وقفة مع آية {للذكر مثل حظ الأنثيين}

وقفة مع آية {للذكر مثل حظ الأنثيين}

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَّى الله وسلَّم على محمد وآله.

حاول البعض متمحّلاً أن يجعل من ميراث البنت مساوياً لميراث الابن من أبيهما، ففي سنة (1955 م) وفي فترة رئاسة عبد الكريم قاسم للعراق استُصدر قانونٌ للأحوال الشخصية، ومن مواد ذلك القانون المخالفة لشريعة الإسلام هي المادة (74) الناصّة على مساواة الأنثى للذكر في إرثهما من أبيهما، وقد اعتذر محمد نجيب الرويعي لعبد الكريم قاسم عن تلك المخالفة بأنَّ الله لم يأمر بالتفريق في الإرث، إنّما قال {يُوْصِيْكُمُ} ولم يقل (يأمركم)، وقد لفت إلى هذا الأمر ضيف ندوة المنبر الديموقراطي الباحث العراقي د.رشيد الخيوتي، على ما في العدد (6094) من صحيفة الأيام البحرينية الصادر بتاريخ 14/11/2005م.

ولمناقشة ما أدلى به الخيوتي مجال واسع ومن وجوه شتى:

الأول: إنّ الإيصاء ـ مِنْ أوصى يوصي ـ لغةً بمعنى الأمر على ما نصّ عليه الفيّومي في المصباح المنير قائلاً (أوصيته بالصلاة أمرته بها)(1)، وفي لسان العرب لابن منظور (أوصى الرجلَ ووصّاه  عهد إليه – إلى أن قال – وأوصيته ووصّيته إيصاءً وتوصيةً بمعنىً)(2) وعلى ما ذُكر فما أفاده قوله سبحانه " يُوصِيكُمُ " من حيث الإلزام لا يقصر عمّا تفيده جملة (يأمركم)، ولعلّ السّر في اختيار التعبير ب" يُوصِيكُمُ " دون التعبير ب (يأمركم) أنّ الأول يختزن معنى الشفقة والحدب، ويُشعِر بتحسّس ما ينبغي أن يكون عليه أمر الميراث، ومثل هذا التعبير أدخل في قبول متعلّقه والعمل به، بخلاف التعبير بـ(يأمركم) الذي يغفل ما أشرنا إليه من معنى لطيف.

الثاني: إنّ القرآن قد استعمل مفردتي الإيصاء والتوصية وكذا مفردة العهد في موارد لا يحتمل فيها غير معنى الأمر والفرض والإلزام، منها قوله سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} الآية(3) وقوله:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأوصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً* وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}(4)، وقوله:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(5).

الثالث: إنّ ذيل آية {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أولادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ...} ما يلي:"{فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}(6)، فماذا يبقى في النفس لمفردة (الإيصاء) من احتمال دون الإلزام والفرض بعد أن كان ذيل الآية بهذا الوضوح والنصوصيّة؟!

الرابع: إنّ القرآن بعد أن فصَّل ذكر أنحاء الورثة ومواريثهم في آيتين، وهما الآية الحادية عشرة والآية الثانية عشرة من سورة النساء ـ قال مبتدِئاً الآية الثالثة عشرة ومثنياً بالآية الرابعة عشرةـ :{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}(7)، وبعد ملاحظة ما تضمّنته هاتين الآيتين من توصيف هاتيك الأحكام بـ(الحدود) مما يؤذن بمنع تجاوزها والتخطي عنها إلى غيرها، ومن وعيد بالخلود في النار والعذاب المهين فلا ينقضي العجب ممن يسعى وبالتواءٍ مفضوح لصرف آية {يُوصِيكُمُ اللهُ...} عن واضحها من الفرض واللزوم إلى ما سواهما.

الخامس: إن مدرك تشريع إرث الذكر والأنثى من أبيهما وعلى نحو التضعيف ليس منحصراً في صدر آية {يُوصِيكُمُ اللهُ...} فإنّه إلى جانب ما ذكرناه من أمر ذيل هذه الآية، والآيتين {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ..} {وَمَنْ يَّعْصِ اللهَ..} تحضرنا رواياتٌ واضحٌ منها كون هذا التشريع الملزم من المرتكزات، وأنه بمنزلة العرش بالنسبة إلى نقشه، والنقش هو سر هذا التشريع وحكمته، لذا كان السؤال عنهما في الروايات دون أصل التشريع، بل هو أمرٌ يعرفه عن دين الإسلام كلُّ من له أدنى معرفةٍ به وبتشريعاته.

من هذا الروايات ما رواه الكليني والصدوق والبرقي بأسانيدهم الصحاح عن الأحول قال: قال ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً، ويأخذ الرجل سهمين ؟ قال: فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد الله(ع) فقال: (إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة، وإنّما ذلك على الرجال، فلذلك جَعَل للمرأة سهماً وللرجل سهمين)(8).

وعلاوةً على كل ما قدمناه فإن هذه المسألة ضرورية الثبوت، فلا مجال للنظر فيها.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلَّى الله على محمد وآله.

 

* الهوامش:

(1) التحقيق في كلمات القرآن 13: 128.

(2) التحقيق في كلمات القرآن 13: 128

(3) سورة الأنعام: 151.

(4) سورة مريم: 31، 32

(5) سورة يس: 60. 61.

(6) سورة النساء:11.

(7) سورة النساء: 13، 14.

(8) الوسائل 26: 93 ب2 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ح1.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا