) أميّاً لا يكتب، وهذا ما ينبه الوجدان إلى أن الإتيان بالمعارف والعلوم وإيصال أحكام الشرع، ونيل الكمالات المندوبة، والتعرف على الأسرار والحقائق إنما يتم عن طريقة المتعارف وهو تعلم الكتابة والقراءة، هذه قاعدة عادية متعارفة، لا عقلية، فلهذا لا يضر تقييدها وتخصيصها وخروج بعض الأفراد عنها ممن استطاعوا الوصول للعلوم والمعارف بغير طريق القراءة والكتابة، إما لظروفهم المحيطة بهم كأن يكونوا ملتفين حول المعصوم(ع)، وإما لخصوصية فيهم كأن يكونوا معصومين عالمين غير معلمين.

2- الكتابة مقدمة لأداء الواجب ومعرفة الحكم الشرعي:

ذكر الشهيد الثاني في كتابه الشريف «منية المريد في أدب المفيد والمستفيد» استدلالاً لطيفاً على أهمية الكتابة، فقال(ره): «الكتابة من أجل المطالب الدينية وأكبر أسباب الملة الحنيفية، من الكتاب والسنة، وما يتبعهما من العلوم الشرعية، و[ما] يتوقفان عليه من المعارف العقلية. وهي منقسمة في الأحكام حسب العلم المكتوب: فإن كان واجباً على الأعيان فهي كذلك؛ حيث يتوقف حفظه عليها، وإن كان واجباً على الكفاية، وإن كان مستحباً فكتابته مستحبة. وهي في زماننا هذا بالنسبة إلى الكتاب والسنة موصوفةٌ بالوجوب مطلقاً؛ إذ لا يوجد من كتب الدين ما يقوم بفرض الكفاية بالنسبة إلى الأقطار، سيما كتب التفسير والحديث، فإن معالمهما قد أشرفت على الاندراس، وروايات أعلامها قد آذنت بالانتكاس، فيجب على كل مسلم الاهتمام بحالهما كتابةً وحفظاً، وتصحيحاً، وروايةً، كفايةً.

ومن القواعد المعلومة أن فرض الكفاية ـ إذا لم يقم به من فيه الكفاية ـ يخاطب به كل مكلف، ويأثم بالتقصير فيه كل مكلف به، فيكون في ذلك كالواجب العيني إلى أن يوجد ما فيه كفاية»(31).

3- فتاوى الفقهاء حول المرأة والتعلم:

(السؤال: حرمت المرأة في بعض المجتمعات من الثقافة الدينية، فكيف يمكن معالجة ذلك؟

الجواب: يجب الاهتمام بهذا الأمر، فإن المرأة نصف المجتمع، فلا بد من اهتمام العلماء والمبلغين بهذا الجانب، إما بتخصيص وقتهم لإرشادهن وتعليمهن، وإما بتثقيف مجموعة خاصة من النساء ليقمن بتعميم الثقافة الدينية على الباقي، وإما بفتح دورات تثقيفية لهن... إلى غير ذلك مما يتيسر حسب اختلاف الإمكانيات والظروف، ولا أقل من تنبيه الرجال على لزوم اهتمامهم بتثقيف من يتعلق بهم من النساء، وتأكيد ذلك عليهم خروجاً عما يجب عليهم من إرشاد أهاليهم وإنقاذهم من النار، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(32))(33).

(تعلم العلوم والصناعات التي يحتاجها المسلمون والموجبة لتقوية المجتمعات الإسلامية، والباعثة لتفوقهم على الكفار، واجب كفائي على الكل)(34).

فإن كان الطب والتمريض، والرياضيات والصناعة، واستخدام الكمبيوتر، وإقامة الجامعات والأكاديميات، والمؤسسات القوية واجباً كفائياً على الكل، فهل يمكن ذلك من دون تعلم الكتابة؟! بل هي أبرز مصاديق ما يحتاجه المسلمون، والموجبة لتقوية المجتمعات الإسلامية، وأمّ لكل هذه العلوم والصناعات الواجبة في المقام.

الحكم الثاني: التقية:

التقية من العناوين الفقهية التي ينطبق عليها أحد الأحكام الخمسة، وكثيراً ما تكون التقية واجبةً، وهي بهذا النحو أجلى مصاديقها، ولهذا وردت عدة روايات عن أهل بيت العصمة والطهارة تدعو للتقية، وهنا لا بد من الموازنة بين ملاك التقية وبين ملاك ما يقابلها من أحكام لنتعرف على حكمها، فنقدمها إن كان ملاكها أهم من ملاك مقابلها، وإلا فالعكس، كما أن مستند هذا الحكم غير منحصر بالروايات، بل القرآن كذلك أشار إليه في آياته المباركة وبذلك يمكن دفع الشنعة عن مذهب آل الرسول(ص)، فمن الآيات:

- {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ}(35).

- {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}(36).

ولفظة (مؤمن) جاءت مدحاً في القرآن، فلو كانت التقية ـ كتمان الإيمان ـ تنافي ذلك لما عبرت الآية الشريفة عنه بالمؤمن.

ومن الروايات الشريفة:

- عن رسول الله(ص): «رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة»(37).

- وعن الصادق(ع): «المؤمن مجاهد لأنه يجاهد أعداء الله عز وجل في دولة الباطل بالتقية، وفي دولة الحق بالسيف»(38).

- وعن الرضا(ع): «رفع القلم عن شيعتنا، فقلت [الراوي]: يا سيدي كيف ذاك؟ قال: لأنه أخذ عليهم العهد بالتقية في دولة الباطل، يأمن الناس ويخوفون ويكفرون فينا، ولا نكفر فيهم، ويقتلون بنا، ولا نقتل بهم، ما من أحد من شيعتنا ارتكب ذنباً أو خطأً إلا ناله في ذلك غمٌّ يمحص عنه ذنوبه، ولو أنه أتى بذنوب بعدد القطر والمطر، وبعدد الحصى والرمل، وبعدد الشوك والشجر، فإن لم ينله في نفسه ففي أهله وماله، فإن لم ينله في أمر دنياه وما يغتم به تخايل له في منامه ما يغتم به فيكون ذلك تمحيصاً لذنوبه»(39).

وبناءً على كل ذلك يمكن القول بأن كراهة تعليم المرأة الكتابة وإن كان لعنوان كونها كتابة، فإنها مزاحمة في الخارج بلزوم التقية للزوم الشنعة وتوهين المذهب، بل للزوم الإساءة للإسلام كل الإسلام بعد أن ثبت في بداية البحث كون الرواية الناهية عن تعليم المرأة الكتابة رواية إسلامية ينقلها رواة السنة والشيعة.

هذا تمام الكلام في المزاحمة، وهي وإن لم تثبت في عنوان من العناوين، وأمكن النقاش في هذا العنوان، إلا أن العناوين الأخرى واضحة التزاحم مع هذه الكراهة الذاتية لتعليم المرأة الكتابة، على فرض التسليم بها.

ثانيا: التعارض:

ويدّعى في هذا العنوان أن هذه الرواية الناهية عن تعليم المرأة الكتابة معارضة بروايات عديدة تدعو للكتابة، ولهذا نستعرض شيئاً من هذه الروايات التي تتعارض مع رواية البحث على فرض كون النهي عن الكتابة بعنوانها، فإن تم هذا الادعاء وإلا انتقلنا إلى الوجه الثاني لإثبات عدم الموضوعية للكتابة في هذا النهي، بل موضوع الكراهة أمر آخر كان محتفاً بتعلم الكتابة ومع انتفائه فلا كراهة.

الروايات الداعية للكتابة:

ونذكر بعض الروايات من المصادر الإسلامية الشيعية والسنية:

- عن رسول الله(ص): «قيدوا العلم. قيل: وما تقييده؟ قال: كتابته»(40).

- عن رسول الله(ص): «سبعة أسباب يكتب للعبد ثوابها بعد وفاته: رجل غرس نخلاً، أو حفر بئراً، أو أجرى نهراً، أو بنى مسجداً، أو كتب مصحفاً، أو ورث علماً، أو خلف ولداً صالحاً يستغفر له بعد وفاته»(41)، ومحل الاستشهاد قوله(ص) «أو كتب مصحفاً»، ولا خصوصية للرجل في الرواية وإن عبرت بـ «رجل»، وهذا ما يفهم بقرينة قوله(ص): «يكتب للعبد ثوابها» المنصرفة عن خصوصية الذكورة والأنوثة.

- عن رسول الله(ص): «اكتبوا العلم قبل ذهاب العلماء، وإنما ذهاب العلم بموت العلماء»(42).

- وعنه(ص): «من كتب عني علماً أو حديثاً لم يزل يكتب له الأجر ما بقي ذلك العلم والحديث»(43).

- روي أن رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبي(ص) يستمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي(ص)، فقال له النبي(ص): «استعن بيمينك، وأومأ بيده أي خطَّ»(44).

- عن الأمير(ع): «رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك»(45).

- عن الإمام الحسن(ع) أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال: «إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته»(46).

- عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: «اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا»(47).

- وعنه(ع): «القلب يتكل على الكتابة»(48).

- عن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله(ع) قال: «احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها»(49).

- عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله(ع): «اكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مُتَّ فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمانٌ هرجٌ لا يأنسون فيه إلا بكتبهم»(50).

- الصدوق في أماليه بإسناده إلى النبي(ص) قال: «إن المؤمن إذا مات وترك ورقةً واحدةً عليها علم كانت الورقة ستراً فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تعالى بكل حرف مدينةً أوسع من الدنيا وما فيها، ومن جلس عند العالم ساعةً ناداه الملك: جلست إلى عبدي، وعزتي وجلالي لأسكننك الجنة معه ولا أبالي»(51).

- عن جميل، عن أبي عبد الله(ع) قال: سمعته يقول: «مَنَّ الله على الناس برهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولو لا ذلك لتغالطوا»(52).

فإن قيل بعد أن استعرضنا هذه الروايات بأنه لا تعارض مستقراً في المقام، فكل هذه الروايات الداعية للكتابة إنما هي عمومات وإطلاقات، ولا ضير في تخصيصها وتقييدها برواية البحث، فتكون الكتابة مطلوبة من الرجال دون النساء. فقد يجاب بأن هذا التقييد والتخصيص ليس وارداً وإن سلمنا أن النهي عن تعليمهن الكتابة بعنوانها؛ أي إن سلمنا بموضوعية الكتابة في هذا النهي. وعليه يكون هذا التعارض مستقراً وذلك لأن العمومات والإطلاقات على نحوين، منها ما يكون آبياً عن التخصيص والتقييد، ومنها ما هو غير آبٍ عن التقييد والتخصيص، وهذه الروايات الداعية للكتابة آبيةٌ عن التقييد والتخصيص، وذلك يستشم من عدة من النصوص بلغت من الكثرة ما يوجب الاطمئنان بأن الروايات الداعية للكتابة والتعلم وبشكل مطلق ـ يشمل المرأة ـ منسجمة مع روح الشريعة وذوق الشارع، فالشارع الأقدس مع كل هذه الدعوات المتكثرة يبعد، أو يستحيل منه أن ينهى عن الكتابة بعنوانها، ولو في حق فرد أو جنس من بني الإنسان، وإنما يكون نهيه عنها إن احتفت بعنوان آخر أخذ في ملاكه المبغوضية ولو بنحو لا يوصلها إلى الحرمة، ولا مبغوضية في ملاك الكتابة بما هي كتابة، فبالإضافة لما تقدم من نصوص في الدعوة للكتابة، نضيف بعض الأحاديث والتعليقات الدائرة حول آيتين قرآنيتين تخدمان البحث.

آيتان من القرآن في الكتابة:

قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}(53).

وقال عز من قائل: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}(54).

1- الروايات المحتفة بالآيتين الكريمتين:

وقد وردت روايات في التعليم بالقلم، نذكر منها:

- الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: عن عبد الله بن عمر، ما معناه أنه قال: قلت لرسول الله(ص): لا يمكن إلا أن أكتب ما أسمعه منك من الأحاديث لئلا أنساه، فقال: «لا بأس، اكتب، فإن الله علم بالقلم ـ قال ـ والقلم من الله نعمة عظيمة، ولو لا القلم لم يستقم الملك والدين، ولم يكن عيش صالح»(55).

- توحيد المفضل: برواية محمد بن سنان، عنه، عن الصادق(ع)، قال: قال: «تأمل يا مفضل ما أنعم الله «تقدست أسماؤه» من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره ـ إلى أن قال ـ وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين، وأخبار الباقين للآتين، وبها تخلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب، ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض، وأخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم، وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلى النظر في أمر دينهم، وما روي لهم مما لا يسعهم جهله، ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة، وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه ـ إلى أن قال ـ فأصل ذلك فطرة الباري عز وجل، وما تفضل به على خلقه، فمن شكر أثيب، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين»(56)، ولا مزيد على ما نطقت به هذه الرواية.

2- أقوال العلماء في الآيتين الكريمتين:

- قال علي بن إبراهيم في تفسيره: «في قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}، يعني علم الناس الكتابة، التي تتم بها أمور الدنيا والآخرة، في مشارق الأرض ومغاربها»(57).

- قال العلامة الطباطبائي(ره): «وقوله: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} الباء للسببية؛ أي علم القراءة أو الكتابة والقراءة بواسطة القلم، والجملة حالية أو استئنافية، والكلام مسوق لتقوية نفس النبي(ص) وإزالة القلق والاضطراب عنها، حيث أمر بالقراءة وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، كأنه قيل: اقْرَأْ كتاب ربك الذي يوحيه إليك ولا تخف، والحال أن ربك الأكرم الذي علم الإنسان القراءة بواسطة القلم الذي يخط به فهو قادر على أن يعلمك قراءة كتابه وأنت أمي وقد أمرك بالقراءة، ولو لم يقدرك عليها لم يأمرك بها.

ثم عمم سبحانه النعمة فذكر تعليمه للإنسان ما لم يعلم فقال: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، وفيه مزيد تقوية لقلب النبي(ص) وتطييب لنفسه.

والمراد بالإنسان الجنس كما هو ظاهر السياق، وقيل: المراد به آدم(ع)، وقيل: إدريس(ع) لأنه أول من خط بالقلم، وقيل: كل نبي كان يكتب وهي وجوه ضعيفة بعيدة عن الفهم»(58).

أقول: ورد في بعض الروايات أن قوله تعالى: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} «يعني علم عليّاً الكتابة لك ما لم يعلم من قبل ذلك»(59)، فلو تمت مثل هذه الرواية قيل بأنه لا مانع من كون كلا التفسيرين صحيحين بناءً على الجري وأن القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر، فيكون علي(ع) مصداقاً من مصاديق الإنسان الذي علم بالقلم. إلا أن يصرف هذا القول بما يأتي بعد ذلك من قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}(60)، ويؤيده بيان صاحب الكتاب ـ علي بن إبراهيم ـ في ذيل الرواية: «قال علي بن إبراهيم في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قال: اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم، {الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} قال: من دم، {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} قال: علم الإنسان الكتابة التي بها يتم أمور الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها، ثم قال: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى*أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} قال: إن الإنسان إذا استغنى يكفر ويطغى وينكر»(61).

وإذا كان كذلك تم القول بأن المقصود بالإنسان هو جنسه كما ذهب إليه العلامة الطباطبائي.

وبعد كل هذا يتضح ما تقدم منا من تصوير للتلازم بين تعلم العلوم وبين تعلم الكتابة، وتتضح الدعوة للكتابة بنحو مطلق يشمل كلا الجنسين، آبية عن التقييد والتخصيص لعمق هذه الدعوة في روح الشريعة وذوق الشارع.

قال العلامة الطبرسي في ذيل الآية {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}: «والقلم هو الذي يكتب به(62)، أقسم الله تعالى به لمنافع الخلق، إذ هو أحد لساني الإنسان يؤدي عنه ما في جنانه، ويبلغ البعيد عنه ما يبلغ القريب بلسانه، وبه يحفظ أحكام الدين، وبه تستقيم أمور العالمين، وقد قيل: إن البيان بيانان: بيان اللسان، وبيان البنان، وبيان اللسان تدرسه الأعوام، وبيان الأقلام باق على مر الأيام»(63).

قال العلامة الطباطبائي: «قوله تعالى: {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} القلم معروف، والسطر بالفتح فالسكون وربما يستعمل بفتحتين ـ كما في المفردات ـ الصف من الكتابة، ومن الشجر المغروس ومن القوم الوقوف وسطر فلان كذا كتب سطراً سطراً. أقسم سبحانه بالقلم وما يسطرون به وهو المكتوب فإن القلم وما يسطر به من الكتابة من أعظم النعم الإلهية التي اهتدى إليها الإنسان، يتلو الكلام في ضبط الحوادث الغائبة عن الأنظار والمعاني المستكنة في الضمائر، وبه يتيسر للإنسان أن يستحضر كل ما ضرب مرور الزمان، أو بعد المكان دونه حجاباً.

وقد امتن الله سبحانه على الإنسان بهدايته إليهما وتعليمهما له فقال في الكلام {خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}(64)، وقال في القلم: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، فإقسامه تعالى بالقلم وما يسطرون إقسام بالنعمة، وقد أقسم تعالى في كلامه بكثير من خلقه بما أنه رحمة ونعمة كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار إلى غير ذلك حتى التين والزيتون»(65).

وخلاصة القول أن دعوى التعارض إن تمت فلا كراهة، وإلا فقد يقال بأن كل ما ذكر في مبحث التعارض لا يشكل سوى عمومات ظاهرة في الشمول للرجل والمرأة، ولكن هذا الظهور إما أن ينهدم برواية البحث، أو أنه يسقط عن الحجية لأن رواية البحث أظهر في النهي عن تعليم المرأة، ولا بد من تقديم الأظهر على الظاهر، وعلى هذا فالتعارض ليس مستقراً.

فالمحصلة من الوجه الأول أن التعارض غير المستقر لا يمكن أن ننفي به الكراهة، ولكن التزاحم تام، فكثير من العناوين الثانوية تعرض في المقام فتنفي الكراهة، بل توجب تعليم المرأة في كثير من الحالات، ولا أقل من باب كون التعليم مقدمة للواجب فبذلك يثبت وجوبها الغيري العقلي أو الشرعي، بحسب المبنى.

الفواطم الزاكيات يكتبن:

وهذه بعض الشواهد والمؤيدات نأتي بها من غير ملاحظة للسند، وإنما نسوقها لتدعيم ما مر من استدلال على مطلوبية الكتابة من المرأة كما هي من الرجل. ومما يذكر في المقام:

- الزهراء(ع) تكتب وصيتها: البحار، عن كتاب مصباح الأنوار: عن أبي جعفر(ع). قال محمد بن إسحاق: وحدثني أبو جعفر محمد بن علي(ع): «إن فاطمة(ع) عاشت بعد رسول الله(ص) ستة أشهر، قال: وإن فاطمة بنت رسول الله(ص) كتبت هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد(ص) في مالها إن حدث بها حادث، تصدقت بثمانين أوقية تنفق عنها، من ثمارها التي لها كل عام في رجب بعد نفقة السقي ونفقة العمل، وأنها أنفقت أثمارها العام وأثمارها(66) القمح عاماً قابلاً في أوان غلتها، وأنها أمرت لنساء محمد أبيها(ص) خمساً وأربعين أوقية، وأمرت لفقراء بني هاشم وبني عبد المطلب بخمسين أوقية، وكتبت في أصل مالها في المدينة، أن عليّاً(ع) سألها أن توليه مالها، فيجمع مالها إلى مال رسول الله(ص) فلا تفرق، ويليه ما دام حيّاً، فإذا حدث به حادث دفعه إلى ابنيَّ الحسن والحسين فيليانه، وإني دفعت إلى علي بن أبي طالب على أني أحلله فيه، فيدفع مالي ومال محمد(ص) ولا يفرق منه شيئاً، يقضي عني من أثمار المال ما أمرت به وما تصدقت به، فإذا قضى الله صدقتها وما أمرت به، فالأمر بيد الله تعالى وبيد علي(ع)، يتصدق وينفق حيث شاء لا حرج عليه.

فإذا حدث به حدث دفعه إلى ابنيَّ الحسن والحسين، المال جميعاً مالي ومال محمد(ص)، ينفقان ويتصدقان حيث شاءا ولا حرج عليهما، وإن لابنة جندب يعني بنت أبي ذر الغفاري التابوت الأصغر، ويعطيها في المال ما كان، ونعلي الآدميين والنمط والحب والسرير والزربية والقطيفتين، وإن حدث بأحد ممن أوصيت له قبل أن يدفع إليه، فإنه ينفق عنه في الفقراء والمساكين، وإن الأستار لا يستر بها امرأة إلا إحدى ابنتي، غير أن عليّاً يستتر بهن إن شاء ما لم ينكح، وإن هذا ما كتبت فاطمة(ع) في مالها وقضت فيه، والله شهيد، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام، وعلي بن أبي طالب كتبها(67)، وليس على علي حرج فيها(68) فعل من معروف، قال جعفر بن محمد(ع): قال أبي: هذا وجدناه، وهكذا وجدنا وصيتها»(69).

- تعلمي ما فيها: (الكافي: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عبد العزيز، عن زرارة عن أبي عبد الله(ع) قال: «جاءت فاطمة تشكو إلى رسول الله(ص) بعض أمرها، فأعطاها رسول الله(ص) كربة وقال: تعلمي ما فيها، فإذا فيها: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت»(70).

- فاطمة المعصومة(ع) تكتب: نقل في الكتابات وعلى ألسنة الخطباء عن كتاب كشف اللآلي لابن العرندس الحلي أن جمعاً من الشيعة قصدوا بيت الإمام موسى بن جعفر(ع) للتشرف بلقائه والسلام عليه، فأخبروا أن الإمام(ع) خرج في سفر، وكانت لديهم عدة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسيدة فاطمة المعصومة(ع) ثم انصرفوا. وفي اليوم التالي ـ وكانوا قد عزموا على الرحيل إلى وطنهم ـ مروا ببيت الإمام(ع)، ورأوا أن الإمام(ع) لم يعد من سفره بعد، ونظرا إلى أنه لا بد لهم أن يسافروا، طلبوا مسائلهم على أن يقدموها للإمام(ع) في سفر آخر لهم للمدينة، فسلمت السيدة فاطمة(ع) المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولما رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم. وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظم(ع) وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم، فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل، فلما نظر في المسائل وأجوبتها، قال ثلاثا: «فداها أبوها».

- فاطمة بنت الحسين(ع): ينقل خطباء المنابر أن إحدى بنات الإمام الحسين(ع) وهي المسماة بفاطمة الصغرى (فاطمة العليلة) بقيت في المدينة ولم تخرج مع ركب الإمام الحسين(ع) إلى كربلاء لأنها كانت عليلةً، وأنها كتبت كتاباً إلى الحسين(ع) وأعطته أعرابياً ليوصله إلى الإمام الحسين(ع) في كربلاء. ومن ثم يتفنن الشعراء الحسينيون في تصوير هذه القصة في أبياتهم الرثائية، ولم أجد مصدراً ينقل هذه الحادثة.

نساء أهل البيت والرواية:

وهذا عنوان آخر نسوقه لتجميع القرائن، ولا ندعي أنه دليل على المطلوب لوحده. وقد نسب إلى نساء أهل البيت(ع) أنهن يروين بعض الروايات، وهذا ما يدعو لاحتمال كونهن يكتبن، وخصوصاً وأن بعض الروايات تنقل تفاصيل ربما تغيب عن الذهن إذا لم تقيد بالكتابة، وأنه قد عبر عن بعضهن بأن لها كتاب.

وقد جاء في مستدركات علم رجال الحديث:

(علية بنت مولانا السجاد(ع): لها كتاب في الحديث، يروي عنها زرارة)(71).

وكذلك فإن الرواة تنقل روايات عن السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(ع)، وعن فاطمة بنت الإمام الحسين(ع)، وإن ذكر بعضهم أنها تروي مرسلاً عن جدتها فاطمة وعن أبيها. وكذلك ما ينقل من رواية عن حكيمة بنت الإمام الجواد...

ويستدل بعضهم برواية عامية قاصرة عن الدلالة على مطلوبية تعليم المرأة، وهي ما رواه أبو بكر بن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علينا النبي «صلى الله عليه [وآله]وسلم» وأنا عند حفصة فقال لي: «ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة»(72).

نساء المسلمين يكتبن:

ومن ضمن ما نأتي به من مؤيدات هو ما نقل عن كتابة بعض نساء المسلمين في محضر الإمام المعصوم(ع)، فقد ورد في امرأة الهيثم بن الأسود أنها: كانت علوية الرأي، تكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل وتدفعها إلى عسكر علي(ع) بصفين فيدفعونها إليه(73).

والمحصلة مما تقدم:

والمحصلة مما تقدم أن هذه الروايات المنسوبة عن كتابة الزهراء(ع) والفواطم إن صحت فبها، وإلا فإنها مع غيرها من الأحاديث والقصص تشكل قرينةً على مطلوبية الكتابة من النساء أيضاً.

وأقصى ما يمكن أن يقال في أمثالها أنها روايات موضوعة، وضعها المسلمون أو الشيعة لمدح رموزهم من النساء العظيمات وإبرازها على أنها فضائل لهن. وهنا وعلى فرض كونها من الموضوعات، وأنه لم تصح أي منها، فإنها تكشف عن ارتكاز عام متغلغل في وجدان المتشرعة على اختلاف أجناسهم، ومفاد هذا الارتكاز هو مطلوبية الكتابة بشكل مطلق شامل للمرأة، ويزداد هذا الارتكاز شدةً في كون النهي عن الكتابة بما هي كتابة غير متصور، ولو على نحو الكراهة، ومنشأ هذا الارتكاز هو السيل الهادر من النصوص الدينية التي أشرنا فيما سبق إلى بعضها. وأما فيما يتعلق بالفواطم الزاكيات والكتابة فإنه قد يقال بعدم الملازمة بين كتابتهن وبين تعليم الرسول والأئمة لهن فإنهن عالمات غير معلَّمات، إلا أن العرف لا يدقق في أمثال هذه الخصائص، بل يرى معرفتَهن للكتابة دعوةً للكتابةِ ومقدماتها.

الوجه الثاني: لا موضوعية للكتابة:

والصحيح أن الكتابة لا موضوعية لها في هذا النهي، والذي اعتبر سند روايته على أحد الطرق كما مر في بداية البحث، بل إنما كان النهي لخوف المفسدة، وأما مع أمن المفسدة، ومع الاطمئنان بعدمها فلا محل للنهي، فهو إذن نهي عن تعليم الكتابة لا بعنوانها. فإن قيل بأن الأصل في العناوين التي تؤخذ في النصوص هو الموضوعية لا الطريقية وأن الخروج عن الموضوعية يحتاج إلى قرينة فلعل خوف المفسدة حكمة من حكم النهي عن تعليمهن الكتابة لا علة، وعليه فمع الأمن من المفسدة لا ينتفي النهي لأنه إنما ينتفي بانتفاء علته لا حكمته، قلنا إن هناك عدة قرائن تبين أن النهي ليس لذات الكتابة بل لخوف المفسدة، وبناءً على ذلك لا يكون التعارض بين الروايات الداعية للكتابة وبين رواية البحث تعارضاً مستقراً، بل يمكن الجمع العرفي بين القسمين بجعل النهي على من خيف عليها ولم تأمن الفساد، دون غيرها. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بما يأتي من عناوين.

وقفة مع الحديث لاستنطاقه:

يمكننا أن نتعقل النهي عن تعليم المرأة الكتابة وبشكل واضح حينما نتصور أن الكتابة ربما كانت في ذلك الزمن سبباً لاتصال النساء بالرجال، بنحو يميزها عن غيرها من الأمور فتعد حينها من الأمور التي يخشى منها الفساد على المرأة، فهي ليست كالآلات المشتركة بمقدار ما تكون كآلات اللهو، وأقرب مثال يوضح هذه الحالة في زماننا المعاصر هو «البلوتوث»، الذي تكون الفتاة في غنى عن استخدامه في أغلب الحالات، وإن عد آلة مشتركة، فهو جائز في نفسه، ما لم يصل إلى حد المقدمة الموصلة للحرام، ولكن مع ذلك الجواز يبقى أنه سبب لعدم الاطمئنان على الفتاة، خاصة مع ظروف الاختلاط في الجامعات والأكاديميات، حيث إنها بمجرد أن تفتحه فإنه يستقبل أي ملف يرسله الآخرون، وبهذا تكون في معرض الفساد. وهذا التقريب يمكن فهمه من خلال نص الرواية، حيث تقول: «لا تنزلوا النساء بالغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور»، فإن المقصود من الغرف هو ما يكون في أعلى البيت؛ أي ما يكون مطلاً على الخارج، وهذا ما يسبب الاتصال بالخارج والقرب من الرجال، الذي هو مظنة لاتصالهن بالرجال، وداع لخوف الفساد. وقد قال الشاعر في ذلك:

 

نظرة فابتسامة فسلام

                        فكلام فموعد فلقاء

 

 

ولا بأس هنا بتوضيح أقسام البيت بالتعبيرات التي كانت سائدةً في السابق:

الدار وهي ما نعبر عنه بالبيت.

البيت وهو ما نعبر عنه بالغرفة أو الحجرة أو الدار.

الغرفة وهي ما يكون في أعلى البيت (العلية).

أقوال في توضيح معنى الغرفة:

* ما جاء في لسان العرب لابن منظور: وذكر ابن منظور في معنى الغرفة عدة أمور:

- (الغرفة: العلية، والجمع غُرُفات، وغُرَفات، وغُرْفات، وغُرَف).

- (الغرفة: السماء السابعة).

- (الغرفة: حبل معقود بأُنشوطةٍ يُلقى في عنق البعير)(74).

* ما جاء في مفردات الراغب الإصفهاني:

(والغرفة: عُلِّية من البناء، وسمي منازل الجنة غُرَفا. قال تعالى: {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}(75)، وقال: {لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً}(76)، {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}(77))(78).

* ما جاء في الميزان:

(قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً}، الغرفة ـ كما قيل ـ البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت، وهي كناية عن الدرجة العالية في الجنة)(79).

وقد ورد في نفس رواية البحث في إحدى طرقها العامية تصريح بكون الغرفة في الأعلى، فقد روى ابن عباس عن النبي(ص) هذه الرواية فكان منها: «ولا تسكنوهن الغرف العلالي»(80).

فمن هنا ندرك ما تقدم من أن المرأة إذا ما كانت تسكن في أعلى الدار فإنها تكون في معرض الاتصال بالرجال بحسب ما كان سائداً في الدور القديمة.

القرائن المؤيدة لهذا المعنى من الرواية:

يمكننا استفادة أن النهي في الرواية إنما هو لخشية المفسدة من قوله(ص): «وعلموهن سورة النور»، حيث إن سورة النور مليئة بالموعظة وبعيدة عما يوجب الإثارة وتحريك الغريزة لدى المرأة، وفيها ما يخوف من يهم بالفاحشة من الجزاء المترتب عليها، وهذا ما صرحت به الرواية المنسوبة للأمير(ع) حيث قال فيها: «لا تعلموا نساءكم سورة يوسف، ولا تقرؤوهن إياها فإن فيها الفتن، وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ»(81)، وكذلك فقد روى الصدوق(ره) عن الصادق(ع): «لا تنزلوا النساء الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، ولا تعلموهن سورة يوسف، وعلموهن المغزل وسورة النور»(82). وفي رواية أخرى ينسب الإمام الصادق(ع) هذا المعنى إلى جده الرسول الأكرم(ص) بما فيه النهي عن تعليمهن سورة يوسف، ومن المقطوع به في هذه الروايات عدم الموضوعية في النهي عن تعليمهن سورة يوسف؛ أي النهي عنها بما هي قرآن، وهذا خير قرينة على أن الكلام هو الكلام في تعليمهن الكتابة، وخصوصاً مع وحدة السياق، والذي يستفاد منه أن كل هذه التحفظات إنما هي من باب الخشية على المرأة، وذلك في قول الأمير(ع) في سورة يوسف: «فإن فيها الفتن»، وهل من قرينة أشد من هذا التصريح؟! وقوله(ع) في سورة النور: «فإن فيها المواعظ». هذا أولاً، وأما ثانياً فإن الكتابة بما هي كتابة، وبما هي مورد امتنان على الإنسان كما تصرح به النصوص، فهي كمال مطلوب وإلا لما وردت مورد الامتنان على الإنسان، ومن هذه الناحية نقطع بعدم الخصوصية للرجل. وثالثاً: يمكننا أن نتمسك بالانصراف والتبادر الحاصل من هذه الرواية، وهو تبادر إلى غير الموضوعية في النهي، وهذا الانصراف حاصل وخصوصاً مع معرفة ذوق الشارع فيما يتصل بستر المرأة وعفافها وصونها، وإليك بعض القرائن والمؤيدات لهذا المعنى الذي جعل الإسلام فيه للمرأة خصوصيةً ما،وليس ذلك لعنوان هذه الأحكام في نفسها، وإنما ذلك لما يخشى عليها من فساد وانحراف، فمن هذه الأمور:

1) كراهة ابتداء النساء الشابات بالسلام، والحال أن السلام في نفسه من المستحبات، وقد نسب للأمير(ع) قوله: «أفشوا السلام»(83)، إلا أن الخشية المتقدمة هي سبب هذه الكراهة، فقد نسب للأمير(ع) أيضاً أنه كان يكره السلام على الشابة، وأنه قال: «أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل من الإثم علي أكثر مما طلبت من الأجر»(84).

2) استروهن بالبيوت.

3) باعدوهن من الرجال.

4) لا تسكنوهن الغرف.

5) خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.

6) علموهن الغزل وسورة النور.

7) ما ورد من أمثلة وقصص في تاريخ نساء أهل البيت(ع) كضرب ستر للزهراء(ع) لتلقي خطبتها من خلفه، وكخروج السيدة زينب(ع) لزيارة قبر الرسول(ص) ليلاً والأمير أمامها والحسنان(ع) عن جنبيها، فإذا وصلوا للقبر الشريف أخمد علي(ع) ضوء القناديل.

8) ليس على النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة، ولا جماعة، ولا عيادة المريض، ولا اتباع الجنائز، ولا إجهار بالتلبية، ولا الهرولة بين الصفا والمروة، ولا استلام الحجر الأسود، ولا دخول الكعبة.

9) وجاء في كيفية صلاتها: فإذا قامت في صلاتها ضمت رجليها ووضعت يديها على صدرها، وتضع يديها في ركوعها على فخذيها، وتجلس إذا أرادت السجود سجدت لاطئة بالأرض، وإذا رفعت رأسها من السجود جلست ثم نهضت إلى القيام، وإذا قعدت للتشهد رفعت رجليها وضمت فخذيها.

10) وليس للنساء من سروات الطريق شيء ولهن جنبتاه.

11) وإذا حضر ولادة المرأة وجب إخراج من في البيت من النساء كيلا يكن أول ناظر إلى عورتها.

12) وإذا قامت المرأة من مجلسها فلا يجوز للرجل أن يجلس فيه حتى يبرد.

13) ولا يجوز للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية؛ لأنهن يصفن ذلك لأزواجهن.

14) ولا يجوز لها أن تتطيب إذا خرجت من بيتها.

15) ولا يجوز لها أن تتشبه بالرجال لأن رسول الله(ص) لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال.

16) ولا يجوز للمرأة أن تصافح غير ذي محرم إلا من وراء ثوبها، ولا تبايع إلا من وراء ثوبها.

17) وإذا صلت المرأة وحدها مع الرجل قامت خلفه ولم تقم بجنبه.

وفي هذه الكلمات المستفادة من الروايات دلالة واضحة على حرص الإسلام على ستر المرأة وإيلائه المرأة أهميةً خاصةً فيراعي كل ما من شأنه أن يحفظها ويصونها، إلى درجة أنه يعبر عن بعض هذه الأمور بالواجبة وهي ليست كذلك بالوجوب الشرعي، وإنما شددت الروايات لبيان أهمية هذه الأمور، وضرورة عدم التساهل والتسامح فيها.

صلاة المرأة في بيتها:

وتبعاً لما جاء في الروايات، فإن علماءنا يفتون بكون صلاة المرأة في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، وصلاتها في مخدعها خير لها من الصلاة في أي بيت آخر من بيوت الدار، وأنها إذا صلت في بيتها فإنه يحسب لها ثواب الصلاة في المسجد الذي تنوي الصلاة فيه، فتنال فضيلة الصلاة المعدة لكل مسجد، فإن كانت الصلاة في هذا المسجد تعد بألف صلاة وكانت تريد الصلاة فيه فإنها تنال ثواب الصلاة فيه عندما تصلي في بيتها.

مسجد المرأة بيتها:

(ورد في الأنثى بأن الأفضل في حقها الصلاة في البيوت، وفي النص «أنها خير مساجد نسائكم»)(85).

ثواب صلاة المرأة في بيتها هو ثوابها في المسجد:

«(والأفضل المسجد) لغير المرأة أو مطلقاً بناءً على إطلاق المسجد على بيتها بالنسبة إليها كما ينبه عليه، (وتتفاوت) المساجد (في الفضيلة) بحسب تفاوتها في ذاتها، أو عوارضها ككثيرة الجماعة: (فالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة) ومنه الكعبة وزوائده الحادثة وإن كان غيرهما أفضل، فإن القدر المشترك بينهما فضله بذلك العدد، وإن اختص الأفضل بأمر آخر لا تقدير فيه كما يختص بعض المساجد المشتركة في وصف بفضيلة زائدة عما اشترك فيه مع غيره (والنبوي) بالمدينة (بعشرة آلاف) صلاة، وحكم زيادته الحادثة كما مر (وكل من مسجد الكوفة والأقصى) سمي به بالإضافة إلى بعده عن المسجد الحرام (بألف) صلاة (و) المسجد (الجامع) في البلد للجمعة، أو الجماعة وإن تعدد (بمائة، و) مسجد (القبيلة) كالمحلة في البلد (بخمس وعشرين، و) مسجد (السوق باثنتي عشرة).

(ومسجد المرأة بيتها) بمعنى أن صلاتها فيه أفضل من خروجها إلى المسجد، أو بمعنى كون صلاتها فيه كالمسجد في الفضيلة، فلا تفتقر إلى طلبها بالخروج، وهل هو كمسجد مطلق أو كما تريد الخروج إليه، فيختلف بحسبه؟ الظاهر الثاني»(86).

صلاة المرأة في مخدعها:

(والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن، وأفضل البيوت بيت المخدع؛ أي بيت الخزانة في البيت)(87).

ومما يدل على ما ذكرناه من تأويل لمعنى الرواية، وأن النهي عن الكتابة لا بعنوانها، بل لخوف المفسدة تأويل بعض العلماء لها بهذا المعنى.

كلمات علماء الشيعة في تأويل الرواية:

1) النراقي في جامع السعادات: «ولذلك ورد في الأخبار منعهن عن تعلم سورة يوسف(ع) إذ استماعهن لأمثال القصة المذكورة فيها ربما أدى إلى انحرافهن عن طريق العفة(88)، قال أمير المؤمنين(ع): «لا تعلموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرؤوهن إياها فإن فيها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ»، وقال(ع): «لا تحملوا الفروج على السروج فتهيجونهن للفجور»، وقال رسول الله(ص): «لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن الغزل وسورة النور». وبالجملة: مقتضى العقل والنقل أن يمنعن عن جميع ما يمكن أن يؤدي إلى فساد وريبة، وعن مبادئ الأمور التي تخاف غوائلها»(89).

2) السيد السيستاني (استفتاءات): (س: «لا تنزلوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتابة ولا تعلموهن سورة يوسف وعلموهن المغزل وسورة النور» هذا حديث جداً غريب، وهل فعلاً يعقل عدم تعليمهن الكتابة؟! وفي حديث آخر يقول: «العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، وما المقصود من عدم إنزالهن الغرف، وعدم تعليمهن سورة يوسف؟

ج: سنده غير معتبر، ولعل هذه أوامر تخص الوضع الاجتماعي في ذلك الزمان والمكان، والحديث متصل إلى الرسول(ص) وما كان المجتمع آنذاك بحاجة إلى تعلم الكتابة وتعميمه حتى للنساء، ولعله كان موجباً لبعض المفاسد، وهكذا سائر ما ورد فيه)(90).

3) السيد الشيرازي: «وعن محمد بن علي بن الحسين قال: قال أبو عبد الله: «لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة ولا تعلموهن سورة يوسف، وعلموهن المغزل وسورة النور»- الحديث.

أقول: المراد بالنهي ما كان معرض الفتنة»(91).

هذا بعض ما وجدته من تأويل العلماء للرواية، وهناك غيرهم ممن قال بهذا المعنى.

كلمات علماء السنة في تأويل الرواية:

1) القرطبي في تفسيره: «وكذلك تعليم الكتابة ربما كان سبباً للفتنة، وذلك إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى، والكتابة عين من العيون، بها يبصر الشاهد الغيب، والخط هو آثار يده»(92).

2) الشوكاني في نيل الأوطار: «قال الشوكاني في نيل الأوطار على حديث المنتقى وحديث عائشة: إن حديث الشفاء دليل على جواز تعليمهن، وحديث النهي: محمول على من يخشى من تعليمها الفساد، أعني تعليم الكتابة والقراءة»(93).

وبعد كل ما تقدم، وما خلصنا إليه من أن النهي هو في خصوص من يخشى عليها الفساد، ولم تصل الخشية إلى حد العلم بالوقوع في الحرام، وإلا لكانت الكتابة مقدمة موصلة للحرام فتحرم بذلك.

وعلى ذلك قد يقال بإمكان الإفتاء بعدم الكراهة في تعليم من لا يخشى عليها ذلك، بل يقال بالاستحباب والوجوب في بعض الأحيان كما تقدم خلال البحث، والمرجع في المقام هو ما يفتي به علماؤنا أعلى الله كلمتهم.

حكم الفقهاء في المسألة:

1) الشيخ المفيد: يفهم من كلامه أنه يفتي بالكراهة: «ويكره للنساء الحرائر الشابات أن يكون سكناهن في الغرف الشارعات، ويكره لهن تعلم الكتابة وقراءة الكتب، ولا ينبغي لهن أن يتعلمن من القرآن سورة يوسف خاصة دون غيرها، ويتعلمن سورة النور»(94).

2) الشيخ الحر العاملي: وقد عنون أحد أبواب كتابه «وسائل الشيعة» بعنوان: (باب كراهة إنزال النساء الغرف وتعليمهن الكتابة وسورة يوسف، واستحباب تعليمهن الغزل وسورة النور، ووجوب أمر الأهل بالمعروف ونهيهم عن المنكر)(95)، فبناءً على أنه يعنون الأبواب بما يفتي به، فحينها تستفاد الكراهة من قوله(ره).

3) السيد كاظم الحائري: «س: هل كراهة تعليم المرأة الكتابة ثابتةٌ لما ورد من نهي في رواية معتبرة؟ أو أن عنواناً ثانوياً يطرأ في المقام؟

ج: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا إشكال في تعليمها ولا يلتفت لمثل هذه الروايات»(96).

4) السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: «س: هل كراهة تعليم المرأة الكتابة ثابتةٌ لما ورد من نهي في رواية معتبرة؟ أو أن عنواناً ثانوياً يطرأ في المقام؟

بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ج: يظهر من بعض النصوص ذلك، ولم يتيسر لنا الفرصة لبحث حيثيات الموضوع، وعلى كل حال فهناك عناوين ثانوية تقتضي رجحان دراسة المرأة وخدمتها للمجتمع. وفقكم الله تعالى»(97).

5) ويظهر مما تقدم من تأويل للرواية عند السيد السيستاني والسيد الشيرازي أنهما لا يقولان بالكراهة.

 

* الهوامش:

(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص516، ح1.

(2) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص442، ح4535.

(3) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج6، ص185.

(4) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص259، باب كراهة إنزال النساء الغرف...

(5) الموسوعة الرجالية الميسرة، الشيخ الترابي والشيخ الرهائي، ج1، ص572، رقم 3660.

(6) نفس المصدر، ص42، رقم 211.

(7) معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج1، ص317، الطبعة القديمة.

(8) الموسوعة الرجالية الميسرة، ج1، ص292، رقم 1945.

(9) وفي هذا القسم ذكر من لا يعتمد على روايته.

(10) معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج3، ص105- 107، الطبعة القديمة.

(11) تفسير السمعاني، السمعاني، ج3، ص497.

(12) فتح القدير، الشوكاني، ج4، ص3.

(13) المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج2، ص396.

(14) زاد المسير، ابن الجوزي، ج5، ص339.

(15) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج14، ص227، رقم 7520.

(16) الموضوعات، ابن الجوزي، ج2، ص268.

(17) تفسير القرطبي، القرطبي، ج20، ص121.

(18) أضواء البيان، الشنقيطي، ج9، ص20.

(19) الموضوعات، ابن الجوزي، ج2، ص269.

(20) عون المعبود، العظيم آبادي، ج10، ص268.

(21) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج3، ص651.

(22) الزمر: 9.

(23) المجادلة: 11.

(24) فاطر: 28.

(25) منية المريد، الشهيد الثاني، ص99، نقلا عن بعض الجوامع السنية.

(26) نفس المصدر، ص99.

(27) نفس المصدر، ص103.

(28) نفس المصدر، ص108- 109.

(29) نفس المصدر، ص109.

(30) نفس المصدر، ص112.

(31) نفس المصدر، ص339- 340.

(32) التحريم: 6.

(33) مرشد المغترب، السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، ص416.

(34) منتخب المسائل، السيد مفتي الشيعة، ص651، مسألة 2536.

(35) آل عمران: 28.

(36) غافر: 28.

(37) التوحيد، الشيخ الصدوق، ص353.

(38) ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3653.

(39) عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق، ج1، ص261، رقم: 8.

(40) منية المريد، الشهيد الثاني، ص340.

(41) ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص2124.

(42) نفس المصدر، ج3، ص2663.

(43) نفس المصدر، ج3، ص2663.

(44) منية المريد، الشهيد الثاني، ص340.

(45) ميزان الحكمة، ج3، ص2662.

(46) منية المريد، ص340.

(47) نفس المصدر.

(48) نفس المصدر.

(49) نفس المصدر، ص340- 341.

(50) نفس المصدر، ص341.

(51) نفس المصدر، ص341.

(52) الفصول المهمة في أصول الأئمة، الحر العاملي، ج1، ص687.

(53) العلق: 3.

(54) القلم: 1.

(55) نفس المصدر، ص258.

(56) نفس المصدر، ص258- 259.

(57) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج13، ص258.

(58) الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج30، ص324.

(59) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج9، ص252، نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم.

(60) العلق: 6-7.

(61) بحار الأنوار، ج9، ص252، نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم.

(62) وذكر ذلك للاختلاف في حقيقة القلم والمعنى المقصود منه في القرآن الكريم.

(63) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج54، ص362.

(64) الر حمن: 3-4.

(65) الميزان في تفسير القرآن، ج29، ص367- 368.

(66) وفي البحار: "وأثمار القمح".

(67) في البحار: "كتبتها" وصاحب المستدرك قد نقلها عن البحار.

(68) والظاهر أن الصحيح: "فيما" كما هو المثبت في رواية البحار.

(69) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص54- 56، عن البحار، فيما نقله العلامة المجلسي عن مصباح الأنوار

(70) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص61- 62.

(71) مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج8، ص588.

(72) مسند أحمد، أحمد بن حنبل، ج6، ص372.

(73) مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي، ج8، ص562.

(74) لسان العرب، ابن منظور، ج10، ص54.

(75) الفرقان: 75.

(76) العنكبوت: 58.

(77) سبأ: 37.

(78) مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ص605.

(79) الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج15، ص245.

(80) الموضوعات، ابن الجوزي، ج2، ص268.

(81) الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص516.

(82) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص374، رقم 1089.

(83) الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص645.

(84) مستند الشيعة، المحقق النراقي، ج16، ص61.

(85) شرح تبصرة المتعلمين، الشيخ ضياء الدين العراقي، ج1، ص423.

(86) الزبدة الفقهية في شرح الروضة البهية، الترحيني، ج2، ص89- 92، وقد نقلنا متن اللمعة للشهيد الأول مع شرحه للشهيد الثاني.

(87) العروة الوثقى، السيد اليزدي، ج1، ص452، مسألة: 4.

(88) أثارت بعض المواقع التكفيرية شبهة بغرض الطعن في مذهب أهل البيت (ع) فقالوا: إن الشيعة يقولون بأن القرآن يسبب الانحراف والضلال فلذلك يجب عدم تعليم النساء سورة يوسف، فالنتيجة أنه يجب طمس القرآن لأنه سبب للضلال والانحراف بينما يصرح القرآن أنه هدى للعالمين، وأنه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

والجواب على هذه الشبهة أن القرآن هدى كله، ونور كله، ولا اختلاف فيه، وإنما الكلام في القابل والمتلقي لهذا القرآن، فقد يكون قابلا ضعيفا لا يؤثر فيه القرآن، بل قد يتأثر سلبا ببعض القرآن، وهذا لا لنقص في القرآن، بل لخلل في نفس المتلقي، وضعف واعوجاج في سليقته، فكان لا بد له من أن يصلح مواطن الخلل في نفسه حتى يستفيد من القرآن كما ينبغي، ولا نطيل كثيرا في رد الشبهة، فالقرآن بنفسه يصرح في آياته أنه يضل بعضا من الناس:

{إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين} [البقرة: 26].

{وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة: 124- 125]

(89) جامع السعادات، النراقي، ج1، ص241.

(90) استفتاءات، السيد السيستاني، ص576- 577، من برنامج مكتبة أهل البيت، والظاهر أن الجواب صادر من قبل مكتبه لا من قبله.

(91) منتخب المسائل، السيد الشيرازي، فصل (يستحب لحامل القرآن ملازمة الخشوع والعبادة).

(92) تفسير القرطبي، القرطبي، ج20، ص122.

(93) أضواء البيان، الشنقيطي، ج9، ص20.

(94) أحكام النساء، الشيخ المفيد، ص56.

(95) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج20، ص176.

(96) استفتاء أرسلناه على الموقع الإلكتروني لسماحته.

(97) استفتاء أرسلناه على الموقع الإلكتروني لسماحته.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا